العمل الدعوي: عوائق وحلول

د. خديجة عبد الماجد (رحمها الله)(*)



المؤمن بين خمس شدائد، مسلم يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يضله ونفس تنازعه.
وبالنظر إلى أهم العوائق الدعوية التي تعترض الداعية، نجدها تنقسم إلى قسمين:
أولاً: عوائق ذاتية
ثانياً: عوائق خارجية
·فأما العوائق الذاتية فأهمها ما يلي:
أولاً: الكسل
فإن الكسل والخَوَرَ ينافي الرغبة في نصرة الدين. وأما اليأس من حصول المصالح، ومن دفع المضار، فإنه الهلاك بعينه. وهل أخَّر المسلمين عن قيادة الأمم إلا تفرقهم وكسلهم ويأسهم من القيام بشؤونهم حتى صاروا بذلك عالة على غيرهم؟
ودينهم قد حذرهم عن هذه الأمور أشد التحذير، وأمرهم أن يكونوا في مقدمة الخلق في القوة، والصبر، والملازمة للسعي في كل أمر نافع، والعزم، والحزم، والرجاء، وحسن الثقة بالله في تحقيق مطالبهم، والدواعي لهم في ذلك متوفرة.
فإن مجرد السعي في ذلك بحسب الإمكان من أفضل الأعمال المقرِّبة إلى الله.
·علاج الكسل
يا عجباً لمؤمن يرى أهل الباطل يجهدون ويألمون في نصرة باطلهم، وهم لا غاية لهم شريفة يطلبونها، وهو مخلد إلى الكسل عن نصر الحق الذي يترتب على نصره من الخيرات العاجلة والآجلة ما لا يمكن التعبير عنه! كل ذلك خوفاً من المشقة وزهداً في إعانة إخوانه المسلمين من ماله وبدنه وقوله وفعله، بل زهداً في مصالح نفسه الحقيقية، قال الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرْجُون).
ثانياً: الخوف من الرياء
القعود بسبب ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن فعل هذا لم يسلم، ولم تبرأ ذمته؛ لأنه وقع فيما لا مفر منه، كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
ثالثاً: استعجال الثمرة
كثير من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يتعلّقون بتلك الحجة الواهية التي مفادها: (إني لا أرى أثراً لدعوتي)، وهذه العجلة لها صور في حياة الناس، منها:
*أ) استعجال نزول العذاب بالمخالفين: قال تعالى: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدَّاً) (سورة مريــــــم: 84).
*ب) ترك الدعاء، فعن أبي هريرة قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: "لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ للْعَبْد مَا لَمْ يَدْعُ بِإثْمٍ أَوْ قَطِيعةِ رَحمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلً يا رسُول الله ما الاسْتِعْجَالُ قالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْد ذَلكَ وَيَدعُ الدُّعاء" رواه السبعة عدا النسائي.
*ج) استعجال النصر دون التمكن من أسبابه.
رابعا: تحقير الذات وقدراتها
(من أنا؟ هناك من هو أكفأ مني، هناك فلان وفلان) عبارة نسمعها دائماً من بعض أهل الخير، بل ربما كان من طلبة العلم، فيتقادم به الزمن وهو يتذرع بمثل هذه، وتعظم المصيبة إذا تبين من حاله للناس أنه من أهل الخير، فيُفعل المنكر بحضرته ولا ينكر، فيعتقد أولئك القوم جواز مثل هذا العمل.
خامسا: الاعتقاد بأن أهل المعاصي راضون بواقعهم
اعتقد كثير من أهل الخير أن أهل المعاصي راضون بواقعهم، ولم يشعروا بأنهم يعيشون في ضنك من العيش، وودوا لو تخلصوا من ذلك.
سادساً: الابتعاد عن الرفقة الصالحة
لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريق شاق يحتاج معه الإنسان إلى الجليس الصالح الذي يؤنس له وحشة الطريق، يصبّره إذا ابتلي، ويقوِّمه إذا أخطأ، ويشجعه إذا أصاب، وإن لم يكن كذلك دبت إليه الانهزامية عند أول عارض يعرض له.
سابعا: القدوات الانهزامية
إن الناس ينظرون إلى القدوة من خلال أعماله وتصرفاته، بل وينظرون إلى أهل بيته، ويتأملون تصرفاتهم، فعلى القدوة أن يتنبه إلى مثل ذلك؛ ولذا كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله فقال: "إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحداً فيكم فعله إلا أضعفت فيه العقوبة".
ثامنا: الفتور
أحد أسباب الفتور:عدم وجود النتائج المشجعة. والأمر واضح جلي، تحدث فيه الكثيرون من قبل، المسألة بوضوح أننا أُجَرَاء عند الله سبحانه وتعالى، نتعامل في الدعوة بهذا المنطق، منطق الأجير المطلوب منه أداء وظيفته بإتقان وإخلاص، حتى ينال أجره في آخر المدة من الله، ولا يعنيه عدم حصول هدايتهم.
وهنا نقطتان مهمتان تحتاجان إلى توضيح:
الأولى: ضرورة أن يفكر الداعية في أسباب إخفاقه؛ لأن هذا من صميم عمله، فعليه أن يستنفد كل الوسائل والسبل، وأن يغير ويبدل، ويقدم ويؤخر، فإذا لم يحقق بعد ذلك نجاحاً، فقد أخذ الأجر والثواب، ولنا في نوح عليه السلام خير دليل: (ولَقَد أرْسلْنَا نُوحاً إِلى قوْمِهِ فَلَبث فيهمْ أَلْف سنةٍ إلاَّ خمْسين عاماً فَأَخذهُم الطُّوفانُ وهُمْ ظالِمُون)، (ومَا آمَنَ معَهُ إلاَّ قليل)، (قَال ربِّ إِنِّي دَعَوْتُ قوْمي ليْلاً ونهاراً، فَلَمْ يزدْهُمْ دُعائي إلاَّ فِراراً* وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتغْفر لَهُمْ جَعَلوا أَصَابعَهُمْ في آذَانهمْ واسْتغْشَوْا ثِيابَهُمْ وأصرُّوا واسْتكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً).
وفي موسى عليه السلام شاهد آخر: (فَمَا آمنَ لِمُوسى إلاَّ لِمُوسى إلاّ ذُرِّيَّة من قوْمِهِ على خوْفٍ مِّن فرْعوْنَ وَمَلَئِهمْ أن يفْتنَهُمْ وإنَّ فرْعَوْنَ لعالٍ في الأرْضِ وإنَّه لمنَ المُسْرفين) .
والثانية: على الإنسان أن يجد متعة عند نجاحه، بل عليه أن يفرح ويسعد بذلك، فإنها "عاجل بشرى للمؤمن" كما قال – صلى الله عليه وسلم – برواية مسلم وابن ماجه. ويقول الكيلاني رحمه الله: "إذا رأيت وجه صادقٍ قد أفلح على يديّ: شبعتُ، وارتويتُ، واكتسيتُ، وفرحتُ".
ولكن إذا أصابنا الفتور، فماذا نفعل لعلاجه؟
1- التزود بقصص القرآن الكريم ومطالعة سير الأنبياء والرسل وجهادهم: فإذا كنا أتباعهم كما ندّعي، فلا أقل من أن نسير على دربهم.
2- إكثار مطالعة نماذج همم الدعاة في كل زمان ومكان، الذين جابوا البلاد وخاضوا الأهوال كي يبلغوا رسالة الله تعالى، كما فعل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي استشهد على مشارف القسطنطينية، وكما تنقل الدعاة في كل العصور من مكان إلى مكان آخر بلا كلل أو ملل مبلغين بدين المرحمة يخرجون الناس من ضيق الدنيا وسعة الآخرة.. اقرئي يا أختي عن هؤلاء وطالعي سيرتهم، تجدي الزاد والري والحافز إن شاء الله.

3- عليك بوسائل رفع الهمم: بالقراءة أكثر في عظم فضل العمل الذي تقومين به، ومعرفة مكانة الدعوة إلى الله في الدين، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد؛ لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثهم على الخير ونهيهم عن الشر؟"، ويؤكد ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله فيقول: "العالم الذي قد عرف السنة، والحلال والحرام، وطريق الخير والشر: مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم، أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح، لا تفوق منزلته إلا النبوة" .
4- مطالعة أشعار العزيمة وشد الهمم:
وما الدهر إلا من رُواةِ قصائدي *** إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشداً
5- امتلكي عقلية خلاقة: فالتجديد والابتكار دائماً له جماله وجاذبيته، فاحرصي على الإبداع دائماً.. فكري في وسائل جديدة.. استفيدي من كل متاح حولك.. لا تسلكي طريقاً واحداً في الدعوة.. استخدمي النصيحة الشخصية، الموعظة العامة، شريط الفيديو، شريط الكاسيت، الإنترنت، الصورة، الورقة، كالمطويات، وغيرها.
2- العوائق الخارجية:
ونوجز أهمها فيما يلي:
1- عوائق عدم التعاون والأوامر الإدارية العليا:
وعلاجها: أولاً بالدعاء والاستعانة بالله، ثم الاستشارة من أهل الخير في حسن التصرف. وإن الله لا يجمع بين عسرين.
2- إعاقة الرئيس المباشر:
وعلاجها: باحتوائه وضمه فيمن تشمله دعوتك حتى تستحوذي على تعاونه.
3- عوائق الأب أو الزوج أو الأقارب:
فأما "عوائق الأب" فعلاجها بالحكمة وحسن التذلل والمجاهدة فيهما.
وأما "الأقارب" فنجاحك الدعوي يمكنه أن يسهل لك إقناعهم بما تقومين به، وحاولي استقطاب أفراد منهم بإشراكهم معك.
وأما "عوائق الزوج" فهذه تحتاج إلى صبرٍ ومصابرة في الوقت الذي يتم تقديم كل ما يستحسنه الزوج منك، وأهم ما في هذه القضية: لغة الحوار للتواصل؛ لأن مخاطبة الزوج بالندية وكأن الأمر مفروض عليه غالباً ما يكون فاشلاً.. أتقني فن الحوار واستخدمي أجمل أسلوب عند طلبك منه القيام بأعمالك الدعوية، واحذري من أن يكون العمل الدعوي مضيعاً لأي من مهامك الأخرى داخل المنزل والتي اعتادهاالزوج منك مع حسن التوكل على الله وكثرة الدعاء.


(*) حول الكاتبة (رحمها الله تعالى): رحمك الله ياخديجةعبدالماج د (د.رقية المحارب).