أخلاقنا.. إلى أين؟


هدى محمد نبيه


نحن اليوم، وفي أغلب البلدان الإسلامية، في دور اليقظة، ومطلع النهضة، ولكل نهضة جسم وروح، ويتمثل الجسم في السياسة وما يتصل بها من قوانين وأنظمة، أما الروح فتتبلور في الأخلاق والعقائد والمثل العليا.
فهل ما نسعى إليه من تقدم ورقى قد امتد إلى الروح، أم اقتصر على الجسم وحده؟
أعترف أننا أمة تراجعت أمام الأمم بعد أن كنا نحمل راية السبق خفاقة في شتى الميادين العلمية منها والحضارية والثقافية والإنسانية، ونعترف أيضا بتقدم الغرب في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا وفي معظم العلوم الطبية منها والصناعية والعمرانية والاجتماعية.
فكيف لنا أن نعود إلى أخلاقنا الإسلامية التي قبسها منا الغربيون فأفلحوا ونجحوا؟!
الحاجة ستكون ماسة هنا لتضافر كل الجهود، بدءا من رب الأسرة في محيط أسرته، والمعلم في مدرسته، والكاتب في ما يصدره من مؤلفات...الخ.
عدم التعاون
ومن الأخلاق التي يجب أن نتخلص منها أننا لا نعرف التعاون، ولا نقدر أن نعمل مجتمعين، فالفرد منا عامل منتج، لكن الجماعة عاجزة عقيمة، فأنظر كم من فرد عربي نبغ وذاع صيته في الأوساط العلمية والأدبية، لكن في المقابل هل سمعت عن شركة أو مصنع أو مؤسسة أو حتى جمعية خيرية أو حزب تفوق وتميز وأصبح له شهرة وصيت في مجاله، اعتقد
أنك لن تجد هذا النوع من الاتحاد في أوساطنا العربية، نسمع يوميا عن أنواع عديدة من الماركات العالمية في السيارات وهواتف المحمول والأجهزة الكهربائية والملابس، فأين نحن من كل ذلك؟.
هل تعرف سبب وعلة ما نحن فيه؟ إنها الأنانية المفرطة، والأثرة الجامحة، وحب الذات، فالشخص منا يريد أن يكون كل شيء في الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها، يريد أن يستأثر بالفضل لنفسه، فإذا ما ظهرت مواهب أخرى في نفس مجاله عمل على تحطيمها والتقليل من شأنها، وهذا مالا يحدث في الغرب، فمتى وجدوا موهبة أو صاحب فكرة أو اختراع عملوا على تقويتها وتنميتها، فهم يهتمون بالكل أو المجموع يعملون على نهضة مؤسساتهم لا أشخاصهم، ويعتبر داء الأنانية وعدم التعاون من أشد أدوائنا الخلقية، إن لم نعالجه فسيؤدى ذلك إلى ضعف بنيان الأمة.
إضاعة الوقت
ومن الأخلاق التي يجب أن نبتعد عنها أننا لا نعرف قيمة الوقت، فنضيع أوقاتنا سدى، وتذهب أعمارنا في القيام بأشياء ليس لها قيمة، وإذا كان فينا من يحسن الاستفادة من وقته، وينفقه في علم أو أدب أو شيء مما يعود بالنفع على الناس، فلن يعدم من يضيع عليه وقته ويسرق لحظات ثمينة من عمره دون أن يتوهم انه أساء أو فعل ما يضر.
أتذكر يوما كنت ذاهبة لإحدى المحاضرات العلمية المهمة، وقد كنت متحمسة جدا لسماع المناقشات والحوارات التي سوف تدور في هذه المحاضرة، وحينما كنت في الطريق مسرعة فإذا بإحدى الزميلات تعترض طريقي، فحييتها وأفهمتها برفق أن عندي محاضرة مهمة قد حان وقتها، فقالت لي: لن أعطلك كثيرا ولكن هناك ما أود أن أخبرك به، وانطلقت في الكلام وما سكتت إلا بعد أكثر من نصف ساعة، وأنا احترق من داخلي، وما أن انتهت من كلامها حتى قالت لن أعطلك أكثر من ذلك، وهناك الكثير والكثير من الأمثلة التي توضح لنا مدى استهانتنا بالوقت، فلو أحصى الواحد منا ما يذهب من عمره هدرا في المقاهي، وفى الأحاديث التافهة، ومطالعة المجلات المؤذية، ومشاهدة البرامج التلفزيونية التي لا معنى لها، وقارنه بالوقت الذي يعمل فيه عمل نافع ومفيد ستجد أن أكثر من ثلاثة أرباع أعمارنا تضيع هباء.
