تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    اسم لكتاب عظيم الفائدة للإمام العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطى رحمه الله
    ذب فيه عن أيات الكتاب المجيد ما لعله يوهم التناقض وحاشا وكلا فلو وجد المشركون ذلك لصاحوا طرباً لوجدان ضالتهم للطعن فى النبى ودينه

    قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً

    وساق أجزاء من هذا الكتاب المبارك فى كتابه المتحف المبهر أضواء البيان

    فننقل بعض ما تعرض له العلامة لما يجهله كثير من المسلمين أو يحدث لهم إشكال فى فهمه أو يعجز عن الرد على الطاعنين فى الكتاب المنزه
    ونشير لمن أراد التوسع أنه قد شرح الكتاب المبارك فضيلة الشيخ العلامة محمد اسماعيل المقدم
    هنا

    https://ar.islamway.net/collection/3...AA%D8%A7%D8%A8
    قال الشيخ

    قوله تعالى : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم

    /
    اللام في قوله " لنبلونكم " موطئة لقسم محذوف .

    وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير شعبة عن عاصم بالنون الدالة على العظمة في الأفعال الثلاثة ، أعني لنبلونكم ، ونعلم ، ونبلو .

    وقرأه شعبة عن عاصم بالمثناة التحتية .

    وضمير الفاعل يعود إلى الله وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الله - جل وعلا - يبلو الناس أي يختبرهم بالتكاليف ، كبذل الأنفس والأموال في الجهاد ليتميز بذلك صادقهم من كاذبهم ، ومؤمنهم من كافرهم - جاء موضحا في آيات أخر ، كقوله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله .

    وقوله تعالى :أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين.

    وقوله تعالى :أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون .

    وقوله تعالى : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين

    وقوله تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب

    وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة حتى نعلم المجاهدين .

    وقد قدمنا إزالة الإشكال في نحوه في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه

    فقلنا في ذلك ما نصه : ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون .

    وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله - جل وعلا : وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور .

    فقوله : والله عليم بذات الصدور بعد قوله : " ليبتلي " - دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ; لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار .

    وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه .

    ومعنى إلا لنعلم أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب (أى علم واقع علم شهادة )فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك ، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس ، أما عالم السر والنجوى ، فهو عالم بكل ما سيكون ، كما لا يخفى . ا هـ .

    قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه : ( وهذا العلم هو العلم الذي يقع عليه به الجزاء لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم ، فتأويله : حتى نعلم المجاهدين علم شهادة ، لأنهم إذا أمروا بالعمل يشهد منهم ما عملوا فالجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة ، ونبلو أخباركم نختبرها ونظهرها ) انتهى محل الغرض منه .

    وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه : ( ولنبلونكم أيها المؤمنون بالقتل وجهاد أعداء الله حتى نعلم المجاهدين منكم ، يقول : حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم وأهل الصبر على قتال أعدائه فيظهر ذلك لهم ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه ، وأهل الإيمان من أهل النفاق ، ونبلو أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب ) انتهى محل الغرض منه بلفظه .

    وما ذكره من أن المراد بقوله حتى نعلم المجاهدين الآية : حتى يعلم حزبنا وأولياؤنا المجاهدين منكم والصابرين - له وجه ، وقد يرشد له قوله تعالى : ونبلو أخباركم أي نظهرها ونبرزها للناس .

    وقوله تعالى : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ; لأن المراد بميز الخبيث من الطيب ظهور ذلك للناس .

    ولذا قال : وما كان الله ليطلعكم على الغيب ، فتعلموا ما ينطوي عليه الخبيث والطيب ، ولكن الله عرفكم بذلك بالاختبار والابتلاء الذي تظهر بسببه طوايا الناس من خبث وطيب .

    والقول الأول وجيه أيضا ، والعلم عند الله تعالى

    وقال فى تفسير سورة السجدة

    قوله تعالى : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون

    ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، وأنه يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة .

    وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن ، وقد بين في سورة " الحج " ، أن اليوم عنده تعالى كألف سنة مما يعده الناس ، وذلك في قوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ، وقد قال تعالى في سورة " سأل سائل " : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

    وقد ذكرنا في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " الجمع بين هذه الآيات من وجهين :

    الأول : هو ما أخرجه ابن أبي حاتم ، من طريق سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة " الحج " ، هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ، ويوم الألف في سورة " السجدة " ، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى ، ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة .

    الوجه الثاني : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر ، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ، وقوله تعالى : يقول الكافرون هذا يوم عسر

    وقد أوضحنا هذا الوجه في سورة " الفرقان " ، في الكلام على قوله تعالى : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ، وقد ذكرنا في " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " : أن أبا عبيدة روى عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من ابن عباس وسعيد بن المسيب سئل عن هذه الآيات ، فلم يدر ما يقول فيها ، ويقول : لا أدري انتهى

    وننقل بعضاً من درر العلامة اللغوى المفسر الشنقيطى من كتابه أضواء البيان



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان ومعنى قوله تعالى إنى متوفيك

    قال العلامة محمد الأمين الشنقيطى فى كتابه أضواء البيان فى تفسير القرآن بالقرآن
    قوله تعالى

    قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } .
    التحقيق أن الضمير في قوله : وإنه راجع إلى عيسى لا إلى القرآن ، ولا إلى النبي .
    ومعنى قوله : { لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَة } على القول الحق الصحيح الذي يشهد له القرآن العظيم ، والسنة المتواترة ، هو أن نزول عيسى في آخر الزمان ، حيا علم للساعة أي علامة لقرب مجيئها لأنه من أشراطها الدالة على قربها .
    وإطلاق علم الساعة على نفس عيسى ، جار على أمرين ، كلاهما أسلوب عربي معروف .
    أحدهما : أن نزول عيسى المذكور ، لما كان علامة لقربها ، كانت تلك العلامة ، سبباً لعلم قربها ، فأطلق في الآية المسبب وأريد السبب .
    وإطلاق المسبب وإرادة السببن أسلوب عربي معروف في القرآن ، وفي كلام العرب .
    ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى : { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً } [ غافر : 13 ] .
    فالرزق مسبب عن المطر والمطر سببه ، فأطلق المسبب الذي هو الرزق وأريد سببه الذي هو المطر للملابسة القوية التي بين السبب والمسبب .
    ومعلوم أن البلاغيين ، ومن وافقهم ، يزعمون أن مثل ذلك ، من نوع ما يسمونه المجاز المرسل ، وأن الملابسة بين السبب والمسبب من علاقات المجاز المرسل عندهم .
    والثاني من الأمرين أن غاية ما في ذلك ، أن الكلام على حذف مضاف ، والتقدير ، وإنه لذو علم للساعة ، أي وإنه لصاحب إعلام الناس ، بقرب مجيئها ، لكونه علامة لذلك ، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، كثير في القرآن ، وفي كلام العرب ، وإليه أشار في الخلاصة بقوله :
    وما يلي المضاف يأت خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
    وهذا الأخير أحد الوجهين اللذين وجه بهما علماء العربية النعت بالمصدر كقولك : زيد كرم وعمرو عدل أي ذو كرم وذو عدل كما قال تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } [ الطلاق : 2 ] ، وقد أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله :
    ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا
    أما دلالة القرآن الكريم على هذا القول الصحيح ، ففي قوله تعالى في سورة النساء : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } [ النساء : 159 ] أي ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى ، وذلك صريح في أن عيسى حي وقت نزول آية النساء هذه ، وأنه لا يموت حتى يؤمن به أهل الكتاب .
    ومعلوم أنهم لا يؤمنون به إلا بعد نزوله إلى الأرض .
    فإن قيل قد ذهبت جماعة من المفسرين ، من الصحابة فمن بعدهم إلى أن الضمير في قوله : قبل موته راجع إلى الكتابي ، أي إلا ليؤمنن به الكتابي قبل موت الكتابي .
    فالجواب أن يكون الضمير راجعاً إلى عيسى ، يجب المصير إليه ، دون القول الآخر ، لأنه أرجح منه من أربعة أوجه :
    الأول : أنه هو ظاهر القرآن المتبادر منه ، وعليه تنسجم الضمائر بعضها مع بعض .
    والقول الآخر بخلاف ذلك .

    وإيضاح هذا أن الله تعالى قال : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله } ثم قال تعالى : { وَمَا قَتَلُوهُ } أي عيسى ، { وَمَا صَلَبُوهُ } أي عيسى { ولكن شُبِّهَ لَهُمْ } أي عيسى { وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ } أي عيسى { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } أي عيسى { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } [ النساء : 157 ] أي عيسى ، { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } [ النساء : 157 ] أي عيسى { بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ } [ النساء : 158 ] أي عيسى { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } أي عيسى { قَبْلَ مَوْتِهِ } أي عيسى { وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } [ النساء : 159 ] أي يكون هو ، أي عيسى عليهم شهيداً .
    فهذا السياق القرآني الذي ترى ، ظاهر ظهوراً لا ينبغي العدول عنه ، في أن الضمير في قوله قبل موته ، راجع إلى عيسى .
    الوجه الثاني : من مرجحات هذا القول ، أنه على هذا القول الصحيح ، فمفسر الضمير ، ملفوظ مصرح به ، في قوله تعالى : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ } [ النساء : 157 ] .
    وأما على القول الآخر فمفسر الضمير ليس مذكوراً في الآية أصلاً ، بل هو مقدر تقديره : ما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته ، أي موت أحد أهل الكتاب المقدر .
    ومما لا شك فيه ، أن ما لا يحتاج إلى تقدير ، أرجح وأولى ، مما يحتاج إلى تقدير .
    الوجه الثالث : من مرجحات هذا القول الصحيح ، أنه تشهد له السنة النبوية المتواترة ، لأن النبي قد تواترت عنه الأحاديث بأن عيسى حي الآن ، وأنه سينزل في آخر الزمان حكماً مقسطاً .
    ولا ينكر تواتر السنة بذلك إلا مكابر .
    قال ابن كثير في تفسيره ، بعد أن ذكر هذا القول الصحيح ونسبه إلى جماعة من المفسرين ما نصه :
    وهذا القول هو الحق كما سنبينه بعد بالدليل القاطع إن شاء الله تعالى ا ه .
    وقوله بالدليل القاطع يعني السنة المتواترة ، لأنها قطعية وهو صادق في ذلك .
    وقال ابن كثير ، في تفسير آية الزخرف هذه ما نصه :
    وقد تواترت الأحاديث ، عن رسول الله ، « أنه أخبر بنزول عيسى قبل يوم القيامة إمَاماً عَادِلاً وَحَكماً مُقْسِطاً » ا ه منه .
    وهو صادق في تواتر الأحاديث بذلك .
    وأما القول بأن الضمير في قوله قبل موته راجع إلى الكتاب فهو خلاف ظاهر القرآن ، ولم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة .
    الوجه الرابع : هو أن القول الأول الصحيح واضح لا إشكال فيه ، ولا يحتاج إلى تأويل ولا تخصيص بخلاف القول الآخر ، فهو مشكل لا يكاد يصدق ، إلا مع تخصيص ، والتأويلات التي يروونها فيه عن ابن عباس ، وغيره ، ظاهرة البعد والسقوط لأنه على القول بأن الضمير في قوله قبل موته راجع إلى عيسى فلا إشكال ولا خفاء ، ولا حاجة إلى تأويل ، ولا إلى تخصيص .
    وأما على القول بأنه راجع إلى الكتابي فإنه مشكل جداً بالنسبة لكل من فاجأه الموت من أهل الكتاب ، كالذي يسقط من عال إلى أسفل ، والذي يقطع رأسه بالسيف وهو غافل والذي يموت في نومه ونحو ذلك ، فلا يصدق هذا العموم المذكور في الآية على هذا النوع ، من أهل الكتاب ، إلا إذا ادعى إخراجهم منه بمخصص


