المُحبِطون في الأرض!


هناء المداح




رغم أنها فاقدة للبصر منذ ولادتها إلا أنها تخطت الصعاب وعبرت كثير من المحن وأصرت على أن تتعلم وتلتحق بالمدرسة ومن ثم الجامعة لتحقق حلم عمرها وهو أن تكون أستاذة بالجامعة ولكن سرعان ما انطفأ شعاع الأمل ونور الحلم، حيث فوجئت في السنة الأولى في الجامعة بأن بعض الأساتذة ممن يحاضرونها يقتلون طموحها ويثبطون همتها ويرفضون تفوقها وبروزها وتميزها على سائر زميلاتها المبصرات، فمنهم من قال لها: _نحن لا نقدر أمثالك هنا، يمكنك السفر إلى دولة أخرى!..
ومنهم من أصر على ألا يمنحها الدرجات الحقيقية التى تستحقها في الامتحان وعندما سألته عن السبب بعد ظهور النتيجة رد عليها بقسوة قائلًا: (إنتِ فاكرة حنعينك معيدة.. لو كنتِ فاهمة كدة تبقي غلطانة!!).

ليس ذلك فحسب، وإنما تعرضت لشتى صور القهر والتمييز التى يعجز القلم عن التعبير عنها، ومع ذلك أصرت على استكمال سنوات الجامعة أملًا في الحصول على تقدير مرتفع يمكنها من العمل فيما بعد وذلك بتشجيع والديها الدائم بحلو الكلام وأطيبه، فزرعا بداخلها الأمل والتفاؤل بغد أفضل والرغبة في الاستمرار والتحلي بالصبر الجميل، وبالفعل وبعد طول جهد ومثابرة وصبر حصلت على الليسانس بتقدير عام جيد جدا وعملت كاتبة مقالات بإحدى الصحف، تنشر أفكارها وآراءها على نطاق واسع وأصبحت لها رسالة سامية تعيش من أجلها لتساهم ولو بقدر بسيط في الإصلاح والتغيير إلى الأفضل..

لا شك أن الكلمة تلعب دورًا كبيرًا لدى كل منا، فإما أن ترفعنا إلى عنان السماء أو تهبط بنا إلى أسفل سافلين، الكلمة كالشمعة من الممكن أن تضيء وتنير حتى لا نضل الطريق ومن الممكن أن تصيبنا وتحرقنا بالنار التى تنبعث منها!..

للأسف الشديد.. هناك الكثير من الآباء والأمهات والمدرسين والأصدقاء ممن يساعدون بشكل مباشر أو غير مباشر في إحباط وقتل طموح وإبداع ونجاح من حولهم من الصغار الذين هم في أمس الحاجة إلى من يدعمهم ويمد لهم يد العون بشتى الطرق، حيث يطلقون عليهم بعض الأوصاف غير اللائقة التي تلتصق بهم طيلة حياتهم، كما يقللون من شأنهم ويرسمون لهم مستقبلًا مظلمًا غير مشرف ويتنبأون لهم بما هو سيئ، دون أن يلتفتوا إلى خطورة ذلك على تكوينهم النفسي والاجتماعي وما لهذا الأمر من تأثير سلبي في استكمال مسيرة حياتهم بشكل طبيعي!..

وعلى صعيد الآباء والأمهات..فحدث ولا حرج..فالكثير منهم يطلقون بعض الأوصاف السيئة والكلمات البذيئة على أولادهم ويحكمون عليهم بالفشل مسبقًا لمجرد التقصير أو ارتكاب خطأ ما يمكن علاجه بسهولة، فكم من الأبناء من صاروا يسمون أنفسهم بوصف سيئ كان مصدره أحد والديهم أو كلاهما حتى عرفوا بهذا الوصف.. حيث اشتهروا به بين إخوانهم بل وأقاربهم وجيرانهم، فاقتنع هؤلاء الأبناء أن هذا هو الوصف المناسب لهم، فتدهورت حياتهم، وصار همهم كيف يشبعون شهواتهم فقط.

وكذلك على مستوى الأصدقاء..كم من صديق أوهم صديقه بأنه غير مناسب لأن يكون في صفوف الناجحين والمبدعين..فصدق هذا الوهم فماتت عزيمته وقُتِلَت رغبته في النجاح والصعود بسبب غيرة صديقه أو نفسه المريضة وقلبه العليل بالحقد والغل وكره الخير للآخرين!


في النهاية.. لا أجد أروع من كلام الله عز وجل لأختم به كلامي..

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}. سورة إبراهيم- 26:24.