"جسر وظيفي" لمرحلة ما بعد التقاعد


السيد طنطاوي


أورد الباحث عبد الدائم الكحيل دراسة لفريق أمريكي ضم مختصين من جامعة "ميريلاند" عن مشكلة التقاعد وما يسببه من أزمات تصيب المتقاعد، فأثبت أن مرحلة ما بعد الحياة المهنية تشكل ما يمكن تسميته بالجسر الوظيفي، حيث يعمل الفرد في هذه المرحلة في وظيفة بدوام جزئي أو وظيفة مؤقتة، أو لحسابه الخاص، وتقول الدراسة إن الأشخاص الذين عملوا بعد تقاعدهم ضمن مجال مهنهم السابقة أظهروا تحسناً في الحالة النفسية لديهم، فيما لم يرصد ذلك عند من عملوا خارج مجالهم الوظيفي، ما عزاه الباحثون إلى حاجة الأخيرين إلى التأقلم مع بيئة عمل جديدة وظروف وظيفية مختلفة.
ويؤكد الباحثون على أهمية اختيار "جسر وظيفي" مناسب للأشخاص الذين بلغوا سن التقاعد، ليساعدهم على انتقال أفضل إلى مرحلة التقاعد الكامل، وهم في حالة صحية نفسية وجسدية جيدة.
وفي دراسة بريطانية وجدت ارتباطاً بين تأخير التقاعد من العمل وتأخر ظهور أعراض مرض الزهايمر (خرف الشيخوخة)، وأن الاستمرار في العمل بعد سن التقاعد قد يساعد على تجنب المرض. فإبقاء الدماغ نشطاً في وقت لاحق من العمر، يبدو أنه يقلل من فرص الظهور المبكر لمرض الزهايمر، بحسب دراسة شارك فيها 382 رجلاً من الذين تحتمل إصابتهم بالمرض، حيث وجد الباحثون ارتباطاً ظاهراً بين التقاعد المتأخر وتأخر ظهور أعراض المرض.
وكانت هذه الدراسة جزءاً من مشروع بحثي أوسع نطاقاً شارك فيه 1320 شخصاً مصاباً بالزهايمر، وقادها فريق بحث من معهد الطب النفسي بكلية الملك بجامعة لندن، ونشرت حصيلتها مؤخراً بدورية "المجلة الدولية لطب الشيخوخة النفسي".
ولم يجد الباحثون ارتباطاً بين مستوى تعليم المشاركين أو نوعية الأعمال والمهن التي يمارسونها وبين مخاطر واحتمالات الإصابة بالزهايمر، لكنهم وجدوا أن الأشخاص الذين تأخروا في التقاعد قد حافظوا على قدراتهم العقلية فترة أطول قبل الإصابة بالمرض.
ويرى مستشار صندوق أبحاث مرض الزهايمر وأحد مؤلفي الدراسة الدكتور سَيْمون لَفْستون أن التنشيط الفكري الذي يُحَصّله المسنون في مكان العمل قد يحول دون تدهور القدرات العقلية، وبالتالي يبقي الناس بعيداً عن المرض لفترة أطول.
وعندما جاء عصر المخترعات العلمية وبدأ العلماء يكشفون أسرار الطب والكون بما لديهم من العلم، اقترحوا مجموعة من التعاليم، وكان من بينها ما يسمى بسن التقاعد وهو غالباً ما يكون 60 سنة، حيث يقولون: إنه على الإنسان أن يرتاح من العمل بعد هذا السن ويجلس للاستراحة. ولكن في الإسلام لا يوجد سن للتقاعد؛ ففي مجال العبادات فإن المؤمن مطلوب منه تأديه العبادة حتى نهاية حياته، يقول تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر: 98-99)، واليقين هو الموت.
والسؤال لماذا لم يحدد الإسلام سناً للتقاعد؟ ولماذا نجد الرجل في الإسلام لا يزال يعمل أو يتعلم طيلة حياته، وحتى آخر لحظة طالما لديه القدرة على ذلك؟ والإجابة أن تعاليم الإسلام هي التي دعت إلى ذلك، ويعني شيئاً واحداً وهو صدق تعاليم الإسلام واتفاقها لذا فإنه ينبغي إعادة النظر في القوانين الموضوعة لتتفق مع القوانين الإسلامية في أن الإنسان يعمل مادام يملك طاقة للعمل، ولا يجوز أن يوقَف عن العمل إلا لأسباب صحية أو اجتماعية أو أسباب قاهرة.

نقلا عن جريدة "البيان" الإماراتية" بتصرف يسير