فتياتنا والإعجاب


سمية السحيباني



فتاة تجلس عند مدخل المدرسة وتراقب الداخل والخارج وتنتظر بفارغ الصبر قدوم معلّمتها.. والطامّة إن كانت هذه المعلّمة المحبوبة غائبة، فالفتاة طوال اليوم حزينة لا تفكّر بشيء سوى تلك المعلّمة.
وأخرى تضع رأسها على كتف زميلتها وتداعب خصلات شعرها مع تبادل الابتسامات والنظرات الغريبة..والثالث ة تتعمّد الرسوب في إحدى السنوات الدراسيّة لكي تستمرّ مع محبوبتها والتي لم تختبر في تلك السنة.
رسائل غراميّة مزخرفة.. هدايا وباقات ورد.. مكالمات هاتفيّة قد تمتدّ إلى ساعات طويلة.. قبلات وعناق حارّ في صباح كلّ يوم دراسيّ..وغير ذلك الكثير والكثير ممّا نشاهده في أروقة المدارس والجامعات بين فتيات في عمر الزهور ، حبّ يتجاوز إلى الإعجاب المفرط، وربّما يصل إلى درجة العشق والهيام، فتقلّد الفتاة محبوبتها في لبسها ومشيتها وتسريحة شعرها وأسلوبها في كلّ شي.
ظاهرة في غاية الخطورة انتشرت انتشاراً هائلاً في المدارس والجامعات ينبغي علينا تداركها للحدّ منها، وتوجيه فتياتنا لما ينفعهنّ في الدنيا والآخرة.
وفي هذا الصدد كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة "وفاء العساف" الأستاذ المساعد في قسم القرآن وعلومه في كليّة أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة.

يعدّ الإعجاب ظاهرة مثيرة للكلام والأخذ والرد: هناك نوعان من الإعجاب مذموم وممدوح .. هل يمكنك توضيحهما؟

الإعجاب المذموم هو الذي يكون فيه مسح للشخصيّة وإلغائها، وكثرة التفكير بالمعجب به، والتقرّب منه، ومحاولة الاستئثار به وملازمته. أما الإعجاب الممدوح فهو إعجاب بخلق حسن وصفات جيّدة مصحوبة بالتقدير والاحترام، وتصل إلى حدّ معيّن لا يتعدّى على حقوق وحريّات الطرف الآخر.
والإعجاب بصفة عامّة هو حاجة في النفس إلى العطف والرحمة والحب والحنان، وذلك شيء فطريّ عند جميع البشر، ونحن جميعا بحاجة إليها ، وعندما يأخذ الشخص القدر الكافي يصبح شخصاً سويّاً لا ينحرف إلى سلوك خاطيء. ويتفاوت الناس في هذا القدر من الحاجة للحبّ والتقدير.
ولا نتخيّل التربية بلا عطف أو رحمة أو مشاعر حبّ، وهي تؤثّر بلا شك على الشخص عندما يكبر ويتزوّج فيعبّر عن عواطفه لزوجته بطريقة جيّدة، ومن ثمّ لأطفاله؛ فيحبّهم، ويحنّ عليهم، فتتوارث هذه المشاعر الجميلة بين الأشخاص على مرّ الأجيال.

برأيك ما هي أسباب الإعجاب؟

من أهمّ أسباب الإعجاب هي الفراغ الروحيّ وضعف الوازع الدينيّ لدى كثير من فتياتنا في هذا الوقت، وقد يكون ذلك بسبب نظريّة التعليم الدينيّ في كثير من مدارسنا، وعدم وجود قدوة حسنة يحتذى بها، حيث ينبغي أن تكون القدوة مطيعة لله ورسوله- صلّى الله عليه وسلّم-، متميّزة وجاذبة في أخلاقها، محافظة على فروضها ووجباتها الدينيّة، فتحبّها في الله، وتسأل عنها، وتسلّم عليها؛ فالحبّ في الله لايزيد مع البرّ ولا ينقص مع الجفاء .. ومن ذلك حديث النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم-: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار[1].)

ومن أسباب الإعجاب أيضاً غياب الاهتمامات الجادّة عند كثير من البنات، فلا أهداف لهنّ في الحياة سوى المأكل والمشرب والملبس والخروج والترفيه عن النفس، وخاصّة مع وجود الخدم في البيوت، وقلّة اجتماع الأسرة مع بعض، وتفقدها لأحوال الأبناء.
كما يعدّ فقدان الحوار والعاطفة وعدم استقرار الوضع الأسريّ كالطلاق وغياب الأم المستمرّ من مسبّبات الإعجاب بين الفتيات.. فالفتاة عندما تفقد الاحترام والتقدير من أسرتها ولا تجد لمن يستمع إليها سواء من الأم أو الأب أو الأخوات فستبحث عمّن يسدّ هذه المشاعر لديها ولو كان بطريق منحرف، فلابدّ أن تستمع الأم لابنتها وتبتعد عن التأنيب وعبارات الزجر والأمر المتكرّر، وأن تترك لها الحريّة في إبداء الرأي بحدود. وأن تبتعد عن التناقضات التي تترك أثرا سيّئاً. وهناك من الفتيات فئة شديدة الحساسية لأيّ كلمة، ولابدّ أن تعامل هذه الفئة معاملة خاصّة، ولا يكون هناك غلظة في التربية أو تفرقة بين الأخوة والأخوات.

وللإعلام دور في انحراف كثير من الفتيات وإعجابهنّ ببعض؛ فهناك مبالغة في تصوير العواطف والمشاعر وعرض مشاهد فجّة في أغلب القنوات الفضائيّة، كما في الفيديو كليب والمسلسلات الهابطة، حتّى تعتقد الفتاة أنّ الحياة بهذا الشكل في التعبير عن العواطف والأحاسيس.
كما أنّ هناك مواقع متخصّصة في العلاقات الشاذّة على شبكة الانترنت تؤثّر على شبابنا وتصوّر لهم أنّ الأمر عاديّ، ومن حقّ أيّ شخص ممارسته، وخصوصاً في ظلّ غياب الوازع الدينيّ والرقابة الذاتيّة.

ما هي مراحل الإعجاب؟

برأيي أنّها مظاهر أكثر من كونها مراحل، وهي في البداية تكون عبارة عن صداقة أو إعجاب بالشكل الخارجيّ.. بالجمال والشعر والأناقة والشخصيّة وخفّة الظلّ، ومع التكرار والمعاودة وكثرة المشاهدة نجد أنّ الفتاة المعجبة لا تستطيع مفارقة محبوبتها،
ثمّ تحاول تقليدها في لباسها ومشيتها وطريقتها في التحدّث ووضع الماكياج.
وقد يتطوّر الوضع للتقبيل والأحضان، وخصوصا بعد غياب إحداهما .. وهناك أيضا وضع الرأس على الكتف ومسك الخصر والإهداءات والورود والرسائل والمكالمات الهاتفيّة التي تصل إلى ساعات بكلام فارغ لا قيمة له.
ومن مراحله المتطوّرة بين البنات أنّ الفتاة المعجبة لا تسمح لأحد أن يتحدّث مع محبوبتها، وترى أنّها خلقت لها وحدها، وتشعر بالغيرة نحوها.
أمّا الإعجاب في مراحله الأخيرة والتي هي قليلة جدا- ولله الحمد- فهي تصل إلى مرحلة السحاق -والعياذ بالله-.


كيف يمكن للأمّ اكتشاف الإعجاب المرضيّ في ابنتها ؟ وما هي الخطوات التي عليها إجراؤها لتعديل سلوك ابنتها؟

دور الأم يتمثل في الرقابة على أبنائها بشكل عامّ وبناتها بشكل خاصّ من خلال التنبّه للبنت في المكالمات الهاتفيّة بحيث لاتسمح الأمّ لابنتها بأن تقفل الباب على نفسها وهي تتحدّث في الهاتف.
وأن تصاحبها أيضاً في زيارتها لصديقاتها وتتعرّف عليهنّ وعلى أسرهنّ لتعرف مدى سلامة هذه الصديقة وحسن نيّتها، وفي أثناء الزيارة يكون جلوس الفتيات في مكان عامّ في البيت كالصالون بحيث يتسنّى للأمّ معرفة ماتدور حوله أحاديث هؤلاء البنات واهتماماتهنّ.
كذلك على الأمّ أن تسأل عن ابنتها في المدرسة والجامعة لتعرف سلوكها مع أساتذتها وصديقاتها.. والانتباه لكتبها ودفاترها ، وماتحوي حقيبتها من أوراق وغير ذلك حتّى لا تقع الفتاة في هذه الأمور.
كل ذلك يكون مع اهتمام الأمّ بابنتها وإعطائها فيضاً كافياً من الحب والحنان والتقدير
واستماعها لمشاكل ابنتها وهمومها ولو كانت تلك الأحاديث لا تروق للأمّ، وليس من اهتماماتها، ولكن يجب عليها الصبر واحتواء البنت بجميع أفكارها ومشاكلها.


(يشاع أنّ الفتاة المعجبة تميل في تصرفاتها إلى أن تتصرف كما يتصرف الذكور).. إلى أيّ مدى تعدّ هذه الشائعة صحيحة؟
كذلك يذكر أنّها قد تميل إلى الجانب الإجراميّ فتؤذي كلّ من يحاول الاستئثار بمحبوبتها أو من يحاول التفريق بينهما كالإدارة المدرسيّة والمعلمات؟

نعم.نشاهد هذه الصور في المدارس والجامعات، فنجد الفتاة والتي تتصرّف كالذكور سواء في قصّة شعرها وطريقة مشيتها وحديثها، كما نراها تحاول أن ترتدي زيّاً أبعد ما يكون عن الفتيات، فترتدي غالباً الملابس الرياضيّة، وتفتح أزرّة القميص، وترتدي حذاء رياضيّاً. وقد يكون عند بعضهنّ خلل في الهرمونات ، كزيادة في هرمون الذكورة.ويميل هذا النوع إلى التسلّط على الفتاة الأضعف والتي تتميّز برقتها ونعومتها وتميل إلى الدلع والتغنج.
ومن الممكن في بعض الحالات أن تحاول الفتاة المعجبة أو العاشقة أن تستأثر بمحبوبتها وتغار عليها من الآخرين، وهناك قصّة حدثت في أحد المدارس بأن قامت إحدى الطالبات المعجبات بتسميم طالبة أخرى بسمّ الفئران عندما اكتشفت أنّها على علاقة بفتاة أخرى.
وهذه حالة مرضيّة ينبغي أن تكتشف منذ البداية حتى لا تصل إلى هذا الحد.




أدّت هذه الملاحظة إلى امتناع بعض المدرّسات عن التدخل في معالجة هذه العلاقات.. هل هناك رابط حقيقيّ بين الإعجاب المرضيّ والعدوانيّة؟ وماهو التصرّف الصحيح الذي ينبغي على المدرسة اتجاهه لمعالجة هذه المشكلة؟ وماهي سبل الوقاية من حدوث هذه العلاقات؟

ينبغي على المدرسة متمثّلة بالإدارة والمعلمات متابعة الحالات المتطوّرة لدى الطالبات وعرضهنّ على الأخصائيات النفسيات في المدرسة واتخاذ العلاج السلوكي المناسب من خلال جلسات لتغيير العادات والقناعات لدى هذه الفئة من الفتيات.
ونجد أنّ هناك علاقة بين الإعجاب المرضيّ والعدوانيّة كحدوث بعض المضاربات
العنيفة والتشابك بالأيدي والمشادات الكلاميّة بينهنّ، ومحاولة إيذاء من يتقرّب من المحبوبة أو يحاول التفريق بينهما.
ومن المفترض أن تمارس المدرسة دورها في علاج هذه المشكلة من خلال الأخصائية الاجتماعيّة والمرشدة الطلابيّة، والتي تحاول إصلاح الفتاة وتوجيهها نحو الطريق الصحيح بالتعاون مع الأسرة التي لها دور كبير في علاج هذه الحالات،حيث يبلغ الأهل وتتابع في البيت من قبل أسرتها، وتخبر المدرسة بماهو جديد في جوّ من الحبّ والمناقشة بعيداً عن الزجر والتهديد. وأمّا في الحالات المتقدّمة فلابدّ من إبعادهما عن بعضهما البعض وفصلهما أو نقل أحد الطرفين لمكان آخر.
ومن أهمّ سبل الوقاية الحرص على التنشئة الصحيحة التي تقوم على حبّ الله وحبّ رسوله - صلى الله عليه وسلم- وتوجيه طاقاتهنّ وتعديل سلوكهنّ وشغل أوقاتهنّ بما هو نافع وتكلفتهنّ بمهام قادرات عليها وزرع الثقة فيهنّ منذ نعومة أظفارهنّ ومعاملتهنّ المعاملة الحسنة التي تقوم على الاحترام المتبادل والتقدير ومحاولة ربطهنّ بالمثل العليا كالصدق والأمانة واحترام القيم.