اضحك ولا تكركر!!



فاطمة المشيخي





لا تخلو الحياة من منغصات تحتاج معها لوسائل للتنفيس من أجل مواصلة الكفاح. وقد ورد في الحديث "روحوا القلوب.. ساعة وساعة". وكثيراً ما يلجأ الإنسان إلى المزاح كوسيلة للتخلص من الملل والقلق والتوتر، وغير ذلك من المشاعر السلبية، فهل للمزاح ضوابط شرعية؟
لتعرفي الإجابة عن هذا السؤال اقرئي السطور التالية:
المزاح في اللغة: بكسر الميم وضمها يعني: المداعبة. ومن مرادفاته: الانبساط، الإحماض، الفكاهة، الطرفة، النكتة، الهَزْل.
وفي الاصطلاح: يعني المداعبة التي هي نقيض الجد، وفيها المرضي وفيها المؤذي. وقيل: المزاح بمعنى الممازحة، وهو الانبساط مع الغير من غير تنقيص أو تحقير.
* ينمي عند الإنسان حاجة فطرية، فكما أن الإنسان مجبول على البكاء في بعض الأحيان، فهو أيضاً مجبول على الضحك في أحيان أخرى.
* يسهم في زيادة الترابط الاجتماعي (بالقول الحسن أو الفعل الجميل) وذلك على سبيل الملاينة والمباسطة وتطييب الخاطر وإدخال السرور على القلب.
* فيه استجماع النشاط وزيادة الاقتدار على متابعة مسؤوليات الحياة.
* فيه تيسير الوصول إلى قلوب الآخرين ليسهل دعوتها وانقيادها، وذلك بدماثة الخلق، مما يعين على تقبلهم للحق.
* معالجة ضعف القلوب وجبرها، وهو ما سماه الإمام الغزالي بـ"المطايبات" وذكر أن أكثر مطايبات النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الصغار والعجائز والبسطاء من الناس.
* بعث التدبر الذهني وتقوية البديهة واستثارة الذكاء عن طريق الكناية والتورية والألفاظ الموهمة.
* تهذيب المازح وتقويم سلوكه؛ لأنه ربما لم يستجب بالتوجيه المباشر، وآتى المزاح معه ثماره.
* فيه التخلص من الخوف والغضب والقلق.
* فيه التخلص من السأم والملل، وأوضح مثال لهذا المعلم مع تلاميذه حينما يستخدم الألغاز والأحاجي، وفي هذا أنشد أبو نواس:
أروح القلب ببعض الهــزل تجاهلاً مني بغير جهـــــل
أمزح فيه مزح أهل الفضل والمزح أحياناً جلاء العقل
* فيه التخلص من المواقف الصعبة والمحرجة، كموقف الزوج مع زوجته أو الرجل مع وزيره وأميره.
* فيه التعليم؛ لذلك تلحظ الطفلة الصغيرة تأتي إلى وسادتها وتجعل منها دمية تلهو بها فهي تعاملها كابنتها، وكذا الصبي حينما يلهو مع أترابه بالبناء أو العراك.. إنما يفعلون ما يناسب جبلتهم وما سيكونون عليه مستقبلاً.
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يرى إلا متبسما، حتى إنه ليخيل لمن رآه أنه من أحب الناس إليه، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: "إني لا أقول إلا حقاً"، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال له: "يا ذا الأذنين" يمازحه، يقول أنس: إن كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير ما فعل النغير".
وجاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يستحمله قال: إني حاملك على ولد ناقة، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ قال – صلى الله عليه وسلم -: "وهل تلد النوق إلا الإبل؟".
وكذا قصته مع زاهر، وهو رجل من أهل البادية، عندما احتضنه النبي – صلى الله عليه وسلم – من خلفه وهو لا يبصره وقال: "من يشتري هذا العبد؟" – وهـو عبد الله دون شك – فقال زاهر: إذن والله تجدني كاسداً، فقال له– صلى الله عليه وسلم -: "لكن عند الله لست بكاسد".
وكذلك مسابقته لعائشة رضي الله عنها وسبقها له، ثم سبقه لها لما حملت اللحم.
وأما الصحابة فقد كانوا يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – عند عائشة ذات مرة ومعه سودة، فصنعت عائشة خزيراً (نوع من الطعام) فقالت لسودة: كلي، فقالت: لا أحبه، فقالت عائشة: والله لتأكلن أو لألطخن وجهك، فقالت سودة: ما أنا بباغية، فأخذت شيئاً من الصحفة فلطخت به وجهها، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينهما، فخفض رسول الله لسودة ركبتيه لتستقيد من عائشة، فتناولت من الصحفة شيئاً فمسحت به في وجه عائشة، وجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يضحك.
ومن مسامرات الصالحين: جاء رجل إلى "الشعبي" الإمام العالم ـ رحمه الله ـ يسأله عن مسح اللحية، فقال له: خللها بأصابعك، فقال الرجل: أخاف ألا تبلها، فقال له الشعبي: أنقعها من الليل.
وسئل أيضاً: هل يجوز للمحرم أن يحك بدنه؟ فقال: نعم، قال: بمقدار كم؟ فقال الشعبي: حتى يبدو العظم.
وهذا رجل يسأل الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك؛ لئلا تسرق.