تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية
    د. محمد بن هائل المدحجي



    العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية(1)





    الحلقة الأولى





    إن من أهم أسباب حدوث النوازل هو التقدم العلمي في شتى جوانب الحياة، ولعل المجال الطبي قد أخذ حيزاً كبيراً من هذا التقدم، فكثير من نوازل العصر لها تعلق بالجانب الطبي، ومن المجالات التي تطورت فيها علوم الطب تطورا هائلا ما يتعلق بالعقم وعلاجه، والذي تترتب عليه أحكام فقهية كثيرة.





    والعقم في اصطلاح الأطباء هو: «عدم قدرة الزوجة على الحمل بعد مرور سنة كاملة من العلاقة الزوجية القائمة بين زوجين بالغين وفي مرحلة الإخصاب، مع استمرار الاتصال الجنسي، ودون استخدام وسائل لمنع الحمل»، فلا يحكم طباً بوجود العقم إلا بعد مرور سنة كاملة على الزواج وبشرط أن يكون الزوج مقيماً مع الزوجة بصفة دائمة أو شبه دائمة وبينهما علاقة زوجية قائمة ومنتظمة، أما إذا كان الزوج مسافراً أو يحضر على فترات متقطعة فإن ذلك ربما يكون سبباً مفسراً لعدم حدوث الحمل دون وجود مانع لذلك في الحقيقة.





    والملاحظ أن الأطباء اعتنوا في تعريفهم للعقم بذكر مدة محددة يصدق بعدها وصف العقم، وهذا ما لا نجده في تعريف اللغويين أو الفقهاء للعقم الذي هو " العجز عن الإنجاب مع عدم ما يمنع منه ظاهراً "؛ وذلك لأن الغرض من تعريف العقم عند الأطباء هو علاجه بالدرجة الأولى، ومن ثمّ احتاجوا إلى تحديد الوقت الذي يمكن أن يكون الشخص بعده مصاباً بالعقم، وبالتالي يبدأ بالبحث عن تشخيص لحالته وعلاجها.





    ويصنف الأطباء العقم إلى نوعين أساسيين هما:





    (أ) العقم المطلق (Sterility): ويعني عدم إمكانية حدوث حمل مطلقاً لأسباب غير قابلة للعلاج: كعدم وجود رحم أو مبيضين أو خصيتين، وهو حالة نادرة الحدوث.





    (ب) العقم النسبي (Infertility): ويعني وجود عوائق تعيق حدوث الحمل يمكن علاجها، وقد أوضحت الدراسات أن ما بين 10-15% من الأزواج ما بين 15 - 45 سنة ويرغبون في الإنجاب يعانون من مشكلة العقم النسبي.وينقسم العقم النسبي بدوره إلى نوعين:





    (أ) عقم أوليّ: ويعني عدم حدوث حمل مطلقاً بعد الزواج.





    (ب)عقم ثانويّ: ويعني تأخر الإنجاب لمدة سنة دون سبب ظاهر يمنع منه رغم حدوث حمل في السابق، سواء نتج عن هذا الحمل إسقاط أو حمل طبيعي.





    ولا بد من التنبه هنا إلى أن العقم النسبي الثانوي لا يجعله اللغويون ولا الفقهاء داخلاً في العقم بحال من الأحوال، وإنما تجوّز الأطباء فعدوه عقماً؛ والسبب في هذا - فيما يبدو - هو عدم وجود فرق تشخيصي أو علاجي بينه وبين العقم النسبي الأولي.





    أسباب العقم





    هناك أسباب متعددة للعقم يذكرها الأطباء، ولعلي أسلط الضوء على بعض الأسباب التي يذكرها الأطباء حتى غير المسلمين منهم، ومنها:





    [1] الأمراض الجنسية: إن الأمراض الجنسية هي السبب الرئيس لحالات العقم وخاصة في المجتمعات الغربية، فمثلاً: في أمريكا 40% من حالات العقم سببها الالتهابات الناتجة عن الأمراض الجنسية؛ إذ تؤدي هذه الالتهابات إلى تليف الأنسجة في الأعضاء التناسلية وقفلها بحيث لا تستطيع القيام بوظائفها وبالتالي يؤدي ذلك إلى العقم، وهذه الأمراض الجنسية تنتج عن فعل الفواحش من الزنا واللواط، والشريعة الإسلامية جاءت بتحريم اقتراف هذه الفواحش، فقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...} (الأعراف:33)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط"، وقال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" وقال صلى الله عليه وسلم: "ما ظهر في قــوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل".





    [2] الإجهاض: فبسبب الإباحية في المجتمعات غير الإسلامية انتشر الإجهاض فيها انتشاراً كبيراً، وتكفي الأرقام التالية للدلالة على خطر هذه الآفة على التناسل والتكاثر: فقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد حالات الإجهاض التي تجرى سنوياً في العالم بين 36 و 55 مليون حالة، كما دلت الإحصاءات على أن (40-57)% من النساء اللواتي أجريت لهن عملية إجهاض مفتعل أصبن بالعقم، والشريعة الإسلامية كما حرمت الممارسات الإباحية، حرمت أيضاً الجناية على الأجنــــة - لاسيما بعد نفــــــخ الروح-، قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى:{...وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ.. .} (الممتحنة:12) «وهذا يشمل قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتلَه وهو جنين كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء».





    [3] الجماع في الحيض والنفاس: فالجماع في مدة الحيض أو النفاس يؤدي أحياناً إلى إصابة المرأة بأمراض خطرة؛ بسبب انتشار الجراثيم بسهولة في المسالك التناسلية، مما يسبب لها عقماً أكيداً؛ وذلك لأن شرايين الرحم بعد الولادة وفي مدة الحيض تكون منتفخة ومفتوحة يتدفق منها الدم إلى الخارج مما يسهل دخول الجراثيم بسهولة عن طريقها إلى الرحم وملحقاته، وقــد حرم الله جل وعلا الجماع في الحيض لما فيه من الأذى والضرر، فقال سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَك عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ} (البقرة:222) ووطء النفساء كـــوطء الحائض حـــــرام باتفاق الأئمة.





    [4] تعاطي المسكرات والمخدرات: فتأثير شرب المواد الكحولية على خصوبة الرجل قد تأكد في جميع الأبحاث التي أجريت على نطاق واسع وأُثبتت نتائجها مرات عديدة، كما ظهر في الإحصائيات المختلفة في جميع أنحاء العالم أن الكحوليات لها تأثير ضار وسام مباشر على الخلايا المنتجة للحيوانات المنوية بالخصية مما يجعلها تفرز حيوانات منوية قليلة العدد وضعيفة الحركة مع ارتفاع في نسبة المشوهة منها،أما المواد المخدرة مثل: الحشيش، والأفيون، والأنواع الأقوى مثل: الهيروين، والكوكايين فتأثيرها على خصوبة الرجل وفحولته أكثر بكثير من المشروبات الكحولية،أما بالنسبة للنساء فقد أثبتت الدراسات والأبحاث بالإضافة إلى ما تتركه هذه الآفات من آثار سلبية على صحة المرأة أنها تؤثر على نشاط مراكز المخ المتحكمة في انتظام الدورة والتبويض مما يؤدي إلى العقم، هذا بالإضافة إلى تأثير المخدرات على الغدة النخامية مما يؤثر على عمل الهرمونات الأنثوية، وهذا يؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية وعدم تكوّن البويضات.





    وهذه المسكرات والمخدرات من الأمور المحرمة في الشريعة الغراء، فالعقل له منزلة جليلة في الإسلام، وقد جعله الله سبحانه وتعالى وسيلة للفهم والإدراك، ومناطًا للتكليف، وأمر الله جل وعلا بحفظه ورعايته وصيانته عن كل ما يؤثر عليه من المسكرات والمخدرات، وتعاطي ما يزيل العقل ويغيّبه محرم إجماعاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمــــر، وشاربها وساقيها، وبائعها ومُبتاعهـــــا، وعاصرها ومُعتصرها، وحاملهـــا والمحمولة إليـــه"، والمخدرات أشد تحريماً من الخمـــــر، يقـــــول شيخ الإسلام ابن تيمية – في الحشيشة: "فهي بالتحريم أولى من الخمــــــر؛ لأن ضـــرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر"[مجموع الفتاوى (34/224)]، أضف إلى هذا الأضرار الجسيمة لكل من المسكرات والمخدرات، والإسلام حرّم كل ما فيه ضرر، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ".





    [5] التدخين: فالتدخين له آثار ضارة على الجهاز التناسلي ويمكن أن يؤدي إلى العقم، ومن هذه الآثار ما يلي:





    (أ) يؤثر التدخين على القلب وعلى الدورة الدموية وعمل الشرايين، فهو يؤدي إلى تقلص الأوعية الدموية مما يتسبب في حدوث انسداد في الأوردة، ومنها الأوعية الدموية للأعضاء التناسلية وخاصة الخصيتين، وهذا يؤدي إلى خلل في إنتاج الحيوانات المنوية.





    (ب) يقلل التدخين من عدد الحيوانات المنوية وحركتها، ويؤدي إلى ظهور نسبة من الحيوانات المنوية غير طبيعية الشكل أو عديمة الفائدة والوظيفة، كما يسبب عدم قدرة هذه الحيوانات المنوية على تلقيح البويضة.





    (جـ) يؤدي التدخين إلى خلل وظيفي في الغدد الصماء والهرمونات، ومن ذلك ما يؤديه من خلل في هرمونات الذكورة مما يؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية في الخصيتين.





    أما بالنسبة للنساء فقد أثبتت الدراسات أن التدخين يؤدي إلى صعوبة الحمل، وإلى خلل في التبويض، ويؤثرعلى حيوية البويضة نفسها وعلى نضجها، بالإضافة إلى تأثيره على عنق الرحم, وقنوات المبيض , وعلى الاتزان الهرموني , بل ويجعل فرصة نجاح التلقيح الصناعي أضعف، حيث:





    (أ) يؤثر النيكوتين على نضوج البويضة، و على القدرة على حدوث التلقيح؛ وذلك بسبب ما يحدثه من اختلالات كروموسومية في البويضة نفسها.





    (ب) تؤثر المواد السامة الموجودة في التبغ على إفرازات عنق الرحم, حيث تستقر خلاصة التبغ في هذه الإفرازات، الأمر الذي يؤثر على الحيوانات المنوية.





    (جـ) للتدخين أثر على قنوات المبيض بتأثيره على الأهداب، وبالتالي تأثيره على قدرة القنوات على القيام بوظائفها في نقل البويضة سواء الملقحة أو غير الملقحة.





    (د) وجدت علاقة بين التهابات الحوض المزمنة والتدخين، فاحتمالية إصابة المدخنات بهذه الالتهابات تفوق غير المدخنات بنسبة 70%.





    (هـ)هناك أبحاث كثيرة أثبتت تأثر نسب نجاح عمليات أطفال الأنابيب بتدخين الزوجة, وخلصت هذه الأبحاث إلى ما يلي:





    1) فرص نجاح عملية أطفال الأنابيب للمدخنات هي نصف النسبة لدى غير المدخنات.





    2) المواد السامة التي يحتويها التبغ وخلاصته تؤثر على هرمون (الإستروجين) بالتأثير على تصنيعه وإنتاجه أو بالتأثير على نتائجه لتكون أقل فاعليّة , كما أن تلك المكونات السامة تؤثر على قابلية البويضة للتلقيح بحيث تقللها، ومن جهة أخرى فإنها تؤدي إلى ارتفاع هرمون (FSH)، والذي يؤدي ارتفاعه قبل البدء ببرنامج التنشيط لعملية أطفال الأنابيب إلى فشل العملية.





    3) يؤثر التدخين على عدد الحويصلات المنشطة والتي تكون أقل لدى المدخنات، كما أن عدد البويضات المستخلصة من الحويصلات بعد عملية السحب تكون أقل، وإمكانية تلقيحها تكون أضعف.





    وضرر التدخين على أجهزة الجسم المختلفة أصبح معروفاً للجميع، وخاصة جهاز التنفس والرئتين والدورة الدموية والشرايين، وأكدت عشرات الدراسات الطبية أن الدخان هو السبب الرئيس لكثير من الأمراض القاتلة كالسرطان، والشريعة الإسلامية جاءت بتحريم كل ما فيه ضرر أو إهلاك للنفس، يقول الله تعالى: {...وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء:29)، ويقول سبحانه: {... وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...} (البقرة:195) ويقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم {...وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...} (الأعراف:157) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ).