    ولا سبيل إلى تخصيص عمومات القرآن ، إلا بدليل يجب الرجوع إليه من المخصصات المتصلة أو المنفصلة .
    وما يذكر عن ابن عباس من أنه سئل عن الذي يقطع رأسه من أهل الكتاب فقال إن رأسه يتكلم ، بالإيمان بعيسى ، وأن الذي يهوي من عال إلى أسفل يؤمن به وهو يهوي ، لا يخفى بعده وسقوطه ، وأنه لا دليل ألبتة عليه كما ترى .
    وبهذا كله تعلم ، أن الضمير في قوله { قَبْلَ مَوْتِهِ } [ النساء : 159 ] ، راجع إلى عيسى ، وأن تلك الآية من سورة النساء تبين قوله تعالى هنا : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } [ الزخرف : 61 ] كما ذكرنا .
    فإن قيل : إن كثيراً ممن لا تحقيق عندهم يزعمون أن عيسى قد توفي ، ويعتقدون مثل ما يعتقده ، ضلال اليهود والنصارى ، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى : { إِذْ قَالَ الله ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [ آل عمران : 55 ] وقوله { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } [ المائدة : 117 ] .
    فالجواب أنه لا دلالة في إحدى الآيتين ألبتة على أن عيسى قد توفي فعلاً .
    أما قوله تعالى : { مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] فإن دلالته المزعومة على ذلك منفية من أربعة أوجه :
    الأول : أن قوله : { مُتَوَفِّيكَ } حقيقة لغوية في أخذ الشيء كاملاً غير ناقص ، والعرب تقول : توفي فلان دينه يتوفاه فهو متوف له إذا قبضه وحازه إليه كاملاً من غير نقص .
    فمعنى : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] في الوضع اللغوي أي حائزك إلي ، كاملاً بروحك وجسمك .
    ولكن الحقيقة العرفية خصصت التوفي المذكور بقبض الروح دون الجسم ونحو هذا مما دار بين الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية فيه لعلماء الأصول ثلاثة مذاهب .
    الأول : هو تقديم الحقيقة العرفية ، وتخصيص عموم الحقيقة اللغوية بها .
    وهذا هو المقرر في أصول الشافعي وأحمد ، وهو المقرر في أصول مالك إلا أنهم في الفروع ربما لم يعتمدوه في بعض المسائل .
    وإلى تقديم الحقيقة العرفية ، على الحقيقة اللغوية أشار في مراقي السعودي بقوله :
    واللفظ محمول على الشرعي ... إن لم يكن فمطلق العرفي
    فاللغوي على الجلي ولم يجب ... بحث عن المجاز في الذي انتخب
    المذهب الثاني : هو تقديم الحقيقة اللغوية على العرفية بناء على أن العرفية وإن ترجحت بعرف الاستعمال ، فإن اللغوية مترجحة بأصل الوضع .
    وهذا القول مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
    المذهب الثالث : أنه لا تقدم العرفية على اللغوية ، ولا اللغوية على العرفية ، بل يحكم باستوائهما ومعادلة الاحتمالين فيهما ، فيحكم على اللفظ بأنه مجمل ، لاحتمال هذه واحتمال تلك .
    وهذا اختيار ابن السبكي ، ومن وافقه ، وإلى هذين المذهبين الأخيرين أشار في مراقي السعودي بقوله :
    ومذهب النعمان عكس ما مضى ... والقول بالإجمال فيه مرتضى


    نكمل


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    قال
    وإذا علمت هذا ، فاعلم أنه على المذهب الأول ، الذي هو تقديم الحقيقة اللغوية ، على العرفية ، فإن قوله تعالى :
    { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] لا يدل إلا على أنه قبضه إليه بروحه وجسمه ، ولا يدل على الموت أصلاً ، كما أن توفي الغريم لدينه لا يدل على موت دينه .
    وأما على المذهب الثاني : وهو تقديم الحقيقة العرفية على اللغوية ، فإن لفظ التوفي حينئذ ، يدل في الجملة على الموت .
    ولكن سترى إن شاء الله ، أنه وإن دل على ذلك في الجملة ، لا يدل على أن عيسى قد توفي فعلاً .
    وقد ذكرنا في كتابنا : دفع إيهام الاضطراب ، عن آيات الكتاب ، في سورة آل عمران ، وجه عدم دلالة الآية ، على موت عيسى فعلاً ، أعني قوله تعالى : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] فقلنا ما نصه :
    والجواب عن هذا ، من ثلاثة أوجه :
    الأول أن قوله تعالى : { مُتَوَفِّيكَ } لا يدل على تعيين الوقت ، ولا يدل على كونه قد مضى وهو متوفيه قطعاً يوماً ما ولكن لا دليل على أن ذلك اليوم قد مضى .
    وأما عطفه ورافعك إلى ، على قوله : متوفيك ، فلا دليل فيه لإطباق جمهور أهل اللسان العربي ، على أن الواو لا تقتضي الترتيب ولا الجمع ، وإنما تقتضي مطلق التشريك .
    وقد ادعى السيرافي والسهيلي ، إجماع النحاة على ذلك ، وعزاه الأكثر للمحققين وهو الحق خلافاً لما قاله قطرب والفراء وثعلب وأبو عمرو الزاهد وهشام والشافعي من أنها تفيد الترتيب لكثرة استعمالها فيه .
    وقد أنكر السيرافي ثبوت هذا القول عن الفراء وقال لم أجده في كتابه .
    وقال ولي الدين : أنكر أصحابنا نسبة هذا القول إلى الشافعي .
    حكاه عنه صاحب الضياء اللامع .
    وقوله : « أبدأ بما بدأ الله به » يعني الصفا لا دليل فيه على اقتضائها الترتيب .
    وبيان ذلك هو ما قاله الفهري كما ذكره عنه صاحب الضياء اللامع .
    وهو أنها كما أنها لا تقتضي الترتيب ولا المعية ، فكذلك لا تقتضي المنع منهما .
    فقد يكون العطف بها مع قصد الاهتمام بالأول كقوله : { إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله } [ البقرة : 158 ] الآية بدليل الحديث المتقدم .
    وقد يكون المعطوف بها مرتباً كقول حسان :
    *هجوت محمداً وأجبت عنه* ... على رواية الواو .
    وقد يراد بها المعية كقوله : { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة } [ العنكبوت : 15 ] وقوله { وَجُمِعَ الشمس والقمر } [ القيامة : 9 ] ولكن لا تحمل على الترتيب ولا على المعية إلا بدليل منفصل .
    الوجه الثاني : أن معنى { مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] أي منيمك ورافعك إلي ، أي في تلك النومة .
    وقد جاء في القرآن إطلاق الوفاة على النوم في قوله تعالى : { وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار } [ الأنعام : 60 ] ، وقوله : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [ الزمر : 42 ] ، وعزى ابن كثير هذا القول للأكثرين ، واستدل بالآيتين المذكورتين .
    الوجه الثالث : أن متوفيك ، اسم فاعل توفاه ، إذا قبضه وحازه إليه ، ومنه قولهم : توفي فلان دينه إذا قبضه إليه ، فيكون معنى متوفيك على هذا ، قابضك منهم إلي حياً ، وهذا القول هو اختيار ابن جرير

    نكمل.



