كبار السن ومشكلاتهم النفسية.. كيف يتمُّ التعامل معها؟


رشا عرفة




عندما تمرُّ بهم السنين، ويتقدَّم بهم العمر، ويُصيب أجسامهم الوهن والضعف، ويشعرون أنهم أفرادٌ غير منتجين بعد أنْ كانوا مصدراً للعطاء، وأنهم أصبحوا عِبْئًا على الأسرة والمجتمع بعد أنْ كانوا أصحاب الكلمة المسموعة؛ فيشعرون بالقلق من الحاضر، وبالخوف من المستقبل، ويفتقدون الأمان، ويشعرون بالعزلة الاجتماعية، مما ينعكس على حالتهم الصحية والنفسية بالسلب، فإما أنْ يبحثوا عن دارٍ للإيواء يأنسوا فيها بمن هم في مثل عمرهم، أو يفضِّلون البقاء في منزلهم حتى توافيهم المنيَّة، هذا هو حال معظم كبار السن، هذه الشريحة التي تُشَكِّلُ جيل الآباء والأساتذة والروّاد، الذين يدفعون ثمن انحسار العلاقات الاجتماعية، وغياب معاني الإخلاص والوفاء، وعدم القدرة على العطاء.
والمسنُّ -كما عَرَّفَتْهُ منظَّمة الصحة العالمية- هو: كلُّ من تجاوز الخامسة والستين من العمر، وتقاعد عن العمل لكبر سنِّه، وتدهورت حالته الصحية، ولقد اختارت لجنة خبراء منظَّمة الصحة العالمية سن الخامسة والستين؛ لأنَّ هذا السن يتَّفق مع سنِّ التقاعد في الغالبية العظمى من دول العالم.
ظروفٌ خاصة:

وللمسِنِّ ظروفٌ خاصةٌ يجب علينا مراعاتها؛ حتى نتمكَّن من التعامل معه، وخاصَّة في هذه الفترة الحرجة من العمر، فهناك مجموعة من التغييرات التي تُصاحب هذه الفترة، والتي تنعكس بدورها على الحالة النفسية والصحية له؛ كالتغييرات الفسيولوجية، فمع تقدُّم العمر تتأثَّر وظائف القلب والأوعية الدموية، وكذلك الجهاز التنفسي؛ مما يؤثِّر بدوره على القوة العضلية للمسنِّ، وتضعف قدرته على التحمُّل، وتَقِلُّ طاقاته، وكذلك تتأثَّر الوظائف الحسية، مثل التغييرات التي تُصيب العين والسمع، والتغييرات النفسية، حيث ترتبط مشكلات المسنِّين النفسية في عدم إتاحة الفرصة لهم للمشاركة والتكيُّف مع الوضع الجديد الذين وُجِدوا فيه؛ فيشعرون بالقلق على المستقبل، والخوف من الانهيار، والشعور بعدم جدوى الحياة، كما يشعرون بالوحدة، والعزلة والاغتراب؛ مما يُؤِّدي إلى اليأس والاكتئاب، وقد يُصاب المسنُّ بضعف الذاكرة بالنسبة للأحداث الجارية؛ كهروبٍ من آلام الحاضرِ، مع قوة تذكُّر الماضي، خاصة فترات النجاح، وقد تبرز المشاكل الوجدانية ذات المنشأ النفسي، وتُسمَّى اضطراباتٌ وظيفيةٌ؛ كالقلق، والوساوس المَرَضِيَّةِ، وقد يحدث انفصام عقلي يتمثَّل في ضعف الاتصال بالواقع.
ويلعبُ العامل الاجتماعي ودُورُ المجتمع دوراً كبيراً في إصابة المسنِّ ببعضِ الاضطرابات النفسية، فالعديد من الصعوبات النفسية التي تواجه المسنَّ قد تكون ناتجةً عن مواقف المجتمع تجاه الشيخوخة، فكلُّ فردٍ يتمنَّى أنْ يطول عمره، لكنَّه لا يحب أنْ يُصبح كهلاً، وتبرز المتغيِّرات التي تؤثِّر على صحَّة المسنِّ في تغيُّر دوره الاجتماعي، وتغيُّر أسلوبِ حياته، وتغيُّر المسارات الهامة الطويلة التي أمضى فيها المسنُّ حياته، والتي ترتبط بقدرته على التكيُّف، مثل: الإحالة للمعاش، وانتهاء الحياة الزوجية بوفاة أحد الزوجين، فُقدان الحياة الأسرية المستقلَّة، وعدم الاهتمام بالمستقبل، وتقبُّل المسنِّ الإعالة المادية المعنوية، وتقبُّله الخضوع لأبنائه، وتقبُّله الاشتراك في عضوية نادي المسنِّين.
احتياجات كبار السن:

ولكي نستطيع التعامل مع هذه الفئة العمرية؛ يجب علينا أولاً التعرُّف على احتياجاتِ هذه الفئة، فالمسنُّ له مجموعةٌ من الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

