قصيدة : فقدناك يا شيخ الحديث .


عبد العليم محمود فرج حسن


وهي رثاء لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد محرم الشيخ ناجي رحمه الله .
إلى جَنّة الخُلد التي بات يَنشُدُ
مضى شيخُنا شيخُ الفضائلِ " أحمدُ "
.
فَقدناكَ يا شيخ الحديث وإنّما
بفَقدكَ وَجهُ الشمسِ والبَدرِ يُفقَدُ
.
وسبعون عامًا كيف ضَنَّت بِفَضْلَةٍ
وكيف - ولمّا يَبلُغ البابَ - يُؤصَدُ
.
أَتعجَبُ والآجالُ مِن أَمْر ربِّها
وكلٌّ لهُ والموتَ لا ريبَ مَوعدُ
.
أَأَصبَح في غَيبٍ ، وأصبحتَ حاضرًا
وأَصبَح في لَحدٍ ، وأنتَ المُلَحِّدُ !
.
لَعمرُكَ ما أصبحتَ إلا كغائبٍ
ولو كنتَ فوق الأرض تُلْفَى وتُشهَدُ
.
وما هُو إلا حاضرٌ في نَعيمهِ
بإذن الذي يُسعى إليه ويُعبَدُ
.
حنَانَيكَ يا قلبًا تَعلَّق شيخَهُ
فكم مِن وِصالٍ بالغياب يُجَدَّدُ
.
تَعُودُ إلى الذِّكرى ، وأنتَ رهينُها
وتَسْلو بما فيه الأسى والتّسهُّدُ
.
كأنّكَ في " الزّهراء " لا زلتَ قاصدًا
ودُونَكَ دارٌ للخلائق مَقصِدُ
.
وتَطرُقُ بابَ الدّار ، والشّوقُ طارقٌ
فؤادَكَ ، والأحشاءُ كم تَتَنهّدُ
.
وما الدّارُ إلا فَرقَدٌ غيرَ أنّها
دَنَت ، مثلَما يَدنو مع البُعدِ فَرقَدُ
.
وشيَّدَها مَن جلَّ في العِلم قدرُهُـ
وحسبُكَ أنّ العِلمَ فيها يُشيَّدُ
.
وقال أَبِي : هلّا صحبتَ مُسدَّدًا
ومَن صَحِبَ الشَّيخَ التقيَّ مُسدَّدُ
.
وأُمِّي أفاضتْ في السَّجايا ، ولَم يَزَلْ
أَخِي حيثُ يَروِي فضلَهُ ويُمجِّدُ
.
أَتيتُ لهُ مِن أرض مَكّةَ راجيًا
وِصالَ الذي مِن أَجوَدِ الجُودِ أَجوَدُ
.
فأشرَقَ عند الباب كالشّمس باسمًا
وأسعدتُهُ ، والقلبُ بالشَّيخ أَسعَدُ
.
ورحَّب بيْ ترحيبَه بمُقَرَّبٍ
وإنّيْ غُلامٌ بَعدُ ، والشّيخُ سيِّدُ
.
فإنْ أنتَ أَبصرتَ الذي أَبصَرَ الورى
لأقصَرتَ عن عذلٍ ، ولستَ تُفَنِّدُ
.
أَتعذِلُنا في حُبِّهِ غيرَ عاذرٍ
بأنّ مُحِبًّا ما لَهُ في الهوى يَدُ
.
ولو ذُقتَ ما ذُقناهُـ في أُنْس وَصلِهِ
لَمَا كنتَ إذْ وَدّعتَهُ تَتَجلَّدُ
.
وكَم مِن فؤادٍ أَخمَد الدَّهرُ شَوقَهُ
فما لَكَ يا شوقًا له لستَ تَخمُدُ
.
أَيَخمُدُ شوقٌ للذي ظَلَّ هاديًا
وهاديْهِ في الدَّرب النّبيُّ " مُحمَّدُ "
.
هُوَ الشَّمسُ في عِلمِ الحديث ، وإنَّهُ
على رأسهِ في حالَتَيهِ يُوَسَّدُ
.
بل الشّمسُ في كلِّ العُلُوم ، ولَم يَزَلْ
لهُ فوقَ عِلمِ النَّحو مُلْكٌ وسُؤدَدُ
.
هنيئًا لهُ الضَّوءُ الذي هُوَ ضَوءُهُـ
إذا جاءَهُـ يومَ
القيامةِ يَشهَدُ
.
وأَلفيَّةٌ أَلفيتَها بعضَ حِفظِهِ
وكانت كنَبْع الماء إبَّانَ يَسرِدُ
.
فمَن بَعدَهُـ يُحْيِي عُلومَ " ابنِ مالكٍ "
ويَهدِي إلى القَولِ القَوِيم ويُرشِدُ
.
بَكيتَ عُلومَ الدِّين إذْ قمتَ باكيًا
عليهِ ، وكَم يَبكيهِ دَرْسٌ ومَعهَدُ
.
وهذي أُصولُ الدِّين صارت كأنّما
على دارِها ثَوبٌ مِن الحُزن أَسوَدُ
.
فمَن يُرجِعُ الأيّامَ حيث تَرونَهُ
هنا حيثُ نَسعى لِلّقاء ونَحفِدُ
.
نُقَبِّلُ منهُ الرَّأسَ حُبًّا ورغبةً
ويَنهَرُنا عن فِعلنا ويُشَدِّدُ
.
فيا حبَّذا مِن ضَربةٍ مِن يَمينِهِ
يَتِيهُ بها صَبٌّ ، ويَقرُبُ مُبْعَدُ
.
ويا حبَّذا نورٌ أضاءَ رُبوعَنا
وجَمْعٌ على وَجهٍ مِن النُّور يُحشَدُ
.
ألَا لَيتَها الأيّام لَم يُقْضَ أَمسُها
ويا لَيتَهُ ما كان في إِثْرها غَدُ
.
فَقَدناكَ يا شيخَ العِبَادة قائمًا
تُنَاجِي الذي نَعماؤهُـ ليس تَنْفَدُ
.
فمَن يَقرأُ الآياتِ بَعدَك خاشعًا
تَكادُ لهُ الجُدرانُ تَهوِي وتَسجُدُ
.
ومَن يَهجُرُ الدّنيا إذا هيَ أَقبَلَتْ
وعن زُخرف الدّنيا يَحِيدُ ويَزهَدُ
.
ومَكتبةُ الشَّيخ التي هُوَ رُوحُها
تَظَلُّ لِكَفَّي رُوحِها تَتَفقّدُ
.
لَئِن كنتَ في دُنياكَ غيرَ مُخلَّدٍ
ففي جَنّة الرّضوان كُلٌّ مُخلَّدُ
.
ولا نَصَبٌ فيها ، ولا بُعدَ بَعدَها
ولا رَسْمَ يَعفو في ثراها ويَهمُدُ
.
ألَا طِبتَ حيًّا في القُلوب وإن تَكُنْ
سَبَقتَ إلى الأُخرى وضَمَّكَ مَرقَدُ
.
فوَاحَرَّ قَلبٍ حيثُ تَمضي بَقيَّةٌ
مِن الأزهر المَعمور عنّا وتَصعَدُ
.
أَيَخلُفُنا فيهمْ رجالٌ وصَفوةٌ
ومَنهجُهم للأرض وِردٌ ومَورِدُ
.
عَزَاءُ الورى في الشَّيخ أنّ مَمَاتَهُ
حياةٌ ، وبعضُ المَوت للنّاس مَولِدُ
.
بهِ فُجِع الإسلامُ ، والدِّينُ قائمٌ
متى قام فينا مِثلَ " أحمدَ " أحمدُ