ترجمة الشيخ الفقید الراحل ابوالفضل محمد معین الدین الأفغاني رحمه الله تعالی
نحمدک يا من نوَّرتَ قلوبَنا بنورِالايمان ، وعطَّرَّتَ الستَـنا بذکرِک وتلاوةِ القرآنِ، وأَرَحـْتـَنا من ظلماتِ النفسِ والشيطانِ،
وصلِّ اللهم علی من بَعـثْـتـَه بالرأفةِ والرحمةِ، وخصَّصْتَه بالفضلِ العظيمِ والشفاعةِ، واصحابَه ذوي العزةِ والکرامةِ، اللهم فصلّ عليه وعلی آله واصحابه ومن تَبِعهم الی يوم القيامة .
امابعد : فقد قال النبي صلی الله عليه وسلم : انَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا . الترمذي
و قد جرت منذ سنوات سلسلة قبض العلمآء ، فارتحل کثير من العلمآء العظام والمشائخ الکرام ، أيتموا الأمة بفراقهم، وترکوا فينا أجمل الذکريات و أسماها .
و قد انتقل قبل شهر او اکثر منه الی رحمة الله تعالی الشيخ ابوالفضل محمد معين الدين رحمه الله تعالی ، وترک فراغا لانظن يملأه احد ، رحمه الله تعالی رحمة واسعة .
في هذا المقال نريد أن نلقي الضوء علی شخصيته، وحياته و خدماته للأمة الاسلامية .
ترجمة العلامةالشيخ أبي الفضل (باختصار)
اسمه معين الدين ويکنی بأبي الفضل ، و قد لقب بالعلامة ،کان عالما شهيرا بالتدين والتقوی، صوفيا بعیدا عن البدع وأهلها، ملتزما بسنة النبي صلی الله عليه وسلم ، شاعرا واديبا بلغته الأم، وقد کتب بعض الأشعار بالعربية والفارسية.
ولد في افغانستان ولاية غزني مديرية جيلان منطقة اغوجان قرية جمبران، واصله من کندهار مديرية شاه وليکوت منطقة بوري، و أمه قدماتت عنه وهو صغير، وابوه کان قارئا وذو خط حسن، , کفَّل الشيخَ عمُّه .
کان الشيخ العلامة رحمه الله تعالی مولعا بالعلم وتحصيله، ورحالا جوالا لأجله ، حتی رزقه الله تعالی علما نافعا لدنيا ، وصاربارعا علی الأقران وفائقا، وکان الشيخ رحمه الله تعالی ذاکرا لله تعالی وداعيا لسبيله، و ثابتا علی دينه ، متمسکا بسنة حبيبه ، کان مبغضا لله ومحبا له، يذکر الله صباح مساء، مستغرقا في ذکر الله تعالی و خدمة دينه، وقد انقسمت اوقاته الی ذکر الله تعالی والوعظ والتدريس والتصنيف، وکان قد أدی حق العلم والکتاب بأحسن ما يمکن، محترزا أشد الاحتراز عما فيه مذلة العلم .
وکان جريئا في قول الحق، لا يبالي بما يواجهه من أجله،* خاصة أمام الحکام والولاة والوزراء وغيرهم.
وقد رأی في حقه کثير من المسلمين منامات صالحة مبشرة ، قبل الرحلة وبعدها ، وقد دلت علی علو منزلته عند الله تعالی وقبول علمه وعمله، واخلاص نيته في الاعمال کلها .
و کان عمره حوالي ۷ أو ۸ سنوات حين بدأ عمله في رعي الغنم، کان يرعي غنم أهله لمدة.
وهذه ايضا من المناقب والمفاخر الذي فاز به الشيخ حفظه الله تعالی ، ففي الحديث ان النبي صلی الله عليه وسلم قال : مامن نبي الا وقد رعی الغنم، قالوا وأنت يارسول الله ، قال : کنت ارعيها علی قراريطَ لأَهلِ مکة .
ويدعو الله تعالی أن يرزقه علما ، وکان حريصا علی تحصيله وطلبه .
في يوم من الأيام رأی النبيَّ صلی الله عليه وسلم في المنام، يحکي الشيخ حفظه الله تعالی عن منامه ويقول : کنت ارعي الغنم فاذا النبي الحبيب صلی الله عليه وسلم و حوله اصحابه، فاردت أن التقي به، ولکن منعني بعضهم، ثم قال له النبي صلی الله عليه : وسلم دَعْه ، فلقيته صلی الله عليه وسلم وکلمته ، وقلت : يا رسول الله فداک نفسي ! اشتاق العلم کثيرا، فادعوا الله تعالی أن يرزقني علما، فاعطاني النبي صلی الله عليه وسلم کفـين من بعض الحبوب الحلوة، و نسيمه بالبشتو ( نکل ) ..الی آخر القصة .
