تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المسلمون في اوروبا الشرقية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,509

    افتراضي المسلمون في اوروبا الشرقية

    المسلمون في اوروبا الشرقية (1-2)

    د. علاء الدين سيد أغا

    كان العالم في العصر الأموي قسمين:
    - دار حرب (البلاد غير الإسلامية)، ودار سلم، أو إسلام مع الدول الإفرنجية والدولة البيزنطية، ومع ما يظهر على هذا التقسيم من سمات الفقه والمعاملات، فإن عنصر الجهاد يضرب فيه بسبب جدّ قوي، فقد كانت الدولة الأموية تتصل بدار الحرب وأهلها اتصالا تجاريا، تتخلله حروب كثيرة، تضع أوزارها حينا، لتستمر من جديد (1)، وترمي هذه الحروب الأموية إلى تأمين الحدود مع الدول المجاورة، ولما كان هذا التأمين الحدودي نفسه يلتزم مكثا دائما بتلك الثغور، فإنه لا مشاحّة قد تمهد رباطا تحيي فيه هذه الصفوة المجاهدة الشعائر الإسلامية، مع قيامها بواجبها الدفاعي المنوط بها.
    أما في العصر العباسي فقد تبدلت هذه العلاقات تبدلا استقر حلفا وصداقة بين الدولة العباسية وبين دولة الإفرنج، وبرزت هذه الصداقة والسفارة كأوضح ما تكون بين هارون الرشيد وشارلمان. وقد أورد مؤرخ شارلمان وسكرتيره eginhard «أن هدايا هارون إلى شارلمان كانت تشمل بعض المنسوجات والروائح العطرية وفيلا، وساعة مائية»، وقد ترددت هذه الهدايا بينهما مرارا فيما بين عامي (797 – 809).
    ومن جهة أخرى فقد استقرت تلك العلاقات عداوة بين الدولة العباسية وبين الدولة الأموية في الأندلس والإمبراطورية البيزنطية.
    ولم يكن هارون أول محدث لهذه العلاقات بين الدولة الإسلامية وبين الدول المسيحية، فقد كان المنصور وخلفاؤه على علاقة متينة، وكان شارل مارتل يتودد إلى الخليفة المهدي مهددا به منافسه، وعدو الطرفين إمبراطور الدولة البيزنطية.
    وانشغلت الدولة العباسية ببعض الثورات والفتن، كفتنة بابك الخرّمي الذي اعتصم بجبال الشمال الشرقية عند حران سنة 201هـ، وانتهز هذه السانحة الإمبراطور البيزنطي فاستمال الخرّمية، وقدم لهم كل مساعدة، غير أن الإمبراطور البيزنطي حسب حسابه ثانية، وكفّ عن مساعدة الخرمية، وكتب إلى المأمون بالصلح والمهادنة.
    وفي زمان المعتصم أقضت فتنة الخرمية كل مضجع، فنهض لها المعتصم (2) وقضى عليها، وفي هذه الأثناء دبر إمبراطور بيزنطة غارة على مدينة بطرة وحرقها، وساق من فيها من المسلمين أسارى، يعضد ساعد بابك الخرمي، ليوهن المعتصم، ولكن هذه الأمنية تبددت أحلام نائم.
    روى ابن الأثير أنه لما خرج ملك الروم، وفعل في بلاد الإسلام ما فعل، بلغ الخبر المعتصم، فلما بلغه ذلك واستعظمه وكبر لديه، وبلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: «وامعتصماه» فأجابها وهو جالس على سريره: «لبيك.. بيك» ونهض من ساعته، وصاح في قصره: «النفير النفير»، ثم ركب وسار ساعتئذ إلى أنقرة في جيش لجب، فاستولى على أنقرة، ثم اتجه إلى عمورية - وهي مدينة تيوفيلس وحجر صباه، وملعب تربه، فحاصرها المعتصم حتى أسقطها، واستخلص من كان بها أسيرا أو مستضاما، وكان ذلك في سنة 223هـ، وكان في جند المعتصم وقادته الكبار أشناس وبغا الكبير والأفشين.
    وتجدر الإشارة إلى أن العنصر التركي في العصر العباسي الأول كان قد استقل بالإدارة والجيش بسبب الفسحة التي أذن بها المعتصم لتدبيره أمر خلافته. وأتراك هذا العصر قدموا من مناطق ما وراء نهر جيحون، أو ما يعرف بإقليم تركستان (3)، وهو الإقليم الذي دخله المسلمون في العصر الأموي، على عهد الخليفة الوليد بقيادة قتيبة بن مسلم، ثم وفدت بعد ذلك قبائل كثيرة، وتزاوجت مع أهل البلاد، واستقرت وانتشر لذلك الدين الإسلامي في هذه المناطق، لتصبح هذه البلاد محط سفارات ورحلات.
