وجاءت العشر
سليمان بن جاسر الجاسر
مقدمة: أخي المسلم: إن من حكمة الله تعالى البالغة أن ميّز بين الأيام والليالي والشهور والساعات، كما قال سبحانه: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]. فآخر ساعة من يوم الجمعة أفضل من غيرها من ساعات النهار، وساعات الثلث الأخير من الليل أفضل ساعات الليل فيه تتنزل الرحمة وتستجاب فيه المسألة. وأيام عشر ذي الحجة خير أيام العام، أيام مباركة أقسم الله عز وجل بها في كتابه، وبين فضلها رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلها الله تبارك وتعالى فرصةً للمؤمن ليعود إلى ربه ويقرب من خالقه، ويتضاعف له بها الأجر. فبم تُستقبل؟ نستقبل عشر ذي الحجة بـ: 1- التوبة الصادقة: حري بالمسلم أن يستقبل هذه العشر بالتوبة الصادقة. ذلك أنه ما حرم أحد خيرًا إلا بسبب ذنوبه، سواء كان خيرًا دينيًا أم دنيويًا، يقول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]. ومن أعظم المصائب التي يصاب بها العبد أن يحرم من استغلال هذه المواسم المباركة؛ فالذنوب هي السبب في حرمان العبد فضل ربه عز وجل. وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ذكر جزءًا منها العلامة ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي): أولها: حرمانُ العلم، فإن العلم نورٌ يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور. ثانيها: حرمان الرزق: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»(1)، وكما أن تقوى الله عز وجل مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، فما استجلب رزق الله عز وجل بمثل ترك المعاصي. ثالثها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة، يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهمّ(2). قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: «إن للحسنة ضياءً في الوجه ونورًا في القلب وسعةً في الرزق وقوةً في البدن ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق». رابعها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: «هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم»(3). وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]، وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيءٍ وأهونه. خامسها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه؛ وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله. وقد ذكر البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه عن ابن مسعود ت قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ وقع على أنفه فقال به هكذا فطار»(4). سادسها: أن المعصية تورثُ الذل ولا بُدّ؛ فإن العز كل العز في طاعة الله عز وجل ؛ قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يجدها إلا في طاعته. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء، والأعمال»(5). قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت(6) بهم البغال وهملجت(7) بهم البراذين(8)، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. وقال عبد الله بن المبارك ـ رحمه الله ـ: رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ *** وقد يورثُ الذُّلَّ إدمانُها وترك الذنوبِ حياةُ القلوبِ *** وخيرٌ لنفسِكَ عِصيَانُهَا سابعها: أن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] قال: هو الذنب بعد الذنب. وكما أن للذنوب آثارًا فإن لها عقوبات أيضًا فمنها: أولًا: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خيرٍ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه. وفي الصحيح(9) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحياء خير كله». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(10). ثانيًا: أنها تستدعي نسيان الله عز وجل لعبده وتركه، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18-19]. ثالثًا: أنها تُزيل النِعم وتُحل النِقم. قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53]. وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11]. ولقد أحسن القائل: إذا كنت في نعمةٍ فارعَها *** فإن المعاصي تُزيلُ النِّعَمْ وحُطها بطاعةِ ربِّ العبادِ *** فرَبُّ العبادِ سريعُ النِّقْم رابعًا: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف وتكسوه أسماء الذمِّ والصغار، فتسلبه اسم المؤمن والبر والمحسن والمتقي والمطيع وتكسوه اسم الفاجر والعاصي والمخالف والمسيء والمفسد والخبيث فهذه أسماء الفسوق و{بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11]. خامسًا: أنها تمحق بركة العُمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة. وبالجملة فالذنوب تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركةٍ في عُمره ودينه ودنياهُ ممن عصى الله عز وجل، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق. قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]. وفي الحديث: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لا يُنال ما عند الله إلا بطاعته، وإن الله جعل الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهم والحُزن في الشك والسُّخط»(11). سادسًا: أنها تجرئ على العبد من لم يكن يتجرأ عليه من أصناف المخلوقات. قال بعض السلف ـ رحمه الله تعالى ـ: «إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي» ا.هـ(12). والتوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم، لأن الغالب إقبالُ النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير، وإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح، مع أعمال فاضلة في أزمنة فاضلة فهذا عنوان الفلاح، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} [القصص:67]. 2- طلب العون من الله عز وجل على اغتنام هذه الأيام: وتستقبل العشر بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها وعمارتها بما يرضي الله عز وجل فمن جدّ واجتهد أعانه الله، ومن صدق الله صدقه الله سبحانه وتعالى وهيأ له الأسباب الموصلة إلى الخير وأعانه عليها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. ما سبب تفضيل عشر ذي الحجة على غيرها؟ 1-أن الله تعالى أقسم بها، وما أقسم بها إلَّا لعظمتها، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، قال غير واحد من السلف والخلف: هي عشر ذي الحجة وهو قول جماهير المفسرين، واختاره ابن كثير ـ رحمه الله ـ(13). 2-أنها أفضل أيام الدنيا، كما جاء عن جابر ت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا العشر» يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عُفِّر وجُهه بالتراب»، رواه البزار وغيره وحسنه الهيثمي والمنذري وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع(14). 3-أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله من غيرها من الأيام. قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» ـ يعني عشر ذي الحجة ـ، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع منها بشيء» رواه البخاري(15)، والترمذي(16) واللفظ له. قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره» ا.هـ.(17) 4-أن فيها الأمر بالذكر: قال الله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:27]، قال ابن عباس رضي الله عنه: «الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق» رواه البخاري(18). والنبي صلى الله عليه وسلم أمر فيها بكثرة التحميد والتهليل والتكبير. كما جاء عن ابن عمر ب، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحبُّ إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد(19). 5-أن فيها يوم عرفة. الذي يكثر فيه العتق من النار، ويوم عرفة هو من أفضل أيام العشر، بل من أفضل أيام السنة، قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:1-3]، قال صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة» رواه الترمذي(20). كما أن الله مَنَّ علينا فيه بكثرة عتقه سبحانه وتعالى كما جاء في صحيح مسلم(21) من حديث أم المؤمنين عائشة ل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟». 6-أن فيها يوم النحر وهو اليوم العاشر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ» رواه أبو داوود(22) وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ. ويوم القرّ: هو اليوم الحادي عشر أول أيام التشريق لأن الحجاج يقرون فيه بمنى. قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في لطائف المعارف: «لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام وجعل الأفئدة تهوي إليه، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض الله سبحانه وتعالى على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين فمن عجز عن الحج في عام قدر ـ أي في العشر ـ على عمل يعمله في بيته فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج»(23). أيهما أفضل: عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ اختلف العلماء: هل الأفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ والراجح ما ذكره الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: «أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وبهذا التفضيل يزول الاشتباه، ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة إنما فضلت باعتبار أيامها إذ فيها يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية» ا.هـ.(24) يوم عرفة يوم عرفه وما أدراك ما هو؟ يوم عظيم، له من الدين المحل المكين والمنزلة الرفيعة، خصه النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد العناية، وعظيم الرعاية، لما له من الفضائل والمزايا فمنها: 1- أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره لهذه الآية: «هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعل الله خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيءٍ أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم، ولهذا قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] أي: فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه» ا.هـ(25). هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة، ففي الصحيحين(26) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}. فقال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة. 2- أنه يوم يكثر فيه العتق من النار ويباهي الله عز وجل بأهل الموقف الملائكة: ففي صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟»(27). وروى الإمام أحمد(28) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا». وروي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، أنصت لي الناس»، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنصت الناس فقال: «معشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام آنفًا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله ـ عز وجل ـ غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات»، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، لنا خاصة، قال: «هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب(29). 3- أن صيامه يكفر سنتين: في صحيح مسلم(30) من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده». 4- أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة: ففي سنن الترمذي(31) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». من أحوال السلف في يوم عرفة أما أحوال السلف ـ رضي الله تعالى عنهم ـ في يوم عرفة فهم بحسب مراتبهم، فمنهم من كان يغلب عليه الحياء أو الخوف من الله عز وجل في ذلك اليوم. فهذا مُطرف بن عبد الله بن الشخير ـ رحمه الله ـ وهو من علماء التابعين ومن عُبادهم، وقف في عرفة مع بكر الـمُزَني فقال أحدهم: «اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي»، وقال الآخر: «ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيه». ووقف الفضيل بن عياض بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة، قد حال البكاء بينه وبين الدعاء، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: «واسوأتاه منك وإن عفوت» ـ يقول ذلك لأنه غلب عليه الحياء من الله عز وجل، ويقول لشعيب بن حرب: «إن كنت تظن أنه شهد الموقف أحدٌ شرٌ مني ومنك فبئسما ظننت». ودعا بعض السلف بعرفة فقال: «اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركِكَ القبول مني». وكان بعض السلف يأخذ بلحيته في يوم عرفة ويقول: «يا رب قد كَبُرت فأعتقني»، وشوهد بعرفة وهو يقول: سبحان من لو سجدنا بالعيون له *** على حِمَى الشوك والمُحمى من الإبر لم نبلغ العشر من معشار نعمته *** ولا العشير، ولا عشرًا من العشر هو الرفيع فلا الأبصار تدركه *** سبحانه من مليكٍ نافذ القدر سبحان من هو أُنسي إذ خلوتُ به *** في جوفِ ليلي وفي الظلماء والسحر وجاء عبد الله بن المبارك إلى سفيان الثوري ـ رحم الله الجميع ـ عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه في عرفة، وعيناه تُسهمِلان من الدموع، فقال ابن المبارك لسفيان الثوري: «من أسوأ هذا الجمع حالًا»، فقال: «الذي يظن أن الله لا يغفر له» ا.هـ.(32) ما الأعمال المستحبة في هذه العشر؟ يستحب في هذه العشر الإكثار من العبادة، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. فعلى كل مسلم بلغه الله عز وجل هذه العشر أن يحمد الله عز وجل على بلوغها، وهو صحيح معافًى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»(33). فإن أيامها معدودة، ما أسرع ذهابها، فالموفق من سارع إلى ما عند الله عز وجل. وكما قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «الدنيا ساعة فاجعلها طاعة». ولا تنحصر الأعمال الصالحة في العبادة القاصرة على نفس العبد، وإنما المتعدية للغير. فمن الأعمال الصالحة والتي ينبغي للإنسان أن يحرص عليها في هذه العشر ما يلي: أولاً: الإخلاص: فأول عملٍ يجب على الإنسان أن يستحضره هو إخلاص النية لله ﻷ في جميع عباداته، وأن لا ينوي بعبادته إلا وجه الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة. وهذا هو الذي أمر به الله عز وجل في قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]؛ أي: مخلصين له العمل. وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:18-19]. فالإخلاص لله ﻷ شرط لقبول أي عملٍ من الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه ﻷ؛ ولذلك حرصنا على التذكير به ونحن مقبلون على هذا الموسم المبارك لنجدد النية ونخلصها لرب البرية؛ لأنه تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغى به وجهه سبحانه وتعالى؛ كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»(34). ولنحذر مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو الرياء، ففي صحيح البخاري من حديث جندب ت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يُرائي يُرائي الله به»(35). نسأل الله أن يرزقنا الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال والأحوال إنه ولي ذلك والقادر عليه. ثانيًا: بر الوالدين: وهو من أهم الأعمال التي يجب على المسلم القيام بها، حيث جاء الأمر به بعد الأمر بالتوحيد في قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23-24]. وبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله كما جاء في الصحيحين(36) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». فلنحرص على بر الوالدين ولندخل السرور عليهما، ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر: أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة»(37). فعلينا برهما إن كان أحياءً أو أمواتًا، فإن كانا أحياءً فبرهما بالإحسان إليهما وطاعتهما وإدخال السرور عليهما وخدمتهما والسعي في نيل رضاهما، فحقهما كبير وأجرهما عظيم، وإن كانا أمواتًا فالدعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، والصدقة عنهما. ثالثًا: صلة الأرحام: ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله»(38) متفق عليه. فليحرص المسلم على صلة أرحامه وإن قاطعوه لما جاء في صحيح البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»(39). رابعًا: إصلاح ذات البين: وهو من الأمور الهامة التي حض عليها شرعنا الحنيف، فينبغي للإنسان أن يحرص على مصالحة الجميع ونسيان الخصومات في هذه الأيام فضلًا عن غيرها؛ لما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا»(40). وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»(41). كذلك ينبغي عليه أن يسعى في الإصلاح بين الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأجره عظيم عند الله تبارك وتعالى. قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]. وفي الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس، فينمي خيرًا أو يقول خيرًا»(42) متفق عليه. خامسًا: البعد عن المحرمات: أن نبتعد كل البعد عن كل ما حرم الله تعالى علينا، مصداقًا لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا»(43). وأن نبتعد أيضًا عن الشبهات لأنها ذريعة إلى الوقوع في المحرمات، لما ثبت في الصحيحين(44)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ألا وإن لكل ملكٍ حمًى. ألا وإن حمى الله محارمُهُ، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». ومن الحرام البين كبائر الذنوب ومنها: 1-ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها: قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5]. ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحذيره من ترك الصلاة كما في حديث جابر ت: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»(45). ولما ثبت عن بريدة ت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»(46). قال عبد الله بن شقيق: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»(47). وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيُحسن الطُّهُور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلفُ عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصَّف»(48). 2-أكل الربا: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279]. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ...} إلى قوله: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. فهذا وعيد عظيم بالخلود في النار كما ترى لمن عاد إلى الربا بعد الموعظة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذفُ المحصنات الغافلات المؤمنات»(49). وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا ومُوكله»(50) رواه مسلم، والترمذي فزاد: «وشاهديه وكاتبه»(51) وإسناده صحيح. 3-الزنا: وهو من أعظم الذنوب، لذا حذرنا منه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:68] الآيات. وقال تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3]. وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تُزاني حليلة جارك»(52). وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن»(53). وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ(54) مستكبرٌ»(55) رواه مسلم. وتم ذكر هذه المحرمات لأن بعض الناس تسول له نفسه فيشغل هذه الأيام العظيمة والمواسم الفاضلة بالسفر إلى الحرام فيقترف هذه المحرمات ولا يدرك خطورتها.
يتبع