هذا هو ديننا​

محمد جمال



من براعة ديننا اغتنامه لما كان محمودا في العرب قديما من صفات، لكنه هذبها، ووضع لها حدودا وضوابط؛ فهذب «الشجاعة والإقدام» بتشريع الجهاد متى توافرت أسبابه ودواعيه، وهذب «الكرم»، وقد اشتهر به العرب، ووضع له ضوابط على أساسها يحمد بها ويذم، وحمد لهم ستر النساء وصيانة الكلمة والوفاء بالعهود، وأقر حزب الفضول.. وغير ذلك، مما يدل على أن الدين لم يأت للهدم وليغير لمجرد التغيير، بل هو دين بناء، يهدم القبيح ويقر الحسن، وصدق المصطفى الأمين حيث يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».


وجاء الإسلام مخاطبا العقل البشري مرتقيا به، حاثا أتباعه على التدبر في آيات الكون المرئية {ہأَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} (الغاشية:17-20)؛ فدخل الناس في دين الله أفواجا قناعة ويقينا بهذا الدين، الذي جعل النظر والتأمل في حد ذاته عبادة يثاب فاعلها: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} (الذاريات:20-21).


هذا، ولم يفرض الإسلام على الناس فرضا ولم يكره الناس على اعتقاده {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة:256)، بل دعا إلى التأمل والنظر؛ داعيا إلى إعمال العقل، وهو ما يدل على احترامه للإنسان كإنسان، وأنه ليس مجرد طقوس تؤدى دون النظر في المقاصد والمآلات، فالإسلام دين يحترم العقل، ومن احترامه له أن وجه طاقة هذا المخلوق للنظر والإبداع والابتكار وحسن التصرف في المواقف والأحداث {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } (البقرة:269)، وحث أتباعه على التأليف والتدوين، فكان المسلمون في عصور نهضتهم سفراء خير في مجالات متعددة من العلوم والفنون والمعارف.


يقول إبراهيم الحيدري: «كان العرب والمسلمون يشكلون مرجعية ثقافية لمفكري أوروبا حتى عصر النهضة، حيث انعقدت علاقات ثقافية مباشرة، سبقت الحروب الصليبية بين المسلمين والأوروبيين. وقد تأثر الأوروبيون بمنجزات الحضارة الإسلامية في مختلف فروع المعرفة، خصوصا في الحركة الفلسفية والعلمية التجريبية، التي كانت أول حركة تنويرية، قامت على أيدي المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين. وكانت حصيلة تلك العلاقات الثقافية نقل كثير من الأعمال الفلسفية والعلمية إلى اللغة اللاتينية، خصوصا أعمال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، مما أدى إلى إغناء الثقافة الأوروبية بأهم مصادر الثقافة العالمية آنذاك».


بل إن أول معجم عربي لحفظ اللغة العربية من اللحن كان واضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي هو معجم «العين».



وغير ذلك مما حفلت به البشرية، وكانت خير زاد لها يوجه خطواتها ويعالج خطأها ويهدي حائرها.