فانظر إلى ذلك التلميذ الذي إذا ما داهمه الامتحان كيف يقرأ الكتاب في يوم أو اثنين بل ويحفظه كله، والموظف الذي يترك العمل يتكدس حتى إذا ما عرف أن هناك تفتيش ينجز ما عليه في سرعة، وهناك الكثير من الأمثلة التي توضح لنا أننا من أكثر الشعوب إهدارا للوقت، مقارنة بالشعوب الغربية فهم يستفيدون من أوقاتهم كل الاستفادة، فيقوم أحدهم في اليوم بأعمال لا تقوم بمثلها الجماعة عندنا في أسبوع، فلماذا لم نعد كأجدادنا الذين تركوا من الآثار العلمية والمؤلفات ما يملأ الأرض، فقد كانوا يحسنون الاستفادة من أوقاتهم، ولا يدعون دقيقة تمر إلا في عمل مفيد، أو راحة مقدرة، أو قضاء حق الله من عبادات.
التقليد الأعمى
إن التقليد الأعمى للغرب هو من أخطر الصفات التي بدأت تغزو عقول شبابنا العربي، وإننا نلاحظ هذا التقليد على الكثير من الشباب، ويظهر ذلك في قصات الشعر واللباس وطريقة الكلام والتعامل والاختلاط الغير محسوب من كلا الجانبين، بل والأدهى من ذلك أن بعض المدارس والجامعات أصبحت ساحة للتنافس في اقتناء السلاسل والأقراط في الأذن والخواتم بأحجامها غير الطبيعية والملابس الفاضحة، وربما الأغرب ما تفعله بناتنا المحجبات فهي ترتدي الحجاب ومعه البنطال الضيق وربما الكاشف لأجزاء عديدة في وسط الجسم والصدر، أين تقاليدنا العربية الشرقية الأصيلة، ومن المسئول عن هذا التردي المتصاعد؟ وهل يشكل هذا التقليد خطرا حقيقيا في سلوك أبنائنا؟ أم أنه في الشكل وليس في المضمون، وهل هو نوع من أنواع التحضر والتقدم في ظل هذا التقارب والانفتاح نحو العالم المنادي للعولمة والانفتاح؟!
أين دعاة الأمة الإسلامية؟ لماذا لا ينزلون إلى الشباب ويتحدثون إليهم؟ فالداعية ليس دوره على المنبر فقط، بل دوره يمتد لمن لا يذهب إلى منبره. أين دور الإعلام العربي الإسلامي المعتدل؟ أين البرامج الهادفة والدعاة اللذين يتحدثون بأسلوب يجذب الشباب ويحببهم في الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة. أين الآباء والأمهات؟ لماذا تركوا وظيفتهم الرئيسة في الجلوس مع أبنائهم ومصادقتهم والاستماع إليهم ورعايتهم وعدم تركهم للتيارات الجارفة لكل القيم والفضائل بدلا من أن يشغلوا أنفسهم بطاعة الله والعلم والثقافة والرياضة والشعر والأدب والإبداع في مناخ آمن يسوده الوضوح في الرؤيا والهدف، لخلق جيل واع وقادر على حمل مسؤولياته في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها الأمة وقد تكالبت علينا الأمم من كل حدب وصوب.
غياب القدوة الحسنة
لا يخفى على أي إنسان يعيش في عصرنا، ويرى واقعنا، ويشاهد إعلامنا، أننا نعيش أزمة غياب القدوة الحسنة، والتي تأخذ بأيدي الناس إلى الخير.
اليوم إذا أمعنت النظر إلى المجتمع سوف تشاهد أنه لا يوجد قدوة حسنة تشد الشباب ولذلك فهو يلجأ إلى قدوة أخرى مزيفة مثل الفنانين والممثلين ولاعبى كرة القدم، ناهيك عن تقليد الأجانب، هل هؤلاء هم القدوة الحقيقية لأجيال اليوم؟ وكيف وصلنا إلى الحد الذي نرى فيه فتيات ترتمي على الأرض لرؤية مطرب ما يغنى على المسرح من شدة إعجابها به؟ سمعنا عن نساء يقمن بعمل عمليات تجميل حتى يشبهن تلك المطربة أو هذه الفنانة هل صار هؤلاء هم القدوة الحقيقية لأبناء العرب؟
لماذا ابتعدنا عن شعار رسولنا قدوتنا؟ لماذا ابتعدنا وابتعد أبنائنا عن اتخاذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة في حياتنا، أين قصص الصحابة الأجلاء؟ لماذا لا تقتدي فتياتنا بأسماء بنت أبى بكر - رضي الله عنهما -، أين شبابنا من على كرم الله وجهه؟، لماذا لا نعايش كتاب الله وسنة المصطفى عمليًّا، ونستخرج منهما العبر والدروس، ونطبقها على أنفسنا قبل غيرنا؟، وأن نبذل غاية ما في وسعنا لتحقيق النموذج القدوة ولنتمثل شعار "الرسول قدوتنا" ونحوِّله إلى حقيقة واقعة في نفوسنا وواقعنا، وعلينا الاستعداد الذاتي المتمثِّل في طهارة القلب وسلامة العقل واستقامة الجوارح.