العنف ضد كبار السن: الوعي بالمشكلة.. طريق العلاج


رشا عرفة


تعد ظاهرة العنف بكافة أشكالها من أكثر المشاكل الاجتماعية التي حظيت باهتمام المعالجين والباحثين في جميع أنحاء العالم، وتعتبر جرائم العنف التي ترتكب بحق كبار السن من أخطرها، خاصة بعد أن تزايد معدل جرائم العنف ضدهم في الفترة الأخيرة.
وهذه الظاهرة سلطت الضوء عليها العديد من الدراسات التي أعدت مؤخرا، والتي حملت عناوين عدة كالعنف ضد المسنين، والعنف الأسري، وسوء معاملة المسنين، حيث أشارت إلى أن كبار السن يتعرضون يوميا لسوء المعاملة والعنف في العديد من دول العالم، وأن حالات العنف التي ترتكب بحقهم تنوعت ما بين العنف اللفظي المعنوي والعنف الجسدي المادي، وأن ما يساهم في زيادة معدل هذه الجرائم هو عدم إبلاغ المسن عما يرتكب بحقه من جرائم خوفا من فقدان مصدر رعايته، والذي يعتمد عليه بشكل أساسي، أو اعتقاده أنه لا جدوى من شكواه.
ومن المخجل في حوادث العنف ضد المسنين أنها ترتكب من قبل أقرب الناس لهم، فنجد بعض الأبناء الذين تجردوا من إنسانيتهم يُعَنفون بالضرب والإساءة اللفظية والديهم مما يحط من كرامتهم، ويعرضهم لمشاكل صحية ونفسية.
أشكال العنف
وتتخذ ظاهرة العنف ضد المسنين عدة أشكال منها العنف الجسدي، ويقصد به أي تصرف يؤدي إلى ألم جسدي عند كبار السن، مثل: الحرق، الضرب، الدفع، وعدم التنظيف والرعاية الجسدية... (إلخ)، والعنف النفسي، ويقصد به أي فعل يسبب ألم نفسي ومعاناة للمسن مثل: الاحتقار، عدم الاحترام، الحبس، التهديد، الإكراه والإجبار، عدم الاهتمام بالمتطلبات النفسية المتعددة، والعنف المادي، وهو أي فعل يصدر من الغير للسيطرة على أموال المسن أو مصادر دخله أو السرقة والنهب، أو إكراه المسن على التنازل عن ممتلكاته.
وبالنسبة لكبار السن الذين يستفيدون من خدمات المؤسسات، فتتمثل عوامل العنف ضدهم في فقر إمكانات هذه المؤسسات، مثل عدم ملائمة المسكن، أو نقص المرافق كغرف النوم أو غرف الطعام، أو قصور التجهيزات كغرف الكشف الطبي أو الترويح.
الأسباب
ويتوقف معدل زيادة تعرض المسن للإيذاء والعنف على عدة عوامل منها: ضعف القدرات العقلية للمسن؛ حيث أن ظهور تصرفات عدوانية وغير طبيعية من قبل المسن قد يؤدي إلى ردة فعل عنيفة عند من هم حوله.
وقد يتعرض المسن للعنف بسبب طمع المسيء في أشياء مادية يمتلكها المسن، كما أن العزلة الاجتماعية تلعب دورا في زيادة معدل جرائم العنف التي ترتكب ضد المسن فهي تزيد من معدلات الإساءة ضده، وتقلل من فرص اكتشاف هذه الإساءة ووقفها، ولذلك فإن كبار السن الذين يتركون تحت عناية الخدم هم أكثر عرضة للعنف من غيرهم الذين يتلقون الرعاية من أقربائهم.
ومن الأسباب أيضا: وجود شخصية عدوانية عند المسن نفسه، وتدهور حالة المسن الصحية؛ فالمسن المريض بالأمراض المزمنة قد يكون عاجزاً من الناحية الجسدية عن طلب المساعدة من الآخرين، أو عن الدفاع عن نفسه.
وأرجع المختصين أسباب إهدار حقوق المسنين وممارسات العنف ضدهم إلى عدم الوعي والالتزام الديني من قبل المعتدي، وكذلك الأطر الاجتماعية والسياسية التي أهدرت الحقوق الإنسانية وبالأخص حقوق المسنين عبر عزلهم وبشكل مباشر في دور العجزة.