    [6] اقتحام المرأة لميدان العمل في أعمال لا تناسب المرأة: وهذه المشاركة ينتج عنها ضغط نفسي كبير بسبب أعباء العمل غير المناسبة لطبيعة المرأة، فنسبة كبيرة من العاملات يعانين من التوتر والقلق الناجمين عن المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن، وهذه النسبة جاوزت في الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات، وفي السويد 60% منهن، وفي ألمانيا 30%، وذكرت بعض الإحصاءات أن 76% من نسبة الأدوية المهدئة تصرف للنساء العاملات.والشد العصبي والنفسي الشديد يسبب خللاً واضطراباً في عمل غدة تحت المهاد (الهيبوثالاموس)، وهذا الاضطراب يعتبر من أكثر الأسباب شيوعاً لعدم انتظام التبويض.





    كما ينتج عن مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل: تأجيل الزواج والحمل بسبب الطموح المهني والبحث عن المستقبل وقبل ذلك عن لقمة العيش، وقد أثبتت الدراسات أنه كلما زاد سن المرأة كلما قلت نسبة حدوث الحمل، وأن عدد ونوعية البويضات يتناقص مع تقدم العمر، وتصل نسبة الحمل للنساء اللاتي يبلغ عمرهنّ الأربعين إلى 10% فقط؛ حيث يصبح نصف البويضات في هذه السنّ غير طبيعي من ناحية الكروموسومات، ويتضاعف عدد البويضات غير الطبيعية إلى 90% عند سن 42 عاماً.





    أضف إلى هذا ما يحصل بسبب مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل من اختلاط المرأة بالرجال الأجانب، وما ينتج عن ذلك من انتشار الفاحشة وهي من أسباب العقم - كما تقدم -.





    والإسلام قد أحاط المرأة بسياج يحميها من ذلك كله، فالأصل قرار المرأة في بيتها، وعملها خارج بيتها خروج عن هذا الأصل، فمهمتها الأساسية أن تكون راعية لأسرتها مربية لأطفالها، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ... } (الأحزاب:33)





    وقد خفض الإسلام للمرأة جناح الرحمة والرعاية في أمر الأعباء الاقتصادية، فكفل لها من أسباب الرزق ما يصونها عن التبذل ويحميها من عناء الكدح في الحياة، فأعفاها من كافة أعباء المعيشة وألقاها على كاهل الرجل، فالنفقة حق للمرأة وليست تفضلاً أو منّة من الرجل، بل هي نصيب مفروض لا يسع تركها مع القدرة، قال تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...} (النساء:34)، وقال سبحانه: {... وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. .} (البقرة:233)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).





    فالإسلام دين يتلاءم مع الفطرة، ولا يكلف نفساً إلا وسعها، وقد راعى طبيعة المرأة وأسقط عنها بعض الواجبات التي تستلزم الخروج من البيت: كصلاة الجماعة، والجهاد، والحج إذا لم يتيسر لها محرم، فالإسلام لا يريد أن يرهق المرأة من أمرها عسراً، فكما أن الرجال لا يصلحون للقيام بحضانة الأطفال ورعايتهم، فكذلك النساء لا يصلحن للمهن الشاقة، وإن كان هناك تجاوزات في هذا الشأن فإنها تتعارض مع طبيعة المرأة وفطرتها قبل أن تتعارض مع الإسلام وأحكامه.





    والإسلام لا يحرم خروج المرأة للعمل مطلقاً، بل هناك شروط وضوابط إذا تحققت كان خروجها للعمل جائزاً وإلا فلا، وأهم هذه الشروط والضوابط ما يلي:





    1.أن يأذن لها وليها.





    2.ألا يكون عملها صارفاً لها عن الزواج أو الإنجاب.





    3.ألا يكون عملها على حساب واجباتها نحو زوجها وأولادها وبيتها.





    4.ألا يكون من شأن هذا العمل أن يحملها فوق طاقتها، بل يجب أن يتفق مع طبيعتها وأنوثتها وخصائصها البدنية والنفسية.





    5.أن يكون عملها لحاجة خاصة بها أو عامة للمجتمع وألا يكون مجرد ترف.





    6.أن يكون عمل المرأة مشروعاً في ذاته.





    7.أن تخرج للعمل باللباس الشرعي الساتر لجميع جسدها، بأوصافه وشروطه.





    8.ألا تخالط الرجال الأجانب في عملها.





    [7] لبس المـــــرأة الملابس الضيقــة: أثبتت الدراسات الطبية أن ارتداء الملابس الضيقة في مرحلة المراهقة قد يسبب التهابات بطانة الرحم - وهي حالة مؤلمة قد تسبب العقم -؛ فهذه الملابس تسبب ضغطاً كبيراً حول الرحم وقنوات المبيض، وحتى عند خلع هذه الملابس فإن الضغط يبقى لبعض الوقت في جدران الرحم السميكة بالرغم من انخفاضه حول قنوات المبيض، وهذا يتسبب بدوره في توجه الخلايا إلى الخارج لتصل إلى المبايض، وتكرار هذه العملية لسنوات عدة بعد البلوغ يؤدي إلى تجمع وتراكم الخلايا من بطانة الرحم إلى منطقة أخرى من الجسم مما يسبب الإصابة بالمرض، والمــــــــرأة المسلمـــة منهية عـــــن لبس الضيق، ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«قد فسر قوله صلى الله عليه وسلم: (كاسيات عاريات) بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعاً» [مجموع الفتاوى (22/146)].





    [8] العوامل النفسية: وهي قد تكون مسببة للعقم، وبعض العوامل النفسية المسببة للعقم ناتجة عن عدم الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو ركن من أركان الإيمان، ولو علم الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه لطابت نفسه ورضي وسلم، كما قال جل وعلا:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ...} (التغابن:11)، قال ابن مسعود رضي الله عنه:(هو الذي إذا أصابته مصيبة رضي وعرف أنها من الله)، وصدق الله تعالى حيث يقول:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً...} (طه:124).





    وبنظرة تأمل في الأسباب السابقة للعقم يمكننا أن نقول بأن أهم سبب للعقم ولانتشاره المخيف - وخاصة في بلاد الغرب - هو مخالفة شريعة الله جل وعلا كما قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)يقول الدكتور محمد علي البار_الطبيب المشهور _:« إن العلاج الحقيقي لعدم الإخصاب يتمثل أساساً في محاربة أسباب انتشار الأمراض الجنسية، ومنع الإجهاض، ومنع استخدام اللولب، وتطبيق تعاليم الإسلام في منع الزنا واللواط، ومنع العلاقة المحرمة بين الزوجين -كإتيان المرأة في المحيض -، وبيان المخاطر المترتبة على ذلك، والعودة بالمرأة إلى وظيفتها الأساسية في البيت بعيداً عن مظاهر الاختلاط، مما يوفر على المسلمين الملايين التي تنفق في بلاد الغرب لمحاربة الأمراض الناتجة عن العلاقات المحرمة بين الجنسين، ويجعل الخصوبة في بيوت المسلمين عالية مع نسل سليم صالح بإذن الله، كما أن في تطبيق تعاليم الإسلام توفيراً لمئات الملايين من الدولارات التي تنفق أو ستنفق في علاج عدم الخصوبة في هذه الدول» [أخلاقيات التلقيح الصناعي ص39 ].





    ومن هنا نعلم أن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء، يقول ابن القيم رحمه الله:«فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل» [زاد المعاد (1/69-70) ]،وقد عقد الإمام ابن القيم- في أول الجزء الثاني من كتابه (مفتاح دار السعادة) مقارنة بين حاجة الناس إلى علم الطب وحاجتهم إلى علم الشريعة، فبيَّن فيها أن حاجة الناس إلى الشريعة أعظم من حاجتهم إلى علم الطب مع شدة حاجة الناس إليه لصلاح أبدانهم، وبيّن أن الحاجة إلى الرسل، وعلومهم عليهم الصلاة والسلام، أكثر من الحاجة إلى الطعام والشراب بل والنَفَس.





    ولا أجد ما أختم به هذه المسألة الجليلة أفضل من القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية- بقوله: قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة، وبيان أن السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الضلال والشقاء في مخالفته، وأن كل خير في الوجود: إما عام وإما خاص فمنشؤه من جهة الرسول، وأن كل شر في العالم مختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول أو الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة.





    والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء.





    والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة... الخ» [مجموع الفتاوى (19/93)].





    وللحديث بقية بإذن الله تعالى...





    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(2)
    د. محمد بن هائل المدحجي

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(2)

