أحكام زراعة الشعر وإزالته
د.سعد بن تركي الخثلان
أحكام زراعة الشعر وإزالته إعــــداد د. سعد بن تركي الخثلان عضو هيئة التدريس فـي كلية الشريعـــــة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بحث مقدم إلى ندوة (العمليات التجميلية بين الشرع والطب) التي تقيمها إدارة التوعية الدينية بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض فـي المدة من 11 ـــ 12 ذي القعدة 1427هـ الموافق 2 ـــ 3 ديسمبر 2006م
مقدمـة البحث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد:
فإن الله تعالى قد خلق الإنسان فـي أحسن تقويم، وأباح له التجمل والتزين (إن الله جميل يحب الجمال) ولكن وفق ضوابط معينة، ومما يدخل فـي زينة الإنسان فـي الجملة: الشعر، ولذا فإن عدم نباته يُعدَّ عيباً فـي الإنسان.
وقد تقدم الطب فـي الوقت الحاضر تقدماً هائلاً وأصبح بالإمكان زراعة الشعر فـي أي موضع من الجسم، كما أنه بالإمكان استئصال الشعر من أي موضع من الجسم، وهذه الزراعة وهذا الاستئصال تتعلق بهما أحكام شرعية فأحببت أن أكتب بحثاً فـي أحكام "زراعة الشعر وإزالته" وما يتعلق بهما من مسائل بطلب من إدارة التوعية الدينية بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض ضمن البحوث المقدمة لندوة (العمليات التجميلية بين الشرع والطب).
وقد جعلتُ هذا البحث فـي أربعة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:
المبحث الأول: حقيقة وصل الشعر والحكمة من النهي عنه.
المبحث الثاني: حكم زراعة الشعر والفرق بينها وبين الوصل المحرم.
المبحث الثالث: حكم إزالة الشعر بالطرق التقليدية.
المبحث الرابع: حكم إزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة.
خاتمة البحث وتتضمن أهم نتائج البحث.
وقد سلكت فـي إعداد هذا البحث منهجاً أصور فـيه المسألة إن كانت تحتاج إلى تصوير ثم أذكر حكمها الشرعي مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة وبكلام أهل العلم، وإذا كانت المسألة خلافـية فأذكر الآراء فـي المسألة وأدلة كل رأي ومناقشة ما يمكن مناقشته منها ثم أبين القول الراجح منها مع ذكر سبب الترجيح.
وأخرج الأحاديث الواردة فـي البحث من مصادرها، فإن كان الحديث فـي الصحيحين فأكتفـي بالعزو إليه وإلا خرجته من كتب السنن والمسانيد مبيناً آراء المحدثين فـي درجته.
وإذا كانت المسألة المراد بحثها طبية فأذكر حقيقتها الطبية وكلام الأطباء حولها مع التوثيق من كتب الطب قبل الدخول فـي بيان أحكامها الشرعية.
وبعد:
فموضوع هذا البحث كبير ومهم، ولا أزعم أنني قد استقصيتُ جميع جوانبه لكن حسبي أني أبرزت أهم جوانبه، ولعل ما كتبت يصلح لأن يكون نواة لبحوث أوسع.
والله أسأل الله أن يبارك فـي الجهود ويسدد الخطى ،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
د/ سعد بن تركي الخثلان
المبحث الأول
حقيقة وصل الشعر والحكمة من النهي عنه
اتفق العلماء على تحريم وصل الشعر فـي الجملة([1]) واستدلوا لذلك بالأحاديث التي فـيها النهي عن الوصل ولعن فاعله ومنها:
1-ما جاء فـي الصحيحين([2]) من ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
2-ما جاء فـي الصحيحين([3]) من عائشة رضي الله عنها أن امرأةً من الأنصار زوجت ابنة لها فمرضت وتساقط شعرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أنكحت ابنتي فاشتكت فتساقط شعرها أفاصل شعرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لعن الله الواصلة والمستوصلة). وفـي رواية لمسلم([4]) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنة عُرَيَّساً أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفاصله، فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
3-من جاء فـي الصحيحين([5]) عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة فحطبنا وأخرج كُبَّة من شعر فقال: ما كنتَ أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور، وفـي رواية أخرى([6]) أنه قال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا ويقول: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم).
