إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
أيها الإخوة في دين الله، اقهروا الشياطين بحسن ظنكم بالمسلمين، أحسنوا الظن بإخوانكم ولا تظنوا إلا الخير بأمتكم، فـ[قد عَظُمَ الخَطبُ في أخلاقيَّاتِ النَّاس، وكانَ مِن أكبرِ أسبابِ ذلكَ؛ جَعلُ الآذانِ رَصدًا للأَنجاس، فتَدنَّسَت الصُّدورُ بسوءِ الظَّنِّ، حتَّى تَدافَعَت الظُّنونَ الحَسنةَ، واستَعاضَت منها الشُّكوكَ العَفنةَ، فوقعَت الفُرقةُ، وشُحِنَت القُلوبُ وعَظمَت الشُّقَة، فعلى مائدةِ سوءِ الظَّنِّ؛ اجتمعَ اللِّئامُ باللِّئام، وبه قُطِّعت الأرحامُ، وتَبادلَ النَّاسُ التُّهم، وغصُّوا غِيبةً ونَميمة حتَّى التُّخَم! فكم مِن ظنٍّ سَقيم، منعَ أُخوَّةً أن تستدِيم، وانقلبَت الرَّحمةُ والأخوَّة إلى قَسوةٍ وعَداوةٍ، وقد رأينا في ذلكَ أَمثلةً عَجيبةً:
فواحدٌ وَجدَ في نَفسهِ على أَخِيه، لأنَّه مرَّ به فلم يسلِّم علَيه! وحقّه أن يَشفيَ صدرَه بقَولهِ: لعلَّ بالَ أخِي مَشغولٌ بداهيةٍ حلَّت به، فكانَت عَينُه في عَينِي وقلبُه سَرحان، يا لَيتني أكونُ عندَه فأُساعدَه!
وثانٍ لأنَّه لم يُدْعَ إلى وَليمةِ عُرسٍ مِن قِبَل حَميمٍ له أو تَلميذٍ أو مَمنونٍ عَليه! وقد كانَ حقُّه أن يعتذر -إليه- بقوله: لعلَّه نسيَ أن يَدعُوني، فاللهُ يُبارِك له.
وثالثٌ سألَ أخًا له عاريّةً فلم يُعطِه، فتغيَّر قَلبُه علَيه! وحقُّه أن يَقولَ: لعلَّه مُحتاجٌ إلَيها!
ورابعٌ دعَا أخاه لفرحِه فلم يَحضُر إلَيه! وحقُّه أن يَقولَ: لعلَّه لم يَحضُر لضَيفٍ نزَلَ به أو غيرِ ذلكَ.
وخامسٌ وعدَه أَخوه ولم يَفِ له! وحقُّه أن يَقولَ: ما تخلَّف عن الموعدِ إلاَّ لشيءٍ غلبَه، فأَسألُ اللهَ أن لاَ يُريَه مَكروهًا!
وسادسٌ طعنَ على زَوجتِه في عِرضها لرِسالةِ هاتفٍ مَجهولةٍ، وحقُّه أن يَقولَ: الـمُعاكِسون مِن أهلِ الفُجورِ كذلكَ يَفعَلونَ!
وسابعٌ كلَّم أَخاه بهاتفٍ فلم يُجَبْ، فحقُّه أن يعتذرَ له بأنه مشغول بوضوء أو صلاة ونحو ذلك.
وثامنٌ كَلَّمَ أَخاه أنَّ فلانًا تكلَّم فيه! وحقُّه أن يَقولَ: عسَى أن يَكونَ النَّاقلُ نقلَ ما لم يَفهَم، فيسْلمُ مِن سوءِ الظَّنِّ بالـمُخبرَ عنه!
وهَكذا نَتائجُ مَشؤومَةٌ، تَفرزُها قُلوبٌ مَسمومةٌ، لكنّ حسنَ الظنِّ يطيِّب هذه القلوب، ويريحُ النفوس، ويزيل الأحقاد، فما أحسنَ حسنَ الظن بإخوانك المسلمين!
