فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بشأن الهدي والكفارات
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
6 - حكم من بدأ العمرة ولم يتمها
س: قدر الله أن أذهب لأداء العمرة في شهر رمضان المبارك الفائت, ولما بدأت الطواف ولشدة الزحام لم أكمله فخرجت من مكة وعدت إلى مدينتي وكان ذلك ليلة سبع وعشرين. وأسأل سماحة شيخنا - حفظه الله - عما يترتب علي مع العلم أنني والحمد لله أتمتع بصحة جيدة أفيدونا أفادكم الله؟ .
ج: قد أخطأت فيما عملت عفا الله عنا وعنك، وكان الواجب عليك أن تكمل العمرة في وقت آخر غير وقت الزحام؛ لقول الله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وقد أجمع العلماء على أنه يجب على من أحرم بحج أو عمرة أن يكمل ذلك, وأن لا يتحلل منهما إلا بعد الفراغ من أعمال العمرة ومن الأعمال التي تبيح له التحلل من أعمال الحج، إلا المحصر والمشترط إذا تحقق شرطه. فعليك التوبة مما فعلت، وعليك مع ذلك أن تعيد ملابس الإحرام, وتتجنب محظورات الإحرام, وتذهب إلى مكة لإكمال العمرة للطواف والسعي والحلق أو التقصير، وعليك مع ذلك دم وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو رأس من الغنم ثني معز أو جذع ضأن إن كنت جامعت امرأتك في المدة المذكورة, وعليك أن تذهب إلى الميقات الذي أحرمت منه بالأول, وتحرم بعمرة جديدة وتؤدي مناسكها قضاء للعمرة الفاسدة بالجماع، مع التوبة مما فعلت كما تقدم، وإن كنت تعلم الحكم وأنه لا يجوز لك هذا العمل فعليك إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من بر أو أرز أو غيرهما، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام عن لبس المخيط، ومثل ذلك عن تغطية الرأس، ومثل ذلك عن الطيب، ومثل ذلك عن قلم الأظفار، ومثل ذلك عن حلق الشعر في المدة المذكورة، أما إن كنت جاهلا فليس عليك شيء من الفدية المذكورة؛ لقول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أجاب هذه الدعوة، ولأدلة أخرى في ذلك. والله الموفق.
س: في العام الماضي حجت والدتي ومعها أبناؤها وبناتها بنسك التمتع, وبعدما دخلوا في الطواف أصيبت بحالة إغماء ولم تتمكن من الطواف والسعي، وحيث إنها مصابة بمرض السكر والضغط أدخلت المستشفى، قال الطبيب لها: ما تستطيع إكمال الحج, ونظرا لهذه الحالة رجعوا جميعا إلى مدينتهم، فماذا يترتب عليهم؟ .
ج: هذه عملها عمل المحصر , هي نفسها تعتبر كالمحصر عليها أن تذبح هديا؛ لأنها أحصرت في مكة، ودم الإحصار يذبح في مكان الإحصار سواء في مكة أو في غيرها للفقراء، وعليها أن تقصر من شعرها ويتم حلها، وإذا كان حجها فريضة تحج بعد حين؛ لأنها محصرة إلا إذا صحت قبل الحج, وتيسر لها الرجوع, وتطوف وتسعى وتكمل حجها فلا بأس، وظاهر الحال أنهم أصابهم هذا الأمر في طواف العمرة, وهم متمتعون, فعليها أن ترجع وتكمل عمرتها إذا كانت تستطيع ويكفي.
