منزلة الصدق - وهي منزلة القوم الأعظم. الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين. وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران. وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه. ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه. من صال به لم ترد صولته. ومن نطق به علت على الخصوم كلمته. فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال. وهو أساس بناء الدين، وعمود فسطاط اليقين. ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين. ومن مساكنهم في الجنات تجرى العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,قسم الله سبحانه الناس إلى صادق ومنافق. فقال {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم}
والإيمان أساسه الصدق. والنفاق أساسه الكذب. فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر.
وأخبر سبحانه: أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه. قال تعالى {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} وقال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله. فالصدق: في هذه الثلاثة.
فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال، كاستواء السنبلة على ساقها. والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة. كاستواء الرأس على الجسد. والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص. واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة، فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق. وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به: تكون صديقيته. ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: ذروة سنام الصديقية، سمي الصديق على الإطلاق [مدارج السالكين - بن القيم]