فانطِلاقًا مِن سوءِ الظَّنِّ؛ قالَ الفَقيرُ: لم يَحمِلْني الغنيُّ في سيَّارتِه إلاَّ لكِبرٍ!
وانطِلاقًا من -سوء الظن- قالَ الغنيُّ: ما سلَّم عليَّ الفَقيرُ إلاَّ لأُعطيَه!...
وانطِلاقًا منه؛ من سوء الظن، قالَ الصَّاحبُ في صاحبِه: ما ماشَاني خَصمِي إلاَّ ليُشمِت بي!
وانطِلاقًا منه قالَ طالبُ العِلم في ندِّه: ما خالَفَني إلاَّ ليبْرُزَ!
وهَكذَا في سِلسلةٍ من التَّخرُّصاتِ لاَ يُحصِيها إلاَّ المطَّلِع على أَعمالِ العِبادِ وقُلوبِهم، وأكثرُ النَّاس في تَفسيرٍ ما لاَ يَعْلمون حَقيقتَه عن حُسنِ الظَّنِّ ناكِبون، وفي الصَّبر علَيه مَحرومون، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾. [الفرقان: 20]]. بتصرف من مقال (حسن الظن بالناس) للرمضاني.
فلا بد من إحسان الظن بالمسلمين، وأوَّلُ من نحسن الظن بهم الوالدان، والأجداد والجدات، ونحسن الظن بالإخوة والأخوات وأولادهم، ونحسن ظن الأزواج بالزوجات، والزوجات بالأزواج، ونحسن الظن بالأولاد والبنات وأولادهم من أحفادنا، ونحسن الظن بالأعمام والعمات، والأخوال والخالات وأولادهم، ونحسن الظن بالجيران والجارات وأولادهم.
كما ويجب علينا أن نحسن الظن بالعلماء والدعاة، ونحسنَ الظن بطلبة العلم...
فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْجَدْعَاءِ) -(الجدعاء): اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم-، (وَاضِعٌ رِجْلَيْهِ فِي الْغَرْزِ يَتَطَاوَلُ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَقَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ): ("أَيُّهَا النَّاسُ! أَلَا تَسْمَعُونَ؟!") فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آخِرِ النَّاسِ: (يَا رَسُولَ اللهِ مَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟) فَقَالَ: ("إِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ، أَلَا فَاعْبُدوا رَبُّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا وُلَاةَ أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ"). (ت) (616)، (حم) (22215)، (22312)، وحكم الأرناؤوط على إسناديهما بالصحة، (حب) (4563)، وقال الأرناؤوط: إسناده قوي، (طب) (7535)، انظر الصَّحِيحَة: (3233)، (867)، صَحِيح الْجَامِع: (109).
أخي في الله! أحسن الظن بكلِّ المؤمنين، لماذا؟ لأنه كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ"). (ت) (1964)، (د) (4790)، صَحِيح الْجَامِع: (6653)، الصَّحِيحَة: (935).
(الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ)، أَيْ: لَيْسَ بِذِي مَكْرٍ -لا دهاء-، فَهُوَ يَنْخَدِعُ لِانْقِيَادِهِ وَلِينِهِ، وَهُوَ ضِدُّ الْخِبِّ، يُرِيدُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمَحْمُودَ -الذي يحبه الله-، مِنْ طَبْعِهِ الْغِرَارَةُ، وَقِلَّةُ الْفِطْنَةِ لِلشَّرِّ، وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ جَهْلًا، وَلَكِنَّهُ كَرَمٌ وَحُسْنُ خُلُقٍ، فَهُوَ يَنْخَدِعُ لِسَلَامَةِ صَدْرِهِ، وَحُسْنِ ظَنِّهِ.
(وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ)، أَيْ: بَخِيلٌ، لَجُوجٌ، سَيِّئُ الْخُلُقِ. تحفة الأحوذي (5/ 201)، وقال المنذري: الخِبّ: الخَدَّاع، السَّاعي بين الناس بالشر والفساد.
فلنحسن الظنّ بأمَّةِ الإسلام عامة؛ تُجَّارِها وصُنَّاعِها، معلميها وأطبائها، كبارِها وصغارِها، عجائزِها وشيوخِها، فلاَّحيها وعمالِها ومثقَّفيها، رجالِها ونسائِها، بغض النظر عن شواذِّها.
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: (لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ -عليه السلام- فَقَالَ: ("يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةِ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمْ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْغُلَامُ، وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأ كِتَابًا قَطُّ"). (ت) (2944)، (حم) (21242)، انظر هداية الرواة: (2156).
("قَالَ: فَمُرْهُمْ فَلْيَقْرَؤوا الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"). (حم) (21242)، (حب) (739)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
هذه الأمة هي التي شهد لها الله جلَّ جلاله بالخيرية فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
ومن خالف ذلك -أو خالف هذه الشهادة- فليتفقد إيمانه، فإنه لا يُحكم على الأمّة بأفعال بعض أفرادها الشُّذَّاذ.
وشهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مرحومة: عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا: الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ"). (د) (4278)، (ك) (8372)، (يع) (7277)، (طس) (4055)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1396)، (1738)، الصحيحة: (959).
وهي الآن -على ما في بعض أفرادها من انحراف عما أراد الله سبحانه، أو اعوجاجٍ عن هديِ رسول الله صلى الله عليه وسلم-، هي خير أمة عند الله سبحانه -وتعالى-، وإن تداعت عليها الأمم كما تداعَى الأكلةُ إلى قصعتها، هي خيرُ الأمم وإن تكالبت عليها الدول، فامتصَّت خيراتها وأضعفتْها.
كيف لا وهي أمَّة يئس منها إبليس وأيأسَ جنودَه من أن تشرك -هذه الأمة- بالله جلَّ جلاله، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم مَكَّةَ، رَنَّ إِبْلِيسُ رَنَّةً اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُنُودَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: ايْئَسُوا أَنْ تُرِيدُوا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى الشِّرْكِ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَلَكِنِ افْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَأَفْشُوا فِيهِمُ النَّوْحَ). (طب) (12318)، الصَّحِيحَة: (3467)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3526).
أحسنوا الظن بأمَّةٍ لا تجتمع على ضلالة، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي -أَوْ قَالَ-: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ). (ت) (2167).
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَجَارَ أُمَّتِي أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ"). (ت) (2167)، (جة) (3590)، (صم) (79)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1786)، الصَّحِيحَة: (1331)، وظلال الجنة: (82). و(الضلالة)، أَيْ: الْكُفْر، أَوْ الْفِسْق، أَوْ الْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد، وَهَذَا قَبْلَ مَجِيءِ الرِّيح. حاشية السندي على ابن ماجه (7/ 320).
فالأمة هذه لا تجتمع على ضلالة، الأمة هذه لا تجتمع على الفسق والفجور، الأمة هذه بأكملها لا تجتمع على اجتهاد خاطئ بأمر الله وبفضل الله سبحانه وتعالى.
وفِي الحديث أَنَّ إِجْمَاع أُمَّته صلى الله عليه وسلم حُجَّة، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصهمْ. عون المعبود (9/ 293).
فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ، وَالْمُرَادُ: إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ الْعَوَامِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَنْ عِلْمٍ. تحفة الأحوذي (5/ 458).
قال أحد الدعاة: هذه الأمّة إن لم يَجْمَعْهَا الحقُّ، فَرَّقَها الباطل.