وإن كانت لا تستطيع فعليها دم الإحصار ذبيحة تذبح في مكة للفقراء مع التقصير, وبذلك تم أمر الإحصار ولا شيء عليها؛ لأن الإحصار يكون بالمرض ويكون بالعدو على الصحيح، أما إن تيسر لها أن ترجع فهي لا تزال في الإحرام ترجع وتطوف وتسعى وتقصر لعمرتها، وعليها دم إن كان لها زوج وطأها يذبح في مكة للفقراء، وعليها الإتيان بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه في الأول قضاء لعمرتها التي فسدت بالجماع، وإن كان ما عندها زوج ما عليها شيء، ترجع وتطوف وتسعى وتقصر لعمرتها السابقة وتمت عمرتها ولا شيء عليها، أما إن كانت لا تستطيع فهي في حكم المحصر تذبح شاة في مكة للفقراء؛ لأن الإحصار وقع في مكة، وعليها أن تقصر أيضا من شعرها, وبهذا تحللت من عمرتها، وعليها عمرة الإسلام فيما بعد إذا قدرت إذا لم تعتمر سابقا، وعليها الحج أيضا إن كانت لم تحج، والذين معها إذا كانوا رجعوا ولم يكملوا عليهم مثلها، عليهم أن يرجعوا ويكملوا عمرتهم وليسوا محصرين، وإن لبسوا وتطيبوا هذا من الجهل، لا شيء عليهم، وإن كان فيهم امرأة قد وطأها زوجها فعليها شاة عن الوطء، وتكمل عمرتها، وتأتي بعمرة جديدة أيضا من الميقات الذي أحرمت بالعمرة منه بدل العمرة التي أفسدتها بالوطء ولا حرج، والذين معها من ذكور وإناث يرجعون ويكملون عمرتهم هذه التي رجعوا منها، وما لبسوا أو تطيبوا لا شيء عليهم؛ لأجل الجهل، والذي منهم قد وطئ زوجته أو الزوجة التي وطئت قد أفسدت عمرتها, وكذا عمرة الزوج عليه أن يكملها ويأتي بعمرة جديدة من الميقات الأول الذي أحرم منه، وعلى الذي وطئ أو وطئت عليهما دم يذبح في مكة للفقراء.
س: يقول هذا السائل أنه في عام 1400 هـ أحرم للعمرة من الطائف وقال: لبيك اللهم لبيك عمرة إن شاء الله, وعندما وصل إلى الحرم منعه الجنود من دخول الحرم وأمروه بالرجوع , وعندما رجع إلى الطائف أخبره بعض أهل مكة أن في الحرم حرب وإطلاق نار فما كان منه إلا أن نزع إحرامه ولبس ثوبه ورجع إلى بلده، فماذا عليه في ذلك؟ وهل هدي الإحصار يذبح في الحرم أو في أي مكان؟ .
ج: هذا يسمى محصرا للحادث الذي استحل فيه الحرم والواجب على السائل أن لا يعجل في التحلل حتى ينحر هديا، ثم يحلق أو يقصر قبل أن يخلع ثيابه، أو يتحلل، هذا هو الواجب عليه. فإن كان قصده في قوله: " لبيك عمرة إن شاء الله " يقصد بها إن حبسه يعني إن شئت يا رب إمضاءها, هذا قصده الاستثناء فليس عليه شيء، أما إن قال: إن شاء الله من غير قصد، فهذا يلزمه أن يعيد ملابس الإحرام، وأن يذبح هديا ذبيحة، ثم يحلق أو يقصر، ثم يتحلل يلبس ملابسه العادية، ولو بعد هذه المدة؛ لأنه محصر ممنوع من الوصول للحرم، إلا أن يكون تمم حجه بعد ذلك جاء إلى مكة في السنة الثانية أو الثالثة بعد ذلك وتمم: أي أحرم وتمم حجه أو عمرته, فليس عليه شيء إذا كان جاء بعد الإحصار هذا وأدى عمرة فليس عليه شيء، والهدي إذا لزمه يذبح في مكانه الذي أحصر فيه.
س: وإذا كان مثل هذا نسي الحكم ولا عرفه إلا فيما بعد؟ .
ج: يلبس ملابس الإحرام ويذبح هديه، ويحلق أو يقصر، ويحل من حيث بلغه الحكم.
باب الهدي والأضحية والعقيقة
7 - حكم المتمتع الذي ضاعت نقوده
س: لقد أحرمت الإحرام الذي يلزم معه الهدي، ولكنها ضاعت نقودي وفقدت كل مالي الذي معي، فما حكمي في هذه الحالة؟ علما بأن زوجتي ترافقني أيضا .
ج: إذا أحرم الإنسان بالعمرة في أيام الحج متمتعا بها إلى الحج، أو بالحج والعمرة جميعا قارنا، فإنه يلزمه دم، وهو رأس من الغنم ثني من المعز أو جذع من الضأن، أو سبع بدنة أو سبع بقرة، يذبحها في أيام النحر بمكة أو منى , فيعطيها الفقراء والمساكين, ويأكل منها ويهدي, هذا هو الواجب عليه، فإذا عجز عن ذلك؛ لذهاب نفقته، أو لفقره وعسره وقلة النفقة، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله كما أمره الله بذلك, ويجوز أن يصوم عن الثلاثة اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وذلك مستثنى من النهي عن صيامها لجميع الناس إلا من فقد الهدي فإنه يصوم هذه الأيام الثلاثة؛ لما روى البخاري في صحيحه عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما، قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي» . وإن صامها قبل يوم عرفة فهو أفضل إذا كان فقد النفقة متقدما, ويصوم السبعة عند أهله.