    ويلاحظ أن هذه اللحمة – العربية – التركية – الإسلامية شكلت وجودا إسلاميا، تردد ذكره في كتب الرحلات والكشوف الجغرافية، التي اختصت بهذه البلاد، وعلى رأس هذه المصادر جميعا كتب الفتوح الكبرى.
    ويحسن التنبيه إلى أن هؤلاء الترك المتقدم ذكرهم ليسوا بالأتراك الشراكسة أهل بلاد القوقاز، أو المنطقة المترامية بين البحر الأسود وبين بحر قزوين.
    ولا هم من الأتراك السلاجقة أو المغول، فهؤلاء قبائل تركية تباين ظهورها في التاريخ، واختلفت مواطنها على خريطة الأرض.
    ولا نعني بطبيعة الحال الأتراك العثمانيين (آل عثمان)، إذ لم يظهروا بعد على مسرح التاريخ.
    ولما كادت أن تأذن الدولة العباسية بالغروب إبان دورها الثاني والأخير، كان العالم الإسلامي قد اتسع اتساعا كبيرا جدا، حتى إن أطرافه المترامية بعيدا عن عاصمة الخلافة جرأت عددا غير قليل من الأمراء على الاستقلال والانقطاع جملة واحدة عن مركز الخلافة، عدا عن أمور شكلية، كالدعاء للخليفة على المنبر، وسك العملة باسم الخليفة، وإرسال الجزية، وأشباه هذه الأمور. فظهرت:
    - الدولة الأموية بالأندلس، وقد تنامت وطار ذكرها كل مطار، وطبقت شهرتها الآفاق زمانا ليس بالقليل، وكان قد أسسها عبدالرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبدالملك سنة (138) هـ.
    - الدولة الإدريسية (172- 363هـ).
    ثم ظهرت دول استقلت استقلالا جزئيا، أو داخليا.
    - دولة الأغالبة 184 – 296هـ.
    - الدولة الطاهرية 205 – 259هـ مؤسسها طاهر بن الحسن.
    - الدولة الصفارية 254 -290هـ مؤسسها يعقوب بن الليث الصفار، وكانت ببلاد فارس، ودامت 36 سنة.
    - الدولة السامانية 261 – 389هـ مؤسسها نصر الأول بن أحمد، وكانت ببلاد ما وراء النهر وإيران.
    - الدولة البويهية 320 – 447هـ نسبة إلى بني بويه من الديلم جنوب غرب بحر قزوين.
    - الدولة السلجوقية 429- 700هـ نسبة إلى سلجوق بن يقلق، وينسبون إلى قبيلة كبيرة من قبائل الترك، تعرف باسم «الغز» (4)، وهؤلاء الغز يظهر دورهم الكبير في نشر الإسلام في كثير من أصقاع البلاد الإفرنجية والآسيوية والإفريقية، فقد أورد ابن جبير (580هـ-1114م)، وابن بطوطة (756هـ-1355م) ذكرا للغز في رحلتيهما بحذاء البحر الأحمر في طريق حجهما للبيت الحرام.
    ثم آذنت الدولة السلجوقية بالزوال لتظهر الدولة الخوارزمية، بعد أن قضت على دولة الخطائين الوثنية، واستردت ثغور ما وراء النهر، وقد تصدى ملك خوارزم شاه وابنه جلال الدين للتيار المغولي الذي اجتاح إيران كلها وبغداد سنة 656هـ.
    ويلاحظ في هذا العرض الموجز أن الوطن الإسلامي شرقه وغربه ظل صاعدا متفاعلا متسعا لجميع المسلمين.
    الكشف الجغرافي والرحلات إلى شرق أوروبا: تقدم أن دور الثغور لم يكن دورا دفاعيا فحسب، بل تعدى ذلك ليصبح دورا مهما في نشر الإسلام في البلاد المجاورة للدولة الإسلامية. وما كان للجهود الجغرافية المتمثلة في تدوين البلدان وأخبارها وتقويمها، ولا للسفارات والرحلات أن تكون، لولا منافذ الثغور المطلة على البلاد المجاورة للدولة الإسلامية والدول الإفرنجية، ناهيك عن طرق ومسالك التجارة المؤمنة والمنتشرة في أرجاء العالمين بعرضها وطولها (5)، وعلى رأس هذه الطرق والمسالك طريق الحجاج.
