العولمة والأزمة الأخلاقية

آندي حجازي

إن المتأمل اليوم للواقع يرى أن العالم باتت تسوده العولمة بكل معاييرها ومبادئها، وبما تحمله من إيجابيات وسلبيات، وبات الإنسان يشعر بأن المادة أصبحت هي المسيطرة على حياة الشعوب وتفكير الأفراد، المادة بما تشمل من معرفة واختراعات وإنتاجات وبضائع ومحسوسات على أرض الواقع. والمعضلة من سيادة المادة أن تعم المصلحة والمنافع الدنيوية والشخصية قبل أي منفعة أخرى، وأن تتعارض مع ما يرضي الخالق تعالى ومع الأخلاق السامية الراقية، لأنها تفقد غذاء الروح، وتجعل الإنسان يلهث وراء المادة وحاجات الجسد والشهوة من دون أن يتطلع إلى حاجاته الروحية.
إن انتشار العولمة وسيادتها يجعلان الأمم ترضى بكل ما تفرضه عليها العولمة من متغيرات ومن فقد للهوية الوطنية والثقافية والدينية لأبناء المجتمع، فاليوم مع سيادة العولمة بدا الصراع كبيرا بين الثبات على المبادئ والقيم الأخلاقية الرفيعة وعلى الهوية الثقافية للمجتمعات والأفراد، وبين الانصهار في بوتقة العولمة وما ألقت علينا من أخلاق دونية، وأثقلت كاهلنا بوسائل تكنولوجية باتت تغير في عقول الصغار والكبار وتتلاعب بها وفق ما تشاء؛ ومن هنا بدأت تظهر في حياتنا أزمة أخلاقية واضحة المعالم.
في الماضي القريب جدا كنا ننظر إلى الرقي الغربي على أنه رقي في القيم والأخلاق أيضا، وبدأنا ننقل عنهم أنها أمة تتميز بجوانب أخلاقية مقدرة، كاحترام النظام والوقت والدور والدقة في المواعيد والصدق في القول والأمانة في التجارة والاحترام للإنسان، ولكننا مع مرور الوقت أصبحنا ندرك أن التزامهم بتلك الأخلاق إنما هو بسبب مصالحهم الشخصية، لأن تلك الأخلاق تحقق لهم المكاسب والمنافع الدنيوية والتجارية، فإن تعارضت معها فلا مشكلة من الانقلاب عليها! وقد نسينا، أو ربما بجهل منا، أن تلك الأمة لم تقم على حضارة يوما، بل بالعكس، قامت على إبادة حضارة أهل البلاد الأصليين (الهنود الحمر)، وسرقة بلادهم، والتخلص منهم في إبادات جماعية، ثم نقول إنها حضارة تحترم الإنسان وتقدره! أية مفارقة؟! تلك الإبادة الجماعية تكررت في العراق وفي أفغانستان وهيروشيما ونكازاكي في اليابان وفي عدة دول... فأين هذا الرقي الأخلاقي؟!
بل انظر إلى التفرقة التي قامت على أساس اللون الجسدي للبشر؛ فكم عانى الأشخاص ذوو البشرة السوداء في الولايات المتحدة من الذل والمهانة والعبودية والاحتقار والتعذيب والتفرقة! فلعهد قريب كانت لا حقوق لهم، ولا مدارس تجمع بين البيض والسود، ولا جامعات، ولا وسائل مواصلات مشتركة، ولا أسواق، ولا حتى كنائس مشتركة! فمثلا حدث أن أخطأ رجل أسود البشرة فدخل كنيسة من كنائس البيض في أميركا، والتي يفترض أنها مكان لنشر القيم والعدل والمساواة بين البشر، وكان القسيس يتحدث فرأى هذا الرجل الغريب عنهم يدخل الكنيسة فامتعض، وأخرج ورقة وكتب فيها كلمات وأرسلها إليه، وحينما فتحها ذاك الرجل الأسود البشرة وجد بها: «إن عنوان كنيسة السود في شارع كذا»! فأي حضارة تلك التي نتشدق بأنها كرمت الإنسان وتحترم حقوقه ونتمنى العيش في أوساطها.
ما يهمنا هنا ليس هو انتقاد أمة؛ ولكن كفانا - نحن المسلمين أعظم أمة - تعلقا بأحبال من خيوط العنكبوت بأن تلك الحضارة الغربية (ذات الأزمات الأخلاقية الفادحة من شرب خمر وقتل وزنا وقمار ولواط وتعر للأجساد وتمييز عنصري..) هي ما تستحق التقدير والإعجاب والاقتداء. قد يكون لديها ما يستحق التقليد والتقدير، كاحترام المواعيد والنظام والاهتمام بالعلم والاختراع والتكنولوجيا، ولكن العلم الحقيقي هو ما يبني القيم الإنسانية الراقية ويرتقي ويسمو بها، وهو ما يجعل للحياة معنى ساميا راقي المبتغى يرضي خالق البشرية؛ لا ما يوصل إلى هوة أخلاقية تجعل في حياة البشر فراغا روحيا مدمرا طويل المدى، ويدعو إلى الاكتئاب والانتحار لدى الكثيرين!
هوة أخلاقية

إنها هوة أخلاقية أو أزمة أخلاقية وصلت بالعالم الغربي اليوم إلى الشذوذ الجنسي والتعري والفضائح الجنسية والأفلام الإباحية، وإلى انحطاط إنساني، بل حتى عالم الحيوان يأباها، ففي قصة لعالم أجنبي أراد أن يراقب سلوك النسور، فأقدم على تجربة ذات مرة؛ بأن استبدل بيض طائر آخر في العش ببيض النسر في لحظة غياب الأم عن البيض، وعندما عاد النسران (الذكر والأنثى) وشاهد الذكر ذلك البيض، طار مسرعا ثم عاد برفقة مجموعة من النسور الأخرى وأخذت تضرب أنثى النسر ضربا شديدا على جناحيها وجسدها حتى ماتت، والباحث يراقب ويصور ما يحدث في ذهول، بل ورأى النسر الذكر يأخذ البيض الغريب ويطير به ثم يرميه من أعلى رافضا وجوده في عشه.. فانظر، أيها القارئ، كيف بالطير يرفض تلك السلوكيات اللا أخلاقية من أنثاه لدرجة قتلها، فكيف بنا في زماننا وقد وصلت الإباحية في عالم البشر اليوم إلى درجة لم تصلها الكثير من الأمم السابقة البائدة، لدرجة تستجلب غضب الله تعالى.
حضارتنا هي الأصل


ما صدرته لنا العولمة ووسائل التكنولوجيا جعلنا نبتعد خطوات كثيرة عن قيمنا وأخلاقنا الإسلامية العظيمة وضرورة الاعتزاز بها وبعظمائها، بل وأقنعتنا بأنها الأعظم أخلاقيا، وأنستنا حضارة عظيمة قامت أساسا على الأخلاق، فقد قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، مما يعني أنه كان في الأمة العربية وقبل الإسلام شيء من الأخلاق التي يعرفون بها، كالكرم والنخوة والشجاعة والفروسية والفطنة والصدق والإخلاص وحسن الجوار، فجاء الإسلام ليكمل تلك القيم الأخلاقية العظيمة ويؤكد عليها، والتي امتدح الله تعالى الأمة العربية والإسلامية بها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِال} (آل عمران:110).
فخذ مثلا حاتم الطائي، الذي اشتهر بكرمه الواسع، حتى إن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" امتدحه يوما، حينما سبيت ابنته في إحدى الغزوات، فاستنجدت برسول الله " صلى الله عليه وسلم" قائلة: يا رسول الله، امنن علي، من الله عليك، فقد هلك الولد، وإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك الأسير ويحمي الضعيف، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي. فقال لها رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «يا جارية، هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه». ثم قال لأصحابه: «خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق».
وتأمل كيف رفض سيدنا عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" أن يأخذ من بيت المال ما يصلح شأنه بعد عرض المسلمين ذلك عليه، وهو يقول: «كيف يعنيني أمر الرعية إذا لم يمسني ما يمسهم». وانظر كيف كان يتسابق مع سيدنا أبي بكر الصديق في خدمة امرأة عجوز لا معين لها، وهما قادة الأمة! أي عظمة تلك؟ وانظر إلى رحمة سيدنا عمر حينما رفع الجزية عن رجل طاعن في السن من أهل الكتاب رآه يسأل الناس الصدقة فقال: «والله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله في الهرم»، فرفع الجزية عنه وعن أمثاله من كبار السن من اليهود والنصارى!
وكم وردت آيات في القرآن الكريم تحث على مكارم الأخلاق فقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90)، وقال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (لقمان:17)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } (الفرقان:72) وقال أيضا: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199)، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ( آل عمران:134)، وامتدح الله تعالى رسوله " صلى الله عليه وسلم" : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4).. والكثير من الآيات لا يتسع المجال لذكرها جميعا تحث على الأخلاق السامية. وورد الكثير من الأحاديث النبوية في ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم» (رواه الترمذي في سننه). وقال عليه الصلاة والسلام: «وأنا زعيم بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» (رواه أبوداود في سننه).

وانظر إلى ارتباط الأخلاق بالعبادات في الإسلام، فقد جاءت العبادات لتهذب الأخلاق، لأن الأخيرة تحتاج إلى التربية والتهذيب والمراقبة، فقال تعالى عن الصلاة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ..} (العنكبوت:45)، والزكاة تؤخذ من الأغنياء لتعطى للفقراء لتطهير النفس من أدران البخل والشح والأنانية، أما الصوم فقال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (صحيح البخاري)، والحج قد لا يقبل بسوء الخلق أثناء أداء مناسكه، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة:197).
معالم الأزمة الأخلاقية
واليوم باتت تتصدر حياتنا، في كل مناحيها، أزمة أخلاقية واضحة المعالم، نتيجة البعد عن التمسك بمبادئ ديننا الحنيف وأخلاقياته ونماذجه العظيمة، ونتيجة تمسكنا بمبادئ العولمة التي بثت أفكارها الماسونية والليبرالية العالمية واللادينية وحركات الإلحاد والعلمانية، فكلها دعمت العولمة التي اجتاحت بيوتنا وشعوبنا، فبدأت المحطات الفضائية ووسائل الإعلام، المرئية والمسموعة، تتلاعب بعقولنا وأفكارنا، وتبعدنا عن هويتنا الإسلامية. والأدهى والأسوأ، تتلاعب بعقول أبنائنا الناشئين، فتبهرهم بفنونها وأسماء مشاهيرها الذين باتوا القدوة للكثير من الشباب؛ قدوة في مأكلهم وملبسهم وقصات شعرهم وشكلهم، ومنحى حياتهم واهتماماتهم ورغباتهم.
ومع غياب الدور الأسري اللازم في توجيه الأبناء أصبحت المحطات الفضائية، التي لا تعد، والإنترنت ووسائل التكنولوجيا بما تعرضه، هي الموجه والمعلم والمسيطر، فتفاقمت الأزمة الأخلاقية.. فأصبحت ترى - على سبيل المثال - أبناء لا يهتمون لرضا والديهم؛ يرفعون أصواتهم فوق صوتهم، ويجيبونهم بإجابات في قمة اللا تهذيب واللا مبالاة بحقوق والديهم! وأصبحنا نسمع كثيرا عن طلبة لا يحترمون معلمهم، ولا يقدرونه، ويتعاملون معه وكأنه أجير لديهم! وكذلك لم تعد ترى الأطفال الصغار يقومون من مجلسهم احتراما لحضور الكبار أو من أجل أن يجلسوا في أماكنهم.. أين ذهبت تلك الأخلاق الراقية؟! لقد بدأت تذوب في بوتقة مبادئ العولمة، فأضحى الكبر يغلف سلوكياتنا، وكأن احترام الكبار هو إهانة للصغار، أو تقبيل يد الكبير أصبح ينظر إليه وكأنه شيء من التراث، وكذا تقبيل أيدي الوالدين! فقد استقينا ثقافتنا من ثقافة المادة والتكنولوجيا؛ لا ثقافة الحب والاحترام والتقدير.
وقد برزت سلوكيات في عالمنا توحي بحجم الأزمة الأخلاقية التي نعيشها، فمثلا ترى الصراعات المستمرة بين الإخوة، صراعات تبدأ منذ الصغر، منشؤها الغيرة والتفرقة بين الأبناء والبعد عن فهم الدين، وعدم متابعة الآباء لسلوكيات أبنائهم لتوجيههم ونصحهم، فبدأت الأزمات بين الإخوة تطفو على السطح، كاستيلاء الأخ على ميراث إخوته ظنا منه أن هذا نوع من الذكاء؛ وهو لا يعلم كم يعكس من دنو أخلاقي، انتهاء بهم في المحاكم أو الإيذاء أو أن يقتل بعضهم بعضا! فلم تعد الروابط الأسرية والعائلية كما كانت سابقا، فقد دخلت عليها شوائب كثيرة أفقدت الإخوة كثيرا من رونقها، ويجب علينا مراجعة أنفسنا لأجلها وتصحيح مسارنا.
وانظر كيف أصبحت التهاني ومساندة الإخوة والأقارب تتم برسالة نصية وهم يسكنون في المدينة نفسها، فيتم الاكتفاء بالتهاني والتعازي التي توضع على الفيسبوك أو برسالة عبر الواتسآب وما شابه، في إهمال منا لأهمية صلة الرحم والمودة الحقيقية بين الأقارب، والأحاديث التي تحث عليها، كقوله عليه الصلاة والسلام: «إن صلة الرحم وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار» (رواه أحمد). وفي الحديث القدسي أن الله تعالى قال للرحم: «ألا تحبين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟».
وفي صورة جلية للأزمة الأخلاقية التي سادت حياتنا، لابد أنك مررت بشخصية أو أكثر لمدير مؤسسة ما، جل همه هو مصلحته الشخصية واكتساب المال أو السفرات، بعيدا كل البعد عن تطوير مؤسسته أو موظفيه وجر المنفعة لهم، وأغلب اجتماعاته مع موظفيه نظرية متكررة الفكرة لا طائل منها.. وفي الجانب المقابل؛ لابد أنك رأيت موظفا يحاول أن يخادع ويراوغ ويقصر ويماطل في عمله معتقدا أن لا أحد يعلم بما يفعل، أو أن هذا نوع من الذكاء و«الفهلوة»، كما يطلق البعض عليها! وهنا لا ننكر أن الغرب والأجانب بالفعل تفوقوا علينا في هذا الجانب؛ نتيجة إخلاصهم في العلم وصدقهم في العمل، والذي من المفترض فينا كأمة إسلامية أن نكون القدوة في هذا الصدق، والإخلاص في العمل، كما كان عظماء المسلمين على مر الزمن.
وللأسف، إن هذا الخداع والغش باتا ينشآن مع أبنائنا منذ الصغر، فلا والد يردع، ولا أم تعلم وتصحح، بل تتفاخر مع جليساتها بما لدى ابنها من أساليب في الغش، وكأنها دليل دهاء! فكيف سيكون هذا الطفل مستقبلا؟! حتما سيمارس الغش في عمله، وفي تجارته، ومع زوجته، وأبنائه، ومجتمعه.. وهذا ما أصبحنا نعيشه.
المحطات الفضائية
من جانب آخر؛ ترى كثير من المذيعين ومديري البرامج التلفزيونية لم يعودوا يتحرجون من طرح أي موضوع في البرامج التلفزيونية، وعلى الهواء، بحجة التثقيف والتنوير أو إيجاد الحلول، فبات الصغير يفهم كثيرا من الأمور التي كان الكبار في الماضي يتحرجون من ذكرها فكيف بالخوض فيها؟! أما اليوم فلا حرج من شيء! فالأب يعجب بكلام ذاك المذيع أو يقدر تلك المذيعة الكاشفة عن رأسها وبكامل حلتها وزينتها، وهي تقدم ما تدعي أنه موضوع مهم، بينما جل همها جذب عيون الشباب والأشخاص إعجابا بجمالها وشخصيتها... في أزمة أخلاقية حقيقية، فلم يعد هناك رجل يقتنع بجمال زوجته، فما يراه ويشاهده في التلفاز من تزيين وعمليات تجميل ومغنيات كاسيات عاريات، يجعل من الصعب على الزوجات متابعة كل تلك الموضات والملابس والتغيرات في شكل الوجه... إنها فتن كثيرة تصب في عقولنا الكثير من التغـيرات اللا أخلاقية وتعيث فيها فسادا، وهيهات هيهات لعشرات السنوات من إصلاحها إن استمرت المعطيات ذاتها.
أزمة أخلاقية ترمي بظلالها على مناحي الحياة، تتجسد في البعد الحقيقي عن الله تعالى وعن الخوف منه، فترى تعريا من النساء في بعض البلاد العربية في الشارع والأسواق، وفي أماكن العمل، وفي التلفاز، وبين النساء أنفسهن في حفلاتهن، وفي المسابح، وفي الفيديوهات التي تنتشر... تعر زائد عن المعقول لدرجة تصل حد الفحش وغضب الله تعالى، وبشكل يدعي الحرية: الحرية الشخصية، وحرية الاختيار، وحرية السلوك! ولا يعلم هؤلاء أن هذه الحرية ما هي إلا وهم الحرية، فالحرية الحقيقية ليست ما يوصلك إلى الفحش والمنكر والبعد عن طريق الصواب، لكن الحرية هي التي ترتقي بفكرك للتحكم بعناصر حياتك لتصل إلى نتائج وأخلاق قويمة تنقذ الإنسان في آخرته، لا أن تهوي به في مهاوي الانحطاط الأخلاقي ومهاوي الردى في الآخرة!
إن التراجع الأخلاقي إن لم يتم إيقافه من قبل المربين والحد منه، فسيستمر وصولا إلى ما لا نهاية، إلا برحمة الله تعالى، وسيكون مستقبل الهوية الثقافية والدينية للكثير من أبناء الأمة العربية غامضا معتما. فعلينا العودة إلى تعاليم إسلامنا العظيم والتمسك بفضائل ديننا الربانية، والاقتداء بصحابة رسولنا " صلى الله عليه وسلم" وعظمائنا الذين ضربوا أروع الأمثلة في السمو الأخلاقي، والاقتداء أولا وأخيرا بسيد البشر " صلى الله عليه وسلم" ، الذي كان خلقه القرآن، وأحبه كل من تعامل معه؛ لعظيم خلقه صلوات الله وسلامه عليه.