سلسلة الأسئلة والأجوبة البهية في بعض المسائل والأحكام الشرعية
إعداد / عبد رب الصالحين العتموني

● السؤال رقم ( 2 ) :

ما حُكم زواج المرأة بدون إذن وليُها ؟
● الجواب :

اختلاف العُلماء في حُكم زواج المرأة بدون إذن وليُها على قولين :

● القول الأول :

ذهب جُمهور العُلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط الولي في النكاح وقالوا : لا يصح النكاح إلا بولي ويجب فسخه .
قال ابن جزي رحمه الله " مالكي " : ( الباب الثالث في الولي وفيه أربع مسائل : المسألة الأولى : في حُكمة وهو شرط واجب خلافاً لأبي حنيفة فلا تعقد المرأة النكاح على نفسها ولا على غيرها بكراً كانت أو ثيباً أو دنية رشيدة أو سفيهة حُرة أو أمة أذن لها وليها أم لم يأذن فإن وقع فُسخ قبل الدخول وبعده وإن أطال وولدت الأولاد ولا حد في الدخول للشبهة وفيه الصداق المُسمَّى ) أهـ .
وقال الشافعي رحمه الله : ( إن النكاح بغير ولي باطل مفسوخ أبداً وفسخه بغير طلاق ولم يُفرقوا بين الدنية الحال وبين الشريفة لإجماع العُلماء على أن لا فرق بينهما في الدماء ) أهـ .
وقال النووي رحمه الله " شافعي " : ( إذا وطئ في نكاح بلا ولي وجب مهر المثل ولا يعتقد تحريمه أو إباحته باجتهاد أو تقليد أو حسبان مُجرد لشبهة اختلاف العُلماء ولكن مُعتقد التحريم يُعزر ) أهـ .
قال ابن قدامة رحمه الله " حنبلي " : ( النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليُها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح .
رُوي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم .
وإليه ذهب سعيد بن المُسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شُبرُمة وابن المُبارك وعبيد الله العنبري والشافعي وإسحاق وأبو عُبيد ) أهـ .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :

● أولاً : من القرآن الكريم :

1- قوله تعالى : ( وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) .
قال ابن حجر رحمه الله : ( ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها أنه تعالى خاطب بالنكاح الرجال ولم يُخاطب به النساء فكأنه قال : لا تُنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمُشركين ) أهـ .
وقال ابن كثير رحمه الله : ( لا تُزوِّجوا الرجال المُشركين النساء المُؤمنات ) أهـ .
وقال القُرطبي رحمه الله : ( وفي هذه الآية دليل بالنص على أنه لا نكاح إلا بولي ) أهـ .
2- قوله تعالى : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) .
ووجه الدلالة من الآية : قوله مُخطاباً الأولياء : ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) وهذا الإسناد في الخطاب للأولياء دال على أن الأمر مُوكل إليهم في التزويج لا إلى مولياتهم .
روى البخاري عن الحسن في قوله تعالى : ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) قال : ( حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال : زوَّجت أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له : زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها أبداً قال : وكان رجلاً لا بأس به وكانت المرأة تُريد أن ترجع إليه قال : فأنزل الله هذه الآية : " فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ " فقلت : الآن أفعل يا رسول الله فزوجها إياه ) .
قال الترمذي رحمه الله : ( وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً فلو كان الأمر إليها دون وليُها لزوجت نفسها ولم تحتج إلى وليُها معقل وإنما خاطب الله في الآية الأولياء فقال : " فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ " ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن ) أهـ .
وقال القُرطبي رحمه الله : ( في الآية : دليل على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل كانت ثيباً ولو كان الأمر إليها دون وليُها لزوجت نفسها ولم تحتج إلى وليها معقل فالخطاب إذاً في قوله تعالى : " فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ " للأولياء وأن الأمر إليهم في التزويج مع رضاهن ) أهـ .
وقال أيضاً رحمه الله : ( وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تُزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها ومن كان أمره إليه لا يُقال إن غيره منعه منه ) أهـ .
وقال ابن حجر رحمه الله : ( اتفق أهل التفسير على أن المُخاطب بذلك الأولياء ذكره ابن جرير وغيره وروى ابن منذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هي في الرجل يُطلق امرأته فتقضي عدتها فيبدوا له أنه يُراجعها وتُريد المرأة ذلك فيمنعه وليُها ) أهـ .
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله : ( وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال : لا نكاح إلا بولي من العصبة وذلك لأن الله تعالى ذكره منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليُها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليُها عن عضلها معنى مفهوم ... ) أهـ .
3- قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) .
قال القُرطبي رحمه الله : ( فلم يُخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال ولو كان إلى النساء لذكرهن ) أهـ .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله : ( يأمر تعالى الأولياء والأسياد بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم : من لا أزواج لهم من رجال ونساء ثيبات وأبكار ) أهـ .
وقال السُيوطي رحمه الله : ( " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ " فيها الأمر بالإنكاح فاستدل به الشافعي على اعتبار الولي لأن الخطاب له وعدم اسقلال المرأة به ) أهـ .
وقال ابن حزم رحمه الله : ( " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ " وهذا خطاب للأولياء لا للنساء ) أهـ .
4- قوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) .
قال القُرطبي رحمه الله : ( ومما يدل على هذا أيضاً من الكتاب – أي في اشتراط الولي – قوله تعالى : " فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ " فلم يُخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال ولو كان إلى النساء لذكرهن ) أهـ .
قال البغوي رحمه الله : ( " فَانْكِحُوهُنَّ " يعني الإماء " بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ " أي مواليهن ) أهـ .
وقال البيضاوي رحمه الله : ( " فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ " يُريد أربابهن واعتبار إذنهم مُطلقاً ... ) أهـ .