    (الحلقة الثانية)
    الأصل في العلاج والتداوي هو الجواز،وقـــد أجمع أهل العلم على مشروعية العلاج والتداوي ، وقد دل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً) رواه البخاري،وقوله صلى الله عليه وسلم:(لكلّ داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء بَرَأَ بإذن الله عز وجل) رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(تداووا عباد الله ؛ فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهَرَمَ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فَتَدَاوَوْا وَلا تَدَاوَوْا بحرام) رواه أبو داود.
    وقد يصل حكم التداوي في بعض الأحوال إلى الوجوب قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والتحقيق: أن منه ما هو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح ; ومنه ما هو مستحب وقد يكون منه ما هو واجب وهو: ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره كما يجب أكل الميتة عند الضرورة "[مجموع الفتاوى (18/12)]،وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم(69):«الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والعملية، ولما فيه من (حفظ النفس) الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع.وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص:
    - فيكون واجبًا على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية.
    - ويكون مندوبًا إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى.
    - ويكون مباحًا إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
    - ويكون مكروهًا إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها ".
    لكن السؤال الذي يطرح نفسه:هل العقم مرض حتى يمكن تطبيق النصوص السابقة عليه؟
    والجواب:أن المرض هو:"خروج الجسم عن اعتداله الطبيعي" وهذا ينطبق إلى حد كبير على العقم باعتبار أن القدرة على الإنجاب هي الحالة السوية للإنسان، أضف إلى هذا أن العقم وإن لم يسبب ضرراً مادياً ظاهراً في الجسم إلا أن مضارّه النفسية والاجتماعية تفوق كثيراً من الأمراض العضوية ؛ ومن ثَمّ فإن كثيراً من الباحثين المعاصرين لم يترددوا في اعتبار العقم مرضاً.
    والذي يبدو - والله أعلم - أن العقم لا يمكن عده مرضاً بإطلاق، ولكنه حالة غير سوية قد تكون ناتجة عن أسباب مرضية - وهذا هو الغالب -، وقد تكون أحياناً محض قضاء وقدر كما قال تعالى: {... وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(الشورى:50)يقول أحد الأطباء:"ومن الجدير بالملاحظة أنه في حياتنا العملية ودراستنا الطبية في علم الذكورة والعقم، نجد أنه بالرغم من سلامة كلّ من الزوجين من الناحية الإنجابية لا يحدث إنجاب على الإطلاق، وذلك على الرغم من سلامة الأعضاء التناسلية عند كلّ من الزوجين حسب المقاييس العلمية الحديثة"(عقم الرجال لعبد الخالق يونس ص100 ) ، لكنّ هذا لا يمنع من القول بمشروعية علاج العقم ؛ إذ إن أغلب أسبابه مرضية، أما حالات العقم التي لا يعلم الأطباء أسبابها فنسبتها قليلة (10-15%)،فإعمال قاعدة"العبرة بالغالب والنادر لا حكم له"يقتضي القول بمشروعية علاج العقم كسائر الأمراض.
    إذن الحديث عن علاج العقم هو حديث عن علاج الأسباب المرَضية التي أدت إليه، وهي كثيرة ومتنوعة، ولا يمكن البدء بعلاج العقم إلا بعد فحص المريض، وتشخيص الأسباب التي أدت إلى إصابته بالعقم.
    وتشخيص أسباب العقم الأصل جوازه ؛ وذلك لأنه وسيلة للعلاج، فإذا كان علاج العقم مشروعاً من حيث الأصل - كما تقدم - فيكون تشخيص أسبابه جائزاً كذلك عملاً بالقاعدة الشرعية "الوسائل لها أحكام المقاصد" .
    لكنّ القاعدة السابقة مشروطة بأن تكون الوسيلة في ذاتها مباحة، وتشخيص أسباب العقم يقتضي الاطلاع على العورات المغلظة لكل من الرجل والمرأة بل ومَسّها أيضاً، وكشف العورات أو النظر إليها محرم إجماعاً ، لكن بالنظر إلى أقوال الفقهاء المتقدمين نجد أنهم رخصوا في النظر إلى العورات لمصلحة التداوي، وهذا الترخيص مبني على القاعدة الشرعية"الحاجة تنزل منزلة الضرورة" وحاجة الناس إلى التداوي ظاهرة، ويدخل في ذلك علاج أسباب العقم، وأيضاً فإن تحريم كشف العورة والنظر إليها هو مما حرم سداً للذريعة،و"ما حرم سداً للذريعة يباح للمصلحة الراجحة" ولا شك أن حصول الذرية للزوجين من أعظم المصالح المطلوبة لهما، وعليه فيكون من الجائز شرعاً كشف المريض عن عورته واطلاع الطبيب عليها لتشخيص أسباب العقم ومن ثَم علاجه.
    لكن من المقرر شرعاً أن نظر الجنس إلى جنسه أخف من نظر الجنس إلى غير جنسه ، ومن ثَمّ فقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن إباحة مداواة الرجل للمرأة - إذا كان يستدعي ذلك النظر إلى عورتها أو مسها - مشروطة بعدم وجود امرأة تداويها ، فلا بد من مراعاة هذا الشرط في تشخيص العقم وعلاجه كسائر الأمراض، وليس الأمر كما توهمه بعض الأطباء من أن مجرد التداوي ضرورة تبيح النظر إلى العورات مطلقاً ولو اختلف الجنس ، بل لا يجوز للرجال أن يقوموا بفحص وتطبيب النساء ولا العكس إلا إذا تعذر وجود جنسه الذي يمكنه أن يقوم بذلك، كما لا يحل للطبيب أن يطالب المريض بالكشف عن عورته إلا إذا تعذر وجود الوسائل التي يمكن بواسطتها تحقيق الفحص والتشخيص بدون كشف العورة.
    وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (85):
    1.الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
    2.ويوصي المجمع أن تولي السلطات الصحية جل جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية، والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء ".
    وبعد بيان الحكم العام لتشخيص العقم وعلاجه، نقف مع أبرز أنواع علاج العقم وما يتعلق بها من أحكام شرعية ، وذلك كما يلي :
    العلاج الجراحي للعقم:العلاج الجراحي هو فن من فنون الطب يعالج الأمراض بالاستئصال أو الإصلاح أو الزراعة أو غيرها من الطرق التي تعتمد كلها على الجَرْح والشَّق والخياطة، وتنقسم الجراحة العلاجية إلى قسمين:
    [1]الجراحات الصغرى:وهي العمليات البسيطة التي تجرى عادة تحت التخدير الموضعي، وتقتصر غالباً على الأعضاء الظاهرة كالجلد والنسيج الدهني.
    [2]الجراحات الكبرى:وتشمل مختلف أنواع الجراحات التي تُجْرى على الأعضاء الحيوية، و تُجْرى عادة تحت التخدير العام أو الجزئي.
    والعلاج الجراحي للعقم نوع من الجراحة الحاجية، والعلاج الجراحي للعقم المتعلق بالرجل له صور متعددة، منها:
    (أ) إجراء عملية لعلاج دوالي الخصية في حال كانت هي المسببة للعقم.
    (ب) إجراء عملية لعلاج انسداد البربخ، سواء كان الانسداد خلقياً أو ناتجاً عن التهاب.
    (جـ) إجراء عملية لعلاج انسداد الحبل المنوي، وذلك بقطع الجزء المسدود، ثم إعادة توصيل الطرفين السليمين منه.
    وأما العلاج الجراحي للعقم المتعلق بالمرأة فله صور متعددة أيضاً ، منها:
    ( أ ) معالجة الانسدادات والالتصاقات في قناتي المبيض.
    (ب) معالجة حالات مرض انتباذة البطانة الرحمية.
    (جـ) معالجة حالات وجود حاجز أو التصاقات أو ألياف في داخل الرحم.
    ( د ) إزالة الأورام من الرحم والمبايض بالجراحة.
    والعلاج الجراحي للعقم هو نوع من التداوي، فيكون داخلاً في عموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي - والتي تقدم ذكرها - وأيضاً هو نوع من العلاج الجراحي فيكون داخلاً في الأدلة الدالة على مشروعية العلاج الجراحي بشكل عام ، ومنها:
    [1] أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب رضي الله عنه طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه(رواه مسلم ). فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر الطبيب على قطعه للعرق،وهذا ضرب من ضروب العلاج الجراحي، فدل ذلك على مشروعيته.
    [2] ومن الأدلة أيضاً الأحاديث الدالة على مشروعية الحِجامة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إن أفضل ما تداويتم به الحجامة" (رواه البخاري ومسلم) .والحجامة تقوم على شق موضع معيَّن من الجسم لمصّ الدم الفاسد واستخراجه، وهي بهذا المعنى تعد نوعاً من الإجراءات الجراحية العلاجية لتخليص الجسم من المواد الضارة، فتُعد أصلاً في مشروعية العلاج الجراحي.
    لكن لا بد من مراعاة الشروط العامة لجواز أي جراحة طبية، والتي من أهمها في مجال العلاج الجراحي للعقم شرطان هما:
    [1]ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضرراً من الجراحة: فإذا وجد بديل يمكن بواسطته علاج المريض - بإذن الله تعالى - كالعقاقير والأدوية لزم المصير إليه صيانةً لأرواح الناس وأجسادهم لئلا تتعرض لأخطار الجراحة ومضاعفاتها المحتملة، وهذا مما اتفق عليه الأطباء قديماً، وأكد عليه الأطباء المعالجون للعقم حديثاً.
    [2]أن تتوفّر الأهلية في الطبيب الجراح ومساعديه: ويتحقَّق ذلك بأمرين:
    الأول:المعرفة النظرية: فيجب أن تتوفر لدى الطبيب معرفة المهمة الجراحية التي يقدم عليها، والإحاطة بكافة تفاصيلها، فلا يجوز أن يتولى إجراء العملية الجراحية غير المتخصِّص.
    الثاني:القدرة العملية على إجراء الجراحة على الوجه المطلوب: وهذا يحصل بالمران والتدريب الطبي على إجراء العمليات الجراحية تحت إشراف المتخصصين ذوي الخبرة الواسعة.
    ونظراً إلى أن العلاج الجراحي للعقم بالنسبة للمرأة يعتبر من أدق أنواع الجراحة الطبية، فقد أكد كثير من الأطباء المعالجين للعقم إلى أهمية اختيار الطبيب المناسب الذي عنده القدرة والكفاءة على إجراء مثل هذه العمليات الدقيقة؛ وذلك لأن إجراءها عند طبيب غير متقن قد يترتب عليه ضرر أكثر من النفع المرجو، ومن هنا تأتي أهمية استشارة أكثر من طبيب قبل الإقدام على مثل هذا النوع من العلاج للعقم بالنسبة للمرأة .
    وللحديث بقية بإذن الله تعالى...

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(3)
    د. محمد بن هائل المدحجي




    العلاج الهرموني والنفسي للعقم3



    سبق الكلام في الحلقة الماضية عن حكم التداوي عموما،وعن حكم تشخيص العقم وعلاجه،وعن حكم علاج العقم بالوسائل الجراحية، وفي هذه الحلقة سنتكلم عن حكم العلاج الهرموني والنفسي للعقم.
    أولاً :العلاج الهرموني للعقم:
    الهرمون: مادة كيميائية تنظّم وتسير سلسلة من العمليات الحيوية في جسم الإنسان،تفرزها الغدد الصماء -الموزعة في مختلف أنحاء الجسم- في الدم مباشرة ،والاختلال الهرموني يعد من الأسباب الرئيسة المسببة للعقم- خاصة عند النساء -.
    وعلاج هذا الاختلال يكون عن طريق العلاج الهرموني المتمثل في إعطاء أدوية مركبة من الهرمونات الطبيعية المستخلصة أو المصنعة من أجل إعادة التوازن الهرموني إلى طبيعته،وهذه الأدوية منها ما يؤخذ عن طريق الفم، ومنها ما يحقن في العضل،ومنها ما يكون على هيئة تحاميل مهبلية،ومنها ما يزرع تحت الجلد فيظل يفرز الكمية المطلوبة من الهرمون لعدة أشهر.
    أما الحكم الشرعي للعلاج الهرموني للعقم فيختلف باختلاف مصدر هذه الهرمونات والتي قد تكون مصنعة وقد تكون طبيعية مستخلصة،والطبيع ية قد يكون مصدرها إنسانياً أو حيوانياً،وبيان حكم استعمال كل نوع منها كما يلي:
    أولاً:حكم الأدوية الهرمونية المصنعة:
    تستخدم الأدوية الهرمونية المصنعة على نطاق واسع في علاج العقم، وبدأ حديثاً تصنيع الأدوية الهرمونية بطريقة الهندسة الوراثية،واستعم ال الأدوية الهرمونية المصنعة الأصل فيه الحل والجواز، عملاً بالقاعدة الشرعية"الأصل في الأشياء الإباحة"التي دلّ عليها قوله جل وعلا:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً...}(البقرة:29)
    ثانياً:حكم الأدوية الهرمونية الطبيعية إنسانية المصدر:
    إن استخلاص الهرمونات من الإنسان وتصنيع الأدوية منها لا يختلف حكمه عن حكم نقل الأعضاء المتجددة من الإنسان مثل الدم، وهذا مما نقل بعض الباحثين اتفاق الفقهاء المعاصرين على جوازه،وصدر قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الرابعة المنعقدة في جدة في المدة من (18-23) جمادى الآخرة 1408هـ الموافق (6-11) فبراير 1988م بجواز ذلك، ونصه:"يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا كالدم والجلد،ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية،وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة".
    لكن مما يشكل على هذا الحكم أن بعض هذه الأدوية يتم استخلاص هرموناتها من بول النساء الآيسات مثل عقار (البروجينال)أو(ا هوميجون) أو من بول الحوامل مثل عقار(البريجنيل) أو (البروفازي)،ومعل وم نجاسة بول الآدمي .
    والجواب عن هذا الإشكال أن هذه الهرمونات لا تدخل في تركيب البول،بل هي عبارة عن مواد كيميائية مستقلة يكون البول حاملاً لها فقط،وبالتالي إذا تم استخلاصها فإنه لا يكون لها حكم البول من جهة النجاسة.
    وحيث قيل بالجواز فإنه لا بد من التنبيه إلى أنه لا يجوز بيع البول لنجاسته، وإنما يبذل من غير عوض،والذي يظهر أنه يمكن للمستشفيات أن تستفيد من عينات بول الحوامل المأخوذة للتحليل دون الحاجة إلى استئذان في هذا؛ وذلك لأن هذا البول عديم المالية، وحقه أن يتلف،فيكون الاستفادة منه في استخلاص الهرمونات محض مصلحة لا ضرر فيه، فلم يفتقر إلى إذن،والله تعالى أعلم.
    ثالثاً:حكم الأدوية الهرمونية الطبيعية حيوانية المصدر:
    في أول أمر صناعة الأدوية الهرمونية لعلاج العقم كانت الهرمونات المستخدمة في العلاج حيوانية المصدر،حيث كانت تستخلص من خصي الثيران،أو من مخ الخنازير،ثم حلت الأدوية الهرمونية المصنعة وإنسانية المصدر محلها.
    وهذه الأدوية الهرمونية حيوانية المصدر وإن لم يعد لها استعمال في الواقع العملي إلا إنه لا حرج في الإشارة إلى حكم استعمالها باختصار،والذي يمكن تلخيصه في النقطتين التاليتين:
    أولاً: استعمال الأدوية الهرمونية المستخلصة من خصي الثيران الأصل فيه الحل والجواز،عملاً بالقاعدة الشرعية "الأصل في الأشياء الإباحة"ولا يرِد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"ما قطع من البهيمة و هي حية فهو ميتة"(رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه)؛وذلك لأن المراد بالحديث الأجزاء التي تحلها الحياة،قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:"والخبر أريد به ما يقطع من البهيمة مما فيه حياة;لأنه بفصله يموت, وتفارقه الحياة"(المغني:1/57)،والهرمونات مواد كيماوية لا تحلها الحياة،فلا تكون داخلة في دلالة الحديث،والله أعلم.
    ثانياً:استعمال الأدوية الهرمونية المستخلصة من الخنازير محرم لا يجوز؛وذلك لأن تناول شيء من أجزاء الخنزير محرم إجماعاً،قال النووي رحمه الله تعالى:"وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه،ودمه،وسائر أجزائه"(المجموع: 9/7).
    ومن الأدلة على تحريم تناول شيء من أجزاء الخنزير:
    [1]قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ...}البقرة173
    [2]قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ... }المائدة3
    [3]{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ... }الأنعام145
    قال الجصاص رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{...أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ...}الأنعام145﴾:"فإنه قد تناول شحمه،وعظمه، وسائر أجزائه...ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك,وإنما ذكر اللحم؛لأنه معظم منافعه"(أحكام القرآن:2/430).
    وبناء على ما تقدم فإنه لا يجوز صناعة أدوية مستخلصة من الخنازير لعلاج العقم أو غيره؛ويضاف إلى ما تقدم من الاستدلال أمرين مهمين:
    [1]إن في صناعة الأدوية التي تحتوي على مواد مستخلصة من الخنازير تكثيراً للخنازير،وتربيت ها،والعناية بها، والمحافظة عليها،وهذا أمر مناف لمقصود الشارع المتمثل في إتلاف الخنازير،فقد قال صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده،ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب،ويقتل الخنزير"الحديث(رواه البخاري ومسلم)،وعيسى علي السلام إنما يحكم بشريعة الإسلام،فدل ذلك على أن الخنزير لا قيمة له؛لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه.
    [2]إن صناعة الأدوية التي تحتوي على مواد مستخلصة من الخنازير تؤدي إلى التجارة فيها بالبيع والشراء،وهذا أمر محرم لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام"(رواه البخاري ومسلم)،قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:"وأجمعوا على أن بيع الخنزير وشراءه حرام"(الإجماع ص 90).والله تعالى أعلم.
    ثانياً:العلاج النفسي للعقم
    العلاج النفسي هو:معالجة الاضطرابات الذهنية والانفعالية باستخدام وسائل علم النفس،وعلم النفس هو العلم الذي يهتم بدراسة السلوك أو الطبيعة البشرية.
    وقد تطور العلاج النفسي تطوراً كبيراً في العصر الحديث،وأنشئت عيادات متخصصة في علاج الأمراض النفسية،وتنطوي المعالجة النفسية في معظم الحالات على تبادل الحديث بين المعالج والمريض،وأحيانا ً يعطى المريض أدوية مهدئة للأعصاب ومزيلة للتوتر.
    وقد تقدم في حلقة سابقة بأن الأسباب النفسية قد تكون من أسباب العقم في بعض الحالات،فينصح الأطباء في هذه الحالات المريض بالعلاج النفسي وبمراجعة الطبيب النفسي.
    وهذا النوع من المعالجة هو نوع من التداوي،فيكون داخلاً في عموم الأدلة الدالة على مشروعية التداوي،ولكن مع مراعاة الضوابط الشرعية العامة،والتي من أهمها في مجال العلاج النفسي عدم الخلوة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها المتمثل في خلوة الطبيب بالمريضة أو الطبيبة بالمريض؛وذلك لأن هذا مما جاءت نصوص الشريعة بتحريمه والتحذير منه،ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"(رواه البخاري ومسلم)،وقوله:"ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"(رواه الترمذي).
    وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(4)
    د. محمد بن هائل المدحجي






