تمويل عجز الميزانية بالصكوك الإسلامية
خولة فريز النوباني




طوعت بريطانيا القانون من أجل موافقته لإصدار الصكوك الإسلامية وذلك بعد أن قررت أن الوسيلة الأنسب لمواجهة عجز الموازنة هي عبر الصكوك الإسلامية، وكذلك حثت فرنسا الخطى من أجل اللحاق ببريطانيا بل من أجل أن تكون السباقة في الحصول على الحصة الأكبر من التمويل الإسلامي في أوروبا، وحاليا تعمل ماليزيا على تطوير نموذج عالمي للصكوك لطرحه للتداول في العالم من خلال أفكار جريئة ولافتة ومتجاوزة عقبات العملة في سبيل أن تكون بيتا للسيولة العالمية عبر الصكوك، وفي الأردن تحاول وزارة المالية الخروج بالصيغة الأمثل للتغلب على العقبات التشريعية من أجل الدخول إلى سوق إصدارات الصكوك رغبة في تنويع سلة الحلول لعجز الموازنة.
إن الصكوك وهي بديل السندات التقليدية عبارة عن شهادة تُخوّل حاملها التصرف في ملكية شائعة بموجودات عينية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وقد اتضح من خلال التقارير المالية في السنوات السابقة أن سوق الصكوك الإسلامية هو الأكثر نموا من بين الأدوات المالية الإسلامية, فقد حقق نموا يصل إلى 15% بالرغم من الأزمة المالية العالمية، وبالرغم من حملة السباق بين شرق آسيا ممثلة بماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وهونج كونج, وبين أوروبا ممثلة ببريطانيا وفرنسا للفوز بحصة الأسد من السيولة التي يتمتع بها الخليج العربي والتي حاز المستثمرون الأجانب حصة الأسد منها بما يقارب 70% إلا أن الصكوك الإسلامية من الممكن أن تلعب دورا يخدم الدولة ذاتها بكل الأبعاد الممكنة.
وبما أنه من ميزات الصكوك الإسلامية أنها أداة تمويلية تستفيد منها المشاريع الضخمة كمشاريع البنية التحتية ومشاريع المدن الصناعية وغيرها من المشاريع التي تحتاج إلى رساميل عالية لإقامتها فإن الدول كافة تسعى إلى تسهيل وتوظيف الإمكانات من أجل إصدار هذه الأداة وحيازة هذا الأسلوب لدعم السياسات النقدية فيها.
وبالرغم من أن التمويل الإسلامي عمّ جميع الدول الإسلامية بلا استثناء وأخذ صلاحيات العبور لدول غير إسلامية أيضا لتطلعات ربحية بحتة إلا أن إصدار الصكوك تحديدا ما زال يواجه عقبات قانونية تعوق التمهيد التشريعي للإصدار، فعلى سبيل المثال إن قانون أملاك الدولة الأردني لسنة 1977 يتعارض مع شروط إصدارات الصكوك الحكومية التي تنوي الدولة وتسعى جاهدة من أجل تهيئة بيئة تشريعية مناسبة لها، وبمساعدة من صندوق النقد الدولي ودائرة الإفتاء المحلية تدرس حاليا التغلب على المعوقات في سبيل توفير أداة حكومية نقدية, إضافة إلى السندات وأذونات الخزانة.
إن الصكوك كأداة تمويل تحتل موقعا استراتيجيا بين أدوات التمويل الإسلامي إلا أنها ما زالت في بداية الخطو وتحتاج إلى مزيد من الجهود من أجل المحافظة على سمعتها من خلال موافقتها التامة لأحكام وقواعد الشريعة ومن خلال وجود البيئة القانونية المناسبة للإصدار.

بيد أن الصكوك الإسلامية باختلاف هيكليتها تخدم سمعة التمويل الإسلامي ككل ولعلها الأنجح في الإعلان عن منافع وأخلاقيات التمويل الإسلامي من خلال المشاركة في المخاطر بين حامل الصك والمصدر ومن خلال قدرتها على حشد الأموال لتمويل مشاريع ضخمة في الغالب بعكس السندات التقليدية التي تضمن العائد الثابت على السند بغض النظر عن الربح والخسارة, وهي بذلك مرفوضة تماما من قبل المؤسسات المالية الإسلامية أو الأفراد الذين يتحرون مسألة الحلال في استثماراتهم.
وبالرغم من وجود معيارين للصكوك الإسلامية الأول صادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمحاسبة والمؤسسات المالية الإسلامية, وبالرغم من تخصصها في الشأن المحاسبي لمؤسسات التمويل الإسلامي, إلا أن الهيئة الشرعية التابعة لها برئاسة الشيخ تقي الدين عثماني ركزت وما زالت على التدقيق الشرعي بما يتلاءم مع أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية ليتم الإعلان عن أن الثغرات الشرعية ما زالت بحاجة إلى متابعة، وكذلك معيار صدر بصورته النهائية عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية ويتناول ضبط الصكوك - بحسب عنوانه - من ناحية متطلبات رأس المال النظامي للمؤسسات التي تملك صكوكا ومعالجة رأس المال لمخاطر التصكيك، وبالرغم من أن المعيار الأخير لا يعكس بدقة عنوانه الرئيس وكذلك عناوينه الفرعية, إذ في غالبه تحدث عن العموميات في مفهوم الصكوك والتداخل بين المحتوى, أدى إلى كثير من الخلط وأحيانا عدم الوضوح، وبالتالي فإن هذه المعايير لم تحط إحاطة وافية بضبط الصكوك من الخطوات الأولى لعملية الإصدار حتى الوصول للمنتج النهائي كصك متداول, وكذلك لا يوجد تكامل بين المؤسسات المعنية بهذا الخصوص. هذا ضعف من ناحية المعايير التي يفترض أن تضبط العملية قدر الإمكان، والضعف الثاني هو عدم وجود تنسيق كامل بين الرقابة الشرعية والمتابعة الكاملة للمنتج بما يضمن خلو العملية من الشبهات الشرعية لغاية انتهاء فترة استحقاق الصك، والضعف الثالث والمهم جدا في دعم قوة المنتج هو عدم وجود سوق ثانوية لتداول المنتج إضافة إلى أن الصكوك من الممكن أن تدعم السيولة للدول وكذلك المؤسسات المصرفية والشركات الكبرى في حال أنه تم التوافق على إصدارها بصفة دولية وتم تسهيل القوانين وتهيئة البيئة التشريعية المناسبة لتكون قادرة على اختراق الأسواق الدولية.
إن الصكوك كبديل إسلامي للسندات التقليدية تدعم سلة الأدوات النقدية للحكومات وهي بذلك توفر حلولا, خاصة في الأنظمة المالية المختلطة بحيث تجد البنوك الإسلامية أداة وطنية إسلامية من الممكن الاستثمار فيها, وهي منسجمة بلا شك مع مخططات التنمية في الدولة وما تتطلبه من مشاريع للبنى التحتية وغيرها.
وعليه فإن تشجيع إصدار الصكوك في الدول الإسلامية ذات الأنظمة المالية المختلطة أو الأنظمة المالية الإسلامية سيعود بالفائدة من خلال وجود أداة وطنية لتوفير السيولة أو لامتصاصها بحسب فئة وهدف المتعامل معها، وبذلك تتمكن البنوك الإسلامية من استثمار أموالها بأدوات نقد متوافقة مع أحكام الشريعة .
خولة فريز النوباني
باحثة في التمويل الإسلامي - ماليزيا