أنواع الفرقة بين الزوجين
رجاء بنت صالح باسودان
الموضوع الثاني : أهم العيوب الخاصة بالمرأة
أولاً : الرتق .
ثانياً : القرن . جاء في "مغني المحتاج" : " إذا وجدها (الزوجة) الزوج رتقاء أو قرناء ، بأن انسد محل الجماع منها في الأول بلحم ، والثاني بعظم في الأصح ، [75].
جاء في "نيل الأوطار" في رد المنكوحة بالعيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش ، أبصر بكشحها بياضاً ، فانحاز عن الفراش ثم قال : " خذي عليك ثيابك " ، ولم يأخذ ممّا آتاها شيئاً [76].
الموضوع الثالث : أهم العيوب المشتركة بين الزوجين
أولاً : الجنون .
ثانياً : الجذام .
ثالثاً : البرص .
جاء توضيح هذه العيوب في "مغني المحتاج" : " إذا وجد أحد الزوجين وصله مجنوناً وإن انقطع أو كان قابلاً للعلاج ثبت له الخيار . والجنون : زوال الشعور من القلب مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء . ..... أو وجد أحد الزوجين وصله جذاماً ، وهو علة يحمرّ منها العضو ثم ينقطع ثم يسودّ ثم ينقطع ويتناثر ويتصور ذلك في كل عضو لكنه في الوجه أغلب . ....أو برصاً وهو بياض شديد يبقع الجلد ويذهب دمويته ثبت له الخيار[77]
المبحث الثاني : التفريق للضرر
الضر ضد النفع [78].وقيل الضرر : " ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به [79]." وهو كل ما يلحق الأذى أو الألم ببدن الزوجة أو نفسها أو يعرضها للهلاك [80].
وخرج من مسمى الضرر (في هذا البحث) التفريق بالعيب لاحتمالية علم الزوجة به قبل العقد ورضاها به فلا يعتبر ضرراً ، وإنما اعتبر ضرراً ما قد يستجد من أمور بعد الزواج تلحق الضرر بها .
المطلب الأول : التفريق بسبب سوء العشرة
من سوء العشرة أن يلحق الزوج الضرر بزوجته كضربه إياها ضرباً مبرحاً ، أو إيذائها بأي شكل من الأشكال ، وهو ما يطلق عليه بالضرر المادي .
ومن أنواع الضرر المعنوي : شتمها وإيذائها بالقول الذي يلحق الألم في نفسها ، أو ترك الحديث معها ، أو ترك المبيت في الفراش دون سبب مبرر ، وغيره من الإيذاء النفسي . فإذا بلغ إضرار الزوج لزوجته حداً لا تستطيع تحمله ، فإنه يجوز لها طلب التفريق بينهما من القاضي ، فإذا عجزت عن أن تثبت دعواها ، فإن القاضي يبعث حكمين عدلين رجلين من أهلهما ليتعرفا على أسباب الشقاق والإصلاح بينهما ما استطاعا، عملاً بالآية الكريمة :{ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً} [81] فإذا توصل الحكمان إلى الصلح بينهما فهذا خير . وإن عجزا عن الإصلاح وقررا الانفصال بينهما فإن القاضي يفرق بينهما بطلقة بائنة بناءً على رأي الحكمين [82].
ذكر الفقيه "ابن رشد" في باب "بعث الحكمين" : " وأجمعوا (العلماء) على أن الحكمين إذا اختلفا لم ينفذ قولهما . وأجمعوا على أن قولهما في الجمع بينهما نافذ يغير توكيل من الزوجين . واختلفوا في تفريق الحكمين بينهما إذا اتفقا على ذلك هل يحتاج إلى إذن من الزوج أو لا يحتاج إلى ذلك ؟
فقال مالك وأصحابه : يجوز قولهما في الفرقة والاجتماع بغير توكيل الزوجين ولا إذن منهما في ذلك وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما : ليس لهما أن يفرّقا إلا أن يجعل الزوج إليهما التفريق [83].
المطلب الثاني : غيبة الزوج
من أنواع الضرر الذي تتأذى به الزوجة : غيبة الزوج ، فقد يغيب عنها لأي سبب من الأسباب وتتضرر بذلك أشد الضرر ، إما لخوفها على نفسها بسبب الوحدة وجعلها مثاراً للشكوك والأوهام ، أو تخشى على نفسها من الوقوع في الانحراف الأخلاقي .