    الحلقة الرابعة: زراعة الأعضاء التناسلية



    ما زال الحديث موصولاً مع الوسائل الحديثة لعلاج العقم،ومن هذه الوسائل (زراعة الأعضاء التناسلية) .
    فمـــــــع تقـــــدم الطــــب في العصـــــــر الحــــــاضـــر أصبـــــــح زرع الأعضــــــاء في جسم الإنسان أمراً واقعاً وملموساً،والمقص ــود بزراعة الأعضاء: " أخذ جزء من جسم إنسانٍ،ووضعه في موضع آخر من الإنسان نفسه أو غيره لمصلحة المنقول له".
    وإن مما هو ظاهر أن هذه المسألة - أي حكم زراعة الأعضاء التناسلية - متفرعة عن مسألة (حكم زراعة الأعضاء بشكل عام) وهي مسألة مختلف فيها أصلاً، فالحديث عن حكم زراعة الأعضاء التناسلية إنما هو عند القائلين بجواز زراعة الأعضاء بشكل عام،أما القائلون بالتحريم فمن البدهي أنهم سيذهبون إلى حرمة زراعة الأعضاء التناسلية.
    وقد صدرت قرارات وفتاوى من عدد من المؤتمرات،والمج امع الفقهية، والهيئات العلمية، ولجان الفتوى بجواز نقل الأعضاء بشكل عام،ومن أهمها: قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم( 26 ) ،والذي جاء فيه :
    أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
    ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
    ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر- كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية-.
    رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
    خامسا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها - كنقل قرنية العينين كلتيهما - أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
    سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته،أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
    سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها،مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو؛إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما،أما بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة، أو مكافأة وتكريمًا فمحل اجتهاد ونظر.
    ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر".
    والخلاف الذي أشرت إليه في حكم زراعة الأعضاء إنما هو في نقل الأعضاء من شخص وزرعها في آخر، فلا يدخل فيه النقل والزرع الذاتي الذي هو:"أخذ جزء من جسم إنسانٍ،ووضعه في موضع آخر من الإنسان نفسه"؛إذ لا قائل- فيما أعلم - بحرمة هذا النوع من زراعة الأعضاء ، لكن لا بد من توفر شروط الجواز المشار إليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي جاء فيه: " يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضوياً".
    ومن صور هذا النوع من الزراعة:نقل الجلد من الفخذ إلى العضد بسبب حرق أو مرض فيه، أو نقل وريد من الفخذ والساق إلى القلب، أو نقل العظام من موضع إلى آخر تهشمت فيه العظام أو أزيلت،أو نقل جزء من الأمعاء ليحل محل المعدة أو المريء،وكتبديل قرنية عين المصاب بالعمى إلى العين الأخرى التي تحتاج إلى القرنية لتبصر.
    ومن صور الزراعة الذاتية في مجال زراعة الأعضاء التناسلية:
    [1]انتزاع جزء يسير من الأمعاء الدقيقة وزرعه بدلاً من قناة المبيض في حال تلفها.
    [2] بناء مهبل باستخدام الأمعاء أو الترقيع الجلدي.
    [3] أخذ أنسجة من المبيض وتجميدها إلى حين الحاجة إلى الإنجاب،حيث يتم زراعة الأنسجة في المبيض مرة أخرى : وفكرة هذه العملية أن يقوم الأطباء بتجميد أجزاء من أنسجة المبيض التي تؤخذ من المرأة قبل الخضوع لعلاج السرطان، ومن ثَمَّ زرعها في المبيض بمجرد انتهاء العلاج، وقد تمت هذه الزراعة بنجاح في صفر( 1424هـ/أبريل 2003م ) لامرأة بلجيكية عمرها (32 سنة) أصيبت في عام (1417هـ/1997م) بنوع من مرض السرطان، وقبل أن تخضع للعلاج الكيميائي استؤصل منها نسيج مبيضي وجمد، وبعد أن شفيت بعد سبع سنوات زرع النسيج المبيضي مرة أخرى أسفل المبيض الذي كان في جسدها، وبعد أربعة أشهر من زراعة النسيج كانت عمليتا الطمث وإنتاج البويضات تسيران بصورة طبيعية، ثم حملت المرأة بعد مضي نحو( 25) أسبوعاً على عملية الزراعة، وأنجبت طفلة في رجب ( 1425هـ/سبتمبر 2004م).
    [4] استئصال المبيض السليم من امرأة ستخضع لعلاج إشعاعي للسرطان وزرعه في ذراعها: وفكرة هذه العملية أن يقوم الأطباء بإزالة المبيض بأكمله وأوعيته الدموية وربطه بالأوعية الدموية في الذراع، وبهذه الطريقة يمكن المحافظة على قدرة هذه المرأة على الإنجاب، ومتى ما أرادت أن تحمل فإنه سيتم شفط إحدى البويضات من المبيض وتخصَّب خارج الرحم، ومن ثَمَّ يتم غرس البويضة المخصبة في رحم المرأة، وقد تمت هذه الزراعة بنجاح عام( 1407هـ/1987م ) لفتاة فرنسية عمرها (18 سنة)، وقد تم زرع المبيض في ذراعها الأيمن، ثم تم إجراء عملية أخرى ناجحة في هولندا عام (1425هـ/2004م) لامرأة تبلغ من العمر (29 سنة) تعاني من سرطان عنق الرحم،وقد تم زرع المبيض في المنطقة الأمامية من الجزء العلوي من ذراعها الأيسر.
    وحكم الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية هو الجواز - كسائر صور النقل الذاتي -،لكن إذا تحققت الشروط المشار إليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي سابق الذكر، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
    [1] أن يكون هناك ضرورة أو حاجة لإجراء الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية.
    [2] أن تترجح مصلحة الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية على عدمه.
    [3] أن يغلب على الظن نجاح الزرع الذاتي للأعضاء التناسلية.
    وحيث قلنا بالجواز فيجب أن يكون ذلك بما لا يتعارض مع الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها، ومن أبرز الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في بيان ذلك، تلك الدراسات التي تهدف إلى بيان إمكانية جعل المرأة تحمل بعد سن اليأس باستخدام تقنية أخذ أنسجة من المبيض وتجميدها، ثم زرعها في مبيض المرأة بعد بلوغ سن اليأس لتحقيق رغبتها في الإنجاب.
    ومثل هذه الزراعة لا شك في حرمتها من جهتين:
    [1] لمصادمتها للفطرة وتضمنها لتغيير خلق الله عز وجل الذي يأمر به الشيطان من جهة، والله جل وعلا يقول:{... وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً*لَّعَ َهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً* وَلأُضِلَّنَّهُ مْ وَلأُمَنِّيَنَّ هُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً}سورة النساء، الآيات (117-119).
    [2] ولما يمكن أن تسببه هذه الزراعة من أضرار على هذه المرأة التي لم تعد أجهزة بدنها قادرة على تحمل متاعب الحمل من جهة أخرى، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" رواه ابن ماجه.
    ننتقل الآن لبيان حكم نقل الأعضاء التناسلية من شخص لآخر والذي يسميه الأطباء بـ (النقل المتباين).
    لا بد من الإشارة أولاً إلى أن الأعضاء التناسلية يمكن تقسيمها إلى قسمين:
    القسم الأول: ما له دخل في نقل الخصائص الوراثية للإنسان، وهو شيئان:
    [1] الخصيتان: وهما مصدر الحيوانات المنوية التي تعتبر البذرة التي منها تنتقل خصائص الرجل وخصائص أصوله إلى ذريته.
    [2] المبيضان: وهما مصدر البويضات التي تعتبر بذرة المرأة التي منها تنتقل خصائصها وخصائص أصولها إلى ذريتها.
    القسم الثاني: ما ليس له دخل في نقل الخصائص الوراثية، وذلك كالذكر بالنسبة للرجل فإنه مجرد أداة لنقل المني، وكقناتي المبيض فإنهما مجرد طريق لنقل البويضات بعد تلقيحها، وكذلك الرحم فإنه مجرد محضن.
    وبناء على هذا التقسيم يمكن أن نبين حكم الزرع المتباين للأعضاء التناسلية :
    أولاً: حكم زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف (المبيضين والأنثيين):
    يحرم زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف،والدليل على ذلك :
    [1] إن الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف (المبيض و الخصية) إذا نقلت إلى المريض فإنها تستمر في إفراز الحيوانات المنوية والبويضات الحاملة للصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للشخص المنقول منه؛لكون هذه الغدد التناسلية تقوم بإنتاج النطف بواسطة خلايا ثابتة فيها تظل تابعة من الناحية الوراثية للمنقول منه؛فيكون الأبناء في الحقيقة تابعين لصاحب الخصية أو المبيض المنقول منه في الشبه وجميع الأوصاف الوراثية، ومن ثَمَّ يحدث اختلاط الأنساب.
    [2] إن في زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف اطلاعاً على العورة بدون ضرورة شرعية معتبرة .
    [3] إن زراعة الأعضاء التناسلية المنتجة للنطف ما هو إلا صورة من صور الإخصاب لبويضة من حيوان منوي ليس من الزوج،أو إخصاب حيوان منوي من الزوج لبويضة ليست لزوجته فيكون محرمّاً.
    ثانياً: حكم زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف:
    يجوز زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف ما عدا العورات المغلظة.
    ودليل جواز زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف :
    [1] أن الغرض من زراعة الأعضاء التناسلية غير المنتجة للنطف هو تحصيل النسل والاستمتاع والجمال المطلوب لكل إنسان،وهذه مصالح معتبرة شرعاً، فإذا كانت معتبرة شرعاً جاز السعي في تحقيقها.
    [2] القياس على سائر الأعضاء التي تجوز زراعتها، بجامع أن الجميع عضو لا يوجب نقله انتقال الصفات الوراثية من المنقول منه إلى المنقول إليه .
    [2] أما دليل عدم جواز زراعة العورات المغلظة، فذلك لما يلي:
    (أ) أن الأصل في الفروج الاحتياط والتحوط والتورع والمنع، ومن قواعد الشريعة المقررة أن" الأصل في الأبضاع التحريم ".
    (ب) إن مما تجافيه الأخلاق الإسلامية والأدلة العامة للشريعة الإسلامية أن يعاشر الإنسان امرأته بعضو غيره، أو يعاشر عضو غير زوجته، فيكون هذا من قبيل الوطء المحرم.
    وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم ( 57 ) بشأن زراعة الأعضاء التناسلية ، وفيه:
    " أولاً: زرع الغدد التناسلية : بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلقٍّ جديد ، فإن زرعهما محرم شرعاً .
    ثانياً: زرع أعضاء الجهاز التناسلي : زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة – جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 26 (1/4) لهذا المجمع " .
    وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(5)
    د. محمد بن هائل المدحجي





