دعوة لانشراح الصدر (1-2)



تهاني الشروني





إذا تأملنا طبيعة الحياة في هذا العصر، وجدنا سرعة دوران الأيام، وشعور الإنسان المتزايد بامتلاك القوة، وكأن الأرض أوشكت أن تأخذ زخرفها.. يشعر إنسان اليوم أنه قادر على تملك كل شيء، والوصول إلى كل ما يريد، ولكنه مع هذا يمتليء ضيقًا وتأففا، صدر ضيق، وقلبه مغلق، وحماسه مطفأ، وعزيمته فاترة.

وفى خضم تلك لصورة نجد أن المشهد يعج باناس قد عشش الملل والضيق والسآمة فى نفوسهم، وتتجلى مظاهرها فيما يلي:

اولا: الكسل وحب الراحة والفتور وكثرة النوم.

ثانيا: تفريغ الطاقة في أمور مثل: الصخب والضجيج وارتفاع اصوات الاغانى والموسيقى.

ثالثا: انتشار الكثير من العادات السيئة، مثل: التواجد فى الأماكن المزدحمة، وكثرة الخروج إلى الاسواق بلا هدف ولا معنى، وقضاء الأوقات الطويلة فى التسكع هنا وهناك، إلى جانب زيادة أعداد المدخنين والمدمنين.

رابعا: انتشار القنوات الفضائية بصورة مرعبة ومهلكة وقضاء البعض غالب الوقت فى التنقل من قناة إلى أخرى،

والتحدث فى الهواتف بلا انقطاع، وكثرة الثرثرة حتى أصبح الكل يتحدث ولا أحد يسمع.

خامسا: إهمال القراءة والعدول عن الكتب المفيدة إلى المجلات التافهة والجرائد المملة.

سادسا: الاستجابة إلى رغبات النفس وأهواءها مما ترغب فيه من المأكولات والمشروبات المتنوعة ومحاولة الحصول عليها مهما كان الثمن والتفاخر بذلك.

سابعا: التطلع إلى كل ما هو جديد من الموضات والصيحات والتقليد الأعمى لكل ما هو آت لنا من هنا وهناك، حتى ولو كان لا يتناسب البتة مع منهجنا وديننا وعاداتنا.

ثامنا: التشبه والتخبط في اتجاهات متضادة، حتى أصبحنا لا نستطيع أن نميز بين الشابات والشباب، وتتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء، ونرى أناس لا يحسنون الكلام يلوون ألسنتهم بلهجات أجنبية عنهم ليظهروا بمظهر يحسبونه ذروة التقدم والرقي.

تاسعا: كثرة المخالطة وتبادل الزيارات والإكثار من العزائم والاجتماعات التي يكثر فيها الغيبة والنميمة، والقيل والقال، ويذكر فيها الله قليلا.. فغالبًا ما تكون للتباهى والاستعراض.



عاشرا: الاهتمام البالغ بالفن والفنانين، والرياضة والرياضيين، والسياسة والسياسيين، ونسيان ما يحيي القلب، ويعلي الهمة، ويجمع شتات الفكر والعزم من الاهتمام بسير الصالحين والصالحات من السلف والخلف.

وهناك الكثير والكثير من العلامات والإشارات والآثار التى إن دلت فإنما تدل على ما بات يعانيه أبناء وشباب ونساء ورجال الأمة { إلا من رحم ربى} من التفاهة والسآمة والملل، يهربون من الملل بهذه الوسائل فيحصدوا المزيد والمزيد منه.



ولهذه الأمور سالفة الذكر نتائج كثيرة لا تخفى على المتأمل لها من ضياع الأموال والأوقات وإهمال العمل الجاد المثمر والانصراف عن تحقيق التفوق والطموحات، فنرى الطالب قد قصر فى دراسته، والموظف أهمل فى أداء عمله، والزوجة قد ضيعت حق زوجها وأبنائها وبيتها، والزوج قد أطاح بمسؤلياته وتغافل عن واجباته، وتساهل أفراد المجتمع وانشغلوا عن تحقيق التقدم الدنيوى، وابتعد الجميع عن المنهج الربانى، ولم يعد التفريط فى نوافل الطاعات، بل امتد ليشمل الفروض والواجبات ثم يتتابع ذلك وتكون العاقبة الحزن والفتور.

ويتلفت الانسان حوله للخروج من تلك الإحباطات، فما هو سبي الخروج من هذه الدوائر المفرغة من الملل، والحياة الرتيبة التافهة التي تطفيء الحماسة، وتبدد الموهبة والابتكار، وتضعف قوة القلب وعزيمته؟

هذا ما سنتعرض له في المقال القادم، راجين الله تعالى متضرعين إليه بهذا الدعاء القرآني العظيم { رب اشرح لى صدرى}، ولننظر إلى ما وهبنا الله من نعمة الاسلام، فهي أصل النعم وأعظمها، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ}.