    وباتساع الفتوح الإسلامية استوعب المسلمون تجارب ومعارف، زادت كلما انتشروا في أصقاع البلاد، وتطلب إدارتها التعرف الدقيق عليها، لضبط شؤونها المالية والإدارية بتنظيم الإدارة والبريد والخراج، ليتقررعلى أساس ذلك قدر الجزية والخراج، ثم تولى المؤرخون من أصحاب السير والمغازي وصف هذه المدن وسكانها وأحوالهم.
    وواضح أن اتساع الدولة الإسلامية في ذلك الوقت قد هيأ لها آفاق القوى مع غيرها عن طريق السفارات والبعثات، كما فتح للمسلمين أبواب معرفة عملية وعلمية، تعرفوا من خلالها على أخبار مجاوريهم وأحوالهم معرفة خلطة وتقويم رسخت للإسلام أقداما، ساحت من بعد في تلك البلاد.
    ومن قديم ما يذكر في هذا الباب بعثة الخليفة الواثق ( 842- 847 هـ) لسلام الترجمان إلى بلاد الصين، ليشاهد السد الذي بناه الإسكندر في ديار يأجوج ومأجوج، ولما عاد قص على الناس أخبار وعجائب هذه الجهة، ومهما يكن دافع هذه البعثة، فإنه بيَّن الدلالة على الولوع بالكشف والمعرفة، واستقصاء الأخبار وامتحانها دون الالتفات إلى بعد الشقة، وبعد المكان (الصين).
    ولعل أعلى البعثات شأنا البعثة الدينية التي بعث الخليفة المقتدر عام (921م) إلى بلاد البلغار، تلبية لطلب ملكها (6)، قال ابن فضلان في شأن الخزر:
    ولعل الخزر مدينة عظيمة على نهر أنل، وهي جانبان، وفي أحد الجانبين المسلمون، وفي الجانب الآخر الملك وأصحابه.
    وعلى المسلمين رجل من غلمان الملك يقال له «خزمة»، وهو مسلم. وأحكام المسلمين المقيمين في بلد الخزر والمختلفين إليهم من التجارات مردودة إلى ذلك الغلام المسلم لا ينظر في أمورهم، ولا يقضى بينهم غيره.
    والظاهر من هذا النص أن الإسلام قديم عندهم، ومن خطأ القول أن بعثة المقتدر هي بداية دخول الإسلام لتلك الجهات، وبرهان ذلك ما أورده ابن فضلان نفسه متمثلا في الأسئلة الفقهية التي سأله الصقالبة «فلما اجتمعنا قال للترجمان: قل له – يعنيني -: ما يقول في مؤذنين أفرد أحدهما وثنّى الآخر، ثم صلى كل واحد منهما بقوم، أتجوز الصلاة أم لا؟ قلت: الصلاة جائزة، قال: «باختلاف، أم بإجماع؟» قلت بإجماع» قال له: ما يقول في رجل دفع إلى قوم مالا لأقوام محاصرين مستعبدين فخانوه؟ فقلت: لا يجوز، وهؤلاء قوم سوء».
    وكلام ياقوت الحموي عن بلدان تلك الجهات ينبئ عن قدم الإسلام في تلك الجهات. والحق أن تجريد مادة الإسلام والمسلمين عن كتب التقويم والبلدان تحتاج إلى بحوث كبار قائمة برأسها، غير أني أتخير هنا شيئا يسيرا للتدليل على صحة ما مرّ من إشارات.
    وقال أبوعبدالله محمد بن أبي بكر الزهري (توفي أواسط القرن السادس الهجري): الزيتون في رومه.. وفي غربي هذه المدينة بلاد أرمينية الكبرى، وقد بلغت غارات المسلمين في البحر من بلاد الأندلس إلى هذه البلاد، وكان يومئذ على الأسطول محمد بن ميمون من مدينة المرية، وغزاها من بعده من إشبيلية عيسى بن ميمون وفيها قبره، وهي التي أخذها محمد ابن ميمون عرمة، هي التي أخذها عيسى بن ميمون (7).
    «فلندة»:
    «ومما يلي هذه البلاد الملف، وهم أقوام من الإفرنج... وإنما عرفوا بهذا الاسم لأنهم نسبوا إلى مدينة عندهم اسمها فلندة، وهي من أعظم بلاد الإفرنج...»
    «أقلوبة»:
    ومما يلي هذه المدينة على ساحل البحر في المشرق مدينة أقلوبة بشكيرة، ومدينة جنوة، وهي من أعظم مدن الروم والإفرنج، وأهل هذه المدينة هم قريش الروم، يقال عنهم أن أصلهم من العرب المتنصّرة من أولاد جبلة بن الأيهم الغساني الذي تنصّر في الشام، وهم قوم لا يشبهون الروم في خلقهم، لأن الروم الغالب عليهم الشقرة، وهؤلاء قوم سمر دعج شم العرانين، فلذلك قيل: إنهم من العرب، وهم قوم تجار في البحر (8):
    «بونيه»:
    (هي قاعدة مدن

