إنَّ تشييع الجنائز حقٌّ من حقوق المسلم على أخيه المسلم, وهو قربةٌ مِنَ القربات, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قال: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا, فَلَهُ قِيرَاطٌ, وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ, فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» [متَّفق عليه].
وعنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «مَنْ اتَّبَعَ جنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا, فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْل أُحُدٍ, وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا, ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ, فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ» [رواه البخاري (47)].
وهي سبب من أسباب الاتِّعاظ وذكر الآخرة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «عُودُوا المَرِيضَ، وَامْشُوا مَعَ الجَنَائِزِ، تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ»(1).
فالقصد من تشييع الجنائز إذن, هو التَّقرُّب إلى الله تعالى وتَذَكُّرُ الآخرة, ومواطن القُرَب والتِّذْكار ممَّا يتطلَّب فيها الخشوع, وحضور القلب, وخُلُوُّ البال, مع الاعتبار.لذا كان من الأدب الشَّرعي والهَدْي النَّبويِّ في تشييع الجنائز, واتِّباعها؛ لزوم السَّكينة مع الصَّمت.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لاَ تُتْبَعُ الجنَازَةُ بصَوْتٍ وَلاَ نَارٍ»(2)، وهو عام يشمل كلَّ نار وكلَّ صوت.وعن قيس بن عُبَاد ـ وهو من أكابر التَّابعين من أصحاب عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه ـ قال: «كان أصحاب رسول الله ﷺ يكرهون رفع الصَّوت عند الجنائز, وعند القتال, وعند الذِّكر»(3).
ومثله عن الحسن البصري رحمه الله قال: «أدركت أصحاب رسول الله ﷺ وهم يستحبُّون خفض الصَّوت عند الجنائز, وعند قراءة القرآن, وعند القتال»(4).
فأفاد هذان الأثران أنَّ مِنْ هدي السَّلف ـ رحمهم الله ـ: خفض الصَّوت, والتزام السَّكينة حال تشييعهم للجنائز, بل كانوا ـ رحمهم الله ـ يعظِّمون الميِّت بذلك.
فعن أيُّوب السَّخْتِياني عن أبي قِلابة عبد الله بن زيد الجرمي ـ قال: كنَّا في جنازة, فرفع ناس من القصَّاص أصواتهم, فقال أبو قلابة: «كانوا يعظِّمون الميِّت بالسَّكينة»(5).
بل كان الواحد منهم ربَّما يريد أن يلقى صاحبه لحاجة تقع له عنده؛ فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السَّلام الشَّرعيِّ شيئًا؛ لشغل كلٍّ منهما بما هو فيه.يروى ذلك عن مُطَرِّف بن عبد الله ابن الشّخِّير رحمه الله: فعن صالح المُري ـ وهو ابن بشير ابن وادع الواعظ الزَّاهد ـ عن بُدَيل بن ميسرة العقيلي ـ قال: «كان مُطَرف يلقى الرَّجل من خاصَّة إخوانه في الجنائز فعسى أن يكون غائبًا؛ فما يَزيدُه على التَّسليم ثمَّ يُعْرضُ عنه اشتغالاً بما هو فيه»(6).
بل كانوا يكرهون رفع الصَّوت بالذِّكر ـ مِنْ قِراءةِ قرآنٍ أو تسبيحٍ أو تهليلٍ ـ خلفها؛ لأنَّ ذلك كله خلاف الهدي الأوَّل.
قال الشَّيخ عبد الرَّحمن البنَّا السَّاعاتي رحمه الله في شرحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه سابق الذِّكر: «وقوله: «ولا صوت» يشمل صوت النِّياحة والقراءة والذِّكر، وغير ذلك ممَّا يُفعل الآن أمام الجنائز, فكلُّ هذا منهيٌّ عنه لا يجوز فعله» اهـ(7).
بل كرهوا ـ رحمهم الله تعالى ـ قول الرَّجل خلف الجنازة: «استغفروا له», وعدُّوا ذلك من البدع المحدثة.قال أبو بكر بن المنذر في «الأوسط» (5/ 389 ـ 390): «وكره سعيد بن المسيب, وسعيد بن جبير, والحسن البصري, والنخعي, وأحمد, وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له، قال عطاء: محدثة, وقال الأوزاعي: بدعة... قال أبو بكر ـ ابن المنذر ـ: ونحن نكره من ذلك ما كرهوا»(8).
قال فضيل بن عمرو: بينما ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول: استغفروا له، غفر الله لكم، فقال ابن عمر: «لا غفر الله لك»(9).
قال في «الفروع» (2/ 206) (ط/ دار الكتب العلميَّة): «قال صاحب «المحرر» ـ وهو عبد السَّلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني أبو البركات ـ: ولم ينقل عن صحابيٍّ ولا تابعيٍّ خلافه إلاَّ ما روى أحمد عن أنس أنَّه شهد جنازة أنصاريٍّ فأظهروا له الاستغفار فلم ينكره(10), ولا يعارض صريح القول(11)» اهـ.
وعن بُكَيْر بن عُتَيْق العامري قال: كنت في جنازة فيها سعيد بن جبير, فقال رجل: «استغفروا له, غفر الله لكم»، قال سعيد ابن جبير: «لاغفر الله لك»(12).
وعن مغيرة ـ وهو ابن مقسم الضبي ـ عن إبراهيم ـ النَّخعي ـ قال: كان يُكْرَه أن يتبع الرَّجل الجنازة, يقول: «استغفروا له, غفر الله لكم»(13)، ومثله عن عطاء, والحسن(14).
قال أبو شامة المقدسي رحمه الله في «الباعث على إنكار البدع والحوادث» (ص92): «وإنَّما كره ذلك ـ أي ابن عمر ـ لِمَا فيه من التَّشويش على المشيِّعين الموفَّقين المفكِّرين في أحوالهم ومعادهم على ما أشارت إليه هذه الآثار» اهـ.
وقد بيَّن الإمام القدوة محمَّد بن سيرين رحمه الله أوَّل حدوث هذه البدعة وزمن ظهورها.
فعنه رحمه الله قال: «أوَّل ما سمعت في جنازة «استغفروا له»؛ في جنازة سعد بن أوس»(15).
فإذا كان هذا هو الموروث عن السَّلف رضي الله عنهم في الدُّعاء بالمغفرة والذِّكر؛ فكيف بما هو دون ذلك بكثير, بل كيف بما هو من حديث وفعل النَّاس اليوم؟!!
وعلى مثل ذا ـ أي: الموروث عن السَّلف ـ درج الأئمَّة الأعلام من هذه الأمَّة؛ من تعظيمهم لهذا الأمر وسلوكهم للأدب الشَّرعيِّ فيه:قال الإمام ابن قُدامة المقدسي رحمه الله: «ويستحبُّ لمتَّبع الجنازة أن يكون متخشِّعًا, متفكِّرًا في مآله, متَّعظًا بالموت, وبما يصير إليه الميِّت, ولا يتحدَّث بأحاديث الدُّنيا, ولا يضحك, قال سعد ابن معاذ: «ما تبعت جنازة فحدَّثت نفسي بغير ما هو مفعول بها», ورأى بعض السَّلف رجلاً يضحك في جنازة, فقال: «أتضحك وأنت تتَّبع الجنازة؟ لا كلَّمتك أبدًا» اهـ(16).
وقال الإمام النَّووي رحمه الله في «الأذكار» (ص320):«...وليحذر كلَّ الحذر مِنَ الحديث بما لا فائدة فيه، فإنَّ هذا وقتُ فِكْرٍ وَذِكرٍ تَقْبُح فيه الغفلة واللَّهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإنَّ الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌّ عنه في جميع الأحوال، فكيف في هذا الحال؟
واعلم أنَّ الصَّواب المختار ما كان عليه السَّلف رضي الله عنهم: السُّكوت في حال السَّير مع الجنازة، فلا يَرْفَع صوتًا بقراءة، ولا ذِكْرٍ، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنَّه أسكن لخاطره، وأجمع لفكره فيما يتعلَّق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحقُّ، ولا تَغْتَرَّنَّ بكثرة من يُخالفه، فقد قال أبو عليٍّ الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه : الزم طرق الهدى، ولا يضرُّك قلَّةُ السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين، وقد روينا في «سنن البيهقي» ما يقتضي ما قلته(17)».
وقال رحمه الله: (ص319):«باب ما يقوله الماشي مع الجنازة: يستحبُّ له أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى، والفكر فيما يلقاه الميِّت، وما يكون مصيره، وحاصل ما كان فيه، وأنَّ هذا آخر الدُّنيا ومصير أهلها»(18).