والتفريق للتضرر من الغياب هو قول الإمامين مالك و أحمد ، فعند الإمام "مالك" حدّها سنة وقيل ثلاث سنين ، وعند الإمام "أحمد" حدّها ستة أشهر ، غير أن الإمام أحمد اشترط للتفريق أن تكون الغيبة بغير عذر ، بخلاف الإمام مالك فهو لا يرى ضرورة ذلك الاشتراط [84].
وأخذ الإمام أحمد بما عمل الخليفة عمر رضي الله عنه : " دخل على حفصة ، فقال: بنية ، كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : سبحان الله ! مثلك يسأل مثلي عن هذا ! فقال : لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك ، فقالت : خمسة أشهر ، ستة أشهر فوقّت للناس في مغازيهم ستة أشهر [85].
ذكر الإمام "أبو زهرة" في التفريق للغياب : " والتفريق للغياب هنا يثبت في الغياب المعلوم حاله فيه وغير المعلوم حاله ، وقد اشترط للتفريق بالغياب أن تمضي سنة تتضرر فيها الزوجة ، فإذا مضت السنة فلها أن تطلب التفريق للتضرر من الغياب ، ولو ترك لها مالاً تنفق منه ، فإن طلبت ذلك وكان غير معلوم ، أو في مكان لا يمكن وصول الرسائل إليه فإن القاضي متى ثبت لديه الغياب ومضت السنة يطلق في الحال ، وإن كان معلوم المكان و يمكن وصول الرسائل إليه يرسل إليه بأن يحضر لزوجته أو يضمها إليه ، ويضرب له أجلاً ، ويبين له أنه إن لم يحضر فيه أو يضمها إليه يطلقها عليه ، فإن مضى الأجل ولم يفعل طلق عليه ، والطلاق يكون بائناً [86]
جاء في "كشاف القناع" : " ومحل لزوم قدومه (الزوج الغائب) إن لم يكن له عذر في سفره كطلب علم أو كان في غزو أو حج واجبين أو في طلب رزق يحتاج إليه نصاً فلا يلزمه القدوم ؛ لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره [87]
المطلب الثالث : فقد الزوج
الفقد أن تطلب الشيء فلا تجده ، والمراد به هنا : من لا تعلم له حياة ولا موت لانقطاع خبره .
وهو قسمان : الأول : من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة ، والثاني : من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك [88]فقد يغيب الزوج عن زوجته مدة من الزمن ولا يعلم عن حاله شيئاً ، وقد يفقد بعد غيبته وينقطع خبره فلا يعلم هل هو حي أم ميت ؟
فإذا كان المفقود من القسم الأول : قال الإمام "الشافعي" في القديم : تتربص أربع سنين وتعتد للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج ؛ لأنه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنة ، وتعذر النفقة بالإعسار ، فلأن يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى ، واحتجوا بحديث عمر في المفقود مع موافقة الصحابة له وتركهم إنكاره . ونقل عن الإمام "أحمد" : إذا مضى عليه تسعون سنة قسّم ماله ؛ لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر ....... وأما إذا كان المفقود من القسم الثاني : فمذهب الإمام أحمد - الظاهر عنه - أن زوجته تتربّص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتدّ للوفاة أربعة أشهر وعشراً وتحل للأزواج[89]
وجاء في "كشاف القناع" : " لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقتها أو وجد له مال ينفق عليها منه أو من يفرضها عليه ، وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك [90].
أما المالكية : فالمفقود عندهم على خمسة أنواع [91]:
1 - مفقود في بلاد الإسلام في غير زمن الوباء . ولزوجته الرضاء بالمقام مع زوجها ، أو رفع أمرها إلى الحاكم للتحري عن زوجها المفقود فإذا عجز عن الحصول على خبر عن زوجها ضرب له مقدار أربع سنوات ثم تبدأ عدة الوفاة بعدها .
2 - مفقود في بلاد الإسلام في زمن الوباء . للزوجة أن تعتد عدة الوفاء بعد زوال الوباء لغلبة الظن بموته .
3 - مفقود في بلاد الشرك . تبقى زوجة المفقود أو الأسير على نكاحه إلى المدة التي يظن بقاؤه فيها فقيل : سبعون عاماً ، وقيل : ثمانون ، وقيل : خمس وسبعون .
4 - مفقود في قتال بين أهل دار الإسلام . تعتد الزوجة عدة الوفاة بعد انفصال المتقاتلين وهذا إذا رؤي في صف القتال .
5 - مفقود في قتال بين المسلمين والكفار . تعتد الزوجة عدة الوفاة بعد سنة من نظر الحاكم في أمر فقده والتحري عنه .
أما الحنفية والشافعية فإنهم لا يعتبرون غياب الزوج أو فقده سبباً للتفريق [92]
المطلب الرابع : حبس الزوج
وهو من أنواع الضرر الذي تتضرر به المرأة .
ذهب شيخ الإسلام "ابن تيمية " في قياسه بالقول في زوجة الأسير على زوجة المفقود[93]*، فقال : "وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتضٍ للفسخ بكل حال ، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ، ولو مع قدرته وعجزه عن النفقة وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعاً ، وعلى هذا ، فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممّن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته ، كالقول في امرأة المفقود بالإجماع[94]
المبحث الثالث : التفريق لعدم الإنفاق
اختلف الفقهاء في جواز طلب التفريق من الزوجة لعدم إنفاق الزوج ولم يكن له مال ظاهر ولم يذكر أنه معسر ، فذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التفريق لعدم الإنفاق بخلاف الحنفية القائلين بعدم جواز التفريق لعدم الإنفاق .
ومن أدلة الجمهور : قوله تعالى :{ ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا} [95]، وقوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [96]، فلا يكون إمساك بمعروف مع إضرار بعدم النفقة ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار" [97]فوجب عليه أن يطلق زوجته ، وإذا أبى قام القاضي مقامه في الطلاق دفعاً للضرر [98]
ومن أدلة الحنفية : قوله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً }[99].فإذا لم يستطع الزوج المعسر الإنفاق على زوجته لا يكلف بالنفقة في هذا الحال .
ومنها : موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من نسائه عند سؤالهن النفقة واعتزاله لهن شهراً [100]
ومنها أيضاً : أنه لم يرد دليل صريح من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على جواز التفريق لعدم الإنفاق [101]
أما إذا كان للزوج مال ظاهر ، وامتنع عن الإنفاق ورفعت أمرها إلى القاضي بطلب التفريق بينها وبينه فإنه لا حق لها في ذلك باتفاق العلماء سواء كان الزوج حاضراً أم غائباً لتمكنها من حصولها على النفقة [102]، فقد جاء في "مغني المحتاج" : " لا فسخ للزوجة بمنع أي امتناع موسر من الإنفاق بأن لم يوفها حقها منه سواء أحضر زوجها أو غاب عنها لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم أو بيدها إن قدرت [103]
ومما تجدر الإشارة إليه أن اتفاق الأئمة الثلاثة على جواز التفريق لعدم الإنفاق ليس على إطلاقه ، إنما الإعسار المبيح للتفريق هو العجز عن الضروري في أدنى الأحوال [104]جاء في "مغني المحتاج"
" وإنما يفسخ للزوجة النكاح بعجزه ، أي الزوج ، عن نفقة معسر حاضرة ، لأن الضرر يتحقق بذلك فلو عجز عن نفقة موسر أو متوسط لم ينفسخ [105]
الباب الثاني
الفرق التي تعد فسخاً
الفصل الأول : فرق الفسخ الغير متوقفة على القضاء
الفصل الثاني : فرق الفسخ المتوقفة على القضاء
الفصل الأول
