تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين

    القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين



    د. رمضان محمد عيد هيتمي





    دكتور رمضان محمد عيد هيتمي أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة
    مقدمة
    الحمد لله الذي خلق الإنسان، وكرمه ورفع شأنه بتكليفه الخضوع له سبحانه وتعالى، فنعمه وأتم نعمته عليه، وفهمه. قال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{([1]).
    ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في محكم كتابه: }مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{([2]).
    ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، والقائل فيما ورد عنه: «رفع عن أمتي الخطأ, والنسيان, وما استكرهوا عليه»([3]).
    اللهم صل وسلم عليه, وعلى آله وصحبه, ومن اهتدى بهديه, وسار على سنته إلى يوم الدين.
    وبعد:
    فإنه لما كان الإنسان مخاطبًا بالأحكام الشرعية، ومطالبًا بها إما وجوبًا فقط، أو وجوبًا وأداء حسب أهليته، فإذا وجدت لديه أهلية الوجوب والأداء فقد ثبتت له, ووجبت عليه كل الأحكام.
    ولكن قد تعترض حياة الإنسان بعض الموانع أو العوارض التي تؤثر على أهليته, إما بالإزالة كالجنون، وإما بالنقصان كالصغر والعته، وإما بتغيير بعض الأحكام دون تأثير في أهليته, كالإكراه والسفه والخطأ مثلًا.
    لذا فقد تكلم علماء الحنفية على هذه العوارض وقسموها إلى قسمين:
    1- عوارض سماوية؛ كالصغر والجنون والعته وغيرها.
    2- عوارض مكتسبة؛ كالإكراه والسفه والخطأ وغيرها.
    ولهذا فقد أردت أن أتناول بالبحث والدراسة موضوع الإكراه باعتباره عارضًا من العوارض المكتسبة للأهلية, وأثره على التصرفات عند الأصوليين.
    وأدعو الله تعالى أن يجعله نافعا، وأن يحسن القصد به والمثوبة عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    د. رمضان محمد عيد هيتمي
    خطة البحث
    تتكون خطة البحث من تمهيد وسبعة فصول وخاتمة.
    التمهيد: معنى الأهلية وعوارضها وموقع الإكراه منها.
    الفصل الأول: تعريف الإكراه وأركانه وشروطه.
    وفيه مبحثان:
    المبحث الأول: تعريف الإكراه.
    المبحث الثاني: أركان الإكراه وشروطه.
    الفصل الثاني: أثر الإكراه في التكليف والرضا والاختيار.
    وفيه مبحثان:
    المبحث الأول: أثر الإكراه في أهلية الإنسان وصلاحيته للتكليف.
    المبحث الثاني: أثر الإكراه في الرضا والاختيار.
    الفصل الثالث: أنواع الإكراه.
    الفصل الرابع: الوعيد هل يعتبر إكراهًا أم لا؟ والوسائل التي يحصل بها الإكراه.
    وفيه مبحثان:
    المبحث الأول: الوعيد هل يعتبر إكراهًا أم لا؟
    المبحث الثاني: الوسائل التي يحصل بها الإكراه.
    الفصل الخامس: أثر الإكراه في التصرفات.
    وفيه مبحثان:
    المبحث الأول: أثر الإكراه في التصرفات القولية.
    المبحث الثاني: أثر الإكراه في التصرفات الفعلية.
    الفصل السادس: تكليف المكره.
    الخاتمة: في أهم نتائج البحث.
    التمهيد: الأهلية وعوارضها وموقع الإكراه منها
    أولًا: تعريف الأهلية:
    الأهلية لغة: الصلاحية للشيء، فأهلية الإنسان للشيء: صلاحيته لصدور ذلك الشيء عنه, وطلبه منه([4]).
    واصطلاحًا: صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه([5])، وصلاحيته لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا([6]).
    ثانيًا: أقسام الأهلية:
    تنقسم الأهلية إلى قسمين:
    1- أهلية وجوب.
    2- أهلية أداء.
    1- تعريف أهلية الوجوب:
    هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعية له أو عليه([7]).
    مناط أهلية الوجوب:
    هو الإنسانية، وعليه فقد قرر علماء الأصول أن هذه الأهلية تثبت للإنسان بوصف كونه إنسانًا، لا فرق بين المكلف وغيره، وسواء أكان ذكرًا أم أنثى، صغيرًا أم كبيرا، مميزًا أم غير مميز، رشيدًا أم سفيهًا، صحيحًا أم مريضًا، عاقلًا أم مجنونًا، فكل بني الإنسان لهم أهلية وجوب، فلا يوجد إنسان عديم أهلية الوجوب.
    أقسام أهلية الوجوب:
    تنقسم هذه الأهلية إلى قسمين:
    (أ) أهلية وجوب ناقصة: وهي التي تثبت للجنين في بطن أمه قبل ولادته، وتثبت له بعض الحقوق التي لا تتوقف على القبول, مثل الإرث والنسب والوصية، ولا تجب عليه أية واجبات، كما لا تثبت له أهلية الأداء بنوعيها.
    (ب) أهلية وجوب كاملة: وهي التي تثبت للإنسان منذ ولادته حيًّا من بطن أمه حتى سن التمييز –أي: سبع سنين- ولا تثبت له أهلية الأداء بنوعيها.
    وعليه فيكون الصبي غير المميز صالحًا لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه.
    2- تعريف أهلية الأداء:
    هي صلاحية الإنسان لصدور الفعل عنه على وجه يعتد به شرعًا([8]).
    مناط أهلية الأداء: التمييز والعقل.
    أقسام أهلية الأداء: تنقسم أهلية الأداء إلى قسمين:
    (أ) أهلية أداء ناقصة: وهي صلاحية الشخص لصدور بعض التصرفات منه دون البعض الآخر، أو لصدور أفعال وتصرفات يتوقف نفاذها على رأي غيره.
    وتثبت هذه الأهلية للصبي المميز، وهو الذي بلغ سن السابعة حتى البلوغ، ومن في حكمه: كالمعتوه الذي لم يذهب العته بعقله، ولكنه أنقص التمييز والإدراك عنده فقط.
    وهذه الأهلية لا تكون إلا في المعاملات المالية وسائر العقود والتصرفات، أما التكليفات الشرعية من صلاة وصوم وحج وغيرها، فالصبي المميز فيها كغير المميز.
    (ب) أهلية الأداء الكاملة: وهي صلاحية الشخص لصدور التصرفات منه على وجه يعتد به شرعًا، وعدم توقفها على رأي غيره.
    وتثبت هذه الأهلية للشخص البالغ العاقل, فكل من بلغ عاقلًا كان أهلًا لخطاب التكليف بجميع أنواعه, فتصح منه جميع العبادات والعقود والتصرفات الشرعية، وتترتب عليها آثارها، كما يؤاخذ بأعماله الصادرة منه مؤاخذة كاملة.
    وعليه: فإن أهلية الأداء لا تثبت للإنسان إلا إذا كان صبيًّا مميزًا، أو بالغًا عاقلًا.
    أما أهلية الوجوب فتثبت للإنسان في جميع أدواره وهي:
    1- دور الجنين في بطن أمه.
    2- دور الصبي غير المميز منذ ولادته حيًّا إلى سن التمييز وهو سبع سنين.
    3- دور الصبي المميز من سن السابعة إلى البلوغ عاقلًا.
    4- دور البلوغ عاقلًا، ويبدأ من البلوغ عاقلًا وينتهي بالموت([9]).
    ثالثًا: عوارض الأهلية:
    العوارض لغة: جمع عارض، أي: آفة تعرض في الشيء، أو جمع عارضة, وهي الحاجات.
    والعرض: ما يعرض للإنسان من أحداث الدهر من الموت والمرض ونحو ذلك، وقيل العرض: الجنون.
    والعارض: السحاب المعترض في الأفق، ومنه قوله تعالى: }هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا{([10]). أي: ممطر لنا، وعرض عارض: أي: منع مانع([11]).
    وعند علماء الأصول: العوارض: جمع عارضة, أي: خصلة عارضة، أو آفة عارضة، من عرض له كذا: إذا ظهر له أمر يصده عن المعنى على ما كان فيه.
    ولذا سمي السحاب عارضًا: لمنعه شعاع الشمس في طريقه، ومن ذلك قوله تعالى: }فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا{([12]). أي: لما رأوا السحاب معترضا في أفق السماء متجهًا نحوهم استبشروا به, وقالوا: هذا السحاب يأتينا بالمطر([13]).
    ومنه سميت المعارضة معارضة؛ لأن كل واحد من الدليلين يقابل الآخر على وجه يمنعه من إثبات الحكم.
    وسميت هذه الأمور التي لها تأثير في تغيير الأحكام عوارض؛ لمنعها الأحكام التي تتعلق بأهلية الوجوب, أو أهلية الأداء عن الثبوت.
    لهذا عرف الأصوليون عوارض الأهلية: بأنها الأمور التي تعترض أو تطرأ على الأهلية، فتمنعها عن بقائها على حالها، بإزالة أهلية الوجوب كالموت، أو بإزالة أهلية الأداء كالنوم والإغماء، أو بتغيير بعض الأحكام مع بقاء أهلية الوجوب والأداء كالإكراه والسفه([14]).
    (ب) أقسام العوارض:
    تنقسم عوارض الأهلية إلى قسمين:
    1- العوارض السماوية: وهي التي لا كسب للإنسان فيها, ولا قدرة ولا اختيار، وقد حصرها العلماء في أحد عشر نوعًا هي: الصغر، والجنون، والعته، النسيان، النوم، الإغماء، الرق، المرض، الحيض، النفاس، الموت.
    2- العوارض المكتسبة: وهي التي يكون للإنسان فيها كسب واختيار وقدرة، وهي سبعة أنواع: الإكراه، الجهل، السكر، الهزل، السفه، السفر، الخطأ.
    وهذه العوارض منها ما يكون من المكلف على نفسه كالسكر والجهل، والهزل، والخطأ، والسفه، والسفر.
    ومنها ما يكون من غيره عليه كالإكراه.
    رابعًا: موقع الإكراه من العوارض:
    مما تقدم يتضح لنا أن الإكراه عارض من العوارض المكتسبة التي يكون للإنسان كسب فيها، وتدخل تحت قدرته وإرادته واختياره، ولكنه يقع من غيره عليه.
    وهو من العوارض التي لا تنافي أهلية الوجوب وأهلية الأداء, بل يقتصر تأثيره على تغيير بعض الأحكام فقط، كما سيتضح ذلك في هذا البحث.
    الفصل الأول: تعريف الإكراه وأركانه وشروطه
    ويشتمل هذا الفصل على مبحثين:
    المبحث الأول: تعريف الإكراه
    أولًا: تعريف الإكراه لغة:
    الإكراه لغة: عبارة عن حمل الإنسان على أمر يكرهه، وقيل: على أمر لا يريده طبعًا, أو شرعًا([15]).
    وتقول: كره الشيء كرهًا وكرهًا وكراهة وكراهية: خلاف أحبه، فهو كاره, والشيء مكروه.
    وكره الأمر والمنظر كراهية: قبح, فهو كريه.
    وأكرهه على الأمر. قهره عليه.
    وكره إليه الأمر: صيره كريهًا إليه، نقيض حببه إليه.
    واستكره الشيء: كرهه، واستكره فلانة: أكرهها على الفجور.
    والمكره: ما يكرهه الإنسان، ويشق عليه، وجمعه: مكاره.
    قال ابن منظور: ذكر الله عز وجل الكَره والكُره في غير موضع من كتابه العزيز، واختلف القراء في فتح الكاف وضمها. قال أحمد بن يحيى: ولا أعلم بين الأحرف التي ضمها هؤلاء وبين التي فتحوها فرقًا في العربية, ولا في سنة تتبع.
    ثم يقول: وقد أجمع كثير من أهل اللغة على أن الكَره والكُره: لغتان بمعنى واحد، فبأي لغة وقع فجائز، إلا الفراء، فإنه زعم أن الكُره -بالضم- ما أكرهت نفسك عليه، والكَره -بالفتح- ما أكرهك غيرك عليه، تقول: جئتك كرهًا، وأدخلتني كرهًا.