    لنقردية، وهي مدينة بالحجر والآجر والكلس، كبيرة جدا كثيرة الأهل، تتفجر داخلها العيون، وهي على نهر يجتمع تحتها بمقدار نصف ميل بنهر آخر، وفي هذه المدينة قصر حسن على بابه صورة فاس من نحاس متناهية العظم، بعثها من الدهر القديم ملك القسطنطينية إلى بلد لنقردية، وبهذه البلدة ثلاثمئة فقيه من المسلمين، وعندهم يتحاكم أهل لنقردية، وهم يعقدون لهم على وثائق أثريتهم وبيوتهم، وفيها من المسلمين تجار أغنياء، عددهم أزيد من أربعمئة، ولهم مبان سرية، ومتاجر قوية، ولذلك صار المتوجهون من التجار والحاج إلى رومة لابد لهم من بونيه (9).
    وعدّ ابن حوقل مدينة بالرمو من إحدى كبريات مدن الإسلام من حيث تعداد مساجدها، وقربها من مدينة قرطبة، وكان التشابه آنذاك بين المدينتين كبيرا جدا.
    وأحسب أن الذي دفن هذه الحقائق الساطعة، وأجهز عليها تبديدا وطمسا الصليبية الحاقدة على الإسلام، بحيث تجد غياب هذه الفترة واضحا في أكثر المؤلفات الأوروبية، وإن مروا عليها لففوا الحقائق بقمط صغار، لا يدركها إلا من تدرب أساليبهم وطرقهم من البحث والفهم.
    هذا من جهة، ومن جهة ثانية إن أسماء البلدان الأوروبية القديمة قد تغير الآن عما كان عليه قديما، وظل الاسم القديم في كتب الجغرافيين العرب القدامى كما هو، دون أن يسمه استدراك أو بيان، فيما طبع حديثا بحروف المطابع، ولا غرو فإن ما بعـث – طباعة - من كتب الجغرافية العربية الإسلامية كان بأيدي الأوروبيين (ياقوت) و(المكتبة الجغرافية) ستة مجلدات، وغيرها ما له مساس بالتقويم والخرائط، وهم أول من تولى درسها، وتوجيهها، ولا أريد هنا الإفاضة في هذا الموضوع بقدر ما أريد أن أشير إلى إهمالنا دراسة مادة الجغرافيا الإسلامية، وما استدركنا من ذلك إلا النزر اليسير.
    لأن معرفة الجغرافية التاريخية الإسلامية لجهات أوروبا الشرقية في تلك العهود مما لا ينبغي إهماله في البحث، لأنها تضيء حقبة حالكة من حياة المجتمعات والشعوب الساكنة والمتحركة في تلك الأصقاع، لأن الفترة الواقعة بين القرنين الثامن والحادي عشر كان الصقالبة أو السلاف (ESCLAVE) - غابات أوروبا- ينتشرون في الغرب، حيث تقدموا في أعقاب الهجرات الجرمانية نحو الغرب بين القرن الثالث والرابع، وتقدموا نحو نهر الألب ومنطقة السال - ألمانيا الشرقية اليوم – SAALE وجبال الألب الشرقية واليستريا ودالماسيا والبلقان، حتى جزر البيلوبونيز، إلى أن طردوا منها بعد القرن السادس، أما في الشرق فكانت حدودهم تنطبق على الغابة الكبيرة بالشمالية: أي: أعالي نهر الدنيبر، وأعالي نهر الدون، وأعالي نهر الفولجا مع بعض الطلائع في السطح، حيث كان البوليان يجاهدون الدرفليان، وكانت تنتشر خلف بلاد السلافين باتجاه نهر البلطيق الأقوام الفينية، التي يدمجها الجغرافيون العرب مع الصقالبة.
    وكانت تعيش في سهوب روسيا الجنوبية والدانوب أقوام تركية منغولية كالخزر والبلغار والمجر. وكان السلافيون ينصرفون لحياة الغابات والأنهار، ويحيون حياة قوامها الصيد المائي، والصيد البري، وقطف الثمار، موزعين بين قبائل لا ترابط بينها.
    وتمركزوا في القرن العاشر من منطقتين، هما: بولونيا وبوهيميا، وابتداء من القرن الثامن أصبحت منطقة الأنهار (الفولجا والدون والدنيبر) مكان تجول الإسكندنافيين (VAREGUES). والروس الذين كانوا في القرن التاسع إمارة روسية إسكندنافية على نهر الدنيبر، وهي ثالث نقطة تبلور قومي.
    وكان الإسكندنافيون يتجرون في اتجاهين: الأول نحو بحر الشمال وأوروبا الغربية - وهي محطات على الطريق المؤدي إلى إسبانيا والمغرب الإسلامي والبحر الأبيض المتوسط، ونحو بحر قزوين والمشرق الإسلامي - والثاني باتجاه البحر الأسود وبيزنطة (10).
    أما في بلاد البلقان (التلال الوعرة المرتفعة التي تكسوها الغابات) فاسمها القديم هيموس HOEMUS وهو وصف للممرات البلقانية الكثيرة ذات الصيت في التاريخ مثل (أي بوغاز جلقواق، دمر قابو – باب الحديد).
    وواضح من وصف بلاد البلقان أنها كانت مجالا حيا لتحركات التجمعات البشرية المختلفة، واختلاطها ببعضها تجاريا وثقافيا واجتماعيا، وذلك عبر هذه الممرات الكثيرة التي تشبه إلى حد كبير شبكة للمواصلات بعيدة الانتشار، شديدة الارتباط والانفصال (11).
    وأشرنا هنا إلى هذه الأقوام والبلاد، لأن هذه المناطق جميعها ستشغل دورا رائدا ومهما في تاريخ الإسلام بهذه الجهات، وستجد من بعد الدولة العثمانية (العلية) الأرض ممهدة لنشر الإسلام، وتوسيع فتوحاتها على النحو الذي سيمر.
    العهد العثماني وشرق أوروبا:
    تقدم أن دور الثغور الإسلامية، أو دويلات الثغور قد أوجدت علاقات مستقرة بين البلاد الإسلامية والبلاد الإفرنجية، وقد شهدت هذه الثغور والممرات الحروب الصليبية المتتالية صوب العالم الإسلامي. وهذه الحروب قد كشفت عن علاقات اجتماعية بعيدة عن روح التعصب الصليبي، وأوضحت أيضا الأخلاق السمحة التي كانت تطبع سلوك المسلمين ومعاملاتهم للمسيحيين.
    وقد بين حفيد بربروسه الصليبي – الألماني الصقلي - فريد ريكو هذه العلائق منصفا المسلمين معتمدا عليهم حتى بعد هزائمهم، واسترداد المسيحيين صقلية.
