صفة التواضع عند الطفل​



علياء ناصف


إن الكثير من الآباء والأمهات بقصد أو بدون قصد يبثون في نفوس أبنائهم صفات الغرور والاختيال بالنفس.. فغالبيتنا العظمى يسمع كلمات من قبل الوالدين للطفل والطفلة مثل «أنت الأفضل».. «أنت الأقوى».. «انت الأجمل».. «أنت الأكثر تفوقا» وغيرها الكثير من صيغ أفعل التفضيل التي هي الأكثر تأثيرا في تغليب معاني الأنا والنرجسية والكبر والغرور لتكون عاملا قويا في إضفاء الكبر على شخصيات الأطفال، فنكون بذلك أمام ثمرة لإنسان مغرور تسيطر عليه آفة الكبر.. تلك الصفة المذمومة التي نهى عنها المولى عزوجل في كتابه الكريم في أكثر من موضع، فعلى سبيل المثال لا الحصر قوله عزوجل: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18).


كما جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على التواضع وتنهى عن الكبر والعجب والغرور: فعلى سبيل المثال لا الحصر عن عياض بن حمارٍ "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» (رواه مسلم).


ومن هنا جاءت الأهمية القصوى لأن نبث في وجدان أبنائنا وبناتنا التضاد الجذري لهذه الصفة الذميمة، ألا وهي صفة التواضع.. تلك الصفة التي تجعل الإنسان أقرب إلى ربه وأقرب إلى الناس من حوله، فالإنسان بطبيعته وفطرته البشرية يميل إلى التواد والتقارب مع كل من هو متواضع غير مختال بنعمة أو متكبر بمنحة هي فيض إلهي عليه لا من فعل نفسه التي لا تقدر على شيء إلا بإرادة خالقها العظيم.


الثقة بالنفس ليس مرادفا للغرور


إن الطفل عندما يتعود وينشأ على أن فكرة الثقة بالنفس ليست هي المرادف للزهو بالنفس والتكبر على الآخرين، يترسخ داخل وجدانه فكرة ومعنى التواضع الحق.. حين نربيه ونعوده على أنه عندما ينجح في امتحانه أو يؤدي أي مهمة مطلوبة منه بمهارة وإتقان يتوجه بالشكر الفوري إلى الله لأنه عزوجل هو من تفضل عليه بالتوفيق والسداد.. وعندما نثني على أداء الطفل في أي فعل محمود يقوم به نقوم أمامه بحمد الله وشكره على أن وفقه على أداء هذه المهام والأفعال.. وعندما يُثني الآخرون على الطفل يكون حديثنا معه على أن ما مدحه وأثنى عليه الآخرون فيه هو نعمة الله عليه وعطيته إياه، ولذلك ففي كل الأحوال علينا أن نرسخ ونعزز قيمة الشكر والحمد لله داخل وجدان أطفالنا بقوة.. ومن منا لم يسمع المقولة الشهيرة أن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر..


التطبيق العملي


نأتي إلى مرحلة التطبيق العملي كوسيلة أساسية لتعميق معنى التواضع في عقل وقلب الطفل.. وتأتي في مقدمتها تعويد الطفل على الصلاة منذ عمر السابعة والعمل على إفهامه أن الله يأمر جميع البشر أيا كان سمتهم ورسمهم وحسبهم ونسبهم.. أيا كانت طبقاتهم الاجتماعية؛ فقراء كانوا أم أغنياء بالصلاة والوقوف أمام خالقهم.. جميعهم في ذلك سواء وسواسية.. أيضا نتطرق إلى العبادات الأخرى كالصيام والزكاة والحج، والعمل على أن يستوعب الطفل أن الأفضلية بين الناس هي أفضلية تقوى لا أفضلية شكل أو جاه أو منصب مصداقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13).


ثم نأتي إلى ضرورة اصطحاب الطفل إلى الدور الخيرية المختلفة حتى لا يعيش الطفل في برج عاجي لا علاقة له بأحوال مجتمعه من حوله.. وهنا نأتي إلى خطأ كبير في أن يكون الاصطحاب من جانب الأهل للأطفال عندما يتعلق الأمر بالذهاب إلى دور الأيتام أو مؤسسات الرعاية الخاصة بالأطفال مجهولي النسب؛ لأن الطفل ربما لا يستوعب أنه ربما يجرح أحاسيس ومشاعر قرنائه ممن ليس لهم أب أو أم بكلمة أو تعبير لا يقصده ويشعرهم أنه له مأوى خاص به في حين أنهم محرومون من هذه النعمة.. وإنما يكون هنا دور المدرسة ومؤسسات التعليم، فعندما تكون هناك رحلات جماعية تحت رعاية مؤسسات التعليم يكون الأطفال في هذه الحالة سواسية مع الأطفال الآخرين بمعنى أنهم يكونون بصحبة معلميهم ومدرسيهم لا والديهم مما يحقق جو الألفة المطلوب بينهم وبين الأطفال الآخرين.