    وقال الزجاج في قوله تعالى: }وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ{([16])، يقول: كرهت الشيء كرهًا وكرهًا وكراهة وكراهية. قال: وكل ما في كتاب الله عز وجل من الكره -بالضم- فالفتح فيه جائز، إلا في هذا الحرف الذي في هذه الآية، فإن أبا عبيد ذكر أن القراء مجمعون على ضمه.
    وقال الفراء: الكره بالضم المشقة، وبالفتح: الإكراه, يقال: قمت على كره، أي: على مشقة، وأقامني فلان على كره، أي: أكرهني عليه.
    قال ابن بري: يدل على صحة قول الفراء قوله سبحانه: }وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا{([17])، ولم يقرأ أحد بضم الكاف، وقال سبحانه وتعالى: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ{([18])، ولم يقل أحد بفتح الكاف، فيصير الكره -بالفتح- فعل المضطر، والكره -بالضم- فعل المختار([19]).
    من كل ما سبق يتضح لنا أن لفظ الإكراه لغة يدور بين معني المشقة والإجبار والضغط والقبح والشدة والقهر، وبين معني الكره المنافي للمحبة والرضا.
    ثانيًا: تعريف الإكراه اصطلاحًا:
    هناك اتجاهان للعلماء في تعريف الإكراه اصطلاحًا, الأول يميل إلى المعنى اللغوي، والثاني يميل إلى المعنى العرفي والشرعي، وإليك بيان كل منهما:
    الاتجاه الأول: يعرف أصحاب هذا الاتجاه الإكراه بالمعنى اللغوي، وقد ذهب إلى ذلك بعض العلماء، كالكمال بن الهمام، وابن حجر، والخطاب، وابن حزم.
    فعرفه ابن الهمام بأنه: «حمل الغير على ما لا يرضاه»([20]).
    وعرفه ابن حجر بأنه: «إلزام الغير بما لا يريده»([21]).
    وعرفه الخطاب بأنه: «ما يفعل بالمرء مما يضره ويؤلمه»([22]).
    وعرفه ابن حزم بأنه: «كل ما سمي في اللغة إكراه, وعرف بالحس أنه إكراه»([23]).
    فكل هذه التعاريف تدور حول المعنى اللغوي فقط.
    الاتجاه الثاني: يعرف أصحاب هذا الاتجاه الإكراه بالمعنى العرفي والشرعي، وقد ذهب إلى ذلك أكثر العلماء:
    فعرفه إبراهيم النخعي بأنه: «حمل الإنسان على قول أو فعل قهرًا بغير حق، فإن كان حمله بحق فهو إجبار»([24]).
    وعرفه السرخسي بأنه: «اسم لفعل يفعله المرء بغيره، فينتفي به رضاه, أو يفسد به اختياره من غير أن تنعدم به الأهلية في حق المكره, أو يسقط عنه الخطاب»([25]).
    وعرفه ابن عابدين بأنه: «فعل يوجد من المكره فيحدث في المحل معنى, فيصير مدفوعًا إلى الفعل الذي طلب منه»([26]).
    وعرفه عبد العزيز البخاري بأنه: «حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه, ويصير الغير خائفًا به فائت الرضا بالمباشرة»([27]).
    وعرفه التفتازاني بأنه: «حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ولا يختار مباشرته لو خلي ونفسه، فيكون معدمًا للرضا لا للاختيار»([28]).
    وعرفه ابن أمير الحاج وأمير بادشاه بأنه: «حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل ولا يختار مباشرته لو ترك ونفسه»([29]).
    وعرفه ابن ملك بأنه: «حمل الإنسان على ما يكرهه ولا يريد مباشرته لولا الحمل عليه»([30]).
    وعرفه محمد بن علي التهانوي صاحب كشاف اصطلاحًات الفنون بأنه: «فعل يوقعه الإنسان بغيره, فيفوت رضاه, أو يفسد اختياره مع بقاء أهليته»([31]).
    وعرفه محمد عبد الحق صاحب شرح الحسامي المسمى بالنامي بأنه: «أن يجبر القادر غيره على أمر لا يريده, لولا الخوف منه بالوعيد على إيقاع ما يوعد به»([32]).
    وعرفه الشهاب الرملي من الشافعية بأنه: «أن يهدد المكره قادر على الإكراه بعاجل من أنواع العقاب, يؤثر العاقل لأجله الإقدام على ما أكره عليه وغلب على ظنه أن يفعل به ما هدد به إذا امتنع مما أكره عليه»([33]).
    وبالتأمل في كل هذه التعريفات نجد أنها لا تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، فهي متفقة في المعنى والمضمون، وإن اختلفت في العبارة واللفظ، كما يلاحظ أنها ركزت على أمرين:
    الأول: أركان وشروط الإكراه.
    الثاني: ما يترتب على الإكراه من آثار.
    التعريف المختار:
    والتعريف الذي يمكن اختياره وترجيحه من بين تلك التعريفات السابقة هو تعريف الإمام عبد العزيز البخاري, وهو أن الإكراه: «حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه, ويصير الغير خائفًا به فائت الرضا بالمباشرة»([34]).
    وسبب اختياري لهذا التعريف أنه يتوفر فيه أمران:
    الأمر الأول: أركان الإكراه وشروطه.
    الأمر الثاني: آثار الإكراه.
    أما أركان الإكراه فتؤخذ من قوله: «حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف», وهي كالآتي:
    1- الحامل أو المكره -بالكسر- وهو الذي يحمل المكره على الفعل أو القول, وهو مستفاد من قوله: «حمل» الذي يستلزم حاملًا.
    2- الفاعل أو المكره –بالفتح- وهو المحمول على فعل ما أكره به الحامل, وهو مستفاد من قوله: «الغير».
    3- المكره عليه، وهو الأمر الذي يجبر الحامل الفاعل على الإتيان به قهرًا، وهو مستفاد من قوله: «على أمر».
    4- المكره به، وهو وسيلة الإكراه, وما يتوصل به الحامل إلى حمل الفاعل على فعل المكره عليه من تخويف يجعله مدفوعًا إلى تنفيذ أمره، وهو مستفاد من قوله: «يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه».
    وأما شروطه فتؤخذ من قوله: «يقدر الحامل على إيقاعه, ويصير الغير خائفًا فائت الرضا بالمباشرة», وهي كالآتي:
    1- أن يكون المكره قادرًا على إيقاع ما هدد به.
    2- أن يكون المكره خائفًا على نفسه من إيقاع ما هدد به.
    3- أن يكون المكره عليه ممتنعًا منه قبل الإكراه, إما لحقه, أو لحق إنسان آخر, أو لحق الشرع.
    4- أن يكون المكره به متلفًا, أو مزمنًا, أو متلفًا عضوًا, أو موجبًا عملًا ينعدم الرضا باعتباره.
    وأما ما يترتب عليه من آثار فهي انعدام الرضا, وفساد الاختيار، على ما سيأتي توضيحه بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
    المبحث الثاني: أركان الإكراه وشروطه
    لكي يتم الإكراه على الوجه الشرعي المعتبر، لا بد له من توفر جميع أركانه وتحققها، ولا بد من توفر بعض الشروط في كل ركن من هذه الأركان, وإليك بيان ذلك:
    أولًا: أركان الإكراه:
    للإكراه أربعة أركان هي:
    1- المكره – بالكسر - وهو الذي يحمل غيره على فعل أو قول قهرًا.
    2- المكره -بالفتح- وهو الذي يحمله المكره على فعل أو قول مهددًا إياه بحيث يضطره إلى أداء ما يطلبه منه من غير رضاه مع فساد اختياره.
    3- المكره عليه: هو الأمر الذي يكره الحامل الفاعل على الإتيان به.
    4- المكره به: وهو وسيلة الإكراه, وكل ما يتوصل به الحامل إلى حمل الفاعل المكره عليه من تخويف يجعله مدفوعًا إلى تنفيذ أمره.
    ثانيًا: شروط الإكراه:
    يشترط في كل ركن من أركان الإكراه توفر بعض الشروط حتى يتحقق الإكراه وينتج أثره.
    وإليك بيان شروط كل ركن من أركان الإكراه:
    أولًا: شروط المكره:
    يشترط في المكره -بالكسرة- أن يكون قادرًا على تحقيق ما هدد به إما بولاية، أو تغلب، أو فرط هجوم على ما صرح به جمهور العلماء، فإن لم يكن قادرًا على ذلك فإكراهه لغو لا أثر له، ويكون المكره مسئولًا عن فعله.
    وقال الإمام أبو حنيفة وبعض الحنابلة([35]): لا إكراه إلا من السلطان؛ لأن القدرة لا تكون إلا بمنعة، والمنعة للحاكم وحده، ولأن غير السلطان لا يقدر على تحقيق ما هدد به؛ لأن المستكره يستغيث بالسلطان فيغيثه، وعند إغاثته، لا يتمكن المكره من إيقاع ما هدد به، أما إذا كان المكره هو السلطان، فلا يجد المستكره من يغيثه، فيكون المكره متمكنًا من إيقاع ما هدد به.
    بينما ذهب جمهور العلماء - من الشافعية، والمالكية وأكثر الحنابلة والصاحبان من الحنفية: إلى أن الإكراه كما يتحقق من السلطان يتحقق من غيره؛ لأن الإكراه ليس إلا إيعاد بإلحاق الضرر بالغير، وهذا يمكن أن يتحقق من كل متسلط كما يتحقق من السلطان.
    والواضح أن الاختلاف بين الإمام وصاحبيه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان، ففي زمن أبي حنيفة -رضي الله عنه- لم يكن لغير السلطان قدرة على الإكراه, فأفتى بحسب زمانه، ثم تغير الحال في زمن الصاحبين، فتغيرت الفتوى على حسب الحال، كما صرح به السرخسي في المبسوط([36]). قال البغدادي: الإكراه يثبت حكمه إذا حصل ممن يقدر على إيقاع ما توعد به، سلطانًا كان أو غيره([37]).
    ويتفرع عن هذا الشرط: أن أمر السلطان هل يعتبر إكراهًا - وإن لم يتوعد- أم لا؟
    ذهب الحنفية إلى أن أمر السلطان : إكراه -وإن لم يتوعد- وأمر غيره ليس بإكراه إلا أن يعلم المأمور بدلالة الحال أنه لو لم يمتثل أمره يقتله, أو يقطع يده, أو يضربه ضربًا يخاف على نفسه, أو تلف عضوه([38]).
    أما الشافعية: فقد اختلفوا في أمر السلطان، هل ينـزل منـزلة الإكراه؟ على وجهين، أو قولين:
    أحدهما: لا, وإنما الإكراه بالتهديد صريحًا، كغير السلطان.
    والثاني: نعم لعلتين:
    إحداهما: أن الغالب من حاله السطوة عند المخالفة.
    والثاني: أن طاعته واجبة في الجملة، فينتهض ذلك شبهة.
    قال الرافعي: ومقتضى ما ذكره الجمهور صريحًا ودلالة: أنه لا ينـزل منـزلة الإكراه.
    قال: ومثل السلطان في إجراء الخلاف الزعيم والمتغلب؛ لأن المدار على خوف المحذور من مخالفته([39]).
    أما المالكية والحنابلة فإنهم يسوون بين ذوي البطش والسطوة أيًّا كانوا.
    يقول السرخسي من الحنفية: إن من عادة المتجبرين الترفع عن التهديد بالقتل, ولكنهم لا يعاقبون مخالفيهم إلا به([40]).
    ثانيًا: شروط المكره-بالفتح-
    يشترط في المكره توفر الشروط الآتية حتى يتحقق الإكراه:
    أولًا: أن يغلب على ظنه وقوع ما هدد به إذا امتنع عن الإتيان بالمكره عليه، وذلك لأن معيار الإكراه وثبوته شرعًا هو حدوث الخوف في نفس المكره من وقوع المهدد به، وغلبة الظن بوقوعه، وإنما يغلب على ظنه ذلك بما يحف الواقعة من قرائن تجعله متأكدًا من أن المكره لا بد فاعل ما توعده به إذا امتنع عن طاعته، والعمل بالظن الراجح تشهد له الشريعة، وغالب الرأي حجة عند تعذر اليقين.
    فإن لم يغلب على ظنه ذلك، بل كان مجرد تهديد ووعيد لا ينتظر أن يحققه المكره، فلا يتحقق الإكراه حينئذ, وبالتالي لا يثبت حكمه شرعًا.
