راحت علينا!


رحمة الغامدي


لعلي لم أكن الوحيدة التي لفت انتباهها الخبر التالي الذي نشر في أكثر من قناة إخباريّة خلال الفترة الماضية...
يقول الخبر: " أفادت تقارير إخباريّة في (بيرو) أنّ عجوزاً بلغت 103 أعوام من العمر تعلّمت القراءة والكتابة لتتمكّن من إرسال الخطابات لأبنائها، ولكي تطلب من رئيس الجمهوريّة (آلان جارثيا) تنفيذ وعوده الانتخابيّة.. وقالت المرأة لجريدة يوميّة:"كنّا مثل حيوانات الأرياف، نأكل وننام وعندما كبرنا اتّجهنا فقط للعمل."
هذا أحد الأخبار المدهشة التي نقرأها هنا وهناك بين الفترة والأخرى.. وهي تأكيد أنّ الإنسان قادر على العمل والتعلّم، وممارسة ما يحبّ من هوايات دون أن يقف السنّ عائقاً لذلك.
أمّا نحن في مجتمعنا المحليّ، وكما هو الحال أيضاً على امتداد الوطن العربيّ، فنعاني ظاهرة سيّئة نتمنى أن تزول تماماً مع زيادة الإدراك والوعي ومع التقدّم الحضاريّ.
هذه الظاهرة لها جذور عميقة في تراثنا العربيّ، وهي نبذ الإنسان المتقدّم عمراً - امرأة كانت أو رجلاً - ومصادرة حقّه في التعليم والعمل وممارسة ما يحبّ من أعمال، وكأنّهم يدفعونه بذلك بشكل غير مباشر إلى الركون في زاوية، والتواري عن الأنظار، واعتزال الآخرين، فلم يعد صالحاً لشيء سوى أن يعود إلى ربّه، وأن يجهّز كفنه استعداداً للموت الذي سيأتيه قريبا!
هذه ظاهرة سيّئة، وكأنّما نحكم على هذا الإنسان- رجلاً كان أو امرأة - باستعجال الموت، وقد استسلم الكثيرون لهذه الأفكار وخاصّة بعض النساء من خلال ترديد عبارات تشير إلى الضعف والاستسلام والزهد في الحياة.. من هذه العبارات (راحت علينا) (ما بقي في العمر أكثر ممّا مضى) (يا الله حسن الخاتمة)!!
ولو نظرنا للأمر بصورة أعمق وأكثر منطقيّة، نجد أنّ هذه العبارات ليست سوى نتاج لاعتقادات خاطئة تعشّش في أذهان الكثيرين، يتوارثونها جيلاً بعد آخر، وهي تدعو إلى الضعف والوهن والكسل.. هناك حقائق أكيدة، لكنّ أصحاب هذه الاعتقادات يتغاضون عنها، أولى هذه الحقائق: أنّ أعمارنا ليست بأيدينا فقد اختارها الله لنا.. لم يكن بأيدينا أن نكبر يوماً بعد يوم، فهذه سُنّة الحياة التي لا مفرّ منها.. ثانيهما: أنّه ليس ثمة موعد للموت، فهو مصير محتوم لجميع خلق الله، ولم يحدّد له عمر معيّن، ثالثهما: أنّ عبادة الله مطلوبة من الجميع نساء ورجالاً منذ بلوغهم الأهليّة الكافيّة كمّا علّمنا ديننا.
وعليه، فما دمنا على وجه الأرض تدبّ الحياة في عروقنا لا بدّ لنا من السعي لتجميل حياتنا، وللحفاظ على صحّتنا قدر الإمكان، ويكون ذلك عبر وسائل كثيرة، منها ممارسة أعمال، أو هوايات نحبّها مهما تقدّم بنا الزمن، ما المانع من ذلك وهل ثمة ما يدعو للخجل؟
وفي هذا السياق أتذكّر عبارة قرأتها لـ"غادة السمّان" في أحد الحوارات التي أجريت معها:
"كانوا يخوّفونني من سن الـ 40 بلهجة شماتة انتقاميّة كمن ينتظر تقدّمي في السنّ لتحين لحظة الانتقام من انهياري المحتوم ـ كأنّ عمر المرأة عاهة ـ وفوجئت أنّني لم أزدهر يوماً عملاً وتفاؤلاً، كما حدث لي اعتباراً من تلك السنّ الجميلة بالنضج والعمق والحبّ الذي غادر مرحلة (الأظافر) إلى مرحلة (الحنان)".
حبّ الله والإيمان بأنّ على أنفسنا حقاً أن نعمل ونجاهد، فعملك أختي جهاد مادمت تراقبين الله – تعالى-.
قناعتك بما تعملين سبب لنجاحك، وتأكّدي أنّ من يحبطك مقتنع تماماً بقدراتك فلا تنهزمي أمام تحطيم الغير.