3063- (إنّ من أَفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَينيهِ في المنامِ ما لم تَرَيَا).
أخرجه أحمد (2/96)- واللفظ له- ، والبخاري (7043) من طريق عبدالرحمن ابن عبدالله بن دينار- مولى ابن عمر- عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال... فذ كره.
قلت: وعبد الرحمن هذا مع كونه من رجال البخاري ؛ ففيه ضعف من قبل حفظه ؛ وقد مشاه الحافظ في " الفتح " ؛ فقال تحت هذا الحديث (12/420) :
" مختلف فيه ؛ قال ابن المديني : صدوق . وقال ابن معين : في حديثه عندي ضعف . وقال الدارقطني : خالف فيه البخاري الناس؛ وليس بمتروك .قلت( الحافظ ) :
عمدة البخاري فيه كلام شيخه علي، وأما قول ابن معين فلم يفسره، ولعله عنى حديثاً معيناً، ومع ذلك فما أخرج له البخاري شيئاً إلا وله فيه متابع أو شاهد.. " .
ثم ذكر له متابعاً وشاهداً كما يأتي ، وبذلك يقوى الحديث ؛ وإلا فدفاعه عنه غير مقنع؛ بل تحيزه فيه للبخاري ظاهر؛ فقد أغمض نظره عن أقوال أئمة آخرين فيه ذكرهم في " التهذيب " ؛ فقال أبو حاتم :
" فيه لين ، يكتب حديثه ولا يحتج به " .
وعليه اعتمد الذهبي في " الكاشف " ؛ فلم يذكر غيره .
وقال ابن عدي:
" وبعض ما يرويه منكر لا يتابع عليه ، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء " (1).
ولخص ذلك الحافظ نفسه في " التقريب " فقال :
" صدوق يخطئ " .
وذلك يعني أنه من المرتبة الخامسة عنده ؛ كما شرحه في المقدمة، وهي فيمن يكون حديثه مرشحاً للتحسين بغيره، فالأرجح من كلامه المتقدم في " الفتح " أن البخاري ما أخرج له إلا في المتابعات والشواهد.
علماً أن في هذا الإطلاق نظراً عندي. والله أعلم.
أما المتابع؛ فهو أبو عثمان عن عبدالله بن دينار به.
أخرجه أحمد (2/118- 119) من طريق حيوة: أخبرني أبو عثمان به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ؛ فإن أبا عثمان هذا هو الوليد بن أبي الوليد ؛ كما في حديث آخر عند أحمد (2/97) أخرجه عن حيوة أيضا : حدثنا أبو عثمان الوليد عن عبدالله بن دينار مرفوعاً بلفظ:
" إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه " .
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 41) بإسناد أحمد نفسه، وقال فيه: "حدثني أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد.. "، وكذا رواه ابن حبان (431).
وأخرجه مسلم (8/6) من طريق سعيد بن أبي أيوب فقال : عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد الله بن دينار به . وفيه قصة لابن عمر .
ووهم الهيثمي ؛ فجزم في "المجمع " (7/174) أن أبا عثمان هذا هو العباس ابن الفضل البصري المتروك ! ورد ذلك عليه الحافظ في "التعجيل " (ص504) ، وتبعه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (8/243- 244)- جزاهما الله خيراً- ، ولكنهما غفلا عن حجة أخرى- كما غفل عنها الهيثمي أيضاً- ، وهي أن البزار قد أخرج الحديث أيضاً من طريق أبي عثمان باسمه لا بكنيته؛ فقال في "مسنده " (1/115/211- كشف الأستار): حدثنا محمد بن مسكين: ثنا سعيد ابن أبي مريم: ثنا نافع بن يزيد عن الوليد بن أبي الوليد عن يزيد بن الهاد عن عبدالله بن دينار به أتم منه ، ولفظه :
" من أفرى الفرى من ادعى إلى غير والده ، ومن أفرى الفرى من أرى عينيه ما
لم تر، ومن أفرى الفرى من قال علي ما لم أقل " .
