فلا تطفئيه



أسماء الباني









كنت - يغفر الله لي ولكم - أتفنن في زينتي و"مكياجي".. ولا أخرج إلا كاشفة وجهي.. وعطري يفوح لأمتار.. ليرى الناس كم أنا أنيقة وجميلة..
وذات يوم.. خرجت إلى السوق مع والدتي.. وبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من خلفي ينادي بصوت يقطر حباً وحنانا: يا حبيبتي يا حبيبتي.. فالتفتُ فإذا بسيدة تصافحني بحرارة.. فصافحتها بدهشة. فشدّت على يدي وقالت بصوت ملائكي حنون: يا حبيبتي.. إني أرى الله قد ألقى على وجهك نوراً.. فلا تطفئيه بظلمة المعصية.. فأخذتني العزة بالإثم وخلعت يدي من يدها ومضيت.. غير أني أحسست كأن كلمتها قد نقشت في قلبي ..
فلما عدنا إلى البيت.. صارت تأخذني رعدة شديدة كلما ذكرتُ كلمتها (إني أرى الله قد ألقى على وجهك نوراً).. وساقتني كلمتها إلى المرآة ونظرت إلى وجهي كأنما أراه لأول مرة وخيّل إليّ كأني أرى في وجهي نوراً يضيء ثم يخبو.. عندئذٍ.. رنًتْ كلمتها في فؤادي ( فلا تطفئيه بظلمة المعصية).
صليت في هذه الليلة صلاة العشاء وكأني اصلَي لأول مرة في حياتي .. ثم أويت إلى فراشي، غير أن النوم جفاني، وبدأت كلمتها ترنُّ في أذني وتدِّوي من حولي.. فلا تطفئيه.. فلا تطفئيه.. فلا تطفئيه.. وأخذت تتجاوب بها جنبات الليل، حتى خيّل إلي أني أسمع صوتاًَ يناديني: يا فلانة! إن الله قد ألقى على وجهك نوراً.. فلا.. عندئذٍ لم أدع الصوت يكمل، بل قمتُ مسرعة إلى سجادتي، وقلبي يكاد ينخلع من شدة الخفقان، وخررتُ ساجدة وأنا أهتف: أعاهدك يا رب ألا أطفئه أبداً. وبدأت الدموع تنهمر مدراراً وأنا أقول: يا رب.. لقد أمهلتني طويلاً.. ما أكثر نعمك.. وما أقل حيائي.. يا رب.. تائبة إليك فلا تردني.. واقفة ببابك فلا تخيب رجائي.. يا رب. وترددت صيحة الحق ودوًت في جنبات الكون من المسجد المجاور لبيتنا وأنا في بكائي ونشيجي. ومن لحظتها وفيت بعهدي فلم أطفئ نور الهداية بمعصية أبداً.