وقال أبوالعبَّاس أحمد بن يحي الونشريسي رحمه الله: وقد سُئل عمَّا يَفعله النَّاس في جنائزهم حين حملها من جهرهم بالتَّهليل والتَّصلية والتَّبشير والتَّنذير ونحو ذلك على صوتٍ واحد أمام الجنازة(19), كيف حكم ذلك في الشَّرع؟
فأجاب رحمه الله بمايلي: «السُّنَّة في اتِّباع الجنائز الصَّمت والتفكُّر والاعتبار، خرَّج ابن المبارك أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا اتَّبع جنازة أكثر الصَّمت وأكثر حديث نفسه، قال: فكانوا يرون أنَّه يحدِّث نفسه بأمرِ الميِّت وما يرد عليه وما هو مسؤول عنه(20)، وذُكر أنَّ مُطَرِّفًا كان يَلْقَى الرَّجلَ من إخوانه في الجنازة، وعسى أن يكون غائبًا، فما يزيد على التَّسليم يعرض عنه اشتغالاً بما هو فيه.
فهكذا كان السَّلف الصَّالح, واتِّباعهم سنَّة ومخالفتهم بدعة، وذكر الله والصَّلاة على رسول الله عملٌ صالح مرغَّب فيه في الجملة, لكن للشَّرع توقيت وتحديد في وظائف الأعمال, وتخصيص يختلف باختلاف الأحوال, والصَّلاة وإن كانت مناجاة الرَّبِّ، وفي ذلك قُرَّة عينِ العبد، تدخل في أوقات تحت ترجمة الكراهة والمنع، إنَّ الله يحكم ما يريد»(21).
وقال رحمه الله مرَّةً: لَمَّا سُئل عن الجَهر بالذِّكر أمام الجنازة على صوتٍ واحدٍ وكيف حكمه؟فأجاب رحمه الله: «إنَّ ذكر الله والصَّلاة على رسوله عليه السلام من أفضل الأعمال, وجميعه حسن, لكن للشَّرع وظائف وقَّتَها, وأذكار عيَّنها في أوقات وقَّتها, فوضعُ وَظيفةٍ مَوْضِعَ أخرى بدعةٌ, وإقرار الوظائف في محلِّها سُنَّة، وتلقِّي وظائف الأعمال في حمل الجنائز إنَّما هو الصَّمت والتَّفكُّر والاعتبار, وتبديل هذه الوظائف بغيرها تشريع, ومن البدع في الدِّين, وقد قيل في قوله تعالى: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ[النجم:32] نهي عن أن يزكِّي بعض النَّاس بعضًا تزكية السُّمعة والمدح للدُّنيا، وكأنَّ وَليَّ الميِّت يزكِّي ميِّته بذلك الفعل من قبل نفسه ليعتقد ذلك له ولميِّته»(22).
وجاء في «الموسوعة الكويتيَّة» (16/ 17) ما نصُّه: «وفي «السِّراج»: يستحبُّ لمن تبع الجنازة أن يكون مشغولاً بذكر الله تعالى, أو التَّفكُّر فيما يلقاه الميِّت, وأنَّ هذا عاقبة أهل الدُّنيا, وليحذر عمَّا لا فائدة فيه من الكلام, فإنَّ هذا وقت ذكرٍ وموعظة, فتقبح فيه الغفلة, فإنْ لم يذكر الله تعالى فيلزم الصَّمت, ولا يرفع صوته بالقراءة ولا بالذِّكر, ولا يغترّ بكثرة من يفعل ذلك, وأمَّا ما يفعله الجُهَّال من القراءة مع الجنازة؛ من رفع الصَّوت والتَّمطيط فيه؛ فلا يجوز بالإجماع...».أخي القارئ الكريم!.. هذا بعض أدب القوم الماضين ـ في هذه الشَّعيرة ـ الَّذين أمرنا باتِّباعهم واقتفاء آثارهم, إذ هم ـ والله ـ القوم الَّذين لا يشقى ولا يضلُّ مقتفي آثارهم.أمَّا المشاهَد والملاحَظ في جنائز النَّاس اليوم ـ أعني حال تشييعهم ـ, فهديٌ غير هدي القوم, وأدبٌ غير أدبهم.فالقوم كانت جنائزهم مواعظ للمذنبين, وذكرى للغافلين, وسببًا للفكرة فيما هم إليه صائرون وعليه قادمون, لذا كانت تعلوهم السَّكينة والخشوع والتَّضرُّع فيها حتَّى إنَّ صاحب المصيبة كان لا يُعْرَف من بينهم لكثرة حزن الجميع.أمَّا جنائزنا، وما أدراك ما جنائزنا! موطن الغفلة, واللَّهو, واللَّغط...,غيبة ونميمة..., رُكْنٌ للتَّعارف والصِّلات، حديث القوم منصبٌّ كلُّه فيما خلفه وتركه لورثته, لا يفكِّر بعض أقرانه وورثته إلاَّ في الحيلة الَّتي يتناول بها بعض ما خلفه.أمَّا القوم الَّذين أمرنا باتِّباعهم واقتفاء آثارهم؛ فإليك بيان حالهم:عن يحيى بن وثاب الكوفي (ت/ 103 هـ) ـ قال: «كانوا إذا كانت فيهم جنازة عرف ذلك في وجوههم أياما»(23).