وقال الهيثمي في " المجمع" (1/144):
" رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) ".
ولم تقع عنده الجملة الأولى منه . وإسناده صحيح على شرط مسلم ؛ لكن زاد في إسناده يزيد بن الهاد بين الوليد وعبدالله بن دينار، وذكر يزيد بن الهاد فيه محفوظ ؛ فقد رواه حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار بفقرة البر فقط .
أخرجه مسلم أيضاً . فمن الممكن أن يكون الوليد تلقاه أولاً عن ابن الهاد عن ابن دينار؛ كما في رواية نافع بن يزيد هذه ، ثم تلقاه عن ابن دينار مباشرة ؛ كما في رواية حيوة عند أحمد ، وسعيد بن أبي أيوب عند مسلم . والله أعلم .
والمقصود ؛ أن هذه الروايات الصحيحة تدل على أن الحديث حديث الوليد الثقة ؛ وليس حديث العباس بن الفضل المتروك .
وأما الشاهد؛ فهو من حديث واثلة بن الأسقع ، وله عنه طرق :
الأولى : عن عبد الواحد بن عبد الله النصري قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مثل حديث البزار عن ابن عمر.
أخرجه البخاري (3509) ، وأحمد (4/106) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (22/70/171- 180) .
الثانية : عن ربيعة بن يزيد قال : سمعت واثلة بن الأسقع به .
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (1/118/32- الإحسان) ، والحاكم (4/398) من طريق أحمد- وهذا في "المسند" (3/490 و 491)- ، والطبراني (164) ؛ كلهم من طريق معاوية بن صالح عنه . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " ! ووافقه الذهبي .
وأقول : إنما هو على شرط مسلم فقط ؛ معاوية لم يخرج له البخاري في "الصحيح " .
الثالثة: عن النضر بن عبدالرحمن بن عبدالله قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول... فذ كره.
أخرجه أحمد (4/107) من طريق محمد بن عجلان عنه.
قلت : ورجاله ثقات ؛ غير النضر هذا ؛ أورده الحافظ في "التعجيل " وقال:
"فيه نظر، وقال في "الإكمال ": مجهول ".
فأقول: لعله تحرف اسمه على القطيعي أو غيره من رواة "المسند"؛ فقد أخرجه الطبراني (22/ 71/174) من الوجه الذي أخرجه أحمد : عن محمد بن عجلان قال : سمعت عبدالواحد بن عبدالله قال : سمعت واثلة بن الأسقع به.
فرجع الإسناد إلى الطريق الأولى.
الرابعة : عن عبدالأعلى بن هلال الحمصي عن واثلة بن الأسقع به.
أخرجه الطبراني (22/93/ 224) وفي " الأوسط " (2/80/2/6295- بترقيمي) من طريق طلحة بن زيد عن يونس بن يزيد عن الزهري عنه.
وعبد الأعلى- على هذا- هو السلمي ؛ ترجمه البخاري وابن أبي حاتم، ولم- يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (5/128) ، وأخرج له في "الصحيح " (2093) حديث : " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين.." الحديث . وقد صححته في "المشكاة" (5759) ، وبيانه في "الضعيفة " (2085) .
لكن طلحة بن زيد- وهو الدمشقي ثم الرقي - متروك .
الخامسة: عن خصيلة بنت واثلة بن الأسقع قالت : سمعت أبي يقول ... فذكره مفرقاً دون حديث الترجمة.
أخرجه الطبراني (237 و 238) من طريق محمد بن الأشقر اللخمي عنها .
وابن الأشقر هذا ضعيف ، وخصيلة- ويقال : فسيلة - لا تعرف ، ولها حديث
آخر في "أبي داود" وهو مخرج في "غاية المرام " برقم (305) . *
__________
(1) انظر (( الكامل )) لابن عدي (4/1607/1608) .
الكتاب : السلسلة الصحيحة
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني