ولا تكتموا الشهادة


مدحت القصراوي


عندما تسمع قوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة من الآية:283]، فاعلم ان الإثم هنا أُطلق على الإنسان كله، ثم خُص منه قلبه، ليكون محل الإثم ملاصقا للقلب، وهذا تشديد شديد ووعيد عظيم لمن كتم شهادةَ حقٍ عنده، فضلا عن أن يقول زورا أو يبدد الحق ويشهد بالباطل..
وإن كان هذا عظيما في حقوق الخلق، فهو أعظم في حق الله وحق دينه وحق راية الإسلام حينما تكون هي محل الصراع.
ثم اعلم أخي أن في أعتى العلمانيات في أوروبا وأمريكا يحتاجون في الشهادة الى القسَم على كتبهم المقدسة، ويحتاجون فيه الى الضمير، حيث أن القانون المباشر لا يكفي، ولا بد من الائتمان على الضمير..

وفي هذا دلالة أنه لا بد من الغيب لصلاح الحياة، وأنه لا فرار منه ولا استغناء عنه، مهما تطورت الحياة وتعرّى الناس من الدين وتنكروا للأخلاق، وللغيب.
يموت الإنسان ويبقى منه عَجْبُ الذنَب، ويُحرَّف الكتاب عند اليهود والنصارى ورغم ذلك تبقى بِشاراتٌ برسول الله، رغم أنهم يؤولونها بشخص آخر..!
كذلك يموت الدين في الغرب ويبقى منه بقية في الشهادة وأمانة الضمير..
إذن لا بد من الغيب في كل حال، وهذا شاهدٌ بصحة الدين وحاجة الناس اليه مهما تطورت الحياة..

لكنهم يقولون أنهم هم من يحددون مساحة الغيب في الحياة.
والفارق أن المسلمين يقولون أسلمنا لله وحده وأن الله هو من يحدد مساحة القوانين الشرعية للحياة والأخلاق والمشاعر للضمير.. وأنه على هذا قد حدد سبحانه أن الصلاة والنسك، والمحيا والممات لله رب العالمين وحده.
وأنهم يفرقون بين جانب العقيدة، والتشريع، والتفسير الكلي للحياة، والأخلاق والضمير من جانب؛ فهذا حق الله يشرعه بمنهجه وعلينا الاستسلام، وهناك الاجتهاد فيما ليس فيه شرع، واجتهاد في جانب التنظيم المباح..
وأما جانب تنمية الحياة بالعمل والتقنية من جانب آخر فالإنسان يعمل بجهده وأفكاره، والله تعالى يحدد له الدافع والغاية والضوابط الأخلاقية.. فهناك إذن دور الغيب في النية في البداية، والعمل في الجهد والبذل، والهدف والغاية المرجوة.


لا استغناء عن الغيب .. ونحن به مؤمنون، ولله تعالى مسلمون.. {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة من الآية:283].