    ثانيًا: أن يكون عاجزًا عن دفع المكره عن نفسه بالهرب أو الاستغاثة أو المقاومة، فلو كان قادرًا على النجاة من المكره لما استطاع أن يدفعه إلى فعل ما يأمر به تحت تأثير وسائل الإكراه, فلا يتحقق الإكراه حينئذ.
    ونتيجة لهذين الشرطين يتحقق انعدام رضا المكره وفساد اختياره نتيجة لاضطراره وخوفه من وقوع ما أكره به من أنواع الإيذاء الذي قد يصل إلى حد فقد النفس أو المال.
    ولهذا عرف بعض العلماء المكره بأنه: «من لا مندوحة له عما أكره عليه إلا بالصبر على ما أكره به»([41]).
    ثالثًا: ألا يخالف المكره المكره بأن يأتي بفعل غير الذي أكره عليه, أو يزيد على الفعل المطلوب، أو ينقص منه، فإذا أتى المكره بشيء من ذلك كان طائعًا مختارًا فيما أتى به, فلا يتحقق الإكراه، إذ لا إكراه إلا حيث يأتي المكره بما قهر عليه امتثالًا لأمر المكره، وخوفا مما هدد به.
    فلو أكره إنسان آخر على طلاق امرأته فباع داره، أو على طلاق امرأته طلقة واحدة فطلقها ثلاثًا، أو على طلاقها ثلاثًا فطلقها واحدة، فهذه الصور الثلاث التي تدل على مخالفة المكره بالتغاير في الفعل، أو بالزيادة عليه، أو بالنقصان عنه لا تعتبر إكراهًا عند الشافعية.
    أما الحنفية والحنابلة: فتتحقق المخالفة عندهم بالمغايرة في الفعل, وبالزيادة عليه فقط، ولا تتحقق عندهم بالنقصان عنه، فلو أكره رجل آخر على أن يطلق جميع زوجاته فطلق واحدة منهن، لا يكون مخالفًا؛ لأن المكره إنما أقدم على ذلك رجاء التخلص من المكره بأقل ضرر، فهو مسلوب الاختيار، والإكراه قائم.
    وأما المالكية: فقالوا: لا اعتبار لمخالفة المكره، فهم لا يشترطون عدم المخالفة، ومن ثم فقد نقل عنهم أن من أكره على طلاق امرأته واحدة فطلقها ثلاثًا، أو أكره على عتق عبده فطلق زوجته، لا يقع طلاقه في الظاهر؛ لأنه كالمجنون.
    فالإكراه مع وجود المخالفة قائم، وترتبت عليه آثاره، فلو كان عدم المخالفة شرط في تحقق الإكراه لقالوا بوقوع الطلاق، لانتفاء هذا الشرط، إذ الشرط يترتب عليه انتفاء المشروط([42]).
    ثالثًا: شروط المكره عليه:
    يشترط في المكره عليه توفر الشروط الآتية:
    أولًا: أن يفعل المكره الفعل لداعي الإكراه فقط، ويكون ممتنعًا عما أكره عليه قبل الإكراه، إما لحقه كبيع ماله، أو لحق إنسان آخر كإتلاف مال الغير، أو لحق الشرع كشرب الخمر أو الزنا ونحو ذلك، فإذا ألزمناه بتصرفاته في هذه الحالة لألحقنا به الضرر، إذ أكره على التزام ما لا يريده، والشريعة الإسلامية مبنية على رفع الضرر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»([43])، ولأنه في هذه الحالة لا مخلص له عن تنفيذ الفعل المكره عليه، ولا يمكن أن يفعل إلا لداعي الإكراه، فلا يتأتى أن يفعل لداعي الشرع, أو لأي داع آخر.
    فإذا أكره على القتل مثلًا، فإنه يقدم عليه وقد عظم الخوف في نفسه من أن يوقع المكره ما هدده به، فلا يقتل إلا استجابة لأمر المكره، لا للتشفي مثلًا أو الانتقام. وكذلك لو أكره على دفع الزكاة، فإنه لا يمكنه استحضار نية الدفع قربة أو عبادة، بل لم يدفع إلا استجابة لأمر المكره.
    فهو حين يفعل الفعل يكون غير راض وفاسد الاختيار كذلك، إذ لو كان راضيًا لوقع الفعل منه على الوجه الذي يريد، كأن يكون قربة في العبادات، أو كأن يمتنع عن الإقدام على القتل؛ لأنه قتل ما حرم الله بغير حق.
    أما لو كان الإكراه حقًّا، بأن كان المكره ممتنعًا عما وجب عليه، فأجبره إنسان عليه حسبة, فلا ضرر عليه في ذلك، كإجبار القاضي المدين على بيع بعض أملاكه لإيفاء ما عليه من ديون([44]).
    ثانيًا: أن يكون المكره عليه معينًا، بأن يكون شيئًا واحدًا كأن يكره على طلاق زوجته فاطمة أو على قتل عمرو، أما إذا كان المكره عليه شيئين أو أشياء، كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه أو أكره على قتل زيدًا أو عمرًا أو خالدًا، فهذا ليس بإكراه عند الشافعية؛ لأنهم يشترطون في الإكراه أن يكون المكره عليه معينًا([45])، فلا إكراه مع التخيير فيما يكره المرء عليه، ومن شرط الإكراه: ألا يخالف المكره المكره، وانتقاء الشرط يترتب عليه انتقاء المشروط.
    ويرى الحنفية والمالكية: أن التخيير في المكره عليه لا ينافي الإكراه, فلا يشترط عندهم أن يكون المكره عليه معينًا.
    أما الحنابلة: فإنهم يوافقون الحنفية والمالكية في عدم اشتراط التعيين إذا كان المكره عليه طلاقًا، فلو أكره رجل على أن يطلق إحدى امرأتيه فطلق واحدة منهما كان مكرهًا.
    ويوافقون الشافعية في اشتراط التعيين إذا كان المكره عليه قتلًا، فلو أكره رجل على قتل زيد أو عمرو، فقتل أحدهما لا يعد مكروهًا.
    وأرى أنه لا وجه للتفرقة التي ذكرها الحنابلة؛ لأن الكلام في أن التخيير هل ينافي الإكراه أم لا؟ ولا فرق في هذا بين الطلاق الذي يحل الإقدام عليه، وبين القتل الذي لا يحل الإقدام عليه.
    وبهذا يكون الرأي الراجح لدي هو ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، لتحقيق الإكراه مع التخيير في المكره عليه؛ لأن المستكره لا مندوحة له عن فعل واحد من الأمرين أو الأمور المكره عليها، فهو إما فاعل ما أكره عليه، وإما نازل به ما هدده به المكره إذا امتنع عن الإتيان بما أكره عليه، فيكون منعدم الرضا, وفاسد الاختيار.
    ثالثًا: أن يترتب على فعل المكره عليه التخلص من المتوعد به، فلو قال لإنسان: اقتل نفسك وإلا قتلتك، فهذا لا يعد إكراهًا، لاتحاد المأمور به والمخوف به، فصار كأنه مختار له؛ لأنه لا يترتب على قتل نفسه الخلاص من القتل، فهو مقتول سواء بفعله أو بفعل المكره، وفي هذه الحالة لا يحكم عاقل أن المكره يقدم على ما أكره عليه حينئذ لاستواء المهدد به والمكره عليه، وإذا استويا فقد انعدام شرط الإكراه الخاص، وهو أن يكون المهدد به أشد خطرًا من المكره عليه، وانعدام الشرط يترتب عليه انعدام المشروط، وهذا ما ذهب إليه الجمهور.
    بينما ذهب بعض الحنابلة: إلى عدم اعتبار هذا الشرط، واعتبر قول الإنسان لآخر: اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراهًا، لكن الراجح من مذهب الحنابلة اعتبار هذا الشرط وموافقة الجمهور([46]).
    رابعًا: شروط المكره به:
    يشترط في المكره به توافر الشروط الآتية:
    الشرط الأول: أن يكون التهديد بإلحاق الضرر بالمكره عاجلًا، فلو هدد به آجلًا، كأن قال رجل لآخر: طلق زوجتك وإلا قتلتك غدًا، فلا يعد ذلك إكراهًا، وبالتالي لا يثبت حكمه في الشرع، وذلك لأن التأجيل مظنة التخلص من المهدد به، إما بالاستغاثة، أو الالتجاء إلى السلطان, أو الحاكم ونحو ذلك، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية ومقتضى مذهب الحنابلة.
    أما المالكية: فلا يشترط في الإكراه عندهم كون المخوف به يقع ناجزًا، بل الشرط عندهم في تحقق الإكراه هو حدوث الخوف المؤلم في نفس المكره حالًا، سواء أكان المتوعد به حالًا أو مستقبلًا، فلو قال له: إن لم تطلق زوجتك فعلت كذا بك بعد شهر، وحصل الخوف بذلك كان إكراهًا([47]).
    وأرى أن ما ذهب إليه الحنفية والشافعية ومقتضى مذهب الحنابلة -وهو اشتراط كون التهديد بإلحاق الضرر بالمكره عاجلًا- هو الراجح؛ لأنه أبلغ وأقوى في إحداث الخوف في نفس المكره.
    على أن الخوف من الأمور النفسية التي لا اطلاع لنا عليها، فلا بد من علامة ظاهرة على ثبوته، ولا أدل على هذا من كون الوعيد بأمر حال وشيك الوقوع.
    هذا فضلًا عن أن حكم الإكراه لا يثبت إلا إذا كان المكره عاجزًا عجزًا تامًّا عن الخلاص من المهدد به، ولا يتحقق هذا إذا كان مؤجلًا؛ لإمكانه التخلص منه حينئذ بالاستغاثة, أو اللجوء إلى السلطات الحاكمة، فلا يكون عاجزًا عن التخلص منه.
    وبهذا لا يثبت حكم الإكراه شرعًا لعدم تحققه مع تأجيل المهدد به، لعدم الضرورة التي تحمله على المسارعة بفعل المكره عليه.
    الشرط الثاني: أن يكون الأمر الذي هدد به المكره مما يستضر به ضررًا كبيرًا غير محتمل يلحقه بسببه مشقة عظيمة، كالقتل وقطع عضو والضرب الشديد والقيد والحبس الطويلين، أو متضمنًا أذى من يهمه أمره من الناس، كالتهديد بحبس الوالدين والزوجة.
    أما التهديد بإتلاف المال, فإن كان متضمنًا إتلاف المال كله، فإنه يكون إكراهًا باتفاق.
    وإن كان التهديد بإتلاف بعض المال، فقد اختلف العلماء في ذلك كما يلي:
    (أ) ذهب الحنفية: إلى أن الإكراه لا يتحقق إلا بإتلاف المال كله، أما إتلاف بعضه فلا يتحقق به الإكراه، ولو كان كثيرًا.
    (ب) وذهب الشافعية والحنابلة: إلى أن الإكراه كما يتحقق بإتلاف المال كله، يتحقق كذلك بإتلاف بعضه إذا كان كثيرًا، وحد الكثرة يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، أما إتلاف المال اليسير فلا يكون إكراهًا.
    (جـ) وأما المالكية: فقال المتقدمون منهم: إن في التخويف بأخذ المال ثلاثة أقوال:
    الأول: لمالك: وهو أنه إكراه.
    الثاني: لأصبغ: وهو أنه ليس بإكراه.
    الثالث: لابن الماجشون: وهو إن كثر فإكراه, وإلا فلا.
    وأما المتأخرون منهم: فقد اختلفوا في ذلك على رأيين:
    الأول: جعل القول الثالث تفسيرًا للقولين الأولين، وذلك كابن بشير ومن تبعه، وعلى هذا فالمذهب على قول واحد.
    الثاني: جعل الأقوال الثلاثة متقابلة إبقاء لها على ظاهرها، كابن الحاجب([48]).
    الشرط الثالث: أن يكون المهدد به أشد خطرًا على المكره مما حمله عليه، فلو كان الضرر مساويًا أو أقل، فلا يتحقق الإكراه، فلو هدد إنسان آخر بصفعه على وجهه إن لم يتلف ماله، ولم يكن من ذوي المروءات, ولا من سادة الناس ووجهائهم, فلا يعد هذا إكراهًا؛ لأن الصفع على الوجه أقل خطرًا من إتلاف المال.
    ومراعاة النسبة بين المكره عليه والمهدد به قدر متفق عليه بين الفقهاء؛ لأن ضابط تحقق الإكراه: فعل يؤثر العاقل الإقدام عليه خوفًا من المهدد به، ورفع الضرر الكبير في مقابلة الضرر اليسير. عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»([49])، الذي يدل على نفي الضرر، وأنه لا يرفع الضرر بما يساويه.
    ومن هنا فقد وضع لنا الفقهاء قاعدتين يمكن اتخاذهما أساسًا وضابطًا لأحكام الإكراه, وهما:
    1- الضرر لا يزال بالضرر.
    2- ارتكاب أخف الضررين لدفع أشدهما([50]).
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين

    القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين



    د. رمضان محمد عيد هيتمي





    الفصل الثاني: أثر الإكراه في التكليف والرضا والاختيار

    ويشتمل هذا الفصل على مبحثين:
    الأول: أثر الإكراه في أهلية الإنسان وصلاحيته للتكليف.
    الثاني: أثر الإكراه في الرضا والاختيار.
    المبحث الأول: أثر الإكراه في أهلية الإنسان وصلاحيته للتكليف
    لا يؤثر الإكراه بجميع أنواعه السابقة في أهلية الوجوب؛ لأن مناطها الإنسانية، فهي تثبت لكل إنسان بوصفه حيًّا، ومعلوم أن هذا الأهلية لا يؤثر فيها إلا الموت حيث يزيلها.
    وكذلك لا يؤثر الإكراه بجميع أنواعه في أهلية الأداء, فلا يعدم هذه الأهلية، كما لا ينفي صلاحية المكره للتكليف, ولا يوجب سقوط الخطاب عنه، وإنما ينحصر أثره فقط في تغيير بعض الأحكام المترتبة على أهلية الأداء، مع بقاء المكره مكلفًا، وذلك لأمرين:
    الأمر الأول: وجود العقل والتمييز اللذين هما مناط أهلية الأداء، وعليهما مدار الخطاب.
    الأمر الثاني: أن المكره مبتلى في حالة الإكراه, كما أنه مبتلى في حالة الاختيار، والابتلاء يتحقق بالخطاب.
    يدل على ذلك أن فعل المكره ينقسم إلى أربعة أقسام:
    القسم الأول: فرض، كما إذا أكره على أكل الميتة أو شرب الخمر بالقتل، فإنه حينئذ يفرض عليه أكل الميتة أو شرب الخمر، ولو صبر حتى قتل كان آثمًا؛ لأن الأكل والشرب كان مباحًا له؛ لقوله تعالى: }إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ{([51]), فثبتت الإباحة بالاستثناء، ومن أكره على مباح يفرض عليه فعله، فإن امتنع عنه ألقى بنفسه إلى التهلكة من غير فائدة, إذ ليس فيه قضاء حق الشرع.
    القسم الثاني: حرام، كالإكراه على الزنا، وقتل مسلم بغير حق، فإنه يحرم عليه فعلهما عند الإكراه الملجئ، ويؤجر على ترك فعلهما.
    القسم الثالث: إباحة([52])، كالإكراه على الإفطار في رمضان، فإنه إذا أكره عليه يباح له الفطر.
    القسم الرابع: رخصة([53])، كالإكراه على إجراء كلمة الكفر على اللسان، حيث يرخص له في ذلك مع اطمئنان القلب بالإيمان إذا كان الإكراه ملجئًا.
    وتردد المكره بين هذه الأقسام علامة لثبوت الخطاب في حقه؛ لأن هذه الأشياء، لا تثبت بدون الخطاب. ويأثم المكره مرة بالإقدام كما في الإكراه على الزنا وقتل النفس، ويؤجر أخرى كما في الإكراه على أكل الميتة، فإن الإقدام لما صار فرضًا يستحق به الأجر كما في سائر الفروض، أو يأثم بالامتناع مرة كما في الإكراه على الفطر للمسافر, والإكراه على أكل الميتة وشرب الخمر, فإن الصبر عنهما إلى أن يقتل حرام. ويؤجر كما في الإكراه على الكفر, فإن الصبر عنه عزيمة, والإثم والأجر متعلقان بالخطاب([54]).
    المبحث الثاني: أثر الإكراه في الرضا والاختيار
    الاختيار: هو ترجيح فعل الشيء على تركه أو العكس.
    والرضا: هو الرغبة في الشيء والارتياح له, فهو نهاية الاختيار.
    وجميع الأعمال الصادرة من الإنسان لا بد لها من اختيار، إذ الإنسان لا يقدم على عمل إلا إذا ترجح عنده جانب الفعل على جانب تركه.
    إلا أن الاختيار تارة يكون اختيارًا صحيحًا إذا كان منبعثًا عن رغبة في العمل، وتارة يكون اختيارًا فاسدًا إذا كان ارتكابًا لأخف الضررين, وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلاهما شر، ففعل أقلهما ضررًا به, فإن اختياره لما فعله لا يكون اختيارًا صحيحًا, بل اختيارًا فاسدًا.
    أما وجود العمل من الإنسان فلا يستلزم رضاه به، أي: رغبته فيه وارتياحه إليه، كما شهد بذلك الواقع، فقد يقوم الإنسان ببعض الأعمال وهو ليس راغبًا فيها, ولا مرتاحًا لها.
    وعليه فإنه يمكن القول بأن الإكراه يعدم الرضا والاختيار اللذين هما شرط التكليف عند جمهور العلماء.
    أما عند الحنفية: فيختلف تأثير الإكراه في الرضا والاختيار تبعًا لاختلاف نوع الإكراه.
    فإن كان الإكراه ملجئًا -الإكراه الكامل- فإنه يعدم الرضا ويفسد الاختيار.
    وإن كان الإكراه غير ملجئ -الإكراه الناقص- فإنه يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار.
    وإن كان الإكراه بالاغتمام والهم والحزن -الإكراه الأدبي- فإنه لا يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار([55])، وهذا ما سنبينه في الفصل التالي إن شاء الله تعالى.
    الفصل الثالث: أنواع الإكراه
    اختلف العلماء في أنواع الإكراه، فكان لكل منهم تقسيم مستقل حسب وجهة نظره.
    وإليك بيان أنواع الإكراه في كل مذهب، مع الإشارة إلى أوجه الاتفاق والاختلاف بينهم:
    أولًا: أنواع الإكراه عند الحنفية:
    قسم الحنفية الإكراه باعتبار المكره به إلى ثلاثة أنواع:
    النوع الأول: الإكراه الملجئ، ويسمى بالإكراه الكامل أو التام.
    وهو الذي يعدم الرضا ويفسد الاختيار, ويوجب الإلجاء بأن يضطر الفاعل إلى مباشرة المكره عليه، كتهديد المكره بما يخاف على نفسه، أو عضو من أعضائه ولو أنملة؛ لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس تبعًا لها.
    ويعتبر في هذا النوع غلبة الظن، أما إذا لم يغلب على ظنه تفويت أحدهما لا يكون إكراهًا, بل مجرد تهديد وتخويف.
    النوع الثاني: الإكراه غير الملجئ, ويسمى بالإكراه الناقص أو القاصر، وهو الذي يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار ولا يوجب الإلجاء، بل يحمل المكره على المكره عليه، كتهديد المكره بالقيد والحبس مدة مديدة([56])، أو بالضرب الذي لا يخاف به على نفسه التلف.
    وهذا النوع يعدم الرضا خاصة، ولا يفسد الاختيار لعدم الاضطرار إلى مباشرة ما أكره عليه، لتمكن المكره من الصبر على ما هدد به.
    النوع الثالث: الإكراه بالاغتمام أو الهم والحزن، وهو الذي لا يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار، كتهديد المكره بحبس ابنه أو أبيه أو أمه أو زوجته، وكل رحم محرم منه كأخته أو أخيه؛ لأن القرابة المتأبدة بالمحرمية بمنـزلة الأولاد.
    وهذا النوع لا يعدم الرضا ولا يفسد به الاختيار ضرورة؛ لأن الرضا مستلزم لصحة الاختيار، فكلاهما باق.
    ويسمى هذا النوع في الوقت الحاضر ولدى علماء القانون: «بالإكراه الأدبي»؛ لأنه لا أذى ينال الجسم، ولكنه أذى ينال النفس، وإن كان ماديًّا بالنسبة لهؤلاء الأقارب إلا أنه أدبي بالنسبة للمكره.
    وقد اختلف الحنفية وغيرهم في اعتبار هذا القسم إكراهًا من عدمه:
    أما الحنفية: فذهب أكثرهم إلى أنه يعتبر إكراهًا شرعيًّا استحسانًا لا قياسًا، فإذا قال رجل لآخر: لنحبسن أباك أو ابنك في السجن, أو لتبيعين عبدك هذا، ففعل، فالقياس أن البيع جائز؛ لأن هذا ليس بإكراه، فإنه لم يهدد بشيء في نفسه، وحبس أبيه لا يلحق به ضررًا، فالتهديد به لا يمنع صحة بيعه وإقراره وهبته، وكذلك في حق كل ذي رحم محرم.
    والاستحسان أن ذلك إكراه، ولا ينفذ شيء من هذه التصرفات؛ لأن حبس أبيه يلحق به الحزن والهم ما يلحق به حبس نفسه أو أكثر، فإن الولد إذا كان بارًّا يسعى إلى تخليص أبيه من السجن، وإن كان يعلم أنه يحبس وربما يدخل السجن مختارًا ويحبس مكان أبيه ليخرج أبوه. فكما أن التهديد بالحبس في حقه يعدم تمام الرضا، فكذلك التهديد بحبس أبيه.
    وذهب البعض الآخر إلى أن الإكراه بحبس الوالدين أو الأولاد وكل ذي رحم لا يكون إكراهًا، لأنه ليس بملجئ ولا يعدم الرضا.
    والرأي الأول هو المعمول به والراجح، وهو رأي أيضًا في مذهب الشافعية([57]).
    أما المالكية: فقالوا: إن الإكراه يتحقق بالخوف من قتل الولد وإن سفل ولو عاقًّا، وكذا بعقوبته إن كان بارًّا، أما الخوف من قتل أجنبي فإنه لا يعد إكراهًا، فإذا قال له ظالم: إن لم تطلق زوجتك وإلا قتلت فلانًا صاحبك أو أخاك أو عمك، فطلق، فإنه يقع عليه الطلاق؛ لأن التخويف بقتل الأجنبي وهو غير الولد لا يعد إكراهًا شرعًا.
    أما التخويف بقتل الأب فقيل: إكراه قياسًا على التخويف بقتل الولد، وهو الظاهر، وقيل: لا يكون إكراها قياسًا على التخويف بقتل الأخ أو العم([58]).
    أما الشافعية فقالوا: إن الإكراه على الطلاق يكون بالتخويف بقتل الوالد وإن علا، والولد وإن سفل على الصحيح, لا سائر المحارم.
    وإن كان الإكراه على القتل، فالتخويف بالحبس، وقتل الوالد ليس بإكراه([59]).
    أما الحنابلة فقالوا:إن توعد بتعذيب ولده فقد قيل: ليس بإكراه؛ لأن الضرر لاحق بغيره.
    والأولى: أن يكون إكراهًا؛ لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله والوعيد بذلك إكراه, فكذلك هذا([60]).
    فإن قيل: ألهذا النوع من الإكراه –أي: الإكراه الأدبي الذي ذكره العلماء - مكان في الشريعة الإسلامية؟
    فالجواب: أن الشريعة لم تهمل الإكراه الأدبي, فالتهديد بحبس الأب, أو حبس الأم, أو حبس الأخ والأخت ليس أذى ينال جسمه، ولكنه أذى ينال نفسه وإحساسه, فهو إن كان ماديًّا بالنسبة لهؤلاء الأقارب، فهو أذى أدبي بالنسبة للمكره، وعلى ذلك نقول: إن القياس كان يوجب ألا يكون إلا الإكراه المادي، ولكن الاستحسان الذي وضحه السرخسي وغيره بوجوب أن يكون الإكراه الأدبي له أثره، وفي الجملة فإن بعض الفقهاء يعتبر كل أذى يصيب النفس ويحمل الشخص على تولي ما لا يريد، يكون من قبيل الإكراه، إذا كان ثمة تهديد به، ولقد لاحظ الحنابلة هذا، فقد جاء في المغني ما نصه: «فأما الضرب اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إحراجًا لصاحبه وغضًّا وتشهيرًا في حقه فهو كالضرب الكبير في حق غيره»([61]).