ورأوا أن تعرض المسن للعنف قد يصيبه بالاكتئاب ويعرضه لمشاكل نفسية وصحية واجتماعية خطيرة تهدد حياته، وتجعل التعامل معه على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد؛ فهو يجعله يشعر بضعف الحيلة، والخزي والعار، والخوف، والقلق من التعامل مع المجتمع الخارجي.
المسنات الأكثر تعرضا للعنف
الدكتورة عزة عبد الكريم أستاذ علم النفس، والدكتور عزت حجازي الأستاذ غير المتفرغ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية‏ بالقاهرة أشارا في بحثهما الذي أعداه عن هذه الظاهرة إلى أن النساء كبيرات السن هم أكثر تعرضا للعنف من الرجال، لأنهن يعشن أطول‏، ويتسمن بالوهن العضوي، ما يجعلهن أضعف‏، ويترملن، ويعشن بمفردهن بنسبة أكبر من الرجال‏.
وأضاف الباحثان أن هذه الأسباب مهدت إلي ظاهرة تأنيث الجريمة ضد كبار السن‏؛ فالظروف التي يعشن فيها تجعلهن هدفا سهلا‏، وموضوعا مغريا للجريمة‏، ما يخلق فيهن شعورا بالخوف المبالغ فيه من إمكانية استهدافهن بالجرائم‏، وهو شعور يرسخه نقص الثقة في كفاية ما يتوافر لهن من حماية وأمن‏، خاصة أنهن مضطرات إلي الاعتماد علي غيرهن في تصريف بعض شؤون حياتهن.
قمة الجرائم
وأوضحا أن جريمة السرقة تأتي على قمة الجرائم التي ترتكب بحق المسنين وقد يصطحبهما أحيانا عنف كالضرب‏، وحين‏ يكون الجاني معروفا لدي المجني عليها‏، فإنه قد يتورط في القتل خوفا من افتضاح أمره.
وذكرت الدراسة أن الطمع عند النزاع علي الميراث‏، أفرز جرائم أخري أبرزها النصب والتزوير والطرد من السكن‏، وأن الجناة غالبا ما يكونوا من الأقارب، أو الخدم، أو الجيران أو الحرفيين، أو ممن يقدمون لهم الخدمات، وهذا يؤكد اتساع الهوة بين ما تحض عليه التعاليم الدينية والقيم‏, وبين واقع حياة كبار السن خصوصا الإناث‏.‏
الحلول
‏ورأى الدكتور عزت حجازي أنه لابد من السعي لاحتواء العنف ضد كبار السن‏، وحماية الأشخاص الأكثر تعرضا له‏، والتخفيف من وقعه عليهم‏، وأن هذا الأمر يحتاج إلي وعي عام ودراسات وبحوث ميدانية وغير ميدانية حتى يمكن أن نكشف عن طبيعة الظاهرة‏، وأبعادها الحقيقية‏، والدوافع إليها‏، والأساليب المؤثرة للتعامل معها‏، وأنه على كبار السن معرفة حقوقهم، والتي على رأسها ضرورة التبليغ عن حالة العنف التي يتعرضون لها.
بدورها أكدت الكاتبة الصحفية المصرية نعيمة عبد السلام على ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع وأفراده للكشف عن هذه المشكلة، ومحاربتها والقضاء عليها داخل مجتمعاتنا، وذلك عن طريق تغيير النظرة السلبية التي تتعامل بها إدارة مؤسسات رعاية المسنين مع موظفيها، وتسهيل أداء الطاقم المختص عبر توفير أجواء عمل طبيعية خالية من ضغوط العمل، والبحث عن مؤطرين مدربين ومحترفين، وفتح الباب للعمل التطوعي ليكون الأداء أفضل، على اعتبار أن المتطوع يؤدى عمله برغبة أكثر، فيقدم عملا أفضل، وأن على الأهل أن يكونوا على دراية بكيفية التعامل مع المصاب في حادثة عنف، كأن يكون لهم إلمام بالإسعافات الأولية.
وأضافت: على مؤسسات رعاية المسنين أن تهيئ الأجواء المناسبة داخلها بشكل يضطر فيه الموظفون إلى تحمل مسؤوليتهم، والتصدي لأي خطر قد يتعرض له المسن من قبل أي معتد من خارج المؤسسة، فضلا على أن القوانين الصارمة يمكن لها أن تحد من العنف ضد المسنين داخل البيوت أو في الأماكن العامة أو في مؤسسات الرعاية.