تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)
    عليَّ نصـب المعـاني في مناصبها.... فإن كبت دونها الأفهام لم أُلَمِ
    وما غربة الإنسان في شقة النوى.... ولكنها والله في عدم الشكل

    جزى الله بالخـيرات عنـا أئمـة.... لنا نقلـوا القرآن عذباً وسلسلا
    فمنهم بدور سبعة قد توسطت.... سماء العلا والعدل زهراً وكملا

    الحمد لله الذي أنزل كتابه الخالد هادياً ومبشراً ونذيراً ودليلاً إلى رضوانه وجنته ونعيمه, والصلاة السلام على أشرف هادي, وأبر من ركب الخوادي, من بسقت دوحة رسالته فأضاءت بها الظلمات, واطمأنت بها النفوس الهائمات, وظهر على الدين كله ولو كره الكافرون, وعلى آله وأصحابه وإخوانه المؤتمين بهدية وسنته إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فإن هذا القرآن الكريم كان يتنزل على النبي طيلة عشرين عاماً من البعثة على حرف واحد, وهو لغة قريش, وكان النبي يقرئ الصحابة طيلة تلك المدة بحرف واحد فقط, وكان يكتب أيضاً بذاك الحرف الواحد لا غير, وفي أواخر عهد النبي وقبيل وفاته بنحو سنتين تقريباً وبعد أن دخل الناس في دين الله أفواجاً جاءت الرخصة من الله أن يقرأ القرآن على أحرف كثيرة ولهجات, متنوعة لتتمكن القبائل على اختلاف لهجاتها من فهم القرآن والانتفاع به والامتثال بما فيه, فإن الغاية من إنزاله هي التفكر بما فيه والعمل به.
    ورخص أيضاً بأنواع من الاختلاف في الألفاظ توسعة عليهم, كالاختلاف في الإعراب, وفي الحروف, والإفراد والتثنية والجمع, والتقديم والتأخير, والزيادة والنقصان, والتذكير والتأنيث, وتصريف الأفعال وغير ذلك, رفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر, فإن الإسلام في زمن نشأته وبنائه وتكونه فهي مدة زمنية لها مزيتها الخاصة بها, وهم أمة أمية لا يمكنهم في أول أمرهم أن يلتزموا بالنص كما ورد من غير تغيير, فهم لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء على لفظه مع كبر أسنانهم واشتغالهم بالجهاد والمعاش وغير ذلك.
    من هنا وجدت الأحرف والقراءات القرآنية الكثيرة المختلفة.
    وفي عهد عثمان حين عظم الاختلاف وكثر التفرق وكاد يحصل الشقاق وخيفت الفتنة وقلت الحاجة التي من أجلها رخص في الاختلاف جمع عثمان القرآن على حرف واحد وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن, فإنه إنما نزل بلسان قريش, ورسم المصاحف من غير نقط ولا شكل لتسمح بأنواع من الاختلافات التي لا تخرج عن الرسم, بناء إلى أصل الرخصة بأن يقرأ على أكثر من حرف.
    وبقي القرآن يقرأ بقراءات مختلفة مرجعها كلها المصحف الذي كتبه عثمان, ثم استقرت فيما بعد على عشر قراءات مشهورة معروفة, وهي التي يقرأ بها الناس إلى اليوم, وإلى الأبد إن شاء الله.
    فالقرآن الكريم قرآن واحد, والقراءات إنما هي لهجات متعددة وطرائق مختلفة للنطق بهذا القرآن.
    من هنا تكون سؤال كبير, هل هذه القراءات الكثيرة المختلفة غاية أم وسيلة؟ وهل يراد من كل مسلم أن يحويها جميعاً ويحفظها ويقرأها؟ وهل الرخصة بها جاءت من أجل هذا؟
    إذا بلغت مكة أيضيرك من أي الطرق أتيت.
    أليس كل قراءة منها توصل إلى المقصود؟!
    أليست كلها تعود إلى كتاب الله وهو الفرقان الذي أنزله الله على عبده ليكون للعالمين نذيراً؟!
    لقد بحثت زمناً طويلاً عن دليل يدل على فضل تعلم القراءات وحفظها جميعاً والقراءة بها كلها فأعياني الطلاب, ولم أظفر من ذلك بشيء, ولم أعثر على أي رواية ترغب في جمع القراءات لحفظها وقراءتها جميعاً.
    لكني أثناء ذلك لم أتمكن من التواري عن عدد كبير من الأدلة والحجج حين قابلتني لقوة سطوعها ووضوحها وجلائها كلها تدل على أن الاقتصار على قراءة واحدة وملازمتها وإتقانها هو الأصل وهو المطلوب, بل هو الأفضل.
    وقد تأملت هذه المسألة طويلاً وتساءلت كثيراً هل كان موقف السلف الكرام أصحاب القرون المفضلة الصحابة والتابعين وتابعيهم مع الأحرف والقراءات ينسجم ويتوافق مع مواقف من جاء بعدهم.
    وقبل أن نخوض سوياً في خضم تلك الأدلة والحجج أذكرك أخي الكريم بأمر مهم جداً.
    ألا وهو أن الانطلاق في الاستدلال على ما ثبت من فعل النبي وأصحابه وأصحاب القرون الأولى المفضلة وعلى طريقة سلف أمة محمد هو أمر أسس بنيانه على قاعدة صلبة راسية أصيلة وعلى رؤية واضحة تمنح صاحبها الطمأنينة واليقين, ويطيش معه طرائق ومذاهب من جاء بعدهم مهما اتسعت وامتدت رقعتها أو طال زمانها أو كثرت مظاهرها واشتهر أمرها.
    وهذا القدر يجب أن يكون متفقاً عليه خاصة عند من ينتمون إلى الصراط المستقيم والقرآن الحكيم.
    فالعودة بالناس إلى ما كان عليه الصدر الأول من هذه الأمة الذين هم القدوة والأسوة عصر السلامة والصفاء قبل أن تهب رياح الاختلاف والأهواء والمذاهب المختلفة هو الواجب المتحتم الذي لا خيار فيه.
    والرأي المشهور المعروف عن السلف هو الحق الذي لا مرية فيه, وإن غيب وأهمل وخفت نوره في عصور لاحقة متأخرة عن تلك العصور الزاهية.
    هذه دعوى عريضة جريئة وقعتم بها في منابذة لما عليه عمل الأمة قروناً طويلة فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
    هذا برهاننا.
    عشرة من الأدلة, إن صدق بعضها ففي بعضها ما يغني عن جميعها, وإن رددتها كاملة على أعقابها دون ترو وتبين فتلمس بين جنبيك وفي نفسك هل ثم حقاً تجرد ومحبة للحق والصواب.

    قبل أن أشرع إخواني وأحبابي في شرح تلك الأدلة أبين أمرين:
    الأول: يعلم الله أني لم أطرح هذا الموضوع مشاقة ومناكدة لمشايخ القراءة أو الأساتذة في كليات القرآن أو تلاميذهم, كلا والله, فهم تيجان فوق رؤوسنا, كفى بهم شرفاً أنهم اختاروا القرآن فملكوا من الفضل ناصيته وباتوا في دوحة من العز والشرف عالية, ولكني أردت إضاءة هذه الزاوية القاتمة من موضوعات القراءات, بل هي مظلمة شديدة الظلمة, لا ترى أحداً يتحدث عنها أو يبحث فيها مع وجود أدلة كثيرة جديرة بالنظر والتأمل, وهي مسألة علمية شأنها شأن كثير من مسائل العلم التي قد يختلف أهل العلم فيها, ولا تكاد تجد مسألة من مسائل العلم قد اتفق الناس عليها علمياً أو عملياً, فالخلاف بدأ من عهد الصحابة, ولن يتوقف حتى يتوقف العقل عن التفكير, فما هذه المسألة إلا واحدة من تلك المسائل, فالخطب هين إن شاء الله.
    وما الضير إن قبل هذا الرأي بعض من الناس فأخذ به ودعا إليه, فالحكمة ضالة المؤمن.
    قال ابن الجزري في مقدمة كتابه "المنجد": "ولا ينبغي لمن وهبه الله عقلاً وذهناً وعلماً أن يجمد على كل ما وقع, ولكن ينظر كما نظر من قبله, فالحق أحق أن يتبع".

    الثاني: الموضوع طويل جداً أكثر من ثمانين صفحة بمقاس الكتاب العادي, وقد لا يتمكن البعض من قراءته لطوله, ولذلك جعلت في خاتمته خلاصة مختصرة جداً أشبه بالعناوين, فمن تعذر عليه قراءة البحث فليقرأ العناوين إن شاء.

    الدليل الأول:
    أنَّ تعَلُّم القراءات والقراءة بها جميعاً مناف للحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف, وذلك من وجهين:
    الأول: أنه مناف لمراد رسول الله التهوين على الأمة, فإن تعلم تلك القراءات جميعاً سبعاً أو عشراً وحفظ تفاصيل تلك الاختلافات واللهجات والقراءات والأوجه المتكاثرة وضبطها يُحَوِّل الرخصة إلى شدة والتيسير إلى عسر شديد ومشقة وعناء, لا يعرف ذلك حق المعرفة إلا من عاناه وسبح في بحره وتلاطمت بين عينيه أمواجه.
    حتى قال القائل وهو منسوب لأبي حيان:
    ترى أن نظم الشاطبي غاية المنى.... ولم أر نظماً منه أعصى وأصعبا
    يظـل الفتـى فيه سنيـن عديـدة.... يحاولهـا فهـماً فيبـقـى معذبـا
    ومن المعلوم الذي لا شك فيه أن الحكمة من نزول القرآن على أحرف كثيرة إنما هي التهوين والتسهيل على الأمة, فإن النبي قال كما في حديث أُبيّ بن كعب: (أرسل إليَّ أن اقرأ القرآن على حرف, فرددت إليه أن هون على أمتي...) أخرجه مسلم (820)
    فالقرآن إنما أنزل على أحرف كثيرة ليقرأ كل مسلم ما يتيسر له من تلك الأحرف واللهجات, لا أن يجمعها جميعاً ويقرأ بها كلها.

    الثاني: أنه مناف للغاية التي أرادها الله ورسوله من ذلك التسهيل والتيسير, فإن الغاية من تسهيل القراءة هي أن يتمكن كل مسلم مهما اختلفت لهجته من فهم القرآن وتدبره والعمل به.
    ومن المعلوم المؤكد أن من انشغل بالقراءات والطرق والأوجه والاختلافات فإن ذلك سيأخذه أخذاً كاملاً عن التدبر والفهم لمعاني آيات الله وأحكامه وأسراره في كتابه, وسيطوح به في بحر متلاطم من التفاصيل التي ليس من ورائها طائل.
    فنزول القرآن على أحرف كثيرة إنما هو وسيلة فقط لتسهيل فهم القرآن حتى يتمكن كل أحد أن يقرأه ويفهمه ويعمل به.
    فتعلم القراءات المتعددة إذاً هو سبب لحصول أمرين كلاهما مناف لمراد الله ورسوله, وهما المشقة والعسر, والانشغال عن الفهم والتدبر.
    ومما يؤيد ذلك ويوضحه أن الرخصة بالقراءات المختلفة لم يأت إلا في أواخر العهد المدني عندما وجدت الحاجة إليه بدخول الناس في دين الله أفواجاً على اختلاف لهجاتهم وألسنتهم, وحين لم تكن هناك حاجة لم يكن لتلك الأحرف والقراءات وجود, ولو كان أمراً محموداً جمعه وحفظه لبدأ مع أول نزول القرآن, وحينما زالت الحاجة إليها أو قلَّت ألغى عثمان أكثرها بجمعه المصحف على حرف واحد وأبقى منها ما لا يتنافر مع رسم المصحف كما سيأتي.
    فهي إذاً إنما وجدت للحاجة, فهذا دليل على أنها ليست مطلوبة في الأصل.

    الدليل الثاني:
    أنه لم يرد عن النبي كلمة واحدة يرغب فيها بحفظ تلك الأحرف والاختلافات أو كتابتها أو القراءة بها جميعاً, فغاية ما أخبر به النبي أن القرآن أنزل على تلك الأحرف تهويناً وتسهيلاً على الأمة, ولو كان جمع القراءات وحفظها والقراءة بها مجتمعة مراداً للنبي لأمر بجمع الأحرف وتعلمها وحفظها وكتابتها ومعرفة تفاصيلها, ولكنه إنما كان يقول: (اقرؤوا ما تيسر منه), ولم يرد عنه البتة أنه أمر أحداً من أصحابه أن يجلس لتعليم تلك الأحرف وجمعها والاهتمام بها وإتقانها, بل أمر أن يقرأ كل حسب ما يتيسر له منها, فإن هذا هو المقصود منها لا غير.
    ولذلك حين حصل الاختلاف بين بعض الصحابة وأخبرهم أنهم كلهم على صواب, وأن القرآن أنزل على سبعة أحرف وليس على حرف واحد لم يرشد أحداً من أولئك المختلفين أن يهتم بتفاصيل ذلك الاختلاف أو أن يتعلمه, بل انتهى الأمر بإخباره لهم أن قراءة كل منهم صواب.
    وكان النبي يرغبهم في قراءة القرآن والتغني به في أحاديث كثيرة ومنها قوله: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
    وقوله: (خذوا القرآن من أربعة).
    وقوله: (من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد). وغير ذلك كثير.
    ولم يقل لهم حرفاً واحداً يدل على ترغيبهم في معرفة الاختلاف في القراءة أو يحثهم على قراءة القرآن بالأحرف أو القراءات جميعاً, ولم يرد عنه أي قول في هذا.
    ومن النصوص الواردة في هذا وهو في غاية الوضوح قول النبي: (أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) فقال: اقرؤوا ما تيسر منه, أي: كل يقرأ ما يناسبه وما يسهل عليه.
    ولم يقل: فاحفظوا الفروق بين هذه الأحرف وأفنوا أعماركم في معرفتها وضبطها.
    بل كان النبي يصلي بهم كل يوم ثلاث صلوات جهرية ولم ينقل نص واحد يفيد أنه قرأ بهم يوماً بقراءة غير حرف قريش, فهل يمكن أن تصدق أنه كان يفعل ذلك ولو مرة واحدة ثم لا ينقل ولا يذكر ولا يشهر!

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي رد: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    الدليل الثالث:
    وقائع الصحابة رضي الله عنهم.
    حين اختلف عمر بن الخطاب وصاحبه هشام بن حكيم في القراءة, وكان ذلك في أواخر العهد المدني بعد فتح مكة, انطلق عمر بهشام إلى النبي ليتحقق من ادعائه أن النبي هكذا أقرأه, فإن عمر كان خالي الذهن لم يكن في باله اختلاف وقراءات, فصحح النبي قراءتهما وأخبرهما أن القرآن أنزل على أحرف كثيرة.
    هنا هل اهتم عمر بتلك الحروف التي اختلفت قراءته فيها مع هشام, وهل خلا بهشام ليتعلم منه تلك الحروف والاختلافات.
    وهل رغب النبي أحداً منهما في ذلك, كلا لم يحصل شيء من ذلك.
    إن الأمر انتهى عند قول النبي: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه).
    لم يدُرْ في خَلَد عمر أن المطلوب جمع تلك الأحرف وحفظها والقراءة بها جميعاً, إنما فهم ما أراده النبي أن المسلم مخير بالقراءة إما هكذا أو هكذا فحسب, فبقي هو على قراءته, ولم يفكر بالسؤال عن تلك الاختلافات.
    إنه لم يفهم إلا أنها رخصة فحسب.
    فكيف يجمع بين الأصل والرخصة!
    هل يجمع بين قصر الصلاة وإتمامها, وهل يجمع بين الصوم والفطر!
    ومثل ذلك تماماً ما حصل مع أبي بن كعب وصاحبيه حين سمعهما في المسجد يقرآن بقراءات مختلفة عن قراءته.
    فحين أخبرهم النبي أن قراءاتهم كلها صحيحة وأن القرآن أنزل على أن يقرأ على أحرف وليس على حرف واحد انتهى الأمر عند ذلك فلم يهتم كل واحد منهم بالاختلاف الذي عند صاحبه, ولم يرشد إلى ذلك النبي, فعلى أي شيء يدل هذا؟!
    ولم يرد حرف واحد لا صحيح ولا ضعيف أن الصحابة كانوا يتتبعون ويجمعون تلك القراءات المختلفة ويدونونها ويحاولون حفظها جميعاً والقراءة بها, ولم يفهم أحد من الصحابة من إنزال القرآن على سبعة أحرف أن جمع هذه الأحرف مراد أو مرغب فيه, بل فهموا أنه أنزل هكذا رخصة للتهوين والتيسير فحسب.
    إذ كيف يكون حفظها والقراءة بها كلها أمراً مطلوباً في شرع الله ثم لا يعبؤون بها ولا يجمعونها ولا يكتبونها ولا يتعلمونها, لماذا يزهدون جميعاً في ذلك؟!
    إنه لم يرد عن أي منهم أي ترغيب أو دعوة إلى تعلم تلك الأحرف المختلفة وحفظها, ومن ادعى أنه أحرص على كتاب الله من أصحاب النبي فلن يصدق وسيحكم عليه أنه من الكاذبين.
    بل إن عمر حين عَلِم أن عبد الله بن مسعود يقرئ بغير حرف قريش الذي به أنزل القرآن أنكر عليه وأمره بالإقراء بحرف قريش فحسب, مع أن قراءة ابن مسعود هذه من الأحرف السبعة قطعاً, فإن ابن مسعود لا يمكن أن يقرئ بها وهي ليست من الأحرف.
    فقد سمع عمر رجلاً يقرأ (من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه عتى حين) فقال عمر: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها ابن مسعود, فقال له عمر: (حتى حين), وكتب إلى ابن مسعود أما بعد فإن الله أنزل القرآن بلسان قريش, فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش, ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام. أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (8/278)
    فهنا لم يشجع عمر ابن مسعود على نشر الأحرف وتعليمها وحفظها, وإنما نهاه بأمر صريح لا تردد فيه.
    فنهي عمر لابن مسعود أن يقرئ بهذه القراءة من الأدلة الواضحة على أن الصحابة لم يفهموا من إنزال القرآن على أحرف أن تجمع تلك الأحرف ويقرأ بها جميعاً وتعلم للناس جميعاً, وإنما فهموا أنها رخصة للحاجة إليها فقط.
    إن الصحابة لم يفهموا من قول النبي: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) إلا الرخصة فحسب, أي: أنها رخصة وتسهيل لمن احتاج إلى ذلك, ولذلك لا تراهم لا يعظمون تلك الأحرف والقراءات ولا يهتمون بها, بل هم في غفلة وفي شغل عنها.
    ومما يؤكد هذا حديث أبي المنهال قال: (بلغنا أن عثمان قال يوماً وهو على المنبر: أذكر الله رجلاً سمع النبي قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا أن رسول الله قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف), فقال عثمان: وأنا أشهد معهم) أخرجه أبو يعلى في الكبير كما في "مجمع الزوائد" (7/152)
    إن عثمان يحتاج إلى إثبات أن القرآن أنزل على أحرف إلى أن يشهد معه أحد, فقام رجال فشهدوا معه, وهذا لا يدل إلا على شيء واحد, وهو أن مسألة الحروف والقراءات عند الصحابة ليست ذات بال عندهم, ولم يشغلهم أمرها, لأنهم فهموا المراد بها والغاية منها, ولو كانوا يحفظونها أو يجمعونها ما احتاج عثمان إلى أن يطلب من يشهد معه, لوضوح الأمر واشتهاره بينهم.
    وقد ذكر ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (1/55) أن جمع القراءات لأجل الحفظ والدرس هو من الاجتهاد الذي فعله طوائف في القراءة، وأما الصحابة والتابعون فلم يكونوا يجمعون".
    الدليل الرابع:
    أنه مخالف لما عليه أصحاب القرون الأولى.
    فإن أصحاب القرون الثلاثة المفضلة لا يعلم أن أحداً منهم جمع القراءات ليحفظها ويقرأ بها كلها, نعم بدأ جمع القراءات كتابة في القرن الثالث لكن ليس ذلك لتحفظ كلها ويقرأ بها جميعاً, وإنما لتعلم ويختار منها كما سيأتي.
    فلا ترى في عهد القرون الأولى أثراً لذكر القراءة بالقراءات والأحرف جميعاً, لا في عهد الصحابة ولا من بعدهم, والذين اختلفوا في زمن عثمان كما في خبر حذيفة إنما كانوا يختلفون كل يقرأ بقراءة مختلفة عن الآخر, فلم يوجد من بينهم من يقرأ بجميع القراءات, ولو كان كذلك ما حصل الاختلاف, وحين بلغ عثمان اختلافهم لم يرسل لهم من يخبرهم بفضل جمع تلك القراءات المختلفات وحفظها وقراءاتها جميعاً, بل حصل ما هو معروف من إلغاء كثير منها, والإبقاء على الأصل وهو ما أنزله جبريل بحرف قريش كما سيأتي في الدليل الآتي.
    الدليل الخامس:
    تحريق عثمان لكثير من الاختلافات في القراءة.
    فإن عثمان كما هو مشهور ومعروف قد ألغى كثيراً من الأحرف والقراءات وأبقى على حرف واحد, وهو حرف قريش الذي به نزل القرآن, وما يحتمله الرسم من أنواع القراءات والاختلاف, وكان ذلك بإجماع الصحابة, ولم يعترض أحد منهم على عثمان t, فإنه لا يدور بخلدهم أنه يطلب من المسلم أن يجمع كل تلك الأحرف ويقرأ بها, وأنى يكون ذلك هو الأفضل ثم يجمعون على إلغائها ومنعها.
    وهذا من أوضح الأدلة على أن الأفضل البقاء على قراءة محددة وعدم حفظ القرآن بقراءات متعددة, فإنه لو كان الأصل جمع القراءات لما ألغى عثمان بقية الأحرف, ولكتبها كلها لتبقى محفوظة معلومة.
    وهذا القول وهو أن عثمان كتب القرآن على حرف واحد وترك ما سواه إلا ما يحتمله الرسم من بعض الاختلافات هو قول أكثر العلماء, وهو قول الحذاق من أهل النظر كما قال أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ, كما في "المرشد الوجيز" ص (140)
    وهو قول أئمة السلف والعلماء, كما قال ابن تيمية في "الفتاوى" (13/401)
    وقال أيضاً (13/395) : "الذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة, والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول"اهـ
    والقول بأن جميع الأحرف السبعة باقية وموجودة في مصحف عثمان الذي كتبه هو قول في غاية الضعف لا ينقضي منه العجب, وسأبين هذا إن شاء الله حين أذكر موضوع الأحرف السبعة.
    الدليل السادس:
    أنه مخالف للمنهج الذي سار عليه القراء العشرة الكرام وغيرهم من القراء في ذلك الوقت, بل هو منهج أتباعهم جميعاً في تلك البلاد, فأهل المدينة الآخذين بقراءة نافع, وأهل مكة الآخذين بقراءة ابن كثير, وأهل الشام الآخذين بقراءة ابن عامر وهكذا.
    فإن القراء العشرة المشهورين وغيرهم من القراء في ذلك الزمن كانوا يختارون قراءة واحدة, فكان كثير منهم يتلقون القرآن من عدد من القراء, فيجمعون اختلافاً كبيراً بينهم, ثم يختار القارئ لنفسه من بين القراءات قراءة واحدة يلتزمها ويعرف بها وتنسب إليه, فيقال: قراءة نافع وقراءة عاصم وهكذا.
    فالقراء العشرة وغيرهم وهكذا تلاميذهم ورواتهم ما عرف عن أحد منهم أنه كان يقرأ أو يقرئ بخمس قراءات أو عشر قراءات أو عشرين, أو القراءة بكل ما سمع وعلم وحفظ, بل يختار كل واحد منهم قراءة خاصة به فتنسب إليه وتشتهر به.
    وما كان كل واحد منهم يرحل إلى غيره ليأخذ مجموعة قراءات يقرأ بها.
    هؤلاء قراء الأمة الإسلامية الذين نفخر بهم ونجلهم ونقتدي بهم, فأتوا بواحد منهم يقرأ بسبع قراءات أو ثلاث أو اثنتين!
    قال الإمام حمزة كما في "جمال القراء" ص (462) : كان الرجل بالكوفة إذا أراد أن يتعلم القرآن اختلف إلى المسجد يشاورهم ويسترشدهم حتى إذا اجتمع رأيهم على رجل قلده، وقرأ عليه.
    وهذا الإمام نافع يقول: "قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته, وما شك به واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة.
    وقرأ الكسائي على حمزة وغيره فاختار من قراءة غيره نحواً من ثلاثمائة حرف.
    وكذا أبو عمرو قرأ على ابن كثير وخالفه في نحو ثلاثة آلاف حرف اختارها من قراءة غيره". انظر: "القواعد والإشارات" للحموي ص (37)
    وخالف ورش قالون في أكثر من ثلاثة آلاف حرف, كما ذكر مكي في "الإبانة" ص |(84)
    وخالف خلف حمزة بمائة وعشرين حرفاً.
    وقال نافع تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفاً.
    وقال الأزرق لورش: يا أبا سعيد إني أحب أن تقرئني مقرأ نافع خالصاً وتدعني مما استحسنت لنفسك.
    وقال ابن مجاهد: بين حفص وبين أبي بكر من الخلف في الحروف خمسمائة وعشرون حرفاً, وذكر حفص أنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا في حرف الروم. (ترى ذلك في تراجمهم من "غاية النهاية").
    بل حتى الذين جمعوا القراءات كأبي عبيد وابن مجاهد وغيرهما لم يكن قصدهم قراءتها جميعاً, بل كان مرادهم إثباتها ومعرفة الفرق بين كل قراءة وأخرى, ونسبة كل قراءة إلى من قرأ بها, حتى لا تتداخل القراءات وليختار كل ما يشاء من تلك القراءات.
    فهل كان إسماعيل بن إسحاق الأزدي حين صنف كتاباً في القراءات وجمع فيه قراءة عشرين إماماً يريد أن يحفظ القارئ عشرين قراءة.
    وهل كان أبو عبيد حين كتب كتابه في القراءات وجمع فيه خمسة وعشرين قارئاً يريد أن يحفظ القارئ خمساً وعشرين قراءة.
    وهل كان الهذلي حين ألف كتابه "الكامل" وجمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة يريد أن يحفظ القارئ خمسين قراءة فيقرأ بها.
    وهذا الإمام أبو بكر بن مجاهد مسبع السبعة قال ابن الجزري في ترجمته: لا أعلم أحداً من شيوخ القراءات أكثر تلاميذاً منه, ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه, حكى ابن الأخرم أنه وصل إلى بغداد فرأى في حلقة ابن مجاهد نحواً من ثلاثمائة مصدر, وقال علي بن عمر المقرئ: كان ابن مجاهد له في حلقته أربعة وثمانون خليفة يأخذون على الناس.
    قلت: ومع ذلك لم يعرف ولم يشتهر عن ابن مجاهد أنه كان يقرأ أو يقرئ بالقراءات, بل كانت تروى عنه القراءات, وموضوع الرواية شيء آخر كما سيأتي.
    وهذا أحمد بن نصر أبو بكر الشذائي البصري (373) هـ ذكر ابن الجزري في ترجمته أنه إمام مشهور، وأنه قرأ على قراء كثر وقرأ عليه كثر, ولم يذكر أنه كان يقرأ أو يقرئ بالقراءات المتنوعة.
    وهذا ورش أقرأه نافع قراءة واحدة مع أن نافعاً قرأ على سبعين قارئاً, وكان عالماً بوجوه القراءات.
    فكان ورش يقول: كنت أقرأ عليه كل يوم سبعاً, وختمت في سبعة أيام, فلم أزل كذلك حتى ختمت عليه أربع ختمات في شهر وخرجت.
    وكذلك قالون, قال النقاش: قيل لقالون: كم قرأت على نافع قال: ما لا أحصيه كثرة إلا أني جالسته بعد الفراغ عشرين سنة.
    وقال أبو بكر ابن العربي في "العواصم" ص (600) : "الكل قرآن صحيح, وضم حرف إلى حرف وقارئ إلى قارئ ليس له في الشريعة أصل, وما من القراء واحد إلا وقد قرأ بما قرأ به الآخر, وإنما هذه اختياراتهم".
    وحين ألف أبو بكر ابن مجاهد كتابه "السبعة" في أول القرن الرابع الهجري واقتصر فيه على سبعة قراء فقط استحوذ على كثير من الناس بعد ذلك الوقت أن قراءات هؤلاء القراء السبعة هي الأحرف السبعة الواردة في الحديث, ونتيجة حتمية لذلك فقد عظموا هذه القراءات السبع, وبدأ التوجه لحفظها والقراءة بها جميعاً, وإن كان ذلك لم يظهر ويشتهر إلا في القرن الخامس الهجري كما سيأتي في الدليل السابع.
    الدليل السابع:
    أن حفظ القراءات المختلفة جميعها والقراءة بها كلها خمساً أو سبعاً أو ثمانياً أو عشراً أو غير ذلك لم يعرف إلا في القرن الرابع الهجري فما بعده.
    وقد ذكرت في الدليل السادس أن أبا بكر ابن مجاهد بعد أن ألف كتابه "السبعة" في أول القرن الرابع الهجري أو آخر القرن الثالث واقتصر فيه على سبعة قراء فقط ظن كثير من الناس أن قراءات هؤلاء القراء السبعة هي الأحرف السبعة الواردة في الحديث, فمن هنا بدأ التوجه لحفظ جميع هذه القراءات والقراءة بها كلها, ولم يكن التوجه إلى ذلك في القرن الرابع كثيراً, بل كان قليلاً, ثم كثر في القرن الخامس, ثم عظم في القرن السادس والسابع وما بعد ذلك إلى يومنا هذا وسيعظم أكثر إلى ما شاء الله, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
    مما يؤيد ذلك ويؤكده ثلاثة أمور:
    الأول:
    لو استعرضت أكبر كتاب في تراجم القراء وهو "غاية النهاية" لابن الجزري - وقد ذكر فيه ما يقرب من أربعة آلاف ترجمة للقراء- فإنك لا تجده يذكر عن عامة قراء القرن الأول والثاني والثالث إلا أنهم كانوا يقرؤون أو يقرؤون فحسب, أو يروون القراءة رواية أو يروون الحروف أو نحو ذلك.
    فتجده يقول: قرأ على فلان قرأ عليه فلان.
    أو روى القراءة عن فلان روى عنه القراءة فلان.
    أو أخذ القراءة عن فلان أخذ عنه القراءة فلان.
    أو روى الحروف عن فلان روى عنه الحروف فلان.
    وليس المراد بالحروف القراءات المختلفة, كما أن هناك فرقاً بين التلاوة والرواية كما سيأتي.
    فلا تكاد تجد أحداً من أصحاب القرون الثلاثة الأولى قيل عنه: إنه كان يقرأ بالقراءات, أو يقرأ بالأحرف, أو يقرأ بالروايات, أو يقرأ بخمس قراءات أو ست أو ثمان أو أي عدد, ولا تلمح هذا عندهم من قريب ولا بعيد, ولا تجد هذا إلا في الأزمان المتأخرة من القرن الخامس وبعده, وفي القرن الرابع كانت بداياته على قلة كما سبق.
    فكان القوم يبقون على قراءة واحدة, وهذا هو الأغلب, وبعضهم يكون له اختيار, فيختار قراءة مجمعة من عدة قراءات, كما حصل للقراء العشرة وغيرهم كثير, فكثيراً ما يأتي في تراجم أصحاب القرن الثاني والثالث: أن فلاناً له اختيار في القراءة.
    فما كان يدور بخلدهم أن الروايات والقراءات المختلفات تحفظ كلها وتقرأ كلها.
    حتى إن الإمام أبا بكر ابن مجاهد قيل له كما في "معرفة القراء" للذهبي (2/537) : لم لا تختار لنفسك حرفاً يحمل عنك (وهذا يدل على شهرة الاختيار في تلك الأزمان), فقال: نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا.
    وأما ما يأتي في تراجم بعض قراء القرن الثاني والثالث والرابع من قولهم:
    قرأ الحروف, أو روى الحروف أو سمع الحروف أو أخذ الحروف أو عرض أو نحو ذلك فليس المراد بالحروف القراءات المختلفة, وإنما المراد الآيات التي كانت تروى بالسند, فإذا قيل: حروف عاصم مثلاً فإنما يعنون قراءة عاصم, وإذا قيل: حروف أهل مكة فإنما يعنون قراءة أهل مكة وهكذا.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي رد: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    يؤكد ذلك أنك ترى هذا بكل وضوح عند استعراض تراجم القوم.
    فتجد في ترجمة أحمد بن عبد الله أبي بكر المكي (أخذ الحروف عن أبي جعفر عن البزي).
    وفي ترجمة أحمد بن محمد الأدمي (327) هـ (ويعرف بالحمزي لأنه كان عارفًا بحروف حمزة).
    وفي تراجم عدد من الرواة (روى الحروف عن عاصم) أو (روى الحروف عن الكسائي) أو (روى حروف الكسائي).
    وفي ترجمة يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ (روى حروف أهل مكة).
    وفي ترجمة الوليد بن مسلم (روى القراءة عن نافع بن أبي نعيم، ويقال: بل روى عنه حرفاً واحداً هو (وأرجلُكم) بالرفع).
    وفي ترجمة مسلمة بن عبد الله بن محارب (كان يقرأ بالإدغام الكبير كأبي عمرو, وروى حروفاً لم يدغمها أبو عمرو).
    وفي ترجمة حماد بن عمرو الأسدي (قال حسين الجعفي أردت أن أسمع من حماد بن عمرو الأسدي حروف عاصم فكرهت أن أخالف أبا بكر فتركته).
    وفي ترجمة حمدان بن محمد الساجي (روى حروف أبي عمرو عن يعقوب الحضرمي بالأدغام الكبير).
    وفي ترجمة محمد بن سعيد الأصبهاني (220) هـ (روى حروفاً من قراءة عاصم عن أبي بكر بن عياش). (وذكر مثل ذلك في ترجمة آخرين)
    وفي ترجمة محمد بن يزيد بن رفاعة (سمع قراءة الأعشى على أبي بكر بن عياش, فضبط عن أبي بكر حروفاً من قراءة عاصم بقراءته).
    وفي ترجمة خارجة بن مصعب (روى عن حمزة حروفاً).
    وفي ترجمة يحيى بن آدم (قال يحيى: سألت أبا بكر بن عياش عن حروف عاصم التي في هذه الكراسة أربعين سنة قال: فحدثني بها كلها, وقرأها علي حرفاً حرفاً, فنقطتها وقيدتها وكتبت معانيها على معنى ما حدثني بها سواء, ثم قال: أقرأنيها عاصم كما حدثتك حرفاً حرفاً).
    وفي تراجم كثير من الصحابة والتابعين (وردت عنه الرواية في حروف القرآن).
    مع أن الصحابة والتابعين كانوا لا يجمعون الاختلافات ولا يروونها هكذا.
    وفي ترجمة أبي عمرو البصري (قال شجاع بن أبي نصر: رأيت النبي في المنام فعرضت عليه أشياء من قراءة أبي عمرو, فما رد علي إلا حرفين أحدهما (وأرْنا مناسكنا) والآخر (وما ننسخ من آية أو ننساها).
    وفي ترجمة محمد بن الحسن بن يونس (قرأ على علي بن الحسن التميمي قال: ومنه تعلمت القراءة حرفاً حرفاً).
    وقال يحيى بن عقيل: قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر, فما اختلفا إلا في حرفين, قال أبو عبد الرحمن: (مَالُهُ وَوَلَدُهُ) بفتح الواو, وقال ابن يعمر: (ووُلده) بضم الواو, وقال أبو عبد الرحمن: (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) وقال ابن يعمر: (إذا دبر).
    وقال يوسف القطان: قلت لجرير بن عبد الحميد: كيف أخذتم هذه الحروف عن الأعمش؟ قال: إذا كان شهر رمضان جاء أبو حيان التيمي وحمزة الزيات مع كل واحد منهما مصحف, فيمسكان على الأعمش المصاحف ويقرأ ويجتمع الناس ويسمعون قراءته, فأخذنا الحروف من قراءته.
    هذه أمثلة توضح مقصودهم بالحروف.
    ومن جهة أخرى فإن قولهم عن الراوي في القرون الأولى: إنه روى الحروف أو سمع الحروف أو أخذ الحروف أو أخذ القراءات أو روى القراءات أو نحو ذلك ليس المراد به القراءة, بل الرواية, وفرق بين القراءة والرواية.
    فإنهم قد يروون القراءات المختلفة أو الكتب المؤلفة في هذا, لكن لا يعتمدون إلا قراءة واحدة أو اختياراً واحداً.
    ومما يؤكد ذلك التفريق في تراجمهم بين القراءة وسماع الحروف.
    فتجد في بعض التراجم (وقيل إنه لم يقرأ على فلان بل سمع منه الحروف, أو روى الحروف عنه).
    أو (قرأ على فلان وفلان وقيل: لم يعرض عليهما بل روى عنهما الحروف).
    وفي ترجمة أحمد بن الصباح (230) هـ (والصحيح أن العباس إنما روى الحروف سماعاً أو قراءة من غير أن يعرض عليه القرآن).
    وفي ترجمة محمد بن الحسين البلخي (قيل: إنه روى الحروف عن الحسين بن علي بن الأسود وقال أبو علي الرهاوي: إنه قرأ عليه تلاوة. قال الحافظ أبو العلاء: والصحيح أنه رواها عنه).
    وفي ترجمة أحمد بن علي بن الفضل (286) هـ (سمع حروف القرآن).
    وفي ترجمة أبي إسحاق ابن القزاز (97) هـ (قرأ على عبد الصمد بن عبد الرحمن صاحب ورش, وسمع منه كتابه الذي جمعه في قراءة نافع وحمزة). (فهو مجرد رواية وسماع للكتاب وليس قراءة وتلاوة).
    وفي ترجمة محمد بن العباس اليزيدي (روى الحروف وجادة عن كتاب أبيه).
    وفي ترجمة يحيى بن آدم (روى القراءة عن أبي بكر بن عياش سماعاً وقال: سألت أبا بكر بن عياش عن هذه الحروف فحدثني بها كلها).
    وقال أبو عمرو الداني: والصحيح أن يحيى لم يقرئ أحداً القرآن سرداً, وإنما روى الناس عنه الحروف سماعاً.
    وقال ابن الجزري: وأما يحيى فالصحيح أنه لم يقرأ على أبي بكر القرآن, وإنما قرأ عليه الحروف.
    وقال يحيى بن آدم: سألت أبا بكر بن عياش عن حروف عاصم التي في هذه الكراسة أربعين سنة قال: فحدثني بها كلها, وقرأها علي حرفاً حرفاً, فنقطتها وقيدتها وكتبت معانيها على معنى ما حدثني بها سواء, ثم قال: أقرأنيها عاصم كما حدثتك حرفاً حرفاً.
    فالرواية للحروف ليست كالقراءة, وإنما هي رواية كرواية الأحاديث.
    والرواية أعم, فقد يروي القارئ كتاباً فيه جمع من القراءات ثم يحدث به, لكن لا يلتزم إلا بقراءة واحدة, فالرواية شيء والقراءة شيء آخر.
    فليس المراد من قراءة كتاب في القراءات أن القارئ يلتزم بها ويحفظها ويقرأ بها كلها.
    هذا أبو القاسم الهذلي قد ألف كتابه "الكامل" وجمع فيه قراءة خمسين راوياً, وقد سمع منه وروي عنه هذا الكتاب, حتى قال ابن الجزري في "الغاية" (2/539) : بعد أن ذكر جماعة ممن رووه: "ولا زال يقرئ به إلى آخر وقت, وآخر من رواه تلاوة فيما نعلم ابن مؤمن الواسطي"اهـ
    قلت: فهل كانوا يروون الكامل ليحفظوه ويقرؤوا بكل ما فيه!
    وليعلم كذلك أن رواية القراءات أو جمعها أو التصنيف فيها لا يعني أبداً الأخذ بها جميعاً وحفظها والقراءة بها كلها.
    ولذلك لا تكاد تجد أحداً من المتقدمين قيل عنه إنه حافظ للقراءات أو الحروف إنما يصنفون فيها ويروونها رواية ويختارون وينتقدون ويعللون, وهكذا.
    فهذا خلف بن إبراهيم أبو القاسم المصري الخاقاني (402) هـ قال عنه أبو عمرو الداني: "كان ضابطاً لقراءة ورش متقناً لها واسع الرواية كتبنا عنه الكثير من القراءات".
    فهو يقرأ بورش مع أنه واسع الرواية روى كثيراً من القراءات.
    وقال ابن مجاهد: وإنما عولنا على اليزيدي وإن كان سائر أصحاب أبي عمرو أجل منه لأجل أنه انتصب للرواية عنه.
    وقال أبو حاتم: "يعقوب بن إسحاق الحضرمي كان أعلم من أدركنا ورأينا بالحروف والاختلاف في القرآن وتعليله ومذاهب أهل النحو في القرآن, وأروى الناس لحروف القرآن وحديث الفقهاء".
    وقال ابن الجزري عن أحمد بن جعفر بن مالك: إنه معروف بالرواية لا بالقراءة.
    وقال أبو عمرو: كتبنا عن أحمد بن عمر شيئاً كثيراً من القراءات والحديث, كما في "تاريخ الإسلام" للذهبي (27/364)
    وقال أبو زرعة: أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث, كما في "تاريخ الإسلام" أيضاً (20/128)
    وكان مضر بن محمد بن خالد بن الوليد (277) هـ راوية لكتب القراءات, كما في "التاريخ" أيضاً (20/473)
    وقال أبو عمرو: لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القراءات أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حفظها, كما في "تاريخ الإسلام" (9/684)
    وكانوا يهتمون بالرواية ويكثرون منها.
    ذكر ابن الجزري في "غاية النهاية" (1/137) في ترجمة أحمد بن محمد بن أحمد السمرقندي ت بعد (400) هـ أنه ألف كتاب "الغنية" في القراءات، وأنه قال: إنني ما أخذتها من وجه أو طريق واحد, لأنه روى عن غير واحد من الأئمة أن من أخذ القراءة أو الرواية من طريق واحد فلم يشم رائحتها.
    تنبيه:
    إياك أن تفهم من وصف بعض القراء بأنه برز أو برع في علم القراءات أو أنه متصرف أو مدرس أو متقدم أو إمام أو رأس في القراءات أو موصوف بمعرفة القراءات أو معني بالقراءات أو من العارفين باختلاف القراءات أو متبحر في ذلك أو أستاذ أو من أعلم الناس بالقراءات أو ما يشبه هذه الألفاظ وهي ألفاظ تكثر في أهل القرن الرابع وربما قبل ذلك إياك أن تفهم من ذلك أنه يدل على حفظ القراءات للقراءة بها كلها.
    فإن المراد بذلك أمر آخر, وهو معرفة القراءات وعللها ونقدها وتوجيهها وأسانيدها ومشهورها وغريبها وشاذها وغير ذلك.
    ولهذا يأتي في تراجم بعضهم: كان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين وأعرفهم بالقراءات مشهورها وغريبها وشاذها.
    أو: كان بصيراً بالقراءات قيماً بمعرفتها واقفًا على غوامضها.
    أو: كان بصيراً بالقراءات وعللها وغوامضها عارفاً بطرقها عالي الإسناد.
    أو: عالماً بوجوه القراءات, ضابطاً لها متقناً لمعانيها.
    أو: ذو خبرة تامة بوجوه القراءات.
    وقال أبو حاتم: "يعقوب بن إسحاق الحضرمي كان أعلم من أدركنا ورأينا بالحروف والاختلاف في القرآن وتعليله ومذاهب أهل النحو في القرآن".
    ولذلك ليس غريباً أن ترى أحدهم يقال فيه: (إمام في القراءات له اختيار في القراءة) وهذا يدل كما سبق أن المراد أنه إمام عارف بالقراءات وأسانيدها وعللها ومشهورها وغريبها وغير ذلك, وفي النهاية له اختيار فالاختيار على قراءة واحدة مع سعة معرفته بالقراءات.
    الثاني: (مما يدل على أن الحفظ للقراءات جميعاً لم يكن إلا في القرن الرابع)
    النص على كثير من قراء القرن الثاني والثالث والرابع بأنهم يلتزمون قراءة واحدة, وإليك أمثلة على ذلك.
    فقد ذكر في ترجمة أبي إسحاق المروزي أنه (قرأ على محمد بن عبد الله بن معبد بمرو ختمات كثيرة برواية قالون).
    وفي ترجمة الحسن بن داود (350) هـ أنه (كان قيماً بقراءة عاصم).
    وفي ترجمة جعفر بن أحمد الخصاف (ضابط لقراءة الكسائي).
    وكذلك في ترجمة نجم بن بدير (شيخ ضابط لقراءة الكسائي).
    وفي ترجمة نصر بن القاسم (314) هـ (كان مقرئاً جليلاً على قراءة أبي عمرو).
    وفي ترجمة هارون بن موسى (292) هـ (إليه رجعت الإمامة في قراءة ابن ذكوان).
    وفي ترجمة أبي محمد الأصبهاني (روى القراءة عرضاً عنه محمد بن إبراهيم شيخ ابن مهران وقال: قرأت عليه ختمات كثيرة باختيار أبي حاتم).
    في ترجمة السامري المعروف بالخباز (قرأ عليه الحسن بن محمد بن الفحام ختمات كثيرة لأبي عمرو).
    وفي ترجمة إبراهيم بن حماد الملقب سجادة (260) هـ (قرأ عليه موسى بن إبراهيم الزينبي أربعين ختمة) (ولم يذكر روايات ولا قراءات)
    وفي ترجمة أحمد بن جعفر القطيعي (368) هـ (قرأ باختيار خلف, وروى اختيار أحمد بن حنبل).
    وفي ترجمة إسحاق بن إبراهيم المروزي (286) هـ (وراق خلف وراوي اختياره عنه).
    وفي ترجمة أحمد بن سهل (389) هـ (ضابط لقراءة نافع).
    وفي ترجمة أحمد بن عبد الله المصري ت بعد (340) هـ (مقرئ بحرف ورش).
    وفي ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر (كان محققاً مجوداً لحرف عاصم).
    وفي ترجمة محمد بن عبد الله المعافري (355) هـ (مقرئ مجود معروف قيم برواية ورش).
    وفي ترجمة محمد بن غالب (254) هـ (قال ابن المنادى: وكان بمدينة السلام ممن يقرئ بقراءة أبي عمرو جماعة منهم أبو جعفر محمد بن غالب).
    وفي ترجمة محمد بن علي الأذفوي المصري (388) هـ (انفرد بالإمامة في دهره في قراءة نافع رواية ورش مع سعة علمه).
    وفي ترجمة مسافر بن الطيب (443) هـ (كان بصيراً بقراءة يعقوب حافظاً لها).
    وفي ترجمة يعقوب الحضرمي (205) هـ (قال الداني: وأتم بيعقوب في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو, فهم أو أكثرهم على مذهبه, وقد سمعت طاهر بن غلبون يقول: إمام الجامع بالبصرة لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب).
    وفي ترجمته أيضاً (قال محمد بن عبد الله الأصفهاني: تفرق أهل البصرة أيام الزنج وأهل المسجد يجردون ليعقوب وأهل القبائل لأيوب).
    وفي ترجمة أحمد بن محمد بن القباب (مقرئ بحرف ورش).
    وفي ترجمة أحمد بن محمد الأدمي (327) هـ (ويعرف بالحمزي لأنه كان عارفًا بحروف حمزة).
    وفي ترجمة مطرف بن عبد الرحمن (كان من أهل الضبط والإتقان والمعرفة بقراءة نافع رواية ورش عنه).
    وفي ترجمة موسى بن جرير (310) هـ (قال الحسن بن سعيد المطوعي: إنه أضبط من لقيته ممن ينتحل قراءة أبي عمرو).
    وفي ترجمة موسى بن عبيد الله أبي مزاحم الخاقاني (325) هـ (كان إماماً في قراءة الكسائي ضابطاً لها مضطلعاً بها).
    وفي ترجمة أبي مسعود الأسود المدني (قال الأصبهاني: قرأت عليه بقراءة نافع ختمات وكان لا يقرئ بغيرها).
    وفي ترجمة عبيد الله بن إبراهيم العمري البغدادي (307) هـ (يعرف بالعمري لأنه كان مخصوصاً بمعرفة قراءة أبي عمرو).
    وفي ترجمة عبد الله بن عمرو بن الحجاج (224) هـ (قيم بحرف أبي عمرو ضابط له).
    وفي ترجمة عبد الله بن مالك التجيبي (307) هـ (أخذ القراءة عرضاً وسماعاً عن أبي يعقوب الأزرق صاحب ورش وكان لا يحسن غيرها).
    وفي ترجمة عبد الله بن محمد القضاعي الأندلسي (378) هـ (أقرأ الناس بحرف نافع من رواية ورش).
    وفي ترجمة عبد المجيد مولى عبد الرحمن بن محمد (389) هـ (أخذ القراءة عن أبي الحسن الأنطاكي وضبط عنه حرف نافع).
    وفي ترجمة محمد بن حميد بن أبي اليسر (مقرئ بحرف ورش).
    وفي ترجمة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي (كان لا يقصد في غير قراءة حمزة).
    وفي ترجمة عبد الله بن ثابت التوزي المتوفى بعد (290) كان يجود قراءة حمزة
    وفي ترجمة أحمد بن محمد بن بلال (إمام في قراءة أهل الشام).
    وفي ترجمة إسحاق بن أحمد بن إسحاق (308) هـ (إمام في قراءة المكيين).
    وفي ترجمة أحمد بن محمد بن أبي الرجا (343) هـ (من حذاق رواة ورش).
    وفي ترجمة إسحاق بن محمد بن أبي السائب (206) هـ (إمام قيم في قراءة نافع).
    وفي ترجمة أبي حفص عمر بن إبراهيم الكتاني (390) هـ (قال: سألت من ابن مجاهد أن ينقلني عن قراءة عاصم إلى غيرها فأبى عليَّ, وكان من أصحاب ابن مجاهد وممن لازمه كثيراً وعرف به وقرأ عليه سنين لا يتجاوز قراءة عاصم).
    وفي ترجمة عمر بن محمد الحضرمي (388) هـ (أستاذ في قراءة ورش).
    وفي ترجمة أحمد بن محمد بن يزيد ت قبل (300) هـ (ضابط في حرف قالون).
    وفي ترجمة أحمد بن وليد القرطبي (399) هـ (جود حرف نافع).
    وفي ترجمة الحسن بن عبد الله البغدادي (من كبار أصحاب ابن مجاهد قال الحذاء: ولم أر أضبط منه بقراءة أبي عمرو).
    وفي ترجمة الحسين بن علي بن حماد (300) هـ (قال الذهبي: كان محققاً لقراءة ابن عامر).
    وفي ترجمة زكريا بن يحيى الأندلسي (ولم يكن بالأندلس بعد الغاز بن قيس أضبط منه لقراءة نافع).
    وفي ترجمة أبي عمرو البصري (قال نصر بن علي: قلت لأبي: كيف تقرأ؟ قال: على قراءة أبي عمرو, وقلت للأصمعي: كيف تقرأ؟ قال: على قراءة أبي عمرو).
    وفي ترجمة القاسم بن أحمد التميمي (291) هـ (إمام في قراءة عاصم).
    وقال: كنت أقرأ برواية عاصم رواية عبد الجبار بن محمد العطار, فلما سمعت إجماع الناس على تفضيل قاسم ورأيت ذوي الأسنان وأهل المعارف يقرءون عليه لازمته حتى قرأت عليه وأتقنت قراءته.
    وفي ترجمة القاسم بن نصر المازني (290) هـ (وكان مقصوداً في قراءة حمزة).
    وفي ترجمة محمد بن عمر بن خيرون (306) هـ (إمام في قراءة نافع من رواية ورش عنه).
    وفي ترجمة محمد بن عمير بن الربيع (310) هـ (مقرئ عارف بحرف حمزة).
    وفي ترجمة قتيبة بن مهران ت بعد (200) هـ (ذكر أنه صحب الكسائي إحدى وخمسين سنة, وقرأ القرآن من أوله إلى آخره عليه).
    قلت: وهو على قراءة الكسائي فحسب.
    وفي ترجمة قسيم بن أحمد بن مطير (398) هـ (كان ضابطاً لرواية ورش يقصد فيها وتؤخذ عنه).
    وفي ترجمة أحمد بن الحسين ابن مهران مؤلف كتاب الغاية في العشر (381)هـ سمع القرآن من لفظه بقراءة ابن كثير فلان وفلان (ذكر جماعة) وروى عنه الحروف سماعاً فلان وفلان (ذكر جماعة).
    وقال ابن مجاهد: وعلى قراءة نافع اجتمع الناس بالمدينة العامة منهم والخاصة.
    وقال أيضاً: وعلى قراءة نافع أهل المدينة إلى اليوم.
    وسأذكر بعد قليل الإجابة على ما ذكر من نقول عن بعض السلف أو القراء قد يتوهم أنها تدل على أنهم يقرؤون أو يقرؤون بالقراءات المختلفة.
    الثالث:
    أن الإقراء بالجمع (أي: جمع القراءات وعطف بعضها على بعض في الختمة الواحدة) لم يظهر إلا في القرن الخامس كما سيصرح به ابن الجزري بعد قليل.
    وهذا دليل بين لمن تأمل.
    وهو أنه لو كان حفظ القراءات والقراءة بها كلها موجوداً قبل القرن الرابع لوجد (جمع القراءات في الختمة الواحدة) تبعاً لذلك, فإن هذا أمر متحتم لا محيد عنه, فإنه يستحيل أن يكون حفظ القراءات والقراءة بها جميعاً معروفاً مشتهراً في القرن الثاني والثالث ثم لا يحصل من أي من القراء أو تلاميذهم على كثرتهم وتفاوتهم وتفرقهم وتنائيهم في البلاد إقراء بالجمع, فلا يسمع به في أي عصر ولا يذكر في أي مصر, مع شدة الحاجة إليه لمن يقرؤون بالقراءات المتعددة, وأهل القراءات الممارسون لها يعرفون ذلك جيداً, وهم أفهم الناس لما أقول.
    قال ابن الجزري في "المنجد" ص (72) وهو يذكر جمع القراءات في الختمة الواحدة: "وأما الجمع وكيفيته فلم أر أحداً نبه عليه، ولم يكونوا في الصدر الأول يقرئون بالجمع، وقد تتبعت تراجم القراء فلم أعلم متى خرج الجمع، وقد بلغني أن شخصاً من المغاربة ألف كتاباً في كيفية الجمع, لكن ظهر لي أن الإقراء بالجمع ظهر من حدود الأربعمائة وهلم جرا, وتلقاه الناس بالقبول...
    وقال في "النشر" (2/195) : "في أثناء المائة الخامسة عصر الداني وابن شيطا والأهوازي والهذلي ومن بعدهم ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة واستمر إلى زماننا, وكان بعض الأئمة يكره ذلك من حيث إنه لم تكن عادة السلف عليه"اهـ
    على أي حال تبين أن الاتجاه لحفظ القراءات السبع لم يبدأ إلا في القرن الرابع الهجري, ومن أسبابه كما سبق جمع ابن مجاهد لكتابه السبعة, وظن كثير من الناس أن هذه القراءات السبع هي المقصودة بحديث الأحرف السبعة, وساعد على ذلك سهولة حفظها والقراءة بها ما دامت سبعة فقط, فحين حصرت بسبع قراءات صار أمراً مرغوباً فيه سهلاً ميسوراً تناوله.
    وقد تصدى العلماء لبيان هذه الشبهة وكشف هذا اللبس الذي حصل عند العوام, ومن ذلك أنهم ألفوا كتباً في القراءات فيها زيادة ونقص عن السبعة.
    قال ابن الجزري في "النشر" (1/43) : قال الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي بعد أن ذكر الشبهة التي من أجلها وقع بعض العوام الأغبياء في أن أحرف هؤلاء الأئمة السبعة هي المشار إليها بقوله: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) وأن الناس إنما ثمنوا القراءات وعشروها وزادوا على عد السبعة الذين اقتصر عليهم ابن مجاهد لأجل هذه الشبهة"اهـ
    فيا ترى لم زهد أهل القرون المفضلة بهذه الأحرف المختلفة, إنهم فهموا الأمر نفسه الذي فهمه أصحاب رسول الله.
    إن هذه الأحرف إنما أنزلت مجرد رخصة لمن احتاج إليها, ليختار كل ما يناسبه منها وما يسهل عليه منها, فلم تنزل إلا للتسهيل والتيسير فحسب.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي رد: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    وكما أشرت قبل قليل فهناك روايات قد يفهم منها أنها تدل على أن السلف كان يَقرَؤون ويُقرِؤون بالقراءات المختلفة, وسوف أذكرها وأجيب عنها واحداً واحداً وأساله تعالى العون والتوفيق والسداد.
    أولاً: ما رواه معلى بن دحية كما في "غاية النهاية" (2/398) قال: "سافرت بكتاب الليث بن سعد إلى نافع لأقرأ عليه، فوجدته يقرئ الناس بجميع القراءات، فقلت له: يا أبا رويم ما هذا؟ فقال لي: سبحان الله، أحرم ثواب القرآن؟ أنا أقرئ الناس بجميع القراءات، حتى إذا كان من يريد حرفي أقرأته به".
    والجواب عنه أنه ليس المراد أن نافعاً يقرئ بعدد من القراءات, وإنما المراد أنه يدع القارئ يقرأ بما اعتاده من الوجوه ولا يرد عليه ما دام أنه يقرأ بقراءة صحيحة مقبولة.
    بدليل قوله بعد ذلك: (حتى إذا كان من يريد حرفي أقرأته به) يعني أنه لا يلزمه بقراءته هو, بل يدع له الحرية أن يختار من الأحرف ما شاء ما دام أنها كلها أحرف وقراءات صحيحة.
    وانظر إلى قوله: (فوجدته يقرئ الناس بجميع القراءات), ولم يقل: (يقرئ القارئ بجميع القراءات).
    ومن المعروف أن نافعاً له قراءة معينة فرزها من قراءة سبعين راوياً كما ذكر هو, ولو كان يقرئ بقراءات متعددة ما صح أن له قراءة معينة.
    قال الدكتور عبد الهادي حميتو معقباً على هذه الرواية: "معنى هذا أنه كان يترك القارئ يقرأ عليه بما اعتاده من الوجوه تيسيرا عليه، فتكون قراءته عليه بذلك رواية على سبيل الإقرار لا على سبيل الاختيار، وبذلك تختلف الروايات عنه باختلاف العارضين".
    ثانياً: ما روي عن حفص كما في "غاية النهاية" (1/346) أنه قال: "قلت لعاصم: أبو بكر يخالفني, فقال: أقرأتك بما أقرأني عبد الرحمن السلمي عن علي t, وأقرأته بما أقرأني زر بن حبيش عن ابن مسعود".
    والجواب عنه أنه لو كان الأفضل أخذ أكثر من قراءة لأقرأ كل واحد منهما القراءتين جميعاً, فإقراء كل واحد منهما قراءة فحسب هو من الأدلة على أن هذا هو الأفضل.
    وأما عاصم فإنه حين قرأ على زر بن حبيش ووجد أن في قراءته اختلافاً عن قراءة أبي عبد الرحمن السلمي أقرأ حفصاً إحداهما وأبا بكر الأخرى لتبقى كل منهما وتعلم وتنقل, ولو كان جمع القراءات مراداً لأقرأ كل واحد منهما القراءتين كليهما كما ذكرت.
    ثالثاً: ما جاء في ترجمة عامر بن عبد الله العنبري المتوفى في خلافة عثمان "قال الحسن: كان عامر يصلي الصبح في المسجد ثم يقوم في ناحية منه فيقول: من أقرئ؟ فيأتيه ناس فيقرئهم القراءات حتى تطلع الشمس... ثم يصلي العصر ثم يقوم إلى مجلسه في المسجد فيقول: من أقرئ؟ فيأتيه ناس فيقرئهم القرآن حتى يقوم لصلاة المغرب".
    قلت: هكذا في "غاية النهاية" (فيقرئهم القراءات), وهذا خطأ والكلمة فيها تحريف, وصوابها (فيقرؤهم القرآن), هكذا في "تاريخ الإسلام", و"السير" للذهبي.
    وبدليل أنه في العصر قال: (فيقرئهم القرآن).
    رابعاً: ما روي عن سعيد بن أوس بن ثابت قال: حملت نفسي على أن أذهب إلى أبي عمرو بن العلاء، فصليت خلفه في رمضان، فرأيته يقرأ ليلة بالإدغام، وليلة بالإظهار، وليلة بقراءة، وليلة بأخرى، ومرة بهمزة، ومرة بغير همزة، فقلت: أحببت أن أكتب قراءتك، فصليت خلفك فلم أضبط، فكيف أصنع؟ فقال: اجمع الحروف ثم اعرضها علي، فجمعت ومضيت فقرأت عليه، فما قال لي فيه: هذا اختياري أخذته".
    والجواب عنه أن أبا عمرو حاله كحال كثير من قراء السلف يتلقون قراءات وروايات كثيرة, ثم يختارون منها قراءة واحدة, ولكنه إنما توسع في القراءة في الصلاة ولم يتقيد بطريقة واحدة في القراءة لأنه يعلم أن كل تلك القراءات مروية ثابتة, وهذا حق, فإن من علم عن قراءة ثابتة يقيناً فله أن يقرأ بها في بعض الآيات ولو كان يقرا بقراءة أخرى فكلها قراءات صحيحة, فهو لم يقرأ إلا القرآن.
    وأبو عمرو مشهور بقراء واحدة, ولم يكن يقرئ بخمس قراءات ولا بعشر, ولا بأقل ولا بأكثر.
    ولهذا قال اليزيدي كما في "معرفة القراء" للذهبي (1/229): كان أبو عمرو قد عرف القراءات فقرأ من كل قراءة بأحسنها, وبما يختار العرب, وبما بلغه من لغة النبي.
    خامساً: ما ذكر عن الحسن بن عبد الله السيرافي النحوي (368) هـ أنه روى القراءة عن أبي بكر بن مجاهد وكان يُدَرِّس القراءات والنحو واللغة والعروض والكلام والحساب والشعر يرجع إليه في ذلك كله.
    والجواب عنه أنه سبق أن وصف بعض القراء المتقدمين بأنه بارع في علم القراءات أو متصرف أو مدرس أو أستاذ أو من أعلم الناس بالقراءات أو ما يشبه هذه الألفاظ أن المراد بذلك معرفة القراءات وعللها ونقدها وتوجيهها وأسانيدها ومشهورها وغريبها وشاذها وغير ذلك, ولا يراد بذلك أنه يقرأ أو يقرئ بعدد من القراءات.
    سادساً: ما جاء في ترجمة عمر بن هارون البلخي (194) هـ قال قتيبة: كان من أعلم الناس بالقراءات, وكان القراء يقرءون عليه ويختلفون إليه في حروف القرآن.
    والجواب عنه أنهم إنما يختلفون إليه من أجل الرواية فيروون ما عنده من الحروف والاختلاف.
    سابعاً: ما جاء في ترجمة أبي إسحاق القروي أنه قرأ على إسماعيل المصري قراءة الحسن البصري وغيرها.
    وما جاء عن جعفر بن عبد الله بن الصباح (294) هـ أنه قرأ على محمد بن عيسى الأصبهاني باختياره وغيره.
    وما جاء في ترجمة أحمد بن صالح المصري (248) هـ أنه قرأ على ورش وقالون, وله عن كل منهما رواية, وعلى إسماعيل بن أبي أويس وأخيه أبي بكر عن نافع, وروى حرف عاصم.
    وفي ترجمة جعفر بن محمد بن الهيثم (290) هـ أنه كان قيماً برواية قالون ضابطاً لها ولغيرها.
    وفي ترجمة عبد الرحمن بن عبدوس ت بعد (280) هـ أن ابن مجاهد قال: قرأت عليه لنافع نحواً من عشرين ختمة, وقرأت عليه للكسائي ولأبي عمرو وحمزة.
    والجواب أن مثل هذه الروايات موهمة قد يفهم منها أنهم يَقرَؤون ويُقرِؤون بعدة قراءات ويظلون هكذا طوال حياتهم ويقرؤونها في الصلاة وفي غير الصلاة كما الحال عند أصحاب القرن الخامس وما بعده إلى اليوم, والدلائل الكثيرة التي ذكرتها لا تؤيد هذا المفهوم, بل المراد والله تعالى أعلم أنهم يقرؤون قراءتين أو قراءات من أجل الرواية كما سبق ليرووها إلى من بعدهم, فهم في زمن الرواية, ومما يؤيد ذلك ما سبق ذكره من أن أبا القاسم الهذلي قد ألف كتابه "الكامل" وجمع فيه قراءة خمسين راوياً, ولا زال يقرئ به إلى آخر وقت كما قال ابن الجزري, فما كانوا يقرؤونه ليحفظوه ويقرؤوا بكل ما فيه.
    وقد ذكر ابن الجزري في "غاية النهاية" (1/107) في ترجمة أحمد بن علي بن الباذش أنه قرأ بثلاثمائة طريق في كتابه.
    فماذا يريد حين قرأ بثلاثمائة طريق؟
    وسبق أن عاصم وغيره قد يكون عنده أكثر من رواية فلا يقرئ كل واحد بكل قراءة على وجه التلاوة والحفظ, وإن حصل الإقراء هكذا فإنما هي الرواية فحسب, فإنهم كانوا يروونها رواية كرواية الحديث, ثم تطور الأمر فصاروا يحفظونها ويقرؤونها ويُقرِؤون بها.
    ومما يؤكد ذلك أيضاً ما ذكره ابن مهران في "المبسوط" ص (10) عن قتيبة بن مهران قال: "سألت سليمان بن مسلم بن جماز فقلت له: أقرأت على أبي جعفر وشيبة ونافع؟ قال: نعم. قلت: أتقرأ علي قراءة أبي جعفر أو نافع؟ قال: أقرئ الناس بقراءة نافع، وإذا كنت وحدي فأحب إلي أن أقرأ بقراءة أبي جعفر"اهـ
    فهو إذاً قد روى عدة قراءات ولكنه لا يقرئ إلا بقراءة نافع, أما هو فلا يقرأ إلا بقراءة جعفر.
    وإن أبيت إلا أنها تدل على أنهم كانوا يَقرَؤون ويُقرِؤون كما يفعل الناس اليوم فاعلم علماً يقيناً لا يخالجه شك أنهم عدد قليل من البشر لا عصمة لهم فليسوا كالذي لا ينطق عن الهوى, وقد خالفوا من هم أفضل منهم من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة, وخالفوا أمماً ممن كان قبلهم وممن جاء بعدهم, ولا عصمة إلا للنص وما كان عليه الصدر الأول من السلف الكرام.
    ثامناً: ما ورد في ترجمة سعيد بن جبير (95) هـ قال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان, فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت.
    والجواب عنه أنه من المعلوم أن قراءة ابن مسعود فيها أشياء مخالفة للمصحف الذي كتبه الصحابة واتفقوا عليه بأمر من الخليفة عثمان, ومن ذلك ما ذكر أنه ليس فيه المعوذتان والفاتحة, وفيها أشياء مما نسخ, ومن المعلوم أيضاً أن ابن مسعود تمسك بمصحفه ولم يوافق على استبعاده, بل أمر أصحابه أن يتمسكوا به, وري عنه أنه قال لهم: يا أهل الكوفة غلوا مصاحفكم, (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة.
    وظلت قراءة ابن مسعود مشهورة هناك حتى زمن الحجاج بن يوسف, فإنه قد عمل على محاربتها, وكان يعاقب على القراءة بها, وقد أمر أن يقطع كل مصحف يوجد مخالفاً لمصحف عثمان t وأن يعطى صاحبه ستين درهماً.
    فقراءة سعيد بن جبير بقراءة ابن مسعود هو إظهار للتمسك بهذه القراءة لتظل باقية كما أرشد إلى ذلك ابن مسعود.
    وليس من باب القراءة بالقراءات المتنوعة كما هو في المفهوم الشائع والله أعلم, ولو كان كذلك لقرأ باختلافات كثيرة كلها لا تخرج عن مصحف عثمان.
    ولهذا لم ينقل فيما أعلم عن غيره من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يفعلون فعله هذا فيقرؤون بالصلاة بأكثر من قراءة.
    والشائع في تلك الأزمنة اختيار قراءة واحدة.
    ولذلك ذكر ابن الجزري في "غاية النهاية" (1/356) أن الأعمش كان يجود حرف ابن مسعود, وأن ابن أبي ليلى كان يجود حرف علي, وأن أبا إسحاق كان يقرأ من هذا الحرف ومن هذا الحرف (أي: يختار), وكان حمران يقرأ قراءة ابن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان يعتبر حروف معاني عبد الله ولا يخرج من موافقة مصحف عثمان وهذا كان اختيار حمزة.
    تاسعاً: ما ورد في ترجمة أبي عمر الدوري (246) هـ أنه أول من جمع القراءات, رحل في طلب القراءات وقرأ بسائر الحروف السبعة, وبالشواذ وسمع من ذلك شيئاً كثيراً.
    وفي ترجمة أحمد بن فرح (303) هـ أنه قرأ على الدوري بجميع ما عنده من القراءات.
    وفي ترجمة عبد الرحمن بن عبدوس أنه أخذ القراءة عرضاً عن أبي عمر الدوري بعدة روايات.
    والجواب عنه أن هذا أيضاً من باب الرواية, بدليل قوله: وقرأ بسائر الحروف السبعة, وبالشواذ وسمع من ذلك شيئاً كثيراً.
    فهو كغيره من القراء قد رحل في طلب القراءات, وجمع منها شيئاً كثيراً, فكان يرويها ويقرؤها بهذا المفهوم, لكن معلوم أن أبا عمرو الدوري اشتهر برواية عن أبي عمرو, وبرواية عن الكسائي.
    فالعلم بالروايات وسماعها وكتابتها وروايتها وإقرائها في تلك الأحقاب إنما هو من أجل الرواية والتأليف وتمييز الصحيح من غيره.
    قال خلف: منذ أربعين سنة لم أرفع القلم عن كتابة الحروف, ما أعياني شيء ما أعياني جبرائل وميكائل. أخرجه أبو داود (4/36)

    عاشراً وأخيراً فإن مما قد يستدل به النصوص العامة التي تدل على فضل تعلم القرآن كقوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أو غيره من النصوص المرغبة في تعلم القرآن فهذا لا يدل على فضل تعلم القراءات, وإنما يدل على فضل تعلم القرآن.
    وكأني بك تقول: وهل هناك فرق بين القرآن والقراءات؟
    فأقول نعم هما حقيقتان متغايرتات, فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد, والقراءات هي اختلاف ألفاظ ذلك الوحي.
    قال الزركشي في "البرهان" (1/318) : "اعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد للبيان والإعجاز, والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما"اهـ
    أي: أن القرآن هو الوحي المنزل, والقراءات اختلاف ألفاظ هذا الوحي, فطريقة اللفظ بهذا الوحي مختلفة لكن حقيقته قرآن ووحي واحد منزل على محمد.
    والقول بأن القرآن والقراءات حقيقة واحدة خطير جداً, فإنه يلزم منه القول بأن عثمان وبمواطأة وتأييد من كبار الصحابة قد حذفوا ومنعوا شيئاً من القرآن حين جمعوا القرآن على حرف واحد, وما رامت الروافض إلا هذا.
    فخيركم إذاً من تعلم القرآن, وليس من تعلم طرائق النطق المختلفة بكلمات القرآن.
    فإن المقصود تعلم القرآن لمعرفته والانتفاع به وليس مجرد معرفة الفروقات بين القراء.
    ثم إن أحداً لا يمكن أن يدعي أنه أفضل من أهل القرون المفضلة الذين طبقوا هذا الحديث وغيره من النصوص المرغبة في تعلم كتاب الله ومع ذلك لم يعرف عن أحد منهم أنه كان يجمع القراءات والأحرف ليرددها كلها ويقرأ بها جميعها.
    الدليل الثامن:
    أن كثيراً من كبار الأئمة والعلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين وغيرهم لم يعرف عنهم حفظ القراءات جميعاً والقراءة بعدد من القراءات, وهذا يعني أنهم كانوا يكتفون بقراءة واحدة.
    وإذا قرأت سير القوم لا تجد فيها أن أحدهم كان يقرأ بالقراءات المتعددة ولا تلمح أي إشارة لذلك من قريب ولا بعيد.
    ولذلك لا تجد لهم أي ترجمة في كتاب "معرفة القراء الكبار" للذهبي, ولا "غاية النهاية" لابن الجزري.
    وإن ذكر بعضهم فإنما يذكر بالقراءة فحسب, فيقال: روى القراءة عن فلان أو قرأ على فلان ونحو ذلك.
    وسوف أضعك الآن أما قائمة طويلة من كبار علماء المسلمين وأئمتهم ومحدثيهم وفقهاءهم كلهم لم يرد في سيرهم الكريمة ما يشير إلى تعلمهم للقراءات المتعددة, وإن لم يكن هؤلاء هم القدوة فمن يكون.
    فأما من كان منهم في القرن الثاني والثالث كالأئمة الأربعة وكبار تلاميذهم وكبار المحدثين وغيرهم فهم كغيرهم من أصحاب تلك الحقبة, ما ذكر أنهم يقرؤون بقراءات متعددة, وإنما بقراءة واحدة, أو يذكر لهم رواية للقراءة أو الحروف, فيقال: روى القراءة عن فلان, أو يكون لبعضهم اختيار وترجيح كما للإمام أحمد وغيره كثير.
    وأما من جاء في القرن الرابع فما بعده فلم يذكر عن هؤلاء الذين سأذكرهم ما يدل على أنهم يقرؤون بسبع قراءات ولا عشر ولا غيرها.
    فارجع إن شئت إلى ترجمة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة (150) هـ
    أو كبار أصحابه كالقاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم المتوفى سنة (182)هـ
    ومحمد بن الحسن الشيباني فقيه العراق المتوفى سنة (189) هـ, وغيرهما.
    أو الإمام مالك بن أنس إمام المدينة النبوية المتوفى سنة (179) هـ
    أو كبار أصحابه كعبد الرحمن بن القاسم عالم الديار المصرية ومفتيها المتوفى سنة (191) هـ
    ومسكين بن عبد العزيز الملقب بأشهب الإمام العلامة، مفتي مصر المتوفى سنة (204) هـ
    وأصبغ بن الفرج مفتي الديار المصرية، وعالمها المتوفى سنة (225) هـ, وغيرهم.
    أو الإمام الشافعي المتوفى سنة (204) هـ
    أو كبار أصحابه كالإمام إسماعيل بن يحيى المزني المتوفى سنة (264) هـ
    والإمام الربيع بن سليمان صاحب الإمام الشافعي، وناقل علمه المتوفى سنة (270) هـ
    والإمام أبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الذي استخلفه الشافعي في حلقته المتوفى سنة (231) هـ
    والإمام حرملة بن يحيى الذي روى عن الشافعي من الكتب ما لم يروه الربيع المتوفى سنة (243) هـ, وغيرهم.
    أو الإمام المبجل أحمد بن حنبل أمام أهل السنة المتوفى سنة (241) هـ
    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي: أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة قلت: فإن لم يكن قال: قراءة عاصم.
    وقال سويد: قال أحمد: حمزة قد كان من العلم بموضع، ولكن لو قرأتم بحرف نافع وعاصم, كما في "جمال القراء" ص (462)
    أو كبار أصحابه كالإمام الحافظ الفقيه، شيخ الحنابلة أبي بكر الخلال المتوفى سنة (311) هـ
    والإمام أبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي شيخ الحنابلة المتوفى سنة (334)هـ
    والإمام الآجري شيخ الحرم محمد بن الحسين البغدادي ، صاحب التصانيف ومنها: كتاب "الشريعة" المتوفى سنة (360) هـ
    والإمام عبد العزيز بن جعفر البغدادي غلام الخلال شيخ الحنابلة المتوفى سنة (363) هـ
    والإمام الحسن بن حامد شيخ الحنابلة ومفتيهم المتوفى سنة (403) هـ, وغيرهم.
    ومنهم الإمام محمد بن إدريس أبو حاتم الحنظلي الرازي, الحافظ الكبير، إمام الجرح والتعديل المتوفى سنة (275) هـ
    أو الإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عالم أهل الشام المتوفى سنة (157)هـ
    أو الإمام الحافظ الليث بن سعد عالم الديار المصرية المتوفى سنة (175) هـ
    أو الإمام العلامة أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة صاحب التصانيف المتوفى سنة (276) هـ
    أو الإمام الحافظ محمد بن عيسى الترمذي صاحب "السنن", و"العلل" المتوفى سنة (279) هـ
    أو الإمام الشهير الناقد الكبير المؤلف النحرير محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة (310)هـ
    أو الإمام محمد بن إسحاق ابن خزيمة الحافظ إمام الائمة، الشافعي، صاحب التصانيف المتوفى سنة (311) هـ
    أو الإمام العلامة أبو بكر ابن المنذر النيسابوري صاحب الفقه والتصانيف المشهورة المتوفى سنة (318) هـ
    أو الامام العلامة الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيهها، أبو جعفر الطحاوي الحنفي، صاحب التصانيف المتوفى سنة (321) هـ
    أو الإمام محمد ابن حبان شيخ خراسان صاحب "الصحيح" والكتب المشهورة المتوفى سنة (354) هـ
    أو الإمام أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص الحنفي صاحب "أحكام القرآن" المتوفى سنة (370) هـ
    أو الإمام العلامة الحافظ اللغوي أبو سليمان الخطابي صاحب التصانيف المتوفى سنة (388) هـ
    أو الإمام الحافظ محدث الإسلام، أبو عبد الله ابن مندة صاحب التصانيف المتوفى سنة (395) هـ
    أو الإمام الحافظ أبو نعيم الأصبهاني صاحب التصانيف المتوفى سنة (430)هـ
    أو الإمام الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي صاحب التصانيف, ومنها "السنن الكبرى" المتوفى سنة (458) هـ
    أو إمام أهل المشرق أحمد بن علي المشهور بالخطيب البغدادي صاحب المصنفات في الحديث والتاريخ وغيرهما المتوفى سنة (463) هـ
    أو إمام أهل المغرب ابن عبد البر صاحب التصانيف الشهيرة ك"التمهيد" و"الاستذكار" وغيرهما المتوفى سنة (463) هـ
    أو الامام أبو حامد الغزالي الشافعي، صاحب التصانيف, وصاحب "الإحياء" المتوفى سنة (505) هـ
    أو أبو الوليد ابن رشد شيخ المالكية صاحب "البيان والتحصيل" المتوفى سنة (520) هـ
    أو حفيده أبو الوليد بن رشد صاحب "بداية المجتهد" المتوفى سنة (604)هـ
    أو الإمام عبد الحق ابن عطية الغرناطي صاحب تفسير "المحرر الوجيز" المتوفى سنة (541) هـ
    أو الإمام العلامة القاضي أبو بكر ابن العربي صاحب التصانيف المتوفى سنة (543) هـ
    أو الإمام الحافظ الكبير أبو القاسم الدمشقي صاحب "تاريخ دمشق" المتوفى سنة (571) هـ
    أو الإمام الموفق ابن قدامة المقدسي صاحب "المغني" المتوفى سنة (620) هـ
    أو الإمام أحمد ابن تيمية الإمام العلامة شيخ الإسلام بحر العلوم المتوفى سنة (728) هـ
    أو الإمام أبو الحجاج المزي الحافظ صاحب "تهذيب الكمال" و"تحفة الأشراف" المتوفى سنة (742) هـ
    أو الإمام محمد ابن القيم العلامة الكبير المجتهد المطلق المصنف المشهور المتوفى سنة (751) هـ
    أو الإمام محمد بن مفلح المقدسي شيخ الحنابلة في وقته صاحب "الفروع" و"الآداب" وغيرها المتوفى سنة (763) هـ
    أو الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل ابن كثير صاحب التفسير والتاريخ وغيرهما المتوفى سنة (774) هـ
    أو الإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي، العالم المحقق صاحب "الموافقات" و"الاعتصام" المتوفى سنة (790) هـ
    أو الإمام محمد بن أحمد القرطبي المفسر صاحب "التفسير" المتوفى سنة (671) هـ
    أو شيخه الإمام أحمد بن عمر القرطبي صاحب "المفهم" المتوفى سنة (626)هـ
    هذا ما تيسر إيراده من أسماء أولئك الأئمة الأعلام الذين بجهودهم وعلى أكتافهم حمل علم الشريعة إلى سائر الأمة, ولم أرد الحصر والاستقصاء, ولو قصد ذلك قاصد لوجد أضعافاً مضاعفة من أولئك السلف الكرام.
    نعم ورد عن بعض العلماء أنهم قرؤوا القراءات من أمثال أبي الوفاء بن عقيل, والقاضي أبي يعلى بن الفراء, وابن الجوزي, وابن رجب, وغيرهم.
    ولكنهم قليلون جداً, أما السواد الأعظم من الأئمة والعلماء فهو في شغل عن القراءات بما هو أهم.
    أما الإمام الذهبي فقد عني بالقراءات ودرسها في أول حياته حتى برز فيها وصار على معرفة تامة, ثم ترك القراءات وأهملها واشتغل بالحديث.
    فالذي يظهر أن الذهبي ترك هذا الاتجاه حين خبره وعلم أن فائدته لا تساوي شيئاً أمام علم الفقه في الدين من العلم بالحديث وغيره.
    ولذلك قال ابن الجزري في "الغاية" (2/100) : ولم أعلم أحداً قرأ عليه القراءات كاملاً.
    نعم من تآليفه المشهورة "معرفة القراء الكبار", لكنه إنما ألفه لأنه كتاب في التراجم, والذهبي مولع معروف بالتأليف في التاريخ والتراجم.
    ولا يكتفي الإمام الذهبي بتركه الانشغال بالقراءات بل له تنبيهات وتحذيرات مفيدة يتوجه بها إلى من انشغل بها فالهته عن المقصد الأول من إنزال القرآن, ولعل من أشهر ذلك ما قاله في كتابه "زغل العلم" ص (25) :
    "فالقراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى...
    وأسوأهم حالاً الجنائزية والقراء بالروايات، وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراآت, اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق وفرط الإمالة، والمدود ووقوف حمزة فإلى كم هذا" انتهى.
    وكان الحافظ العراقي مشتغلاً في القراءات، فقال له القاضي عز الدين ابن جماعة،: إنه علم كثير التعب قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن، فاصرف همتك إلى الحديث فأقبل حينئذ على علم الحديث, كما في "الضوء اللامع" للسخاوي (4/172)
    ويذكر أن ابن الجزري نفسه اشتغل بالحديث في آخر عمره بعد أن أوصاه بذلك أحد مشايخه, إذ قال له ذات يوم: إن علم القراءات كثير التعب قليل الجدوى، وأنت ذهنك رائق، وفهمك فائق، ومن كان هكذا فعليه بعلم الحديث. ذكره الكتاني في "فهرس الفهارس" (1/304)
    ولا يخفاك أيضاً حال كبار العلماء المعاصرين.
    فلماذا يزهد إذاً كبار الأمة وعظماء الأئمة في جمع القراءات وحفظها وقراءتها, أجهلوا أهمية كتاب الله والأحرف فتركوها وانصرفوا إلى غيرها واشتغلوا بأصناف العلوم والمعارف الأخرى.
    لم لا يعتنون بالقراءات ويحفظونها ويقرؤنها, كيف أفنوا أعمارهم في أشياء هي أقل من علم القراءات.
    فإن كان هؤلاء الأعلام الكبار يجهلون فضل القراءات فتلك مصيبة, وإن كانوا في غفلة وإهمال مع علمهم بفضلها فالمصيبة أعظم.
    وقد كثر التأليف في جمع الروايات والقراءات من بعض العلماء في القرن الثالث والرابع حتى يميز الصواب من الخطأ, وحتى يحصل الاختيار منها وليس المراد أن كل واحد يحفظها كلها ويقرأها, وإنما ليختار كل منها قراءة واحدة يرى أنها هي الأصح أو الأفصح.
    الدليل التاسع:
    أن تعلم القراءات السبع أو العشر سبب لحصول أمور غير محمودة بل هي مذمومة, ومنها:
    أولاً: أن في تعلم القراءات وحفظها ومحاولة استحضارها انشغالاً عظيماً عما أنزل القرآن من أجله وهو التدبر والاعتبار.
    فإن المسلم إذا عزم على سلوك هذا الطريق فإنه لا بد أن يفني كثيراً من عمره في حفظ تفاصيلها ومعرفة الفروق بين أصحاب القراءات ومن قرأ بكذا ومن وافقه ومن خالفه!
    أليس في هذا انشغال عن الهدف الأسمى الذي أنزل من أجله القرآن وهو فهم معانيه ومعرفة أحكامه وتدبره والاعتبار والتأثر به.
    وكم هو الفرق العظيم بين رجل يقضي كثيراً من عمره في معرفة تفاصيل المدود والغنن والإمالات والإشمامات والأوجه الكثيرة المختلفة في القراءات الخ وبين من يقضيه في معرفة المعاني والأحكام والتدبر في الآيات واستنباط المعاني والأسرار.
    وإنه لمن علامة الخذلان أن يفني المسلم عمره وهو أغلى ما يملك في فروق لفظية لا تكاد ترى في أحيان كثيرة إلا بالمجهر وهو محتاج إلى علوم كثيرة نافعة لقلبه وعقله.
    وحتى في أعظم العبادات وهي الصلاة التي أمر الله تعالى بالخشوع فيها تجد العالم بالقراءات والأوجه ينصب فكره ونظره إلى تفاصيل القراءات وأوجهها وأحكامها مما يجعله منصرفاً تماماً عن التدبر في معاني القرآن التي هي اللب والغاية, وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه, فيستحيل أن يجمع حافظ القراءات بين ذلك وبين التدبر والخشوع.
    بل حتى لو كان للمرء قلبان في جوفه فإنه الأولى أن يصرفهما كليهما لفهم كتاب الله والاعتبار به.
    ومن المعلوم أن أولئك الأئمة من القراء وغيرهم قد بذلوا جهوداً عظيمة حتى جمعوا تلك القراءات والأحرف كلها, ثم دونت في كتب القراءات وهي كتب كثيرة وفيرة, ومن احتاج إليها وجدها بكل يسر وسهولة, فقد كفوا المؤونة من بعدهم جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.
    أما وقد حصل ذلك وكمل على أحسن وجه, وامتلأ بها الوضاب, وبلغ التضلع منها مبلغاً عظيماً فالذي ينبغي أن لا تضيع الأعمار في تحصيل ما هو حاصل من جمع تلك القراءات ودراسة تفاصيلها, فإن الأعمار قصيرة والأولى أن تصرف في معرفة معاني كلام الله فإن الله ما أنزل القرآن إلا من أجل ذلك, ولم ينزل القرآن ليتلى فقط.
    وإني على يقين وأنت كذلك أن عشرات الألوف أو مئات الألوف الذين يقرؤون القرآن بالسبع أو العشر في العالم الإسلامي لو كان كل واحد منهم قد اقتصر على قراءة واحدة وصرف تلك السنين والأعمار الطويلة التي ذهبت في تعلم القراءات والأوجه وحفظها صرفها في الدعوة إلى هذا القرآن وهذا النور الذي يضطر إلى معرفته وقد حرم من نوره مئات الملايين من البشر في مشارق الأرض ومغاربها, فلا ينبغي لعاقل أن يستريب في أن ذلك هو الأفضل والأقوم والأهدى سبيلاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي رد: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    ثانياً:
    أن بعض المقرئين يؤمون الناس في الصلاة فيقرؤون بقراءات مختلفة, وكيف لا يقرأ هكذا وهو يحفظ السبع أو العشر! فيحصل من جراء ذلك التشويش على الناس خاصة العوام وهم أكثر الناس, وتلهيهم عن صلاتهم وعن تدبر كلام ربهم, وتثير في نفوسهم بلبلة عظيمة, وكم تحكى من القصص التي حدثت قديماً وحديثاً حينما يسمع الناس من يقرأ بقراءة غريبة عليهم.
    وحق لهم ذلك, إذ صلاتهم وخشوعهم وإقبالهم على ربهم فيها خير ألف مرة من أن تنصرف قلوبهم عن ذلك بالانشغال بسماع قراءات بألفاظ مختلفة ليس فيها إلا الاختلاف في طريقة النطق, أما المعنى فمضمون بالقراءة التي يعرفونها.
    ولعلي أكتفي بمثالين اثنين أحدهما قديم والآخر حديث.
    أما القديم فقد قال الدكتور عبد الهادي حميتو في كتابه "قراءة الإمام نافع عند المغاربة": حادثة غرناطة وإنكار العامة على إمام قرأ بخلاف القراءة المعروفة.
    وقد استمرت هذه النظرة عند المتأخرين حتى بعد أن أصبحت القراءات السبع واسعة الجمهور في مدارس الإقراء, ففي واقعة أخرى جرت في مدينة غرناطة الأندلسية نجد الظاهرة نفسها ـ أعني إنكار العامة على من خرج عن القراءة الرسمية ـ وذلك أن أحد المشفعين في الجامع الأعظم من غرناطة قرأ ليلة قول الله تعالى في سورة الأنعام (ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب) برفع (وجنات), فرد عليه الأستاذ أبو سعيد بن لب، وكان القارئ ثقيل السمع، فصار يلقنه مرة بعد أخرى (جنات) بالكسر، والقارئ لا يسمع، وتشجع بالأستاذ غيره فلقنه أيضاً مثل ذلك، وأكثروا عليه حتى ضج بهم المسجد...
    قال الدكتور عبد الهادي: "ويهمنا من هذه الواقعة وأمثالها ما لها من دلالة على ما أسلفنا من أن كل خروج عن القراءة الرسمية المألوفة كان يثير زوبعة من الاستنكار والاحتجاج، حتى وإن كان القارئ قد قرأ بوجه سليم للسبعة أو لغيرهم"اهـ
    وأما الحديث فقد ذكر الدكتور صبري الأشوح في مقدمة كتابه "إعجاز القراءات القرآنية" أنه دخل المسجد في ليلة مولد السيدة سكينة فاستمع إلى تلاوة القرآن من أحد مشاهير المقرئين, فإذا به يتلو آية واحدة مرتين (فتبينوا) (فتثبتوا) فحدث هرج ومرج بين المستمعين وتعالت الأصوات بالاحتجاج, وارتبك المقرئ, ثم ما لبث أن غادر المسجد من فوره يتكاد يتعثر من فرط هرولته محاطاً بثلة من الحاضرين, وانفض المولد وحدث ما يشبه الفتنة"اهـ
    ولا يصح القول بأن إشاعة القراءة بالقراءات في المساجد يزيل هذه المشكلة, فإن ذلك علاج للمشكلة بمشكلة أخرى, وليس هذا من الحكمة, والعوام لا يمكن أن يزولوا عن عاميتهم مهما فعلت واجتهدت, ولا يزيدون على مر الزمان إلا كثرة وإيغالاً في البعد عن العلم والفهم والمعرفة.
    وقد نص بعض الفقهاء على كراهة القراءة بما خالف عرف البلد.
    ومن الواضح جداً أن الشائع لدى عامة الأمة وفي الأمصار كافة وفي جميع الأزمان السالفة أن القراءة في الصلاة في المساجد إنما تكون على قراءة واحدة وهي قراءة أهل البلد.
    وسوف أذكر بعض النقول التي تدل على هذا.
    في ترجمة يعقوب الحضرمي (205) هـ قال الداني: سمعت طاهر بن غلبون يقول: إمام الجامع بالبصرة لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب.
    وفي ترجمته أيضاً: قال محمد بن عبد الله الأصفهاني: على قراءة يعقوب إلى هذا الوقت أئمة المسجد الجامع بها وكذلك أدركناهم.
    وقال أبو الفضل الخزاعي (408) هـ: أدركت أهل مصر والمغرب على رواية أبي يعقوب الأزرق عن ورش لا يعرفون غيرها, كما في "الغاية" (2/541)
    وقال ابن الجزري في "الغاية" (2/38) : "وكانت رواية قتيبة أشهر الروايات عن الكسائي بأصبهان وما وراء النهر حتى كانوا يلقنون أولادهم بها ويصلون بها في المحاريب, وعلمي بذلك إلى أواخر القرن السابع".
    وقال ابن الجزري في "الغاية" (2/227) في ترجمة محمد بن عبد الرحيم بن شبيب: "قال الداني: هو إمام عصره في قراءة نافع رواية ورش عنه لم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه, وعلى ما رواه أهل العراق ومن أخذ عنهم إلى وقتنا هذا، قال ابن الجزري: قلت: ولم يزل عند العراقيين إلى بعد السبعمائة, فرحل الشيخ علي الديواني إلى دمشق فقرأ بطريق الأزرق عن ورش على إبراهيم الإسكندري, ثم رجع بها إلى واسط ورحل الشيخ نجم الدين عبد الله بن مؤمن إلى مصر فأخذ عن الصائغ ثم رجع إلى بغداد, فمن ثم اشتهرت رواية ورش من طريق الأزرق وإن كانت عندهم قبل ذلك فلم تكن مشهورة كاليوم".
    وقال في ترجمة ابن عامر: "ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقيناً إلى قريب الخمسمائة".
    وقال في ترجمة أبي عمرو البصري: "فالقراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو, فلا تكاد تجد أحداً يلقن القرآن إلا على حرفه, ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة, فتركوا ذلك لأن شخصاً قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو, فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه أقام سنين, كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في أعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو"اهـ
    وقوله: (فلا تكاد تجد أحداً يلقن القرآن إلا على حرفه) العادة جارية أن القراءة التي تلقن في المساجد هي التي يقرأ بها في الصلوات في المسجد.
    وقال محمد بن الهيثم كما في "السبعة" ص (76) : "أدركت الكوفة ومسجدها الغالب عليه قراءة حمزة, ولا أعلمني أدركت حلقة من حلق المسجد الجامع يقرءون قراءة عاصم".
    وذكر أبو عمرو الداني كما ذكر عياض في "ترتيب المدارك" (4/313) أن القاضي ابن طالب أيام قضائه أمر ابن برغوث المقرئ بجامع القيروان ألا يقرأ الناس إلا بحرف نافع.
    قال الإمام الذهبي في "تاريخ الإسلام" (9/386) : "وبالجملة إذا رأيت الإمام في المحراب لهجاً بالقراءات وتتبع غريبها فاعلم أنه فارغ من الخشوع محب للشهرة والظهور، نسأل الله السلامة في الدين".
    ثالثاً:
    ما يحصل من هياج العوام حين تثير هذه القراءات إعجابهم في أوقات حفلاتهم أو غيرها.
    قال الشيخ عبد العزيز القارئ في "سنن القراء" ص (40): بعض قراء الإذاعات يجمعون القراءات أمام الغوغاء يستثيرون بذلك إعجابهم ويثيرون هياجهم, ومثل هؤلاء يخشى عليهم وعلى سامعيهم من قول النبي: (مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم).
    رابعاً:
    الانشغال بها عن العلوم النافعة, كالفقه والحديث والتفسير وغيرها, فإنك ترى الأمر عياناً منذ العصور المتقدمة وإلى اليوم وإلى الأبد أن المنشغلين بالقراءات هم في غفلة تامة عن كثير من فنون العلوم النافعة والتي هي أهم بكثير من معرفة الفرق بين قراءة فلان وفلان.
    ولا شك أن حاجة الناس على معرفة الفقه في مسائل الدين ومعاني كتابهم المبين, وأحاديث نبيهم الأمين أكثر من احتياجهم للقراءات.
    فإن المسلم إذا عرف قراءة القرآن وأتقنها فانصرافه إلى معرفة المراد بكلام الله وأحكام دينه خير ألف مرة من ترك ذلك لمعرفة الطرق الأخرى التي يقرأ بها القرآن, فقد أتقن القراءة وعلمها فما باله يحفظ طرقاً أخرى لقراءته ألا يكفيه طريقة واحدة يحصل بها المقصود.
    وقد يستفرغ طالب العلم وسعه في علم مفضول فيفنى عمره الغالي وهو على تلك الحال غافلاً عن جملة العلوم النافعة.
    قال الراغب الأصفهاني في " الذريعة إلى مكارم الشريعة" ص (173) : "فتقصي الإنسان نوعاً واحداً من العلوم على الاستقصار يستفرغ عمراً بل أعماراً، ثم لا يدرك قعره ولا يسبر غوره.
    وذكر الخطيب في "التاريخ" (11/407) عن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: ورد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه، فذكر قصته معه إلى أن ذكر أنه قال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فناً واحداً حتى إذا سئل عن غيره لم يجل فيه ولم يمر.
    خامساً:
    أنها صارت سبباً في ازدراء حفظ القرآن إذا كان على قراءة واحدة, وكأن الذي حفظ القرآن لم يحصل شيئاً, فإذا قيل: إن فلاناً قد حفظ القرآن فإن هذا أصبح شيئاً عادياً جداً في نظر كثير من الناس, ولو كان قد علم فقهه وأحكامه وتفسيره وعلومه, فإذا قيل: إنه يعلم القراءات اشرأبت إليه الأعناق وارتفعت الأبصار إجلالاً وإكباراً, وكأنه يحفظ سبع قرآنات وغيره يحفظ قرآناً واحداً, ولو كان لا يعلم من القراءات إلا رسمها ونطقها.
    سادساً: أنه وسيلة إلى القراءة بالجمع, وهو أمر لم يعرف إلا في القرن الخامس كما سبق, وقد ذكر ابن تيمية في "الفتاوى" (13/404) أن جمع القراءات في الصلاة أو في التلاوة بدعة مكروهة.
    قال ابن الجزري في "المنجد" ص (72) : "لم يكونوا في الصدر الأول يقرئون بالجمع، وقد تتبعت تراجم القراء فلم أعلم متى خرج الجمع، وقد بلغني أن شخصاً من المغاربة ألف كتاباً في كيفية الجمع, لكن ظهر لي أن الإقراء بالجمع ظهر من حدود الأربعمائة وهلم جرا, وتلقاه الناس بالقبول"اهـ
    أقول: عفا الله عنك يا شيخ ابن الجزري وهل توجد محدثة في الدنيا لم يتلقها أصحابها بالقبول!
    كيف فرط أصحاب القرون الأربعة الأولى في هذا الخير, وكيف فاتهم هذا الفضل إن هذا لشيء عجاب.
    سابعاً: أنه يؤدي إلى التوسع الهائل المذموم قطعاً ويقيناً وعقلاً وشرعاً وفطرة, وهذا التوسع من ذكر الروايات والطرق والوجوه والاستدراكات والتحريرات حالة سارية معروفة عند كثير من القراء في كثير من الأزمان والبلاد في القديم والحديث فمقل ومستكثر وغارق ضائع, ولعلي أشير إلى مثالين تغني عن كثير من الكلام, فإنه لا يمكنني هنا أن أذكر آلاف الأمثلة.
    الأول:
    ما رواه الشيخ الكانوني عن الشيخ المهدي الدكالي العوني أنه قرأ مع تلامذته الشاطبية في القراءات، فقرأ في البسملة خمسة أيام، فاستطال ذلك الطلبة فقيل له في ذلك؟ فقال: هكذا قرأناه، ولا نقدر على ما دون ذلك فإن تواضعتم فإن سيدي أحمد العبدي يقرأ معكم ما تريدون، فأذن له فدرس معهم الشاطبية (شرح الجعبري) بمدرسة شيخه المذكور ببلاد العونات.
    ذكر هذه الرواية الدكتور عبد الهادي حميتو نقلاً عن كتاب "جواهر الكمال في تراجم الرجال" لمحمد بن أحمد العبدي الكانوني.
    الثاني: سمعت أحد المشايخ المعاصرين يقول: إن في قوله تعالى: (الآن) من سورة يونس في قراءتها لورش تسعة وستون وجهاً, ثم أخذ يشرح وجهين منها.
    ماذا ترى أخي الكريم لو بلغ رسول الله r هذا أيسر به أم يسوؤه أشد الإساءة!
    ولك المقارنة الآن بين هذين المثالين وما هما إلا مثالان وبين قول النبي: (اقرؤوا ما تيسر منه), وقوله: (اللهم هون على أمتي).
    ثم هان عليّ ما سبق حين قرأت في كتاب الدكتور محمد المختار "تاريخ القراءات", فرأيته ص (24) يذكر عن السفاقسي في "غيث النفع" أن أوجه الأمداد والروم والإشمام في قوله تعالى: (فانصرنا على القوم الكافرين) يبلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وتسعين وجهاً, وذكر أن لورش وحده خمسمائة وستين وجهاً!
    الدليل العاشر:
    أن الفائدة والثمرة من القراءات والقراءة بها كلها ضئيلة جداً خلاف ما هو شائع عند كثير من مشايخ القراءات, وسأبين هذا بالتفصيل والدليل.
    من المعروف أن الاختلاف بين القراءات في الأعم الأغلب إنما هو اختلاف في النطق فقط لا يتعدى إلى المعنى بحال من الأحوال.
    ولبيان هذا أقول: إن الاختلاف بين القراءات على أنواع:
    الأول:
    الاختلاف الذي يتعلق بالأصول كالمدود والإظهار والإدغام والإمالة والهمز والتسهيل الخ تلك الأنواع, وهذا النوع كله لا يغير في المعنى شيئاً, فلا فرق في المعنى بتاتاً بين قراءة اللفظ بالإمالة أو عدمه أو الإدغام أو عدمه أو الهمز أو عدمه وهكذا, وأكثر ما يختلف فيه القراء إنما هو من هذا النوع.
    الثاني:
    اختلاف في اللفظ من غيبة وخطاب أو تذكير وتأنيث أو تخفيف وتشديد, أو تقديم وتأخير أو نحو ذلك وهذا لا يغير في المعنى شيئاً أيضاً, وهذا كثير جداً في القرآن.
    فالتقديم والتأخير مثل (فيقتلون ويقتلون) (وقاتلوا وقتلوا)
    والتخفيف والتشديد مثل (تظاهرون) (ينجيكم) (خرقوا) (لنحرقنه) (لا تفتح لهم) (يمسكون بالكتاب) (ترهبون)
    والتذكير والتأنيث مثل (يغشى تغشى) (يفتح تفتح)
    وإسناد الفعل إلى متكلم أو غائب مثل (ويذرهم ونذرهم)
    أو مخاطب أو غائب مثل (يعملون تعلمون) (يرى ترى) (يقولون تقولون)
    أو إلى معلوم أو مجهول مثل (يضل به الذين كفروا) (وهل نجازي إلا الكفور) (ترجعون ترجعون) (تخرجون تخرجون)
    والاختلاف في الأسماء في الإفراد أو الجمع مثل (خطيئته خطيئاته) (ذريتهم ذرياتهم) (مساجد الله مسجد الله) (لأمانتهم لأماناتهم) (على صلواتهم على صلاتهم) (فكسونا العظام فكسونا العظم) (برسالاتي برسالتي) (إصرهم آصارهم)
    ومن ذلك اختلاف اللفظ في الأسماء مثل (البخل) (الطير) (القرح) (كرها) (الدرك) (حصاده) (ثمره) (تقاة) (بالعدوة) (جبريل) (ميكائيل) (إبراهيم) (اليسع) (زكريا)
    أو الأفعال مثل (يحسب) (نبشرك) (نسقيكم) (يعرشون) (يعكفون) (يبطشون)
    وغير ذلك من أنواع الاختلاف, وكله لا يغير في المعنى شيئاً.
    الثالث: اختلاف قد يرى أنه يؤثر اختلافاً في المعنى, والحقيقة أنه لا اختلاف في المعنى عند التحقيق فكلا اللفظين يدلان على معنى واحد أو متقارب جداً, ولو لم تأت الآية إلا بقراءة واحدة ما نقص المعنى شيئاً, وهي آيات قليلة جداً عددها سبع وأربعون آية فقط, وسأذكر هذه الآيات كلها وأوضحها.
    سورة الفاتحة
    1- (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ), هكذا قرأها عاصم والكسائي ويعقوب وخلف, وقرأها الآخرون (ملك).
    والقراءتان ملتقيتان في المعنى, فكل مؤمن يفهم من كون الله تعالى هو الملك يوم الدين أنه كذلك مالك لكل ما فيه, ومن كونه مالك لكل شيء يوم الدين أنه هو الملك الذي بيده أمر كل شيء, فإن الآية تتكلم عن الله الخالق وليس عن أي ملك آخر.
    سورة البقرة
    2- (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ), وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو (وما يخادعون).
    والقراءتان معناهما واحد, فإن المنافقين في الحقيق ما خادعوا وما خدعوا إلا أنفسهم.
    3- (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) هكذا قرأها الكوفيون بالتخفيف, وقرأها الآخرون (يكذبون) بالتشديد.
    والقراءتان ملتقيتان, فالمنافقون في حقيقة الأمر غير مؤمنين بل هم مكذبون, ويكذبون في ادعائهم الإيمان, فلهم عذاب أليم لكفرهم, فكل من لم يؤمن حقيقة فله عذاب أليم وإن ادعى الإيمان.
    4- (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ), وقراءة حمزة (فأزالهما) بألف بعد الزاي.
    والمعنى متحد, فمعنى (أزلهما) أزلقهما وأبعدهما عن الامتثال, وكذلك (أزالهما) معناها نحاهما ودفعهما عن الامتثال.
    5- (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍِ), وقراءة ابن كثير بنصب (آدم) ورفع (كلمات).
    والمعنى واحد, فعلى القراءة الأولى المعنى استقبلها وأخذها فقالها, وعلى القراءة الأخرى الكلمات هي التي تلقته فقالها, ولا فرق بين القراءتين, فكل ما تلقاه الرجل فهو له متلق.
    6- (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا), وقراءة ابن كثير وأبي عمرو (ننسأها) بفتح النون الأولى والسين, وبهمزة ساكنة.
    والقراءتان معناهما واحد, فالمراد بالنسيان هنا الترك, وكذلك النسئ معناه التأخير, والمراد به هنا الترك أيضاً.
    7- (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى), وقراءة نافع وابن عامر (واتخذوا) بفتح الخاء.
    والقراءتان متلازمتان وكل واحدة تدل على ما في الأخرى, فإنهم لا يتخذون من مقام إبراهيم مصلى إلا إذا كانوا مأمورين بذلك, وكذلك إذا أمروا فلا بد أن يمتثلوا.
    8- (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا), وقراءة ابن عامر (مولاها).
    والقراءتان معناهما واحد, فهو متجه إلى تلك الوجهة, وهو موجه إليها أيضاً.
    9- (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ), وقراءة حمزة والكسائي وخلف وأبي بكر (يطهرن) بتشديد الطاء والهاء.
    والمعنى الذي تفيده قراءة التشديد وهو التطهر بالاغتسال قد جاء صريحاً في الجملة التي بعدها, وهي قوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله), فالآية على كلا القراءتين ليس فيها إلا حكم واحد, وهو أن الحائض لا تحل حتى تطهر من الدم ثم تتطهر بالماء.
    10- (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا), هكذا قرأها ابن عامر والكوفيون, وقرأها الآخرون (ننشرها) بالراء.
    ومعنى القراءتين متقارب جداً, فمعنى (ننشزها) نرفعها ونقيمها ونركب بعضها على بعض ليحيى, ومعنى (ننشرها) نبعثها ونحييها.
    11- (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ), وقرأها حمزة والكسائي (قال اعلم) بالوصل وإسكان الميم, على الأمر.
    والقراءتان مؤداهما واحد, وهو بيان كمال قدرة الله, والنتيجة واحدة سواء قال هو: أعلم أن الله على كل شيء قدير من نفسه أو أمر أن يعلم ذلك ويستيقنه.
    سورة آل عمران
    12- (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا), هكذا قرأها الكوفيون, وقرأها الآخرون (وكفلها) بتخفيف الفاء.
    وكل واحدة من القراءتين تتضمن ما في الأخرى, فالله على القراءة الأولى كلف زكريا أن يكفل مريم, ولا بد له أن يمتثل فيكفلها, وعلى القراءة الثانية فيه إخبار أنه كفلها, وهو نبي فلا بد أن يكون ذلك بتكليف من الله.
    13- (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ), هكذا قرأها ابن كثير والبصريان وعاصم, وقرأها الآخرون (مسومين) بفتح الواو.
    والقراءتان معناهما واحد, فالمعنى على قراءة الفتح معلمين بعلامات, وعلى قراءة الكسر, هم قد علموا أنفسهم بعلامات.
    14- (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ), وقرأها نافع وابن كثير والبصريان (قتل معه ربيون).
    والقراءتان متلازمتان, فإنهم إذا قاتلوا فيلزم من ذلك أن يحصل فيهم قتل, وهم إنما قتلوا لأنهم قاتلوا.
    سورة النساء
    15- (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ), وقراءة حمزة والكسائي وخلف (لمستم) بغير ألف.
    والمرد باللمس على القول الصحيح الجماع حتى لو لم ترد القراءة الأخرى, فالقراءتان معناهما واحد كلاهما يراد به الجماع.
    سورة المائدة
    16- (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ), هكذا قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص, وقرأها الآخرون (وأرجلكم) بكسر اللام.
    والحقيقة أن المسح على الخفين لم يثبت بهذه القراءة, بل ثبت بالسنة المتواترة, ولو لم يرد دليل على المسح إلا هذه القراءة لما جاز لأحد أن يمسح على خفيه, وذلك أن علماء السلف اختلفوا في تأويل هذه القراءة, ولم يقل أحد منهم: إنها تدل على المسح على الخفين, وأول من نسب إليه هذا القول الإمام الشافعي, ثم قاله ابن العربي, ثم اشتهر بعد ذلك.
    17- (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ), وقراءة الكسائي (تستطيع ربك) بالتاء وبفتح الباء.
    والقراءتان ملتقيتان في المعنى, فإن المراد طلب الحواريين أن ينزل الله هذه المائدة, والمراد على القراءة الأولى أنهم سألوا عيسى هل يستجيب الله وهل يفعل ذلك, وعلى القراءة الثانية هل يطيعك الله في ذلك, وهل تبلغ منزلتك أن يقبل الله إنزال هذه المائدة.
    سورة الأنعام
    18- (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ), وقراءة نافع والكسائي (لا يكذبونك) بضم الياء وإسكان الكاف وكسر الذال غير مشددة.
    والقراءتان معناهما واحد, فالمراد: أن المشركين لا يكذبون النبي, ولكنهم يجحدون بآيات الله.
    19- (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ), هكذا قرأها المدنيان وابن كثير وعاصم, وقرأها الآخرون (يقض الحق), بإسكان القاف وكسر الضاد.
    والقراءتان متحدتان في المعنى, يراد بهما أن الله لا يقضي إلا بالحق.
    20- (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ), هكذا قرأها المدنيان والكسائي وحفص, وقرأها الآخرون (بينكم) بضم النون.
    والمراد بالقراءتين معنى واحد, وهو انقطاع الاتصال بين المشركين وبين من عبدوهم.
    21- (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ), هكذا قرأها الكوفيون, وقرأها الآخرون (ليضلون) بفتح الياء.
    والمعنى في القراءتين متلازم, فإن من أضل غيره فإنه في ضلال, كما أن من كان في ضلال فلا ينفك عن محاولة إضلال غيره.
    22- (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا), وقراءة حمزة والكسائي (فارقوا دينهم).
    والقراءتان المراد بهما معنى واحد, وهو أن الدين طريق واحد, فمن ضل عنه فهو ضال مفارق للدين فيصير سبباً في تفريق الدين, فتفريق الدين مفارقته, ومفارقة الدين تفريق له.
    قال ابن جرير: هما متفقتا المعنى غير مختلفتيه, وذلك أن كل ضال فلدينه مفارق، وقد فرق الأحزاب دين الله الذي ارتضاه لعباده، فتهود بعض، وتنصر آخرون، وتمجس بعض، وذلك هو التفريق بعينه ومصير أهله شيعاً متفرقين غير مجتمعين، فهم لدين الله الحق مفارقون وله مفرقون.
    سورة الأعراف
    23- (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا), وقرأها المدنيان وأبو بكر (شركاً) بكسر الشين وإسكان الراء مع التنوين من غير مد ولا همز.
    والقراءتان معناهما واحد, فجعل الشركاء مع الله هو الشرك.
    سورة الأنفال
    24- (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ), وقرأها المدنيان ويعقوب (مردفين) بفتح الدال.
    والقراءتان معناهما واحد, فالمعنى على قراءة الكسر جاؤوا متتابعين يتبع بعضهم بعضاً, وعلى قراءة الفتح جيء بهم متتابعين يتبع بعضهم بعضاً.
    سورة التوبة
    25- (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ), وقراءة ابن عامر (لا إيمان لهم) بكسر الهمزة.
    والقراءتان ملتقيتان في المعنى, فإن هؤلاء الكفار لا أيمان لهم أي: لا عهد لهم, وسبب هذا النفي عدم وجود الإيمان الذي يلزم من تعظيمه الوفاء بالعهد, والقراءة الأخرى تؤدي هذا المعنى أيضاً, فإن من فقد الإيمان فلا يمكن أن يكون له عهد لانتفاء الوازع.
    26- (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ), وقراءة يعقوب (المعذرون) بتخفيف الذال.
    والقراءتان معناهما واحد, فالمراد بالمعذرين من جاؤوا يعتذرون, وكذلك (المعذرون) بالتخفيف.
    27- (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ), هذه قراءة أبي جعفر وابن عامر ويعقوب وحمزة وحفص, وقرأها الآخرون (تقطع) بضم التاء.
    والقراءتان متحدتان في المعنى.
    سورة يونس
    28- (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ), وقرأها أبو جعفر وابن عامر (ينشركم).
    والمعنى واحد, فإذا سيركم في البر والبحر فقد نشركم, فإن من لازم التسيير التفرق والانتشار.
    29- (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ), وقرأها حمزة والكسائي وخلف (تتلو) بتاءين.
    والقراءتان ملتقيتان, فإن معنى (تبلو) تنظر وتختبر لتعلم عن العمل أصالح مقبول هو أم لا, وكذلك معنى (تتلو) فالمراد تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها لترى حقيقتها ومصيرها, أو تقرأ وترى في كتاب أعمالها جميع ما قدمت, فكل واحدة من القراءتين تفيد أن الإنسان يطلع على حقيقة عمله.
    سورة يوسف
    30- (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) هذه قراءة الكوفيين والمدنيين, وقرأها الآخرون (المخلصين) بكسر اللام.
    والمعنى واحد ملتقي, فالمخلصين بالفتح الذين أخلصهم الله واصطفاهم, وهذا لا يكون إلا للمخلصين, فالمخلصين من لازمه الإخلاص لله.
    سورة إبراهيم.
    31- (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ), وقرأها ابن كثير وأبو عمرو (ليضلوا) بفتح الياء.
    والمعنى في القراءتين متلازم, فإن من أضل غيره فإنه في ضلال, كما أن من كان في ضلال فلا ينفك عن محاولة إضلال غيره.
    سورة الكهف
    32- (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا), وقرأها حمزة والكسائي وخلف (يفقهون) بضم الياء وكسر القاف.
    والمعنيان متلازمان, فمن لا يمكنه فهم غيره لاختلاف اللغة لا يمكنه أن يُفهِم غيره كذلك.
    سورة المؤمنون
    33- (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ), وقرأها البصريان (سيقولون الله) بإثبات ألف الوصل قبل اللام.
    والقراءتان معناهما واحد, فالسموات والعرش لله وهو ربهما.
    سورة الشعراء
    34- (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ), وقرأها أبو جعفر وابن كثير (خلق) بفتح الخاء وسكون اللام.
    والمراد بقولهم: (خلق الأولين) أخلاقهم وعادتهم ونهجهم, أي: هذا ما مضى عليه أسلافنا وآباؤنا, فهم سائرون على نهج الأولين وطريقتهم, وهو كذلك على قراءة فتح الخاء, فمرادهم هذا طبع الأولين وما جروا عليه, فنحن عليه سائرون ولن نفارقه.
    وفي قراءة فتح الخاء قول آخر, وهو أن المراد أن ما جئت به إنما هو اختلاق الأولين وتخرصهم، كما قالوا: أساطير الأولين, وعلى هذا المعنى فالقراءتان مختلفتان في المعنى.
    سورة الأحزاب
    35- (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ), هكذا قرأها المدنيان وعاصم, وقرأها الآخرون (وقرن) بكسر القاف.
    والمعنى واحد, فالمراد القرار وهو البقاء والمكث.
    قال الألوسي في "روح المعاني": "وَقَرْنَ بكسر القاف من وقر يقر وقاراً إذا سكن وثبت، وأصله أوقرن, ففعل به ما فعل بعدن من وعد أو من قر يقر المضاعف من باب ضرب, وأصله اقررن حذفت الراء الأولى وألقيت كسرتها إلى القاف وحذفت الهمزة للاستغناء عنها...
    وفي البحر إن قررت وقررت بالفتح والكسر كلاهما من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه, وقد حكى ذلك أبو عبيدة والزجاج وغيرهما"اهـ
    وفي قراءة الكسر قول آخر, وهو أن (قرن) من الوقار والسكينة, فإن صح هذا فالقراءتان مختلفتان في المعنى والله أعلم.
    سورة الصافات
    36- (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ), وقرأها حمزة والكسائي وخلف (ينزفون) بكسر الزاي.
    والمعنى متحد, فالمراد عدم ذهاب العقل على كلا القراءتين.
    سورة غافر
    37- (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ), هكذا قرأها المدنيان والبصريان وحفص, وقرأها الآخرون (يظهر) بفتح الياء والهاء.
    والقراءتان ملتقيتان في المعنى, فإن الفساد الذي سيظهر بزعم فرعون إنما سببه موسى ودعوته.
    سورة محمد
    38- (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) هكذا قرأها البصريان وحفص, وقرأها الآخرون (قاتلوا).
    والمعنيان ملتقيان قريبان جداً, فإن من قتل في سبيل الله فهو قد قاتل, ومن لوازم القتال الاستشهاد والقتل.
    وقد يقال: إن القراءة الأخرى تدل على وقوع الثواب بمجرد القتال ولو لم يحصل القتل, والله أعلم.
    سورة الحجرات
    39- (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا), وقرأها حمزة والكسائي وخلف (فتثبتوا).
    والمعنى متحد, فالتبين والتثبت طلب حقيقة الأمر, فالمعنى واحد.
    سورة ق
    40- (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ), وقرأها المدنيان وابن كثير وحمزة وخلف (وإدبار) بكسر الهمزة.
    والمعنى واحد, فالمراد بأدبار السجود وإدبار السجود عقب الصلوات وعند انقضائها والانصراف منها.
    41- (أفتمارونه على ما يرى), وقرأها حمزة والكسائي وخلف ويعقوب (أفتمرونه) بفتح التاء وإسكان الميم من غير ألف.
    والقراءتان ملتقيتان متلازمتان, فإن المماراة هي المجادلة جحداً وإنكاراً, فإن المجادل لا يجادل إلا إذا كان جاحداً منكراً, والقراءة الثانية معناها الجحد والإنكار أيضاً.
    سورة الرحمن
    42- (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وقراءة ابن عامر (ذو الجلال والإكرام) بواو بعد الذال نعتاً للاسم, والقراءات متحدتان, فإن المراد بالاسم المسمى وهو الله.
    سورة التحريم
    43- (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) وقراءة الكسائي (عرف) بتخفيف الراء, والقراءتان متقاربتان في المعنى جداً أو متحدتان, فإن المراد على قراءة التشديد أن النبي عاتب حفصة وعرفها بعض ذلك الحديث الذي نبأت به وافشته وأخبرها به.
    والمعنى على قراءة التخفيف أن النبي غضب من ذلك وجازى عليه بالعتب واللوم، كما تقول للرجل يسيء إليك: لأعرفن لك ذلك.
    سورة المعارج
    44- (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) وقرأها المدنيان وابن عامر (سال) بالألف من غير همز, والقراءتان معناهما واحد على الصحيح, فإن المراد أن المشركين سألوا وقوع العذاب واستعجلوه استهزاء واستبعاداً وتحدياً, كما في قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب), وقوله: (إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم).
    والقراءة الأخرى نفسها, لكن بتخفيف الهمزة ألفاً.
    سورة النازعات
    45- (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) وقرأها المدنيان والكسائي (فقدرنا) بتشديد الدال, والقراءتان المراد بهما معنى واحد على الراجح, وهو التقدير.
    قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" : "هما بمعنى واحد، يقال: قدر بالتشديد تقديراً فهو مقدر، وقدر التخفيف قدراً فهو قادر، إذا جعل الشيء على مقدار مناسب لما جعل له".
    سورة التكوير
    46- (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) وقرأها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس (بظنين) بالظاء, والقراءتان ملتقيتان في المعنى, فإن الضنين هو الذي يبخل, والكتمان إنما هو بخل بالأمر المعلوم للكاتم, والظنين بالظاء هو المتهم, فالمراد بالآية أن النبي لا يمكن أن يكتم أو يخفي أو ينقص من الوحي شيئاً, فكل قراءة تؤدي المعنى نفسه.
    47- (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ), وقرأها ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف (لتركبن) بفتح الباء.
    والمعنى واحد, فالمراد أيها الناس لتركبن وأيها الإنسان لتركبن.

    النوع الخامس والأخير هو الذي فيه تغير في المعنى وهو نزر قليل جداً, وعددها عشر آيات فحسب.
    الأولى في سورة البقرة
    قوله تعالى: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ), وقراءة نافع ويعقوب (ولا تسأل) بفتح التاء وجزم اللام على النهي.
    فمعنى القراءة الأولى أنك لست مسؤولاً عنهم, فقد بلغت وهم وحدهم يحملون أوزارهم.
    وعلى القراءة الثانية نهي عن السؤال عنهم وهو كناية عن سوء مصيرهم وشدة ما هم فيه من العذاب.
    الثانية في سورة آل عمران
    قوله تعالى: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ) هكذا قرأها ابن عامر والكوفيون, وقرأها الباقون (تعلمون) بفتح التاء واللام وإسكان العين مخففاً.
    فعلى القراءة الأولى المراد بما كنتم تعلمون غيركم الكتاب, وعلى القراءة الأخرى بما كنتم أنتم تعلمون الكتاب.
    الثالثة في سورة الأعرف
    قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قرأها هكذا عاصم وحده, وقرأها بعضهم (نشراً)
    أي أن الله جعل الرياح مبشرة بقدوم الغيث, وعلى القراءة الثانية جعل الرياح تنشر السحاب أي: تبثه وتكثره.
    الرابعة في سورة يوسف
    قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا), قرأها الكوفيون وأبو جعفر بالتخفيف, وقرأها غيرهم (كذبوا) بالتشديد.
    والمعنى على قراءة التخفيف أن المرسل إليهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا عليهم حين أبطأ النصر, والمعنى على قراءة التشديد أن الرسل أنفسهم ظنوا أن الذين آمنوا من أقوامهم كذبوهم حين استبطئوا النصر.
    الخامسة في سورة النحل
    قوله تعالى: (لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ), وقرأها نافع (مفرطون) بكسر الراء مخففة, وقرأها أبو جعفر بكسر الراء مشددة.
    وعلى القراءة الأولى المفرط هو المقدم إلى الشيء, والمراد أنهم مسرع بهم إلى النار مقدمون إليها.
    وعلى القراءة الثانية هم أنفسهم مسرعون إلى النار متقدمون إليها.
    وقيل المعنى من الإفراط, أي: قد أفرطوا في معصية الله وفي الأخذ بأسباب عذاب النار.
    أما على قراءة أبي جعفر فالمعنى أنهم مفرطون في أداء الواجب الذي كان لله عليهم.
    السادسة في سورة الفرقان
    قوله تعالى: (مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ), وقرأها أبو جعفر (نتخذ) بضم النون وفتح الخاء.
    والقراءة بضم النون المراد بها أن المعبودات تتبرأ من عابديها, وتخبر أنه ليس من حق أولئك المشركين أن يتخذوهم آلهة, فإنهم عباد لله, والمعنى على القراءة الأولى أن المعبودات تتبرأ من الرضا بذلك, وتخبر أنهم لم يدعوا أحداً إلى عبادتها وموالاتها.
    السابعة في سورة الروم
    قوله تعالى: (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ), وقراءة الجماعة سوى حفص (للعالمين) بفتح اللام.
    والمراد بالعالمين بالفتح جميع الناس, وبالعالمين بالكسر أولو العلم والفهم والبصيرة, فهو كقوله تعالى: (وما يعقلها إلا العالمون).
    الثامنة في سورة سبأ
    قوله تعالى: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا), وقراءة يعقوب (ربنا باعد) بضم باء ربنا وفتح العين.
    والمعنى على القراءة الأولى أنه طلبوا من الله أن يباعد بين أسفارهم, فيجعل بينهم وبين الشام فلوات ومفاوز بطراً وجهلاً بمقدار العافية.
    وعلى القراءة الأخرى شكواهم وتسخطهم مما أحل بهم من بعد المسافات.
    التاسعة في سورة الصافات
    قوله تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ), وقراءة حمزة والكسائي وخلف (عجبت) بضم التاء.
    فعلى القراءة الأولى العجب من النبي, وعلى القراءة الأخرى العجب من الله.
    العاشرة في سورة الزخرف
    قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا), وقرأها المدنيان وابن كثير وابن عامر ويعقوب (عند الرحمن).
    فالقراءة الأولى تشريف للملائكة بذكر عبوديتهم لله, والقراءة الثانية تشريف لهم بذكر قربهم منه وكونهم عنده.
    فهذه عشر آيات يمكن للقارئ أن يتعلمها ويفهمها في ساعة من نهار, ويحفظ بقية عمره فينفقه في كل علم نافع, فينصب خيامه في دوحته الباسقة, على ضفاف أنهاره العذبة, تحت أفانينه الممدودة, ويقطف ما يشتهي من ثماره المختلفة.
    ثم إن الفائدة تحصل بمجرد معرفة القراءة دون حفظها والقراءة بها فهي موجودة معلومة في كتب القراءات والتفاسير وغيرها.
    ثم على افتراض أن حافظ القراءات ينتفع ببعض المعاني الزائدة التي ترد في بعض القراءات فإنه يجب أن ينتبه إلى أنه يُضَيِّع في سبيل الحصول على هذه الثمرة أضعاف أضعافها من الفوائد والمعاني بسبب انشغاله بمراعاة القراءات والاختلافات عند القراءة.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي رد: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    وقبل أن أفرغ من هذا البحث أذكر ما قاله الفقيه القاضي أبو بكر بن العربي حين اشتغل سواد القراء بالمغرب بحروف القرآن عن معرفة حدوده والتفقه في أحكامه، وتمادى ذلك بهم حتى كادوا يجعلونه الوكد من حياتهم, وحين حصل الشغف الزائد المفرط بالقراءات الذي تحولت معه القراءة إلى صناعة بعد أن كانت رواية ونقلاً محضاً.
    قال في "العواصم" ص (597) : "ولما ظهرت الأموية على المغرب، وأرادت الانفراد عن العباسية وجدت المغرب على مذهب الأوزاعي فأقامت في قولها رسم السنة، وأخذت بمذهب أهل المدينة في فقههم وقراءتهم، وكانت أقرب من إليهم قراءة ورش فحملت روايته، وألزم الناس بالمغرب حرف نافع ومذهب مالك فجروا عليه وصاروا لا يتعدونه، وحمل حرف قالون إلى العراق فهو فيه أشهر من ورش... ودخلت بعد ذلك الكتب، وتوطدت الدولة فأذن في سائر العلوم، وترامت الحال إلى أن كثرت الروايات في هذه القراءات، وعظم الاختلاف حتى انتهى في السبع إلى ألف وخمسمائة رواية، وفي شاذ السبع إلى نحو الخمسمائة، وأكب الخلق على الحروف ليضبطوها فأهملوها، وليحصروها فأرسلوها إلى غير غاية، وأراد بعضهم أن يردها إلى الأصل، فقرأ بكل لغة وقال: هذه لغة بني فلان، وهذه لغة بني فلان".
    قال القاضي أبو بكر: "وبعد أن ضبط الله الحروف والسور فلا تبالوا بهذه التكليفات، فإنها زيادات في التشغيب، وخالية من الأجر، بل ربما دخلت في الوزر"
    قال: "ولكن لما صارت هذه القراءة صناعة رفرفوا عليها وناضلوا عنها، وأفنوا أعمارهم من غير حاجة إليهم فيها، فيموت أحدهم وقد أقام القرآن كما يقيم القدح لفظاً، وكسر معانيه كسر الإناء فلم يلتئم عليه منها معنى".
    قال الدكتور عبد الهادي حميتو في كتابه "قراءة الإمام نافع عند المغاربة" معقباً على قول ابن العربي بعد أن وجهه ووضحه: ونحن إذا وجهنا دعوة ابن العربي هذه الوجهة وعلى هذا التأويل وجدناه في حقيقته يلتقي مع المنحى الأثري الذي انتهجه قبله حافظ القراءات وقطب المدرسة الاتباعية بالمغرب أبو عمرو الداني، فلقد رأينا من منهجه في إيراد الخلاف أنه يذكر جملة ما قرأ به من وجوه فيقول مثلاً: أقرأني أبو الفتح بكذا وأقرأني أبو الحسن بكذا، وقرأت على الخاقاني بكذا، ثم يقول: واختياري كذا، وربما عرض أوجه الخلاف أو سكت عنها، ثم يقول عن الوجه الذي ذكره: وبه قرأت وبه آخذ، وهو إعلام منه بوجود وجوه أخرى لم يقرأ بها ولم يأخذ"اهـ
    وفي الختام أسأل الله لي ولكم أن يهدينا الصراط المستقيم وأن يلهمنا العلم النافع الصحيح المبني على العلم المحقق والآراء النيرة الصائبة.
    وأرحب بكل مشاركة أو اعتراض أو تعقيب أو تصويب من المشايخ الكرام فأنا أول المستفيدين.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
    وقريباً سأضع بحثاً مهماً جداً يتعلق بالقراءات إن شاء الله.
    وأستودعكم الله أيها الأحباب الكرام.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أخوكم صالح بن سليمان الراجحيAlrajhi.sr@gmail.com

    الخلاصة والعناوين:
    الدليل الأول:
    أن تعَلُّم القراءات والقراءة بها جميعاً مناف للحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف من وجهين.
    الدليل الثاني:
    أنه لم يرد عن النبي كلمة واحدة يرغب فيها بحفظ تلك الأحرف والاختلافات أو كتابتها أو القراءة بها جميعاً, وكان النبي يصلي بهم كل يوم ثلاث صلوات جهرية ولم ينقل نص واحد يفيد أنه قرأ بهم يوماً بقراءة غير حرف قريش.
    الدليل الثالث:
    وقائع الصحابة, ومن ذلك حين اختلف عمر بن الخطاب وصاحبه هشام بن حكيم في القراءة وأبي بن كعب وأصحابه, وعمر حين نهى ابن مسعود أن يقرئ بغير حرف قريش.
    وقد ذكر ابن تيمية أن جمع القراءات لأجل الحفظ والدرس هو من الاجتهاد الذي فعله طوائف في القراءة، وأما الصحابة والتابعون فلم يكونوا يجمعون.
    الدليل الرابع:
    أنه مخالف لما عليه أصحاب القرون الأولى.
    فإن أصحاب القرون الثلاثة المفضلة لا يعلم أن أحداً منهم جمع القراءات ليحفظها ويقرأ بها كلها, نعم بدأ جمع القراءات كتابة في القرن الثالث لكن ليس ذلك لتحفظ كلها ويقرأ بها جميعاً, وإنما لتعلم ويختار منها.
    الدليل الخامس:
    تحريق عثمان لكثير من الاختلافات في القراءة وإبقاؤه على حرف واحد, وهو حرف قريش الذي به نزل القرآن, وما يحتمله الرسم من أنواع القراءات والاختلاف, وكان ذلك بإجماع الصحابة, وهذا من أوضح الأدلة على أن الأفضل البقاء على قراءة محددة وعدم حفظ القرآن بقراءات متعددة, فإنه لو كان الأصل جمع القراءات لما ألغى عثمان بقية الأحرف, ولكتبها كلها لتبقى محفوظة معلومة.
    الدليل السادس:
    أنه مخالف للمنهج الذي سار عليه القراء العشرة الكرام وغيرهم من القراء في ذلك الوقت, بل هو منهج أتباعهم جميعاً في تلك البلاد, فإنهم كانوا يختارون قراءة واحدة, فكان كثير منهم يتلقون القرآن من عدد من القراء, فيجمعون اختلافاً كبيراً بينهم, ثم يختار القارئ لنفسه من بين القراءات قراءة واحدة يلتزمها ويعرف بها وتنسب إليه.
    الدليل السابع:
    أن حفظ القراءات المختلفة جميعها والقراءة بها كلها خمساً أو سبعاً أو ثمانياً أو عشراً أو غير ذلك لم يعرف إلا في القرن الرابع الهجري فما بعده, ويدل على ذلك ثلاثة أمور ذكرتها.
    وذكرت الإجابة عن روايات قد يفهم منها أنها تدل على أن السلف كان يَقرَؤون ويُقرِؤون بالقراءات المختلفة.
    الدليل الثامن:
    أن كثيراً من كبار الأئمة والعلماء والمحدثين والفقهاء والمفسرين وغيرهم لم يعرف عنهم حفظ القراءات جميعاً والقراءة بعدد من القراءات, وهذا يعني أنهم كانوا يكتفون بقراءة واحدة.
    وذكرت قائمة طويلة من كبار علماء المسلمين وأئمتهم ومحدثيهم وفقهاءهم كلهم لم يرد في سيرهم الكريمة ما يشير إلى تعلمهم للقراءات المتعددة.
    الدليل التاسع:
    أن تعلم القراءات السبع أو العشر سبب لحصول أمور غير محمودة بل هي مذمومة, وذكرت منها سبعة أمور.
    الدليل العاشر:
    أن الفائدة والثمرة من القراءات والقراءة بها كلها ضئيلة جداً خلاف ما هو شائع عند كثير من مشايخ القراءات, وبينت هذا بالتفصيل, وذكرت الآيات المختلف فيها, وبينت أن المعنى في أكثرها متحد أو ملتقي, وما خرج عن هذا إلا عشر آيات ذكرتها.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي رد: عشرة أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة وعدم القراءة بالسبع أو العشر (بحث واستقراء)

    إعتذار:
    أيها الإخوة الكرام بعد أن أدرجت البحث وجدت ألفاظ تنزيه الله (سبحانه وتعالى) والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) والترحم على العلماء ونحو ذلك كلها لم تظهر, وإنما ظهرت مطموسة فحذفتها, وأستغفر الله وإنما الأعمال بالنيات.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •