قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «وههنا أمر يجب التنبيه عليه والتنبُّه له، وبمعرفته تزول إشكالات كثيرة، تعرض لمن لم يحط به علمًا؛ وهو أن الله سبحانه له الخلق والأمر، وأمره سبحانه نوعان: أمر كوني قدري، وأمر ديني شرعي؛ فمشيئته سبحانه متعلقة بخلقه، وأمره الكوني، وكذلك تتعلق بما يُحب وبما يكرهه، كله داخل تحت مشيئته؛ كما خلق إبليس وهو يبغضه، وخلق الشياطين، والكفار، والأعيان، والأفعال المسخوطة له وهو يبغضها؛ فمشيئته سبحانه شاملة لذلك كله، وأما محبته ورضاه فمتعلقة بأمره الديني وشرعه الذي شرعه على ألسنة رسله، فما وُجِد منه تعلقت به المحبة والمشيئة جميعًا فهو محبوب للرب واقع بمشيئته؛ كطاعات الملائكة والأنبياء والمؤمنين، وما لم يُوجد منه تعلَّقت به محبته وأمره الديني، ولم تتعلق به مشيئته، وما وُجِد من الكفر والفسوق والمعاصي تعلَّقت به مشيئته، ولم تتعلق به محبته، ولا رضاه، ولا أمره الديني، وما لم يوجد منها لم تتعلق به مشيئته ولا محبته؛ فلفظ المشيئة كوني، ولفظ المحبة ديني شرعي، ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية؛ فتكون هي المشيئة، وإرادة دينية؛ فتكون هي المحبة؛ إذا عرفت هذا فقوله تعالى: ﴿ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: 7]، وقوله: ﴿لا يُحِبُّ الْفَسادَ﴾ [البقرة: 205]، وقوله: ﴿وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]؛ لا يناقض نصوص القدر والمشيئة العامة الدالَّة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره؛ فإنَّ المحبة غيرُ المشيئة، والأمر غير الخلق.
ونظير هذا لفظ الأمر؛ فإنه نوعان: أمر تكوين، وأمر تشريع؛ والثاني قد يُعْصَى ويخالَف، بخلاف الأول؛ فقوله تعالى: ﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها﴾ [الإسراء: 16] لا يناقض قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾ [الأعراف: 28]؛ ولا حاجة إلى تكلُّف تقدير ﴿أَمَرْنا مُتْرَفِيها﴾ فيها بالطاعة فعصونا وفسقوا فيها؛ بل الأمر ههنا أمر تكوين وتقدير، لا أمر تشريع»اهـ([1]).
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «والمحقِّقون من أهل السُّنَّة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خَلْقِيَّة، وإرادة دينية أمرية شرعية، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضا، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث.
فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله؛ أي: لا يحبه، ولا يرضاه، ولا يأمر به.
وأما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن»اهـ([2]).


[1])) «شفاء العليل» (ص47، 48).

[2])) «شرح الطحاوية» (1/ 79، 80)، مختصرًا.