كيف لا تكون أمُّة محمد صلى الله عليه وسلم خيرَ الأمم عند الله؛ وفيها كتاب الله يتلى، وفيها الأذان بتوحيد الله يصدح، وفيها الصلوات تقام، وفيها شهر رمضان يصام، وفيها الحج إلى بيت الله الحرام؟
أمَّةٌ فيها أهلُ الخير من أموالهم يُنفقون، والأجرَ والثوابَ من الله يبتغون، وفيها المساجدُ تُبنَى وتشيَّد، والعلومُ الشرعية في المدارس والجامعات والمعاهد تدرّس.
كيف لا نحسن الظنِّ بأمَّتِنا أمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهي أهل توحيدِ الله وطاعته، فلا يُشرَك به شيئا، وغيرُها من الأمم لا يعرفون الله سبحانه ولا توحيدَه ولا طاعتَه؟
فهم في الكفر والشرك غارقون، وبالفساد والمعاصي والمنكرات يتبجّحون!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
وستبقى هذه الأمة أمَّةُ محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة، وأفضل أمة، وأكرم أمة على الله سبحانه وتعالى إلى يوم القيامة، إلى مجيء الريحِ الطيبةِ، التي تقبض أرواحَ المؤمنين فقط، ويبقى شرارُ هذه الأمة الذين عليهم تقوم الساعة، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
("لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى")، -يعني لن تقوم الساعة حتى بعيد غير الله من الأحجار والأوثان والأشجار،- فَقُلْتُ -والقول لعائشة رضي الله تعالى عنها-: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا!) قَالَ: ("إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ"). (م) (2907).
فلنحسن الظن بأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: ("مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ، أَمْ آخِرُهُ"). (ت) (2869)، (حم) (12327)، (حب) (7226)، المشكاة: (6277)، الصَّحِيحَة: (2286).
إنها آخر الأمم، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ"). (جة) (4077)، انظر صحيح الجامع: (7875)، وقصة الدجال (ص: 41).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قَالَ: ("إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً")، -يعني مضى قبلنا تسع وستون أمة،- ("أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى"). (ت) (3001)، (جة) (4288)، وحسنه الألباني في هداية الرواة: (6249).
فلنحسن الظن بأُمَّةٌ تقفُ على تَلٍّ فوق الأمم يوم القيامة؛ لأنها خيرُ الأمم، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: («يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، وَيَكْسُونِي رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ فَذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ»). (حم) (15783)، (حب) (6479)، (الصحيحة) (237).
فلنحسن الظن بأمة تَطِشُّ عليها السماء، -أي: تمطر عليهم مطرا خفيفا في ذلك الموقف،- والناس في الحشر في كرب وحر لأنها خيرُ الأمم، قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَطِشُّ عَلَيْهِمْ»). (حم) (13814).
أمة تشهد على سائر الأمم فهي خيرها، فلنحسن الظن بأمتنا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].
فلنحسن الظن بأمَّةٍ؛ كلُّ من انتمى إليها ومات على التوحيد دخل الجنة، ولن يُـخَلَّد في النار أبدا.
فأحسِن الظن بهذا الأمَّة أيها المسلم السنيّ، وإياك أن تسيءَ الظن بها فتهلك وتخسر، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ"). (حم) (10005)، (8514)، (م) 139- (2623)، (د) (4983)، ("يَقُولُ اللهُ: إِنَّهُ هُوَ هَالِكٌ"). (حم) (7685)، قال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
فافتخِرْ أخي في دين الله! بأنَّك من هذه الأمَّة، وادعُ غيرك إلى الإسلام دين السلام، وارفع رأسك شامخًا بأنك مسلمٌ من أتباع محمَّدٍ نبيِّ الله، الذي صلى عليه الله، وملائكةُ الله، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لكل خير يا رب العالمين.
اللهم كن معنا ولا تكن علينا، اللهم أيدنا ولا تخذلنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما غانما برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، وفرج هم المهمومين، إنك أنت أرحم الراحمين.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/130126/#ixzz5UYnUV8KT