● ثانياً : الأدلة من السُنة :

1- حديث أبى موسى رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وابن حبان وأحمد والحاكم والطبراني والدارمي والبزار والطيالسي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قال الترمذي رحمه الله : ( والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم وهكذا رُوي عن بعض فُقهاء التابعين أنهم يقولون : " لا نكاح إلا بولي" منهم سعيد بن المُسيب والحسن البصري وشُريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم .
وبهذا القول يقول سُفيان الثوري والأوزاعي ومالك وعبد الله بن المُبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) أهـ .
وقال البغوي رحمه الله : ( والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ) أهـ .
ونقل ابن حجر رحمه الله عن ابن المُنذر قوله : ( إنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ) أهـ .
2- حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نُكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي وابن حبان وأحمد والحاكم وابن أبي شيبة والدارقطني والطبراني وأبو يعلى والدارمي والبزار وعبد الرزاق والطيالسي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
3- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُزوج المرأة المرأة ولا تُزوج المرأة نفسها ) رواه البيهقي وابن ماجة والدارقطني وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : ( فإن الزانية هي التي تُزوج نفسها ) .
قالوا : هذه النُصوص الصحيحة والصريحة تُفيد أنه : لا نكاح صحيح إلا بولي أو لا نكاح مُعتبر إلا بولي .

● القول الثاني :

لا يُشترط الولي في الزواج ويجوز أن تُزوج المرأة نفسها ولو بغير إذن وليها بكراً كانت أو ثيباً ولها أن تُزوج غيرها وتُوكل في النكاح وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزُفر في ظاهر الرواية .
وذهب الشعبي والزُهري وقتادة إلى التفريق في ذلك أي أنهم فرقوا بين أن تزوج المرأة نفسها لكفء أو لغيره فقالوا : إن زوجت نفسها لكفء صح نكاحها وإلا فسد .
ورُوي ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف إلا أنه نُقل رُجوعهما عنه إلى ظاهر الرواية .
ورُوي عن أبي يُوسف ومحمد بن الحسن وابن سيرين وأبي ثور أنه لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفاً على إجازته .