    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(5)





    التلقيح الصناعي (الحلقة الخامسة)

    نبدأ الحديث في هذه الحلقة مع نازلة من نوازل العصر لها تعلق بعلاج العقم وهي نازلة (التلقيح الصناعي) ، والحقيقة أن التلقيح الصناعي ليس علاجاً للعقم من جهة أن الأسباب التي أدت لعدم الإنجاب باقية كما هي ، لكن يتم التدخل عبر التلقيح الصناعي حتى يحصل الإنجاب رغم بقاء أسباب العقم .
    والتلقيح في اصطلاح الأطباء هو:" التقاء الخلية الجنسية المذكرة بالخلية الجنسية المؤنثة، فيختلطان ليكونا اللقيحة " ، أوهو: " دخول الحيوان المنوي المذكر في بويضة الأنثى ".
    والطريق المعتاد لحصول الولد هو أن يتصل الرجل بالمرأة اتصالاً حقيقياً عن طريق الجماع، فيحصل الالتقاء بين ماء الرجل وبويضة المرأة، فيتم الحَبَل بإذن الله، ومن ثمَّ الولادة، وهذا هو المقصود بالتلقيح الطبيعي.
    وهذا النوع من التلقيح هو الذي فطر الله الناس عليه، وهو الأصل في طلب الولد لأمور منها:
    [1] أنّ الجماع من المقاصد الرئيسة في الزواج؛ لما فيه من المتعة واللذة التي أوجدها الله تعالى للزوجين، ولما فيه من تحصين الفرج وحفظه عن الوقوع في الفواحش.
    [2] أنّ الجماع بين الزوجين بالحالة الطبيعية أستر للزوجين وأصون لهما، ولا شكّ أنّ كشف العورة لغير الزوجين أمر تحرِّمه الشريعة وتنهى عنه، إضافة إلى نفور ذوي الطباع السليمة منه.
    [3] أنّ الله تبارك وتعالى شدّد في حفظ النسب، ولعن من انتسب إلى غير أبيه، ولا شكّ أنّ الإنجاب من الجماع الطبيعي بين الزوجين أمر مضمون العاقبة سليم النتيجة، بخلاف التلقيح الصناعي الذي قد تكتنفه الشكوك وتحوم حوله .
    لكن قد لا يتحقق الإنجاب من خلال التلقيح الطبيعي؛ لوجود خللٍ في الزوجين أو أحدهما تعذر علاجه ، الأمر الذي يجعلهما في حاجة إلى سلوك طريق آخر يتمّ عن طريقه حصول الولد، وهو ما يعرف بالتلقيح غير الطبيعي أو التلقيح الصناعي، وهو : نقل الحيوانات المنوية للرّجل، ووضعها في الجهاز التَّناسلي للمرأة، أو الحصول على الحيوان المنويّ للرّجل وبويضة المرأة، وتلقيحها خارج الرَّحم في أنبوب، ثمّ إعادة زرعهما بطريقة طبيَّة معيَّنة في رحم المرأة.
    ومن خلال ما تقدم يمكن تقسيم التلقيح الصناعي بالنظر إلى مكان حدوث التلقيح إلى نوعين رئيسين، وهما:
    [1] التلقيح الصناعي الداخلي : وهو: إدخال مني الرجل في المجاري التناسلية للمرأة بغير اتصال جنسيّ، عن طريق حقنه في الموقع المناسب داخل مهبل المرأة أو رحمها، بطريقة اصطناعية بواسطة المحقن، بهدف الإنجاب.
    [2] التلقيح الصناعي الخارجي : ويسمى عند الأطباء بطفل الأنبوب، وهو عبارة عن أخذ بويضة المرأة، وتلقيحها بمنيِّ الرَّجل خارج الجسم في أنابيب خاصة، وذلك بوسيلة طبيَّة معيَّنة، وبعد أن يتمّ تكوين البويضة الملقحة، وتبدأ بالانقسام والتكاثر في الأنبوب، تنقل إلى داخل الرحم، وتزرع في جداره، ثم تترك بعد ذلك لتنمو وتتطوَّر.
    ويلجأ الأطباء إلى التلقيح الصناعي الداخلي في بعض الحالات المرضية مثل:
    [1] إذا كانت حموضة المهبل تقتل الحيوانات المنوية للزوج بصورة غير اعتيادية.
    [2] في حال كثافة إفرازات عنق الرحم، بحيث تمنع هذه الإفرازات الحيوانات المنوية من الدخول.
    [3] في حال قلة الحيوانات المنوية عند الرجل، أو ضعفها وكثرة عدد أشكالها المشوهة وغير المتحركة.
    [4] في حال كون الزوج عنيناً، أو سريع الإنزال، مع قدرته على إنتاج حيوانات منوية سليمة.
    [5] إذا كان هناك تضاد مناعي بين الخلايا الجنسية للزوج والزوجة.
    [6] إذا أصيب الزوج بمرض يستدعي العلاج بالأشعة والعقاقير التي تؤدي إلى العقم، فتؤخذ دفعات من المني وتحفظ، ثم تلقح الزوجة بها في الوقت المناسب.
    كما يلجأ الأطباء إلى التلقيح الصناعي الخارجي في بعض الحالات المرضية مثل:
    [1] انسداد قناتي المبيض أو تلفهما لدى المرأة، بسبب الالتهابات أو بسبب نقص في التكوين، بحيث لا تسمح للحيوانات المنوية بالوصول إلى البويضة لإخصابها، وهذا هو السبب الرئيس لإجراء التلقيح الصناعي الخارجي.
    [2] في حال قلة الحيوانات المنوية عند الرجل، أو ضعفها وكثرة عدد أشكالها المشوهة وغير المتحركة.
    [3] إذا كان هناك تضاد مناعي بين الخلايا الجنسية للزوج والزوجة.
    [4] في حال وجود مرض انتباذ البطانة الرحمية عند المرأة.
    [5] في حالات العقم غير معروفة السبب سواءً للزوج أو للزوجة.
    ويجب ملاحظة أن نسبة نجاح عملية التلقيح تتراوح بين (10-15%)، و(10-30%) في أفضل التقادير. ويتفق التلقيح الصناعي الخارجي مع التلقيح الصناعي الداخلي في كون التلقيح يتم فيهما جميعاً دون اتصال الرجل بالمرأة عن طريق الجماع، لكنه يخالفه في أن التلقيح يتم خارج جسد المرأة، أما في الداخلي فيتم داخل جسد المرأة.
    وباستقراء أهداف التلقيح الصناعي نجد أنها لا تخرج عن الأهداف العشرة التالية _ بغض النظر عن حكمها الشرعي _ :
    [1] تحقيق الإنجاب للأزواج غير القادرين على الإنجاب: وهذا هو الهدف الرئيس، والذي من أجله ظهرت تقنية التلقيح الصناعي.
    [2] تحقيق الإنجاب للأزواج غير القادرين على الاتصال الجنسي المباشر بسبب غياب الزوج لمدة طويلة: ومما يدخل تحت هذا الهدف:
    (أ) تحقيق الإنجاب في حال سفر الزوج لمدة طويلة بسبب عمله في بقاع نائية، أو لكونه يحارب خارج بلاده، فيقوم الزوج بحفظ سائله المنوي في بنك المني، فتستطيع زوجته إجراء تلقيح صناعي أثناء مدة غيابه. : وقد كان الجنود الأمريكيون في حرب فيتنام وحرب الخليج (عاصفة الصحراء) يعطون منيهم لبنوك المني من أجل تحقيق هذا الهدف .
    (ب) تحقيق الإنجاب في حال الحكم على الزوج بالسجن لمدة طويلة، حيث يرى البعض أن التلقيح الصناعي حق للمحكوم عليه؛ وذلك حتى لا يؤدي سلب هذا الحق منه إلى عدم قدرته على الإنجاب فيما بعد، خاصةً إذا طالت فترة العقوبة المحكوم بها.ومن ذلك ما نشر في بعض المواقع الإلكترونية من تلقيح النساء صناعيا من أزواجهن على أرض فلسطين، نظرا لصعوبة الالتقاء بسبب وضع هؤلاء الرجال في سجون الاحتلال الصهيوني!
    [3] تحقيق الإنجاب للمرأة من زوجها المتوفى: فهنا ترغب المرأة في أن تحمل من زوجها الذي مات، وغالباً ما يكون الزوج قد خلّف حيوانات منوية مجمدة في بنك المني، وقد يتم استخراج الحيوانات المنوية من الزوج بعد وفاته، فتقوم المرأة بإجراء التلقيح الصناعي لهذا الهدف.
    [4] تحقيق الإنجاب لامرأة غير متزوجة: فهنا ترغب امرأة غير متزوجة في أن تحمل، فتقوم بشراء حيوانات منوية من بنك المني ليتم تلقيحها بها، أو تقوم بشراء بويضة ملقحة من بنوك الأجنة ليتم غرسها في رحمهما لتتحقق لها رغبتها.
    [5] تحديد جنس الجنين: فهنا يكون الغرض من إجراء التلقيح الصناعي هو اختيار جنس الجنين ليس إلا، فبعد أن يتم التلقيح وتبدأ اللقيحة في الانقسام، يتم استعمال تقنية التشخيص الوراثي، وذلك لمعرفة ما إذا كانت اللقيحة ذكراً أو أنثى، وفي حالة كون اللقيحة من الجنس المطلوب تنقل إلى الرحم، وإلا فلا.
    [6] تجنب التشوهات الوراثية للأجنة: فهنا يكون الغرض من إجراء التلقيح الصناعي هو الخوف من إصابة الجنين بتشوهات خلقية وراثية، فيتم استعمال تقنية التشخيص الوراثي والفحص الجيني، وذلك لمعرفة ما إذا كانت اللقيحة مصابة بالمرض الوراثي أم لا، فإذا كانت مصابة تم استبعادها، وإذا كانت سليمة يتم نقلها إلى الرحم.
    [7] تحقيق إنجاب ذرية بمواصفات معينة: فبنوك المني في البلاد الغربية تشتري النطف من المتميزين في المجتمع: كمخترع، أو عالم، أو لاعب مشهور، أو مغنٍّ ذائع الصيت، أو من الفائزين في مسابقة كمال الأجسام ونحو هؤلاء، فيمكن للراغب في شراء مني شخص ذي مواصفات معينة دفع الثمن، وإجراء التلقيح الصناعي، وانتظار المولود.
    [8] حصول المرأة على ذرية بدون تحمل تبعات الحمل والولادة: فقد يكون وضع المرأة الاجتماعي لا يمكنها من القيام بعمليتي الحمل والولادة؛ لكونها تشغل منصباً لا تستطيع مع وجوده التفرغ للحمل والولادة، فتلجأ إلى التلقيح الصناعي، ولكن مع استئجار أم بديلة تقوم بحمل الجنين بدلاً عنها، ثم تسليمه لها بعد ولادته.