    ولكنا نرى أن الإكراه الملجئ وغير الملجئ قد يكون ماديًّا، كالضرب المبرح والإيذاء بأنواعه المختلفة، كما قد يكون أدبيًّا، كالتهديد بإلحاق الأذى دون إيقاعه بالفعل أو إحداث لأثر نفسي؛ لأنه يوقع في النفس رهبة أو ألمًا, ولهذا فإن الإكراه الأدبي وصف يندرج تحت نوعي الإكراه الرئيسيين، ولذا فقد اعتبره بعض الفقهاء إكراهًا مؤثرًا في بعض الحالات، فألحقه بأحد القسمين السابقين, ولم يعتبره البعض الآخر إكراهًا مؤثرًا مطلقًا.
    ثانيًا: أنواع الإكراه عند المالكية:
    قسم المالكية الإكراه إلى نوعين:
    النوع الأول: الإكراه الشرعي.
    وهو الإكراه على الفعل الذي تعلق به حق لمخلوق طوع، كما لو حلف بالطلاق لا ينفق على زوجته، أو لا يطيع أبويه، أو لا يقضي لفلان دينه الذي عليه، فأكرهه القاضي على الإنفاق عليها، أو على طاعة أبويه، أو على قضاء الدين.
    وحكم هذا النوع: أنه طوع يقع به الطلاق جزمًا، وهو مذهب المدونة الذي به الفتوى، خلافًا للمغيرة ومن معه.
    وكذا لو حلف بالطلاق ألا تخرج زوجته من المنـزل، فأخرجها القاضي لتحلف اليمين عند المنبر، أو حلف في نصف عبد يملكه لا يبيعه، فأعتق شريكه نصفه، فقوم عليه نصيب الحالف وكمل به عتق الشريك، أو حلف لا يشتري نصيب شريكه، فأعتق الحالف نصيبه، فقوم عليه نصيب شريكه لتكميل عتقه، لزمه الطلاق في الصور الثلاث على المذهب، خلافًا للمغيرة حيث قال بعدم لزوم الطلاق، وقد اختار المصنف رحمه الله مذهب المغيرة([62]).
    النوع الثاني: الإكراه غير الشرعي.
    وهو الإكراه على فعل لا يتعلق به حق لمخلوق، كما إذا أكره على إيقاع الطلاق، بأن حلف لا يدخل دارًا، فأكره على دخولها، أو حمل وأدخلها مكرهًا.
    وحكم هذا النوع: أنه لا يلزمه الطلاق على المعتمد في المذهب إذا تحققت الشروط الخمسة الآتية:
    1- أن تكون الصيغة صيغة بر، كما في المثال السابق، أما إذا كانت صيغة حنث؛ نحو: إن لم أدخل الدار فهي طالق، فأكره على عدم الدخول فإنه يحنث؛ لأن صيغة الحنث لا ينفع فيها الإكراه، لانعقادها على الحنث.
    2- أن لا يأمر الحالف غيره أن يكرهه.
    3- أن لا يعلم الحالف حين الحلف أن سيكره بعده.
    4- أن لا يقول في يمينه: لا أدخلها طوعًا أو كرهًا.
    5- أن لا يفعل المحلوف عليه بعد زوال الإكراه حيث كانت يمينه غير مقيدة بأجل، أما لو كانت مقيدة وفرغ الأجل، وفعل المحلوف عليه بعده طائعًا، فلا حنث.
    وخالف ابن حبيب وقال بلزوم الطلاق([63]).
    ثالثًا: أنواع الإكراه عند الشافعية:
    يقسم الشافعية الإكراه باعتبار المكره به إلى نوعين:
    النوع الأول: الإكراه الملجئ.
    وهو الذي ينتهي إلى حد الإلجاء، بأن لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار، فيكون الفعل الصادر من المكره اضطراريًّا لا مندوحة له عنه بحال، وذلك نحو إلقاء شخص من شاهق على شخص آخر ليقتله، فالشخص الملقى لا قدرة له على الوقوع لا فعلًا ولا تركًا، حيث إن حركة هبوطه بعد إلقائه اضطرارية.
    وحكم هذا النوع: أنه يزيل الرضا والقدرة والاختيار، فيمنع من التكليف بالفعل الملجأ إليه، وبنقيضه، لعدم قدرته على ذلك؛ لأن الملجأ إليه واجب الوقوع ونقضيه ممتنع الوقوع، ولا قدرة له على واحد من الواجب والممتنع، فيمتنع تكليفه بالهبوط القاتل للغير، وبالكف عنه في المثال السابق.
    فالمكره هنا مسلوب القدرة والاختيار، فهو آلة محضة كالسكين في يد القاطع، فلا ينسب إليه فعل, وحركته كحركة المرتعش.
    وهذا هو ما ذهب إليه جمهور الشافعية, وهو الصواب.
    وذهب البعض الآخر إلى جواز التكليف للمكره الملجأ بالفعل الملجأ إليه وبنقيضه, بناء على جواز التكليف بما لا يطاق.
    ولضعف هذا الرأي قال ابن التلمساني: وهذا القسم لا خلاف فيه([64]).
    النوع الثاني: الإكراه غير الملجئ.
    وهو الذي لا ينتهي إلى حد الإلجاء، وذلك بإسقاط الرضا دون القدرة والاختيار، بأن يكون للمكره مندوحة عن الفعل بالصبر على ما أكره به، كالتهديد بالقتل أو الضرب، حيث إن المكره في هذه الحالة غير مسلوب القدرة والاختيار، إذ يمكنه أن لا يفعل المكره عليه بالصبر على المكره به، وحركة القتل الصادرة عنه -لو نفذ مراد المكره- حركة اختيارية مقدورة له إن شاء الله فعلها، وإن شاء تركها.
    وحكم هذا النوع: أنه يزيل الرضا فقط دون القدرة والاختيار، وعليه فإنه لا يمنع التكليف عند أهل السنة مطلقًا، أي: لا بالفعل المكره عليه ولا بنقيضه، وسواء أكان المكره عليه طاعة أم معصية.
    فيجوز تكليف من أكره على الزكاة والإسلام بالزكاة والإسلام، ويثاب عليهما ثواب الواجب إذا فعلهما امتثالًا للتكليف لا للإكراه.
    ويجوز تكليف من أكره على قتل شخص عدوانًا، بالكف عن القتل وبالصبر على الإيذاء. يثاب حينئذ على كل من: الصبر على الإيذاء، والكف عن المحرم، وذلك لأن الفاعل يفهم, وفعله في حيز الإمكان إذ يقدر على تحقيقه وتركه.
    وهذا هو رأي أهل السنة، ومفهوم كلام البيضاوي، وهو المختار، وإليه ذهب القاضي وإمام الحرمين وأبو إسحاق الشيرازي والغزالي وغيرهم([65]).
    وذهبت المعتزلة إلى أنه يمتنع التكليف بالفعل المكره عليه، ويجوز بنقيضه، حيث إنهم يشترطون في المأمور به أن يكون بحال يثاب على فعله.
    أما إذا أكره على عين المأمور به، فالإثبات به لداعي الإكراه لا لداعي الشرع، فلا يثاب عليه، فلا يصح التكليف بخلاف ما إذا أتى بنقيض المكره عليه، فإنه أبلغ في إجابة داعي الشرع.
    وأيد الإسنوي ذلك بقوله وقال الغزالي: «إن الآتي بالفعل مع الإكراه، كمن أكره على أداء الزكاة مثلًا إذا أتى بد لداعي الشرع فهو صحيح، أو لداعي الإكراه فلا»([66]).
    وقد نسب صاحب جمع الجوامع وشارحه إلى المعتزلة القول بمنع التكليف بالمكره عليه وبنقيضه حيث يقول: «ويمتنع التكليف بالمكره عليه أو بنقيضه على الصحيح لعدم قدرته على امتثال ذلك، فإن الفعل للإكراه لا يحصل به الامتثال، ولا يمكن الإتيان معه بنقيضه»([67]).
    تقسيم الإكراه غير الملجئ:
    ثم يقسم الشافعية الإكراه غير الملجئ باعتبار المكره عليه إلى قسمين:
    القسم الأول: الإكراه بحق.
    وهو الإكراه على أمر واجب شرعًا؛ كإكراه القاضي المدين على بيع ماله وفاء لدينه، وإكراه المولى على طلاق زوجته بعد مضي مدة الإيلاء، فباع وطلق، صح البيع والطلاق؛ لأنه قول حمل عليه بحق فصح قياسًا على الحربي والمرتد إذا أكرها على الإسلام.
    وحكم هذا النوع: أنه لا يؤثر في الأقوال والأفعال، فلا يؤثر في الاختيار بحكم الشرع؛ لأنه كان يجب على المكره شرعًا أن يختار بيع المال وطلاق زوجته؛ لأنه واجب عليه، فالإكراه على أداء الواجبات لا يفسد الاختيار، فلا تبطل التصرفات التي أكره عليها، فهنا يحكم الشرع بعدم فساد الاختيار؛ لأن ما أكره عليه المدين والمولى كان واجبًا عليه، فكان الطلاق والبيع باختياره؛ لأنه يجب عليه أن يختار أداء الواجب، فإذا لم يختر أجبره الشارع عليه، وجعل هذا الإجبار غير مفسد للاختيار.
    وهكذا كل حق واجب امتنع عنه من عليه الحق، فإنه يجبر على أدائه, وقد جرى الفقهاء على استعمال لفظ «الإجبار» بدل «الإكراه» في كل ما كان على أمر واجب شرعًا.
    القسم الثاني: الإكراه بغير حق.
    وهو الإكراه على أمر منهي عنه شرعًا، كالإكراه على القتل والزنا وشرب الخمر والكفر وغيره.
    وهو نوعان:
    أولهما: إكراه على فعل أباح الشرع الإقدام عليه عند الإكراه، كالإكراه على النطق بكلمة الكفر، أو أكل الميتة، أو شرب الخمر.
    والإكراه هنا عذر شرعي مبيح للفعل والقول المنهي عنه، فهو جار مجرى الرخص, وله حكم الضرورات.
    والإباحة هنا بمعنى رفع المؤاخذة والإثم فقط، لا بمعناها الأصلي, وهو استواء الفعل والترك، فيكون المكره غير مكلف، فلا تترتب على أفعاله وأقواله أية آثار أو أحكام.
    ثانيهما: إكراه على فعل لم يبح الشارع الإقدام عليه عند الإكراه، كالإكراه على القتل والزنا، فإنه لا يباح للمكره القتل أو الزنا بالإكراه، فيكون المكره هنا مكلفًا بالكف عن الفعل مع الإكراه، لما في الكف عنه من مصالح ترجح في نظر الشارع على مصلحة دفع الأذى عن نفسه([68]).
    وتقسيم الشافعية للإكراه باعتبار المكره عليه إلى إكراه بحق، وإكراه بغير حق، هو الذي سار عليه الحنابلة أيضًا([69]).
    رابعًا: أنواع الإكراه عند الظاهرية.
    قسم الظاهرية الإكراه إلى قسمين:
    القسم الأول: إكراه على الكلام.
    وحكم هذا النوع: أنه لا يجب به شيء وإن قاله المكره، كالكفر، والقذف، والإقرار، والنكاح، والرجعة، والطلاق، والبيع، والنذر، والأيمان، والعتق، والهبة، وغير ذلك.
    واستدلوا على ذلك بدليلين:
    1- أن المكره على القول إنما هو حاك للفظ الذي أمر أن يقوله، ولا شيء على الحاكي بلا خلاف، ومن فرق بين الأمرين فقد تناقض قوله.
    2- بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات, ولكل امرئ ما نوى"([70])، فصح أن كل من أكره على قول ولم ينوه مختارًا له, فإنه لا يلزمه.
    القسم الثاني: الإكراه على الفعل.
    وهو ينقسم إلى قسمين:
    إحداهما: كل ما تبيحه الضرورة، كالأكل والشرب، فهذا يبيحه الإكراه؛ لأن الإكراه ضرورة, فمن أكره على شيء من هذا فلا شيء عليه؛ لأنه أتى مباحًا له إتيانه.
    ثانيهما: ما لا تبيحه الضرورة، كالقتل، والجراح، والضرب، وإفساد المال، فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء من ذلك لزمه القود والضمان؛ لأنه أتى محرمًا عليه إتيانه([71]).
    يتبع





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين

    القول المبين في الإكراه وأثره في التصرفات عند الأصوليين



    د. رمضان محمد عيد هيتمي


    الفصل الرابع: الوعيد هل يعتبر إكراهًا أم لا؟ والوسائل التي يحصل بها الإكراه

    ويشتمل هذا الفصل على مبحثين:




    المبحث الأول: الوعيد هل يعتبر إكراه أم لا؟
    اتفق العلماء على أن الوعيد إن اقترن بنوع من العذاب؛ كالضرب والخنق والحبس والغط في الماء -كان إكراهًا.
    واستدلوا على ذلك بما روي أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر -رضي الله عنه- وأكرهوه على الكفر، فنطق به مع اطمئنان قلبه بالإيمان, فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل يمسح الدموع عن عينه ويقول: "أخذك المشركون، فغطوك في الماء حتى قلت لهم كذا، فإن عادوا فعد"([72]).
    وبما جاء في الأثر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: «ليس الرجل أمينًا على نفسه إذا أوجعته, أو ضربته, أو أوثقته»([73]).
    ولكنهم اختلفوا في الوعيد المجرد:
    1- فذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد إلى أن الوعيد المجرد يعد إكراهًا([74]).
    2- وذهب أبو إسحاق الشيرازي والإمام أحمد بن حنبل في الرواية الثانية إلى وجوب اقتراب الوعيد بنوع من العذاب حتى يعد إكراهًا([75]).
    استدل الإمام أحمد وأبو إسحاق الشيرازي على ما ذهبا إليه بقولهما: إن الشرع إنما أجاز للمكره استعمال الرخصة إذا اقترن توعده بنوع من العذاب، وثبوت الرخصة له في هذه الحالة دليل على اعتبار الإكراه إذا جاء بهذه الصفة.
    وأيدا قولهما هذا بما ثبت في حديث عمار بن ياسر المتقدم، وبما جاء في الأثر عن عمر رضي الله عنه أيضًا.
    بينما استدل الحنفية والمالكية والشافعية والإمام أحمد في الرواية الأولى له بقولهم: إن الشرع أباح للمكره فعل ما أكره عليه ليدفع عن نفسه العقوبة أو العذاب, أو ما توعده به المكره، وهذا لا يتأتى إلا إذا أبيح له أن يفعل ما أكره عليه قبل أن يصاب بأي نوع من أنواع العذاب.
    وأيضًا: فإنه متى توعده بالقتل وعلم أنه سيقتله إذا لم يبح له فعل المكره عليه بمجرد الوعيد، أفضى ذلك إلى قتله وإلقائه بنفسه إلى التهلكة، كما لو أكرهه على الطلاق، وعلم المكره أن المكره قاتله إن لم يمتثل أمره، فإذا لم يبح له التلفظ بالطلاق بمجرد الوعيد أفضى ذلك إلى قتله، وتنتفي بذلك فائدة ثبوت الرخصة للمكره ليدفع عن نفسه الضرر.
    وثبوت الرخصة في حق المكره الذي نيل بشيء من العذاب لا ينافي ثبوتها في حق غيره ممن توعده المكره ولم يمسه بعذاب؛ لما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قضى برد امرأة طلقها زوجها وهو مكره بالوعيد فقط، فقد تدلى رجل ليشتار عسلًا فوقفت امرأته على الحبل, وقالت: طلقني ثلاثًا وإلا قطعته، فذكرها الله والإسلام، فقالت: لتفعلن أو لأفعلن، فطلقها ثلاثًا، فرده إليها، ولم يعتبره عمر رضي الله عنه طلاقًا([76]).
    فدل ذلك على ثبوت الرخصة في حق المكره بالوعيد فقط كما ثبت في حق غيره الذي نيل بشيء من العذاب.
    فإن قيل: إن المكره لا يقطع بتحقيق الوعيد إلا إذا باشر المكره بتنفيذ نوع من العذاب يضطره به إلى عمل ما أكرهه عليه، وهذا أبلغ في تحقيق الاضطرار من مجرد الوعيد.
    فالجواب: أنه يكفي لثبوت الرخصة أن يغلب على ظن المكره أن ما توعده به المكره واقع ونازل به إن لم يجبه إلى طلبه، وهو شرط من الشروط التي يجب تحققها في المكره لتحقق الإكراه كما تقدم([77]).
    ولهذا نرى أن ما ذهب إليه الجمهور -وهو تحقق الإكراه بمجرد الوعيد فقط- هو الراجح. والله أعلم.
    المبحث الثاني: الوسائل التي يحصل بها الإكراه
    إذا نظرنا إلى الوسائل والأساليب التي يحصل بها الإكراه، نجد أنها كثيرة ومتنوعة، وبالتالي فلا يمكن حصرها، لكونها قابلة للابتكار والتجديد، وقد يظهر في عصر ما من العصور منها ما لم يكن موجودًا من قبل.
    وإليك بيان أهم هذه الوسائل في كل مذهب على حدة، لاستنباط الضابط الجامع بينها لما يصلح أن يكون التهديد به إكراهًا.
    أولًا: في المذهب الحنفي:
    يتحقق الإكراه عند الحنفية بأمور ثلاثة:
    الأمر الأول: بما يحصل به بالضرورة والخوف والإلجاء إلى الفعل؛ كالتهديد بالقتل أو إتلاف عضو ولو أنملة؛ لأن حرمته كحرمة النفس، وكذلك الضرب المبرح الذي يؤدي إلى تلف النفس, أو عضو من الأعضاء.
    وهذا ما يسمى عندهم بالإكراه التام أو الملجئ، وهو الذي يعدم الرضا ويفسد الاختيار.
    الأمر الثاني: ما لا يحصل به ,الاضطرار ولكن يحصل به الاغتمام البين؛ كالحبس المديد, والقيد الطويل والضرب الذي لا يخشى منه التلف.
    وهذا ما يسمى عندهم بالإكراه الناقص, أو غير الملجئ، وهو الذي يعدم الرضا, ولا يفسد الاختيار.
    أما الضرب الهين وحبس يوم أو قيد يوم، فلا يعتبر إكراه إلا في حق صاحب الجاه والمروءة دون أراذل الناس، وذلك لمكانة صاحب الجاه، فيلحقه الاغتمام لأدنى حرج يصيبه مما يمس جاهه ومروءته.
    الأمر الثالث: ما لا يحصل به الاضطرار ولا الاغتمام البين، ولكن يحصل به الهم والحزن؛ كالتهديد بحبس الوالدين, أو الابن أو الزوجة, أو كل ذي رحم محرم.
    وهذا لا يعدم الرضا ولا يفسد الاختيار.
    والقياس: أنه ليس بإكراه؛ لأنه لا يلحق المكره ضرر بذلك, بل الضرر لاحق بغيره.
    والاستحسان: أنه إكراه حيث يلحقه بحبسهم من الحزن والهم ما يلحق بحبس نفسه أو أكثر([78]).
    ثانيًا: المكره به عند الشافعية:
    اختلف الشافعية فيما يتحقق به الإكراه، يقول السيوطي: يقول الرافعي: الذي مال إليه المعتبرون أن الإكراه على القتل لا يحصل إلا بالتخويف بالقتل، أو ما يخاف منه القتل, وأما غيره ففيه سبعة أوجه:
    الأول: لا يحصل إلا بالقتل.
    الثاني: القتل، أو القطع، أو ضرب يخاف منه الهلاك.
    الثالث: ما يسلب الاختيار ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى الشوك والنار ولا يبالي، فيخرج الحبس، والتخويف بالإيلام الشديد, فإنه ليس بإكراه.
    الرابع: اشتراط عقوبة بدنية يتعلق بها قود، فيخرج عنه ما لا يتعلق ببدنه، كأخذ المال وقتل الوالد والولد والزوجة والضرب الخفيف، والحبس المؤبد، إلا أن يخوفه بحبس في قعر بئر يغلب منه الموت.
    الخامس: اشتراط عقوبة شديدة تتعلق ببدنه؛ كالحبس الطويل, والقتل والقطع، والضرب الشديد، ويخرج منه ما خرج عن الوجه الرابع، ويخرج أيضًا التخويف بالاستخفاف بإلقاء العمامة والصفع، وما يخل بالجاه. أما التخويف بالنفي عن البلد، فإن كان فيه تفريق بينه وبين أهله، فكالحبس الدائم، وإلا فوجهان، أصحهما: إكراه؛ لأن مفارقة الوطن شديدة، ولهذا جعلت عقوبة للزاني.
    السادس: أن يحصل بما ذكر، وبأخذ المال، أو إتلافه، والاستخفاف بالأماثل وإهانتهم، كالصفع بالملأ، وتسويد الوجه، وهذا اختيار جمهور العراقيين، وصححه الرافعي.
    السابع: وهو اختيار النووي في الروضة: إنه يحصل بكل ما يؤثر العاقل الإقدام عليه، حذرًا مما هدد به، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأفعال المطلوبة والأمور المخوف بها، فقد يكون الشيء إكراهًا في شيء دون غيره، وفي حق شخص دون آخر.
    فالإكراه على الطلاق يكون بالتخويف بالقتل، والقطع، والحبس الطويل، والضرب الكثير، والمتوسط لمن لا يحتمله بدنه ولم يعتده، وبتخويف ذي المروءة كالصفع في الملأ، وتسويد الوجه، ونحوه، وكذا بقتل الوالد وإن علا، والولد وإن سفل على الصحيح، لا سائر المحارم، وإتلاف المال على الأصح.
    وإن كان الإكراه على القتل، فالتخويف بالحبس، وقتل الولد ليس إكراهًا.
    وإن كان على إتلاف المال أو أكثره كالإكراه على بيع أو شراء أو إتلاف مال الأجنبي, فالتخويف بجميع ذلك إكراه.
    قال النووي: وهذا الوجه أصح، لكن في بعض تفصيله المذكور نظر, والتهديد بالنفي عن البلد إكراه على الأصح؛ لأن مفارقة الوطن شديدة، ولهذا جعلت عقوبة للزاني.
    وكذا تهديد المرأة بالزنا، والرجل باللواط([79]).
    ثالثًا: في المذهب المالكي:
    يتحقق الإكراه عند المالكية بما يحصل به الخوف المؤلم: كالتهديد بالقتل, أو الضرب المؤلم قليلًا كان أو كثيرًا، أو السجن أو القيد الطويلين.
    أما السجن أو القيد القليلين فإنهما لا يعدان إكراه إلا إذا كان المكره من ذوي القدر، بخلاف ما إذا كان من رعاع الناس, فلا يعد ذلك إكراهًا.
    وأما الصفع على القفا، فإن كان كثيرًا فهو إكراه مطلقًا، سواء كان في الملأ أو في الخلاء لذي مروءة وغيره.
    وأما الصفع القليل فليس بإكراه مطلقًا إن كان في الخلاء، وإن كان في الملأ فهو إكراه لذي المروءة لا لغيره.
    والتهديد بقتل الولد يعتبر إكراهًا، وكذا التهديد بعقوبته إن كان بارًّا، والولد يشمل الذكر والأنثى وإن نـزل.
    وكذلك التهديد بقتل الوالد من أب أو أم فقط، أما غيرهما كالأخ والعم والخال، فإن التهديد بقتلهم لا يعتبر إكراهًا.
    وأما التهديد بإتلاف المال, ففيه ثلاثة أقوال:
    قيل: إكراه، وقيل: ليس بإكراه، وقيل: إن كثر فإكراه وإلا فلا.
    الأول لمالك، والثاني لأصبغ، والثالث لابن الماجشون.
    أما المتأخرون فمنهم من جعل الثالث تفسيرًا للأولين, وذلك كابن بشير ومن معه, وعليه فالمذهب على قول واحد، ومنهم كابن الحاجب من جعل الأقوال الثلاثة متقابلة إبقاء لها على ظاهرها([80]).
    رابعا: في المذهب الحنبلي:
    يتحقق الإكراه عند الحنابلة بما يستضر به ضررًا كثيرًا، كالقتل والضرب الشديد، والحبس والقيد الطويلين، وأخذ المال الكثير.
    وأما الضرب اليسير، فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه, وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقًا بصاحبه وغضًّا له، وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
    وأما السب والشتم وأخذ المال اليسير، فليس بإكراه.
    وأما التهديد بضرب الولد وحبسه ونحوهما، فهو إكراه على الصحيح من المذهب؛ لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، وقيل: ليس بإكراه؛ لأن الضرر لاحق بغيره.
    وكذلك ضرب الوالد ونحوه وحبسه، كضرب الولد.
    وكذلك كل من يشق عليه تعذيبه مشقة عظيمة من والد الزوجة وصديق([81]).
    وبالنظر في هذه الوسائل التي وضعها العلماء لتحقق الإكراه نلاحظ ما يأتي:
    أولًا: لم تتفق كلمة العلماء على تحديد ضابط معين «للمكره به».
    فالحنفية قالوا إنه: ما يحصل به الاضطرار والإلجاء والخوف، أو يحصل به الاغتمام البين, أو الهم والحزن.
    والشافعية قالوا: إنه ما يؤثر العاقل الإقدام عليه حذرًا مما هدد به على ما رجحه النووي.
    والمالكية قالوا: إنه الخوف المؤلم.
    والحنابلة قالوا: إنه ما يستضر به المكره ضررًا كثيرًا.
    فهذه الوسائل وإن كانت مختلفة في ألفاظها، إلا أنها متقاربة في معناها، وإن جاء بعضها أعم وأدق من الآخر.
    وعليه فإنه يمكن استخلاص ضابط من بينها للمكره به, وهو: «كل ما يجعل المكره مضطرًّا وخائفًا إن امتنع عن تنفيذ ما هدد به أن يصيبه ضرر كبير, أو مشقة عظيمة، تجعله يؤثر الإقدام على فعل ما أكره عليه طلبًا للنجاة والخلاص».
    ثانيًا: إن تنوع وسائل الإكراه واختلافها من مذهب إلى آخر، وعدم إمكان حصرها في وسيلة واحدة يرجع إلى أمرين:
    الأول: اختلاف حال المكره بين غنى وفقير، وبين أن يكون من ذوي الجاه والمروءة, وبين أن يكون من الأراذل والسوقية، وبين أن يكون قادرًا على تحمل المكره به من عدمه، إلى غير ذلك من الاختلافات التي تجعل وسيلة الإكراه تختلف من شخص لآخر.
    الثاني: اختلاف المكره به بحسب اختلاف المكره، فإن الإكراه على القتل مثلًا يختلف عن الإكراه على الطلاق، ومن ثم فإن الأمر الذي يهدد به المكره المكره سيختلف، فإذا أكره على الطلاق بالتهديد بالصفع, أو الضرب اليسير, فإن العاقل يؤثر الصبر على الصفع أو الضرب اليسير، بخلاف ما إذا هدد بالقتل مثلًا، فإنه يضطر إلى إجراء لفظ الطلاق محافظة على النفس, ودفعًا للهلاك.
    ثالثًا: يرجع اختلاف العلماء في تحديد ضابط «للمكره به» إلى عدم ورود نص صريح ومعين بذلك، ولكن يمكن من خلال بعض النصوص الواردة في الإكراه أن يفهم هذا المعنى:
    من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ, والنسيان, وما استكرهوا عليه"([82]) فالحكم الأخروي للفعل الواقع إكراهًا في حقوق الله تعالى يعتبر عذرًا بالنسبة لسقوط الإثم في الآخرة؛ لأن العقوبة الأخروية تبنى على الإرادة والقصد, فيكون المقصود بالرفع هنا هو الإثم؛ لأن الإكراه إذا وقع لا يرتفع؛ لأن الواقع لا يرفع.
    أما الحكم الدنيوي للإكراه فهو محل البحث.
    ومن ذلك أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق"([83])، أي: في إكراه، ومعنى الإغلاق: الإكراه؛ لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه, وتضيق عليه تصرفه، كأنه يغلق الباب ويحبسه, ويضيق عليه حتى يطلق([84]).
    ومن ذلك أيضًا بعض الآثار التي رويت عن الصحابة منها:
    قول ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس بشيء، وبه قال ابن عمر, وابن الزبير, والشعبي, والحسن([85]).
    قول عمر رضي الله عنه: «ليس الرجل بأمين على نفسه إذا سجن, أو أوثق, أو عذب»([86]).
    وقول ابن مسعود: «ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلمًا به»([87]).
    الفصل الخامس: أثر الإكراه في التصرفات
    يقسم الأصوليون تصرفات المكره إلى قسمين:
    1- تصرفات قولية.
    2- تصرفات فعلية.
    وسوف نوضح ذلك في مبحثين
    المبحث الأول: أثر الإكراه في التصرفات القولية
    تنقسم التصرفات القولية الصادرة عن المكره إلى قسمين:
    القسم الأول: التصرفات القولية التي لا تحتمل الفسخ, ولا تتوقف على الرضا.
    وذلك كالطلاق ونحوه من الأمور العشرة التي يجمعها قول القائل:
    طلاق عتاق والنكاح ورجعة