واستدلوا على عدم اشتراط الولي في الزواج بما يلي :

1- قوله تعالى : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) .
قال الجصاص رحمه الله : ( قوله تعالى : " فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ " معناه : لا تمنعوهن أو لا تُضيقوا عليهن في التزويج .
وقد دلت هذه الآية من وجوه على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليُها :
أحدها : إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي .
والثاني : نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان ) أهـ .
2- قوله تعالى : " فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَنْ يَتَرَاجَعَا "
قال الجصاص رحمه الله : ( قوله تعالى : " فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَنْ يَتَرَاجَعَا "
قد حوى الدلالة من وجهين على ما ذكرنا :
أحدهما : إضافته عقد النكاح إليها في قوله : " حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَه " .
والثاني : " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَنْ يَتَرَاجَعَا " فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي ) أهـ .
3- قوله تعالى " فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفسِهِنَّ بِاْلْمَعْرُوفِ " .
قال الجصاص رحمه الله : ( قوله تعالى " فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفسِهِنَّ بِاْلْمَعْرُوفِ " .
فجاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي لمُوجب الآية ) أهـ .
4- حديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الأيِّم أحق بنفسها من وليُها والبكر تُستأذن في نفسها وإذنها صماتها ) رواه مُسلم .
وفي رواية أخرى له : ( الثيب أحق بنفسها من وليُها والبكر تُستأمر وإذنها سُكوتها ) أهـ .
ولأبي داود : ( ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تُستأمر وصمتها إقرارها ) .
قال الطحاوي رحمه الله : ( فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " الأيِّم أحق بنفسها من وليُها " أن أمرها في تزويج نفسها إليها لا إلى وليُها ) أهـ .
وقال الجصاص رحمه الله : ( قوله : " ليس للولي مع الثيب أمر " يُسقط اعتبار الولي في العقد وقوله : " الأيِّم أحق بنفسها من وليُها " يمنع أن يكون له حق في منعها العقد على نفسها كقوله صلى الله عليه وسلم : " الجار أحق بِصَقَبِه " وقوله لأم الصغير : " أنتِ أحق به ما لم تُنكحي " فنفى بذلك كله أن يكون له معها حق ) أهـ .
5- حديث سهل بن سعد الساعدي قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت أهب لك نفسي قال : فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال : وهل عندك من شيء ؟ قال : لا والله يا رسول الله فقال : اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً فذهب ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظر ولو خاتماً من حديد فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد ولكن هذا إزاري - قال سهل : ما له رداء - فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُولياً فأمر به فدُعي فلما جاء قال : ماذا معك من القرآن قال : معي سُورة كذا وسُورة كذا عددها فقال : تقرؤهن عن ظهر قلبك قال : نعم قال : اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن ) رواه البخاري ومُسلم .
قال الجصاص رحمه الله : ( ولم يسألها هل لها ولي أم لا ؟ ولم يشترط الولي في جواز عقدها ) أهـ .
6- قالوا : لا يُشترط الولي ويجوز للمرأة أن تُزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤاً قياساً على البيع والشراء فكما أنه يجوز لها التصرف بمالها يجوز لها عقد نكاحها بنفسها .
وحملوا عُموم الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخصوها بهذا القياس عملاً بجواز تخصيص العُموم بالقياس كما هو مُقرر في علم الأصول .
وقالوا أيضاً : أن الولي في النكاح شرط كمال وليس شرط صحة .
والفرق بين شرط الكمال وشرط الصحة أن شرط الصحة معناه أنه لا يصح الزواج إلا بولي كما هو عليه قول الجُمهور .
وشرط الكمال معناه أنه يجوز الزواج بدون الولي ولكن الأفضل والأحسن أن يكون حاضراً فيه .
وأجاب ابن عابدين رحمه الله عن حديث عائشة وحديث أبي موسي رضي الله عنهما بقوله : ( وأما حديث " أيُّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليُها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل " وحسنه الترمذي وحديث " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود وغيره فمُعارض بقوله صلى الله عليه وسلم " الأيِّم أحق بنفسها من وليُها " رواه مُسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في المُوطأ .
والأيِّم من لا زوج لها بكراً أو لا فإنه ليس للولي إلا مُباشرة العقد إذا رضيت وقد جعلها أحق منه به ويترجح هذا بقوة السند والإتفاق على صحته بخلاف الحديثين الأولين فإنهما ضعيفان أو حسنان أو يُجمع بالتخصيص أو بأن النفي للكمال أو بأن يُراد بالولي من يتوقف على إذنه - أي لا نكاح إلا بمن له ولاية - لينفى نكاح الكافر للمُسلمة والمعتوه والعبد والأمة ) أهـ .