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    قال
    وأما الجمع بأنه توفاه ساعات أو أياماً ، ثم أحياه فلا معول عليهن إذ لا دليل عليه . ا ه . من دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب .
    وقد قدمنا في هذا البحث أن دلالة قوله تعالى : { مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] على موت عيسى فعلاً ، منفية من أربعة أوجه ، وقد ذكرنا منها ثلاثة ، من غير تنظيم ، أولها أن { مُتَوَفِّيكَ } حقيقة لغوية في أخذه بروحه وجسمه .
    الثاني : أن { مُتَوَفِّيكَ } وصف محتمل للحال والاستقبال والماضي ، ولا دليل في الآية على أن ذلك التوفي قد وقع ومضى ، بل السنة المتواترة والقرآن دالان على خلاف ذلك ، كما أوضحنا في هذا المبحث .
    الثالث : أنه توفي نوم ، وقد ذكرنا الآيات الدالة على أن النوم يطلق عليه الوفاة ، فكل من النوم والموت ، يصدق عليه اسم التوفي ، وهما مشتركان في الاستعمال العرفي .
    فهذه الأوجه الثلاثة ذكرناها كلها في الكلام الذي نقلنا من كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب .
    وذكرنا الأول منها بانفراده لنبين مذاهب الأصوليين فيه .
    وأما قوله تعالى : { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } [ المائدة : 117 ] الآية ، فدلالته على أن عيسى مات ، منفية من وجهين :
    الأول منهما : أن عيسى يقول ذلك يوم القيامة ، ولا شك أن يموت قبل يوم القيامة ، فإخباره يوم القيامة بموته ، لا يدل على أنه الآن قد مات كما لا يخفى .
    والثاني منهما : أن ظاهر الآية أنه توفي رَفْعٌ وقَبْضٌ للروح والجسد ، لا توفي موت .
    وإيضاح ذلك أن مقابلته لذلك التوفي بالديمومة فيهم في قوله : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } [ المائدة : 117 ] الآية ، تدل على ذلك لأنه لو كان توفي موت ، لقال ما دمت حياً ، فلما توفيتني لأن الذي يقابل بالموت هو الحياة كما في قوله : { وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة مَا دُمْتُ حَيّاً } [ مريم : 31 ] .
    أما التوفي المقابل بالديمومة فيهم فالظاهر أنه توفي انتقال عنهم ، إلى موضع آخر .
    وغاية ما في ذلك هو حمل اللفظ على حقيقته اللغوية مع قرينة صارفة عن قصد العرفية ، وهذا لا إشكال فيه .
    وأما الوجه الرابع ، من الأوجه المذكورة سابقاً ، أن الذين زعموا أن عيسى قد مات ، قالوا إنه لا سبب لذلك الموت ، إلا أن اليهود قتلوه وصلبوه ، فإذا تحقق نفي هذا السبب وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره ، تحققنا أنه لم يمت أصلاً ، وذلك السبب الذي زعموه ، منفي يقيناً بلا شك ، لأن الله جل وعلا قال : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ } [ النساء : 157 ] . وقال تعالى : { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ } [ النساء : 157 - 158 ] .
    وضمير رفعه ظاهر في رفع الجسم والروح معاً كما لا يخفى .
    وقد بين الله جل وعلا مستند اليهود في اعتقادهم أنهم قتلوه ، بأن الله ألقى شبهه على إنسان آخر فصار من يراه يعتقد اعتقاداً جازماً أنه عيسى .

    نكمل


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    فرآه اليهود لما أجمعوا على قتل عيسى فاعتقدوا لأجل ذلك الشبه الذي ألقي عليه اعتقاداً جازماً أنه عيسى فقتلوه .
    فهم يعتقدون صدقهم ، في أنهم قتلوه وصلبوه ، ولكن العليم اللطيف الخبير ، أوحى إلى نبيه ، في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه .
    فمحمد والذين اتبعوه عندهم علم من الله بأمر عيسى لم يكن عند اليهود ولا النصارى كما أوضحه تعالى بقوله { وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ } [ النساء : 157 - 158 ] .
    والحاصل أن القرآن العظيم على التفسير الصحيح والسنة المتواترة عن النبي كلاهما دال على أن عيسى حي ، وأنه سينزل في آخر الزمان ، وأن نزوله من علامات الساعة ، وأن معتمد الذين زعموا أنهم قتلوه ومن تبعهم هو إلقاء شبهه على غيره ، واعتقادهم الكاذب أن ذلك المقتول الذي شبه بعيسى هو عيسى .
    وقد عرفت دلالة الوحي على بطلان ذلك ، وأن قوله { مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] لا يدل على موته فعلاً .
    وقد رأيت توجيه ذلك من أربعة أوجه ، وأنه على المقرر في الأصول ، في المذاهب الثلاثة التي ذكرنا عنهم ، ولا إشكال في أنه لم يمت فعلاً .
    أما على القول بتقديم الحقيقة اللغوية فالأمر واضح ، لأن الآية على ذلك لا تدل على الموت .
    وأما على القول بالإجمال ، فالمقرر في الأصول أن المحمل ، لا يحمل على واحد من معنييه ، ولا معانيه بل يطلب بيان المراد منه ، بدليل منفصل .
    وقد دل الكتاب هنا والسنة المتواترة على أنه لم يمت وأنه حي .
    وأما على القول بتقديم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية ، فإنه يجاب عنه من أوجه :
    الأول : أن التوفي محمول على النوم ، وحمله عليه يدخل في اسم الحقيقة العرفية .
    والثاني : أنا وإن سلمنا أنه توفي موت ، فالصيغة لا تدل على أنه قد وقع فعلاً .
    الثالث : أن القول المذكور بتقديم العرفية ، محله فيما إذا لم يوجد دليل صارف ، عن إرادة العرفية اللغوية ، فإن دل على ذلك دليل وجب تقديم اللغوية قولاً واحداً .
    وقد قدمنا مراراً دلالة الكتاب والسنة المتواترة على إرادة اللغوية هنا دون العرفية .
    واعلم بأن القول بتقديم اللغوية على العرفية ، محله فيما إذا لم تتناس اللغوية بالكلية ، فإن أميتت الحقيقة اللغوية بالكلية ، وجب المصير إلى العرفية إجماعاً ، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله :
    أجمع إن حقيقة تمات ... على التقدم له الإثبات
    فمن حلف ليأكلن من هذه النخلة ، فمقتضى الحقيقة اللغوية ، أنه لا يبر يمينه حتى يأكل من نفس النخلة لا من ثمرتها .
    ومقتضى الحقيقة العرفية أنه يأكل من ثمرتها لا من نفس جذعها