وقال الشيخ النابلسي رحمه الله تعالی في کتابه مانصه : من رأی أن النبي صلی الله عليه وسلم اعطاه شيئا فان ذالک يدل علی العلم النافع ، ذالک فضل الله يؤتيه من يشاء، نفعنا الله تعالی والمسلمين بعلومه .
وبعد ذالک بأشهر بدأ في طلب العلم ورحل في تحصيله الی مناطق عديدة داخل افغانستان،
وبعد مضي ثلاث سنوات أو اربع فاز بمنصِب الوراثة، وتشرف بتاج العزة، وتعمم بعمامة الفراغة باذن الله وعونه، وصار فارسا قويا شهما في ميدان العلم والعمل . وقد کثرت نعم الله تعالی عليه حتی أصبح وحيد العصر فقيد المثل وذا الفضائل التي تفرد بها ولله الحمد .
تدريسه
الشيخ رحمه الله قد درَّس خمس و اربعين سنة علی الأقل وربی جماغفيرا من المسلمين، وقد تخرج بيده عدد کبير من العلماء والشيوخ والمصنفين، والمجاهدين ، وقد عين کمدرس في کثير من المدارس الواقعة في مناطق متعددة من افغانستان وباکستان، وقد درَّس في المدرسةِ التابعة لأمير المؤمنين الملامحمدعمر المجاهد رحمه الله رحمة واسعة سنواتٍ، و کان يقوم بتفسير القرآن الکريم عبر اذاعة کندهار، وله محاضرات عبر تلک الاذاعة باسم « امر بالمعروف والنهي عن المنکر »کان يلقي الضوء من خلال تلک المحاضرة علی ما نهی الله تعالی عنه وما أمر به، و « تصوف او عرفان » وکان يبين فيه حقيقة التصوف ويميز التصوف الحقيقي عما يسمی بالتصوف زورا ، و يفرق بين الحق والباطل، ويوضح مصالح أهل التصوف الحق واضرار أدعياء التصوف .
وکان يصلي العصر بجماعة في مسجد « خرقه شريفه» ويقوم بتفسیر القرآن الکريم ايضا بعد الصلاة ، ويحضر لحلقته کثير من العامة والخاصة من العلماء والصلحاء والطلبة و الأمراء، فماکان شغله الا خدمة الاسلام وأهله.
وبعد الاحتلالِ الأمريکي هاجرَ الی باکستان وترک وطنه حفظا لدينه واهله، والتزم بيتَه وصارَ لايخرجُ من البيت طُول السنةِ الا لصلاة الجمعة وخطبتها، ويديرُ امورَ المسلمين ويقومُ بمصالحهم من مکانه، وليس ذالک الا حرصا علی دينه وحفاظا علی مَـنصِبِ العلمِ الشريفِ .
شغله
کما قلنا آنفا أنه ملتزم غرفته فيشتغل بذکر الله تعالی والتصنيف والتأليف والتعليم والتدريس، لا يجالس الناس ولايخالطهم الا للضرورة، وکان أصحاب مجلسه العلمآء والطلبة واهل الصلاح والفقرآء، ولا يخرج لدعوة الطعام وغيره، وذالک لأمور : الأول : استغلالا للوقت الثمين، الثاني : لأن أکثر الناس اليوم لايميزون بين الحرام والحلال ويکسبون کل ما تيسر لهم.
فقد قال النبي صلی الله عليه وسلم : « و الذي نفسي بيده إنَّ العبدَ لَيَقذِفُ اللقمَة الحرامَ في جوفه مَا يُتقبلُ منه عملٌ اربعينَ يومًا ، وأيما عبدٍ نبتَ لحمُه من سحتٍ فالنارُ اولی به . [ رواه الطبراني مرفوعًا ].
وقال النبي صلی الله عليه وسلم : « الحلالُ بَـيِّـنٌ والحرامُ بين ، وبينهما مُشتبهاتٌ فمن اتَّقَی الشُّبُهاتِ فقدِ اسْتَبْرَأَ لِدينـِه » .