فبالنسبة للاحتياجات الاقتصادية: المسنُّ بحاجةٍ إلى نظامٍ يكفلُ له الحصول على دَخْلٍ يُناسب زيادة الأسعار فى السلع والخدمات، وبحاجة إلى وضعِ نُظُمٍ تكفلُ له الاشتراك في عمليَّاتِ التنمية والاستفادة بخبراته، مع إعادة تدريبه على الأعمال التي تتناسب وإمكانياته وقدراته، ويحتاج كذلك إلى معاونته على الموازنة بين موارده واحتياجاته، ومَنْحِهِ تيسيراتٍ في تكاليف الخدمات التي يحتاجها.
أما بالنسبة للاحتياجات الاجتماعية، فيحتاج المسنُّ دائماً إلى تعزيزِ علاقاته الاجتماعية حتى يزول إحساسه بالوحشة؛ نتيجة العزلة بعد ترك العمل، فكبار السنِّ يكونون في أمسِّ الحاجة إلى تدعيم علاقاتهم الاجتماعية؛ لمواجهة تلك التغيُّرات الاجتماعية، وفي مقدِّمة ذلك: احتياجهم إلى تدعيم علاقاتهم الأسرية، كما أنهم يحتاجوا أنْ يُساعدهم الأهل على قضاء احتياجاتهم، مثل: تناول الطعام، والقيام بالأعمال المنزلية، والحصول على العلاج الطبيعي.
وبالنسبة للاحتياجات الصحية فهم بحاجة إلى رعايةٍ صحيةٍ خاصةٍ، نتيجة إصابتهم بأمراض الشيخوخة، وإصابتهم بالوهن والضعف الجسماني.
وتزداد حاجة كبار السنِّ إلى برامج الرعاية الصحيَّة البدنية منها والنفسية، كلَّما تقدَّم بهم العمر، ومن الضروري العمل على توفير ما يحتاجونه من هذه البرامج، بحيث تكون متوافرة، وفي متناول أيديهم، وبالتكلفة التي يتحمَّلونها، سواء أثناء إقامتهم في مؤسَّسة أو في منزلهم.
وكذلك لكبار السنِّ احتياجاتٍ ترويحيةٍ، فهم بحاجة إلى ممارسة نشاطٍ محبَّبٍ لهم، يعبِّرون فيه عن مشاعرهم، ويُبرزون فيه مواهبهم، بحيث يتوافق مع شخصيَّتهم ورغباتهم واحتياجاتهم، ويُعتبر نادي المسنِّين بديلٌ تربويٌ جيدٌ، ففيه يجد المسنُّ ما يحتاجه، كما أنَّه يستطيع إقامة صداقاتٍ مع من هم في مثل عمره.
ولكبار السنِّ كذلك احتياجاتٌ ثقافيةٌ، فالمسنُّ يدَّخر ثروةً لا يُستهان بها من المعلومات والخبرات يستطيع معها العطاء والبذل لو أُتيحت له الفرصة المواتية، كما أنَّ قدرته على التعلُّم تظلُّ قوية في أغلب الأحيان، وتقوم المكتبات العامة بإشباع الاحتياجات التربوية والثقافية والروحية لكبار السنِّ من مُختلف المستويات الثقافية، ويُمكن لهذه المكتبات أنْ توفِّر لكبار السن الحصول على السُبُلِ الميسِّرة للقراءة؛ كالكتب المطبوعة بالنمط الكبير، والعدسات المكبرة لضعاف البصر، والكتب الناطقة للمكفوفين وغيرها.
ويحتاج المسنُّ كذلك إلى مجموعة من الاحتياجات النفسية، والتي تتمثَّل في إعداده لاستقبال مرحلة الشيخوخة عن طريق إعداد البرامج التدريبية له قبل سنِّ التقاعد، والتي تُخبره بأنَّ ما يطرأُ عليه من تغيُّراتٍ جسميةٍ وعقليةٍ أمرٌ طبيعي وعليه تقبُّلها؛ لأنَّ هذا هو إحدى دعائم الصحة النفسية، والتي تعرف كذلك بمرحلة الشيخوخة وخصائصها ومتطلَّباتها؛ للحفاظ على الصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية، وتُعَرَّفُ الفئات الأقل عمراً بحقوق كبار السنِّ، وضرورة احترامهم، وبأهمية توفير مناخٍ نفسي مريحٍ لهم، وقد يكون من الأساليب المفيدة في ذلك: محاولة إقناع المسنِّ بتقبُّل العادات والتقاليد؛ لأنَّ ذلك يُساعده على تحقيق التوافق الشخصي والاجتماعي، ويجعله يحظى بتقديرِ الجماعة واهتمامها.
رعاية خاصة:

و نظراً لما يطرأ على كبار السنِّ من مجموعةٍ من التغييرات التي تنعكسُ بدورها على صحَّتهم وحالاتهم النفسية، فهم بحاجةٍ إلى رعايةٍ خاصَّةٍ، وهو ما أكَّدت عليه الدراسات العلمية، حيثُ أشارت إلى أنَّ المسنَّ في حاجةٍ إلى نظامِ رعايةٍ صحي يكفل له الأمن الاقتصادي، والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية، ويكفل له المشاركة في عملِّيات التنمية والاستفادة من خبراته في مجال تخصُّصه، بما يتناسب مع إمكانياته الجسمية وقدراته العقلية، حتى يستطيع أنْ يُسهم في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي
للأبناء دور:

ويقع على الأبناء عبءٌ كبيرٌ في توفير الرعاية والعناية والتعاطف نحو آبائهم وأمهاتهم؛ لأنَّ الأب لا تتحقَّق له السعادة والإشباع النفسي والطمأنينة القلبية إلا إذا شعر بأنَّ أبناءه وبناته بارُّون به، متعلِّقون به، حريصون على راحته، فالأب المسنُّ والأم المسنَّة لا يستطيعان الاستغناء عن عطف وحنان أبنائهما؛ لذا فعلى الأبناء أنْ يعلَّموا أنَّ سلامة الحالة النفسية للمسنِّ تتطلَّب رعايةً نفسيةً صحيةً، وتأمين الاحتياجات المادية والنفسية من خلال تهيئة المناخ له؛ كي يحتفظ بدورٍ فاعلٍ في الحياة يُشعره بأهميَّته، وعليهم الصبر عليه، وحسن معاملته، ورعايته النفسية والاجتماعية، ومساعدته على تقبُّل نفسه كفردٍ له مكانته في المجتمع الذي يعيش فيه؛ حتى يستطيع التكيُّف مع الحياة الجديدة.

للدولة دور:

كما يجب على الدولة مساعدة كبار السنِّ على التكيُّف الاجتماعي، وعليها الاهتمام بدراسة الظروف النفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية لهم في المناطق والبيئات المختلفة، ويجب عليها أيضاً تشجيع ودعم الجمعيات التي تعمل في مجال رعاية المسنِّين، وإعداد المهنيِّين المسئولين عن رعاية المسنِّين من أطباء وأخصائيين نفسيين واجتماعيين وغير ذلك من المتخصصين في الشئون المتعلِّقة بالمسنِّين ومشكلاتهم، والعمل على توعية الفئات العمرية المختلفة بمشكلاتِ كبار السنِّ، وكيفية التعامل معها.
للمنظمات دور:

وكذلك يجب على المنظمات الحكومية وغير الحكومية أنْ تُساعد كبار السنِّ على التكيُّف مع وضعهم الجديد، حيث تقوم المنظمات غير الحكومية من جمعياتٍ واتحاداتٍ ونقاباتٍ وغيرها بعقد الندوات الثقافية لتوعية كبار السنِّ بخصائص هذه المرحلة، وإعداد كبار السنِّ المُقْبِلُون على التقاعد من خلال برامج التوعية، التي توجههم إلى ممارسة بعض الهوايات والفنون التي تخفِّف من ضغوط الحياة عليهم، كما أنَّ هذه المنظمات عليها استقطاب مساعداتٍ ماليةٍ من رجال الأعمال والمستثمرين للإنفاق على مشروعاتٍ من شأنها تقديمُ خدماتٍ صحيةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ لكبار السنِّ، وعليها الاشتراك مع المنظمات الحكومية في إعداد وتدريب الكوادر العاملة في مجال الرعاية المتكاملة لكبار السن، والارتقاء بمستوى التعامل الايجابي الفعَّال مع كبار السنِّ وفْقَ فهمٍ عميقٍ لاحتياجاتهم وظروفهم وأحوالهم الجسمية والنفسية والاجتماعية.
وعلى المنظمات الحكومية توجيه الجامعات ومراكز البحوث القومية لإجراء بحوثٍ ودراساتٍ في مجال طب المسنِّين والرعاية الاجتماعية، والتأهيل المهني لكبار السنِّ، والتوسع في إنشاء مستشفياتٍ متخصِّصةٍ لتقديم الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية لكبار السنِّ، بحيث يتمُّ الكشف الطبي على المسنِّ كل ستة أشهر أو سنة بصفة دورية؛ لتحقيق مفهوم الوقاية قبل تفاقم الحالة وطلب العلاج، وإنشاء مركزٍ قومي لإعداد وتأهيل كبار السن، تكون من مهامِّه قياس وتشخيص قدرات كبار السنِّ القادرين على الاستمرار في العمل، وتوجيهم للأعمال المناسبة لأعمارهم، وإقامة معارض وأسواق لتعريف منتجاتِ مشروعات كبار السنِّ بصفةٍ دائمةٍ أو دوريةٍ؛ لتشجيع المجتمع على الاهتمام بهذه الفئة العمرية واحترامها.