    وبعيد هذا القليل كان الأناضول (تركيا) قبل أن تغدو إليه قبيلة «قايي»، وكان إسلاميا قد تمهد بفضل المؤثرات التي أشرت إليها فيما تقدم من بيان، وكما كانت قبيلة «قايي» قبيلة مسلمة، فقد وجدت في الأناضول مستقرا صالحا لتكوين إمارة صغيرة تجاهد في سبيل الإسلام على الحدود السلجوقية – البيزنطية عند المنطقة المعروفة حوالي «أسكي شهر». حيث دأبت الدولة السلجوقية على تعيين بعض القواد للدفاع عن البلاد الساحلية، وعن مناطق الحدود، واشتهر هؤلاء بأمراء الحدود.
    وكان الأناضول خلال القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين منطقة تناحر بين الدولة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية، حتى استقر أمره إسلاميا كله، وأسس عثمان إمارة إسلامية صغيرة، تولى أمرها من بعده ابنه أورخان، وهو الذي فتح بروسه (1326م)، وجعلها عاصمته، ثم عبر المضيق إلى غالبولي، لتصبح قاعدة التوسع العثماني في البلقان (12).
    وكان عثمان ورجاله قد تقدموا في أراضي الدولة البيزنطية في آسيا الصغرى في اتجاه البحر الأسود، واستقل عثمان بالإمارة، وحسب نفسه وارثا لملك السلاجقة الروم في آسيا الصغرى، وقائما بجهاد البيزنطيين، وردهم إلى غربي آسيا، ومكث هناك مجاهدا، وكان حضه على الجهاد الشيخ أودبالي، وزوّجه إحدى بناته، ولقبه بالغازي، وأوصاه أن يهب نفسه للجهاد في سبيل الله في أراضي الروم، ودخل كثير من الروم البيزنطيين الذين كانوا يسكنون هذه النواحي الإسلام، وكان في العثمانيين ميل شديد إلى التنظيم وحسن الإدارة، فأنشأوا قوات مدربة تقوم بالجهاد.
    وتحولت دولة الأتراك العثمانيين إلى دولة مجاهدة، وظهرت جماعات الجهاد الإسلامية، كجماعة غازيان روم (غزاة الروم)، وهي جماعة قديمة كانت على الحدود بين دولة الإسلام ودولة الروم منذ العصر العباسي.
    ثم نهضت الثقافة الإسلامية بين الأتراك العثمانيين. ويذكر كوبريلي أن جماعة الآخيان الإسلامية قد قلدت جماعات الفتوة أيام الخليفة الناصر العباسي، وكان أغنياء التجار يتبرعون بأموالهم للمحتاجين. ومهما كان من أمر هذه الجماعات فإن غلبة الروح الدينية على الدولة العثمانية في أول أمرها كان ظاهرا، ودفعت هذه الروح الدينية الأتراك إلى الفتوحات الإسلامية، فيما جاورهم من بلاد، وفي سنة 1354م عبر الأتراك بحر إيجه، ونزلوا ساحل اليونان، وكانت بلاد البلقان مقسمة بين أملاك البندقية وبقايا الدولة البيزنطية، وكانت مملكة الصرب التي تقع جنوبي شبه جزيرة غاليبولي (ولاشيا الصربية) مقسمة ضعيفة.
    وفي سنة 1362م دخل الأتراك إقليم تراقيا، وتوجهوا شمالا في بلاد البلغار وغربا إلى مقدونيا، وفي سنة 1386م استولوا على صوفيا عاصمة بلغاريا، وكذلك «نيش» وفي عهد بايزيد الأول أخضعت بلاد اليونان كلها قبل نهاية 1393م.
    وبعد هذا التوسع الكبير لاحظ الأتراك العثمانيون جملة مسائل، كان أهمها إيجاد ذوي الخبرة العارفين بالإسلام والشرع، ليساعدوا في تنظيم الدولة على أساس إسلامي، ولاحظوا أيضا قلة عددهم قياسا لغيرهم، وهنا حاول الأتراك توحيد الإمارات الإسلامية الصغيرة.
    وفي أيام محمد الثاني الملقب بالفاتح اتسعت حدود الدولة العثمانية جدا، وفتحت القسطنطينية في 29 مايو سنة 1453م، وصارت عاصمة الإمبراطورية، وفي عهد الفاتح أيضا فتحت أثينا وما حولها، وكان ذلك سنة (1458–1460م) وفي عام 1459 أخضعت بلاد الصرب، وبلاد البوسنة سنة (1463-1464م)، واعتنق الإسلام جملة صالحة من البوسنيين، وأصبحت البلاد البلقانية وما جاورها تابعة للدولة العثمانية الإسلامية.
    ونشطت الدولة العثمانية نشاطا كبيرا في تلك البلاد، ثم جاءت الحرب التركية الروسية، ومعاهدة سيفر أغسطس 1920م، واستولت روسيا على القرم، واستمر تراجع الأتراك أمام الروس والنمساويين.
    وساءت الأحوال داخل تركيا نفسها سوءا شديدا، فبرزت الرشاوى في الدوائر الحكومية، وتفشى الفساد بين الموظفين.. وفي ذلك الوقت كان التتار قد استقلوا عن بولندا، ويمموا شطرهم نحو بحر قزوين، ثم أخذ الروس كيلبورون وكيرش ويني تامي، ومنحت الأفلاق والبغدان استقلالا ذاتيا تحت السيادة العثمانية، كذلك حصل الروس على حق رعاية رعايا السلطان من الأرثوذكس في البلاد التركية، واستولت كاترين على القرم منتصرة، ثم تحالفت مع يوسف الثاني إمبراطور النمسا، واتفقا على تقسيم تركيا، ثم اجتاح الروس خوتين وياس وأوترشاكوف، وقتلوا جميع سكانها المسلمين بأمر القائد ألكساندر سوفوروف.
    هذه لمحة موجزة عن خطوات تدهور الإمبراطورية العثمانية في أوروبا الشرقية، أما الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي فقد توفرت لها أيضا جملة مشاكل أسرعت بها نحو الغروب.
    والذي يعنينا هنا الجانب الاصلاحي الذي نشدته الدولة العثمانية في آخر طور من أطوارها، ولم تدركه، وباستقراء أحوال الدولة العثمانية في هذا الطور يلاحظ سببان رئيسان:
    الأول: تراخي الدولة العثمانية عن الدين الإسلامي.
    الثاني: إهمال أحوال المسلمين في البلاد المفتوحة.