    والمصير إلى العرفية هنا واجب إجماعاً ، لأن اللغوية في مثل هذا أميتت بالكلية .
    فلا يقصد عاقل ألبتة الأكل من جذع النخلة .
    أما الحقيقة اللغوية في قوله تعالى : { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [ آل عمران : 55 ] فإنها ليست من الحقيقة المماتة كما لا يخفى .
    ومن المعلوم في الأصول أن العرفية تسمى حقيقة عرفية ومجازاً لغوياً ، وأن اللغوية تسمى عندهم حقيقة لغوية ، ومجازاً عرفياً .
    وقد قدمنا مراراً أنا أوضحنا أن القرآن الكريم لا مجاز فيه على التحقيق في رسالتنا المسماة « منع جواز المجاز ، في المنزل للتعبد والإعجاز » .
    فاتضح مما ذكرنا كله أن آية الزخرف هذه تبينها آية النساء المذكورة ، وأن عيسى لم يمت وأنه ينزل في آخر الزمان وإنما قلنا إن قوله تعالى هنا : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } أي علامة ودليل على قرب مجيئها ، لأن وقت مجيئها بالفعل لا يعلمه إلا الله .
    وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك مراراً .
    وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } أي لا تشكن في قيام الساعة فإنه لا شك فيه .
    وقد قدمنا الآيات الموضحة له مراراً كقوله تعالى : { وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [ الحج : 7 ] . وقوله : { وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير } [ الشورى : 7 ] . وقوله { لَيَجْمَعَنَّكُ مْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ الأنعام : 12 ] وقوله { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ آل عمران : 25 ] إلى غير ذلك من الآيات .


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب


    قال فى قوله تعالى
    : ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال .

    بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يسجد له أهل السماوات والأرض طوعا وكرها وتسجد له ظلالهم بالغدو والآصال ، وذكر أيضا سجود الظلال وسجود أهل السماوات والأرض في قوله أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون [ 16 \ 48 ، 49 ] إلى قوله يؤمرون [ 16 \ 50 ] ، واختلف العلماء في المراد بسجود الظل وسجود غير المؤمنين ، فقال بعض العلماء : سجود من في السماوات والأرض من العام المخصوص ، فالمؤمنون والملائكة يسجدون لله سجودا حقيقيا ، وهو وضع الجبهة على الأرض ، يفعلون ذلك طوعا ، والكفار يسجدون كرها ، أعني المنافقين لأنهم كفار في الباطن ولا يسجدون لله إلا كرها ، كما قال تعالى : وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس الآية [ 4 \ 142 ] ، وقال تعالى : وما [ ص: 238 ] منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون [ 9 \ 54 ] ، والدليل على أن سجود أهل السماوات والأرض من العام المخصوص ، قوله تعالى في " سورة الحج " : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب [ 22 \ 18 ] ، فقوله : وكثير من الناس [ 22 \ 18 ] دليل على أن بعض الناس غير داخل في السجود المذكور ، وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وغيرهما ، وذكره الفراء ، وقيل الآية عامة . والمراد بسجود المسلمين طوعا انقيادهم لما يريد الله منهم طوعا ، والمراد بسجود الكافرين كرها انقيادهم لما يريد الله منهم كرها ; لأن إرادته نافذة فيهم وهم منقادون خاضعون لصنعه فيهم ونفوذ مشيئته فيهم ، وأصل السجود في لغة العرب : الذل والخضوع ، ومنه قول زيد الخيل :


    بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
    ومنه قول العرب : أسجد : إذا طأطأ رأسه وانحنى ، قال حميد بن ثور :


    فلما لوين على معصم وكف خضيب وأسوارها
    فضول أزمتها أسجدت سجود النصارى لأحبارها
    وعلى هذا القول فالسجود لغوي لا شرعي ، وهذا الخلاف المذكور جار أيضا في سجود الظلال ، فقيل : سجودها حقيقي ، والله تعالى قادر على أن يخلق لها إدراكا تدرك به وتسجد لله سجودا حقيقيا ، وقيل : سجودها ميلها بقدرة الله أول النهار إلى جهة المغرب ، وآخره إلى جهة المشرق ، وادعى من قال هذا أن الظل لا حقيقة له ; لأنه خيال فلا يمكن منه الإدراك .

    ونحن نقول : إن الله جل وعلا قادر على كل شيء ، فهو قادر على أن يخلق للظل إدراكا يسجد به لله تعالى سجودا حقيقيا ، والقاعدة المقررة عند علماء الأصول هي : حمل نصوص الوحي على ظواهرها إلا بدليل من كتاب أو سنة ، ولا يخفى أن حاصل القولين :

    أن أحدهما : أن السجود شرعي وعليه فهو في أهل السماوات والأرض من العام المخصوص .

    والثاني : أن السجود لغوي بمعنى الانقياد والذل والخضوع ، وعليه فهو باق على عمومه ، والمقرر في الأصول عند المالكية والحنابلة وجماعة من الشافعية أن النص إن دار [ ص: 239 ] بين الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية حمل على الشرعية ، وهو التحقيق ، خلافا لأبي حنيفة في تقديم اللغوية ، ولمن قال يصير اللفظ مجملا لاحتمال هذا وذاك ، وعقد هذه المسألة صاحب " مراقي السعود " بقوله :


    واللفظ محمول على الشرعي إن لم يكن فمطلق العرفي
    فاللغوي على الجلي ولم يجب بحث عن المجاز في الذي انتخب وقيل : المراد بسجود الكفار كرها سجود ظلالهم كرها ، وقيل : الآية في المؤمنين فبعضهم يسجد طوعا ; لخفة امتثال أوامر الشرع عليه ، وبعضهم يسجد كرها ; لثقل مشقة التكليف عليه مع أن إيمانه يحمله على تكلف ذلك . والعلم عند الله تعالى :

    وقوله تعالى : بالغدو [ 13 \ 15 ] يحتمل أن يكون مصدرا أو يحتمل أن يكون جمع غداة ، والآصال جمع أصل بضمتين وهو جمع أصيل ، وهو ما بين العصر والغروب ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي :


    لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    139

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    ممتاز

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب

    جزاكم الله خيرا
    وهذا بحث آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

    قال شيخ الإسلام فصل في " سجود القرآن " وهو نوعان : خبر عن أهل السجود ومدح لهم أو أمر به وذم على تركه .

    فالأول سجدة الأعراف { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون } وهذا ذكره بعد الأمر باستماع القرآن والذكر .

    وفي الرعد { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } وفي النحل { أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون } { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون } [ ص: 137 ] { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } وفي سبحان : { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } { ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } وهذا خبر عن سجود مع من سمع القرآن فسجد .

    وكذلك في مريم { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } فهؤلاء الأنبياء سجدوا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن وأولئك الذين أوتوا العلم من قبل القرآن إذا يتلى عليهم القرآن يسجدون .

    وظاهر هذا سجود مطلق كسجود السحرة وكقوله { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة } وإن كان المراد به الركوع . فالسجود هو خضوع له وذل له ; ولهذا يعبر به عن الخضوع . كما قال الشاعر : ترى الأكم فيها سجدا للحوافر .

    قال جماعة من أهل اللغة : السجود التواضع والخضوع وأنشدوا : [ ص: 138 ] ساجد المنخر ما يرفعه خاشع الطرف أصم المسمع
    قيل لسهل بن عبد الله : أيسجد القلب ؟ قال : نعم سجدة لا يرفع رأسه منها أبدا .

    وفي " سورة الحج " الأولى خبر : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء } والثانية أمر مقرون بالركوع ولهذا صار فيها نزاع .

    وسجدة الفرقان : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا } خبر مقرون بذم من أمر بالسجود فلم يسجد ليس هو مدحا . وكذلك سجدة " النمل " : { وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون } { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون } { الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } خبر يتضمن ذم من يسجد لغير الله ولم يسجد لله . ومن قرأ ألا يا اسجدوا . كانت أمرا .

    وفي " الم تنزيل السجدة " { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } وهذا من أبلغ الأمر والتخصيص ; فإنه نفى الإيمان عمن ذكر بآيات ربه ولم يسجد إذا ذكر بها .

    وفي " ص " خبر عن سجدة داود وسماها ركوعا . و " حم تنزيل " أمر صريح : { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } . و " النجم " أمر صريح : { فاسجدوا لله واعبدوا } و " الانشقاق " أمر صريح عند سماع القرآن { فما لهم لا يؤمنون } { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } . و " { اقرأ باسم ربك الذي خلق } " أمر مطلق : { واسجد واقترب } فالستة الأول إلى الأولى من الحج خبر ومدح . والتسع البواقي من الثانية من الحج أمر وذم لمن لم يسجد إلا " ص " فنقول : قد تنازع الناس في وجوب سجود التلاوة . قيل : يجب " وقيل لا يجب " وقيل يجب إذا قرئت السجدة في الصلاة وهو رواية عن أحمد والذي يتبين لي أنه واجب : فإن الآيات التي فيها مدح لا تدل بمجردها على الوجوب لكن آيات الأمر والذم والمطلق منها قد يقال : إنه محمول على الصلاة كالثانية من الحج والفرقان واقرأ وهذا ضعيف فكيف وفيها مقرون بالتلاوة كقوله [ ص: 140 ] { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } فهذا نفي للإيمان بالآيات عمن لا يخر ساجدا إذا ذكر بها . وإذا كان سامعا لها فقد ذكر بها .

    وكذلك " سورة الانشقاق " { فما لهم لا يؤمنون } { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } وهذا ذم لمن لا يسجد إذا قرئ عليه القرآن كقوله : { فما لهم عن التذكرة معرضين } { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم } { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } . وكذلك " سورة النجم " قوله : { أفمن هذا الحديث تعجبون } { وتضحكون ولا تبكون } { وأنتم سامدون } { فاسجدوا لله واعبدوا } أمر بالغا عقب ذكر الحديث الذي هو القرآن يقتضي أن سماعه سبب الأمر بالسجود لكن السجود المأمور به عند سماع القرآن كما أنه ليس مختصا بسجود الصلاة فليس هو مختصا بسجود التلاوة فمن ظن هذا أو هذا فقد غلط بل هو متناول لهما جميعا كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم .

    فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه . فالسجود عند سماع آية السجدة هو سجود مجرد عند سماع آية السجدة سواء تليت مع سائر القرآن أو وحدها ليس هو سجودا عند تلاوة مطلق القرآن فهو سجود عند جنس القرآن . وعند خصوص الأمر بالسجود فالأمر يتناوله . وهو أيضا متناول لسجود القرآن أيضا وهو أبلغ فإنه سبحانه وتعالى [ ص: 141 ] قال : { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون } فهذا الكلام يقتضي أنه لا يؤمن بآياته إلا من إذا ذكر بها خر ساجدا وسبح بحمد ربه وهو لا يستكبر .

    ومعلوم أن قوله : { بآياتنا } ليس [ يعني ] بها آيات السجود فقط بل جميع القرآن فلا بد أن يكون إذا ذكر بجميع آيات القرآن يخر ساجدا وهذا حال المصلي فإنه يذكر بآيات الله بقراءة الإمام والإمام يذكر بقراءة نفسه فلا يكونون مؤمنين حتى يخروا سجدا وهو سجودهم في الصلاة وهو سجود مرتب ينتقلون أولا إلى الركوع ثم إلى السجود والسجود مثنى كما بينه الرسول ليجتمع فيه خروران : خرور من قيام وهو السجدة الأولى وخرور من قعود وهو السجدة الثانية . وهذا مما يستدل به على وجوب قعدة الفصل والطمأنينة فيها كما مضت به السنة ; فإن الخرور ساجدا لا يكون إلا من قعود أو قيام . وإذا فصل بين السجدتين كحد السيف أو كان إلى القعود أقرب لم يكن هذا خرورا .

    ولكن الذي جوزه ظن أن السجود يحصل بوضع الرأس على الأرض كيف ما كان . وليس كذلك . بل هو مأمور به كما قال : { إذا ذكروا بها خروا سجدا } ولم يقل : سجدوا . فالخرور مأمور [ ص: 142 ] به كما ذكره في هذه الآية ونفس الخرور على الذقن عبادة مقصودة كما أن وضع الجبهة على الأرض عبادة مقصودة . يدل على ذلك قوله تعالى { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } { ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } فمدح هؤلاء وأثنى عليهم بخرورهم للأذقان أي على الأذقان سجدا . والثاني بخرورهم للأذقان : أي عليها يبكون .

    فتبين أن نفس الخرور على الذقن عبادة مقصودة يحبها الله وليس المراد بالخرور إلصاق الذقن بالأرض كما تلصق الجبهة والخرور على الذقن هو مبدأ الركوع والسجود منتهاه فإن الساجد يسجد على جبهته لا على ذقنه لكنه يخر على ذقنه والذقن آخر حد الوجه وهو أسفل شيء منه وأقربه إلى الأرض . فالذي يخر على ذقنه يخر وجهه ورأسه خضوعا لله . ومن حينئذ قد شرع في السجود فكما أن وضع الجبهة هو آخر السجود فالخرور على الذقن أول السجود وتمام الخرور أن يكون من قيام أو قعود وقد روي عن ابن عباس { يخرون للأذقان } أي للوجوه . قال الزجاج : الذي يخر وهو قائم إنما يخر لوجهه والذقن مجتمع اللحيين وهو غضروف أعضاء الوجه . فإذا ابتدأ يخر فأقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض الذقن .

    [ ص: 143 ] وقال ابن الأنباري : أول ما يلقى الأرض من الذي يخر قبل أن يصوب جبهته ذقنه فلذلك قال : { للأذقان } ويجوز أن يكون المعنى يخرون للوجوه فاكتفى بالذقن من الوجه . كما يكتفي بالبعض من الكل . وبالنوع من الجنس .

    قلت : والذي يخر على الذقن لا يسجد على الذقن فليس الذقن من أعضاء السجود بل أعضاء السجود سبعة . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء : الجبهة وأشار بيده إلى الأنف واليدين والركبتين والقدمين } ولو سجد على ذقنه ارتفعت جبهته والجمع بينهما متعذر أو متعسر ; لأن الأنف بينهما وهو ناتئ يمنع إلصاقهما معا بالأرض في حال واحدة فالساجد يخر على ذقنه ويسجد على جبهته . فهذا خرور السجود . ثم قال : { ويخرون للأذقان يبكون } فهذا خرور البكاء قد يكون معه سجود وقد لا يكون .

    فالأول كقوله : { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } فهذا خرور وسجود وبكاء .

    والثاني : كقوله : { ويخرون للأذقان يبكون } فقد يبكي الباكي من خشية الله مع خضوعه بخروره وإن لم يصل إلى حد السجود [ ص: 144 ] وهذا عبادة أيضا ; لما فيه من الخرور لله والبكاء له . وكلاهما عبادة لله فإن بكاء الباكي لله كالذي يبكي من خشية الله . من أفضل العبادات . وقد روي { عينان لا تمسهما النار : عين باتت تحرس في سبيل الله وعين يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله } وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين } .

    فذكر صلى الله عليه وسلم هؤلاء السبعة إذ كل منهم كمل العبادة التي قام بها وقد صنف مصنف في نعتهم سماه ( اللمعة في أوصاف السبعة . فالإمام العادل : كمل ما يجب من الإمارة والشاب الناشئ في عبادة الله كمل ما يجب من عبادة الله والذي قلبه معلق بالمساجد كمل عمارة المساجد بالصلوات الخمس لقوله : {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله } . والعفيف : كمل الخوف من الله والمتصدق كمل الصدقة لله ; والباكي : كمل الإخلاص .

    [ ص: 145 ] وأما قوله عن داود عليه السلام { وخر راكعا وأناب } لا ريب أنه سجد . كما ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أنه سجد لله والله سبحانه مدحه بكونه خر راكعا وهذا أول السجود وهو خروره . فذكر سبحانه أول فعله وهو خروره راكعا ليبين أن هذا عبادة مقصودة وإن كان هذا الخرور كان ليسجد . كما أثنى على النبيين بأنهم كانوا { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } { الذين أوتوا العلم من قبله } أنهم { إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } { ويخرون للأذقان يبكون } وذلك لأن الخرور هو أول الخضوع المنافي للكبر فإن المتكبر يكره أن يخر ويحب أن لا يزال منتصبا مرتفعا إذا كان الخرور فيه ذل وتواضع وخشوع ; ولهذا يأنف منه أهل الكبر من العرب وغير العرب . فكان أحدهم إذا سقط منه الشيء لا يتناوله لئلا يخر وينحني .

    فإن الخرور انخفاض الوجه والرأس وهو أعلى ما في الإنسان وأفضله وهو قد خلق رفيعا منتصبا فإذا خفضه لا سيما بالسجود كان ذلك غاية ذله ; ولهذا لم يصلح السجود إلا لله فمن سجد لغيره فهو مشرك ومن لم يسجد له فهو مستكبر عن عبادته وكلاهما كافر من أهل النار . قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } وقال [ ص: 146 ] تعالى : { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } وقال في قصة بلقيس : { وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون } { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون } { الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } والشمس أعظم ما يرى في عالم الشهادة وأعمه نفعا وتأثيرا . فالنهي عن السجود لها نهي عما هو دونها بطريق الأولى من الكواكب والأشجار وغير ذلك .

    وقوله : { واسجدوا لله الذي خلقهن } دلالة على أن السجود للخالق لا للمخلوق وإن عظم قدره ; بل لمن خلقه . وهذا لمن يقصد عبادته وحده . كما قال : { إن كنتم إياه تعبدون } لا يصلح له أن يسجد لهذه المخلوقات قال تعالى : { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون } فإنه قد علم سبحانه أن في بني آدم من يستكبر عن السجود له فقال : الذين هم أعظم من هؤلاء لا يستكبرون عن عبادة ربهم " بل يسبحون له بالليل والنهار ولا يحصل لهم سآمة ولا ملالة . بخلاف الآدميين فوصفهم هنا بالتسبيح له ووصفهم بالتسبيح والسجود جميعا في قوله : { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون } [ ص: 147 ] وهم يصفون له صفوفا كما قالوا : { وإنا لنحن الصافون } { وإنا لنحن المسبحون } .

    وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربها قال : يسدون الأول فالأول ويتراصون في الصف } .


    التالي السابق



    تفسير الأية

    عناوين الشجرة

    تخريج الحديث

    تَشكيِل النص





    قوله تعالى : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون فيه ثماني مسائل : الأولى : إن الذين عند ربك يعني الملائكة بإجماع . وقال : عند ربك والله تعالى بكل مكان لأنهم قريبون من رحمته ، وكل قريب من رحمة الله عز وجل فهو عنده ; عن الزجاج . وقال غيره لأنهم في موضع لا ينفذ فيه إلا حكم الله . وقيل : لأنهم رسل الله ; كما يقال : عند الخليفة جيش كثير . وقيل : هذا على جهة التشريف لهم ، وأنهم بالمكان [ ص: 319 ] المكرم ; فهو عبارة عن قربهم في الكرامة لا في المسافة . ويسبحونه أي ويعظمونه وينزهونه عن كل سوء . وله يسجدون قيل : يصلون . وقيل : يذلون ، خلاف أهل المعاصي .

