التعامل بالعينة الثنائية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تقوم الجمعية الإسلامية في أستراليا بتقديم قروض مالية للجالية لشراء بيوت سكنية بما يعرف ( البيع وإعادة التأجير)، و تتم كمايلي: يقوم العميل بالإجراءات القانونية الأولية لعقد شراء البيت باسمه، وهو إجراء قانوني لابد منه. يعرض هذا العقد الأَوَلي على التعاونية الإسلامية، التي تقوم بدفع مبلغ شراء البيت مقابل أخذ حق الانتفاع بالعقار مدة تسديد القرض، تلحق التعاونية بالعقد القانوني وثائق القرض عقداً شرعياً يتم بينها وبين العميل، يقوم على أساس حقوق الملكية الحكمية و الملكية النفعية كما جاء في وثائقه و تتم كما يلي:
1- تتسلم التعاونية البيت من العميل خلال مدة العقد بينهما.
2 - تأجر التعاونية البيت للعميل خلال مدة العقد.
3- بانتهاء مدة العقد وتسديد العميل المبلغ المستحق(مبلغ شراء البيت والإيجار) يسترجع من التعاونية حق الانتفاع بالعقار نهائيا.
يعتمد في حساب مبلغ الإيجار على النسبة المتغيرة أو النسبة الثابتة حسب طلب العميل المؤجر. مبلغ التسديد الشهري متكون من الإيجار زائد مبلغ بسيط من القرض، فإن دفع أكثر فله ذلك، وإن عجز العميل المؤجر عن الدفع كلية ولم يتوصلا إلى حل وسط، يباع البيت وتأخذ التعاونية ما تبقى في ذمة العميل من أقساط القرض والباقي يعود له. والعملية تتم بهده الطريقة لتجنيب العميل المسلم الربا، ومبالغ معتبرة من الضرائب إضافة إلى القوانين التي لا تعترف بالعقد الشرعي. وقد أقر المستشارون الشرعيون للجمعية التعاونية بشرعية هذه المعاملة مراعين الجانب الشرعي وحاجات الجالية المسلمة في هذه الديار قوانين المؤسسات الحكومية هنا في أستراليا. أفتونا مأجورين بارك الله فيكم إخوانكم بـأستراليا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجاب عنها: د. سامي السويلم

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالتفريق بين الملكية الحكمية والملكية النفعية شبيه بتفريق القانون الإنجليزي بين الملكية القانونية (legal ownership) والملكية النفعية (benefecial ownership).
ويراد بالملكية النفعية غالباً تملك منفعة الأصل أو العين، وبناء على ذلك فإن تملك الجمعية التعاونية الإسلامية يقتصر فيما يظهر على المنفعة ولا يشمل الرقبة، وعليه فإن خطوات هذه المعاملة تتم كما يلي:
1. يوقع العميل عقد شراء البيت من البائع.
2. تدفع الجمعية الثمن عن العميل للبائع، وهذا قرض من الجمعية للعميل.
3. تملك الجمعية مقابل دين القرض منفعة البيت لمدة محددة.
4. تؤجر الجمعية البيت للعميل بثمن مؤجل أعلى من الثمن الذي دفعته.
إذا كان هذا هو واقع المعاملة فعلاً، فهي من العينة المحرمة التي نهى عنها النبي _صلى الله عليه وسلم_، كما في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر _رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "، أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح.
فهذه الجمعية تملكت المنفعة من العميل بعد شرائه للبيت، ثم عادت وأجرته البيت بأجرة أعلى، والإجارة بيع للمنفعة، فتكون الجمعية قد اشترت المنفعة من العميل ثم باعتها له مرة أخرى بثمن مؤجل أعلى، وهذه هي العينة الثنائية التي نص على منعها جمهور الفقهاء.
صحيح أن الجمعية لم تدفع الثمن نقداً للعميل، وإنما دفعته للبائع، لكن هذا لا يغير من حقيقة أن المنفعة كانت في ملك العميل ثم انتقلت للجمعية، ثم عادت مرة أخرى للعميل بثمن مؤجل، وللفقهاء قاعدة في مثل هذه المعاملات، وهي أن "ما خرج من اليد وعاد إليها فهو لغو".
فالسلعة أو المنفعة إذا خرجت من يد صاحبها ثم عادت إليها مرة أخرى، فتعد لغواً، كما لو لم تخرج ابتداءً.
فيكون صافي المعاملة أن الجمعية دفعت ثمن المنزل للبائع الأصلي عن العميل، ثم طالبته بسداد مبلغ مؤجل أعلى منه، وسبق أن ما دفعته الجمعية عن العميل يعد قرضاً، فإذا طالبته بسداد مبلغ أكبر كان قرضاً بزيادة، وهذا من الربا المحرم بالنص والإجماع.
والحل الشرعي في نظري، أن تستأجر الجمعية البيت ( أي تتملك منفعته لمدة معينة) من بائع البيت الأصلي قبل شراء العميل للبيت، ثم بعد ذلك تؤجر البيت للعميل بثمن مؤجل بحسب الاتفاق، فهذه مرابحة في المنفعة، (أي أن الجمعية تشتري المنفعة بثمن حال من البائع الأصلي ثم تبيعها للعميل بثمن مؤجل أعلى)، ولا حرج في ذلك _إن شاء الله_، كما أن الجمعية لا تملك رقبة البيت، وبذلك تسلم من مشكلة الضرائب.
ويمكن للعميل تملك البيت من خلال شرائه من البائع الأصلي، ولكن بعد استئجار الجمعية للبيت، وهذا يصبح شراء للبيت محملاً بعقد إجارة لمصلحة البائع، وهذا جائز عند الشافعية والحنابلة، وحكاه شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_ عن أكثر العلماء (الفتاوى 30/159).
ويلاحظ أن ثمن البيت محملاً بعقد الإجارة للجمعية سيكون أقل بكثير من قيمته الفعلية؛ لأن مدة الإجارة ستكون طويلة الأجل، وهذه تستغرق معظم الثمن، فيكون ما يحتاج العميل أن يدفعه للبائع الأصلي يعادل الدفعة المقدمة لشراء البيت.
وهناك محذور آخر في هذه المعاملة، وهو كون الأجرة متغيرة وغير ثابتة بالرغم من لزوم عقد الإجارة بين الجمعية والعميل، وهذا يخالف شروط الإجارة المتفق عليها بين الفقهاء؛ لأن الأجرة إذا ارتفعت تضرر المستأجر وانتفع المؤجر، وإذا انخفضت تضرر المؤجر وانتفع المستأجر، فأي زيادة أو نقص في الأجرة يترتب عليه انتفاع أحد الطرفين وتضرر الآخر، وهذا هو الغرر المحرم شرعاً، وإنما يمكن تغيير الأجرة من خلال تجديد العقد نفسه، بحيث إذا ارتفعت الأجرة مثلاً فللعميل الخيار في دفع الأجرة الأعلى أو عدم استئجار البيت، أما أن يكون ملزماً بدفع الأجرة حتى لو كان في ذلك ضرر عليه فهذا يخالف أصول المبادلات الشرعية، والله _تعالى_ أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.