    وأميل إلى هذين السببين كمؤشرين جوهريين لنشوء الأقليات المسلمة في شرق أوروبا، وهذان السببان يتداخلان في المشاكل المعاصرة تداخلا شديدا.

    الهوامش

    1- تاريخ الدولة العباسية، الشيال، دار الفكر، ص 55.
    2- تاريخ الطبري، المجلد العاشر، ص 244.
    3- تركستان، فاسيلى بارتولد، ترجمة صلاح الدين علي هاشم، الكويت.
    4- رحلة ابن جبير، بيروت، رحلة ابن بطوطة، بيروت.
    5- طرق التجارة الدولية ومحطاتها، د. نعيم زكي، مصر، الهيئة، وراجع أيضا، البسط الجيد في:
    - تاريخ التجارة في الشرق الأدنى في العصور الوسطى، ف، هايد، الهيئة، مصر.
    - والعلاقات بين الشرق والغرب، عزيز سوريال، دار الثقافة، مصر.
    6- رسالة ابن فضلان، تحقيق د. الدهان، مجمع اللغة العربية، دمشق، ص 72.
    7- كتاب الجغرافية، لأبي عبدالله الزهري، تحقيق محمد صادق، مكتبة الثقافة، مصر، ص75.
    8- نفسه، ص 78.
    9- الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري، تحقيق د. إحسان عباس، بيروت- لبنان، ص 116.
    10- الجغرافية التاريخية للعالم الإسلامي، موريس لوممبارد، دار الفكر- دمشق.
    وانظر حديثه عن التجارة والسلع والطرق التجارية.
    11- KANITZ :DONAU- BULGARIA UND DER NALKAN.
    12- أصول التاريخ العثماني، أحمد عبدالرحيم، القاهرة،1982م.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,509

    افتراضي رد: المسلمون في اوروبا الشرقية

    المسلمون في أوروبا الشرقية(2-2)
    (خلا الجمهوريات السوفييتية)
    د. علاء الدين سيد أغا

    باحث أكاديمي سوداني

    سبق أن ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال بعض المقدمات المتعلقة بجغرافيا الجمهوريات السوفييتية وتاريخها، وفي هذا الجزء نتحدث عن علاقتها بالخلافة العثمانية وجزئيات أخرى.
    الدولة العثمانية والشريعة الإسلامية

    أسلمت الدولة العثمانية نفسها إلى الدول الأوروبية، وإلى روسيا على وجه الخصوص، منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر، وذلك واضح من المعاهدات التي عقدتها مع بعض الدول الأوروبية، حيث تنازلت فيها الدولة العثمانية عن كثير من مظاهر قوتها التي كانت تتعامل من خلالها مع تلك الدول، ففي معاهدة سيتفاتورك، التي عقدتها الدولة العثمانية عام 1015هـ/1606م مع النمسا، تنازلت بموجبها عن الجزية التي كانت تدفعها لها النمسا. وفي معاهدة كوجوك فينارجة، التي عقدتها الدولة العثمانية مع روسيا عام 1188هـ/1774م من عهد السلطان عبدالحميد الأول 1773 - 1789م، سمحت الدولة بموجبها لممثلي روسيا في إسطنبول بتوفير الحماية للمسيحيين من رعايا السلطان، كما أتيح لروسيا تعيين قناصل لها في كل أنحاء الدولة العثمانية، ولم تعط الدولة مثل هذا الحق في تعيين ممثلين في ولاياتها (1).

    وواضح من هذه المعاهدات المتتالية ما سيتمخض عنها بالنسبة إلى المسلمين القابعين في الدولة العثمانية في شرق أوروبا، لأن هذه المعاهدات لم تتناولهم، وإنما اهتمت بحماية المسيحيين وأحوالهم.
    ولاحظ المؤرخون أن سبب ضعف الدولة العثمانية يعود أصلا إلى الابتعاد عن الشريعة الإسلامية. وقد بسط الحديث في ذلك المفكر العثماني قوجي بك kocibey، وكان ضابطا في سراي السلطان، ويعد من خواص السلطان مراد الرابع. وكان قوجي قد كتب رسالة إصلاحية بخصوص تدبير أمور الدولة وإصلاحها، وتقدم بها عام 1631م، ثم شفعها برسالة أخرى قدمها إلى السلطان إبراهيم عام 1640م. وأمثال هذه الإجراءات الإصلاحية (2) كانت تتردد ما بين حين وآخر في الدولة العثمانية؛ نظرا للابتعاد الشديد عن الشريعة الإسلامية، لا، بل ظهر في ديسمبر عام 1876 دستور غربي مقتبس كله من دساتير بلجيكا وفرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة. ولما آل الأمر إلى ذلك، تنمرت روسيا وغيرها من الدول الأوروبية، واستعدت لابتلاع الدولة العثمانية وبتر أطرافها، لا، بل تركيا نفسها. وفيما بعد أجهز على تركيا المسلمة ابنها كمال أتاتورك.
    وبينما كانت تدوي صرخة الإصلاح التي نادى بها المفكرون والمؤرخون الأتراك؛ لاستنقاذ ما بقي من ذلك المارد، تنادى كثيرون في الجامعة الإسلامية (3) ووقف ضدها آخرون، متأثرين بأيديولوجيات تحارب الإسلام، وظهر فريق ثالث نادى بالتوفيق بين الإسلام والقوانين الغربية كنظام أمثل للإصلاح.
    ولم يغفل تيار الإصلاح مسألة القوميات، وتعرض لها بالرفض والاستهجان.
    ويعد - بحق - محمد عاكف من أوائل الذين استشعروا مسألة الأقليات والقوميات التي ستبرز بروزا واضحا في المحيط الثقافي والوطني والديني، ولأمر ما أطلق المؤرخون الأوروبيون على بلاد البلقان «مستودع البارود».
    كانت البلاد البلقانية في أوائل القرن التاسع عشر ضمن الدولة العثمانية على اختلاف ساكنيها وألسنتهم ودياناتهم، فهناك اليونان والبلغار والصرب والألبان والبوشناق والبوماق والأفلاق والأتراك! وبذلك تكونت جماعات وطوائف إسلامية عديدة، إضافة إلى الطوائف المسيحية.
    وكانت هذه الجماعات تقل وتكثر باختلاف الأقاليم وتشتد في وسط البلاد البلقانية، تداخلا وتشابكا، وبالذات عند مقدونيا، حتى إن كلمة مقدونيا صارت تطلق وصفا على الأطعمة المشكلة في بعض اللغات الأوروبية، ثم جوزت للاستعمال السياسي للدلالة على التشابك والتعقيد الشديدين.