وعن محمَّد بن سُوقَة ـ الغَنَوي ـ قال: زعموا أنَّ إبراهيم كان يقول: «كنَّا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميِّت يُعرف ذلك فينا أيَّامًا؛ لأنَّا قد عرفنا أنَّه قد نزل به أمرٌ صيَّره إلى الجنَّة أو النَّار, وإنَّكم تتحدَّثون في جنائزكم بحديث دنياكم»(24).وعن الأعمش ـ سليمان بن مهران ـ قال: «كنَّا نشهد الجنائز فلا ندري من نعزِّي لحزن القوم»(25).
وعن ثابت البناني قال: «كنَّا نتبع الجنائز فما نرى إلاَّ مقنَّعًا باكيًا أو متفكِّرًا»(26).
وعن يوسُفَ بن عَبد الله الحُلْوَانِيُّ، حدَّثنَا عثمان بن الهَيْثَمِ؛ قال : «كَانَ الحَسَنُ إِذَا عَادَ مَرِيضًا؛ لَمْ يَنْتَفِعْ بهِ أَهْلُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِذَا شَيَّعَ جِنَازَةً؛ لَمْ يَنْتَفِعْ بهِ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ وَإِخْوَانُهُ ثَلاَثًا»(27).
فجنائز القوم كانت نفعًا لهم ولإخوانهم, أمَّا جنائزنا فلا لنا ولا لإخواننا، بل ربَّما علينا ـ سلَّمنا الله ـ.وهنا أصلٌ لابدَّ لكلِّ مسلم أن يتدبَّره, ويلتزمه وهو: «أنَّ المؤمن لابدَّ أن يجتمع له في أعماله التَّعظيم لأمر الله والرَّحمة لعباد الله».
قال شيخ إسلام ابن تيمية رحمه الله: «فالمؤمن المتَّبع للسُّنَّة يحسن إلى الخلق ويطلب الأجر من الخالق، فيكون قائمًا بحقِّ الله وحقِّ عباده, قد أتى بحقيقة الصَّلاة، وهي أن يعبد الله وحده، وحقيقة الزَّكاة وهي الإحسان إلى الخلق, فيجتمع له التَّعظيم لأمر الله والرَّحمة لعباد الله, فيصلِّي على جنازة المسلم بقصد انتفاع الميِّت بالدُّعاء له وما يحصل له من الله من الأجر بإحسانه إلى الميِّت, ويزور قبر أخيه المسلم من الصَّحابة والتَّابعين وأهل البيت وغيرهم، بل من الأنبياء والمرسلين، كما يصلِّي على جنازته، فيسلِّم عليه، ويدعو له، فيرحم الله الميِّت باستجابة الدُّعاء، ويثيب الله السَّاعي في وصول النَّفع والرَّحمة على الإحسان» اهـ(28).
أخي القارئ الكريم! هذا هو مذهب الأئمَّة, والمأثور عن السَّلف من الصَّحابة والتَّابعين, لا يعلم لهم فيه مخالف, بل قد اتَّفق أهل العلم بالحديث والآثار أنَّ هذا الَّذي أُحْدثَ لم يكن على عهد القرون الثَّلاثة المفضَّلة(29), فتمسَّك به، وفَّقني الله وإيَّاك للتَّمسُّك بالسُّنَّة والجماعة، وأحيانا وأماتنا عليها برحمته, آمين، والحمد لله ربِّ العالمين.

(1) أخرجه أحمد (11180، 11270، 11445), والبغوي في «شرح السُّنَّة» (1503), وابن حبَّان (2955)، وإسناده حسن، أفاده الشَّيخ الألباني رحمه الله في «أحكام الجنائز» (ص87).