حساده
لاشک أن من اکبر الفتن التی عمَّتِ الْيومَ الحسدُ، وقد صار لکثير من أبناء الزمان دَيْدَنَـةً وعادةً.
ولاشک ان ذَوي النعمة محسودون ، کما في رواية : کلُّ ذِي نعمةٍ محسودٌ .
فلا شک أن للشيخ حفظه الله حساد ، دنَّسوا الارض، وأحرقوا حسناتِـهم بنيران الحسد ، و يدفعون حسناتهم لغيرهم ، فياللغباوة والحماقة .
من کان مؤمنا خاصا فلا يحسد أحدا من الناس وهو يری قول النبي الحبيب صلی الله عليه وسلم : « الحسد يأکل الحسنات کما تأکل النار الحطب » .
واما الشيخ حفظه الله : فمتوکل علی الله، مقبل عليه ، ومعرض عن مدح مادح وذم ذام، لايشغله عن ذکر الله وخدمة دينه حسدُ حاسدٍ و لا شرُّ شريرٍ، ويُسَلِّي نفسَه بأن الله ينصر عباده المؤمنين، ولايضيع أجر العاملين، وبما وقع لأهل الله علی مر الأيام من حسد الحساد وظلم الظالمين، فالأمام البخاري قد دعی علی نفسه بالموت من حسد الحاسدين وعداوتهم له ..
وصاياه :
دوما يوصي باخلاص النية لله تعالی ، في الأعمال کلها ، ويقول: أهمُّ الأمورِ وأصعبِها في زماننا اخلاصُ النيةِ .
يُوصي من يتفرغُ عن التعلمِ بان لا يترکَ الدرسَ والتعلمَ ، فانَّ من ترک التعلمَ فهو أجهلُ الناسِ .
يوصي الطلبة والعلمآء والمجاهدين بأن يطالعوا الکتب التي تشتمل علی سير الطلبة والعلمآء والمجاهدين في الزمنِ السالفِ ، وتُذکر فيها خصائلهم وشمائلهم وصفاتهم التي فازوا بها ونجحوا .
ومن وصاياه : تعاملوا الناسَ بکلِّ محبة و اخلاص وأخوة ، وعاشروا بينکم بايثار ومودة ، فان التعاملَ الحسنَ والمعاشرةَ الحسنةَ ألذ و أحلی من التعامل السيئ والمعاشرة السيئة ، وأن في التعامل الحسن والمعاشرة الحسنة فوزالدنيا والآخرة ، واما غيرهما فيتسبَّبان في خسرانهما .
ومن وصاياه : لا تُضيِّعوا أوقاتِکم الغالية، فانها لن تعود، من أضاع منکم المال فکم يتحسر ويتأسف بذالک ؟ فحافظوا علي العمر فانه أغلی من کل شيء !!!!!
وغيرها من الوصايا الهامة جدا ، ولنعم ما قيل ؛ کلام الملوک ، ملوک الکلام .
مؤلفاته:
تفسير فضل الرحيم، الذي اختص بخصائص واشتمل علی العجائب والنوادر .
فضل الباري شرح صحيح البخاري( الذي بين يديک ) .
فضل القوي شرح سنن الترمذي .
فضل الغني شرح مختصر القدوري .
کتاب الأذکار ( الصغير ) .
حق البيان شرح بديع الميزان .
فضل المتعال شرح ملاجلال .
فضل اللاهوت شرح مسلم الثبوت .
فضل الله شرح حمدالله .
ومن الجدير بالذکر أنه کان يکتب بالعربية ویصنف بها، و بعد ما رأی حاجة الشعب للکتب الدينية بلغتهم البشتوية وأصر بذالک غَيـّر لغةَ تأليفه وبدأَ يکتب بلغة الأم ( الأفغانية ) . رحمه الله تعالی .
وفاته
انتقل الی رحمة ربه الکريم صباح الخميس ۷ رجب ۱۴۴۲هق الموافق ۱۸ فبراير۲۰۲۱.
و لازالت تفوح من مرقده رائحة طيبة يحس بها کثير من الصلحاء ومتعلقيه، وغرفته التي قد قضی جميع ايام عمره الغالي فيها لازالت معطرة وتحس فيها روائح طيبة ومسکنة .
أفاض الله تعالی علينا من فيوضاته وبرکاته ، ورفع الله تعالی درجاته ورزقه لقاء ه ولقاء حبيبه صلی الله عليه وسلم .
اخوکم في الله" فاضل"
عفی عنه و رزقه علما نافعا
1442/ 7 / 20