    اليونان

    كان اليونانيون أرثوذكسا، وظلت كنيستهم على ما هي عليه حتى بعد فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح، الذي أطلق لبطريركية الفنار كل الحقوق والامتيازات التي كانت لها زمان الدولة البيزنطية. واستثمرت كنيسة الفنار هذه الحقوق استثمارا واسعا جدا، فخدمت اللغة اليونانية والثقافة اليونانية ونشرتهما بين غير بني قومها أيضا. كل هذا ولم تحاول الدولة العثمانية أن تحد منه أو على الأقل أن تباريه وتعمل قدره، بل إنها كثيرا ما أقدمت على تأييدها وحمايتها أيضا.
    وبرز الولع بالأدب اليوناني، وأعلنت استقلالها في المؤتمر القومي في مدينة ميسولونجي سنة 1822م، وشيئا فشيئا بدأ حال المسلمين يضعف ليحتسبوا «أقليات».
    كان البلغار يتبعون كنيسة الفنار الأرثوذكسية، وقد تقدم أن هذه البطريركية كانت يونانية، ونشطت حركة إحياء المدارس في بلغاريا، كعدوى يونانية مشروطة باللغة اليونانية كلغة الدين أساسا (الإنجيل كتب باللغة اليونانية فيجب أن يتلى بلغته الأصلية)، وبذلك تقيدت الوظائف الدينية باللغة اليونانية في البلاد البلغارية. وكان التعليم في جميع المدارس البلغارية يوناني اللغة حتى سنة 1835م، وفي تلك السنة نهض رجل اسمه تئوفيت ريلسكي، وأنشأ مدرسة في غبروة علم فيها باللغة البلغارية. وقام ريلسكي بتدوين القواعد النحوية والصرفية للغة البلغارية، وترجم الكتاب المقدس إلى اللغة البلغارية وهيأ أصح الأسس للتعليم والعبادة على السواء. وبهذا أصبحت اللغة البلغارية لغة العبادة ولغة التعليم في كل المدارس والكنائس، وساعدت روسيا بلغاريا في برنامجها المتقدم كل المساعدة.
    وهنا فقط تدخلت الدولة العثمانية ومنحت البلغار حق إنشاء كنيسة بلغارية خاصة بهم (الإكسارخية) مستقلة عن الكنيسة اليونانية، وكان ذلك سنة 1870م، وفق الفرمان السلطاني، وتدرج الأمر حتى أصبحت بلغاريا دولة مستقلة استقلالا سياسيا. وتعرضت الدولة العثمانية للحرب مع روسيا سنة 1878م، وفيها انتصر الروس، ووقعت الدولة العثمانية معاهدة «آيا ستفانوس»، وشيئا فشيئا بدأ حال المسلمين يضعف ليحتسبوا «أقليات».
    رومانيا

    وبالأسباب والمقدمات نفسها التي مرت بها بلغاريا مع اليونان وهيأت استقلالها، بل أكثر من هذا، لأن الدول الأوروبية كانت تعتقد اعتقادا جازما بـ «أن رومانيا جزء من بلاد اليونان». وعلى هذا، ثار الرومانيون على سلطة كنيسة الفنار وعلى الدولة العثمانية (سلطة الباب العالي)، علما بأن هذا الزعم خطأ من أساسه، لأن رومانيا اسم حديث جدا لتلك البلاد، فقد ظهر سنة 1866م، وكانت تعرف فيما مضى بولايتين، «الأفلاق» و«البغدان»، منفصلتين، ثم توحدتا وأزالتا الحدود بينهما.
    ونالت رومانيا استقلالها بفضل روسيا، ونهضت اللغة الرومانية وصارت لغة الكتابة والحديث، وتعبد الناس في كنائسهم بها، ولبت الدولة العثمانية هذه المشيئة الرومانية.
    يوغوسلافيا

