سرعة البديهة.. اكتسبها بالتدريب ولا تشعر بالتأنيب



رشا عرفة





كثيرا ما يوضع الإنسان في مواقف تتطلب منه سرعة الرد مثل تعرضه لهجوم لفظي أو تعرضه لأحد الأسئلة خلال مقابلة شخصية للحصول على وظيفة ما أو تلقيه نقد أو سؤال غير متوقع إن كان محاضرا، ولكن حينها يعاني الكثيرون من مشكلة انعقاد اللسان، والعجز عن الرد، وينـتابهم شعور غير مبرر بالضعف، ولا يخطر ببالهم ما يجب عليهم قوله في هذا الموقف إلا بعد بضع ساعات، فيظلوا يلقون باللوم على أنفسهم، لأنهم لم يستطيعوا الرد.

ومهما كان نوع الموقف الذي يقابل الإنسان، فإن الإنسان الذي يستطيع أن يعبر عن نفسه، ويرد بالرد المناسب يشعر بالرضا، والإنسان الذي لا يستطيع فعل ذلك، يشعر بالسخط، فلقد خانته عباراته، ولم يستطيع أن يوضح وجهة نظره، وكثيرا ما يتمنى أن يعاد هذا الموقف حتى يأتي بالتصرف والرد المناسب ، ويوصف الشخص الذي يمتلك القدرة على الرد بالقول المناسب بالشخص سريع البديهة، وهي ما تعرف بـ " الجواب المسكت، فمن يمتلك هذه الموهبة إذا فاجأته الخطوب أتاها بأسرع الردود، فلكل سؤال عنده جواب، ولكل موقف رد أيا كان.

المفاجأة:

وسرعة البديهة كما عرفها الكاتب عبد القادر الشيخلي في كتابه الذي يحمل عنوان "مهارة سرعة البديهة" هي سداد الرأي عند المفاجأة، ومظهر رئيسي من مظاهر ذكاء الفرد، وميزة جوهرية من مزايا الشخصية الإنسانية الجذابة والناجحة في الحياة الاجتماعية.

وعرف حاضر البديهة لغويا بالشخص سريع الرد عند المفاجأة، وقالوا البديهة هي الجواب الحاضر، وهي ليست إجابة فورية فقط، بل هي إجابة دقيقة تنم عن حكمة فريدة نادرة.

ويتصف الشخص الذي لديه هذه المهارة بحسن التركيز العقلي، وشدة الانتباه، وتناغم الأفكار، كما يتصف بالقدرة على استرجاع المعلومة المخزونة بسرعة، على العكس من الشخص الذي لا يتميز بسرعة البديهة، فيكون شارد الذهن، مشوش الأفكار، يتصف بالبطء في الإجابة الصحيحة، أو ضعف القدرة على استرجاع المعلومات.

وتتطلب سرعة البديهة استعداد عقلي، ويتمثل ذلك في الذاكرة أو التذكر، فهي تتصل بالاستخدام الرشيد والفعال للعقل، وهذه المهارة تتفاوت كماً ونوعاً بتفاوت مستوى ذكاء الفرد، كما يتطلب استعداد لغوي- ويتمثل ذلك في مخزون المعلومات التي اطلع عليها الفرد واستوعبها وخزنها في عقله- واستعداد نفسي، ويتمثل ذلك في الثقة بالنفس، والتصميم الصادق على اكتساب هذه المهارة وتنميتها.

أحد النماذج على سرعة البديهة ما تعرض له المؤلف الإيرلندي برنارد شو، عندما قابلة أحد الكتاب المغرورين وقال له " أنا أفضل منك .. فإنك تكتب بحثا عن المال وأنا أكتب بحثا عن الشرف"، فرد عليه برنارد شو على الفور: صدقت ... فكل منا يبحث عما ينقصه.

مكتسبة أم فطرية:

لكن ترى هل سرعة البديهة مكتسبة أم فطرية ؟ وهل هي ضرورية في حياتنا؟ وكيف نستطيع تنميتها؟

هذه الأسئلة حاولت "رسالة المرأة" الإجابة عليها من خلال لقائها ببعض الفتيات.