فرق الفسخ الغير متوقفة على القضاء
المبحث الأول : تبين فساد العقد
المبحث الثاني : طروء حرمة المصاهرة
المبحث الثالث : الردة
المبحث الرابع : خيار العتق
المبحث الأول : تبين فساد العقد
العقد الفاسد والباطل سواء ( وهذا عند جمهور الفقهاء ما عدا الحنفية ) ، فهو العقد الذي لا يعتبر موجوداً في نظر الشارع ، وبالتالي لا تثبت فيه الأحكام المناطة بالعقد ، ولا يترتب عليه أي أثر من الآثار المترتبة على العقد الصحيح من قبل الشارع [106]جاء في "بدائع الصنائع" : " أن النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة ؛ لانعدام محله ، أعني محل حكمه ، وهو الملك [107]
ويحكم بفساد العقد إذا اختل أحد شروط العقد كعدم حضور الشاهدين ، أو كونه عقد على إحدى محارمه ، أو انه عقد على امرأة في عدة غيره ، وكذلك اشتراط توقيت العقد بوقت محدد [108]فينفسخ العقد في الحال بدون حاجة إلى قضاء ، وتعتبر هذه الفرقة فسخ لا طلاق ؛ لأنه لا طلاق إلا بعد زواج صحيح [109]
المبحث الثاني : طروء حرمة المصاهرة
إذا زنى أحد الزوجين بأصل الآخر أو فرعه فإن الفرقة بين الزوجين تقع في الحال بدون حاجة إلى قضاء وهذا عند أبي حنيفة وأحمد ، ويلحق بالزنا عندهما : المس بشهوة والنظر إلى الفرج بشهوة ، بينما ذهب مالك والشافعي إلى أن الزنا ومقدماته لا يترتب عليهما حرمة بين الزوجين[110]
المبحث الثالث : الردة
المطلب الأول : تعريف الردة
لغة : الرجوع عن الشيء إلى غيره [111]
شرعاً : قطع استمرار الإسلام ودوامه ، ويحصل قطعه بأمور بنية كفر ، أو قطع الإسلام بسبب قول كفر أو فعل مكفر [112]
المطلب الثاني : ردة الزوج
إذا ارتد المسلم ، فإنه يندب عرض الإسلام عليه ، وهذا قول الجمهور ، فإذا أبى الإسلام وأصرّ على ردته ، قتل [113]فقد جاء في "مغني المحتاج" في المسلم إذا ارتد : " فإنه يتعين في حقه الإسلام ، فإن أبى قتل في الحال [114]
وإذا ارتد الزوج وقعت الفرقة بينه وبين زوجته في الحال ( وكانت فسخاً بدون قضاء ) سواء كان قبل الدخول أو بعده [115]
المطلب الثالث : ردة الزوجة
اختلف العلماء في ردة المرأة ، فذهب الجمهور إلى أن المرأة كالرجل في حكم الردة وأنها تقتل . أما الحنفية : فعندهم أن الرجل يقتل دون المرأة ، فهي تحبس وتعزر حتى تسلم أو تبقى في السجن [116]
وقد تقصد المرأة بالردة الخلاص من زوجها ؛ لذا فإن الإمام "مالك" يرى أنها إذا ارتدت بقصد فسخ النكاح فلا يترتب على ردتها طلاق ولا فسخ [117]
المبحث الرابع : خيار العتق
أجمع العلماء على أن الأمة إذا عتقت تحت عبد كان لها الخيار [118]وقد دلت الأحاديث النبوية على ذلك فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس : أن زوج بريرة كان عبداً يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس : يا عباس : ألا تعجب من حب مغيث بريرة ، ومن بغض بريرة مغيثاً ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو راجعتيه ، قالت : يا رسول الله تأمرني ؟ قال : إنما أنا أشفع ، قالت : لا حاجة لي فيه [119] .
وخيار العتق خاص بالأمة فقط ، فإن شاءت اختارت فسخ النكاح أو بقيت زوجة لزوجها العبد ، فتسقط حقها في فسخ النكاح [120]، لأن الساقط لا يعود [121]
أما وقت الخيار : " فاختلفوا (العلماء) أيضاً في الوقت الذي يكون لها الخيار فيه ، فقال مالك والشافعي : يكون لها الخيار ما لم يمسها ، وقال أبو حنيفة : خيارها على المجلس ، وقال الأوزاعي : إنما يسقط خيارها بالمسيس إذا علمت أن المسيس يسقط خيارها [122].
