أيقظ الطفل النائم بداخلك


هدى محمد نبيه



هل هناك واحد منا لم يحن إلى أيام طفولته؟ والمرح في مراهقته؟ والانطلاق في شبابه؟ فكم من مرات تمنيت فيها مشاركة أطفالك أو أحفادك في ألعابهم، ومنعك الحرج والخجل من فعل ذلك، ألست تحن أحيانا إلى الخروج في رحلة مع بعض رفاقك كما كنت تفعل في مراهقتك وشبابك؟ ألم تفتقد إلى ضحكاتك التي كانت تملأ السماء والأرض.. قبل أن تصاب بصدمات الحياة، وتحمل نصيبك من همومها وأحزانها؟
إن الواحد منا بحاجه إلى أن يحن إلى طفولته وإلى مراهقته وإلى شبابه، فمن المؤكد أن مرحلة الطفولة النائمة بداخل كل واحد منا تتمنى أن تطل برأسها من وقت لآخر، فقد يعتقد بعض الناس اعتقادا خاطئا أن انتقاله من مرحلة عمرية لأخرى تستوجب علية الانسلاخ من المرحلة العمرية التي تسبقها، ثم ينخرط في المرحلة العمرية التالية بما فيها من خصائص جديدة، فحياة الإنسان عبارة عن مراحل متتالية ودرجات متعاقبة، فليس معنى صعودك لدرجه عمرية أعلى إلغاء الدرجة التي تسبقها، فالمراهقة لا تلغي الطفولة، والشباب لا يلغي المراهقة والطفولة، وبالتالي فإن الكهولة لا تلغي مرحلة الشباب والمراهقة والطفولة، فإذا ما وصلنا إلى مرحلة الشيخوخة فيمكننا أن نأخذ من المراحل التي مررنا بها ما يتناسب معنا وما نقدر على الاستمتاع به.
فما المانع من إنعاش حياتك من وقت لآخر، فالكثير منا قد يكون لم يستطع الاستمتاع بطفولته، أو مراهقته، أو شبابه لأي ظرف من الظروف سواء أكانت مادية أو اجتماعية أو نفسية، فما المانع من إحياء تلك المرحلة التي افتقدتها في حياتك، فنحن في أمس الحاجة لتصفح حياتنا الماضية لنسعد بجوانبها الجميلة، فأحيانا ما يجلس الفرد مع نفسه متذكرا ما مر به من آلام وجروح، فلماذا لا يتذكر ما بر به من أفراح ونجاحات؟!
والواقع أننا نفقد الكثير من المزايا والصفات التي كنا نتمتع بها كلما تقدم بنا العمر، فتتساقط تلك المزايا كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف، تختفي براءة الطفولة، وينتهي مرح الشباب وتفاؤله، ويتحول الجسم من الرشاقة والحيوية إلى التباطؤ والترهل، فما الذي يتبقى إذن بعد أن تساقطت كل المزايا وتوارت وراء حائط من التجاهل، نعم حائط من التجاهل، قد يعتقد البعض أنه مع تقدم العمر ينبغي عليه الركون في المنزل أو الجلوس على المقاهي أو مشاهدة التلفاز، وكأن العمر قد انتهى فلا يحق له الاستمتاع بحياته، فبفقده تلك المزايا وهذه الصفات يكون قد قتل بداخله كل المراحل العمرية التي مر بها من طفولة ومراهقة وشباب، فتصبح الحياة كما لو كانت درجة سلم واحدة يقف عليها، فلا يستطيع الصعود أو الهبوط، فيكون الملل والاكتئاب هما الصديقان الصدوقان له، فلا تسجن نفسك في مرحلة عمرية واحدة، بل عش كل المراحل بما تحمله من براءة ونشاط وأمل وتفاؤل.
حاول أن تعيش مع أطفالك أو أحفادك مراحلهم السنية المختلفة، فلا تطفئ في نفسك روح المرح، ولا تسمح لهموم الحياة بأن تطغى عليك، فحاول أن تشاركهم في ألعابهم فلو كانوا يلعبون بالصلصال الملون فشاركهم اللعب حتى ولو اتسخت يداك وتلونت به، فلا تحذرهم من اتساخ أيديهم وملابسهم بل عش معهم لحظة مرحهم دون خجل أو حذر.
وما الذي يمنعك من الخروج للنزهة في الأماكن التي كنت تفضلها في شبابك وتتوق نفسك للذهاب إليها مرة أخرى، فيمكنك اصطحاب زوجتك إلى الأماكن التي كنتم ترتادونها في بداية زواجكما، فتتذكرا معا لحظات من الحب قد ربطت بينكما، فيستعيد كلٌّ من القلب والروح نشاطهما، ولسوف يمدك هذا الشعور بطاقة نفسية إيجابية تسعد بها.
حاول أن تتذوق الجمال من حولك وتنبهر به، فالإحساس بالجمال والانبهار به يجعل حياتك أروع وأجمل، انظر إلى البحر بأمواجه وتخيل ما يحمله بداخله من أسماك وكائنات بحرية، راقب ذلك الطائر الذي ينقض على سمكة في البحر في جو عاصف وأمواج متلاطمة، لا يبالى فيها بسرعة الرياح ولا بشدة الأمواج، فكل ما يريده هو تلك السمكة التي يتوق إلى تذوقها، حاول أن تكون مثل ذلك الطائر الذي صمم على اصطياد السمكة، حاول أن تكون مثله ولكن عليك باقتناص السعادة، والتصميم على الوصول إليها، فلا تتقوقع داخل هذا النطاق الضيق الذي حبست فيه شخصيتك، وانفض عن نفسك ما أصابها من الدنيا من أحزان وهموم، وعد إلى طفولتك ومراهقتك وشبابك حتى تفرح وتمرح وتلهو، لكي تستمر في حياتك بسعادة وهناء.