تقول فاطمة.م: أعتقد أن سرعة البديهة لا تخلو من الجانبين الوراثي والتعليمي، فمثلا هناك أشخاص يمتازون بسرعة البديهة لأن الله رزقهم مواهب تجعلهم سريعين في الرد والفهم وهذا ما يسمى بالوراثة، ونجد أشخاص لديهم سرعة في الرد في أمور ما قرأوا عنها الكثير، فحين يسألون في أمر ما من أمور الدين نجدهم يتحدثون بطلاقة لأنهم عالمين بهذا المجال، ومن وجهة نظري سرعة البديهة تنمو أكثر بالتعلم والتدريب.

ورأت دينا .هـ أنه على الرغم من أن سرعة البديهة موهبة من الله لا تخلو من تدخل الوراثة فيها إلا أن أى شخص باستطاعته وإن كان يفتقدها أن يمتلكها، وذلك من خلال الاحتكاك بالغير، فعليه أن يتواجد في مواقف يخافها، وأن يحرج نفسه أكثر من مرة.

وتابعت: أعلم أن ذلك سيكون صعب، ولكن بهذا سنكتسب الجرأة، وهي الداعم الرئيسي لسرعة البديهة والقراءة والتفكير.

واستطردت قائلة: كذلك علي الشخص أن يعيد التفكير في كل ما مر به من مواقف طوال يومه عندما يخلد للنوم، ليتعرف على المواقف الذي تردد فيها، وأحس بالندم لعدم تمكنه من الرد، حينها سيحلق في فضاء أوسع وسيتمكن من تكوين أكثر من رد لهذه الموقف، بهذا يتكون لديه في الذاكرة ردود جاهزة لهذه المواقف سرعان ما يجدها وقت الحاجة.

وبدورها أشارت هند.م إلى أن العامل الوراثي يلعب دورا لا بأس به في سرعة البديهة، ولكن التدريب المستمر، و شحذ القدرة على التركيز، وحضور الذهن في المواقف، يساعد حتما على تطوير قدرة الانسان على التصرف ببديهة عالية.

وتابعت: سرعة البديهة مهمة جدا لأى إنسان، لأنها الوحيدة التي تستطيع إخراجه من المواقف المحرجة التي تقابله في الحياة بأقل الخسائر.

فطري:

وبدوره أكد الدكتور محمد عبد العليم استشاري نفسي أن سرعة البديهة هي شيءٌ فطري ، ولكن يمكن للإنسان أن يحسن من مقدراته في هذا السياق، وذلك عن طريق تناول الغذاء المتوازن، الإكثار من الاطلاع، خاصةً في أنواع المعرفة المختلفة، ومن غير المواد الأكاديمية، وتحديد وقت لإنجاز المهام، والعمل على عدم تجاوزه بأي حال من الأحوال، وممارسة الرياضة بصورةٍ منتظمة، والنوم المبكر، والعمل على حفظ القران وتدبره، وإجراء تمارين ذهنية، كأن نفكر في شيء واحد في وقت واحد، لمنع تداخل الأفكار وتطايرها، وارتفاع الهمة والدافعية من أجل الإنجاز، ويكون ذلك عن طريق التحفيز الذاتي، والإصرار.
ووافقه في الرأي الكاتب عبد القادر الشيخلي الذي بين ذلك في كتابه الذي يحمل عنوان "مهارة سرعة البديهة": أن البديهة يمكن التدرب ذاتيا عليها،عن طريق الاستعداد العقلي واللغوي والنفسي، واقترح الكاتب في كتابه ثماني خطوات للتدريب العملي، تبدأ بالتفاؤل، وقراءة القرآن وإتقانه، والحفظ وتنشيط الذاكرة، والاستماع، وملاحظة النموذج الأدائي، والتفكير السليم، وتنمية النضوج العقلي، واستقطاب عناصر التفكير الإبداعي وهى كما يراها الكاتب، الأصالة، والطلاقة في التعبير والتداعيات والأفكار والمشكلات والأشكال، والمرونة، وملاحظة المشكلات، كذلك من خلال توفير الظروف الشخصية والبيئية.