وقد اختلف العلماء فـي المعنى الذي لأجله حرم الوصل، فذهب بعض العلماء إلى أن المعنى هو: تغيير خلق الله.
وإليه ذهب المالكية([7]) والظاهرية([8]) واستدلوا بقول الله تعالى عن الشيطان [ولأُضِلَّنَّهُم ْ ولآمَنِّيَنَّهُ مْ ولأَمُرَنَّهُم فليُبَتِّكُنَّ آذانَ الأنعامِ ولآمُرَنَّهم فليُغيِّرُنَّ خلْقَ اللهِ][9]).
واستدلوا كذلك بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) ([10]).
وذهب بعض العلماء إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو الانتفاع بجزء من الآدمي وإليه ذهب الحنفـية([11]).
وعللوا ذلك بأن الانتفاع بجزء من الآدمي امتهان من كرامته فلا يجوز([12]).
وذهب جمهور العلماء إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو التدليس والغش.
وإليه ذهب الشافعية([13]) والحنابلة([14]).
واستدلوا لذلك بما جاء فـي الصحيحين([15]) عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبّة من شعر قال: ما كنتُ أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني: الواصلة فـي الشعر.
والشاهد منه قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور ففـيه إشارة إلى علة النهي عن الوصل وهي ما فـيه من الزور والغش والتدليس.
وهذا القول الأخير هو الراجح ــ والله أعلم ــ لقوة ما استدلوا به فإن تسمية النبي صلى الله عليه وسلم له زوراً كالنص فـي علة النهي.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من الآية فإن هذا الاستدلال خارج محل النزاع إذ أن الآية إنما جاء فـيها الحديث عن تغيير الخلقة وهذا يكون بالجرح والتشويه كما فـي تبتيك آذان الأنعام والوشم وغير ذلك، والوصل غير داخل فـي ذلك.
وأما حديث ابن مسعود فليس فـيه ذكر للوصل وإنما جاء فـي سياق النهي عن الوشم والتفلج والنمص، وهذه الأمور تغيير الخلقة فـيها ظاهر بخلاف الوصل.
وأما ما علل به أصحاب القول الثاني بأن علة النهي عن الوصل أن فـيه امتهاناً لكرامة الآدمي فهذه دعوى ليس عليها دليل وقد دلّ الدليل بأن علة النهي هي ما فـيه من التزوير.
وبناءً على ترجيح هذا القول فإن وصل شعر المرأة بشعر آدمي محرم باتفاق العلماء، قال النووي رحمه الله: "إن وصلت المرأة شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، سواء كان شعر رجل أو امرأة لعموم الأحاديث ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه" ا. هـ([16]).
أما إذا كان الوصل بغير شعر الآدمي فإن كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي بحيث يدرك الناظر إليه لأول وهلة أنه غير طبيعي فلا يحرم الوصل سواء أ كان شعراً أم صوفاً أم وبراً أم قرامل([17])، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم وهي التدليس، أما إن كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي حتى يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي فـيحرم الوصل سواء أكان شعراً أم صوفاً أم وبراً أم خيوطاً صناعية أم غير ذلك، لأنه علة تحريم الوصل قد تحققت فـيه([18]).
المبحث الثاني
حكم زراعة الشعر والفرق بينها بين الوصل المحرم
تجري عملية زرع الشعر لمن يعاني من الصلع وسقوط شعر الرأس والحاجبين والأهداب واللحية والشارب وربما مناطق أخرى من الجسم.
ونقوم هذه الطريقة على أخذ شريحة من جلد فروة الرأس الذي يحتوي على شعر وزرعها فـي المكان الخالي، وفـيما يلي تفصيل إجراء هذه العملية الجراحية:
1-تُجرى العملية تحت التخدير الموضعي بحيث لا يحس المريض بأي ألم، وفـي الوقت نفسه يكون واعياً بما يجرى حوله.
2-يتم تحديد المنطقة المانحة (التي يؤخذ منها الشعر) خلف الرأس، وعادة ما تكون بعرض 1 سم وطول 15 سم.
3-تُسْتأصل شريحة من مؤخرة حس فروة الرأس بحيث تحتوي على كمية وافرة من بصيلات الشعر.
4-تُقفل فروة الرأس باستخدام خيوط أو دبابيس جراحية، وتلتئم بسرعة، ويختفـي أثر العملية بعد عدة أشهر.
5-تُقطَّع الشريحة إلى قطع صغيرة، ثم إلى بصيلات شعر عديدة.
6-يتم إحداث عدة ثقوب صغيرة جداً باستخدام إبرة رفـيعة فـي المنطقة التي يحددها الجراح لزراعة الشعر فـي مقدم الرأس وأعلاه.
7-تُزرع بصيلات الشعر فـي المناطق المحددة بطريقة متفرقة بحيث تعطي منظراً طبيعياً عند نموها، كما تسمح الفراغات التي بين بصيلات الشعر بوصول الدم إليها.
8-تستغرق العملية عدة ساعات بناءً على عدد بصيلات الشعر المطلوبة.
9-يذهب المريض إلى البيت فـي اليوم نفسه.
10-يتساقط الشعر المزروع خلال ثلاثة أسابيع أو أربعة، لكنه يبدأ دورة نمو جديدة ليظهر بعد مدة (12 ــــ 16 أسبوعاً) من عملية الزراعة.
وللحصول على نتائج أفضل يمكن تكرار الجلسات (2 ـــ 5 جلسات) لملء الفراغات التي بين بصيلات الشعر([19]).
وبعد هذا البيان لكيفـية إجراء عملية زرع الشعر من الناحية الطبية ننتقل بعد ذلك لبيان حكم زرع الشعر من الناحية الشرعية، وقد اختلف فـيه العلماء المعاصرون على قولين:
القول الأول: جواز زراعة الشعر. ومن أبرز من قال بهذا القول الشيخ محمد العثيمين([20]) ـــ رحمه الله ـــ، وقال به كثير من العلماء المعاصرين([21]).
القول الثاني: تحريم زراعة الشعر. وقال به بعض العلماء المعاصرين([22]).
أدلة القول الأول:
1-ما جاء فـي قصة الثلاثة من بني إسرائيل وفـيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً ...، فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحبُّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً ..) الحديث([23]).
ووجه الدلالة: أن الملك مسح على هذا الأقرع فذهب عن قرعه وأعطي شعراً حسناً فدل ذلك على أن السعي فـي إزالة هذا العيب واستنبات الشعر الحسن لا بأس به، إذ لو كان محرماً لما فعله الملك.
2-أن زرع الشعر ليس من باب تغيير خلق الله أو طلب التجمل والحسن زيادة على ما خلق الله ولكنه من باب ردّ ما خلق الله عزّ وجلّ وإزالة العيب، وما كان كذلك فإن قواعد الشريعة لا تمنع منه([24]).
3-أن الصلع والقرع يعتبر عيباً فـي الإنسان يجد من أصيب به الألم النفسي والازدراء من الناس، وفـي قصة الأبرص والأقرع والأعمى لما سئل الأقرع: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، وزراعة الشعر هي من باب علاج هذا العيب، وقد دلت الأدلة الكثيرة على جواز العلاج والتداوى من الأمراض والعيوب التي تقع للإنسان، قال النووي ــ رحمه الله ــ فـي شرحه لحديث ابن مسعود رضي الله عنه (فـي لعن النبي صلى الله عليه وسلم للواشمات والمستوشمات ....): "أما قوله: (المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلباً للحسن، وفـيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب فـي السن ونحوه فلا بأس. ا. هـ([25]).
فبين رحمه الله أن المحرم ما كان المقصود منه التجميل والزيادة فـي الحسن، وأما ما وجدت فـيه الحاجة الداعية إلى فعله فإنه لا يشمله النهي والتحريم([26]).
أدلة القول الثاني:
أن زراعة الشعر تدخل فـي الوصل المحرم شرعاً فتكون محرمة.
الترجيح:
بعد عرض قولي العلماء فـي المسألة وأدلتهم يظهر ـــ والله أعلم ــ أن الراجح من القولين فـيها هو القول الأول وهو جواز زراعة الشعر لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول.
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني من أن زراعة الشعر تدخل فـي الوصل المحرم شرعاً فغير مسلم للفرق بين زراعة الشعر والوصل، وأبرز وجوه الفرق بينهما ما يأتي:
1-فـي الوصل يضاف إلى الشعر شيء آخر غير الشعر الأول وهذا المضاف إما أن يكون شعراً أو غيره، وفـي زراعة الشعر المضاف هو الشعر نفسه مع جزء من الجلد يحوي بصيلات الشعر، وغاية ما هنا لك أن الشعر ينقل من مؤخر الرأس إلى مقدّمه أو إلى الموضع الذي يراد زراعة الشعر فـيه.
2-تكون الإضافة فـي الوصل من شخص (أو شيء) آخر، أما فـي زراعة الشعر فإن الشعر المزروع يكون من الشخص نفسه غالباً.
3-أن الشيء المضاف (الشعر أو غيره) يوصل ويربط بالشعر الأول، ولذا سمي وصلاً، فالشعر الموصول يُضاف ويُشد إليه ليكثر بالإضافة، وأما زراعة الشعر فإنها تختلف عن ذلك، فإن الشعر المزروع يُغرس فـي فروة الرأس ــ أو فـي الموضع الذي يراد زراعته فـيه ـــ مباشرة، وليس بينه وبين الشعر الأول اتصال، إذ تكون الزراعة فـي منطقة خالية أو شبه خالية من الشعر (غالباً).
4-أن الهدف من وصل الشعر: تكثير الشعر الأصلي وتطويله وإظهاره كما لو كان غزيراً، لكنه لا ينمو ولا يزيد فـي طوله وكثافته، أما فـي زراعة الشعر فإن الشعر الذي ينشأ عن البصيلات المزروعة ينمو وتزيد كثافته ويمكن قصه وحلقه فهو إعادة للرأس إلى خِلْقته الأصلية وليس مجرد إيحاء كاذب بكثرة الشعر كما فـي الوصل.
5-أن المقصود فـي الوصل هو الشعر الموصول نفسه فهو الذي سيظهر على الرأس، أما فـي زراعة الشعر فالمقصود وهو بصيلات الشعر الموجودة فـي شريحة الجلد، أما الشعر المزروع نفسه فإنه يتساقط بعد عدة أسابيع، وبعد ثلاثة أشهر أو أربعة ينمو الشعر الجديد الذي يبقى على الرأس.
6-أن الوصل كثيراً ما يستعمل مع وجود الشعر، وحينئذ فالهدف من التظاهر بطول الشعر وجماله، أما زراعة الشعر فلا تجري إلا لمن يعاني من الصلع أو عدم وجود الشعر فـي مناطق معينة من الجسم وقد تجري فـي حالة قلة كثافة الشعر وتباعده أي أن وصل الشعر خداع وتغرير، وزراعته علاج.
ومما سبق يتبين أن زراعة الشعر تخالف وصلة فـي المعنى والغاية([27]).
وهذه الزراعة تشمل زراعة الشعر بجميع أنواعه فتشمل زراعة شعر الرأس ــ وهو الغالب ـــ، وزراعة شعر اللحية، وزراعة شعر الشارب، وزراعة شعر الحاجبين والأهداب وغيرها من مواضع الجسم.
والقول بجواز زراعة الشعر مقيَّد بما إذا كان يقصد بها إزالة العيب وردّ ما خلقه الله تعالى، أما لو كان المقصود بالزراعة طلب الحسن والتجمل وليس هناك عيباً فـي الإنسان كأن يكون شعر الرأس حسناً وكثيفاً لكن يريد بزراعة الشعر أن يكون شعره أكثر حسناً وغزارة فالأقرب ــ والله أعلم ـــ أنه لا يجوز زراعة الشعر فـي هذه الحال لما فـيه من تغيير خلق الله تعالى، وإذا كان الوشم والنمص والتفليج طلباً للحسن يعتبر من تغيير خلق الله، فزراعة الشعر التي يراد بها طلب الحسن ــ وليس إزالة العيب ــ أولى بأن تعتبر من تغيير خلق الله، والله تعالى أعلم.
المبحث الثالث
حكم إزالة الشعر بالطرق التقليدية
يعتبر الشعر زينة وجمال للإنسان إلا أن وجوده أو كثافته فـي بعض مناطق الجسم قد يشوه المنظر ويذهب بالبهاء والحسن خاصة عند المرأة، كما أنه قد يكون وكراً لتجمع الأوساخ والقذر فـي مواضع معينة من الجسم.
ولهذا فقد تعددت طرق إزالة الشعر، وقد وجد لدى الناس من قديم الزمان طرق تقليدية لإزالته، ويوجد فـي الوقت الحاضر تقنيات طبية حديثة لإزالة الشعر، وأبرز الطرق التقليدية لإزالة الشعر:
1-إزالة الشعر بالحلاقة، وهذه الطريقة هي أشهر الطرق وأكثرها استعمالاً.
2-إزالة الشعر بالنتف إما باليد أو عن طريق ما يعرف بالشمع أو الحلاوة أو غيرهما.
3-اقتلاع الشعر بالملقاط، وهذه الطريقة تستخدم لإزالة الشعر القليل من مناطق محددة من الجسم.
4-مزيلات الشعر الكيميائية عن طريق مستحضرات طبية على شكل مراهم أو سوائل تحدث تحللاً فـي الشعر فـيتكسر على سطح الجلد([28]).
وحكم إزالة الشعر يختلف باختلاف موضع الشعر المراد إزالته فقد يكون مندوباً إليه وقد يكون محرماً وقد يكون مباحاً ولذلك فقد قسم العلماء الشعور إلى ثلاث أقسام:
- القسم الأول: ما نص الشرع على تحريم إزالته.
- القسم الثاني: ما نص الشرع على طلب إزالته.
- القسم الثالث: ما سكت عن الشرع([29]).
أما ما نص الشرع على تحريم إزالته فكلحية الرجل فإنه يحرم إزالتها بحلق أو بغيره فـي قول أكثر العلماء([30])، "بل حكى بعض العلماء الإجماع عليه، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: "اتفقوا على أن حلق جميع اللحية مثله لا تجوز". ا. هـ([31]).
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـــ رحمه الله ــ: "لا أعلم أحداً من أهل العلم قال بجواز حلق اللحية"([32]) ا. هـ([33]).
وقد استدلوا بما جاء فـي الصحيحين([34]) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)، وفـي لفظ للبخاري (أعفوا اللحى)، وفـي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة (أرخو اللحى)، وفـي رواية أخرى له (أوفوا اللحى).
قال النووي رحمه الله: فحصل خمس روايات: أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه". ا. هـ([35]).
والمراد بإعفاء اللحية: تركها وعدم التعرض لها، وليس المراد بذلك: معالجتها بما يكثرها، وإن كان الإعفاء قد يطلق على التكثير كما قال البخاري فـي صحيحه([36]) (باب إعفاء اللحى، وعفوا: كثروا وكثرت أموالهم) قال ابن دقيق العيد: "تفسير الإعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب؛ لأن حقيقة الإعفاء: الترك، وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها قال: ولا أعلم. أحداً فهم من الأمر فـي قوله (وأعفوا اللحى) "تجويز معالجتها بما يغزرها" اهـ([37]).
وبناء على ذلك فإن معالجة اللحية بما يكثرها ويغزرها ومن ذلك زراعتها إن كان ذلك طلباً للحسن والظهور بمظهر معين فإن الأقرب فـيه: المنع لكونه يدخل فـي التغيير لخلق الله([38])، لأنه إذا كان أخذ شيء من شعر الحاجبين ــ وهو النمص قد عدّه النبي صلى الله عليه وسلم تغييراً لخلق الله فمن باب أولى زيادة شعر اللحية ــ طلباً للحسن ــ فـيه تغيير لخلق الله.
ولا يدخل فـي ذلك ما كان من باب العلاج وإزالة العيب كأن تتساقط اللحية لمرض أو حرق ونحو ذلك فتجوز زراعتها فـي هذه الحال كما سبق بيان ذلك.
ومما نص الشرع على تحريمه: النمص ففـي الصحيحين([39]) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)... وما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اتفق العلماء على تحريم النمص وإن اختلفوا فـي بعض القيود([40])، فذهب بعضهم إلى أنه محرم إلا إذا أذن الزوج بذلك فـيباح([41])، وذهب بعضهم إلى أن المحرم هو النتف، وأما الحلق فـيجوز، لأن النص إنما ورد فـي النتف([42])، وذهب بعضهم إلى أن النمص المحرم هو ما كان فـيه تدليس أو أنه شعار للفاجرات وما عداه يجوز([43]).
والأقرب ـــ والله أعلم ـــ تحريم النمص مطلقاً سواء كان بطريق النتف أو بطريق الحلق، وسواء أذن فـيه الزوج أو لم يأذن، وسواء كان شعاراً للفاجرات أو لم يكن، وذلك لعموم النص، ولأن التقييدات المذكورة ليس عليها دليل ظاهر وإنما هي مبنية على علل لا تقف فـي مقابلة النص.
ولكن هل يختص النمص بشعر الحاجبين أو يشمل شعر الوجه؟ اختلف العلماء فـي ذلك على قولين:
القول الأول: أن النمص نتف الشعر من أي مكان من الوجه سواء كان من الحاجبين أو من غيرهما. وهذا هو المنصوص عليه من مذهب الحنابلة([44])، وقال به بعض الشافعية([45]).
واستدلوا لذلك بما أن النص الوارد فـي تحريم النمص قد جاء عاماً وقد فسره بعض أهل اللغة بأخذ الشعر من الوجه([46]).
القول الثاني: أن النمص خاص بأخذ شعر الحاجبين فقط وقال به
أبو داود صاحب السنن([47])، وبعض الفقهاء([48]).
واستدلوا لذلك بأن حديث ابن مسعود قد ورد بلفظ (المتنمصات)، والمتنمصات جمع متنمصة وهي التي تطلب أن يُفعل بها التنمص، وهو من باب تفعل أو معناه التكلف والمبالغة فـي إزالة الشعر من الوجه، ولا تتحقق المبالغة فـي إزالة الشعر من الوجه إلا فـي الحاجبين؛ لأنهما المحل الطبيعي لظهور الشعر فـي وجه المرأة، فإذا بالغت المرأة فـي نتف شعر الحاجبين للتجمل والتحسين كأن تزيلهما كلياً أو ترققهما حتى يصيرا كالقوس أو الهلال فهو النمص المنهي عنه([49]).
ولعل هذا القول الأخير ـــ والله أعلم ــ هو الأقرب ويؤديه أن ظهور الشعر فـي وجه المرأة ـــ فـي غير الحاجبين ــ يعتبر عيباً ونقصاً وما كان كذلك فـيبعد أن تكون المرأة منهية عن إزالته، ولهذا فإن الفقهاء أجازوا للمرأة إزالة اللحية والشارب بالنتف أو الحلق. والله أعلم.
وأما ما نص الشرع على طلب إزالته فكشعر الإبط والعانة والشارب.
أما شعر الإبط والعانة فقد أجمع العلماء على مشروعية نتف الإبط وحلق العانة([50]) استناداً للأحاديث التي فـيها ذكر خصال الفطرة، وقد ذكراً من خصال الفطرة، ومن ذلك ما جاء فـي الصحيحين([51]) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب).
وقد ذكر العلماء أن الأفضل أن يكون أخذ شعر الإبط والعانة كما جاء فـي الحديث أي بنتف الإبط وحلق العانة مع جواز إزالة الشعر بأي مزيل؛ لأن المقصود هو الإزالة، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: "الاستحداد: حلق العانة، وهو مستحب؛ لأنه من الفطرة، ويفحش بتركه، وبأي شيء إزالة فلا بأس، لأن المقصود إزالته، قيل لأبي عبدالله ـــ يعني الإمام أحمد ــ: ترى أن يأخذ الرجل سِفْلَتَه بالمقراض وإن لم يستقص؟ قال: أرجو أن يجزئ إن شاء الله، قيل له: ما تقول فـي الرجل إذا نتف عانته؟ قال: وهل يقوى على هذا أحد؟ وإن وطلى بالنورة([52]) فلا بأس والحلق أفضل لموافقته الحديث الصحيح، ونتف الإبط سنة، لأنه من الفطرة يفحش بتركه، وإن أزال الشعر بالنّورة أو الحلق جاز والنتف أفضل لموافقته الخبر". اهـ([53]).
وأما الشارب فقد وردت السنة بمشروعية قصّه([54]) ثم اختلف العلماء فـي كيفـية قصّه فذهب بعضهم إلى أن السنة فـي الشارب حلقه، وذهب آخرون إلى أن السنة إحفاؤه وكرهوا حلقه، قال ابن القيم رحمه الله: "اختلف السلف فـي قصّ الشارب وحلقه أيهما أفضل؟ فقال مالك فـي موطئه: يؤخذ من الشارب حتى تبدو أطراف الشفة وهو الإطار، ولا يجزُّه فـيمثل بنفسه،. وذكر ابن عبدالحكم عن مالك قال: يحفـي الشارب، ويعفـي اللحى، وليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدّب من حلق شاربه، وقال ابن القاسم عنه: إحفاء الشارب وحلقه عندي مثله، قال مالك: وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم فـي إحفاء الشارب إنما هو الإطار، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه وقال: اشهد فـي حلق الشارب أنه بدعة، وأرى أن يوجع ضرباً من فعله؛ قال مالك: وكان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه، وقال عمر بن عبدالعزيز: السنة فـي الشارب الإطار. وقال الطحاوي: ولم أجد عن الشافعي شيئاً منصوصاً فـي هذا، وأصحابه الذين رأينا المزنيُّ والربيعُ كانا يُحفـيان شواربهما، ويدل ذلك على أنهما أخذاه عن الشافعي رحمه الله، قال: وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد، فمكان مذهبهم فـي شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير، وذكر ابن خويز منداد المالكي عن الشافعي أن مذهبه فـي حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة، وهذا قول أبي عمر. وأما الإمام أحمد، فقال الأثرم: رأيت الإمام أحمد بن حنبل يُحفـي شاربه شديداً، وسمعته يُسأل عن السنة فـي إحفاء الشارب؟ فقال: يُحفى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(أحفوا الشَّوارب) وقال حنبل: قيل لأبي عبدالله: ترى الرجل يأخذ شاربه، أو يُحفـيه؟ أم كيف يأخذه؟ قال: إن أحفاه، فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي فـي "المغني": وهو مخير بين أن يُحفـيه، وبين أن يقصه من غير إحفاء. قال الطحاوي: وروى المغيرة ابن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شاربه على سواك([55])، وهذا لا يكون معه إحفاء. واحتج من لم ير إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين (عشر من الفطرة ... فذكر منها قَصَّ الشَّارب)([56]). وفـي حديث أبي هريرة المتفق عليه (الفطرة خمسٌ ...)([57]) وذكر منها قص الشارب.
واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء، وهي صحيحة، وبحديث ابن عباس أن رسول الله r كان يَجُزُّ شاربه([58]). قال الطحاوي: وهذا الأغلب فـيه الإحفاء، وهو يحتمل الوجهين. وروى العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه (جُزُّوا الشَّواربَ، وأرْخُوا اللِّحَى) ([59]). قال: وهذا يحتمل الإحفاء أيضاً، وذكر بإسناده عن أبي سعيد، وأبي أسيد، ورافع بن خديج، وسهل بن سعد، وعبدالله بن عمر، وجابر، وأبي هريرة أنهم كانوا يُحفون شواربهم. وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب: رأيت ابن عمر يُحفـي شاربه كأنه يَنْتِفُه. وقال بعضهم: حتى يُرى بياض الجلد". اهـ([60]).
والذي يظهر ــ والله أعلم ــ أن حلق الشارب غير مشروع بل هو مكروه، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: "إنما فـي هذا الباب أصلان، أحدهما: أحفوا الشوارب، وهو لفظ مجمل محتمل للتأويل، والثاني: قصوا الشوارب، وهو مفسر، والمفسر يقضي على المجمل ...، وهو عمل أهل المدينة، وهو أولى ما قيل به فـي هذا الباب" اهـ([61]).
على أن إحفاء الشارب يحتمل أن يراد به القص والاستئصال الذي لا يستوعب جميع شعر الشارب، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وكان ابن عمر "يحفـي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد"([62])، لكن كل ذلك محتمل لأن يراد بن استئصال جميع الشعر النابت على الشفة العليا، ومحتمل لأن يراد به استئصال ما يلاقي حمرة الشفة من أعلاها ولا يستوعب بقيتها، نظراً إلى المعنى فـي مشروعية ذلك وهو مخالفة المجوس، والأمن من التشويش على الآكل وبقاء زهومة المأكول فـيه، وكل ذلك يحصل بما ذكرنا، وهو الذي يجمع مفترق الأخبار الواردة فـي ذلك، وبذلك جزم الداودي فـي شرح أثر ابن عمر المذكور، وهو مقتضى تصرف البخاري؛ لأنه أورد أثر ابن عمر وأورد بعده حديثه وحيث أبي هريرة فـي قص الشارب، فكأنه أشار إلى أن ذلك هو المراد من الحديث" اهـ([63]).
وبناءً على ذلك فالسنة فـي الشارب إما قص أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو، أو إحفاؤه وذلك بالمبالغة فـي قصّه بحيث ينظر إلى لون الجلد، والله أعلم.
وأما ما سكت عنه الشرع فلم يرد فـيه نص يدل على تحريم إزالته ولم يرد فـيه نص يدل على جواز إزالته وذلك كشعر اليدين والساقين والفخذين والبطن والظهر ونحوها فأكثر الفقهاء على جواز إزالته بأي مزيل([64])، لحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .(.... وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) ([65])، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "يعني أنه سكت عن ذكرها رحمة بعباده ورفقاً حيث لم يحرمها عليهم حتى يعاقبهم على فعلها، ولم يوجبها عليهم حتى يعاقبهم على تركها، بل جعلها عفواً، فإن فعلوها فلا حرج عليهم وإن تركوها فكذلك". اهـ([66]).
يتبع