    [9] تحقيق هدف علمي: فالهدف هنا من إجراء التلقيح الصناعي أن يصل العلم إلى نتائج معينة مقطوع بنجاحها وصحتها بعد أن كانت محل شك واختلاف، ثم بعد ذلك تستفيد منها البشرية جمعاء.
    [10] زيادة عدد أفراد المجتمع: فقد ذكر بعضهم أنه يمكن في الحالات التي يقل فيها عدد أفراد المجتمع - وخاصة الرجال منهم - بسبب الحروب أو الأوبئة العامة أن يتم تعويض النقص من خلال التلقيح الصناعي، وهذا افتراض نظري، لكن لا يبعد وقوعه يوماً ما في البلاد التي لا تقيم للنسب وزناً.
    فهذه أبرز أهداف التلقيح الصناعي ، منها الجائز ومنها المحرم ، وهذا ما سيتبين إن شاء الله تعالى من خلال الحديث عن أحكام التلقيح الصناعي ، والتي نشرع في بيانها فيما يلي :
    أولاً : حكم التلقيح الصناعي بين نطفتي الزوجين
    اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التلقيح الصناعي بين نطفتي الزوجين ، والصحيح أن التلقيح الصناعي بين نطفتي الزوجين جائز بشروط وضوابط معينة، وإليه ذهب المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، واللجنة الفقهية الطبية الدائمة في الأردن، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وهو قول أكثر الفقهاء والباحثين المعاصرين.
    وشروط جواز التلقيح الصناعي كما يلي:
    [1] أن تدعو الحاجة لإجراء التلقيح الصناعي، بأن يكون التَّلقيح الصِّناعي هو الوسيلةَ الوحيدة الممكنة للإنجاب: وهو ما يعني أن يكون اللُّجوء إلى هذه الوسيلة بعد استنفاذ كافة الوسائل الأخرى الممكنة لعلاج أيّ مانعٍ من موانع الإنجاب؛ فإذا استحال العلاج أمكن اللُّجوء إلى هذه الوسيلة إذا أمكن حصول الإنجاب بها.
    [2] أن يؤمن اختلاط الأنساب بوجود ضمانات كافية تمنع استعمال مني غير الزوج وبويضة غير الزوجة في كل مراحل التلقيح الصناعي، وأن يصدر قانون ينظم هذه العملية، بحيث يترتب على كل من يتلاعب بها عقوبات رادعة.
    [3] أن يتم التحقق من قيام الزوجية بين من أخذ منه السائل المنوي والمرأة المراد تلقيح بويضتها، فلا يكفي أن تتمَّ عمليّة التَّلقيح الصناعي بين رجل وامرأة تربطهما علاقة زوجية، بل يجب إضافة إلى ذلك أن تتمَّ عملية التَّلقيح والعلاقة الزَّوجية ما زالت قائمةً، وأن يتم التلقيح بالتراضي بين الزوجين.
    [4] أن يتم مراعاة أحكام كشف العورة المتعلقة بالفحص الطبي، والتي تتمثل في أن يكون كشف العورة عند الضرورة أو الحاجة المقدرة بقدرها، وأن يكون المعالج امرأة مسلمة إن أمكن ذلك، وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب، فإن كان الذي يجري عملية التلقيح رجلاً فيشترط انتفاء الخلوة.
    والدليل على جواز التلقيح الصناعي بين نطفتي الزوجين:
    [1] الأدلة العامة الدالة على جواز التداوي، والتلقيح الصناعي لحاجة الإنجاب من جنس التداوي.
    [2] قياس التلقيح الصناعي على التلقيح الطبيعي الذي يقع بين الزوجين عن طريق الوطء، فهو لا يختلف عنه إلا في طريقة إيصال المني إلى البويضة.
    [3] أن من مقاصد الشريعة الإسلامية إبقاء النسل وحفظه، ومن أهم مقاصد الزواج في الإسلام إنجاب الأبناء، وهذا يتحصَّل عن طريق التلقيح الطبيعي، ولكن إذا تعذر فإنه يلجأ إلى التلقيح الصناعي، فهو محقق - بإذن الله - لهذا المقصد العظيم، فيكون جائزاً في ظل قيام الزوجية، وبرضى الزوجين.
    [4] أن حاجة المرأة المتزوجة وحاجة زوجها إلى الولد تعد غرضاً مشروعاً يبيح لهما هذا الأسلوب من أساليب التلقيح بشروطه وضوابطه، الشريعة الإسلامية قائمة على اليسر ودفع المشقة والحرج عن المكلف، وفي إباحة التلقيح الصناعي بين نطفتي الزوجين دفع للحرج والمشقة عن الزوجين بإنجاب طفل يسعدان به، وتحقيق لتمام نعمة الزواج لهما.
    فالولد من أشدِّ ما تدعو حاجة الإنسان إليه، ولذلك امتنَّ الله به على عباده في كثيرٍ من الآيات، ووصفه بأنه هبةٌ منه سبحانه وتعالى، فقال سبحانه:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ}(الشورى:49) وعدَّه هو والمالَ زينةَ الحياة الدنيا، فقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... }(الكهف:46)، وها هو نبي الله زكريا يسأل ربه الولدَ، فيقول: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}(مريم 5:6) ، فتأتيه البشارة من الله سبحانه وتعالى في قوله: {َيا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّا}(سورة مريم: 7)، ومن ثَمّ جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي: " أن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل، وحاجة زوجها إلى الولد، تعتبر غرضًا مشروعًا يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي ".
    لكن لا بد من الإشارة إلى أن بعض الباحثين منعوا التلقيح الصناعي، وأبرز ما استدلوا به للمنع أمران:
    الأمر الأول : أن في التلقيح الصناعي كشفاً لعورة المرأة المغلظة أمام الطبيب - وهو رجل أجنبي - في مقابل أن هذا التلقيح لا يعد ضرورة يباح من أجلها التكشف والتعري، كما أن منفعته موهومة؛ إذ لا تتجاوز نسبة النجاح فيه (20-30%) .
    وقد نوقش هذا الدليل من وجوه:
    الأول: أن الشخص الذي لم ينجب لعارض يعد مريضاً يحتاج إلى الدواء، وقد أجاز الفقهاء كشف العورة والنظر إليها لحاجة التداوي، فيجوز كشفها لحاجة التلقيح.
    الثاني: على فرض أن الإنجاب ليس من الضرورات فهو مطلوب شرعاً، وهذا يتضمن الإذن بعلاج ما يمنع منه، والإذن بالعلاج يتضمن الإذن بكشف العورة، فيقاس على الختان، حيث ذهب كثير من العلماء إلى أنه سنة، ومع ذلك فقد أجازوا كشف العورة لأجله.
    الثالث: أن كشف العورة في هذا التلقيح لم يأت على سبيل القصد؛ لأن القصد منه تحقيق الإنجاب للزوجين، وإنما جاء على سبيل التبع، ومن القواعد الفقهية " يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها ".
    الرابع: أن ما ذكر من أن منفعة التلقيح الصناعي موهومة إنما يرجع فيه لأهل الاختصاص، والحمل قد يتحقق بإذن الله بهذا التلقيح وإن كانت نسبة نجاحه ضعيفة، ثم إن المسلم مأمور بالأخذ بالأسباب المشروعة أما النتائج فهي بإذن الله تعالى.
    أما الأمر الثاني الذي استدل به من منع التلقيح الصناعي أنه يؤدي إلى إثارة الشكوك والشبهات في صحة الأنساب؛ وذلك أنه من الممكن الخطأ في البويضات وفي الحيوانات المنوية، فتلقح البويضات بمني غير الزوج، وهذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، بل قد يبدّل الطبيب نطفة الزوج بنطفة غيره عن عمد وسوء نية، لاسيما في الطبقات التي تجهل تعاليم الإسلام، أو لا تعبأ بها لضعف الدين فيها، وقد حرم الله الزنا والتبني؛ لأنهما من أسباب اختلاط الأنساب، فكذلك التلقيح الصناعي.
    وقد نوقش هذا الدليل: بأن التلقيح الصناعي لا يجوز إلا بالشروط والضوابط التي قررها المجيزون له، وفيها من الاحتياطات ما يمنع من حدوث مثل تلك المحاذير التي ذكرت، فنسب الطفل ثابت لوالديه، ولا مجال للشك فيه.
    ومن جهة أخرى فإنه يلاحظ أن الكثير من المراكز الطبية تُجري الآلاف من التحاليل، ومع وجود احتمال الخطأ تبقى الثقة بها قائمة، ومن البدهي أنه يحرم إجراء مثل هذا التلقيح في المراكز غير الجديرة بالثقة.
    إذن القول بجواز التلقيح الصناعي بنوعيه بين نطفتي الزوجين هو الصحيح.
    ومما هو جدير بالذكر أن بعض الباحثين ذهب إلى أنه لا يجوز إجراء التلقيح الصناعي في بلاد الكفار؛ نظراً لعدم انطباق شروط المجيزين هناك، وهذا ظاهر جداً، اللهم إلا أن يوجد مركز طبي في بلد من بلاد الكفار يقوم عليه مسلمون، وتطبّق فيه الشروط السابقة، فهنا تنتفي الحرمة؛ وذلك لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
    ومن جهة أخرى فإنه يمكن أن يضاف إلى شروط جواز التلقيح الصناعي ألا يتم أخذ مني الرجل في نهار رمضان - إن كان ممن يجب عليه الصوم -؛ لما يترتب على ذلك من إفساد الصوم دون ضرورة .
    وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(6)
    د. محمد بن هائل المدحجي