    تضم يوغوسلافيا بين جنبيها عدة شعوب تعرف بـ «الصرب الكروات والسلوفن البوشناق، الغجر، والطربش» (4). وكان الصرب تابعين للدولة العثمانية ثم إلى إدارة الإمبراطورية النمساوية بعد معاهدة برلين (1878م) وما بعدها.
    وكان الصرب أرثوذكسا، والكروات كاثوليكا، والبوشناق مسلمين يتكلمون لغة سلافية هي «السلافية الجنوبية» اليــوغــوســـل افـــية. ومــمـا يـذكر هـنا
    - تنبيها - أن الصرب أقاموا إمارة مستقلة تحت سيادة الدولة العثمانية، تطورت إلى مملكة سنة 1878م، ونالت اعتراف السلطة العثمانية. واشتغل الصرب باللغة الصربية، تأسيسا ودرسا، فجمعوا ألفاظها في معاجم، وقيدوا نحوها وصرفها حتى غدت لغة العبادة والعلم.
    وكانت البوسنة والهرسك - آنذاك - قد دخلت تحت إدارة النمسا واحتلالها سنة 1878م حتى 1908م، وبعدها ألحقت رسميا بالإمبراطورية النمساوية (معاهدة برلين).
    وبانتهاء الحرب وانتصار الحلفاء، زالت الإمبراطورية النمساوية، وقسمت ممتلكاتها من البلاد، فالتحق الصرب بالكروات والسلوفن بالبوسنة والهرسك والجبل الأسود ليكونوا دولة (الدولة الصربية الكرواتية السلوفينية). ونالت يوغوسلافيا استقلالها وغيرت اسمها.
    وشيئا فشيئا بدأ حال المسلمين يضعف ليحتسبوا «أقليات» ثم يطالهم نير الحكم الشيوعي بعد ذلك.
    ومما يذكر طرافة أن الحرب العالمية الأولى كانت بسبب قتل الأرشيدوك فرديناند (ولي عهد النمسا) في مدينة بوسنة سراي على يد شاب صربي متشدد للفكرة القومية، فثارت النمسا وأعلنت الحرب، ثم تحولت حربا عالمية. وفي هذه الأيام تدور حرب ضروس في البوسنة والهرسك وقودها القوميات والعصبيات ضد المسلمين، وكانت الأمم المتحدة قد حظرت أن يصدر السلاح للبوسنة والهرسك، وآثرت الأمم المتحدة أن تتفرج لاهية عما يدور في البوسنة والهرسك لتشهد إبادة المسلمين وتصفيتهم دمويا (لأنه ربما عاد الفأر ليلعب في العب القديم)، فآثرت الأمم المتحدة العمل بالقول الألماني «أرفع يدك عن هذا الموضوع».
    ألبانيا

    والحال في ألبانيا كمثيلاتها المتقدم ذكرها، فقد تم الاعتناء باللغة، ثم الاعتناء بالدين، ثم بالقومية، ثم بالاستقلال شيئا فشيئا...
    وهكذا الحال في بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر (هنغاريا)، فقد خضعت هذه الدول، إضافة إلى يوغوسلافيا، للاتحاد السوفييتي لتدور في فلكه. ولما انهار الاتحاد السوفييتي عاد هو نفسه أقليات وقوميات متناحرة فقيرة.
    ولا أريد أن أشرح حال الشيوعية في تلك الدول ولا في الاتحاد السوفييتي (5)، لكن أوجز ما يقال إن الشيوعية استبدلت الإلحاد بالدين، والديكتاتورية والتسلط بالحريات. وطبيعي أن تنشأ مشاكل جمة في تلك الدول الشيوعية جميعها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وطبيعي أيضا أن يعاني المسلمون في هذه الظروف التحولية معاناة قاسية جدا، وقد شرحت هذه المعاناة من طرق شتى (6).
    ويلاحظ أن الدول محل البحث قد أولت اللغة والدين (المسيحي) اهتماما كبيرا قياسا بالدولة العثمانية التي كان يؤمل أن تتولى ريادة هذين المجالين بما يكفل للأقليات المسلمة حقا متساويا.
    ويلاحظ أيضا أن الدول الغربية قد سلكت سلوكا عنيفا ضد الإسلام والمسلمين، وجنحت نحو الإبادة الثقافية والدينية، لا، بل الإبادة العرقية، والحق أن هذا السلوك له سابقة مشهورة معروفة في «الأندلس»، فقد أجلي عنها المسلمون، فهاهي أطلال ذكرى. وإسبانيا اليوم في عداد الدول المسيحية.

    الهوامش


    1- philips price: Ahistory of turkey from emprire to repuplic: London.1950.

    2- حركة الإصلاح العثماني، القاهرة، 1971م. وانظر أيضا: تاريخ أحمد جودت.
    3- الجامعة الإسلامية وأوروبا، رفيق العظم، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1903م.
    4- مذكرة الشيخ سليمان أفندي رجبي، رئيس المشيخة الإسلامية في جمهورية مقدونيا، سكوبية، ص1.
    5- للاستزادة حول المسلمين وأحوالهم المأساوية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي سابقا راجع الرحلة: «المسلمون أمام تحدي العالم»، د. إحسان، مؤسسة الرسالة، 1983م.
    6- راجع حوله:
    - مذكرة رئيس المجلس التشريعي الأعلى (يوغوسلافيا)، أور فراتي.
    - مذكرة رئيس المشيخة الإسلامية، مقدونيا (يوغوسلافيا)، سليمان أفندي رجبي.
    - المسلمون في يوغوسلافيا، لجنة مسلمي يوغوسلافيا، الندوة العالمية، الرياض، 1410هـ.
    - أوراق الأمانة العامة لملتقى أوروبا الشرقية 1991م.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •