فن الاعتذار تعلموه وعلموه


رشا عرفة




" أنا آسفة "، "سامحيني "، " لم أقصد إيذائك "،" عفا الله عمّا سلف "،"العفو عند المقدرة "، نماذج من كلمات عدة ينطق بها اللسان للاعتذار عند الوقوع في الخطأ، وهى بمثابة رسائل تحمل كثيرا من الاعتراف بالمسئولية تجاه أي تصرف غير مقصود يصدر من أي شخص، والاعتذار خطوة ضرورية لتصحيح وتعزيز العلاقات الاجتماعية مع الآخرين وعدم ترك المجال لأية ضغينة بينهم، وهو فن له قواعده، و مهارة اجتماعية يجب أن نتعلمها، فالشخص القادر على الاعتذار هو شخص قوي الشخصية، ولديه ثقة بالنفس، وقدرة على مواجهة المواقف الصعبة، ويتميز فكره بالحكمة والاتزان.
مطلب ضروري
وعلى الرغم من كون ثقافة الاعتذار مطلب ضروري يجب علينا تعلمه بل وتعليمه لأبنائنا، فهو بمثابة إحياء لبعض القيم والاعتبارات التي عرفتها مجتمعاتنا قديما ، إلا أن هناك من يرفضها معتبرا إياها ثقافة مستوردة من الحضارة الغربية ، ستجعل مجتمعاتنا ضعيفة مستسلمة للآخرين.
و السؤال الذي يطرح نفسه هل كل إنسان لديه القدرة على الاعتذار؟
في الحقيقة ليس كل إنسان قادر على الاعتذار، فالكثير منا ينظر إلى الشخص الذي يعتذر على أنه ضعيف الشخصية، ومهان، وذليل يستجدي العفو والغفران، لتصبح كلمة " لن أعتذر "هي أسهل كلمة ينطقها اللسان خوفا من الاتهام بالضعف والانكسار، دون أن نعي مدى تأثيرها السلبي على حياتنا.
و القدرة على الاعتذار أحد الفنون البشرية التي لا يتمتع بها الكثيرون، فهذه المقدرة تتطلب علماً وثقافة وأدباً وفكراً سديداً، وهي قيمة عالية من قيم الإنسان الراقي المثقف، فالاعتذار هو انتصار على النفس الأمارة بالسوء والتي تأمر صاحبها بالتعالي وعدم الاعتراف بالخطأ، وهو انهزام أمام شهوات الدنيا وبريقها الأخاذ ، و ارتفاع إلى مرتبة التواضع التي تجعل من الصغير كبيراً ومن المجهول معلوماً، ويصبح الاعتذار فنا حقيقيا عندما يأتي الاعتذار من قوي لضعيف، ومن غني لفقير، ومن رئيس لمرؤوس، فاعتذار القوي للضعيف يصنع من ضعفه قوة، ومن فقره غنى، ومن إحساسه بالنقص إحساساً بالكمال، فتطيب النفوس وتزول الضغائن .
والاعتذار الصادق يستوجب القدرة على الاعتراف بالخطأ، ثم الشعور بالندم، والاستعداد لتحمل المسئولية دون خلق الأعذار والمبررات، والرغبة في تصحيح الوضع.

قبل أن نعتذر
ولكي نستطيع تحقيق الهدف المنشود من الاعتذار وهو التسامح يجب علينا أولا، الانتظار حتى يهدأ من نخطيء في حقه، واختيار الوقت والمكان المناسب لتقديم الاعتذار، واختيار طرق مبتكرة لتقديم الاعتذار، وأخيرا ممارسة العلاقة بشكل طبيعي بيننا وبين من أخطأنا في حقه، كأن نقوم بتبادل الزيارات.
طريقتان
وهناك طريقتان أساسيتان للاعتذار إما الاعتذار بالكتابة أو بالفعل،
فالكتابة يجب أن تكون بخط اليد و ليس عن طريق الطباعة أو البريد الإلكتروني، وإذا كان الاعتذار بالفعل فيجب أن يكون أمام الشخص وليس عبر الهاتف.
وينقسم الناس إلى ثلاث فئات في تعاملهم مع فن الاعتذار ويتوقف هذا على التنشئة الاجتماعية، فهناك فئة تبادر بالاعتذار الفوري عند وقوعها في الخطأ، وأخرى تبادر بالاعتذار بعد مرور فترة زمنية قصيرة من وقوعها في الخطأ، والأخيرة تكابر وتعاند ولا تعتذر عن أخطائها.
مفتاح سحري
ونظرا لما للاعتذار من أهمية كبيرة للإنسان فهو المفتاح السحري لقلوب الناس، والطريق الأمثل لتكوين المزيد من العلاقات الإنسانية، وقد أكد علماء النفس على ضرورة تعلم هذه الثقافة بل وتعليمها لأطفالنا منذ الصغر، لأن فيها تحمل للمسئولية مع الرغبة في إصلاح الوضع،وطريقة مثلى لكسب المشاعر الصادقة، وعرفوا الاعتذار بأنه مهارة من مهارات الاتصال الاجتماعي، وظاهرة صحية في نفس الوقت.
لا تبرير دون اعتذار
ورأوا أنه ليس هناك معنى للتبرير دون اعتذار، وأن الأفضل أن يعتذر المرء أولاً في حال عدم قدرته على الالتزام بشيء ما، ثم يقول التبرير فيما بعد، وفي بعض الحالات قد تكون رسالة الاعتذار إحدى الوسائل الجيدة لتجنب الارتباك والإحراج أمام الطرف الثاني، وتفادي استيائه الشديد.
والشخص الذي لا يستطيع الوفاء بوعده عليه أن يقوم بشرح بسيط لعدم قدرته على الالتزام، وخصوصاً في مكان عمله، دون الدخول في التفاصيل ما لم يكن الطرف الثاني صديقاً حميماً .
ويقول علماء النفس إن كلمة “لا” أحياناً في البداية وبشكل مهذب تكون أفضل من أي مبرر يمكن شرحه فيما بعد، قد يؤدي بصاحبه إلى أخطاء جديدة، وبالتالي اعتذارات أخرى.
وأشاروا إلى أن المرأة أكثر قدرة على الاعتذار والتسامح من الرجل، لأنها رمز للحنان واللين بعكس بعض الرجال، الذين يرون أن في الاعتذار ضعفا للشخصية.
وأكدوا على ضرورة تعليم الأطفال الاعتذار عند وقوعهم في الخطأ، فالاعتذار لا يتعلمه الطفل بصورة طبيعية ولكن هو سلوك مكتسب، وأشاروا إلى أن التقمص العاطفي الذي يعتبر أساس أي اعتذار مهارة معقدة تحتاج لسنوات طويلة ليتمكن الفرد من إجادتها، وأن تعليم الطفل كلمة الاعتذار سيساعده على معالجة أي مشكلة تقابله في المستقبل.
لنجد أن الأجيال الجديدة أصبحت في حاجة ماسة إلى بناء تربوي من نوع جديد، وإلى برامج ومناهج مقننة، فضلا عن بناء نزعة التسامح وقبول الآخر، ومطالبة الآخر بالاعتراف بالأخطاء التي جناها بحق الآخرين ،لأن الاعتراف بالخطأ هو سيد الأخلاق.وليس شعورا بالضعف كما يزعم البعض.