    الثانية : والجمهور من العلماء في أن هذا موضع سجود للقارئ . وقد اختلفوا في عدد سجود القرآن ; فأقصى ما قيل : خمس عشرة . أولها خاتمة الأعراف ، وآخرها خاتمة العلق . وهو قول ابن حبيب وابن وهب - في رواية - وإسحاق . ومن العلماء من زاد سجدة الحجر ، قوله تعالى : وكن من الساجدين على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . فعلى هذا تكون ست عشرة . وقيل : أربع عشرة ; قاله ابن وهب في الرواية الأخرى عنه . فأسقط ثانية الحج . وهو قول أصحاب الرأي والصحيح سقوطها ; لأن الحديث لم يصح بثبوتها . ورواه ابن ماجه وأبو داود في سننهما عن عبد الله بن منين من بني عبد كلال عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ; منها ثلاث في المفصل ، وفي الحج سجدتان . وعبد الله بن منين لا يحتج به ; قاله أبو محمد عبد الحق . وذكر أبو داود أيضا من حديث عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله ، أفي سورة الحج سجدتان ؟ . قال : نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما . في إسناده عبد الله بن لهيعة ، وهو ضعيف جدا . وأثبتهما الشافعي وأسقط سجدة " ص " . وقيل : إحدى عشرة سجدة ، وأسقط آخرة الحج وثلاث المفصل . وهو مشهور مذهب مالك . وروي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهم . وفي سنن ابن ماجه عن أبي الدرداء قال : سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء ، الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج سجدة والفرقان وسليمان سورة النمل والسجدة وص وسجدة الحواميم . وقيل : عشر ، وأسقط آخرة الحج وص وثلاث المفصل ; ذكر عن [ ص: 320 ] ابن عباس . وقيل : إنها أربع ، سجدة الم تنزيل و حم تنزيل والنجم والعلق . وسبب الخلاف اختلاف النقل في الأحاديث والعمل ، واختلافهم في الأمر المجرد بالسجود في القرآن ، هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض في الصلاة ؟

    الثالثة : واختلفوا في وجوب سجود التلاوة ; فقال مالك والشافعي : ليس بواجب . وقال أبو حنيفة : هو واجب . وتعلق بأن مطلق الأمر بالسجود على الوجوب ، وبقوله عليه السلام : إذا قرأ ابن آدم سجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله . وفي رواية أبي كريب يا ويلي وبقوله عليه السلام إخبارا عن إبليس لعنه الله : أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار . أخرجه مسلم . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليه . وعول علماؤنا على حديث عمر الثابت - خرجه البخاري - أنه قرأ آية سجدة على المنبر فنزل فسجد وسجد الناس معه ، ثم قرأها في الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود ، فقال : أيها الناس على رسلكم ! إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء . وذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من الأنصار والمهاجرين . فلم ينكر عليه أحد فثبت الإجماع به في ذلك . وأما قوله : أمر ابن آدم بالسجود فإخبار عن السجود الواجب . ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الاستحباب ! والله أعلم .

    الرابعة : ولا خلاف في أن سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة حدث ونجس ونية واستقبال قبلة ووقت . إلا ما ذكر البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير طهارة . وذكره ابن المنذر عن الشعبي . وعلى قول الجمهور هل يحتاج إلى تحريم ورفع يدين عنده وتكبير وتسليم ؟ اختلفوا في ذلك ; فذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه يكبر ويرفع للتكبير لها . وقد روي في الأثر عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد كبر ، [ ص: 321 ] وكذلك إذا رفع كبر . ومشهور مذهب مالك أنه يكبر لها في الخفض والرفع في الصلاة . واختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة ; وبالتكبير لذلك قال عامة الفقهاء ، ولا سلام لها عند الجمهور . وذهب جماعة من السلف وإسحاق إلى أنه يسلم منها . وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أولها للإحرام . وعلى قول من لا يسلم يكون للسجود فحسب . والأول أولى ; لقوله عليه السلام : مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وهذه عبادة لها تكبير ، فكان لها تحليل كصلاة الجنازة بل أولى ، لأنها فعل وصلاة الجنازة قول . وهذا اختيار ابن العربي .

    الخامسة : وأما وقته فقيل : يسجد في سائر الأوقات مطلقا ; لأنها صلاة لسبب . وهو قول الشافعي وجماعة . وقيل : ما لم يسفر الصبح ، أو ما لم تصفر الشمس بعد العصر . وقيل : لا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر . وقيل : يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر . وهذه الثلاثة الأقوال في مذهبنا . وسبب الخلاف معارضة ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتب عليها لعموم النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح . واختلافهم في المعنى الذي لأجله نهي عن الصلاة في هذين الوقتين ، والله أعلم .

    السادسة : فإذا سجد يقول في سجوده : اللهم احطط عني بها وزرا ، واكتب لي بها أجرا ، واجعلها لي عندك ذخرا . رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ; ذكره ابن ماجه .

    السابعة : فإن قرأها في صلاة ، فإن كان في نافلة سجد إن كان منفردا أو في جماعة وأمن التخليط فيها . وإن كان في جماعة لا يأمن ذلك فيها فالمنصوص جوازه . وقيل : لا يسجد . وأما في الفريضة فالمشهور عن مالك النهي عنه فيها ، سواء كانت صلاة سر أو جهر ، جماعة أو فرادى . وهو معلل بكونها زيادة في أعداد سجود الفريضة . وقيل : معلل بخوف التخليط على الجماعة ; وهذا أشبه . وعلى هذا لا يمنع منه الفرادى ولا الجماعة التي يأمن فيها التخليط .

    الثامنة : روى ، البخاري عن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة ، فقرأ إذا السماء انشقت فسجد ; فقلت : ما هذه ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، فلا أزال [ ص: 322 ] أسجد فيها حتى ألقاه . انفرد بإخراجه . وفيه : وقيل لعمران بن حصين : الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها ؟ قال : أرأيت لو قعد لها ! كأنه لا يوجبه عليه . وقال سلمان : ما لهذا غدونا . وقال عثمان : إنما السجدة على من استمعها . وقال الزهري : لا يسجد إلا أن يكون طاهرا ، فإذا سجدت وأنت في حضر فاستقبل القبلة ، فإن كنت راكبا فلا عليك ، حيث كان وجهك . وكان السائب لا يسجد لسجود القاص والله أعلم .


    الجامع لأحكام القرآن »
    سورة الأعراف »
    قوله تعالى إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته


    [ عرض الكتاب ]










الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •