أصدقاؤنا.. ليسوا ملائكة


عبير النحاس


في كثير من المواضيع والحكم والنصوص، التي تحكي عن الصداقة والأصدقاء، نلمح دائما مقولة: "أن الصديق الحقيقي هو الذي ينصحك إذا رأى عيبك، ويشجعك إذا رأى منك الخير، ويعينك على العمل الصالح".
وفي قصص كثيرة مؤلمة نسمع من يشكو وينعي فكرة وجود الأصدقاء الحقيقين، وأنهم باتوا من عجائب هذا الزمان, ومن العملة النادرة أيضا.
ربما ينسى الكثيرون ممن يتحدثون عن فقدان الصداقات الحقيقية أن يتوقفوا لحظة، وأن يصنفوا أنفسهم مع من صنفوهم من قبل في القوائم السوداء؛ ليروا هل هم من الأصدقاء الحقيقيين أم لا.
في قصة حدثتني صاحبتها فقالت: "كنت قد تعرفت على إحدى الفتيات, وكنت قد فرحت بتلك الصداقة الناشئة بيني وبين صديقة اعتقدت فيها الأخلاق الحسنة والإيمان الصادق, و كان تقديمها لنفسها كداعية هو ما زاد سروري واعتزازي بتلك العلاقة.
لسنوات جمعتني بصديقتي رأيت منها أمورا أستطيع أن أصفها بالغيبة, والنميمة, وقلة الأمانة, وأنها ذات وجهين, وما زلت ألوم نفسي لتكذيبي لتلك الصفات والحقائق التي بدت لي بوضوح متجسدة في تلك الصديقة, و كنت أكذِّب نفسي وأبحث عن مبررات لما تفعله تلك الصديقة حتى جاء الوقت الذي انفجرت فيه قنبلة صمتي الموقوتة, وكان ما كان من الفراق المحتوم".
وقد لمت صاحبة القصة لأسباب عديدة منها:
- أنها لم تفكر في صديقتها كإنسانة عادية، تملك نفسا تأمرها بالسوء؛ بل كانت ترى فيها تلك الداعية التي تلبس ملابسها دون جميع أوصافها, وقد كان الأجدر بها أن تراها بعين غير تلك المعجبة, وهو ما أنصح به وأطلبه و هو يعني ألا ننظر إلى أصدقائنا المتدينين كملائكة، فلا يوجد على سطح الأرض اليوم معصوم.
- والسبب الثاني هو حياؤها من مواجهتها بكل تلك العيوب التي رأتها منها مرارا, وأستطيع أن أسمي هذا الحياء بالحياء القاتل, فبعض الحرج كان من الممكن أن يجنبنا خسارة تلك الصداقة، وما أدعوكن إليه هو أن ننظر لأصدقائنا كبشر لهم عيوبهم، مهما بدا لنا شكلهم الخارجي موحيا بالالتزام، وأن نخبرهم بعيوبهم بلطف دون أن نخجل من صراحتنا، فبعض الألم سيزيد أصدقاءنا قوة، ويكسبهم الوعي، وربما نلاقي شكرا وودا.

وألا نحزن عندما يهجرنا صديق لأننا صارحناه بعيب فيه, وبخاصة عند التزامنا بأدب النصح، فحينها ستكون خسارته مكسبا؛ لأنه أعلن أنه لا يريد أن يصلح من شأنه، وبالتالي فخسارة هذا الصديق ربح عظيم.
تلك قصة خسرت فيها صديقة، وربحت دروسا لا تقدر للحفاظ على أصدقاء آخرين.