    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(6)





    حكم إجراء التلقيح الصناعي بعد افتراق الزوجين
    (الحلقة السادسة)

    بدأنا الحديث في الحلقة السابقة عن التلقيح الصناعي وأحكامه ، وانتهينا من بيان حكم التلقيح الصناعي بين نطفتي الزوجين ، ونأتي الآن لبيان حكم آخر من أحكام التلقيح الصناعي وهو :
    حكم إجراء التلقيح الصناعي بعد افتراق الزوجين : وافتراق الزوجين يمكن أن يكون بسبب الطلاق، ويمكن أن يكون بسبب الوفاة، وتقدم بأن من الشروط التي اشترطها المجيزون للتلقيح الصناعي أن تكون الزوجية قائمة عند إجراء عملية التلقيح الصناعي، وبناء على ذلك فإن لا يجوز بحال من الأحوال إجراء التلقيح الصناعي بعد افتراق الزوجين بطلاق أو وفاة .
    ويستثنى من ذلك عند بعض الباحثين : ما إذا كان الطلاق رجعياً، وتم التلقيح في أثناء العدة برضا الزوج ، بناء على أن الرجعية زوجة في باب المعاشرة والخلوة والنظر، فيجوز لها أن تتزين لزوجها، وله أن يطأها، وأن يخلو بها، وهذا الاتجاه يمثله الحنفية والحنابلة- رحمهم الله - .قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : " والرجعية زوجة يلحقها طلاقه , وظهاره , وإيلاؤه , ولعانه , ويرث أحدهما صاحبه , بالإجماع " المغني (7/400)، كما أن الله عز وجل سمى المطلق طلاقاً رجعياً زوجاً فقال تعالى:{... وَبُعُولَتُهُنّ َ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ...}(البقرة228)، ويعد الإذن بإجراء التلقيح الصناعي من قبل الزوج رجعة إن نوى بذلك الرجعة ، والله أعلم .
    ومن الأحكام المتعلقة بالتلقيح الصناعي : حكم المشاركة بالنطف (الحيوانات المنوية والبويضات) في التلقيح الصناعي : وتعتبر المشاركة بالنطف (الحيوانات المنوية والبويضات) في التلقيح الصناعي وسيلة من وسائل الحمل الحديثة في المجتمعات غير الإسلامية، بل ومن وسائل تحقيق المكاسب المالية من خلال بيع هذه النطف أو حتى الأجنة المجمدة لزوجين عقيمين راغبين في الإنجاب، أو لامرأة ليست ذات زوج راغبة في الإنجاب.
    ويلجأ الأطباء إلى مني أجنبي في الحالات الآتية:
    [1] غياب الحيوانات المنوية في السائل المنوي للزوج.
    [2] حمل الزوج خصائص وراثية مشكوك بسلامتها.
    [3] عدم موافقة كروموسومات -أي مورثات -الزوج لكروموسومات الزوجة بسببب القرابة مثلاً، وتكون المرأة قد أنجبت عدداً من الأطفال المشوهين.
    ويلجأون إلى بويضة أجنبية في حال انعدام التبويض لدى الزوجة، وربما اجتمع الأمران مع سلامة رحم المرأة، فهنا يتم تلقيح بويضة أجنبية بماء أجنبي ، ومن ثَمّ زرع اللقيحة في رحم الزوجة .
    والمشاركة بالنطف (الحيوانات المنوية والبويضات) في التلقيح الصناعي أمر محرم بالإجماع، قال الشيخ الدكتور بكر بن عبدالله أبوزيد رحمه الله تعالى : " هو حمل سفاح محرم لذاته في الشرع تحريم غاية لا وسيلة قولاً واحداً، وهذا ما لا نعلم فيه خلافاً بين من بحثوا هذه النازلة، وهذا ما توجبه الفطرة السليمة، وتشهد به العقول القويمة، وقامت عليه دلائل الشريعة "[ فقه النوازل (1 / 269) ] .
    ومن الأدلة على هذا التحريم ما يلي:
    [1] قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ...}(الممتحنة12)، وتلقيح الزوجة بنطفــة رجـــل أجنبي عنها من البهتان الذي تأثم به المرأة، وكل من وافقها على هذا.
    [2] أن هذه الوسيلة فيها صورة الزنا، حيث تؤدي إلى اختلاط الأنساب؛ لأن البذرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين، بل مصدر اللقيحة والمني أجنبيان عن بعضهما، ولا يجمعهما أي رابطة شرعية، واختلاط الأنساب أحد أسباب تحريم الزنا، وبالتالي تكون هذه الوسيلة محرمة كالزنا.
    [3] أن هذه الوسيلة تخرج الإنسان عن المستوى الإنساني، وتزج به في دائرة الحيوان.
    [4] أن هذه الوسيلة أفظع جرماً من التبني؛ لأن الولد المتبنى يمكن أن ينشأ من زوجين بينهما عقد زواج شرعي، إلا أن المتبني ألحقه به، وأما الولد الناشئ عن هذا التلقيح فهو يجمع بين نتيجة التبني المذكور، وانعقاده بطريقة محرمة.
    أما الصور التي يكون فيها تبرع بالبويضات فمن أدلة تحريمها غير ما تقدم: أن فيها ضياعاً للأمومة واختلاطاً للأنساب، كما أن جزءاً من اللقيحة الناتجة، والتي ستغرس في رحم الزوجة خارج عن نطاق الزوجين، وهذا غير مأذون به شرعاً.
    لكن ما هو أثر المشاركة بالنطف في إقامة حد الزنا:
    لا خلاف بين الفقهاء - رحمهم الله - في أن الحقيقة الشرعية للزنا لا تكون بغير وطء في فرج؛ ويدل على ذلك حديث ابن عباس { قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت). قال: لا يا رسول الله، قال: (أَنِكْتَهَا) لا يَكْنِي، قال: فعند ذلك أمر برجمه [رواه البخاري ] .
    وبناء على ذلك فإن من المقطوع به أن حد الزنا لا يثبت في حال ما إذا تم التلقيح الصناعي بين حيوان منوي لرجل وبويضة لامرأة لا تربطهما علاقة الزوجية؛ وذلك لعدم وجود الحقيقة الشرعية للزنا، وإلى هذا ذهب عامة الباحثين والفقهاء المعاصرين، بل حكاه بعضهم اتفاقاً .
    لكن لا بد من التنبّه إلى أن عدم ثبوت حد الزنا لا يعني أن يفلت من قام بهذه العملية من العقوبة؛ إذ القاعدة المقررة عند الفقهاء - رحمهم الله - أن من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة فإنه يشرع في حقه التعزير، فالواجب تعزيز كل من شارك في هذه العملية، ولولي الأمر أو من ينيبه أو القضاة تحديد العقاب المناسب لهذه الجريمة.
    تأجير الأرحام :
    المراد بتأجير الرحم: أن يتفق الزوجان مع امرأة أخرى على غرس بويضة الزوجة الملحقة بماء زوجها في رحم هذه المرأة بأجر متفق عليه، وتسمى المرأة الثانية: الأم الحاضنة، والأم البديلة، والرحم الظئر، ومؤجرة البطن، والأم المستعارة، والرحم المستعار، والأم بالوكالة.
    وفي حال تأجير الرحم الأصل أن تكون البداية بالتلقيح الصناعي الخارجي، حيث تؤخذ بويضة الزوجة، ويتم تلقيحها بماء الزوج، ثم تغرس اللقيحة الناتجة في رحم المرأة المستأجرة، لكن يمكن أن يتم التلقيح داخلياً، ثم يتم التقاط البويضة، وبعد ذلك يتم غرسها في رحم المرأة المستأجرة.
    ويلجأ الزوجان إلى الاستعانة برحم امرأة أخرى عند وجود أحد الأسباب الآتية:
    أولاً: الأسباب المرضية: مثل أن يكون رحم الزوجة مصاباً بتشوهات أو أمراض لا يمكن الحمل مع وجودها، أو أن يكون رحمها قد أزيل بجراحة، أو أنه غير موجود أصلاً، أو أن يكون الحمل يشكل خطورة على حياة الأم.
    ثانياً : الأسباب غير المرضية: مثل أن يكون وضع المرأة الاجتماعي لا يمكنها من القيام بالحمل والولادة؛ لكونها تشغل منصباً لا تستطيع مع وجوده التفرغ للحمل والولادة، أو أنها ترغب في الحصول على الولد دون الدخول في مشاق الحمل ترفهاً، أو خشية أن تفقد شيئاً من جمالها .
    و استئجار امرأة لتقوم بالحمل والولادة محرم لا يجوز ، والدليل على ذلك :
    [1] الأصل في الفروج التحريم كما دل على ذلك قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(المعارج31:29)، وعلى هذا فما كان في نطاق الزوجين فمأذون فيه إلا ما ورد فيه شيء بتحريمه، وما خرج عن نطاقهما فيبقى على أصل التحريم، وزرع اللقيحة المتكونة من الزوج والزوجة في رحم أجنبية عنهما خارج عن نطاقهما، فيكون محرّماً.
    [2] إن استئجار امرأة لتقوم بالحمل والولادة غير مشروع لعدم قابلية الرحم للبذل والإباحة؛ وذلك للمحافظة على صحة الأنساب ونقائها، والبعد عن اختلاطها، وإنما حُرّم بضع المرأة على غير زوجها؛ لأنه يؤدي إلى شغل رحمها بنطفة لا يسمح الشرع بوضعها فيها، وهذا يدل على عدم قابلية الرحم للبذل والإباحة.
    [3] إن الشرع حرم كل ما يؤدي إلى حدوث النزاع والخلاف بين الناس، وتأجير الأرحام سيؤدي في الغالب إلى حدوث هذا النزاع بين المرأتين، أيهما هي الأم، هل هي صاحبة البويضة الملقحة، أم هي التي حملت وولدت؟ بل الاحتمال قائم بصورة قوية أن يمتد الخلاف إلى أطراف أخرى ممن يمكن استفادتهم من ثبوت نسب الطفل إلى جهتهم، وخاصة إذا كان للطفل حقوق مادية، كالميراث من أبيه مثلاً.
    [4] أن في هذه الوسيلة للحمل خلطاً للأنساب، فتكون محرمة لأمور :
    الأول: كيف لا يكون في هذه الصورة خلطاً للأنساب والخلاف على أشده في تحديد من ينسب إليه الجنين في التلقيح بهذه الوسيلة ليس من جهة الأب فقط بل من جهة الأم كذلك، فيكون أشد من الزنا من هذه الجهة؛ إذ نسب ولد الزنا معروف من جهة أمه.
    الثاني: قد تكون المستأجرة بل يجب أن تكون في حالة تبويض كما جزم الأطباء، فماذا لو تم تلقيح بويضتها من نطفة زوجها أثناء حملها بالبويضة المخصبة؟ كما أن عملية التلقيح قد تفشل ويحصل حمل طبيعي في نفس الوقت فيحصل اختلاط الأنساب، وقد حصلت وقائع تدل على هذا.
    الثالث: أن الأم البديلة قد تحمل بتوأمين مختلفين في البويضة والحيوان المنوي، بأن تؤخذ بويضة ملقحة من زوجين، وبويضة أخرى من امرأة أخرى ملقحة من زوجها، وتزرع البويضتان الملقحتان المختلفتان في المصدر في رحم الأم البديلة، فتحمل بتوأمين مختلفي المصدر، مما يؤدي إلى التنازع بعد الولادة في تعيين نسب كل طفل إلى أبويه الحقيقيين.
    [5] أن هذه الطريقة في الإنجاب تثير مشكلات كثيرة، تستدعي القول بحرمتها، ومن ذلك: لو أن صاحبة البويضة وصاحب السائل المنوي انحل الزواج بينهما بعد تلقيح صاحبة الرحم المستأجر، أو رفض الزوجان تسلم طفلهما بعد ميلاده من رحم الأم المستأجرة، وما الرأي لو أن زوج المرأة المستأجرة جامعها بعد إيداع اللقيحة في رحمها فولدت توأمين، هل يتعين عندئذ إلزامها بتسليم كليهما أو بتسليم أحدهما؟ ومن الذي يتم تسليمه منهما؟ وهل يقع على الأم المستأجرة مسؤولية لو أجهضت نفسها؟ وهل يشاطرها زوجها المسؤولية في هذه الحالة إذا كان الإجهاض بإيعاز منه؟ وما الحكم إذا تعاطت الأم المستأجرة أثناء الحمل عقاقير، وولد الطفل بسببها مشوها؟ وهل من حق صاحبة البويضة رفض تسلم الطفل المشوه؟ وما موقف الأم المستأجرة وموقف صاحبة البويضة إذا أصيبت الأم المستأجرة بمرض يهدد صحتها أثناء الحمل، واقتضى ذلك التضحية بالجنين؟ وكذا إذا رفضت الحامل إجراء عملية قيصرية، وكان لابد من إجرائها، وترتب على ذلك وفاة الجنين؟ كل هذه الافتراضات والتساؤلات، وما تثيره من مشكلات تؤدي إلى القول بتحريم هذه الصورة في عملية التلقيح الصناعي.
    لكن هل يختلف الحكم في حالة الاستعانة برحم زوجة أخرى لصاحب النطفة:
    والجواب أن حكم التحريم لا يختلف ، وذلك لما يلي :
    [1] ما تقدم من أدلة منع استئجار رحم امرأة أجنبية عن الزوج تنطبق على هذه الحالة أيضاً .
    [2] أن اللقيحة التي تزرع في رحم الزوجة الأخرى المتبرعة غير مأذون شرعاً بدخولها في رحمها وإن تلقحت بماء الزوج؛ لأن المأذون به شرعاً هو ماء الزوج وحده، وبالتالي فقد اجتمع هنا محظور ومأذون فيه، والقاعدة التي يجب تطبيقها: أن ما اجتمع فيه حظر وإباحة قدم جانب الحظر على جانب الإباحة، لاسيما فيما يتعلق بالفروج، التي الأصل فيها الحظر؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(المؤمنون5:7)
    [3] أن الزوجتين المتبرعة بالحمل وصاحبه البويضة قد يحصل بينهما تنازع عاطفي، وهذا قد يؤدي إلى الخلاف والشقاق العظيم، والشارع يحسم باب الخلاف بين الناس بمنع الأسباب المؤدية إليه، وإعمالاً لقاعدة الشريعة في ذلك يمنع نقل اللقيحة إلى رحم الزوجة الأخرى.
    [4] أن الرجل عقد على كلٍّ من المرأتين عقداً على حدة، ومن ثم فيجب أن يبقى رحم كلّ واحدة منفصلاً في علاقته عن الرحم الأخرى.
    [5] أن هذا الأسلوب يضيع حقيقة الأمومة بين الزوجتين، فأيهما الأم الحقيقية؟ ومن التي ينسب إليها الطفل: صاحبة البويضة أم صاحبة الرحم؟ .
    [4] لو طلّق الزوج هذه المرأة المتبرعة برحمها، ماذا سيكون موقفها تجاه هذا الجنين الذي ترى أنه ليس ولدها؟
    ونأخذ حكماً آخر من أحكام التلقيح الصناعي وهو : مدى مسؤولية الطبيب عن فشل عملية التلقيح الصناعي
    إن طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض تقوم على التعاقد بين الطرفين على بذل مصلحة معينة للمريض (التشخيص أو العلاج) في مقابل أجر، وإن المعقود عليه في حالة الرغبة في الإنجاب عن طريق التلقيح الصناعي هو القيام بالخطوات العلمية والعملية لهذا التلقيح، وليس المعقود عليه هو حصول الحمل ؛ لأن الذرية هبة من الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: {... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ }(الشورى49)، والطبيب لا يملك سوى بذل السبب فقــط، وقــد تقــدم أن نسبة نجاح عملية التلقيح تتراوح بين (10-15%) و(10-30%) فقط .
    وإذا كان ذلك كذلك فإن ترتيب المسؤولية التعاقدية على الطبيب في حال فشل عملية التلقيح الصناعي يعتبر أمراً غير مقبول ؛ فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يكلف النفس ما جاوز وسعها وطاقتها - سواء تعلق التكليف بالعبادات أو بالمعاملات -، فقال عز من قائل: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ...}البقرة286

    وللحديث بقية بإذن الله تعالى...
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,449

    افتراضي رد: العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية

    علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(7)
    د. محمد بن هائل المدحجي





