يقول الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح الواسطية -يقول شيخ الاسلام -(مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ )
-الشرح---الايمان جَمَعَ ثلاثة أشياء مهمة : القول والاعتقاد والعمل ، وأنه يزيد وينقص .
في كل واحدة من هذه الثلاث القول والعمل والاعتقاد خالَفَ فيها من خالَفَ .
فمن الناس ، من الطوائف المنتسبة إلى القبلة :
* من خالفوا في العمل ، فقالوا (الايمان قول واعتقاد) وهؤلاء الذين يُسَمَّونْ المرجئة ، أرجؤوا العمل عن مسمى الايمان ، فقالوا الايمان قول واعتقاد وأما العمل فليس من مُسَمَّى الايمان وإنما هو لازم له - يعني لابد أنه يعمل لكن لو لم يعمل ما خرج عن اسم الايمان - فجعلوا العمل مرجَأً عن اسم الايمان ، فقالوا الايمان قول واعتقاد فقط وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء .
ومن الطوائف التي تدخل في ذلك الماتوريدية والأشاعرة : هم يقولون إن الايمان قول واعتقاد إذا قال لا إله إلا الله محمد رسول الله واعتقد الاعتقاد الصحيح يعني أركان الايمان فإنه مؤمن ولو لم يعمل خيرا قط .
فقالوا العمل ليس داخلا في المسمى ، هو خارج عنه ، فهذه أول مخالفة .
هؤلاء يجعلون الكفر هو منافاة القول والاعتقاد ، لا يجعلون الكفر راجعا إلى العمل (يعني نقض الايمان ، نقض ذلك العقد بنقض القول أو بنقض الاعتقاد) .
فالعمل لمَّا لم يكن من مُسَمَّى الايمان فإنه لا يتصور أن يُنْقَضَ الايمان بعمل ، لم ؟
لأنه ليس داخلا عندهم في مسماه فليس ركنا من أركانه فلذلك لو تُرِكَ العمل أو جاء بعمل يقضي على أصل الاستسلام فإنه ليس داخلا في نواقض الايمان ولا رافعات الايمان لأنه غير داخل في الايمان أصلا .
* الطائفة الثانية من المرجئة الذين أرجؤوا الاعتقاد مع العمل جميعا ، قالوا (هو قول فقط) .
وهؤلاء هم الكَرَّامية (طائفة ذهبت ، وإن كان كثير من أهل العلم لا يطلق عليهم اسم الارجاء لكن في الواقع هم أرجؤوا الاعتقاد والعمل) لم ؟
قالوا لأن المنافقين اكْتُفِىَ منهم بالقول مع أن اعتقادهم باطل وعمل أولئك باطل وحصل منهم القول فقط وسماهم أو دخلوا في الخطاب ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا? ودخلوا بالخطاب بالإسلام فدل ذلك على أنه يُكتفي في الاسلام والايمان بالقول فقط .
* ومن المرجئة وهم الغلاة من قالوا : الايمان (اعتقاد فقط) يعني لا قول ولا عمل ، لا القول يُحتاج إليه ولا العمل يُحتاج إليه ، وإنما هو اعتقاد فقط ، اعتقاد الجَنان ، وهؤلاء هم الجهمية ومن وافقهم
وهؤلاء انقسموا : هل الاعتقاد يكون معرفة فقط ؟ أو اعتقاد بعقد القلب على صحة ذلك الشيء؟
* فغلاة الجهمية يقولون بالمعرفة فقط ويتبعهم في ذلك غلاة الصوفية ، يقولون يصح الايمان أو يبقى اسم الايمان بالمعرفة ، فيُطْلَقُ على من عرف أنه مؤمن ، فإبليس على لازم كلامهم مؤمن ، وفرعون على لازم كلامهم مؤمن لأنه أتى بالمعرفة .

* والذين قالوا إن الايمان هو الاعتقاد لا يُكتفي بالمعرفة فقط ، قالوا إن إبليس عنده معرفة ولم يسمى مؤمنا وفرعون عنده معرفة ولم يسمى مؤمنا فلهذا لا يصح إطلاق المعرفة فقط بل فلا بد من الاعتقاد ، أما القول والعمل فإنهما لازمان للاعتقاد ، فإنه إذا اعتقد اعتقادا جازما فلا بد له أن يقول ولابد له أن يعمل ، فصار القول عندهم والعمل من لوازم الاعتقاد الصحيح ، كما أن المرجئة - يعني مرجئة الفقهاء - قالوا إن العمل من اللوازم ، هؤلاء قالوا حتى القول أيضا من اللوازم لا يدخل في أصل الكلمة ، واستدلوا على ذلك على بأن أصل الايمان في اللغة هو التصديق الجازم ، وقالوا في الشرع لم يُنقَل إلى شيء آخر بل هو التصديق الجازم الذي هو الاعتقاد .
فهؤلاء جميعا خالفوا أهل السنة في هذه المسائل .
من المسائل المتصلة بالايمان أيضا أن الخلاف في الايمان مع المرجئة خلاف جوهري وليس خلافا صُوْرِياً .
ونقول ذلك لأن صاحب الطحاوية والشارح ابن أبي العز رحمهما الله جل وعلا قالوا إن العمل من لوازم الايمان وليس بداخل في أصله ، هذا قاله الطحاوي ، وشارح الطحاوية قال : إن الخلاف مع الذين يجعلون العمل من الايمان خلاف شكلي ، وليس خلافا حقيقيا ، خلاف صوري .
والجواب عن هذا :
* أن الخلاف حقيقي ، وذلك أن الأدلة دلت على أن العمل جزء من الايمان ، على أن العمل ركن من أركان الإيمان ، فإذا أَخرَجَ أحد هذا الركن عن حقيقة الايمان صار مخالفا في فهم الدليل ، وإذا خالف في فهم الدليل وترك فهم أهل السنة والجماعة للدليل فإنه خالف أهل السنة والجماعة في حقيقة تعريف الايمان .
* الثاني : أنه لو تُصُوِّرَ أن أحدا أتى بالقول والاعتقاد ولم يعمل شيئا البتة ، لا صلاة ولا زكاة ، لم يعمل خيرا البتة فهل هذا ينجو أم لا ينجو ؟
عندهم ينجو لأنه مؤمن ، وعند أهل السنة والجماعة هو كافر مخلد في النار .

* الثالث : أن نفي دخول العمل في مسمى الايمان قد يلزم منه أن لا يُجْعَل الخروج من الايمان بعمل ، وأهل السنة أخرجوا من الايمان بعمل ، بل إن الحنفية الذين قالوا إن الايمان قول واعتقاد ولم يجعلوا العمل من مسميات الايمان كفَّروا وأخرجوا من الايمان بأشياء يسيرة من العمل :
فجعلوا من قال مسيجد ومصيحف ونحو ذلك ، جعلوا هذا كفرا - هذا من جهة الأقوال - وجعلوا من عمل عملا كُفريا مثل إلقاء المصحف في قاذورة أو السجود لصنم ، جعلوه أيضاً كفرا ، مخرجا من الملة ، الجهة عندهم انهم كفَّروه بالعمل لمناقضته لأصل الاعتقاد .
نقول قد يلزم من جعل عدم العمل من الايمان ، من جعل عدم العمل والخلاف فيه صوريا مع أهل السنة قد يلزم منه الخلاف في التكفير ، وهذا قد حصل فعلا .
ولهذا نقول إن الخلاف الذي ذكره صاحب شرح الطحاوية من انه صوري وليس بحقيقي أن هذا ليس صوابا بل الصواب أن الخلاف حقيقي ولهذا صنف أهل السنة كتب الايمان وجعلوا فيها الأدلة على أن العمل من الايمان .
من أصول أهل الإرجاء أنهم يقولون لا يضر مع الايمان ذنب كما أنه لا تنفع مع الكفر طاعة .
لا يضر مع الإيمان ذنب يعني أن الإيمان شيء واحد يستوي فيه الناس جميعا فايمان أبي بكر وعمر وآحاد المؤمنين واحد ، كله واحد لأنه هو التصديق الجازم .
والتصديق الجازم اعتقاد وهذا لا يقبل المفاضلة ، فالتفاضل جاء بالعمل ، والعمل خارج عن مسمى الايمان عندهم فلهذا قالوا لا يضر مع الايمان ذنب .
فإذا وجدت الذنوب فإن أصل الايمان لا يتغير لأنه عندهم قول واعتقاد .
وهذا يدل على أن الخلاف معهم خلاف حقيقي وليس صوريا ، لأن من لوازم إخراج العمل عن مسمى الايمان أن يُجْعَلَ الذنب غير مؤثر في الايمان .
وفي هذا القدر كفاية[شرح الواسطية -للشيخ صالح ال الشيخ]