● القول الثالث :

يُشترط الولي في زواج البكر ولا يُشترط في زواج الثيب وهو قول داود الظاهري .
لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الأيِّم أحق بنفسها من وليُها والبكر تُستأذن في نفسها وإذنها صماتها ) رواه مُسلم .
وفي رواية أخرى له : ( الثيب أحق بنفسها من وليُها والبكر تُستأمر وإذنها سُكوتها ) أهـ .
ولأبي داود : ( ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تُستأمر وصمتها إقرارها ) .
وبهذا الحديث احتج داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى .

● الترجيح والمُناقشة :

بالنظر في أدلة أهل العلم في هذه المسألة يترجح رأي الجُمهور بلا ريب لصراحة الأدلة وقوتها ولإجماع الصحابة على القول بوجوب اشتراط الولي في النكاح .
قال ابن عبد البر رحمه الله : ( فقد صرح الكتاب والسُنة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما ) أهـ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( النكاح بلا ولي اختلف العُلماء فيه فيما إذا كانت المرأة بالغة عاقلة رشيدة .
فذهب بعض العُلماء إلى أن البالغة العاقلة الرشيدة لها أن تُزوج نفسها فتتفق مع شخص أعجبها وأعجبته ويحضر الشُهود وتقول : زوجتك نفسي فيقول : قبلت .
وأكثر العُلماء على أنه فاسد وأنه لا نكاح بدون ولي وهذا هو القول الصحيح الذي يدل عليه الكتاب والسُنة والنظر الصحيح أيضاً أنه لا تتزوج المرأة إلا بولي ) أهـ .

● الجواب عن أدلة الحنفية :

1- أما الاستدلال بآية منع العضل على جواز النكاح بلا ولي فهو غاية في الغرابة .
ذلك أن معقل بن يسار أدرى بدلالة الآية من الحنفية وقد صرح بفعله أنه قد امتثل التوجيه القرآني وزوج أخته بعد معرفته للحُكم فقال : ( الآن أفعل يا رسول الله ) ولو كان الأمر ليس إليه لما قال : ( الآن أفعل ) .
2- وأما قوله تعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَنْ يَتَرَاجَعَا ) فهذه الآية في المُطلقة ثلاثاً أنها لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره أي يطأها فالنكاح هنا يُراد به الجماع لا التزويج .
وقد نقل القُرطبي عن النحاس قوله : ( وأهل العلم على أن النكاح هاهنا الجِماع ) أهـ .
وأما نسبة التراجع إليها بقوله ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَنْ يَتَرَاجَعَا ) فهذا صحيح لكن مشروط بإقامة حدود الله ومن حدود الله اشتراط الولي في النكاح فقال سبحانه : ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) .
3- وأما قوله تعالى : ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفسِهِنَّ بِاْلْمَعْرُوفِ ) فالمراد كما قال القاسمي رحمه الله : ( " فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفسِهِنَّ " من التعرض للخُطاب والتزين " بالمعروف " أي بوجهٍ لا يُنكره الشرع وفيه إشارة إلى أنهن لو فعلن ما يُنكره الشرع فعليهم أن يكفوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجناح ) أهـ .
4- وأما حديث : " الأيِّم أحق بنفسها من وليها " فمحمول على اشتراط تصريحها بالمُوافقة على النكاح لا مُجرد السُكوت كالبكر بدليل سياق الحديث والأحاديث المُشابهة في وجوب التفريق بين البكر والثيب من حيث قبولهما النكاح لا من حيث اشتراط الولي بدليل أن أخت معقل بن يسار الذي فيه نزلت آية المنع من العضل كانت ثيباً .
قال الشافعي رحمه الله : ( والثيب والبكر لا تُنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أن الثيب لا ينكحُها أب ولا غيره إلا بأمرها ويُنكح الأب البكر من بناته بغير أمرها لأنه أحق بها من الثيب ) أهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الحُرة المُكلفة تُزوج نفسها بدون ولي وقال : إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : " الثيب أحق بنفسها من وليُها " .
ولكن هذا القول ضعيف والحديث الذي استدل به ليس معناه أنها تُزوج نفسها بل معناه أنها لا تُزوج حتى تُستأمر ويُؤخذ أمرها ويُبين لها الأمر واضحاً جلياً فلا يُكتفى بنظر الولي في حقها بل لا بد أن تُستأمر ويُبين لها الأمر على وجه واضح ) أهـ .
5- وأما الجواب عن حديث الواهبة فمن وجوهٍ :
الأول : أما هبتها نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فإن الواهبات أنفسهن من خصائصه عليه الصلاة والسلام ويختلفن في نكاحهن عن النكاح المعروف .
الثاني : وأما تزوجها من الصحابي فإنها قد وكلت النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجها ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( ملكتكها بما معك من القرآن ) .
6- وأما ما ذكروه من القياس فيجاب عنه بأنه قياس مُقابل للنص فلا يصح وهذا يُسميه العُلماء : قياس فاسد الاعتبار .
ومن القواعد المُقررة عند أهل العلم : " أنه لا اجتهاد مع النص " .

● خلاصة ما تقدم في هذه المسألة :

الخلاصة في هذه المسألة أن النُصوص الصحيحة والصريحة تُفيد أن : النكاح بغير ولي باطل وغير صحيح ويجب فسخه وهو قول جُمهور العُلماء .
وإناطة تزويج المرأة للولي ليس فيه هضم لحُقوقها أو حطٌ من مكانتها بل العكس هو الصحيح إذ لا يخفى لكل من تأمل بموضوعية وإنصاف أن المقصود ما في هذا الأمر هو صيانة المرأة المجبولة على الحياء عن التبذل وصفاقة الوجه وحفظها من الاحتكاك المُباشر بالرجال الأجانب سيما هذه الموضوعات الحساسة ذات العلاقة الوثيقة بالفُروج .
كما أن من مقاصد الشارع في هذه القضية هو صيانة المرأة عن الاستغفال أو الاستغلال .
ومن صيانتها ومصلحتها ورعايتها لحقها لم يُعطها الشارع الحكيم الحق في أن تتولى بنفسها عقد النكاح لها أو لغيرها ولم يسمح لها أن تختار وليُها في النكاح أو وكيلها فيه بل هو من رتب الأولياء في عقد النكاح ترتيباً شرعياً .
فالواجب مُراعاة هذا الترتيب فلا يجوز أن يتقدم الولي الأبعد على الولي الأقرب إلا بإذنه ووكالته .
● وأولياء المرأة على الترتيب هم على النحو التالي :
( 1 ) الأب .
( 2 ) الجد لأب وإن علا .
( 3 ) الابن .
( 4 ) ابن الابن وإن نزل .
( 5 ) الأخ الشقيق .
( 6 ) الأخ لأب .
( 7 ) ابن الأخ الشقيق .
( 8 ) ابن الأخ لأب .
( 9 ) العم الشقيق .
( 10 ) العم لأب .
( 11 ) ابن العم الشقيق .
( 12 ) ابن العم لأب .
( 13 ) الأقرب من العصبة كالإرث .
(14 ) ثم السلطان ولي من لا ولي لها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( أولى الناس بالتزويج الأب ثم الجد من قبل الأب وإن علا إن كان لها جد من قبل أبيها فهو أولى فإن لم يكن لها أب ولا جد من أبيها انتقلت الولاية إلى أبنائها إن كان لها أبناء وإلا فإلى إخوتها الأشقاء ثم الإخوة لأب ثم أبناء الإخوة الأشقاء ثم أبناء الإخوة لأب ثم للأعمام الأشقاء ثم الأعمام لأب ثم أبناء الأعمام الأشقاء ثم أبناء الأعمام لأب .
فإذا لم يُوجد لها عصبة أو كان عصبتها في مكان بعيد لا يُمكن الاتصال بهم أو كان عصبتها قد امتنعوا من تزويجها بمن هو كُفء زوجها قاضي المحكمة ) أهـ .

أخي الحبيب :

أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن تحصل به الفائدة وأسأل الله جل وعلا أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا الفردوس الأعلى في الجنة والنجاة من النار .
كما أسأله الله سبحانه أن يوفقنا ويهدينا للصواب وأن يرزقنا فهم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
هذا وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان والله الموفق .
وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .

لا تنسونا من الدعاء

أخوكم / عبد رب الصالحين العتموني

مصر / سوهاج / طما / قرية العتامنة