ملهاتنا سبب مأساتنا


بلقيس صالح الغامدي


عندما نعطي الشيء أكبر من حجمه ونهتم به أكثر مما ينبغي نكون قد وضعنا همنا في غير موضعه، وصرفنا وقتنا في غير ما يرجى، ولا شك أن هذا ظلم لأنفسنا وأعمارنا.
نعم إن غاية الظلم أن نظلم أنفسنا بإرادتنا، فنجعلها نفوساً دونية ترضى بالتفاهات وتقنع بالدونيات وتأنس بالملهيات.
أحبتي، متى ما طال بنا المقام على هذا الحال أخشى أن نكون من جملة الناس الذين رضوا أن يكونوا على هامش الحياة بعيدين كل البعد عن مركزها، الناس الذين يعيشون حياة سِمتها اللهو واللعب والانشغال عن الأمور المصيرية الهامة بتلك الأمور المباحة العامة.
إذ أننا عندما نكثر على أنفسنا باللهو سينشأ من تحت أيدينا جيل ضعيف الإرادة هزيل الفكر ضحل الثقافة، لا يعرف كيف يعتز بدينه ولا كيف يدير عقله وحياته، لأنه لم يتربى على الجدية في الحياة، ولا على أهمية الفاعلية لديه، ولا حتى على ضرورة إدراك حقيقة الحياة الدنيا وآلية الأخذ والترك منها بحسب، وما مظاهر الذوبان وعدم الاعتزاز بالدين إلا أبرز المظاهر والمخاطر التي أفرزتها تلك الملهاة.
وبكل صراحة إن غياب الوعي عن أهمية التفقه في واقعنا المعاصر وعن خطورة المرحلة التي تعيشها بلادنا الإسلامية أورث تلك الملهاة التي بدورها تسببت في ظهور تلك المظاهر والمخاطر.
ولعل من أبرز المنابر التي ساعدت على نشر هذه الملهاة المنابر الإعلامية، تلك المنابر التي شوشت على الناس اهتماماتهم وتولت إدارة عقولهم وحياتهم بطريقة مخيفة بصخب الإعلام الهابط، فأشغلت الناس عن قضاياهم الكبرى التي تمس دينهم وعقيدتهم، فأين الجيل عن قضية الأقصى مثلاً؟ وكم من شاب وشابة يعرفون هذه القضية ويدركون تفاصيلها، ويعون دورهم، ويؤمنون بأن ثمة أمور منتظرة منهم كشباب مسلم انتمى لهذا الدين وحمل اسمه؟
أين المربون والمربيات من ممارسة الدور التربوي الحقيقي مع من يربون من أبناء وبنات وطلبة في نقل الرؤية الشرعية الحقيقة لكل مستجدات الحياة التي يشهدونها وكيفية التعاطي معها؟
إن كلماتي هذه بمثابة صرخة لكل طاقة معطلة أن تبدأ في العمل لدينها، إنها دعوة لتصفية الاهتمامات في نفوسنا، وترجمة لمعنى نبضات قلوبنا الإسلامية بأن نحيا لله ونموت لله.
إذ أن أهم وسيلة للارتقاء بالنفس من مواطن الدونية والهامشية إلى المركزية الفاعلة الدعاء، وسؤال الله تعالى، كما جاء في حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فألهمها فجورها وتقواها" فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها"
فإننا متى ما أحسنا توجيه أنفسنا وتطهيرها بين الفينة والأخرى من التحلية والتخلية وتعاهدناها بالمراقبة نكون قد ارتقينا بها عن مواطن الدون إلى العلو. حينها سننجح في بناء أنفسنا ومن حولنا بناء قوياً بعقيدته شامخاً بثباته عزيزاً بإيمانه، كما أعتقد أننا وقتها لن نكون بحاجة لمن يدير لنا عقولنا وحياتنا؛ لأن لدينا من يدريها إدارة آمنة حكيمة [شريعة الله تعالى].