(2) رواه أبو داود (3171), وأحمد (9515، 1031، 10880), قال أحمد شاكر: «صحيح», وانظر: «أحكام الجنائز» (91).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» (11304), ووكيع في «الزُّهد» (211), وابن المبارك في «الزُّهد» (247), والبيهقي في «سننه» (4/ 74), والخطيب في «تاريخه» (8/ 91), وأبو نعيم في «الحلية» (9/ 58), وابن المنذر في «الأوسط» (3056).
(4) أخرجه عبد الرَّزَّاق في «مصنَّفه» (6281).
(5) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» (11303) (ط/ الرُّشد).
(6) أخرجه ابن المبارك في «الزُّهد» (245), ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (58/ 332).
(7) انظر: «الفتح الرَّبَّاني» (8/ 20).
(8) انظر: «الإشراف» له (2/ 343).
(9) رواه سعيد بن منصور في «سننه», على ماذكر ابن قُدامة في «المغني» (3/ 400 ـ عالم الكتب)، ولم أجده في المطبوع من «سننه».
(10) في «المسند» (4080)، وإسناده صحيح، كما قال الشَّيخ أحمد شاكر رحمه الله.قوله: «فلم ينكره» أي: أنس رضي الله عنه، وقال هُشَيْمٌ ـ وهو شيخ أحمد فيه ـ مَرَّةً إِنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ مَاتَ بِالبصْرةِ فَشَهِدَهُ أَنَسُ بن مَالِكٍ فَأَظْهَرُوا له الاسْتِغْفَارَ.
(11) أي: في النَّهي عن ذلك.
(12) أخرجه ابن أبي شيبة (11295), وعبد الرَّزَّاق (6243).
(13) أخرجه ابن أبي شيبة (11294).
(14) نفسه (11297 و11300).
(15) نفسه (11298).تنبيه: ولعلَّ سعد بن أوس هذا، هو نفسه الأنصاري الَّذي شهده أنس رضي الله عنه؛ بدليل أنَّ راوي الأثر فيه عن أنس رضي الله عنه هو محمَّد بن سيرين قائل: «أوَّل ما سمعت في جنازة»، وهو بصريٌّ، والجنازة كانت بالبصرة، ومن جهة أخرى: فإنَّ هذا الأمر لم يكن معهودًا عندهم, لذا قال فيه ما قال, كما أنَّ ظاهر الأثر عن أنس يدلُّ على أنَّ ابن سيرين شهد ذلك معه, وسواء كان هذا أو ذاك؛ فإنَّ أثر محمَّد ابن سيرين يدلُّ صراحةً على أنَّ هذا الَّذي أحدث لم يكن معهودًا، والله أعلم.
(16) «المغني» (3/ 397 ـ 397 ـ عالم الكتب).
(17) يريد أثر قيس بن عُبَاد.
(18) «الأذكار» (ص320), وانظر: «روضة الطَّالبين» (1/ 630 ـ عالم الكتب), و«المجموع شرح المهذَّب» (5/ 321).
(19) وللأسف الشَّديد فإنَّ هذه البدع لا تزال ساريةً في بعض جهات بلدنا, وهو ما يُعرف عند العامَّة باسم (الجلالة) ـ على حسب ما رأيناه وشاهدناه ـ كأنَّها سنن مأثورة, وكذلك الإحداث في الدِّين يفعل ويفعل، والله المستعان.
(20) في «الزُّهد» له (244), وابن أبي شيبة (11305): ضعيف، «ضعيف الجامع» (4425).
(21) «المعيار المعرب» (1/ 313 ـ 314).
(22) «المعيار المعرب» (1/ 314).
(23) أخرجه ابن أبي شيبة (36379).
(24) نفسه (36399).
(25) أخرجه ابن أبي شيبة.
(26) أخرجه ابن الجعد في «مسنده» (1397).
(27) أخرجه أبو بكر الدِّينوري المالكي في «المجالسة» (967 ـ بتحقيق مشهور), وابن قتيبة الدِّينوري في «عيون الأخبار» (1/ 274)عنسالم بن سالم البَلخيّ عن السريّ بن يحيى.
(28) «تلخيص كتاب الاستغاثة» (ص101), وانظر ما قبلها وما بعدها؛ فإنَّه في غاية الأهميَّة.
(29) انظر: «مجموع الفتاوى» (24/ 293، 294).
منقول من مجلة الإصلاح «العدد 14»