    التصرف في البويضات الملقحة الفائضة من عملية التلقيح الصناعي
    الحلقة السابعة
    ما زال الحديث مستمراً مع التلقيح الصناعي وأحكامه ، ومن ذلك الأحكام المتعلقة بالتصرف في البويضات الملقحة الفائضة من عملية التلقيح الصناعي .
    والبويضات الملقحة الفائضة هي : البويضات الملقحة التي يتم تجميدها لاستخدامها في حال فشل التلقيح الصناعي في المرة الأولى.
    والأصل أن لا يكون هناك فائض من البويضات الملقحة، وقد نصت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية على أن الوضع الأمثل هو أن لا يوجد فائض منها، بل إن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أوجب ذلك، حيث جاء في قراره رقم ( 55 ) بشأن (البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة) ما نصه: "في ضوء ما تحقق علمياً من إمكان حفظ البييضات غير الملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البييضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة، تفادياً لوجود فائض من البييضات الملقحة" .
    ومما يستدل به على الأصل المتقدم ما يلي:
    [1] أن منع وجود البويضات الملقحة الفائضة فيه احترام للحياة الإنسانية، ومنع للأطباء الذين لا يلتزمون بالقيم الدينية والخلقية من العبث بهذه البويضات.
    [2] أن الزوجة قد تطلب نقل البويضات الملقحة لها بعد وفاة زوجها، مع حرمة ذلك؛ لأن وفاة الزوج تنهي الحياة الزوجية.
    [3] حتى لا يوجد فائض يحتار الفقهاء في كيفية التصرف فيه.
    [4] أن وجود هذه البويضات الملقحة الفائضة يجعلها عرضة للاختلاط الذي يترتب عليه اختلاط الأنساب.
    وقد أشار قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق إلى البديل الذي يتحقق به المقصود، وهو حفظ البويضات غير الملقحة للسحب منها عند الحاجة، فيقوم الطبيب المعالج حينئذٍ بتلقيح العدد الذي يحتاجه في كل عملية تلقيح صناعي خارجي.
    إلا أنه إذا وجد فائض من البويضات الملقحة لأي سبب من الأسباب، فلا خلاف بين الفقهاء المعاصرين في تحريم استخدام البويضة الملقحة لتحقيق حمل لغير صاحبة البويضة، وأنه لابد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البويضة الملقحة في حمل غير مشروع.جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم (55)بشأن (البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة) ما نصه: "يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى، ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البييضة الملقحة في حمل غير مشروع " .
    وفيما عدا ذلك اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم تجميد البويضات الملقحة عند قيام الحاجة لذلك، مدة من الزمان، ووفق ضوابط محددة تمنع من اختلاطها :
    فالقول الأول: أنه يجوز تجميد البويضات الملقحة بأربعة شروط هي:
    [1] أن يكون هناك حاجة لتجميد البويضات الملقحة.
    [2] أن يشرف على حفظ البويضات الملقحة جهة مركزية موثوقة، تعتمد إجراءات موثوقة ومضمونة تكفل عدم اختلاط الأنساب، ويشرف عليها أشخاص ثقات في دينهم وعلمهم.
    [3] أن يصدر قانون من الدولة ينظم هذه العملية بحيث يترتب على المخالفين والمتلاعبين عقوبات رادعة.
    [4] ألا تطول مدة التخزين خشية وقوع طلاق أو وفاة الزوج أثناءها.
    وإلى هذا القول ذهبت جمعية العلوم الطبية الإسلامية المنبثقة عن نقابة الأطباء الأردنية، وهو قول بعض الباحثين.
    والقول الثاني: أنه يحرم تجميد البويضات الملقحة، وإليه ذهب مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو قول أكثر الباحثين.
    والراجح والله أعلم هو القول الأول القاضي بجواز تجميد البويضات الملقحة بشروطه التي تقدمت ، وسبب الترجيح هو:
    [1] أن الشروط التي اشترطها أصحاب هذا القول كفيلة بتفادي المحاذير التي من أجلها ذهب أصحاب القول الثاني إلى التحريم.
    [2] أن الحاجة ملحة لتجميد البويضات الملقحة بسبب نسبة الفشل العالية لعمليات التلقيح الصناعي والتي تزيد عن (70 %) ومن ثم نجد أن كل مراكز علاج العقم في العالم تقوم بتجميد اللقائح، ومن حرم تجميد البويضات الملقحة إنما حرمه من باب سد الذريعة، والقاعدة أن " ما حرم سداً للذريعة يباح للمصلحة الراجحة " لكن بالتأكيد مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع المحظور، والله تعالى أعلم.
    وحيث قلنا بجواز تجميد البويضات الملقحة من حيث الأصل لمصلحة تحقيق الإنجاب للزوجين، فإنه لا بد من تقييد ذلك بعدم وجود ضرر في استخدام هذه الأجنة المجمدة ؛ إذ القاعدة الشرعية أنه " لا ضرر ولا ضرار" وتجميد الأجنة ما زال في الحقيقة في مرحلة التجارب، ولم يتبين إلى الآن مدى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن استخدام الأجنة المجمدة لمدة طويلة، وعليه فلا بد من قصر الجواز على مدة زمنية يكون استعمال اللقائح المجمدة خلالها مأمون العاقبة، والله تعالى أعلم.
    ومن الأحكام المتعلقة بالبويضات الملقحة الفائضة : حكم إتلاف هذه البويضات الملقحة:
    وقد اختلف الباحثون المعاصرون في حكم إتلاف الأجنة المجمدة الزائدة عن الحاجة في عمليات التلقيح الصناعي: فمنهم من رأى جواز إتلافها، ومنهم من رأى عدم جواز ذلك وأنه يجب تركها حتى يتوقف نموها وتنتهي حياتها دون تدخل من أحد.
    وخلافهم هنا مبني على خلافهم في تحديد بداية الحياة الإنسانية للجنين، فمن رأى أن بداية الحياة الإنسانية تكون من لحظة تلقيح البويضة بالحيوان المنوي مطلقاً رأى أن إتلاف البويضة الملقحة هو إتلاف لحياة محترمة فلا يجوز، في حين رأى أكثر الباحثين أن البويضة الملقحة لا حرمة لها ما لم تكن في داخل جسد المرأة - سواء منهم من يرى أن بداية الحياة الإنسانية بنفخ الروح في الجنين، أو من يرى أن بداية الحياة من الانغراس في بطانة الرحم، أو من يرى أنها من التلقيح إذا كانت داخل جسد المرأة -، ولا شك أن القول الثاني هو الصحيح .
    فالصحيح جواز إتلاف الأجنة المجمدة الفائضة ؛ إذ مآلها إلى التلف من جهة، ثم من جهة أخرى إتلافها يسرع في منع عبث العابثين بها ممن لا يخاف الله عز وجل - سواء في تحقيق حمل غير مشروع، أو في تجارب لا تتوافق مع مقاصد الشرع -، في حين أن تركها دون عناية حتى تهلك يعطي بعض الوقت لمثل هؤلاء العابثين يمكن أن يستغلوه في عبثهم، ومن ثَم ّ فقد صرح بعض الفقهاء المعاصرين بوجوب إتلافها فور إنتهاء حاجة الزوجين لها، وهو متجه لما فيه من قطع الطريق على الراغبين في العبث بهذه الأجنة المجمدة.
    وقد جاء في توصيات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت في ندوتها التي عقدت في (20-23) شعبان ( 1407 هـ) الموافق (18-21) إبريل (1987م) بعنوان (الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية): " أما إذا حصل فائض، فترى الأكثرية أن البويضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة " والله تعالى أعلم.
    حكم الاستفادة من البويضات الملقحة في الأبحاث والتجارب :
    هذا محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين ، لكن الصحيح أنه يجــــــوز إجـــراء الأبحاث والتجارب على الأجنــــة المجمــــدة، وإليه ذهب المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي ، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت بالأكثرية: فقد جاء في قرار المجمع بشأن الخلايا الجذعية في الدورة السابعة عشرة المنعقدة في( 19-23/10/1424هـ) الموافق( 13-17/12/2003م) : " يجوز الحصول على الخلايا الجذعية وتنميتها واستخدامها بهدف العلاج أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة , إذا كان مصدرها مباحاً , ومن ذلك - على سبيل المثال - المصادر الآتية: 5- اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب إذا وجدت وتبرع بها الوالدان مع التأكيد على أنه لا يجوز استخدامها في حمل غير مشروع ".
    و جاء في توصيات ندوة (رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية) المنعقدة في (23-26) ربيع الأول( 1410هـ ) الموافق (23-26) أكتوبر( 1989م) مانصه: " على رأي الأكثرية (الذي خالفه البعض) من جواز إعدام البييضات الملقحة قبل انغراسها في الرحم بأي وسيلة، لا مانع من إجراء التجارب العلمية المشروعة عليها ".
    لكن هذا الجواز له شروط ستة :
    [1] أن تتفق هذه الأبحاث مع المقاصد العامة للشريعة، فلا يجوز إجراء التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله، أو استغلال العلم للشر والفساد.
    [2] أن يكون المقصود من الأبحاث والتجارب تحقيق مصالح شرعية معتبرة لا تقل عن الحاجيات، ولا تنزل إلى مرتبة التحسينات، فلا يصح أن يكون الغرض من إجراء التجارب على الأجنة استخراج مستحضرات التجميل على سبيل المثال.
    [3] عدم وجود البديل عن البويضات الملقحةلتحقيق المصالح المبتغاة بحيث يتعين إجراء التجارب عليها.
    [4] عدم نقل اللقائح المستخدمة في البحث العلمي إلى الرحم.
    [5] موافقة الزوجين موافقة صريحة.
    [6] موافقة الجهـات المختصة، والقيام بالأبحاث تحت إشرافها للتحقق من توفر الشروط المتقدمة.
    والأدلة على جواز إجراء التجارب بالشروط السابقة على البويضات الملقحة ما يلي:
    [1] أن الأبحاث والتجارب على البويضات الملقحة لا تجرى على جنين ولا على إنسان، وإنما تجرى على مجموعة من الخلايا.
    [2] أن هناك مصالح كثيرة مترتبة على إجراء الأبحاث والتجارب على البويضات الملقحة، وهذه المصالح تتمثل في تحقيق الإنجاب للزوجين، ومعرفة قدرة الحيوان المنوي على التلقيح، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى علوق البويضة الملقحة في جدار الرحم أو عدمه، وغير ذلك من المصالح، والحياة الموجودة فيها مهدرة بالنسبة لهذه المصالح ؛ لأن الاحترام لها إنما يكون بعد نفخ الروح فيها.
    [3] أن البويضات الملقحة الزائدة لا تخلو من أحد احتمالين:
    (أ) أن تترك في أنبوب الاختبار لتنمو، ومآلها إلى التلف ؛ لأن أقصى مدة سجلت لنموها ستة عشر يوماً.
    (ب) أن تحفظ بعد التبريد لإجراء الأبحاث والتجارب عليها.
    وفي كلا الاحتمالين يستوي مصير البويضات الملقحة ؛ إذ أن مآلها إلى الموت، ولا شك أن الاحتمال الثاني أولى ؛ لما يترتب عليه من المصالح.
    ونأتي الآن لبيان حكم آخر من أحكام التلقيح الصناعي وهو : حكم إتلاف الأجنة الزائدة عن الحاجة بعد نقلها إلى رحم المرأة :
    حيث يلجأ الأطباء إلى نقل عدد زائد من البويضات الملقحة إلى الرحم لزيادة نسبة النجاح لعملية التلقيح الصناعي؛ إذ في كثير من الأحيان يرفض الرحم البويضة الملقحة، فبزيادة العدد إلى أربعة أجنة أو خمسة تزيد فرصة النجاح.
    لكن يحدث أحياناً أن تعلق هذه الأجنة كلها وتنمو كلها، بحيث يصبح نموها جميعاً يهدد نجاح عملية التلقيح الصناعي على العكس من الغرض الذي وضعت من أجله، فيلجأ الأطباء إلى التخلص من عدد معين من هذه الأجنة والإبقاء على اثنين إلى ثلاثة منها؛ وذلك لأن وجود حمل متعدد يغلب عليه الانتهاء بالإسقاط، أو الولادة المبكرة، أو حدوث مضاعفات للأم أولاً، ثم للأجنة ثانياً،كما أن تخفيض العدد يحسن من فرصة نمو بقية الأجنة واستمرار الحمل.
    ويتم تشخيص وجود هذا العدد الزائد من الأجنة بواسطة جهاز الفحص بالموجات فوق الصوتية، ويتم التشخيص ما بين الأسبوع الخامس إلى السادس.
    ويتم تخفيض عدد الأجنة عن طريق حقن مادة كلور البوتاسيوم في التجويف الصدري للأجنة الزائدة عن طريق المهبل، بالاستعانة بجهاز الأشعة الصوتية المهبلية، مما يؤدي إلى توقف الأجنة الزائدة عن النمو دون أن تؤثر على باقي الأجنة.
    وحكم إجهاض الأجنة الزائدة عن الحاجة بعد نقلها إلى رحم المرأة فينبني أولاً على المرحلة التي يتم فيها إجهاضها، وظاهر مما تقدم أن إجهاضها يكون قبل نفخ الروح فيها، والفقهاء- رحمهم الله - مختلفون في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين - أي قبل تمام أربعة أشهر -، فمن قال بالجواز سيقول هنا بالجواز من باب أولى ؛ لأن الحاجة للإجهاض هنا ظاهرة.
    أما على القول بتحريم الإجهاض قبل نفخ الروح - ولو في مرحلة دون مرحلة - فالظاهر أنه من باب تحريم الوسائل، وأنه حرّم سداً للذريعة، وأن المقصود الرئيس هو منع الإجهاض بعد نفخ الروح، وما حرّم سداً للذريعة يباح عند الحاجة، ومن ثمّ أجاز عامة الفقهاء المعاصرين إجهاض الجنين المشوه لهذا المعنى، والحاجة هنا ظاهرة لإجهاض بعض الأجنة للحفاظ على الأم وعلى الأجنة الباقية فيجوز ، والله تعالى أعلم.
    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •