جناية النقول على الأصول
أو
أهمية الرجوع إلى الأصول، وخطر الوثوق بالنقول

جاء في كتاب " مصباح الأريب في تقريب الرواة الذين ليسوا في تقريب التهذيب " 3 /172 ترجمة رقم (24525) ما يلي:

" محمد بن عبد السلام بن سعيد التنوخي (مجهول قاله الدارقطني) (لسان 6/ 322)." انتهى

فيأتي المُقصِّر الراكن إلى الدّعة والرّاحة، ويقلّد صاحب هذا الكتاب؛ فيضعّف هذا الراوي، وينقل عن الدارقطني قوله فيه : "مجهول"، ويعزو ذلك - وثوقا بهذه الواسطة - إلى كتاب ابن حجر "لسان الميزان" !!

ولو نظر بنفسه في كتاب ابن حجر لأصبح يقلّب كفّيه على ما استروح إليه من نقل هذا المعاصر !!

ففي لسان الميزان لابن حجر 7 /304 [ط.أبي غدة] = 5 /259 [ط.الهندية] ما يلي:

" (ز) محمد بن عبد السلام بن سعيد التنوخي عن عبد الله بن عمر بن عمران المديني ، عَن أبيه ، عَن مالك ، عَن أبي الزناد عن الأعرج ، عَن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : أكثر غرس الجنة العجوة وأم جرذان.

رواه الدارقطني في الغرائب ، عَن أبي طالب الحافظ عن يحيى بن محمد بن خُشَيش المقرىء القيرواني (*) عنه وقال : لا يثبت , ورواته مجهولون.

ثم ظهر لي أن محمد بن عبد السلام ثقة معروف، وهو ابن سحنون فإن اسم سُحْنون : عبد السلام بن سعيد، وسُحْنون لقبه ، كما تقدم في ترجمته [3353] وابنه محمد من كبار العلماء بالمغرب." انتهى كلام ابن حجر

قلتُ: فالدارقطني رحمه الله لم يقل ذلك فيه على التّعيين، كما أوهمه مؤلِّف هذا الكتاب !! إنما قال عن حديثٍ هو أحدُ رواته : " لا يثبت، ورواته مجهولون" ، فأدخل ابنُ حجر هذا الراوي في كتابه لأنه لم يعرفه في الوهلة الأولى ، واستأنس على صنيعه بما حكاه عن الدارقطني .. لكن الحافظ ابن حجر رحمه الله سرعان ما استدرك على نفسه، وعاد ليوّثق صاحب الترجمة ؛ بعد أن تبيّن له أنه : محمّد بن سحنون بن عبد السلام التنوخي الإمام العالم المشهور، ولسان حاله يقول إن الدارقطني لم يكن يعنيه بذلك الحكم العام .

والعجب من صاحب المصباح كيف تعامل مع مصدر هذه الترجمة !! لماذا لم يرفع رأسا بما سُطِّر في آخرها، فجنى بذلك على الإمامين الدارقطني وابن حجر أيما جناية !!

وقديما عاب الحافظ مغلطاي على متعلمي زمانه اكتفاءهم بالنقول الموجودة في كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي دون الرجوع إلى الأصول التي ينقل منها وهي موجودة، فقال في خطبة كتابه "إكمال تهذيب الكمال":

".. لا سيما وقد صار كتاب التهذيب حَكَماً بين طائفتي المحدثين والفقهاء، إذا اختلفوا قالوا : بيننا وبينكم كتاب المزي ، وإنما يأتي ذلك من القصور المؤدي إلى الراحة والدعة ، لأن الأصول التي ينقل منها موجودة ، بل أصول تلك الأصول .. وعلى كل حال فأخذ الشيء من مظانه أولى ، وأحرى أن لا يحصل وهم في الشئ المنقول." انتهى

__________
(*) كتب عبد الفتاح أبو غدة في الهامش: يحي بن محمد بن خشيش متهم بالوضع فالحمل عليه وستأتي ترجمته.