الفصل الثاني
فرق الفسخ المتوقفة على القضاء
المبحث الأول : اللعان
المبحث الثاني : إباء أحد الزوجين الإسلام
المبحث الثالث : عدم الكفاءة
المبحث الرابع : الغبن في المهر
المبحث الخامس : خيار البلوغ أو الإفاقة
المبحث الأول : اللعان
المطلب الأول : تعريف اللعان
لغة : المباعدة ، ومنه : لعنه الله : أي أبعده وطرده ، وسمي بذلك لبعد الزوجين من الرحمة ، أو لبعد كل منهما عن الآخر ، فلا يجتمعان أبداً [123]
شرعاً : جاء في "مغني المحتاج" : " كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد[124]
وفي "رد المحتار" : شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ، ومقام حد الزنا في حقها [125]
المطلب الثاني : صفة اللعان
اختلف الفقهاء في اللعان ، هل هو يمين أم شهادة ! فذهب الحنفية إلى انه شهادة ، لذا لا بد من توافر شروط الشهادة في كل من الزوجين ، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يمين مؤكد بالشهادة وهو القول الراجح [126]
وأما عن صفته فقد ذكر العلامة "ابن قدامة" : " أن يقول الرجل بمحضر من الحاكم أو نائبه أربع مرات : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي من الزنا ، ويشير إليها إن كانت حاضرة ، وإن كانت غائبة سمّاها ، ونسبها حتى تنتفي المشاركة ، ثم يقول : وإن لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ، ثم تقول المرأة أربع مرات : أشهد بالله إن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، وتشير إليه ، فإن كان غائباً سمته ، ونسبته ، ثم تقول : وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا " [127]
والأصل في صفة اللعان ومشروعيته ، القرآن والسنة . قال تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين . ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين . والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } [128]
وفي "فتح الباري" : أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية وفي حديث آخر عن سهل بن سعد أنها نزلت في عويمر ، ولفظه : " فجاء عويمر فقال : يا رسول الله : رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فأمرهما بالملاعنة "[129]
المطلب الثالث : آثار اللعان
يترتب على اللعان إذا حضره القاضي أو من ينوبه عدة أحكام [130]
1 - إسقاط حد القذف عن الزوج ، وكذلك حد الزنا عن الزوجة .
2 - وقوع الفرقة بين الزوجين بتفريق القاضي .
3 - وقوع الحرمة المؤبدة بينهما لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المتلاعنان لايجتمعان أبداً" [131]
4 - انتفاء نسب الولد عن الزوج إذا كان دعوى القذف بسببه .
المبحث الثاني : إباء أحد الزوجين الإسلام
المطلب الأول : إباء الزوجة الإسلام
إذا أسلم الزوج وحده وكان بينه وبين زوجته سبب من أسباب التحريم – كأن تكون أخته من الرضاع أو النسب أو غيرهما - فإن الفرقة تقع بينهما بدون حاجة إلى قضاء [132]وإن لم يكن بينهما سبب من أسباب التحريم وكانت زوجته كتابية بقي الزواج كما هو ، فقد جاء في "البدائع" : " فالنكاح بحاله ؛ لأن الكتابية محل لنكاح المسلم ابتداءً فكذا بقاءً [133]وإن كانت غير كتابية عُرض عليها الإسلام ، فإن أسلمت أو اعتنقت ديناً سماوياً كاليهودية أو النصرانية بقي الزواج ، وإلا فرّق بينهما [134]
المطلب الثاني : إباء الزوج الإسلام
إذا أسلمت الزوجة وكان بينها وبين زوجها سبب من أسباب التحريم وقعت الفرقة بينهما بدون حاجة إلى قضاء . وإن لم يكن هناك سبب للتحريم وعُرض عليه الإسلام سواء كان كتابياً أم غير ذلك وأسلم فإن الزواج يبقى كما هو ، وإلا فرّق القاضي بينهما [135]
وإذا أسلم الزوجان معاً ولم يكن بينهما سبب من أسباب التحريم فإن زواجهما يبقى كما هو [136]
المبحث الثالث : عدم الكفاءة
اختلف العلماء في اعتبار الكفاءة شرطاً في الزواج ، ومن اعتبرها شرطاً اختلف في كونها شرط صحة أو نفاذ أو لزوم . وعلى اعتبار الكفاءة شرط صحة أو نفاذ فإن العقد يعتبر فاسداً ولا تحتاج الفرقة إلى قضاء . أما على اعتبار الكفاءة شرط لزوم فإن العقد يعتبر صحيح ولكنه يقبل الفسخ [137]
ذكر الشيخ "الخطيب" في "مغني المحتاج" : أنها ليست شرطاً في صحة النكاح ، بل هي حق للمرأة والولي فلهما إسقاطهما ، وحينئذ : فإذا زوجها الولي المنفرد كأب أو عم كفء برضاها ، أو زوجها بعض الأولياء المستوين كأخوة وأعمام برضاها ورضا الباقين ممّن في درجته من غير كفء صح التزويج ؛ لأن الكفاءة حقها وحق الأولياء ، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم [138]
المبحث الرابع : الغبن في المهر
ليس كل غبن في المهر يكون مبرراً للتفريق . جاء في "رد المحتار" أن الغبن الفاحش هو : ما لا يتغابن الناس فيه ، أي لا يتحملون الغبن فيه احترازاً عن الغبن اليسير وهو ما يتغابنون فيه ، أي يتحملونه [139]
واختلف الفقهاء في التفريق للغبن في المهر :فيعتبر الحنفية مراعاة مهر المثل في النكاح شرط صحة ، وأحياناً شرط لزوم . فعلى اعتباره شرط صحة يكون العقد فاسداً ولا تحتاج الفرقة بذلك إلى قضاء ، أما على اعتباره شرط لزوم فإن العقد يكون صحيحاً ، وللمرأة أن ترفع أمرها إلى القاضي ليفسخ الزواج [140]ويرى المالكية أنه إذا زوّج المرأة الوصي دون مهر مثلها جاز فسخ النكاح لأنه لا ولاية إجبار عليها في حال كون المهر أقل من مهر المثل [141]وكذلك يرى الشافعية عدم جواز تزويجها بأقل من مهر المثل ، وإلا جاز فسخ النكاح [142]
المبحث الخامس : خيار البلوغ أو الإفاقة
أجمع العلماء على حق الأب في تزويج ابنته الصغيرة – وكذلك ابنه الصغير - دون رضاهما وذلك بحق ولايته عليهما [143]جاء في "مغني المحتاج" : " وللأب ولاية الإجبار وهي تزويج ابنته البكر صغيرة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة بغير إذنها بشروط : الأول : أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة ، والثاني : أن يزوجها من كفء مثلها ، والثالث : أن يزوجها بمهر مثلها [144]أما المجنونة فقد جاء فيها ، " ويزوج المجنونة أب أو جد ؛ لأنه لا يرجى لها حالة تستأذن فيها ، ولهما ولاية الإجبار في الجملة إن ظهرت مصلحة في تزويجها [145]ولكن هذا الزواج قد لا يبقى على صحته عند بلوغ أحدهما , وذلك إذا استخدما حقهما في فسخ هذا الزواج بخيار البلوغ ، فقد جاء في "الدر المختار" " لهما ، أي لصغير و صغيرة وملحق بهما خيار الفسخ ولو بعد الدخول بالبلوغ أو العلم بالنكاح بعده لقصور الشفقة [146]
أما وقت الخيار : فهو ساعة البلوغ أو الإفاقة إذا كان العقد معلوماً عندها ، أو وقت العلم به إذا عُلم بعد ذلك . ويسقط حق الخيار إذا استُدلّ على الرضا بالنكاح من قول أو فعل [147]ولكن السكوت يُعدّ رضا في حق البكر إذا كان بغير عذر وعليها أن تختار فور بلوغها وتشهد على ذلك ، بخلاف الثيب والغلام فالسكوت لا يعد رضا في حقهما . وإذا اختار صاحب الحق فسخ النكاح رفع أمره إلى القاضي للتفريق بينهما [148]
المبحث السادس : عدم الوفاء بالشرط
إذا اشترطت المرأة لنفسها شروطاً ملزمة في العقد فإن من حقها فسخ النكاح لعدم وفاء زوجها بتلك الشروط [149]
ويثبت حق الزوجة في فسخ النكاح على التراخي ؛ لأنه يثبت لتدفع الضرر عنها . ويسقط حقها في هذا الخيار بالرضا سواء كان بالقول أو الفعل [150]
أشار شيخ الإسلام "ابن تيمية" إلى أنه إذا لم يف الزوج بالشرط ، وقبل طلب الزوجة الفسخ قام بتطليقها ، فقياس المذهب أنها لا تملك الفسخ [151]
يتبع