8 - حكم المتمتع الذي صام ثلاثة أيام ثم وجد قيمة الهدي
س: إنسان استحق عليه الهدي في الحج، ولكنه لم يستطع شراءه بسبب العسر فصام ثلاثة أيام في الحج كما أمر الله، وبعد أن صامها أو صام بعضها وجد من يقرضه أو يسر الله الهدي فماذا يفعل؟ .
ج: إذا تيسر له القيمة التي يشتري بها الهدي ولو بعد أيام الحج فهو مخير بين ذبحها ولا حاجة إلى صيام السبعة الأيام عند أهله، أو صيام السبعة الأيام الباقية؛ لأنه قد شرع في الصيام وسقط عنه الهدي، لكن متى ذبح سقط عنه بقية الأيام. مع العلم بأن الواجب ذبحه في الأيام الأربعة؛ وهي يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة مع القدرة، ويصير ذبحه بعدها قضاء.
9 - ليس على الحاج المفرد هدي
س: هل يجب على الحاج المفرد هدي إذا كان حجه فرضا؟ .
ج: ليس على المفرد هدي سواء كان حجه فرضا أو نفلا، وإن أهدى فهو أفضل.
10 - حكم الهدي الذي يهدى ولا يستفاد منه
س: هذا الهدي الذي يهدى ولا يستفاد منه إلا قليلا أليس من الأفضل أن يصوم الحاج القادر على الهدي وعند عودته يخرج قيمة الهدي لمساكين وطنه ثم يتم صيام باقي العشرة أيام فما رأيكم أثابكم الله؟ .
ج: من المعلوم أن الشرائع تتلقى عن الله وعن رسوله لا عن آراء الناس، والله سبحانه وتعالى شرع لنا في الحج إذا كان الحاج متمتعا أو قارنا أن يهدي، فإذا عجز عن الهدي صام عشرة أيام، ثلاثة منها في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وليس لنا أن نشرع شيئا من قبل أنفسنا، بل الواجب أن يعدل ما يقع من الفساد في الهدي بأن يذكر ولاة الأمور لتصريف اللحوم وتوزيعها على الفقراء والمساكين، والعناية بأماكن الذبح وتوسعتها للناس, وتعدادها في الحرم؛ حتى يتمكن الحجاج من الذبح في أوقات متسعة وفي أماكن متسعة. وعلى ولاة الأمور أن ينقلوا اللحوم إلى المستحقين لها، أو يضعوها في أماكن مبردة حتى توزع بعد على الفقراء في مكة وغيرها.
أما أن يغير نظام الهدي بأن يصوم وهو قادر، أو يشتري هديا في بلاده للفقراء، أو يوزع قيمته فهذا تشريع جديد لا يجوز للمسلم أن يفعله؛ لأن المشرع هو الله سبحانه وتعالى وليس لأحد تشريع {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فالواجب على المسلمين أن يخضعوا لشرع الله وأن ينفذوه، وإذا وقع خلل من الناس في تنفيذه وجب الإصلاح والعناية بذلك، مثل ما وقع في الهدي في ذبح بعض الهدايا وعدم وجود من يأكلها، وهذا خلل وخطأ يجب أن يعالج من جهة ولاة الأمور ومن جهة الناس. فكل مسلم يعتني بهديه حتى يوزعه على المساكين أو يأكله أو يهديه إلى بعض إخوانه. وأما أن يدعه في أماكن لا يستفاد منه فلا يجزئه ذلك. وهكذا في المذبح يجب على صاحب الهدي أن يعتني بهذا المقام, وأن يحرص كل الحرص على توزيعه إذا أمكن، وعلى ولاة الأمور أن يعينوا على ذلك بأن ينقلوا اللحوم إلى الفقراء في وقتها أو ينقلوها إلى أماكن مبردة يستفاد منها بعد ذلك، ولا تفسد، هذا هو الواجب على ولاة الأمور, وهم - إن شاء الله - ساعون بهذا الشيء، ولا يزال أهل العلم ينصحون بذلك, ويذكرون ولاة الأمور هذا الأمر، ونسأل الله أن يعين الجميع على ما فيه المصلحة العامة للمسلمين في هذا الباب وغيره.
يتبع