    وعفو قصاص واليمين وكذا النذر
    ظهار وإيلاء وفيء فهذه

    تصح مع الإكراه عدتها عشر
    فهذه التصرفات لا تحتمل الفسخ, وتتوقف على الاختيار دون الرضا, ولهذا لو طلق, أو أعتق, أو تزوج بالإكراه وقع التصرف صحيحًا، ولا تأثير للإكراه فيه, سواء أكان الإكراه ملجئًا أم غير ملجئ.
    واستدلوا على ذلك بما يأتي:
    (أ) بالقياس على الهزل، وذلك أن هذه التصرفات تصح ولا تبطل مع الهزل, مع أنه يعدم الاختيار بالحكم، فلأن لا يبطل بما لا يعدم الاختيار -وهو الإكراه- أولى.
    (ب) أن المكره قصد إيقاع التصرف في حال أهليته؛ لأنه عرف الشرين: الهلاك، والتصرف، واختار أهونهما، واختيار أهون الشرين دليل القصد والاختيار، إلا أنه غير راض بحكمه، فيقع تصرفه.
    وهذا ما ذهب إليه الحنفية.
    بينما ذهب الجمهور: إلى بطلان هذه التصرفات وعدم وقوعها.
    واستدلوا على ذلك بما يأتي:
    1- بقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ, والنسيان, وما استكرهوا عليه"([88]).
    فقد دل هذا الحديث على أن الإكراه جعل عذرًا في الشريعة.
    2- بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق"([89]) أي: في إكراه.
    3- بأن الإكراه يبطل القصد والاختيار، وصحة القول بالقصد والاختيار، ليكون القول باعتبار القصد ترجمة عما في الضمير ودليلًا عليه، فيبطل القول عند عدم القصد، ألا يرى أن الكلام لا يصح من النائم لعدم الاختيار، ولا من المجنون لعدم القصد الصحيح، فعرفنا أن صحة الكلام باعتبار كونه ترجمة عما في القلب، والإكراه دليل على أن المكره متكلم لدفع الشر عن نفسه، لا لبيان ما هو مراد قلبه.
    4- أنه قول حمل عليه بغير حق, فلم يثبت له حكم؛ ككلمة الكفر إذا أكره عليها.
    وأما قياس الحنفية المكره على الهازل فهو قياس مع الفارق, فيكون غير صحيح، وذلك لأن الهازل ينطق بالصيغة وهو راغب في التكلم بها, ومختار اختيارًا صحيحًا، إلا أنه لا يريد ما يترتب عليها، وإنما يريد شيئًا آخر هو الاستهزاء واللعب، ومثل هذا يناسبه التغليظ والتشديد عليه، وذلك بجعل عبارته صحيحة، وعدم الاعتداد بهزله ولعبه.
    أما المكره فليس له رغبة ولا اختيار صحيح في النطق بالصيغة, ولا يقصد من الإتيان بها استهزاء ولا لعبًا، وإنما يقصد دفع الأذى الذي هدد به عن نفسه، ومثل هذا يناسبه التخفيف وعدم التشديد، وذلك بإلغاء عبارته وعدم الاعتداد بها.
    القسم الثاني: التصرفات القولية التي تحتمل الفسخ وتتوقف على الرضا.
    وتتنوع هذه التصرفات إلى نوعين:
    النوع الأول: الإقرارات: وذلك كالإكراه على الاعتراف بطلاق أو عتاق أو غيره مما لا يحتمل الفسخ، أو الإكراه على الاعتراف ببيع أو إجارة أو غيره مما يحتمل الفسخ، فإن أثر الإكراه على هذه الإقرارات هو: الإبطال وعدم الاعتداد بها شرعًا, سواء أكانت مما لا يحتمل الفسخ أم مما يحتمله.
    وهذا ما اتفق عليه العلماء([90])، واستدلوا على ذلك:
    بأن الإقرار إنما جعل حجة باعتبار ترجح جانب الصدق فيه على جانب الكذب، ولا يتحقق هذا الترجيح مع الإكراه، إذ هو قرينة على أن المقر لا يقصد بإقرار الصدق فيما أقر به، وإنما يقصد دفع الضرر الذي هدد به عن نفسه.
    وأيضًا فإن الإكراه جعل مسقطًا للكفر, فبالأولى ما عداه.
    النوع الثاني: العقود والتصرفات الشرعية: كالبيع والإجارة ونحوهما، فإن أثر الإكراه هو: الفساد وليس البطلان.
    وهذا رأي الحنفية واستدلوا على ذلك:
    بأن الإكراه لا يعدم الاختيار، وإنما يعدم الرضا، فينعقد فاسدًا لعدم الرضا، الذي هو شرط لصحة العقد أو لنفاذه، وليس ركنًا من الأركان, أو شرطًا من شروط الانعقاد، وعليه فلو أجازه المكره بعد زوال الإكراه صريحًا أو دلالة صح لتمام رضاه، فالفساد كان لمعنى وقد زال.
    أما الجمهور: فقال ببطلان جميع التصرفات القولية, سواء أكانت مما لا يحتمل الفسخ، أو مما يحتمله، وسواء: أكان الإكراه ملجئًا أم غير ملجئ، للأدلة السابقة، وأيضًا لتخلف شرط الرضا في كل هذه التصرفات([91]).
    وأرى أن رأي الجمهور هو الرأي الراجح لقوة أدلته.
    المبحث الثاني: أثر الإكراه في التصرفات الفعلية
    يختلف أثر الإكراه في التصرفات باختلاف نوع الإكراه، والفعل المكره عليه كما يلي:
    أولًا: إذا كان الإكراه غير ملجئ؛ كالإكراه بحبس أو قيد أو بضرب لا يخاف منه على نفسه، وكان الفعل المكره عليه: قتل نفس بغير حق، أو شرب خمر، أو إتلاف مال الغير، وما أشبه ذلك، فالمسئولية تقع على المكره -بفتح الراء- أي: الفاعل؛ لأن المكره لا يصير آلة للمكره إلا عند تمام الإلجاء لفساد الاختيار, وخوف التلف على نفسه، وليس في التهديد بالحبس أو القيد أو الضرب معنى خوف التلف على نفسه، فيبقى الفعل مقصورًا عليه وحده.
    ثانيًا: إذا كان الإكراه ملجئًا: فالأفعال بالنسبة إليه ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: أفعال لا يحل للمكره -بفتح الراء- الإقدام عليها أبدًا, وذلك كقتل النفس المعصومة, أو قطع عضو من الأعضاء, أو الضرب المفضي إلى هلاك النفس أو العضو.
    وحكم هذا القسم: أنه لا يجوز للمكره الإقدام على هذا الفعل، بل يجب عليه الامتناع والصبر حتى ولو كان في امتناعه عن ذلك هلاك نفسه أو عضوه.
    فإن أقدم على ذلك فعليه العقاب الأخروي -الإثم- باتفاق العلماء؛ لأن نفس الغير معصومة كنفس المكره، ولا يجوز للإنسان أن يدفع الضرر عن نفسه بإيقاعه على غيره.
    يقول القرطبي: أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله, ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نـزل به، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة([92]).
    كذلك اتفق العلماء على استحقاق الفاعل العقوبة الدنيوية، ولكنهم يختلفون في نوع هذه العقوبة وفيمن يستحقها، أهو المكره أم الحامل على الفعل على ثلاثة آراء:
    الرأي الأول: للأئمة الثلاثة (مالك والشافعي وأحمد) وزفر من الحنفية, وهو: وجوب القصاص على المكرة -بفتح الراء- لأنه المباشر للفعل, وقد قتل المجني عليه ظلمًا وعدوانًا، فلا يعفى من القصاص.
    الرأي الثاني: للإمام أبي حنيفة ومحمد بن الحسن, وهو: وجوب القصاص على المكره -بكسر الراء- مع وجوب تعزير المكره -بفتح الراء- بما يراه الإمام زجرًا له عن هذا الفعل؛ لأنه صار كالآلة في يد المكره، والعقوبة على الجريمة لا تكون للآلة التي تستخدم فيها، وإنما تكون لمن يستحقها، وهذا رأي عند الشافعية والحنابلة.
    الرأي الثالث: لأبي يوسف, وهو: عدم وجوب القصاص عليهما؛ لأن القصاص لا يثبت إلا بالجناية الكاملة، ولم توجد الجناية الكاملة لكل منهما، وإنما تجب الدية على المكره -بكسر الراء.
    القسم الثاني: أفعال يجب على المكره أن يقدم عليها عند الضرورة؛ كالإكراه على أكل الميتة، ولحم الخنـزير، وشرب الخمر، فيجب عليه الإقدام؛ لأن الشارع أباح ذلك في حالة الضرورة، يدل على ذلك قوله تعالى: }إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنـزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{([93]).
    فإن لم يقدم حتى قتل أو قطع عضو من أعضائه كان آثمًا؛ لأنه ألقى بنفسه إلى الهلاك، والله سبحانه وتعالى يقول: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ{([94]).
    القسم الثالث: أفعال يباح للمكره الإقدام عليها في حالة الضرورة؛ كالإكراه على النطق بكلمة الكفر، أو الاستخفاف بالدين، فهذا يجوز له النطق بالكلمة مع اطمئنان قلبه بالإيمان، لقوله تعالى: }إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ{([95]).
    فإن لم يفعل حتى قتل كان مثابًا، يقول القرطبي: «أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر، فاختار القتل أنه أعظم أجرًا عند الله ممن اختار الرخصة»([96]).
    الفصل السادس: تكليف المكره
    للعلماء في تكليف المكره ثلاثة آراء:
    الرأي الأول للحنفية: وهو أن المكره مكلف مطلقًا، أي: سواء أكان الإكراه ملجئًا أم غير ملجئ.
    واستدلوا على ذلك:
    بأن المكره عليه ممكن في ذاته كما كان قبل ذلك أيضًا، والفاعل متمكن عليه، كيف لا يتمكن والحال أن يختار أخف المكروهين من الفعل وما هدد به، فإن رأى الفعل أخف مما هدد به يختاره، وإن رأي ما هدد به أخف منه اختاره، فالفاعل قادر فيصح التكليف.
    والدليل على ذلك أن المكره في الإتيان بما أكره عليه متردد بين أن يفترض عليه ما أكره عليه -والافتراض نوع من التكليف- كالإكراه بالقتل على شرب الخمر، فإنه حينئذ يفترض عليه الشرب، فيأثم بتركه، أو يحرم عليه ما أمره عليه كالإكراه على قتل مسلم ظلمًا، فإنه لا يحل بحال، فيؤجر على الترك؛ لأنه وجد الداعي إلى الحرام فكف نفسه عنه، أو يرخص له ما أكره عليه؛ كالإكراه على إجراء كلمة الكفر على لسانه مع اطمئنان القلب بالتصديق، فإنه يؤجر على الكف عنه، لكنه لا يأثم هنا إن فعل، وإن كان حرامًا؛ لأنه عومل به معاملة المباح، ويأثم في صورة الإكراه على القتل بفعل الحرام، أو يباح له ما أكره عليه؛ كالإكراه على الإفطار في رمضان، فإنه لو صبر حتى قتل لا يأثم بخلاف ما لو كان مسافرًا([97]).
    وقد أيد الغزالي الحنفية بقوله: فعل المكره يجوز أن يدخل تحت التكليف بخلاف فعل المجنون([98]).

    الرأي الثاني: للمعتزلة: وهو أن المكره غير مكلف؛ لأنهم يشترطون في المأمور به أن يكون بحال يثاب على فعله، والمكره عليه لا يثاب عليه المكره، فلا يصح التكليف به([99]).
    الرأي الثالث: للجمهور: وهو التفرقة بين أن يكون الإكراه ملجئًا أو غير ملجئ؛ لما يلي:
    1- إن كان الإكراه ملجئًا: فإنه يمنع التكليف أي: بفعل المكروه عليه وبنقيضه؛ لأن المكره عليه واجب الوقوع وضده ممتنع، والتكليف بالواجب والممتنع محال، وذلك لزوال القدرة؛ لأن القادر على الشيء هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك.
    2- وإن كان الإكراه غير ملجئ: فلا يمنع التكليف؛ لأن الفعل ممكن والفاعل متمكن([100]).
    الخـاتمــة
    تتلخص أهم نتائج البحث فيما يأتي:
    أولًا: أهلية الوجوب هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، وأهلية الأداء هي صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا.
    ثانيًا: الإكراه هو أحد العوارض المكتسبة للأهلية، والتي لا تأثير لها في انعدام الأهلية بنوعيها، وسقوط التكليف بالكلية، وإنما يقتصر تأثيره على تغيير بعض الأحكام فقط.
    ثالثًا: الإكراه هو: حمل الغير على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه, ويصير الغير خائفا به فاتت الرضا بالمباشرة.
    رابعًا: أركان الإكراه أربعة هي: المكرِه، المكرَه، المكره به، المكره عليه.
    خامسًا: يشترط في كل ركن من أركان الإكراه توفر بعض الشروط حتى يتحقق الإكراه, وينتج أثره.
    فيشترط في المكره: أن يكون قادرًا على تحقيق ما هدد به.
    ويشترط في المكره:
    (أ) أن يغلب على ظنه وقوع ما هدد به إذا امتنع عن الإتيان بالمكره عليه.
    (ب) أن يكون عاجزًا عن دفع المكرِه عن نفسه بالهرب, أو الاستغاثة, أو المقاومة.
    (ج) ألا يخاف المكرَه المكرِه، بأن يأتي بفعل غير الذي أكره عليه، أو يزيد على الفعل المطلوب أو ينقص منه.
    ويشترط في المكره عليه:
    (أ) أن يفعل المكره الفعل لداعي الإكراه فقط، ويكون ممتنعًا عما أكره عليه قبل الإكراه.
    (ب) أن يكون المكره عليه معينًا.
    (ج) أن يترتب على فعل المكره عليه التخلص من المتوعد به.
    ويشترط في المكره به:
    (أ) أن يكون التهديد بإلحاق الضرر بالمكره عاجلًا.
    (ب) أن يكون الأمر الذي هدد به المكره مما يستضر به ضررًا كبيرًا غير محتمل يلحقه بسببه مشقة عظيمة.
    (ج) أن يكون المهدد به أشد خطرًا وضررًا على المكره مما حمل عليه.
    سادسًا: ينقسم الإكراه باعتبار المكره به إلى ثلاثة أنواع هي:
    1- الإكراه الملجئ، أي: الكامل.
    2- الإكراه غير الملجئ، أي: الناقص.
    3- الإكراه بالاغتمام أو الهم والحزن.
    وينقسم باعتبار المكره عليه إلى قسمين:
    1- الإكراه بحق.
    2- الإكراه بغير حق.
    سابعًا: لا يؤثر الإكراه بجميع أنواعه في أهلية الوجوب، ولا أهلية الأداء، وإنما ينحصر أثره في تغيير بعض الأحكام المترتبة على أهلية الأداء، مع بقاء المكره مكلفًا.
    ثامنًا: اتفق العلماء على أن الوعيد إن اقترن بنوع من العذاب كالضرب والخنق والحبس وغيره كان إكراهًا.
    واختلفوا في الوعيد المجرد، فذهب بعضهم إلى كونه إكراهًا, وبعضهم إلى عدم اعتباره إكراهًا.
    تاسعًا: اختلف العلماء في تكليف المكره على ثلاثة آراء:
    1- للحنفية: وهو أن المكره مكلف مطلقًا، أي: سواء أكان الإكراه ملجئًا أو غير ملجئ.
    2- للمعتزلة: وهو أن المكره غير مكلف.
    3- للجمهور: وهو التفرقة بين أن يكون الإكراه ملجئا أو غير ملجئ.
    (أ) فإن كان الإكراه ملجئًا، فإنه يمنع التكليف؛ أي: بفعل المكروه عليه وبنقيضه.
    (ب) وإن كان الإكراه غير ملجئ, فلا يمنع التكليف.
    والله أعلم




    ([1]) سورة الذاريات آية: 56.

    ([2]) سورة النحل آية: 106.

    ([3]) سنن ابن ماجه 1/ 965، سنن البيهقي 7/ 356.

    ([4]) المعجم الوسيط 1/ 32.

    ([5]) كشف الأسرار على أصول البزدوي 4/ 357، التلويح شرح التوضيح 2/ 751، فتح الغفار 3/ 80، النامي شرح الحسامي ص273، تيسير التحرير 4/ 249.

    ([6]) تسهيل الوصول إلى علم الأصول للمحلاوي ص204.

    ([7]) مرآة الأصول ص321، تسهيل الوصول للمحلاوي ص 204، فتح الغفار 3/ 80، التلويح على التوضيح 2/ 751، تيسير التحرير 4/ 249.

    ([8]) مرآة الأصول ص321، تسهيل الوصول للمحلاوي ص305، تيسير التحرير 4/ 249، التلويح 2/ 751.

    ([9]) فتح الغفار 3/ 82، مرآة الأصول ص323، التلويح 2/ 755، تيسير التحرير 4/ 253، كشف الأسرار للبخاري 4/1368، تسهيل الوصول للمحلاوي ص305، التقرير والتحبير 2/ 164، النامي شرح الحسامي ص276، 277، أصول الفقه د: حسين حامد حسان ص387 - 392، أصول الفقه د: محمد زكريا البرديسي ص1333 - 1335، عوارض الأهلية د: صبري معارك 123 - 125.

    ([10]) سورة الأحقاف آية 24.

    ([11]) لسان العرب 7/ 169، المختار من صحاح اللغة ص335، المنجد ص947.

    ([12]) سورة الأحقاف آية 24.

    ([13]) تفسير ابن كثير 4/ 160، صفوة التفاسير 3/ 199.

    ([14]) كشف الأسرار للبخاري 4/ 382، مرآة الأصول ص 326، نور الأنوار شرح المنار مع حاشية قمر الأقمار ص 290، فتح الغفار 3/ 284, التلويح 2/ 760, تيسير التحرير 4/ 258، تسهيل الوصول للمحلاوي ص307، أصول الفقه د/ محمد حسن فايد ص55، أصول الفقه د/ محمد زكريا البرويس ص133 - 135، أصول الفقه د/ بدران أبو العنين ص322, عوارض الأهلية للشيخ أحمد إبراهيم ص224, عوارض الأهلية د/ حسين النووي ص 94.

    ([15]) كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1281.

    ([16]) سورة البقرة: 216.

    ([17]) سورة آل عمران الآية 83.

    ([18]) سورة البقرة الآية: 216.

    ([19]) كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1281، لسان العرب 13/ 534، 535، المعجم الوسيط 2/ 785، المختار من صحاح اللغة ص 450، المنجد ص 182.

    ([20]) التقرير والتحبير 2/ 206، تيسير التحرير 2/ 307.

    ([21]) فتح الباري 12/ 311.

    ([22]) مواهب الجليل للخطاب 4/ 45.

    ([23]) المحلي 9/ 258.

    ([24]) موسوعة فقه إبراهيم النخعي 2/ 80.

    ([25]) المبسوط للسرخسي 24/ 38، كشف الأسرار على أصول البزدوي 4/ 383.

    ([26]) حاشية ابن عابدين 5/ 109.

    ([27]) كشف الأسرار للبخاري 4/ 384.

    ([28]) التلويح على التوضيح 2/ 820.

    ([29]) التقرير والتحبير 2/ 206، وتيسير التحرير 2/ 307.

    ([30]) شرح المنار لابن ملك ص 992.

    ([31]) كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1281.

    ([32]) شرح الحسامي بالنامي ص 2/ 138.

    ([33]) أسنى المطالب وحاشية الشهاب الرملي 3/ 282.

    ([34]) كشف الأسرار على أصول البزدوي 4/ 384.

    ([35]) قال ابن قدامة: «أن يكون من قادر بسلطان, أو تغلب كاللص ونحوه، وحكي عن الشعبي إن أكرهه اللص لم يقع طلاقه، وإن أكرهه السلطان وقع. قال ابن عيينة: لأن اللص يقتله». راجع المغني 7/ 120.

    ([36]) المسبوط 24/ 40، حاشية ابن عابدين 5/ 109.

    ([37]) مجمع الضمانات ص 204.

    ([38]) حاشية ابن عابدين 5/ 112.

    ([39]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 230.

    ([40]) المبسوط 24/ 40.

    ([41])حاشية العطار على جمع الجوامع 1/ 102.

    ([42]) بدائع الصنائع 7/ 176، 190 شرح فتح القدير 8/ 165 وما بعدها، حاشية الدسوقي 2/ 367، شرح منهج الطلاب 4/ 504، المغني لابن قدامة 7/ 120، القصد الجنائي في الشريعة الإسلامية د/ محمد علي صياد ص 120، أصول الفقه د/ محمد زكريا البرديسي ص 148، عوارض الأهلية د/ صبري معارك ص 423.

    ([43]) سنن ابن ماجه 3/ 784، نصب الراية 4/ 384.

    ([44]) حاشية ابن عابدين 5/ 109، حاشية الدسوقي 2/ 367، المغني لابن قدامة 8/ 161، أصول الفقه د/ محمد زكريا البرديسي ص 146.

    ([45]) قال صاحب مغني المحتاج: وقال القاضي حسين: هو إكراه؛ لأنه لا يتحقق إلا بقتل أحدهما فهو ملجأ إليه، وصححه البلقيني وقال: وليس هذا كإكراهه على طلاق إحدى زوجتيه, فإن عليه أن يقول: إحداهما طالق، فإذا طلق معينة كان مختارًا، مغني المحتاج 2/ 15.

    ([46]) المبسوط 24/ 68، شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه 3/ 76، مغني المحتاج 4/ 15، كشاف القناع 3/ 343، أصول الفقه د/ محمد زكريا البرديسي ص 147.

    ([47]) المبسوط 24/ 39، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 209، المغني لابن قدامة 7/ 120، حاشية العدوي 2/ 72، حاشية منح الجليل 2/ 212.

    ([48]) كشف الأسرار على أصول البزدوي 4/ 385، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 209، المغني لابن قدامة 7/ 120، حاشية الدسوقي 2/ 368.

    ([49]) سبق تخريجه.

    ([50]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 95، 96، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، 88 أصول الفقه د/ محمد زكريا البرديسي ص 146، وعوارض الأهلية د/ صبري معارك ص 428.

    ([51]) سورة الأنعام الآية: 119.

    ([52]) ذكر ابن نجيم وابن ملك وعبد العزيز البخاري وغيرهم: أن قسم الإباحة لا وجود له لدخوله في الفرض أو الرخصة؛ لأن المراد بالإباحة إن كان الإقدام على فعل يباح له بالإكراه, ولو صبر حتى قتل لا يأثم, فهو معنى الرخصة، وإن كان الإقدام على فعل يباح له ولو تركه يأثم فهو معنى الفرض، وإفطار الصائم بالإكراه لا يخلو منهما؛ لأنه إن كان مسافرًا كان إفطاره عند الإكراه فرضًا, كالإكراه على أكل الميتة وشرب الخمر، وإن كان مقيمًا كان مرخصًا فيه كالإكراه= =على الكفر، ولم يوجد في الإكراه ما يتساوى الإقدام عليه والامتناع عنه عند الإكراه في الإثم والثواب وعدمهما، بمعنى أن لا يترتب على شيء منهما ثواب ولا عقاب.
    ثم ذكر ابن ملك تعقيبًا على ذلك بقوله: «اعلم أن ما قلنا من الفرض والإباحة والرخصة فيما إذا كان أكثر رأي المكره أن الحامل يوقع ما يوعد به، واعلم أيضًا أن الإثم إنما يكون إذا علم أنه مباح ولم يفعل، أما إذا لم يعلم فلا إثم بالامتناع؛ لأن الموضع موضع الشبهة والخفاء» راجع: شرح المنار ص 993، فتح الغفار 2/ 120، كشف الأسرار للبخاري 4/ 383، نور الأنوار ص 315.

    ([53]) الفرق بين الإباحة والرخصة: أن في الرخصة لا يباح ذلك الفعل بأن ترتفع الحرمة، بل يعامل معاملة المباح في رفع الإثم فقط، وفي الإباحة ترتفع الحرمة.

    ([54]) كشف الأسرار للبخاري 4/ 384.

    ([55]) كشف الأسرار للبخاري 4/ 384، نهاية السول للإسنوي 1/ 185، 186، المحصول للرازي ق 2/ 449، حاشية العطار على جميع الجوامع 1/ 101.

    ([56]) أما إذا كان الإكراه بالحبس أو القيد مدة وجيزة، فإن كان المهدد به من ذوي المروءات ومن وجهاء الناس كان ذلك إكراهًا، وإن كان من غيرهم فلا يكون إكراهًا.

    ([57]) كشف الأسرار للبخاري 4/ 383، المبسوط للسرخسي 24/ 143، 144، حاشية ابن عابدين 5/ 129، حاشية قليوبي وعميرة 3/ 332.

    ([58]) حاشية الدسوقي 2/ 368.

    ([59]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 209.

    ([60]) المغني لابن قدامة 7/ 120.

    ([61]) كشف الأسرار على أصول البزدوي 4/ 383، المبسوط للسرخسي 2/ 43، 44، المغني لابن قدامة 7/ 120، 121.

    ([62]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/ 367.

    ([63]) المرجع السابق.

    ([64]) نهاية السول للإسنوي 1/ 185، 186، المحصول للرازي 1 ق 2/ 449 حاشية العطار على جمع الجوامع 1/ 101.
    وقال صاحب الإبهاج: وقال القاضي في مختصر التقريب: إن هذا القسم لا يسمى عند المحققين إكراهًا؛ لأن الإكراه لا يتحقق إلا مع تصور اقتدار، فلا يوصف ذو الرعشة الضرورية بالإكراه، وإنما المكره من يخوف ويضطر إلى أن يحرك يده على اقتدار واختيار. «راجع الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 162»..

    ([65]) المراجع السابقة.

    ([66]) المراجع السابقة.

    ([67]) حاشية العطار على جمع الجوامع 1/ 102، 103.

    ([68]) المجموع شرح المهذب 18/ 207، مغني المحتاج 4/ 13.

    ([69]) المغني لابن قدامة 7/ 118.

    ([70]) فتح الباري 1/ 163 كتاب الإيمان.

    ([71]) المحلي لابن حزم 8/ 336/ 337.

    ([72]) فتح الباري 12/ 327 كتاب الإكراه.

    ([73]) سنن البيهقي 7/ 359، المصنف لعبد الرازق 60/ 411 الحديث رقم 11424.

    ([74]) حاشية ابن عابدين 5/ 129، حاشية الدسوقي 2/ 368، نهاية المحتاج 6/ 446، المغني لابن قدامة 7/ 383.

    ([75]) المجموع شرح المهذب 18/ 207، المغني لابن قدامة 7/ 383.

    ([76]) سنن البيهقي 7/ 357.

    ([77]) حاشية ابن عابدين 5/ 128، حاشية الدسوقي 2/ 368، المجموع شرح المهذب 18/ 207، 208، المغني لابن قدامة 7/ 119.

    ([78]) حاشية ابن عابدين 5/ 129، 130، كشف الأسرار للبخاري 3/ 503 بدائع الصنائع 7/ 176.

    ([79]) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 208، 209، المجموع شرح المهذب 18/ 209، 211.

    ([80]) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 2/ 546، 547، حاشية الدسوقي 2/ 368.

    ([81]) الإنصاف 8/ 440، 441، المغني لابن قدامة 7/ 120.

    ([82]) الفتح الكبير 2/ 135، سنن ابن ماجه 1/ 965، سنن البيهقي 7/ 356 المصنف لعبد الرزاق 2/ 135.

    ([83]) فتح الباري 9/ 301، سنن ابن ماجه 1/ 322، نيل الأوطار 6/ 235.

    ([84]) المغني لابن قدامة 7/ 118.

    ([85]) فتح الباري 12/ 329.

    ([86]) فتح الباري 12/ 329.

    ([87]) فتح الباري 12/ 329.

    ([88]) سبق تخريجه.

    ([89]) سبق تخريجه.

    ([90]) من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

    ([91]) فتح الغفار 3/ 121، مرآة الأصول ص 361، كشف الأسرار للبخاري 4/ 386، الشرح الصغير 3/ 352، 356، مغني المحتاج 2/ 325، 3/ 369, المغني لابن قدامة 8/ 360، تفسير القرطبي 6/ 3798، 3898، البهجة شرح التحفة 2/ 318.

    ([92]) تفسير القرطبي 6/ 3799.

    ([93]) سورة البقرة الآية: 173.

    ([94]) سورة البقرة الآية: 195.

    ([95]) سورة النحل الآية: 106.

    ([96]) تفسير القرطبي 6/ 3804، التلويح 2/ 200، 201، التقرير والتحبير 2/ 210، 211، كشف الأسرار للبخاري 4/ 383- 399، فتح الغفار 3/ 121، المرآة ص 363، أصول الفقه الإسلامي د/ زكي الدين شعبان ص 287- 291 عوارض الأهلية د/ صبري معارك ص 435- 438.

    ([97]) مسلم الثبوت 1/ 166، كشف الأسرار للبخاري 4/ 383 فتح الغفار 3/ 120.

    ([98]) المستصفى 3/ 120.

    ([99]) نهاية السول 1/ 185، 186.

    ([100]) شرح الكوكب المنير 1/ 508، 509، نهاية السول 1/ 185، 186، الإحكام للآمدي، 1/ 117، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 74.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •