تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 45 الأولىالأولى 123456789101112131415161718 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 141 إلى 160 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة البقرة - (133)
    الحلقة (140)



    تفسير سورة البقرة (98)


    كان الناس ما بين آدم ونوح عليهما السلام فترة طويلة أمة واحدة على دين الإسلام، لم يعبد بينهم إلا الله وحده، حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير الله فكان الشرك والضلال، فبعث الله نوحاً لهدايتهم فاختلفوا إلى مؤمن وكافر، وموحد ومشرك، ثم توالت الرسل تحمل كتب الله، المتضمنة الحكم في كل ما يختلفون فيه، فكانت سنة الله في المختلفين أن هدى عباده المؤمنين إلى الحق، وحققت الضلالة على من حملهم الحسد وحب الرئاسة فردوا الكتاب.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع قول ربنا تبارك وتعالى من سورة البقرة: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].لا مانع من أن نذكر أنفسنا بالآيتين السابقتين في ليلة مضت، ثم نذكر هداية الآيتين تعليماً وتذكيراً، أما الآيتان فهما قوله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:211-212].

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: التحذير من كفر النعم ]، حذرنا الله بهذه الآية من أن نكفر نعمه، أي: نجحدها، ولا نعترف بها لله، ولا نشكره عليها، حذرنا ربنا تعالى من كفر النعم، وما يترتب عليه من سلبها والانتقام من الكافرين بها.[ التحذير من كفر النعم؛ لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب، ومن أجلِّ النعم ] وأفضلها وأعظمها [ نعمة الإسلام ]، نعمة الدين الإسلامي، [ فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لأشد العقوبات وأقساها، وما حل ببني إسرائيل من ألوان الهون والدون دهراً طويلاً شاهد قوي ] على أن من أعرض عن دين الله استوجب غضب الله ولعنه الله وأذله وأخزاه، [ وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن الإسلام واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيضاً ]، عسى المستمعون يعون هذه المسائل العلمية.[ ثانياً: التحذير من زينة الحياة الدنيا والرغبة فيها والجمع لها ونسيان الدار الآخرة وترك العمل لها، فإن أبناء الدنيا اليوم يسخرون من أبناء الآخرة، ولكن أبناء الآخرة أهل الإيمان والتقوى يكونون يوم القيامة فوقهم درجات، إذ هم في أعالي الجنان والآخرون في أسافل النيران ].تلك هداية الآيتين الكريمتين، فهيا بنا مع هذه الآية، وهي واحدة ولكنها طويلة.

    دلالة الآية القرآنية على وحدانية الله تعالى ونبوة رسوله

    معشر المستمعين! هل بينكم من لم يفهم أو يعرف معنى الآية؟ ما معنى آية؟الآية في لغتنا: العلامة، القرآن فيه ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية علامة على وجود الله وربوبيته وإلهيته وصحة شرعه ودينه، وعلى صحة نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.ووجه ذلك: أن من أنزل هذه الآية هل يكون معدوماً؟ هذه الآية التي تحمل الهداية الكاملة للبشرية هل صاحبها يكون جاهلاً؟ مستحيل، والذي نزلت عليه وقرأها وكتبها أصحابه ألا يكون رسول الله؟ مستحيل! كيف لا يكون رسور الله وقد أوحى إليه بالآيات وأنزلها عليه؟فلهذا كل آية في القرآن تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولن يستطيع ذو منطق أو عقل أو فلسفة أن ينقض هذه، والله! لا يقدر، فالآية من أنزلها؟ هل هناك من ادعى نزولها وقال: أبي أو جدي، أو قال: بنو فلان؟ سكتت البشرية وطأطأت رأسها وسلمت أن هذا وحي الله وإنزاله وكتابه، إذاً: فهل يكون منزل الوحي والكتاب غير موجود، أو يكون جاهلاً، أو يكون ضعيفاً؟ مستحيل، ومن نزلت عليه هو رسول الله قطعاً، إذاً: فكل آية تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ...)

    زمن أول تحول في البشرية من التوحيد إلى الشرك

    يقول تعالى -واسمع العلوم التي ما وصلت إليها فهوم البشر ولا أدركتها عقولهم-: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213]، من هم الناس؟ بنو آدم أبيضهم وأصفرهم على حد سواء، كان الناس في وقت ما في ظرف بعيد، هذا الوقت هو ما بين آدم أبي البشر نبي الله عليه السلام ونبي الله نوح عليه السلام، ولكن في هذا تجوُّز؛ إذ ذلك الوقت من آدم إلى قبل نوح بزمن، كان الناس كلهم على ملة الإسلام، ليس فيهم كافر ولا مشرك ولا يهودي ولا نصراني، كلهم على الإسلام أمة واحدة، لا مذهبية ولا فرقة حوالي ألف سنة، ثم مكر بهم الشيطان ودس لهم دسائس الخبث واستطاع أن يحولهم من موحدين إلى مشركين، فلما أشركوا استلزم ذلك وجود وحي وكتاب وتعليم، ثم انقسموا ما بين مؤمن وكافر، أما الفترة من آدم إلى ما قبل نوح بزمن فكانت البشرية كلها أمة واحدة، لا فرقة بينها ولا خلاف.وعلم الله تعالى بداية الفتنة، وهي أن إبليس عدو آدم وبنيه ما أعجبه أن تستمر البشرية دائماً في انتظام وإسلام وطهر لتدخل الجنة كلها، فزين لمن قبل نوح، أي: قبل البعثة، زين لهم أن يضعوا تماثيل لخمسة رجال من الصالحين، هؤلاء الرجال الصالحون زين لهم وضع تماثيل لهم، حتى إذا نظروا إليهم أحبوهم ورغبوا في صلاحهم وما كانوا عليه، ويأخذون في زيارتهم فترة من الزمن، وبعد فترة من الزمن مات من عرفوا هذه القضية، فزين لهم عبادة تلك الأوثان أو تلك التماثيل الخمسة، فعبدوهم بحجة الاستشفاع والتقرب بهم إلى الله، فلما عبدوهم وأشركوا بربهم أرسل الله تعالى إليهم رسوله نوحاً عليه السلام، هؤلاء الصالحون الخمسة جاءوا في سورة نوح بلفظ بين واضح؛ إذ قال تعالى عنهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] التي تعبدونها، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، قالوا: هذا من باب التوصية والتحذير: إياكم أن تغتروا بهذا الرجل وما يقوله لكم فتتخلوا عن آلهتكم وعن الصالحين من أولياء الله، وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] أي: لا تتركن آلهتكم، وبخاصة: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح:23-24].

    معنى قوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)

    إذاً: الآن كان الناس أمة واحدة، في أية فترة؟ ما بين آدم ونوح بإجمال، فلما ظهر فيهم الشرك والكفر واختلفوا قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] نبياً بعد نبي ورسولاً بعد رسول في أوقات مختلفة بحسب حالة الناس وحاجاتهم، مهمتهم: مُبَشِّرِينَ [البقرة:213] المؤمنين المستقيمين برضا الله وجنته، وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] الكافرين بغضب الله وعذابه، إذ ليس لهم مهمة إلا هذه، يعلمون الهدى فمن أجاب نجا ومن أعرض خسر وهلك. كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] أي: على ملة التوحيد، فلما اختلفوا ودس العدو بينهم الشرك والضلال، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ [البقرة:213] للمستقيمين، وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] للمنحرفين. وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:213] والكتاب هنا اسم جنس، فـ(أل) للجنس، أي: الكتب، فصحف إبراهيم كانت عشر صحف، وصحف موسى، وصحف شيث كانت ستين صحيفة.إذاً: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [البقرة:213]، تحمل تلك الكتب من أجل ماذا؟ قال: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213].من الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من عقائد وشرائع وآداب؟ الله عز وجل منزل الكتاب ومنبئ النبي ومرسل الرسول هو الذي فعل هذا.
    معنى قوله تعالى: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم)
    ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213].هنا في الكلام إجمال، وأنزل الكتاب أيضاً على مصطفاه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنزله بالحق أيضاً؛ إذ قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ.. [النساء:105] الآية.إذاً: أنزل مع الرسل -كموسى عليه السلام- الكتب، لم؟ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فيبين صاحب الحق من صاحب الباطل، والمؤمن من الكافر، والسعيد من الشقي.ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة:213] أي: في الكتاب، وهو صالح لأن يكون الإنجيل والقرآن، إذ اليهود اختلفوا في الإنجيل وأنكروه وكذبوا به، وقالوا في عيسى: ساحر وابن زناً، إذاً: فاختلفوا، فمن الذين اختلفوا؟ أهل الكتاب من اليهود، اختلفوا في شأن عيسى والإنجيل، واختلفوا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم. وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ [البقرة:213] أي: الكتاب مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213] والأدلة والمعجزات القاطعة كالشمس تقرر نبوة عيسى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم وقف هؤلاء اليهود هذا الموقف؟قال تعالى: بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] لأنهم رؤساء ومسئولون ومسيطرون وقادة والبشرية دونهم، فإذا تنازلوا عن مراكزهم الدنيوية التي تحمل شعار الدين والمعرفة والعلم أصبحوا كسائر الناس، فعرفوا هذا فأصروا على البغي والعدوان؛ حتى لا ينزلوا من مراكزهم، ومن مظاهر ذلك أنهم صرحوا غير ما مرة في المدينة بصحة الإسلام وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن قالوا: إذا اتبعناه انتهى وجودنا، ما بقي لنا وجود أبداً في العالم، ذبنا في الإسلام، ويشهد لهذا: أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا من الأوس والخزرج، ويقولون لهم: إن نبياً قد أظل زمانه وسنؤمن به ونتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم، فحين يقع شجار أو نزاع بين الأوس والخزرج واليهود يقولون لهم هذا، قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ [البقرة:89-90].إذاً: يقول تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة:213] في الكتاب الذي أنزلناه على عيسى وعلى محمد صلى الله عليه وسلم إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213] من هؤلاء؟ اليهود، وذلك بَغْيًا [البقرة:213] أي: من أجل البغي بينهم.

    معنى قوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)

    فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213] فهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه أهل الكتاب اليهود مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، وهنا هذه الآية تحمل أيضاً معنى آخر واضحاً بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو: أن يوم الجمعة، هذا اليوم الذي خلق الله فيه آدم، وأهبطه إلى الأرض فيه، وهو الذي تقوم فيه الساعة، أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، هذا اليوم عرض على اليهود فرفضوه وردوه على أنبيائهم واختاروا السبت فكان لهم السبت، فكانوا يعبدون الله فيه بعبادات مشروعة مبينة من قبل الشارع، وجاء النصارى من بعد فرفضوا الجمعة ورفضوا السبت ورضوا بالأحد، فعالم النصارى عالم الصليب يقدس الأحد، والكل يعبدون الله بتلك العبادة الباطلة في كنائسهم يوم الأحد، فهذا اليوم الفاضل العظيم اختلفوا فيه فهدى الله أمة الإسلام إليه، قال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، من الذي هدانا؟ الله عز وجل. وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] والصراط المستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه، هو الذي ينتهي بالسالكين إلى دار السلام، إنه الإسلام، والله يهدي من يشاء هدايته إلى أين؟ هل إلى المسيحية أو اليهودية أو المجوسية؟ إلى الإسلام، وسماه الصراط المستقيم، وعلمنا كيف ندعو الله ونقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] أي: ثبتنا على سلوكنا ومشيتنا وسيرنا على الإسلام حتى ننتهي إلى دار السلام.

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    مرة ثانية تأملوا هذه الآية الكريمة قبل أن نأخذ في شرحها من الكتاب.يقول تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] على الإسلام وعلى التوحيد، في بداية أمر الحياة قرابة الألف سنة، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] لم؟ لما اختلفوا وتناحروا وظهر الكفر بعث الله تعالى النبيين، كان الناس أمة فاختلفوا فبعث الله النبيين، أو فضلوا فبعثهم لهدايتهم، إذ ذلك من رحمة الله تعالى بعباده، وهو أرحم بهم من أنفسهم لا يريد لهم البلاء ولا الشقاء ولا الأذى، يريدهم أن يذكروه ويشكروه، وهذه علة خلقه لهم، فلو سئلت: لم خلق الله الجنة والنار؟ لم خلق الله السماوات والأرضين؟ لم خلق الله هذه العوالم؟فالجواب : خلقها للإنسان، والإنسان لم خلقه؟ ليذكره ويشكره، أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر فأوجد هذه العوالم لابن آدم، وأوجد الجنة لأوليائه والنار لأعدائه لعلمه أنهم سيعادونه ويحاربونه، وشرع لهم الذكر والشكر، فقال: خلقتكم لهذه المهمة، وفي القرآن: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والجن تابعون للإنس لا يستقلون، وفي حديث قدسي: (يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي)، وماذا يفعل الله بنا؟يريد منا أن نذكره ونشكره، نذكره في قلوبنا وألسنتنا طول الحياة، ونشكره بطاعتنا له، بفعل الأوامر وترك النواهي، وفعل الأوامر من شأنه تزكية نفوسنا وتطهيرها، وترك النواهي من شأنه أن يبقي لنا طهرنا وصفاءنا، فعل الأوامر به تنتظم حياتنا في المأكل والمشرب والملبس والمركب، وترك النواهي من شأنه أن يبقى صلاحنا في حياتنا في طعامنا في لباسنا، ما خلق الله شيئاً عبثاً، تعالى الله علواً كبيراً عن اللهو والعبث: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39].

    نهاية قوم نوح عليه السلام

    يقول تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] إذاً فاختلفوا، ظهر الشرك وبدأ بقوم نوح، نوح عاش فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو إلى الله ويلون الدعوة فمرة يسر ومرة يعلن، مرة يدعوهم مجتمعين ومرة يدعوهم متفرقين، ألف سنة كانت الحصيلة فيها ثلاثة وثمانين امرأة ورجلاً على قدر حمل تلك السفينة، ثلاثة وثمانون رجلاً وامرأة في ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعابوه وقالوا فيه وفعلوا العجب، لولا حماية الله لقتلوه، وأما القول فلا تسأل عن أقوالهم، كان إذا تكلم معهم ماذا يفعلون؟ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [نوح:7]، ما نريد أن نسمع ولا نرى وجهك، يدخلون أصابعهم حتى ما يسمعون، يغطون وجوههم بثيابهم هكذا حتى لا يشاهدوه، ما نريد أن نرى وجهك اذهب عنا، اتركنا، لتسعمائة وخمسين عاماً.ولما دقت الساعة وأراد الله أن ينتقم، والله يملي ويزيد ويفسح المجال للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].إذاً: فما كان منه تعالى إلا أن أمره بأن يصنع فلكاً، وجبريل يساعده أو ميكائيل، وكانوا يمرون عليه ويسخرون به: يا نوح! تأتي بالبحر هنا أو تنقل هذه إلى البحر! كلما مر سخروا منه واستهزءوا: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38].والشاهد عندنا: أنه لما دقت الساعة قال تعالى: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [هود:40] وقضاء الله وقدره فيه كابنه كنعان ؛ فإنه هالك، ورست السفينة على جبل الجودي، وقد عثر عليها في قرون متأخرة.والشاهد عندنا: أنه تعالى أملى لهم ألف سنة تقريباً والدعوة بينهم وهم يسخرون ويضحكون ويستهزئون، والرسل الآخرون ما أعطاهم هذه الفترة.

    عاقبة قوم عاد

    قوم عاد كانوا جبابرة في الأرض، واقرءوا: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8]، كان طولهم قريباً من ستين ذراع كأبينا آدم عليه السلام؛ لأن آدم لما خلقه الله كان طوله ستين ذراعاً ولا يزال الخلق ينقص إلى اليوم، فنحن بالنسبة إلى آدم أقزام، وفينا من هو مثلي قزم تماماً. فعاد كانوا في القرون الأولى، إذاً: كانوا عجباً، ولكن ما فعل الله بهم؟ عاصفة في سبع ليال وثمانية أيام فقط، والمساحة التي خرجت منها قالوا: كعين الإبرة فقط، فما تركت داراً ولا بناء، تركتهم كالنخيل الخاوية: كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]، حتى إن عجوزاً دخلت في غار في الجبل وظنت أنها نجت، فدخلت الريح كاللولب وأخرجتها وصرعتها على الجبل، وما زال المؤرخون يقولون عن بعض الأيام: هذه قرة العجوز، هذه الأيام معروفة عند العرب، القرة من البرد، وقرة العجوز آخر يوم من السبعة الأيام.

    عاقبة قوم ثمود

    ثم كانت ثمود، وديارهم شمال المدينة على بعد ستمائة كيلو، لما نجا المؤمنون مع هود عليه السلام نزحوا إلى الشمال واستقروا في تلك الأماكن وطالت الحياة وأصبحت أمة كأمة عاد، وحسبك أن تشاهد آثارهم في تحويل الجبال إلى منازل وقصور، أين الآلات التي كانت عندهم؟ فلما أعرضوا عن ذكر الله وتعالوا وتكبروا وسخروا من صالح أيضاً وقالوا: يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:77]، وقالوا: إن كنت تزعم أنك رسول فاسأل ربك أن يخرج لنا ناقة من هذا الجبل، في تحد واضح، فقام يصلي ويدعو فتصدع الجبل وخرجت منه ناقة عشراء لم تر الدنيا مثلها، هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف:73]، وجعل الماء قسمة بينهم لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] حتى لا تختلطوا معها، فيوم الخميس للناقة ويوم الجمعة لكم وهكذا، فما كان منهم إلا أن تمالئوا وتآمروا وعقروها، فلما عقروها دقت الساعة، واقرءوا من سورة الشمس: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [الشمس:11]، المال والقوة، فلهذا الفقر دائماً خير من الغنى، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس:11-12]، هذا قدار بن سالف ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13] انتبهوا! ناقة الله احذروها واتركوها واتركوا سقياها معها، فلما أبوا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس:14]، حولهم إلى خبر كان بصيحة واحدة أيضاً، ولكن على ثلاثة أيام: فيوم الأربعاء اصفرت وجوههم، ويوم الخميس احمرت وجوههم وهم جاثمون ما بقي من يأكل ولا يشرب ولا يتحرك، جاثمون على الأرض، ويوم الجمعة اسودت وجوههم اسوداداً كاملاً، وفي صباح السبت بعد الفجر مباشرة كانت الصيحة فصعقوا عن آخرهم، بقوا جثثاً على الأرض تأكلها الطيور والحيوانات، أمة كاملة؛ لأن آية صالح الناقة هذه عجب عجاب.والشاهد عندنا: أنه بعث الله النبيين لهداية البشر بعدما ضلوا واختلفوا، ومهمتهم أنهم مبشرون من يستجيب لهم ويمشي وراءهم ويتبع خطاهم فيطيعهم ويطيع ربهم، يبشرونه بالسعادة المطلقة في الدنيا والآخرة، ومنذرون لمن يعرضون ويتكبرون أو يعاندون ويحاربون، وأنزل معهم الكتاب أيضاً بالحق يحمله من أجل ماذا؟ ليحكم بين الناس فيعطي كل ذي حق حقه، قال تعالى: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213].اليهود اختلفوا مع النصارى في عيسى عليه السلام، واختلفوا مع المؤمنين في محمد صلى الله عليه وسلم، لم؟ لأن البغي أصبح طبعاً لهم، ما يستريحون إذا لم يظلموا ولم يحسدوا. فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] وهم المسلمون، هداهم للذي اختلف فيه اليهود والنصارى، من جملة ذلك الجمعة، الجمعة اختلفوا فيها، عرضت على اليهود على ألسنة رسلهم فرفضوها، عرضت على النصارى فرفضوها، إذاً: ونحن الآخرون السابقون.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآية

    والآن معنى الآية الكريمة في الشرح. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:يخبر تعالى أن الناس كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلام في فترة طويلة أمة واحدة على دين الإسلام لم يعبد بينهم إلا الله تعالى، حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير الله تعالى فكان الشرك والضلال ].والشيطان هذه مهمته، أما زين لقوم لوط -كما علمتم- أفحش فاحشة ما عرفتها الدنيا قط؟ ومع هذا علمهم إياها فكانوا يأتونها في أنديتهم أمام بعضهم والعياذ بالله.قال: [ فبعث الله تعالى لهدايتهم نوحاً عليه السلام فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك، وتوالت الرسل تحمل كتب الله تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه.ثم أخبر تعالى عن سننه في الناس ] وطريقته فيهم، [ وهي أن الذين يختلفون في الكتاب -أي: فيما يحويه من الشرائع والأحكام- هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات، فهؤلاء يحملهم الحسد وحب الرئاسة والإبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب ].فاليهود لم رفضوا القرآن ونبيه؟ جاء بالهدى، ولكن معناه: أن يسلبهم مناصبهم ومراكزهم، وينتهي ما كان يعبدون الله به، وهذا لا يريدونه، وقد أفصحوا وتجلت هذه الحقيقة، فهم يعملون على إعادة مجد بني إسرائيل وحكمهم ودولتهم، فالدين مجرد تمسح فقط، وإلا فالاتجاه الحقيقي أن يعود لهم ملكهم ودولتهم، هذا السبب الوحيد الذي رفضوا به قبول الإسلام وإن لم يصرحوا به، قالوا: نحن في غنى عن الإسلام، عندنا دين الله وكتاب الله لسنا في حاجة إلى هذا، لكن الواقع أنهم يريدون أن يعيدوا مملكة بني إسرائيل، وظهر هذا الآن واتضح بعد ألف وأربعمائة سنة حيث ظهرت دولة إسرائيل في أعظم مركز من مراكز العالم الإسلامي في القدس؛ فلهذا لا يسلمون ولا يقبلون الإسلام.قال: [ واليهود هم المثل لهذه السنة، فإنهم أوتوا التوراة فيها حكم الله تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين ] الكثيرين [ من أنبيائهم ورسلهم، واختلفوا في كثير من الشرائع والأحكام، وكان الحامل لهم على ذلك البغي والحسد، والعياذ بالله ] تعالى، [ وهدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى، فقال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] ]، أي: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم المسلمون، هداهم للإيمان بكل الكتب وسائر الرسل ونجاهم مما اختلف فيه من قبلهم والحمد لله.قال: [ فقال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق، هداهم بإذنه ولطفه وتوفيقه، فله الحمد وله المنة.ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا الله تعالى إليه:أولاً: الإيمان بعيسى ]، فعيسى اختلف فيه اليهود والنصارى، اليهود قالوا: ساحر ودجال وابن زناً، وكفروا به، وعزموا على قتله وقتلوا من شبه لهم به، وجعلوه كما تعرفون، والنصارى قالوا: هو الله وابن الله وثالث ثلاثة مع الله، وتاهوا في متاهات لا حد لها، هذا اختلاف واضح، وهدى الله هذه الأمة فقالوا: عيسى عبد الله ورسوله، والله! إنه لعبد الله ورسوله، ما هو بالله ولا ابن الله ولا بساحر ولا بدجال ولا بكذاب.إذاً: [ الإيمان بعيسى عبد الله ورسوله حيث كفر به اليهود وكذبوه واتهموه بالسحر وحاولوا قتله، وألَّهه النصارى وجعلوه إلهاً مع الله، وقالوا فيه: إنه ابن الله، تعالى الله عن الصاحبة والولد.ثانياً: يوم الجمعة وهو أفضل الأيام، أخذ اليهود السبت والنصارى الأحد، وهدى الله تعالى إليه أمة الإسلام ]، وقد جئنا بعدهم، فالمفروض أنهم الذين يأخذونه.[ ثالثاً: القبلة قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ]، ما هي قبلة إبراهيم؟ الكعبة، أليس هو الذي بناها، إذاً: [ استقبل اليهود بيت المقدس، واستقبل النصارى مطلع الشمس ] إلى الآن، [ وهدى الله أمة الإسلام إلى استقبال البيت العتيق قبلة إبراهيم عليه السلام، والله يهدي من شاء إلى صراط مستقيم ].لو شاء الله هدايتهم لهداهم، أي: اليهود والنصارى، لكن لما تمردوا وكفروا واحتالوا ومكروا لم يشأ هدايتهم، ورأى هذه الأمة مقبلة على الله تريد رضاه فهداها إلى القبلة الحق، إذ صلى النبي صلى الله عليه وسلم هنا حوالي سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، وكان يتطلع إلى قبلة الكعبة، حتى أنزل الله قرآناً واضحاً في هذا: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، حتى إن بني سلمة في مسجدهم صلوا العصر ركعتين إلى بيت المقدس وجاء من قال لهم: إن القبلة تحولت فصلوا الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة.إذاً: عرفنا الأمور التي اختلف فيها أهل الكتاب وفزنا بها نحن: الأمر الأول: عيسى عليه السلام، قال اليهود فيه: ساحر وابن زناً، وحاولوا قتله وقتلوا من شبه به، فحكمه حكم من قتل؛ لأن الذي تمثل به قتلوه وصلبوه.الثاني: الجمعة، اختلفوا في أفضل الأيام وأقدسها وأطيبها، فأخذ اليهود السبت والنصارى والأحد، والمسلمون هداهم الله تعالى إلى الجمعة، أتدرون ما يوم الجمعة؟ فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي ويسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وهات أكتب لك بذلك صكاً، ساعة لا يوافيها مؤمن يصلي ويدعو الله وسأل الله شيئاً إلا أعطاه، هذه فقدها الفريقان اليهود والنصارى.الثالث: القبلة، اختلفوا فيها، فالنصارى قبلتهم مطلع الشمس واليهود بيت المقدس، وهدى الله المسلمين إلى قبلة أبيهم إبراهيم، فالحمد لله.

    هداية الآية

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: الأصل هو التوحيد والشرك طارئ على البشرية ]، عبد الله آدم وأولاده وأحفادهم ألف سنة ليس هناك شرك، فالأصل هو التوحيد، والشرك طرأ بوسوسة الشيطان وتزيينه.[ ثانياً: الأصل في مهمة الرسل ] أمران: [ البشارة لمن آمن واتقى، والنذارة لمن كفر وفجر ]، مهمة الرسل ما هي؟ تتجلى في أمرين: البشارة والنذارة، البشارة لمن آمن واتقى، والنذارة لمن كفر وفجر، [ وقد يشرع لهم قتال من يقاتلهم فيقاتلونه كما شرع ذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم.ثالثاً: من علامات خذلان الأمة وتعرضها للخسار والدمار: أن تختلف في كتابها ودينها، فيحرفون كلام الله ويبدلون شرائعه طلباً للرئاسة وجرياً وراء الأهواء والعصبيات، وهذا الذي تعاني منه أمة الإسلام اليوم وقبل اليوم، وكان سبب دمار بني إسرائيل ].وهذا واقع أم لا؟ مذاهب متعددة هابطة في الأمة.[ رابعاً: أمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] ].فأمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة، الكتاب القرآن والسنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته، وذلك عقيدة وعبادة وحكم، هذه هي الأمة المعنية بقوله تعالى في هذه الآية: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].[ خامساً: الهداية بيد الله، فليطلب العبد دائماً الهداية من الله تعالى بسؤاله المتكرر ] ليل ونهاراً [ أن يهديه دائماً إلى الحق ]، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:213] فمن هو الذي يشاء الله هدايته؟ الطالبون الراغبون الملحون الذين يقرعون باب الله يسألونه الهداية، هم الذي يهديهم، والمعرض والمتكبر لا يهتدي.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة البقرة - (134)
    الحلقة (141)



    تفسير سورة البقرة (99)

    إن دخول الجنة واستحقاقها ليس بالأمر السهل الهيّن، فإن من سنة الله في خلقه أن يتعرض عباده المؤمنون لأيام شدة ولأواء، ويمتحنوا في ذات الله، ويبتلوا في أنفسهم وأموالهم، وقد أنكر الله عز وجل على المؤمنين ظنهم أن يدخلوا الجنة دون امتحان وابتلاء، وقبل أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من البأساء والضراء والزلزال، حتى يستبطئ النبي ومن معه نصر الله من شدة ما يلاقون.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، اللهم آمين.الآية التي درسناها في الدرس السابق كنا ما وفيناها حقها مما ينبغي أن نعرفه منها ونفهمه، فلهذا أذكركم بها أولاً تلاوة وتأملوا مضمونها، ثم نذكر مضمونها في الشرح.

    بعثة الرسل بعد ظهور الشرك في الناس

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].فعلمنا أن البشرية أو الإنسانية مرت بها فترة طويلة من عهد آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تعالى نوحاً، كانت تعيش على التوحيد، لا شرك ولا كفر، فلما اجتالتها الشياطين، ونفخت فيها روح الإلحاد والشرك والكفر، وأصبحوا يشركون بربهم ويكفرون به؛ بعث الله تعالى رسوله نوحاً، فكان أول الرسل يحمل الرسالة للبشارة والنذارة، يبشر المؤمنين المتقين، وينذر الكافرين الفاجرين، دل على هذا قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] أي: على ملة التوحيد، إذ الأصل التوحيد، إذاً: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] بعدما ارتبكت الحالة واختلطت، وأصبح فيها الشرك والفسق والباطل والشر، فحكمة الله تقتضي أن يرسل رسلاً يحملون هدايته إلى عباده، فمن أجاب فآمن واستقام بشروه بوعد الله الصادق بالنجاة من النار ودخول الجنة، ومن أصر على الشرك ومشى وراء الشياطين فإنهم ينذرونه بعذاب الله اللازم له.

    إنزال الكتب على المرسلين لهداية الخلق

    كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] بعدما اختلفوا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:213]، فإبراهيم كان معه ثلاثون صحيفة، وشيث كان معه ستون صحيفة، وموسى معه عشر صحف، وهكذا التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، فلفظ الكتاب هنا اسم جنس، يدخل فيه كل ما أنزل الله من الكتب، وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [البقرة:213] لعلة أن يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من شأن التوحيد والشرك، والكفر والإيمان، وطاعة الرحمن عز وجل.

    اختلاف أهل الكتاب في الحق

    ثم أخبرنا تعالى أن الذين اختلفوا فيه هم الذين أوتوه من قبل، وهذه تنطبق على اليهود انطباقاً كاملاً، هم الذين اختلفوا في رسالة عيسى؛ لأنه كان بين أيديهم التوراة، ويتلونها ويعملون ببعض ما فيها، فالمفروض أن يؤمنوا بالإنجيل، ويدخلوا تحت راية عيسى لينجوا، فاختلفوا، واستمر خلافهم حتى بعث الله النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لسنا في حاجة إلى دين جديد ولا إلى كتاب جديد! وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] حال كونهم بغاة، من أجل البغي والحسد فقط، وإلا فكتاب الله هو كتاب الله، ورسول الله هو رسول الله، أنزل الله كتاباً ونسخه بآخر، فنأخذ بالناسخ ونترك المنسوخ، لكن البغي النفسي والحسد والبغض هو الذي حملهم على هذا.

    هداية المؤمنين لما اختُلِف فيه من الحق

    وقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] قطعاً هم المؤمنون المحمديون، هداهم الله تعالى لما اختلف فيه اليهود والنصارى، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم، هداهم الله عز وجل للذي اختلف فيه أهل الكتاب، وقد حصرناه في ثلاث مسائل:أولاً: اختلف اليهود والنصارى في عيسى، اليهود قالوا: ابن زناً والعياذ بالله، وقالوا: ساحر، حين كانوا يشاهدون المعجزات يقولون: سحر، والنصارى قالوا فيه: ابن الله، واختلفوا، وقال المؤمنون المسلمون بحق: هو عبد الله ورسوله، عبد الله من سائر عبيده اصطفاه بالرسالة فأرسله، فهو عبد الله ورسوله، ولهذا نشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله.ثانياً: اختلفوا في يوم الجمعة مع ما له من فضل، هذا اليوم خلق الله فيه آدم، وأنزله فيه إلى الأرض، وهو يوم تقوم فيه الساعة، وهو أفضل الأيام، وحسبنا أن فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي ويدعو الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه.فاليهود عليهم لعائن الله قالوا: إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهي: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة واستراح يوم السبت، فقالوا: هذا هو اليوم الذي نستريح فيه نحن، وهذا من تزيين الشيطان، وأبطل الله هذه الفرية في آية من سورة (ق)، إذ قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]، أي: نصب أو تعب، فأبطل فريتهم.وجاء النصارى فاختاروا الأحد، وجاء المسلمون بعدهم أتباع النبي الخاتم فهداهم الله إلى يوم الجمعة، فلنا يوم الجمعة ولليهود السبت، وللنصارى الأحد، هدانا الله لما اختلفوا فيه، فالحمد لله.ومما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فترة الحياة من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة هي بمثابة طلوع الشمس إلى غروبها، كيوم واحد، فتلك الأمم توالت وجئنا، فنحن الآخرون الأولون، وقتنا: من صلاة العصر إلى غروب الشمس، هكذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم، فنحن الآخرون الأولون.

    اختصاص الله تعالى بالهداية

    إذاً: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] لا هداية بدون إذن الله، فلهذا من طلب الهداية يطلبها من الله بإلحاح، ولا يفهم أنه في إمكانه أن يهتدي إلى الصراط المستقيم؛ إلى محاب الله فيعملها، وإلى مكاره الله فيتركها، هيهات هيهات إذا لم يكن الله عوناً له وهادياً له، وحسبنا في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد ويصلي يقول هذا الدعاء: ( اللهم رب جبريل وميكائيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )، هذا الرسول حامل راية الهداية، وهو داعيها، ومع هذا كل ليلة يتضرع بين يدي الله ويسأله أن يهديه لما اختلف فيه الأولون من الحق بإذنه.

    أهمية ديمومة سؤال الله تعالى الهداية

    فمن هنا قول ربنا: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:213] ويحب إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] يجعلنا نضطر أنفسنا إلى أن نسأل الهداية طول حياتنا، لسنا بأهدى من رسول الله، ومع ذلك يقول: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ). وكثيراً ما أقول للمستمعين والمستمعات: من هم الذين يشاء الله هدايتهم؟ بنو الأصفر، العرب، بنو كذا؟ من هم؟ الجواب -معشر المستمعين والمستمعات-: هم الذين قرعوا باب الله ولازموه، واستمروا طول حياتهم يدعونه الهداية، هم الذين شاء الله هدايتهم، أما المتنكبون والمعرضون -فضلاً عن الساخرين والكافرين- فهؤلاء لا يشاء الله هدايتهم؛ لأنه عليم حكيم، فالذي أقبل على الله في صدق يتضرع إليه ويسأله الهداية حاشا لله أن يحرمه إياها أو يخيبه في دعائه، والذي يقرع الباب مرة ومرتين ثم يتأخر ما ينتفع، لا بد من ملازمة، وحسبنا هذا الحديث، كلما قام في الليل يتهجد ويبكي يتوسل إلى الله بهذه الوسيلة العظيمة: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )، فلا بد من سؤال الله الهداية طول الحياة.إذاً: ومما اختلف فيه الأولون وهدى الله إليه المؤمنين: القبلة، كان اليهود يستقبلون بيت المقدس، والنصارى يستقبلون مطلع الشمس ومشرقها، فهدانا الله نحن إلى الكعبة، وهي قبلة إبراهيم وإسماعيل والأنبياء حتى هود وصالح، فاختلفوا في القبلة فاستقبل اليهود بيت المقدس، واستقبل النصارى طلوع الشمس، وهدانا الله نحن إلى كعبته التي بناها لآدم لما هبط إلى الأرض، فاختلفوا وهدانا الله، فالحمد لله.
    تابع قراءة في تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ...) من كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    تلك الآية فيها هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية:من هداية الآية:أولاً: الأصل هو التوحيد والشرك طارئ على البشرية ] كما قدمنا؛ لأن آدم خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وأخرج من ضلعه الأيسر حواء امرأته وأهبطهما إلى الأرض، فآدم نبي الله، يعلم عن الله ويوحي الله تعالى إليه، وأولاده تناسلوا، كلما يولد مولود يعرف الحق ويعرف التوحيد ويعبد الله، وقد قص الله تعالى علينا قصة قابيل وهابيل، وهما ابنا آدم عليه السلام، وقتل قابيل هابيل حسداً، ولهذا فالحسد أخطر ما يصاب به البشر، قل لأخيه: لم يقبل الله صدقتك ولا يقبل صدقي؟ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27]، والعلة في قبول الله هذا ورفض هذا أن هابيل قدم خير ماله وأفضل ما يملك لربه، والآخر جمع أشياء فاسدة ما له حاجة إليها، وتقدم بها قربناً لله، وهكذا الصدقة إذا كانت مما فيه رداءة وعدم صلاحية لا قيمة لها، أنت تتقرب إلى الله وتقدم إليه بما لا تريده! كيف يصح هذا؟ كيف تواجه الله عز وجل؟ ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ).إذاً: واستمر التوحيد في أحفاد آدم وأحفاد أحفاده إلى أن حدث الشرك بدعوة إبليس وفتنته، إذاً: لما انتشر الشرك أرسل الله نوحاً، فدعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.[ ثانياً: الأصل في مهمة الرسل البشارة لمن آمن واتقى والنذارة لمن كفر وفجر ]، الأصل في مهمة الرسل ما هي؟ أن يبشروا من آمن واتقى، وينذروا من كفر وفجر، ثم المهام الأخر من العبادات إلى الجهاد تابعة، يقوم بها المؤمنون الصادقون.[ ثالثاً: من علامات خذلان الأمة وتعرضها للخسار والدمار أن تختلف في كتابها ودينها، فيحرفون كلام الله ويبدلون شرائعه طلباً للرياسة وجرياً وراء الأهواء والعصبيات، وهذا الذي تعاني منه أمة الإسلام اليوم وقبل اليوم، وكان سبب دمار بني إسرائيل ]. من علامات الخذلان أن يختلف الناس في دين الله، فلهذا على العلماء أن يعملوا ما استطاعوا على أن لا يفتحوا باب الخلاف للمسلمين، ولو قام بهذا الواجب العلماء لما ظهر الخلاف، الخلاف كله شر لا خير فيه، الأمم التي اختلفت تدمرت وخسرت حياتها.إذاً: فالآية تحمل هذا التنبيه: لا تختلفوا في كتابكم، فإن من اختلفوا في كتابهم هلكوا.[ رابعاً: أمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] ]، أي: لما اختلف فيه أهل الكتاب: اليهود والنصارى.[ خامساً: الهداية بيد الله، فليطلب العبد دائماً الهداية من الله بسؤاله المتكرر أن يهديه دائماً إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ]، وقد قدمنا الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يسأل الله أن يهديه لما اختلف فيه الناس من الحق، ويهديه إلى صراط مستقيم.

    تفسير قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ...)

    كانت تلك الآية، والآن معنا آية أخرى، هي قول الله عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]. قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [البقرة:214] هذا الاستفهام معناه: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة أيها المؤمنون. وهذه كانت أيام الشدة، أيام البأساء واللأواء؛ المدينة محاصرة من جهاتها، حرب الخندق، حرب أحد، الجوع، وحسبنا ما علمنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يشبع من خبز الشعير ثلاثة أيام متوالية، حسبنا أن أبا هريرة كان يصرع في المسجد من شدة الجوع، فيأتي أطفال المدينة يركبون على ظهره ويقولون: جن أبو هريرة ! قال: وما فيَّ من جنون، ولكن الجوع.هذه الآية تحملهم على الصبر والثبات والشجاعة، حتى يفرج الله الهم ويزيل الغم ويرفع البلاء، وفعلت هذه الآية ما فعلت فيهم، صبروا ثبتوا، فهو يقول لهم: أحسبتم أن تدخلوا الجنة دار السلام بدون بلاء؟ ما هو بمعقول أبداً. ‏

    دخول التكاليف في الابتلاء الممحص لدخول الجنة

    والبلاء والابتلاء منه التكليف، فالغسل من الجنابة في الليلة الباردة من هذا، وإخراج زكاة مالك وإعطائها لغيرك من الابتلاء، شهودك بيت الله خمس مرات في الأربع والعشرين ساعة تسجد وتركع بين يديه مع إخوانك المؤمنين هذا ابتلاء، الإمساك عن الطعام والشراب شهر رمضان من الابتلاء، بر الوالدين، طاعة إمام المسلمين.. هذه كلها من الابتلاء، ويجب أن تصبر، وهي عوامل تزكية النفس وتطهيرها، فهل يدخل المرء الجنة ونفسه خبيثة؟ والله! ما كان أبداً، إذا لم يزكها بأدوات التزكية التي وضعها الله لها، ثم مات ونفسه خبيثة كأرواح الشياطين والكافرين فهيهات هيهات أن يدخل الجنة دار السلام. وحسبنا أن لا ننسى حكم الله الصادر علينا، أبيضنا وأسودنا أولنا وآخرنا؛ ذلكم الحكم العظيم الذي أقسم الجبار عليه لتطمئن النفوس وتسكن إليه، إذ قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، كثيراً ما نقول: هنا تقرير المصير، لا تفهم أن مصيرك تقرره يوم القيامة، لا والله، المصير يتقرر هنا، فمن آمن وحقق إيماناً سليماً صادقاً يقينياً، ثم اتقى الله فلم يفسق عن أمره ويخرج عن طاعته في الفعل والترك فقد زكى نفسه بهذه العبادات وطهرها من تلك الأرجاس والأنجاس، إذ ابتعد عن الشرك والكفر والخبث والفسق والفجور، فإذا جاء ملك الموت وجد نفسه مشرقة، والله! إنه ليحييه ويسلم عليه ويبشره وهو على سرير الموت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، ما مالوا يميناً ولا شمالاً، أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله، ونهضوا بما أوجب الله من الجهاد والرباط إلى الصيام والصلاة، هؤلاء: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] في ساعة الاحتضار، وفود الملائكة تبشرهم وتهنئهم، اللهم اجعلنا منهم.أما الذين يموتون وأرواحهم خبيثة منتنة بالإلحاد والشرك والكفر والعياذ بالله فقد أعلمنا الله بحكمه فيهم، ما ننسى آية من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41]، إذ المجرمون أجرموا على أنفسهم، لوثوها وأخبثوها بما أفرغوا عليها من أطنان الذنوب والآثام، ولا توبة ولا تراجع، الظالمون هم المشركون، ظلموا أنفسهم، بدل أن يطيبوها ويطهروها أخبثوها وعفنوها، وبين الرسول هذا بياناً شافياً، عندما يحتضر المؤمن التقي ولي الله، وتأتي الملائكة يسفر وجهه ويستبشر ويبتسم وهو يعالج بقبض روحه، ثم يعرجون بها ويستأذنون من أهل السماوات فيؤذن لهم إلى أن يقفوا بها عند العرش، ويكتب اسمها في عليين، ثم تعود إلى الأرض لفتنة القبر، ثم تعود إلى الجنة دار السلام، وأما الروح الخبيثة فوالله! ما يؤذن لها ولا تعرج إلى السماء ولا تصل إلى دار السلام، وتعود إلى الأرض لفتنة القبر، ثم تعود إلى أسفل سافلين في الدركات التي ما يخطر في البال أين هي. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:40]، التكذيب بالآيات هو التكذيب بالوضوء والغسل، هو التكذيب بالصلاة والزكاة، الذي كذب بالآيات كيف يعبد الله؟ الآيات هي حاملة للشرائع والعقائد والآداب والأخلاق والعبادات، والمستكبر كالمكذب، قال: أنا مؤمن، لكن يمنعه الكبر أن يغتسل من جنابة أو يصلي، فهل ينفعه هذا الإيمان؟وضربنا لهذا مثلاً قديماً: مريضان بأشد المرض، زرناهما فقدمنا للأول أدوية وعقاقير للعلاج، فقال: مع الأسف أنا لا أؤمن بهذه الخرافات والضلال، لا أقبل هذا العلاج الذي تقولونه. فهذا كذب به فمات، انتهى، فمشينا إلى الثاني فقلنا: مرحباً، أهلاً وسهلاً، جئناك بعلاج، فقال: جزاكم الله خيراً، نعم أنا مريض والعلاج نافع وأنا مؤمن بنفعه، ولكن مع الأسف ما عندي رغبة في هذا، تركه استكباراً فمات، فما الفرق بين المكذب والمستكبر؟ كلاهما هلك، فالذي يكذب بآيات الله ولا يقول بها ولا يعترف كالذي يقول: آيات الله ودين الله الإسلام حق ولا يريد أن يطبق شيئاً كبرياء، هل بينهما فرق؟ لا فرق. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، تعرفون سَم الخياط؟ سَم الخياط: عين الإبرة، التي كنا نخيط بها ثيابنا قبل الآلات، هل تستطيع أن تدخل حبلاً في عين الإبرة؟ فكيف بالجمل؟!إذاً: من أراد أن يدخل الجنة ونفسه خبيثة طلب المستحيل، كالذي يريد أن يدخل حبلاً في عين الإبرة، أو جملاً في عين الإبرة، هذا يقال فيه: التعليق على المستحيل، فهو مستحيل.وهكذا القرآن يخاطب العرب والعجم والعالم والجاهل بألفاظ قريبة جداً، هل من المعقول أن يدخل الجمل في عين الإبرة؟ مستحيل، كذلك النفس الخبيثة بالشرك والجرائم، هذه النفس يستحيل أن تدخل الجنة أو تفتح لها أبواب السماء أبداً، لا تعود إلا إلى الدركات السفلى في الكون في سجين.

    معنى قوله تعالى: (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ...)

    يقول تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [البقرة:214] أيها المؤمنون المحاصرون الجائعون، وَلَمَّا [البقرة:214]، (لما) بمعنى:لم، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214]، وفيه إشارة إلى أنه سيأتيهم البلاء والامتحان والشدائد؛ لأن (لما) تفيد الوقوع في المستقبل، ولما يأتكم صفة وحال الذين من قبلكم، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ [البقرة:214]، شدة البأس والبلاء، وَالضَّرَّاءُ [البقرة:214] الأمراض وما إلى ذلك، وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] زلزالاً يهز قلوبهم، والخوف من الأعداء يطوقونهم، ولو شاهدنا غزوة أحد فقط كيف كانت أو غزوة الخندق، خاصة غزوة الخندق هذه، أهل المشرق تجمعوا وزحفوا، أهل الجنوب كذلك، وطوقوا المدينة، ما كان من الرسول إلا أن أمر رجاله أن ينزلوا كلهم في سفح جبل سلَّع، وتركوا الأطفال والنساء في المدينة؛ لأن العدو ما جاء للأطفال والنساء، جاء لقتل الرسول وإنهاء وجوده، ومضت خمسة وعشرون يوماً، والبرد الشديد، ولا تسأل عن الطعام والشراب، فلا شيء، إذاً: مسهم مثل ما مس الذين خلوا من قبلهم من الأمم المؤمنة الصالحة، لا بد أن تتعرض لهذا، والمسلمون اليوم في غنى وفي سعادة، في كمال، ومعرضون عن الله، يريدون أن يدخلوا الجنة بالقوة! أَمْ حَسِبْتُمْ [البقرة:214] أحسبتم أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [البقرة:214] هكذا بالاستراحة الدائمة؛ بالأكل والشرب والركوب والأمن ثم يقال: ادخلوا الجنة! فهذا التساؤل معناه: الإنكار عليهم، انزعوا من آذانكم هذا، لا بد إذاً أن تبتلوا -كما قدمنا- بالصلاة بالزكاة بالصيام بالحج بصلة المعروف، بالبر بالإحسان، بكلمة الحق، بالرحمة بالعدل، هذه التي تزكي النفس، فإذا ما عملتم والنفوس خبيثة فكيف تدخلون الجنة؟ وقد تصابون أياماً بحصار عدو وحرب تدخلون فيها معه، وبجوع، وقحط، ولا يتبدل فيكم شيء، قلوبكم مع الله وألسنتكم ذاكرة، وقلوبكم ذاكرة شاكرة، هذا هو الطريق. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214] أي: حالهم وصفتهم، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] زلزالاً، وتزلزلت المدينة في حرب أحد لما انكسر المؤمنون وانهزموا، كل بيت فيه من يصرخ ويبكي، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] هذا مع الرسل السابقين، وحتى مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، يقولون: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214]؟ والله يقول لهم: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214] لا تستبطئوه.

    التربية بالرد النبوي على شكاية المضطهدين في مكة

    ولنذكر حديثه صلى الله عليه وسلم عندما كان متكئاً تحت البيت مستظلاً بجدار الكعبة، فجاءه من يبكي ويقول: ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا يا رسول الله؟ من أولئك المضطهدين المعذبين المنكل بهم، يقول: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فيقول له: ( لقد كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على رأسه فيقسم نصفين، ويمشط ما دون لحمه وعظمه بأمشاط الحديد لا يرده ذلك عن دينه، ثم قال: والله! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه )، وتم هذا، فلم الاستعجال؟ لو تعرفون حياة الصحابة والذين ما عاشوا حتى الفتوحات فسنستحي أن نقول: نحن مؤمنون أمامهم.إذاً: ها نحن الآن مبتلون فقط بالتكاليف، هيا نتخلى عن الربا، لا يراني الله واقفاً أمام بنك ربوي، وصاحب البنك يغلقه أيضاً ويرمي بالمفتاح، ويطلب رزق الله حتى من الحمالة أو من أي شيء، نطهر قلوبنا من النظر إلى غير الله، من التعلق بغير الله، ونجعل قلوبنا خالصة لله، لا نلتفت إلى نبي ولا ولي، ما لنا إلا الله عز وجل، نطهر أنفسنا من اللغو والكلام الباطل، هذه الغيبة والنميمة والأضاحيك، نطهر بيوتنا، عجلوا قبل أن تنزل المصيبة، بيوت المؤمنين فيها عاهرات يغنين، والمؤمن وامرأته وأولاده يشاهدون، أهذا هو الإيمان؟ أين الحجاب؟ وقد بلغنا اليوم خبر من نقمة الله، أحد الغافلين سقط الدش على رأسه فكسر رأسه، هل من معتبر؟ الأحياء يعتبرون والأموات لا يعتبرون، على الأقل نقلل من هذا الإسراف في الطعام والشراب، وإذا توافر ريال أو عشرة نسد به خلة محتاج أو نساعد به مؤمناً، أو نضعه في خير من الخيرات، لم التكالب على هذه الأوساخ مادمنا في أمن ورخاء، لم ما نتنزه عن هذه القاذورات والأوساخ؟ كأننا نسينا أن الله بالمرصاد، ونحن نريد أن ندخل الجنة، هل نحسب أن ندخل الجنة؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] إلى حد أن يقول الرسول والمؤمنون معه: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] يستبطئون هذا، والرسول يقول ذلك لأن الأعراض البشرية عامة في الرسل وفي غيرهم، يقولون: متى نصر الله؟ والرسول يقول: اثبتوا واصبروا فستنفرج: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

    صيحة نذير بترك الدخان وإعفاء اللحية

    نصرخ بين المؤمنين في التدخين فقط طول أربعين سنة: يا عبد الله يا أمة الله! الذي يذكر الله بفمه وقلبه كيف يخبث فمه برائحة كريهة؟ أسألكم بالله يا علماء: هل الذي يأخذ اسم الله في ورقة ويدسه في عذرة هل تحكمون بكفره أو لا؟ والله! ما بقي له من الإيمان شيء، ارتد وكفر.إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يسلم عليه أحد أصحابه وهو على غير وضوء، فيعمد إلى جدار من جدران المدينة من لبن وتراب، ويتيمم من أجل أن يرد السلام؛ لأن في الرد اسم الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أي: من أجل أن يذكر الله، ما استطاع أن يذكر الله بدون وضوء، وشرع لنا السواك لم؟ قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )؛ لأنهم يذكرون الله عز وجل، هذه الأفواه مجاري ذكر الله أو لا؟ كيف تذكر الله بدون فمك وحلقومك ولسانك؟ هذا الموضع حرام أن يتلوث، أما الكافر الذي لا يذكر الله فيجعل في فمه حتى الخرء ما يضره ذلك، أرني مؤمناً تمضي عليه ساعة ما يذكر الله، ما هو بمعقول أبداً، فهو يرد السلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويقال له: كيف حالك، فيقول: الحمد لله، ويقف: باسم الله، ويجلس: باسم الله، دائماً يذكر الله، كيف يلوث فمه؟ وما استجبنا، وما عرفنا، كأننا مشدودون بالأرض. وكذلك اللحية، قلنا: يا عباد الله! أنتم عسكر محمد صلى الله عليه وسلم، أنتم جيش الله، لا بد أن تكون لكم سمات خاصة لا تشتبه بسمات الكفار والمشركين والفاسقين أبداً، ما هي الميزة التي تميزكم؟ هي لحاكم، اليهود والنصارى والكفار لا لحى لهم، وجيش محمد له لحية أو لا؟ يحرم أن يكون مثلهم، وقد قلنا لهم: الجندي في اليابان، في الصين، في الأمم الهابطة، في الراقية، العسكري لا يستطيع مدني أن يلبس لباسه، فإنه يسجن أربع سنوات ويؤدب، كيف تلبس لباس جندي وأنت مدني؟ هذا معروف في العالم أو لا؟ ورجال الإسلام كلهم عسكر محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: فلباسهم يجب أن يتميز عن لباس الكافرين والمشركين، ومن أكبر الميزات الذي وضعها الرسول اللحية، فأعفوا لحاكم، فالمشركون والكافرون يحلقون، وصرخنا في باب الحجاب. المهم أننا -والله- لبالمرصاد، ما ندري متى يغضب الجبار، سئل أحدهم: أين الله؟ فقال: بالمرصاد، أتعرفون المرصاد أو لا؟ ذاك الذي يجلس على جبل ويترقب الغزلان أو الطيور متى تنزل ليضرب. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ [الفجر:14]، فإما أن يتوب المسلمون فوراً بعجالة، ويظهروا في مظهر إسلامهم الحق، وإلا فسوف تنزل بهم الويلات والنكبات ويخسرون دنياهم وآخرتهم إلا من رحمه الله، هكذا قيل لأصحاب الرسول أو لا؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214] ما هو؟ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] من شدة البلاء والكرب، ونحن -والحمد لله- لا كرب ولا بلاء، أحدثنا الكروب والبلاء بأنفسنا، مزقنا صلات الروابط والعلاقات الطيبة علاقات الإيمان، وأخذ الحسد يمزقنا والكبر يشتتنا، وأثارت الشياطين الخلاف بيننا، وتمزقنا بأنفسنا، إلى أين مصيرنا؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآية

    والآن مع شرح هذه الآية الكريمة. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة: ينكر تعالى على المؤمنين وهم في أيام شدة ولأواء ] ينكر عليهم [ ظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون امتحان ولا ابتلاء في النفس والمال، بل وأن يصيبهم ما أصاب غيرهم من البأساء والضراء والزلزال، وهو الاضطراب والقلق من الأهوال، حتى يقول الرسول والمؤمنون معه استبطاءً للنصر الذي وُعدوا به: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214]؟ فيجيبهم ربهم تعالى بقوله: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]].

    هداية الآية

    هذه الآية فيها أربع هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية:أولاً: الابتلاء بالتكاليف الشرعية -ومنها الجهاد بالنفس والمال- ضروري لدخول الجنة ]، الابتلاء والله لا بد منه لدخول الجنة، والذي يريد أن لا يبتلى ولا يكلف ويعيش كالحيوان مصيره معروف إلى عالم الشقاء النار والعياذ بالله.[ ثانياً: الترغيب في الائتساء بالصالحين والاقتداء بهم في العمل والصبر ]؛ إذ قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] إذاً: ائتسوا واقتدوا أيضاً، فاصبروا كما صبروا، وإن كان زلزالكم وبلاؤكم أقل أو أكثر فلقد سبقكم أمم من الصالحين وصبروا على هذا.[ ثالثاً: جواز الأعراض البشرية على الرسل كالقلق ]، فالرسول رسول، ولكن يقلق، يستبطئ النصر، يتألم، لماذا؟ لأنه بشري ما هو بملك، فيه صفات البشر، والإنسان يحزن، يكرب، يخاف، يجوع، ويعطش، لا بد من هذا، وإن كان نبياً ورسولاً، فهذه الآية دلت على هذه.[ جواز الأعراض البشرية على الرسل كالقلق والاستبطاء للوعد الإلهي انتظاراً له.رابعاً: بيان ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من شدة وبلاء أيام الجهاد وحصار المشركين لهم ] في مكة، وفي المدينة أعظم، في مكة ابتلوا من المشركين، فهذا يضربونه، وهذا يقتلونه وهذا يفعلون به كذا، وما ننسى أبداً أن سمية وزوجها ياسر قتلا على مرأى ومسمع بين الناس.معاشر المستمعين! هل من توبة إلى الله، هل من رجعة إلى الله قبل فوات الوقت، والله! إننا لتحت النظارة، والبلاء ينتقل من بقعة إلى بقعة، فالمؤمنون إذا ثبتوا وصبروا كان هذا القلق والاضطراب رفعاً لدرجاتهم، وأما العذاب فيمسهم منه ما يمس غيرهم، والذين تهوكوا وهبطوا وأعرضوا عن الله وذكره فمصيرهم معروف، والله تعالى أسأل أن يحسن عاقبتنا وعاقبة كل مؤمن ومؤمنة.ندعو لإخواننا المصابين بالبلاء في الأفغان والديار الجزائرية، إذ ما نملك إلا الدعاء، فنحن ندعو الله عز وجل والله لا يخيب داعياً يدعوه في صدق وإخلاص.فاللهم يا ولي المؤمنين، ويا متولي الصالحين، ويا رب العالمين، إن عباداً لك مؤمنين في الديار الأفغانية والجزائرية قد أصيبوا بكرب عظيم وخلاف شديد، واشتعلت نار الفتنة بينهم فقتل بعضهم بعضاً، ونكل بعضهم ببعض، اللهم فرج ما بهم، اللهم فرج ما بهم، وأطفئ نار الفتنة بينهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين، ربنا إنه لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء وأنت السميع العليم، كما نصرت نبيك ورسولك محمداً والمؤمنين في غزوة الخندق بعد الحصار الشديد، فانصر عبادك المؤمنين على أنفسهم وعلى شياطينهم وأهوائهم؛ ليعودوا إليك ويتوبوا إلى صراطك لينجوا من هذه الإحن والمحن والفتن يا رب العالمين، وق ديارنا هذه من مثلها وديار المؤمنين يا رب العالمين، وتب على الجميع إنك رب الجميع.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير آل عمران- (1)
    الحلقة (142)



    تفسير سورة آل عمران (1)


    بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، وأنزل عليه القرآن مصدقاً لما بين يديه، كما أنزل التوراة والإنجيل من قبل على موسى وعيسى، وهذا القرآن الذي أنزل على محمد أنزل عليه بالحق، لا يفارقه ولا ينفصل عنه، فلو اجتمع علماء الأرض ومثقفوها ليثبتوا ورود خطأ واحد في القرآن، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

    بين يدي سورة آل عمران

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) فالحمد لله أن أهلنا الله لهذا الخير!ووراء ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، ووراء ذلك: ( لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظر التي بعدها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مسجده: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث ). فهذه غنائم باردة لا تكلفنا شيئاً، ومع هذا أعرضنا عنها وأدبرنا فحرمنا تزكية أنفسنا وطهارة أرواحنا، وحرمنا العلم الذي يرفع تعالى أهله درجات، وساد الجهل وخيم في ديارنا، ولهذا نبكي ونتباكى!لم لا نعود إلى ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحفادهم وأبناءهم؟أما بلغنا قول الله عز وجل وإبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة وهما يتقاولان: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]؟أما استجاب الله لهما وبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس لأصحابه رجالاً ونساء كباراً وصغاراً يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم؟!بلى. وقد امتن الله تعالى بهذه النعمة علينا في آيتين من كتابه إذ قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]. زكاهم. أي: طيبهم وطهرهم، حتى أصبحوا لا يماثلهم بشري على سطح هذه الأرض مما عدا أنبياء الله ورسله.فكيف زكوا وطابوا وتعلموا؟ هل تنقلوا من جامعة إلى أخرى؟ لا. بل كانوا يجلسون في بيت ربهم ويتعلمون الكتاب والحكمة، وما زالوا يتعلمون حتى أصبحوا علماء ربانيين؛ فاختفى كل مظهر من مظاهر الشر والخبث والفساد والظلم في حياتهم، فهيا نعود إلى ما كان عليه أسلافنا!أما تستطيعون أن تجتمعوا كل ليلة في جامعكم الذي يجمعكم ساعة ونصف بين المغرب والعشاء؟ يا أهل المدن! إن لكم أحياء تعيشون فيها فاجتمعوا في جامع حيكم بنسائكم وأطفالكم ورجالكم كل ليلة وطول الحياة من المغرب إلى العشاء! أتعجزون عن هذا؟ فكيف إذاً تخترقون السبع الطباق وتنزلون بالملكوت الأعلى وتجتازون مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام؟أين يذهب بعقولكم؟نريد ألا نرى مظهراً من مظاهر الظلم والفسق والفجور والخبث، وألا نرى فقراً ولا مرضاً ولا تعاسة ولا ظلماً ولا جوراً، ولكن هذا لا يتأتى بالكلام فحسب، بل لا بد من العمل. ووالله أنه لا سبيل إلى نجاتنا إلا هذا الطريق، وإلا فإننا سنتمزق ونخسر خسراناً أبدياً، فإن لله تعالى سنناً لا تتبدل ولا تتغير: الطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، تلك سنن لا تتبدل، الكتاب والحكمة يطهران وينظفان ويعلمان ويرفعان إلى الملكوت الأعلى!خذوها من باب التعليم الواضح! ألسنا نقتدي بالأوروبيين حتى في الزي واللباس، فلم لا نقتدي بهم في هذه القضية؟ هم إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا دولاب العمل، فلبسوا أحسن ثيابهم وأخذوا بناتهم ونساءهم وأولادهم إلى الملاهي والمراقص والمقاصف ودور السينما، فلماذا نحن لا نوقف العمل عند أذان المغرب ونذهب إلى بيوت الرب لنتعلم الكتاب والحكمة لتزكو أنفسنا ونأخذ صك الفلاح من ربنا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]؟هذا الكلام يا أهل الدرس مكرر سئمتموه ومللتموه، ولكن هل بلغكم أن أهل قرية قالوا: آمنا واجتمعوا في جامعهم يتعلمون الكتاب والحكمة، النساء وراء ستارة، والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، ومعلم الكتاب والحكمة بين أيديهم، ليلة آية، وأخرى حديثاً، طول العام؟تصور إذا دقت الساعة السادسة لم يبق دكاناً مفتوحاً ولا مقهى ولا متجراً ولا فلاحاً بيده مسحاة.. ولا ولا، فجميع أهل القرية في بيت ربهم! الله أكبر! أي شرف هذا؟ فلو يجلسون فقط يبكون بين يديه سبحانه لرحمهم ورفعهم إلى الملكوت الأعلى، فضلاً على أنهم يتعلمون الكتاب والحكمة لتزكية نفوسهم، ثم لتطهير أرواحهم، ثم للتأدب بالآداب التي لا يساويها أدب في هذا العالم.والآن مع سورة آل عمران ثالثة السور القرآنية من الكتاب العظيم القرآن الكريم، فالسورة الأولى الفاتحة وبها افتتح الله كتابه، والثانية البقرة ذات الألف حكم، والثالثة (سورة آل عمران) على الحكاية، و(آل) بمعنى: أهل. (عمران) من أعلام بني إسرائيل.وعدد آيات هذه السورة: مائتا آية بلا خلاف، كل آية كالشمس تضيء الحياة، وكل آية علامة على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن لقاء الله حق ثابت لا ينكره إلا أحمق أو مجنون.

    تفسير قوله تعالى: (الم)

    يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:1-6].فما معنى: الم [آل عمران:1]؟الجواب: هذا من المتشابه الذي امتحن الله به عباده، واستأثر تعالى بعلمه ومعرفته، فقال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، آمنا به، فكل من المحكم المتشابه من عند ربنا!وقد قرأنا في البقرة وقلنا: لهذه الحروف فوائد عجيبة عظيمة، فعندما تريد أن تفسرها فقل: الله أعلم بمراده بها، فوض الأمر للعليم الحكيم.

    فوائد الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن

    إن سئلت عن فوائد الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن الكريم فقل:أولاً: لما أعرض المشركون في مكة عن سماع القرآن، وأصدروا أوامرهم بمعاقبة من ضبط يسمع القرآن، كما بين ذلك الله تعالى في سورة فصلت فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]. أي: إياكم أن تسمعوا، وإذا أخذ يقرأ صيحوا أنتم وضجوا وصفروا حتى لا يسمع أحد! هذا حفاظاً على الوطنية، فأيام الحزبية والوطنيات كان إذا قام رئيس حزب يخطب قام أعداؤه من الحزب الثاني يفعلون كما فعل حزبه فيصيحون ويصفرون حتى يحجبوا كلامه.إذاً: لما منعت قريش سماع القرآن جاءهم الله عز وجل بهذه الحروف التي ما عهدوها، ولا سمعوا بهذا النغم وهذا الصوت، فما عرفوه أبداً طول حياتهم هم وأجدادهم وآبائهم، فكان أحدهم إذا سمع: طسم [الشعراء:1] يضطر اضطراراً إلى أن يستمع ليعلم ما وراء ذلك. وإذا سمع: المر [الرعد:1] سمع نغماً جديداً فيصغي ويسمع، حتى ولو كان من جنودهم وزبانيتهم فلا يبالي، وإن أخذ أجرة وتعهد ألا يسمع. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمعهم القرآن حول الكعبة، فلا يستطيعون أن يحضروا، فما إن يعتم الظلام حتى يتسللون إلى مكان بجوار النبي صلى الله عليه وسلم فيسمعون ترنمه بالقرآن وهو يصلي، حتى إذا التقى بعضهم ببعض لاموا أنفسهم وتعاهدوا أن لا يفعلوا ذلك مرة أخرى، وقد جاء هذا في سورة الإسراء إذ قال تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا [الإسراء:47]. وأما نحن فقد صرفنا عن القرآن بالحيلة الأدبية.. بالأغاني، وهذا أسلوب جديد من مكر أعداء الدين، فأصبح أهل البيت المسلم بدل أن يجتمعوا حول كتاب الله قبيل تناول طعام العشاء أو بعد صلاة العشاء فيتلون آية ويبكون وتنشرح صدورهم وتسمو آدابهم، بدل هذا أصبحوا يطربون للأغاني، وهذا أسلوب شيطاني وضعه بنو عمنا اليهود، وانجذبنا ومشينا وراءهم، فما أصبحت تسمع قرآناً في بيت إلا إذا كان فيه ميت فقط، أما أن يجتمعوا على أن يتلوا آياته ويتأدبوا بآدابه ويتعلموا أحكامه فلا يوجد ذلك أبداً، وهذه الحيلة أكثر خطراً من قانون أبي سفيان وزمرته فقد كانوا لا يسمحون للناس بالسماع ومع هذا هم يسترقون السمع ويتسمعون شوقاً ورغبة، أما بيوت المسلمين اليوم فقد تركت للأغاني والمزامير؛ وذلك حتى يعرضوا عن ذكر الله فيهلكوا ويتمزقوا فيتمكن اليهود من أن يسودوا ويحكموا. هذه الفائدة الأولى من الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن الكريم.الفائدة الثانية: لما حاج المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا ليس بقرآن إنما هو شعر، هم في حقيقة أمرهم يعلمون أنهم يكذبون، فما هو بالشعر، وقالوا سحر وما هو بسحر، وكل ذلك ليدحضوا الحق بالباطل، فتحداهم الحق عز وجل بهذه الحروف، فهذا القرآن مؤلف من هذه الحروف: كهيعص [مريم:1]، يس [يس:1]، طه [طه:1]، ق [ق:1]، فألفوا مثله أو اعترفوا بأنه كلام الله وتوبوا إليه.إذاً: تحداهم الله بهذه الحروف وطالبهم أن يأتوا بسورة فقط، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة:23] أي: شك مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [البقرة:23] ممن تعولون عليهم مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]، ما قال: أعدت لكم بل قال: (للكافرين)؛ لأن العبرة بالكفر.قال أهل البصيرة: قوله تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] هذه الكلمة لا يقدر على قولها إلا الله. وقالوا: هيا بنا إلى اليابان أهل الصناعة هل في بإمكان اليابان أن تنتج آلة من الآلات أو مركباً من المراكب أو حتى ملعقة وتقول لك: أتحدى العالم الإنساني سبعين سنة أن يوجدوا مثلها؟ هل يمكن أن تفعل اليابان هذا؟ أمريكا؟ ألمانيا؟ لا، يملكون أن يحتفظوا بهذا النوع من الصناعة إلى بعد سبعين سنة أو مائة سنة ثم يوجد من يصنع مثله، فلا يقولون هذا أبداً. أما الله فقال: (ولن تفعلوا) وقد مضى من السنين ألف وأربعمائة وخمسة عشر سنة فهل استطاع أحد أن يأتي بسورة من مثل هذا القرآن؟ لم يستطيعوا، فدل هذا على أنه كلام الله.

    تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)

    قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2]. (الله) لفظ الجلالة اسم للرب تبارك وتعالى، يخبر تعالى عن نفسه بأنه: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] وحده لا شريك له.أيها الملاحدة والمبطلون والسحرة هل تستطيعون أن تجدوا إلهاً مثل الله يخلق ويرزق مخلوقه ويدبر حياته من أولها إلى نهايتها؟والله لو تجتمع الدول الصناعية بأكملها على أن يخلقوا من لا شيء حيواناً ولو ذبابة والله ما قدروا، ووالله ما استطاعوا! قد يقول قائل: يا شيخ! صنعوا الطيارة تحمل خمسمائة نسمة، وهذا المسجد يتسع لهذا العدد، فأقول له: هذه صناعة علمهم الله إياها وأقدرهم عليها وأوجد إمكانياتها، فهم ما خلقوا شيئاً، فالطين لله والحجارة والحديد والنار والعمال كلهم خلق الله وتذليله، فماذا فعلوا؟

    معنى قوله تعالى: (لا إله إلا هو)

    لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] فلا تفهم من (لا إله) هذا أنه لا رب إلا هو، ولكن معناه: لا معبود يستحق أن يعبد إلا هو سبحانه، فلا معبود في الكائنات العلوية أو السفلية يستحق أن يعبد فتوضع الجباه له على الأرض وترفع إليه الأكف ويستغاث به وينادى في ظلمات البر والبحر فيغيث ويجيب إلا هو سبحانه وتعالى، لا يوجد والله إلا الله. هل يوجد من ينقض هذه الحقيقة؟ لا أحد.قلنا: هيا بنا إلى مؤتمر الشيوعية في موسكو، البلشفية الحمراء، أهل الإلحاد ومبدأ: (لا إله والحياة مادة)، انعقد المؤتمر وحضره أتباع الشيوعية من الصين إلى البرازيل وكذا أهل الشيوعية من العرب الذين مازالوا على شيوعيتهم بعد أن هبطت الشيوعية وتمزقت، فما زال المغفلون الأغبياء يتكلمون بالشيوعية! اجتمعوا في مؤتمرهم وقالوا: ( لا إله والحياة مادة). فنقول لهم : اسمعوا بما أوتيتم من البصيرة والعلم والمعرفة في الحياة كلها! اعلموا أنه لا إله إلا الله، وأما أنتم فسفهاء حمقى! قف أنت يا مسيو! حضرت المؤتمر ولكن نريد أن نسألك هذا السؤال البسيط: أنت موجود أو غير موجود؟ يا مسيو هل أنت موجود أم لا؟ فإن قال: أنا غير موجود غير مخلوق قلنا: أخرجوه، فهذا أحمق مجنون. وإن قال: نعم. كيف ذلك، أنا موجود. نقول: من أوجدك؟ من هو موجدك؟ عندها يقول: هاه! يفغر بها فاه! أين معنى: (لا إله والحياة مادة) التي تتشدقون بها وتضللون الناس بها؟ أيها المسحورون! قد سحرتكم اليهودية والمسيحية، وإلا فالبشرية منذ أن كانت تفقد النور تفقد الأنبياء تفقد العلم لا تنكر وجود الله أبداً، بل تثبت وجود الله بالفطرة.المشركو العرب قال الله عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] فلا يقولون: الحياة مادة. من خلق السماوات والأرض؟ العزيز العليم. فالحمد لله أن انطفأت شعلة الشيوعية وتمزقت ببركة جهاد المسلمين في الأفغان.إذاً: كلمة (لا إله) نفي، أي: لا إله بحق، فالإله الحق موجود، وهذه العوالم كلها أوجدها الإله الحق سبحانه.فكيف يأتي هذا الإنسان الضعيف وينفيه؟ أنت لو وجدت كأس حليب أو شاي أو لبن أو ماء على طاولة هل تستطيع أن تقنع الناس بأن هذا وجد من نفسه؟ قد تسحر ألفاً أو ألفين وباقي الناس سيقولون: أين هذا المجنون؟ كيف يوجد هذا الكأس هنا بدون موجد؟ من وضع فيه الماء أو اللبن؟ كيف يوجد هنا تلقائياً؟ مستحيل. فكيف إذاً بالشمس؟ من أوجد هذا الكوكب العظيم والنار الملتهبة التي تكبر الأرض بمليون ونصف مليون مرة كما قرر ذلك علماء الإسلام قبل أن يعرفه العالم الغربي؟ لو أخذت البشرية وجعلت في زاوية من زوايا كوكب الشمس والله لا تسدها، فكيف لهؤلاء أن ينكروا النار وعذاب الآخرة؟! هذه الشمس فقط هذا اتساعها وهذا كبرها، أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون وهي كوكب له فلك ويدور، ويوم يأذن الله بهبوطه يتكور ويسقط على الأرض، من خلقه؟ إنه الله خالق كل شيء.أسوأ مخلوق الذي ينفي وجود الله، بل هذا لا يعتبر إنساناً أبداً، والحيوانات لا تنفي وجود الله، وأما الشيوعية ولا إله والحياة مادة فهي من مكر يهود، أرادوا أن يستعجلوا بتحقيق مملكتهم من النيل إلى الفرات ثم العالم أجمع فوضعوا خططاً عجيبة من بينها الشيوعية، حولوا أوروبا الصليبية المسيحية التي كان يوجد فيها الرحمة والعدل.. وو، حولوها إلى بلاشفة، ثلاثة أرباع أوروبا لا يؤمنون بالله، وانتقل ذاك الظلام إلى العالم الإسلامي ففعل ما فعل.إذاً: الله موجود، والصليبيون يقولون بثلاثة آلهة، ولهم مؤتمر في روما يجتمع فيه رؤساء الدين المسيحي فنقول لهم: لا إله إلا الله، هل تستطيعون نقضها؟ إما أن تقولوا: (لا إله) وهو مذهب الشيوعية وقد انهزمت ولله الحمد.أو أنكم تقولون: الآلهة ثلاثة، من هم عيسى. فنقول: كيف يكون عيسى إلهاً وأنتم تزعمون أن اليهود صلبوه وذبحوه وقتلوه؟ هل الإله يقتل؟ من يدير الكون والحياة كلها إذاً ؟ وإن كنا نحن المسلمون قد أعلمنا الله أن عيسى والله ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، لكن أنتم أيها المسيحيون تعلقون الصليب في أعناقكم وفي دبر سيارتكم تعبدونه؛ لأن عيسى صلب، فأنتم مجانين. يقتل إلهكم ويصلب وأنتم تسخطون على اليهود وتبغضونهم ولا يفتح النصراني عينيه في اليهودي لأنه يعتقد أنه قتل ربه، فكيف تعبدون من يصلب ويقتل؟ومن آيات الله: منذ حوالي خمسة عشر سنة أعلن بولس الثامن علناً: أن اليهود برآء من دم السيد المسيح. إيه الآن فقط عرفوا ذلك، أما نحن فقد عرفنا هذا من قبل ألف وأربعمائة سنة، إذ قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]! كذبتم الإسلام والمسلمين هذه القرون والآن ظهر لكم أن اليهود برآء؛ لأنهم سحروكم! سمعتم هذه الفضيحة! أجيال عبر قرون عديدة تعتقد هذه القضية وبعد تنقضونها لا لشيء إلا لسحر اليهود!إذاً: بطل أن يكون عيسى إله.وأم عيسى ذات الرحم الذي حملت عيسى ببطنها هل تصلح أن تكون إلهاً؟ ماتت مريم أم لا؟ نعم، ماتت. إذاً: مات الإله، مات عيسى وماتت مريم وماتت الأقانيم، فأين الإله؟ ليس هناك أضحوكة ولا سخرية أعظم من اعتقاد النصارى، اعتقاد هابط إلى أبعد حد.وقد جاء وفدهم المكون من ستين فارساً من نجران يجادلون الرسول صلى الله عليه وسلم ويحاجونه في شأن عيسى، فنزلت هذه السورة، نزل أولها وفيه نيف وثمانون آية كلها في إبطال النصرانية، إبطال تأليه عيسى وأمه عليهما السلام، وانهزموا.إذاً: لا معبود يستحق أن يعبد إلا الله، فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح.. ولا ولا ولا يستحق العبادة من دون الله. يا عباد الله! أنتم تذكرون الله بلا إله إلا الله لا إله، ووالله لا ينقضها عاقل؛ لأن نقضها إما أن يكون بدعوى: لا إله وأن الحياة كلها عدم، أو بوجود أكثر من إله، وهذه خرافة باطلة.ولما جهلونا وأبعدونا عن المساجد وكتاب الله وهو الروح وفيه الحياة وهو النور وفيه الهداية أصبح أحدنا المسبحة في يده يذكر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فلما ينام وتسقط السبحة من يده يقول: يا سيدي فلان! فهل هذا صادق أم كاذب؟ أنت تصرخ لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فلما تعثر دابتك تصرخ: يا سيد عبد القادر! فأين الله؟ذات مرة راكب إلى جواري أحد الناس فخرج السائق بالسيارة عن الطريق فقال هذا الراكب: يا رسول الله! يا رسول الله، ولو مات مات مشركاً. معناه: اعترف بإله غير الله؛ لأن الذي تناديه في الغيب وتعتقد أنه يسمع صوتك ويمد يده لإنقاذك لن يكون هذا إلا الله، فمن دعوت وناديت واستغثت به وصفته بصفات الإلهية، وأعطيته صفات الرب الحق وجعلته إلهاً من دون الله وأنت لا تشعر. فكل ما عبد من الأحجار والأصنام والفروج يسمى إلهاً، والفروع والله تعبد في الهند، الذكر والخصيتين من الحديد أو النحاس ، حتى العرب فيهم عبدة الفروج. والشاهد عندنا: كل من عبد يطلق عليه إله، واسمع كلمة كفار قريش مع ما هم عليه من البصيرة، قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، كيف يجعل الآلهة كلها إلهاً واحداً مع أن في كل بيت صنم يعبد؟ تعجبوا! أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص:6]، هذه مؤامرة خارجية وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:5-7]! أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ [القمر:25-26]، لاقوها في بدر، لاقوها في مكة يوم طأطئوا رءوسهم وخنعوا ودخل البدر الإلهي: ( يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم! قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، الكمال المحمدي أسوتنا، ولو عقلنا وفهمنا نكون مثله.لما كنا نحارب الاستعمار البريطاني والإيطالي والأسباني لبلادنا كانوا يدعون الناس الجهاد الجهاد، فأخذوا أموال النساء والرجال، فلما كان الاستقلال ذبحوا إخوانهم، فتكوا بهم، فعلوا العجب نقمة منهم بحجة أنهم عملاء. فقلنا لهم: أنتم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ؟! محمد صلى الله عليه وسلم حاربته قريش عشر سنوات ولما حكم وساد ودخل مكة قال: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ). لكن المسلمون العرب أيام الاستعمار كان يقتل بعضهم بعضاً بالمناشير، فلا إله إلا الله! والله العظيم -واشهد يا رب- منذ سنين بلغني عن سجون العرب بالذات والله إن عذاباً يتم في سجونهم لا يتم يوم القيامة، لا يوجد في النار! آه! ما العلة؟إنه الجهل، والله ما عرفوا الله حتى يحبوه، ما عرفوا الله حتى يخافوه، ومن لم يحب الله ولم يخفه فأنى له أن يطيعه فيمتثل أمره ويجتنب نهيه؟ مستحيل! عرف العدو من أين تؤكل الكتف فقال: جهلوهم تسودوا وتحكموا. وجهلونا وسادوا وحكموا وارتفعوا! قد يقول قائل: يا شيخ! عندنا المدارس في كل قرية وفي كل مكان! فأقول له: أين آثار ذلك العلم؟ الكذب موجود، خلف الوعد والخيانة موجود، والزنا موجود، الزنا والله يزني بعض المسلمين بنساء إخوانهم المؤمنين، فما عرفوا الله حق معرفته! وأما إذا نشدوا التغيير فيسلكون طريق الثورة والانقلابات فيحصل الذبح والقتل. فإذا كلموا في ذلك يقولون: ما الحل يا شيخ؟الحل قل: أنا مسلم، وابحث عن محاب ربك، تعلمها وقدمها له، واسأل أهل القرآن والسنة عن مباغض الله ومكارهه فاعرفها واجتنبها، والزم طريقك حتى تلقى ربك، والله لا حل إلا هذا بالنسبة إلى الأفراد، أما بالنسبة إلى الأمة فلا حل لها إلا أن تعود إلى بيوت ربها تبكي بين يديه، وتتعلم الكتاب والحكمة فلا مذهبية ولا عنصرية ولا قبلية ولا وطنية.. ولا ولا، مسلمون طريقنا واحد، صراط الله المستقيم، فلا تقل: حنبلي ولا ولا زيدي ولا أباضي ولا رافضي، بل قال الله، قال رسوله، أسلم قلبك ووجهك لله، واسأل عن محاب ربك فافعلها بإذعان وانقياد وحب فيه، واسأل عن مساخط الله ومكارهه وتجنبها ولو كانت شهوة في نفسك فما هو بصعب، ولا يكلف دماء ولا أموالاً.. ولا ولا! فقط إمام المسجد يوم الجمعة ينادي يا أهل القرية!من الليلة إن شاء الله ما يتخلف منكم واحد، هاتوا نساءكم وأولادكم إلى بيت الله! سيقولون: يا شيخ نساءنا فيهن الحيَّض. فيقول لهم: الحائض تبقى عند جدار الباب ومكبر الصوت يصل إليها. هاتوا أطفالكم فلا يبقى ولد في الشارع، وينظمون جلسة يحضرها الأطفال والرجال ويصلون المغرب في تلك الصفوف الربانية ويسلمون وقلوبهم مع الله، ويجلسون أمام المربي فيتعلمون آية واحدة، ومن الغد حديثاً واحداً، حفظاً وفهماً وإرادة للتطبيق والعمل، ولا يزالون يسمون ويرتفعون، ولو كادهم أهل الأرض كلهم والله ما زحزحوا أقدامهم.فيقول قائل: يا شيخ وأين الصناعات وأين عمل الدنيا ؟ فيقول: وهل هذا مانع؟ عندما يفقهون ويفهمون تصبح نتائجهم الدنيوية والله لا تساويها نتائج أخرى في الشرق والغرب، فقد عمهم الصدق والعزم، فما بقي لهو ولا باطل ولا عبث ولا سخرية، ارتفعت هممهم إلى الله عز وجل يرشدهم ويهديهم إلى ما يكملهم ويعزهم. لم ما نفعل؟ ما ندري! مسحورون! من سحرنا؟ بنو عمنا اليهود، أعظم شعب عرفته الدنيا بالسحر! لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] أي: لا معبود بحق إلا هو سبحانه.

    معنى قوله تعالى: (الحي القيوم)

    قال الله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] الحي بلا بداية وبلا نهاية، حي لا يموت، ولن يسبقه عدم، كان الله ولم يكن شيء قبله هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]، الحي الكامل الحياة، مستلزمة كل القدرات والطاقات: السمع والبصر واليد والقدم، كل ذلك من صفات الأحياء، ولكن تعالى الله أن يشبه مخلوقاته لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فإذا قال الرسول الكريم: ( يبسط الله يده ) فلا تفهم أنها يد كيد المخلوقات! انتبه! أيخلقها وتكون مثل يده؟ هل يد النجار مثل يد الكرسي؟ هل يقاس النجار بالكرسي؟ النجار له سمع وبصر وعقل والكرسي أصم أبكم، فآمنوا بصفات الله كما هي، وهي مستحيلة أن تشبه صفات المخلوقات؛ لأن المخلوق مربوب. الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] الذي أمر السماء والأرض قائم عليه، والله لولا قيوميته لسقطت الشمس من آلاف السنين، ما تبقى هكذا. من يضبطها في هذا الكون؟ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2].

    تفسير قوله تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق ...)

    قال تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3]. أي: القرآن العظيم. من نزله؟ إنه الله! هل هناك من يقول غير الله؟ مائة وأربعة عشر سورة فائت أيها الملحد بسورة فقط كأصغر سورة، ثلاث آيات: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].لا يستطيعون! فالقرآن كلام الله، حوى علوم الأولين والآخرين، تعرض للذرة والمجرة، للآداب والأخلاق، للقوانين، فلا إله إلا الله! ينطق به أمي لا يعرف الياء ولا الباء، لم يجلس بين يدي معلم أبداً، فلا إله إلا الله!والعجيب كيف يكفر بهذا الكلام؟ يكفر به للحفاظ على المنصب وعلى الشهوة والهوى، أما عقلاً فمستحيل أن تفهم أن هذا الكتاب العظيم الذي عجزت البشرية عن محاكاته في أقصر سوره يأتي من أمي ما قرأ وما كتب، مستحيل هذا، هذا أنزل عليه، تلقاه آية وآية وسورة في ظرف ثلاثة وعشرين عاماً حتى اكتمل نزوله. (نزل عليك) أي: نزل عليك يا رسول الله. إذاً: محمد رسول الله؟ إي والله. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:3] نزل عليك القرآن لتبلغه للناس لهدايتهم وإصلاحهم وإرشادهم، فالكتاب هنا هو القرآن العظيم، و(أل) هنا للعهد وللتفخيم والتعظيم.بِالْح قِّ نزل القرآن مصحوباً بالحق لا يفارقه في كل كلمة. اقرأ القرآن والله لو يجتمع علماء الدنيا على أن يثبتوا أن آية فيها باطل والله ما كان، وإذا ضلت العقول وفهموا أن فيه آية من الباطل يأتي أرباب العقول فيبينوا فيردوهم إلى الصواب، أين ذهبت عقولكم؟ ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، كل آية تقرر مبدأ لا إله إلا الله محمد رسول الله، كل آية من أنزلها؟ الله، على من نزلت؟ على محمد. إذاً: الله موجود، ومحمد رسول الله، وهذه كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم). نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3] فالحق مصاحب له لا يفارقه، فلا يستطيع أحد أن يثبت آية فيها باطل، بل ولا كلمة واحدة، نزل بالحق، لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

    تصديق القرآن بالكتب السماوية السابقة

    قال تعالى: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [آل عمران:3]. أي: للكتب الذي تقدمته كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وإبراهيم، وصحف شيث، فكل الكتب السابقة القرآن مصدق لها. هل كذب القرآن بالتوراة أو بالزبور لأنها عند اليهود؟ هل كذب بالإنجيل لأنه كتاب النصارى؟ والله ما كذب بكتاب من كتب الله، بل صدق وقرر أنها كتب الله عز وجل، بل فضح ما فيها من الزيغ والزيد والنقص والبطلان والتقديم والتأخير واتباع الأهواء والشهوات والأطماع، أما أن ينفيها فيقول: لا. ما نزلت، فهذا لم يرد في القرآن أبداً.وَأَنْزَل التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ [آل عمران:3-4].من الذي أنزل التوراة والإنجيل؟ إنه الله رب العالمين، الله الذي أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم والنبيين من قبله، والتوراة في لسان العبريين معناها الشريعة، والإنجيل بلسان النصارى معناه التعليم، أي: كتاب التعليم، وهذا غير مهم، فهو علم لا ينفع والجهالة به لا تضر، أما الذي ينفع فالعلم بأن التوراة كتاب الله، وأن الإنجيل كتاب الله، ولكن اليهود عمدوا إلى تحريفهما والزيادة والنقص فيهما، فهذا عبد الله بن سلام لما حضر اليهود بالتوراة إلى النبي صلى الله عليه وسلم جعل اليهود يغطي على الكلمة المرادة فيضع يده عليها فقال عبد الله بن سلام : مره يا رسول الله يرفع يده، فالتوراة فيها آيات كالشمس تشهد أن محمداً رسول الله، والإنجيل والله كذلك، ولكن الأحبار والرهبان حرفوا وبدلوا تكبراً وعناداً للحفاظ على رئاستهم ومكانتهم.وصلى الله على نبينا محمد.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير آل عمران- (2)
    الحلقة (143)



    تفسير سورة آل عمران (10)



    بعث الله رسله ليبلغوا دينه، ويقيموا الحجة على عباده، وأيدهم بالآيات والمعجزات، فكان من الناس من آمن بالله وصدق برسالاته، ومنهم من كفر بآيات الله وكذب رسله وآذاهم، حتى بلغ ببعضهم أن قتلوا رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، وقتلوا أتباعهم ممن يأمرون بالقسط من الناس، فتوعدهم الله عز وجل بالعذاب الأليم والخزي يوم القيامة.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، فالحمد لله الذي أهلنا لهذا الخير، وربنا على كل شيء قدير.أذكركم معشر المستمعين والمستمعات بالآيات الثلاث السابقة، إذ لها نتائج وعبر نريد أن نمر بها إن شاء الله لنجتني عبرها ونعود بنورها في قلوبنا وأبصارنا، اللهم حقق لنا ذلك.الثلاث الآيات التي سبقت دراستها قبل اليوم تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:18-20].

    هداية الآيات

    هذه الآيات الثلاث نتائجها كما قال المصنف: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلاً لذلك بأن كان مسلماً عدلاً ]. الشهادة تعتبر شهادة ويحتفل بها وتقبل إذا كانت قائمة على العلم، وكل شهادة لم تقم على مبدأ العلم وكون الشاهد عدلاً مسلماً فإنها لا تقبل شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، شهادة الله لأنه العليم بكل الكائنات وهو خالقها، فلم ير من هو أهل لأن يعبد معه فأعلن عن شهادته، شهد الله أنه لا معبود إلا هو، والملائكة يشهدون؛ لأنهم يطوفون بالعوالم كلها، فلو كان هناك من يستحق أن يؤله فيعبد مع الله لعرفوا، فشهدوا والله أنه لا إله إلا الله، وأولوا العلم وعلى رأسهم الرسل والأنبياء والعلماء شهدوا أيضاً، ومن فضيلة شهادتهم أن عطفها الله على شهادته وشهادة ملائكته.قال: (أولوا العلم) والذي لا علم لا قيمة لشهادته، تشهد بأن فلان قال أو فعل وأنت لا تعلم شهادتك باطلة، تشهد وأنت غير عدل ولا مستقيم منحرف معوج لا يوثق في شهادتك.هل تذكرون تلك اللطيفة؟ وهي: أن العلماء اختلفوا هل تقبل شهادة المقلد أو لا تقبل؟قال: سمعت الناس يقولون: لا إله إلا الله فقلت: لا إله إلا الله، ما عندي علم، قد يوجد إله آخر، فهل هذه الشهادة شهادة المقلد تنفع؟ ما تنفع، لا بد وأن يكون بنى شهادته على علم يقيني، وأقل ما يكون: أن نظر إلى الخليقة فوجدها كلها كانت في عدم وأصبحت موجودة، كيف يوجد فيها إله مع الله؟ ينظر فقط إلى المخلوقات العلوية والسفلية هل هناك من خلق سوى الله؟ لا أحد، لا خالق إلا الله، فلا بد إذاً من أن نخرج بشهادتنا من دائرة التقليد الأعمى.ثم ماذا أعطانا الله؟ أن تقول يا عبد الله: أنا لا أقرأ ولا أكتب ولا أستطيع أن أفكر أو أستنتج وأعتبر، أنا حسبي أن ربي شهد فأنا أشهد بشهادة الله، وأن الملائكة شهدوا فأنا أشهد بشهادتهم إذ يستحيل أن يكذبوا، وأن أولوا العلم شهدوا فأنا أشهد بشهادتهم، فهذه في صورة تقليد وفي الواقع والله على علم، فأيما مؤمن يقول: ما دام الله قد شهد أنه لا إله إلا هو والملائكة كذلك وأولوا العلم ومنهم الأنبياء والرسل الكل شهدوا فأنا أشهد بشهادة الله وملائكته وأولي العلم. هذه تنهي التقليد.هل تذكرون تلك اللطيفة؟ أن من أخذ يقرأ سورة آل عمران وانتهى إلى هذه الآيات الثلاث، وقال: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودعك اللهم هذه الشهادة فهي لي عندك وديعة ردها إلي يا ربي يوم القيامة، هذا يجاء يوم القيامة به ويقول: إن عبدي كذا وأنا أحق من يفي أدخلوه الجنة.إذاً: إذا كنت تقرأ سورة آل عمران وانتهيت بالتلاوة إلى قول الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] فقل: وأنا أيضاً وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودعك اللهم هذه الشهادة فهي لي عندك يا ربي وديعة؛ يردها الله تعالى إليك يوم القيامة وتدخل الجنة.وقد ذكرت لكم ما روي: أن أحد الطلبة نزل على عالم وسمعه يتلوا هذه الآية ويقول ذلك، فقال: علمني وأطلعني على سرك. فقال: لا أطلعك حتى تمضي عليك سنة وأنت معنا تتعلم، وحبس نفسه عاماً كاملاً، ونحن نعطاها هكذا ولا نبالي؛ لأننا هبطنا، كانوا في علياء السماء ونزلنا إلى الأرض. [ ثانياً: شهادة الله ] تعالى [ أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم. ثالثاً: بطلان كل دين بعد الإسلام وكل ملة غير ملته ] وذلك [ لشهادة الله تعالى بذلك في قوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ] أي: ومن يطلب غير الإسلام ديناً يدين به يجزيه به ويثيبه على عبادته فهو باطل. وإن قلت: كيف كان الأولون يدينون به لله ويكرمهم وينعم عليهم ويدخلهم الجنة؟الجواب: أولاً: تلك الأديان وهي اليهودية والنصرانية.. وما إلى ذلك داخلها الفساد بالزيد والنقصان والتقديم والتأخير فبطل مفعولها فلا تنفع.ثانياً: الذي نسخها بهذه الشريعة وأبطل مفعولها وتأثيرها هو الله عز وجل، أوجد في المادة الفلانية فائدة كذا ثم بعد قرون سلبها فأصبحت لا تنفع.وأوضح من هذا: أن الحكومة تسن قانوناً للمواطنين فيلتزمونه ويعملون به، ومن يخطئ يعاقب عليه، ثم تمضي سنوات وتنسخه، ويبقى من يعمل به سوى مجنون أو أحمق. مادة كانت تعمل بها الدولة وبعد عشرين سنة رأت عدم صلاحيتها فنسختها وأبطلتها، فلا يحتج المواطن ويقول: هذا كان دين، كان شرع في الماضي إلا أن يكون مجنوناً إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. [ رابعاً: الخلاف بين أهل العلم والدين يتم عندما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في المطاعم والمشارب، ويتشوقون إلى الكراسي والمناصب، ويرغبون في الشرف، يومئذ يختلفون بغياً بينهم وحسداً لبعضهم بعضاً ].سنة الله: الخلاف يقع بين أهل العلم وسببه: البغي والحسد، الطمع في الدنيا، التكالب عليها، يختلفون، هذا يحلل وهذا يحرم، هذه سنة الله عز وجل في خلقه وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران:19]، ففي اليهود من آمن أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومنهم من كفر فاختلفوا، فالذين كفروا كفروا حفاظاً على مناصبهم ومكانتهم بين مواطنيهم وإخوانهم. والنصارى دخل في الإسلام مئات الآلاف من علمائهم واستمر آخرون على النصرانية لأجل المناصب والدنيا.[ خامساً: من أسلم قلبه لله وجوارحه وأصبح وقفاً في حياته على الله فقد اهتدى إلى سبيل النجاة والسلام ].من أسلم وجهه وجوارحه لله، الكل لله، (وأصبح وقفاً في حياته على الله) كلامه لله.. سكوته لله.. أكله لله.. بناءه لله.. هدمه لله، كل حياته لله وقف، من وقف هذا الموقف نجا وسلك سبيل السلام.[ سادساً: من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ] لأن العبادات من شأنها أن تصرف عن كثير من أمور الدنيا[ ضل في حياته وسعيه وحسابه على الله وسيلقى جزاءه ] دل على هذا قول الله عز وجل: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20]، تولوا عن دعوة الحق وأعرضوا عنها يريدون الدنيا وما فيها.

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين...)

    معنا هاتان الآيتان الكريمتان تلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:21-22]. تأملوا هاتين الآيتين: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21] وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، فبشرهم يا رسولنا بعذاب أليم. والتعقيب: أُوْلَئِكَ [آل عمران:22] البعداء في الخسران والضلال حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:22] فلم ينتفعوا بها ولم يستفيدوا منها شيئاً وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:22]، فمن أذله الله من ينصره؟ ومن هزمه الله من ينصره؟تأملوا آيات الله نتدارسها: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21] هؤلاء فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران:21] يا رسولنا، فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران:21] أيها السامع، بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:21-22] لم ينتفعوا بها وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:22] لا يوجد لهم من ينصرهم إذا كان الله قد هزمهم وخذلهم وأذلهم. ‏

    رواية ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين...)

    لكي يتضح معنى الآيتين إليكم الرواية الآتية: أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره فتأملوها يتضح لكم هذا المعنى.قال: [ روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي عبيدة رضي الله عنه ] أحد العشرة [ قال أبو عبيدة : قلت: ( يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ ) ] أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا رضي الله عنهم يسألونه، بل كان صلى الله عليه وسلم يفتح لهم المجال للسؤال، قال: قلت: ( يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ ) لأن العذاب فهم وهو أنه بحسب الجرائم، وهو كذلك، فيعظم ويسهل بحسب الإثم، قال: قلت: ( يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ ) نستمع إلى جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلقاه غضاً طرياً وحياً من الملكوت الأعلى، ماذا أجابه [ قال صلى الله عليه وسلم: ( رجل قتل نبياً ) ] رجل قتل نبياً من الأنبياء، والنبي ذكر من بني آدم أوحي إليه من الله عز وجل، فمن قتل نبياً فهو أشد الناس عذاباً يوم القيامة [ ( أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر وقتل ) ] سواء بين من يقتل نبياً وبين من يقتل غير نبي ولكنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر [ ( ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21] ) ] والقسط هو العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الخير، ثم قال: [ ( يا أبا عبيدة ) ] وجه هذا النداء رسول الله إلى أبي عبيدة [ ( يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة ) ] بنو إسرائيل في عهد من عهودهم لما هبطوا وآثروا الدنيا عن الآخرة قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً في أول النهار في ساعة واحدة، قطعوا رقابهم [ ( فقام مائة وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكر الله تعالى ) ].في هذه الآية، أن المائة والسبعون قاموا وقالوا للذين قتلوا الأنبياء: لم تقتلوهم؟ أمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم عن آخرهم، فتجاوز القتل في ذلك اليوم مائتي نبي وولي من أولياء الله، فلهذا فالآية منطبقة عليهم تمام الانطباق: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].

    رواية القرطبي في تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين...)

    قال: [ وذكر القرطبي في تفسيره الرواية التالية: كل بلدة ] أو إقليم [ يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلاء ] أيما مدينة أو قرية أو بلد يوجد فيه أربعة رجال فأهله معصومون من البلاء، محفوظون بحفظ الله، لا يصيبهم بلاء في دنياهم فضلاً عن أخراهم، أربعة، فمن هم يا ترى؟قال: [إمام عادل لا يظلم ] أولاً: حاكم.. أمير.. شيخ، المهم في ذلك البلد حاكم عادل لا يظلم أحداً. هذا أول الأربعة: إمام عادل.ثانياً: [ وعالم على سبيل الهدى ] عالم يعلم الناس الخير ويدعوهم إليه ويساعدهم عليه، متى وجد هذا الشخص أيضاً فأهل القرية مع الإمام العادل ناجون من البلاء سالمون من المحن.ثالثاً: [ ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرسون على طلب العلم والقرآن ].أولاً: إمام عادل. ثانياً: عالم على سبيل الهدى يوضح الطريق وينصر أعلام الهداية. ثالثاً: مشايخ من أهل العلم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرسون على العلم والقرآن الكريم. رابعاً: [ ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ] متى وجدت هذه الأربع فبشر أهل بلادهم بأنهم آمنون من البلاء.هل في بلاد العالم الإسلامي هؤلاء الأربعة؟ موجودون عندنا، والله موجودون عندنا في المملكة:أولاً: إمام عادل، فهل هناك من يرفع يده ويقول: عبد العزيز أو ابنه فيصل أو خالد أو فهد أخذوا مالي، سلبوني، ظلموني؟ ما بلغنا، وما كان، وهذا هو العدل.ثانياً: عالم على سبيل الهدى، فما خلت هذه البلاد من علماء كـمحمد بن إبراهيم وكـابن حميد وكـالباز يدعون على سبيل الهدى. ثالثاً: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وها هي هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قرية وكل بلد مشايخ بعمائمهم ولحاهم.رابعاً: نساؤهم مستورات لم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، أنتم ما عرفتم هذا والعدو والله لقد عرف هذا من سنين، وهو يعمل جاهداً على أن ينتهي العدل من هذه البلاد، ويعمل جاهداً والله العظيم على أن لا يبقى علماء من هذا النوع جاهدين على أن ينتهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله يكتبون ويتقززون من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الحجاب الذي تنعم به هذه الأمة وفقد في العالم إلا من رحم الله فيعملون بكل الوسائل على أن تكشف المرأة السعودية وجهها، ومظاهرات تمت حتى بجدة. هذا القرطبي في القرن الرابع يقول: أربع إذا وجدوا في بلد أمن أهله من الفتن والمحن والبلايا:الأولى: إمام عادل، سواء كان حاكماً أو شيخاً أو أميراً في القرية، إذا كان عادلاً فهذا أول الخير.الثانية: عالم يبين للناس الطريق ويزيل عن أعينهم الغشاوة والعمى؛ ليعرفوا الطريق إلى الله، فبدون علم كيف ننجو ونسلك؟ هذا ضروري.الثالثة: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحرصون على العلم والقرآن العظيم؛ حتى ما يفقد ويضيع.رابعاً: نساء مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.لعلكم ما اطمأنت نفوسكم إلى ما قلت لكم، والله لكما أقول، انزع من ذهنك معنى الجهل وعدم البصيرة، يعملون ليل نهار أن لا يبقى هذا الحجاب في نسائنا، بالوسائل المتعددة، من الأفلام إلى الأقلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يوجد في العالم إلا في هذا البلد، وهم يجرون بالوسائل ولولا الله لكانوا أسقطوا الهيئة، ما يريدونها، فالحمد لله، نقول هذا ليبلغ عنا الخبراء أن على هذه الحكومة أن تحافظ على هؤلاء الأربعة ليستمر أمنها وطهارتها وصفاؤها.أولاً: العدل في كل من يلي أمر البلاد، حتى شيخ القرية يجب أن يكون عادلاً.ثانياً: أن لا يخلو بلد من عالم رباني يعلم الناس الهدى ويرشدهم إلى ما فيه رضا الله عز وجل.ثالثاً: لا بد من رجال يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في كل قرية وفي كل مدينة، مهمتهم إذا رأوا منكراً غيروه، وجدوا معروفاً متروكاً أمروا به حتى يفعل.والأخيرة: الحجاب، يتغنون يكيدون يمكرون فلا نسمع، فالمرأة لا تخرج كاشفة عن وجهها ولا محاسنها، وإن غضب العالم بأسره.وهناك ما رواه غير واحد: [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل: ( يا رسول الله! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ) ] صاحب سأل كما سأل أبو عبيدة : ( من أشد الناس عذاباً يوم القيامة؟ )، هذا قال: ( متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يا رسول الله؟ )، الجواب [ ( قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم من قبلكم ) ].إذا ظهر فيكم أيها المسلمون ما ظهر في الأمم من قبلكم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصدق رسول الله فمن إندونيسيا إلى بريطانيا انتهى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأننا استغربنا وأصبحنا غربيين، ما نسمح لرجل يقف أمامي يقل لي: صل، أو: يا فلانة غط وجهك، ما نسمح بهذا؛ لأن الغرب ما يفعل هذا، وكأن رسول الله شاشة أمامه يشاهد أحداث العالم فيها، عجب.[ قال: ( يا رسول الله! متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم من قبلكم. قلنا: يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا؟ ) ] يتابعونه سؤال وجواب [ ( قلنا: يا رسول الله! وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: الملك في صغاركم ) ] الحكم في أيدي صغاركم؛ لأن الحاكم يصدق أن يكون تجاوز الخمسين على الأقل، المفروض ستين وسبعين، أما حدث ما زال يلعب ويسند إليه الأمر لا يفلح [ ( قال: الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم ) ] الكبار يزنون ويفجرون [ ( الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم ) الرذالة: كحثالة ] العلم يوجد في حثالة الناس. إذا حصلت هذه انتهى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقع هذا فعلاً، وهو غيب يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وتمضي القرون متتالية ولا بد وأن يتحقق، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    معنى قوله تعالى: (يكفرون بآيات الله)

    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21] هذا خبر إلهي جاء بالمضارع في (يكفرون، ويقتلون، ويؤمرون)، فلم ما قال: (إن الذين كفروا بآيات الله وقتلوا)؟الجواب: لنتصور الواقع كأنه حاضر بين أيدينا، ولعلم الله تعالى أن هذا سيتكرر على مدى الحياة، (إن الذين يكفرون) اليوم أو غداً أو بعد ألف سنة. فما معنى: (يكفرون بآيات الله)؟ وما هي آيات الله؟علمنا أولاً: أن هذا اللفظ يشمل المعجزات التي يظهرها الله على أيدي نبيه، إذ كل معجزة آية، أي: علامة بارزة على أن من ظهرت على يده فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جحد الآيات اليهود والنصارى بالمدينة وأبوا أن يؤمنوا بالمعجزات المحمدية.ثانياً: الآيات التنزيلية القرآنية سواء في التوراة أو الإنجيل أو القرآن، تلك الآيات علامات على الحق والعدل وعلى وجود الله عز وجل وألوهيته الحاملة لشرائعه وأحكامه. إذاً: الكفران به معناه جحودها والتكذيب بها وبما تحمله من هدى، فالذي يكذب بآية واحدة من كتاب الله كفر ومأواه جهنم وبئس المصير، والذي يكفر بحكم واحد يقول: لا أعترف بالزكاة. والله كفر، أو يقول: لا أعترف بهذا الصيام. كفر، أو يقول: لا أعترف بقطع يد السارق ولا أقره. كفر. إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:21] هذه الجريمة الأولى. والثانية: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:21].وهل هناك نبي قتل بحق؟ مستحيل، فهو معصوم فكيف يرتكب ذنباً يقتل به، ولكن من باب تقبيح قتل الأنبياء. الجريمة الثالثة: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21]. من هم الذين يأمرون بالقسط من الناس؟ الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، العلماء العارفون بآيات الله وشرائعه، إذا أمروا بالعدل والحق والخير والمعروف قتلوهم كما فعل بنو عمنا اليهود، وفعله المسلمون في شتى العصور.

    معنى قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم)

    قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ من الذي يبشرهم؟ وهل العذاب بشرى تزف إليهم؟ هذا فيه معنى التهكم وهو أشد لذاعة وآلم في النفس من ضرب الجسد؛ لأن هؤلاء موجودون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبشرهم يا رسولنا بخبر من شأنه أن يغير بشرة وجوههم فتسود وتكلح فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران:21] بماذا نبشرهم يا رب؟ قال: بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].أتدرون ما العذاب؟ العذاب: كل شيء يزيل عذوبة حياتك فهو عذاب، موت أبيه عذاب يزيل عذوبة طعامه وشرابه في تلك الأيام، وكل ما يزيل عذوبة الحياة فهو العذاب، الذي يزيل ويبعد عذوبة الماء الحلو هو العذاب أو الطعام الشهي هو العذاب.والأليم الموصوف بشدة الإيلام والإيجاع، أي: شديد الإيلام والإيجاع، هذا صالح أن يكون في الدنيا وفي الآخرة، وقد تم لهم في الدنيا أيضاً، فالذين كفروا بآيات الله وقتلوا النبيين وقتلوا الآمرين بالمعروف نزلت بهم البلايا، أما في اليهود فلا تسأل، وفي النصارى أشد أيضاً.فبشرهم بعذاب موجع أولاً في الدنيا وأخيراً وثانياً في الآخرة، ولو أراد الآخرة لقال: فبشرهم بعذاب أليم يوم القيامة، لكن أطلق؛ لأن هذا يناله الناس في دنياهم وأخراهم.قد تقولون: بين لنا وأعطنا صورة يا شيخ؟فأقول: لما حكمتنا بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وفعلوا بنا الأعاجيب كان ذلك عذاباً بسبب ذنوبنا، فهو عذاب في الدنيا، وينتظرنا آخر غداً إن لم نرجع إلى الطريق السوي ونسلك سبيل الله عز وجل.
    تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين)
    قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:22]. قوله تعالى: أُوْلَئِكَ [آل عمران:22] أشار إليهم بلام البعد (أولئك) أي: البعداء في الشقاوة والخسران.. في الضلال والكفران أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [آل عمران:22]. ‏

    معنى قوله تعالى: (حبطت أعمالهم)

    ما معنى: حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [آل عمران:22]؟ بطلت، ما نفعتهم أعمالهم في الدنيا من البناء والتعمير والأموال، كل ذلك ما أفادهم شيئاً في الآخرة، كفرهم وشركهم وعباداتهم كلها بطلت ولم تنفعهم شيئاً. حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:22] معاً، ولذا كان العذاب أيضاً في الدنيا والآخرة.

    إحباط الشرك للعمل في الدنيا والآخرة

    هل تدرون ما الذي يحبط العمل في الآخرة؟ بلا شك هو الشرك بالله عز وجل، فالشرك مبطل للعمل محبط له، لو يعبد صاحبه ربه ألف سنة وهو راكع ساجد صائم قائم ثم يفعل شركاً اعتقده أو قاله أو عمله يبطل ذلك العمل كله ويتبخر ويتلاشى. ما الدليل؟أولاً: قول الله عز وجل على لسان عيسى بن مريم، عيسى ابن البتول عليه السلام يخطب الناس من بني إسرائيل في حفل عظيم كما حكاه الله عنه في سورة المائدة فقال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. سبحان الله! كيف بلغنا هذا؟ عيسى خطب في بني إسرائيل واعظاً معلماً فمن نقل إلينا هذا؟ قولوا: الله! فالحمد لله، هذا كتابه المشتمل على كل المعارف في الدنيا والآخرة، كأننا حاضرون مع بني إسرائيل، بيان رسمي ألقاه عيسى، اسمعوا: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، فأي ظلم أعظم من الشرك؟ ما وجه ذلك؟أنت تظلم أخاك فتأخذ دابته، تظلم أخاك فتفسد عليه زوجته لتتزوجها، تظلم أخاك فتسلب ثوبه، هذا ظلم والذي يأخذ حق الله بكامله ويصرفه لمخلوق من مخلوقاته فأي ظلم أبشع من هذا؟ يعلم أن الله ما خلق الخلق إلا ليعبد، فهو سر وجود الحياة بكاملها، علة الوجود بكامله أنه أراد تعالى أن يذكر ويشكر، والعبادة ما خرجت عن الذكر والشكر، فخلق الجنة والنار والعوالم كلها، وخلق الإنس والجن من أجل أن يذكر ويشكر، فإذا ترك العبد ذكر الله وشكره خسر خسراناً أبدياً، لن يخرج من عالم الشقاء أبداً؛ لأن جريمته قومناها، جريمته كأنما نسف الكون كله. تعرفون جريمة من لم يعبد الله؟ القضاة بكم يقدرونها؟ جريمته كأنه نسف السماوات ومزق الأرض والخليقة والجنة والنار كل ذلك أبطله. هذه جريمته. كم يعذب من مليار سنة؟ فلهذا أهل الشرك خالدين فيها أبداً، فما هو قتل نفس ولا جماعة أو إحراق مدينة، هذا الخلق كله دمره؛ لأن الله ما خلق هذا الخلق إلا ليذكر هو ويشكر.إذاً: أعظم الظلم هو الشرك؛ لأنك تسلب حق الله وتعطيه للشيطان، فأعوذ بالله منك يا عبد الله! تأخذ حق الله الملك الحق وتعطيه لعدو الله؟!عرف هذا ذاكم العبد الحبشي النوبي لقمان الحكيم، عرف هذا ولم نعرفه يا أهل القرآن، أجلس طفله بين يديه يعظه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] هذه قالها لقمان من بلاد الحبشة. ولما نزلت آية الأنعام واحتار الصحابة وارتبكوا: ( من منا لم يظلم يا رسول الله؟ ) وهي قوله تعالى: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81] فأي الفريقين نحن أم أنتم أيها المشركون أحق بالأمن من عذاب الله فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام:81] أجاب الله بنفسه فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا [الأنعام:82] أي: لم يخلطوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]فهم أحق بالنجاة من النار، الذين آمنوا ثم لم يلبسوا إيمانهم بظلم. لما نزلت هذه الآية احتار الصحابة وجاء وفدهم إلى رسول الله وقال: ( أينا لم يظلم نفسه يا رسول الله؟ ) إذا كان لا نجاة إلا لمن لم يظلم نفسه فأينا ما يظلم؟ فقال: ( ليس الأمر كما علمتم، ألم تسمعوا إلى قول لقمان الحكيم: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] )، فالظلم المانع من دخول الجنة هو ظلم الله، أن تأخذ حق الله الذي أوجبه بخلقك ورزقك وحياتك وتعطيه لغيره.

    صور من الشرك

    معشر المستمعين! هل تعرفون عن الشرك شيئاً؟ لا تعرفون، إذاً: أعلمكم؟تسأل أحدهم: هذه النخلة لمن؟ فيقول: هذه نخلة سيدي عبد القادر . لم؟ حتى يبارك البستان بما فيه. تسأل: هذا التيس لمن؟ فيقول: هذا التيس لسيدي عبد القادر .عبدوا عبد القادر والبدوي وإدريس .. وكل الأولياء، وفاطمة والحسين أيضاً، فكل من يعطي حق الله لمخلوق فقد عبد ذلك المخلوق وأشرك بعبادة الله هذا المخلوق. الذي يقف ويقول: يا سيدي عبد القادر .. يا رسول الله .. يا فاطمة .. يا رجال البلاد، أنقذوني، أنا أستشفع بكم، فقد جعلهم مثل الله يسمعون كلامه ويعرفون حاله ويقدرون على إلجائه أو إعطاء سؤاله، سواء بسواء. ومن قال: لم؟ نقول: كيف ينادي بقلبه ولسانه ويطلب وتقول: لا لا، هذا تناقض ، فالذي يقول: يا سيدي فلان المدد المدد، والعوام يقولون حتى لرسول الله، لو كان بينهم لأدبهم أو سلط عليهم عمر ، يقولون: يا رسول الله المدد! الغوث أغثنا. انصرفوا عن الله وأقبلوا على غيره، فكيف يرضى الله بهذا وهو ما خلقهم إلا لعبادته، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].اسمعوا! في تلك الحجرة الطاهرة كان النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من الصحابة بجواره في المسجد، وكان منافق يتسلط عليهم في بداية الإسلام في السنة الأولى أو الثانية، فقالوا: هيا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الكافر المنافق، فسمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم: ( إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله )، واقرأ في القرآن: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9].وهذا رجل يتكلم فقط مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله، قال: لا، ما زدت أن جعلتني لله نداً قل: ما شاء الله وحده )، الرجل بنيته قال: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فغضب الرسول وقال: لا تقل هذا، قل: ما شاء الله وحده، فكيف تسوي مشيئة الله بمشيئة العبد؟ سمعهم يحلفون بالسيد فلان وحقي ورأس كذا، فصعد صلى الله عليه وسلم على المنبر فخطب وقال: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ). ومرة أخرى قال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ). ومرة قال: ( فقد كفر ). كيف هذا يا رسول الله؟الجواب: نسيت ربك، نسيت من بيده أمرك، نسيت من رزقك بيده، نسيت العليم الحكيم، نسيت العليم الخبير.. نسيت نسيت، وتقول: على المخلوق، وتقول: أحلف به، أين ذهب بعقلك؟ ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أي: في تعظيم الله فعظم سواه، كفر لأنه غطى الله وجحده ولم يحلف به وحلف بمخلوق من مخلوقاته.ولما رآهم متورطين لحداثة إيمانهم وإسلامهم بين لهم أنه ما يشرع لأحد أن يقول: (واللات). آخر يقول: (والعزى)، عاش خمسين عاماً يحلف بهما والآن يتوب، ففي يوم واحد لا يستطيع يبقى يجري على لسانه. وآخر يقول: تعال أقامرك، جماعة مكة؛ لأنهم يعيشون على القمار، تعال أقامرك، فيجري على لسانه، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحادثة كيف يعالجها؟ هم لا يقصدون ذلك ولكن تجري على ألسنتهم؛ لطول ما لازموها، فوضع قاعدة نفعنا الله بها وانتفع بها المؤمنون الذين يحضرون هذه الحلقة كثيراً وهي اسمع: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله تمحها ). أنت تعودت أن تحلف بسيدي عبد القادر ، جرى على لسانك ولا تقصد فقل: لا إله إلا الله تمحها. ( ومن قال لأخيه: تعال أقامرك فليتصدق )، بريال.. بحفنة تمر تمحو ذلك؛ لأنه لا يريد أن يقامر، لكن لطول ما لعب القمار يجري على لسانه: تعال أقامرك، فالعلاج صدقة، وما حددها لتكون نافعة من الكبير والصغير، ( ومن حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله ).إذاً: إخواننا المصريون ونحن معهم اعتادوا على قول: (والنبي)، يجيء الرجل يسألني وأنا على الكرسي فيقول لي: (والنبي) ما قلت كذا؟ يقول: والنبي ما نزيد، والنبي لا أزيد مرة ثانية. فلم ينفعنا شيء أكثر من هذه القاعدة، من قال: (والنبي) يقول: لا إله إلا الله؛ لأن الإنسان إذا اعتاد شيئاً لا يتركه بسهولة، بل يحتاج إلى زمن، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة: من حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله تمحو تلك السيئة، ومن قال لأخيه: تعال نلعب القمار يتصدق بصدقة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #145
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير آل عمران- (3)
    الحلقة (144)



    تفسير سورة آل عمران (11)

    أوجب الله على الناس التحاكم إلى كتابه عند الاختلاف، وقد كان اليهود من شأنهم أنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى كتاب الله تولوا وأعرضوا مستهزئين بأمر الله زاعمين أنهم لن يعذبوا بسبب مخالفتهم لأنهم أبناء الله وأحباؤه، وحتى لو أدخلهم النار فلن يزيد بقاؤهم فيها على أيام معدودة، لكن الله عز وجل هو من سيحكم عليهم في الآخرة وسيدخلهم النار جزاء رفضهم لحكمه في الدنيا.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم اجعلنا من هؤلاء المؤمنين الذين فازوا بهذا الأجر العظيم.وها نحن مع تلاوة هذه الآيات الثلاث بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:23-25]. وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات أذكركم بنتائج الآيات السابقة التي درسناها أمس بإذن الله. ‏

    الكفر والظلم من موجبات الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة

    عرفنا أن الكفر والظلم من موجبات هلاك الدنيا ولزوم عذاب الآخرة، فالكفر والظلم من موجبات ومقتضيات ومستلزمات هلاك الدنيا وعذاب الآخرة.وتذكرون ذلكم الحديث، حديث أبي عبيدة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ فأجابه الحبيب صلى الله عليه وسلم: رجل قتل نبياً )،فهذا من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ( رجل قتل نبياً بغير حق، ورجل أمر بالمعروف أو نهى عن منكر فقتلوه )؛ لأن الله قال: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21]، والقسط هو العدل، والعدل يدور حول ما أمر الله به وما نهى عنه، فمن أمر بما أمر الله به ونهى عما نهى الله عنه ما زاد أبداً على العدل.ثم ذكر محنة بني إسرائيل أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً في الصباح، ولما قام العباد الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ونهوهم وأمروهم قتلوهم، وكان عددهم مائة وسبعة وسبعين. والله عز وجل توعد من يفعل ذلك فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].

    خصال أربع تمنع البلاء

    هل تذكرون تلك الكلمات الطيبة التي رواها القرطبي في تفسيره وهي تنطبع تماماً على هذه الدولة أو هذه البقية الباقية في العالم الإسلامي. ماذا قال؟ كل بلدة يكون فيها أربع خصال أو أمور فهي آمنة من البلاء، بعيدة من الشقاء. أول هذه الخصال الأربع: إمام عادل. أي: حاكم لا يظلم ولا يجور، لا يعتدي على أعراض الناس ولا أموالهم ولا على أبدانهم، ويحكم بينهم بما حكم الله به ورسوله. هذه واقية من أعظم الواقيات الأربع.الثانية: رجل على سبيل الهدى. أي: عالماً يعلم الناس الخير والهدى ويدعوهم إليه، فإذا وجد في البلدة عالم قائم بواجب البيان والهداية فالأمن حاصل.الثالثة: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مشايخ من أهل العلم يأمرون أهل البلدة بالمعروف إذا تركوه، وينهونهم عن المنكر إذا فعلوه، فهم وقاية عجيبة.الرابعة من الواقيات من البلاء: نساء متسترات غير متبرجات تبرج الجاهلية الأولى. وهذه ما إن ظهرت هذه الدولة على يد عبد العزيز حتى ظهرت فيها هذه الوقايات الأربع، وإن شئتم حلفت لكم بالله، واستمر النور والهداية والأمن والطهر وعرف هذا العدو من اليهود والنصارى والمشركين وما عرفه المسلمون، فأعداء الإسلام إلى هذه الساعة يعملون بجد واجتهاد على إبطال هذه الأربع الواقيات وإبعادها لتهبط هذه البقية الباقية إلى مستوى العالم الإسلامي، فلا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا حجاب ولا تستر، ولا عدل ولا رحمة، ومن الأسف أننا نحن أهل البلاد ما عرفنا هذا، فمن الحين إلى الحين تظهر ظاهرة دعوة إلى السفور، إلى كشف وجوه النساء. وإذا تبرجت النساء وخرجن واختلطن بالرجال كاشفات الوجوه فعلى الطهر السلام، يحل محله الخبث، ولازم الخبث غضب الرب وسخطه وبذلك يحل العذاب.وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الهيئات تسمع من ينقد، تسمع من يطعن، حاولوا أن يكتبوا أيضاً وكتبوا متقززين: كيف تقام الصلاة ويخرج الناس من دكاكينهم وأعمالهم؟ تألموا لذلك ولا هم لهم إلا إطفاء هذا النور الباقي.

    دعائم الدولة الإسلامية

    نقول بالعلم الذي تقرر عندنا: إن الدولة الإسلامية -بلغوا المسلمين- لا تقوم على مقام يرضاه الله ويثمر الطهر والأمن والصفاء إلا إذا أقيمت على أربع دعائم وضعها الله العليم الحكيم، وجاء هذا واضحاً بيناً، من سمع الآية فهم، من قرأها علم، فلا لبس ولا غموض، ولا تقديم ولا تأخير، وإليكم هذه الآية الكريمة من سورة الحج المدنية المكية، إذ قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: حكموا وسادوا.

    الأولى: إقامة الصلاة

    الأولى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] هذه واحدة أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] ما قال صلوا، بل قال: أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] وإقام الصلاة: إذا أذن المؤذن ونادى أن حي على الصلاة وقف دولاب العمل وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم كالمظاهرة الغربية التي يتعشقها الغافلون، المظاهرات في أوروبا يزحف النساء والرجال والأطفال فيسدون الشوارع والطرقات يشتكون، ونحن معنا تلك المظاهرة الربانية خمس مرات في أربع وعشرين ساعة، إذا نادى منادي الصلاة لصلاة الظهر وقف العمل نهائياً وأقبل المؤمنون على بيوت ربهم ليناجوا مولاهم ويتملقوه ويتزلفوا إليه بذكره ودعائه ورفع شكاتهم إليه. وإذا انتهت الصلاة عاد العمل كما كان وأحر مما كان، لأنهم أهل إيمان، لأنهم أحياء تمام الحياة، فإذا نادى منادي صلاة العصر وقف العمل وخرجت الأمة إلى ربها، إذ لهذا خلقها، فلا تفهم غير هذا، فوالله ما خلقنا إلا لهذه، فكيف نحاول أن نتملص ونخرج ونشرد ونقول: صل حيثما وجدت،فإذا أذن المغرب وأذن العشاء خمس مظاهرات ربانية يلتقي المؤمنون بعضهم ببعض في بيوت ربهم في مظهر من مظاهر الدين الحق.أما أن يؤذن المؤذن فمن شاء أن يغلق دكانه ومن شاء أن يفتحه، من شاء أن يغني ومن شاء أن يصلي، من شاء ومن شاء.. فأين الربانية إذاً؟ أين مظاهر العبودية لله؟ وقد مكن الله عز وجل العالم الإسلامي في الحكم بعد أن استدل واستعبد واسترق على أيدي أعدائه الكافرين من مستعمري الشرق والغرب فخلصهم ليبتليهم، فتستقل الدولة والإقليم ولا تقام بينهم صلاة، وأنا أعجب، من صرفهم؟ هل اشترطت عليهم بريطانيا : اسمعوا! أعطيكم الاستقلال، نخرج من دياركم على شرط أن لا تصلوا؟ والله ما كان هذا أبداً ولا تفعله بريطانيا أو فرنسا، فلم ما أقمنا الصلاة وقد مكننا الله في الأرض وسودنا وحكمنا؟! من ثَمَّ المسلمون في بلاء وشقاء وتعاسة وآلام إلى اليوم، فأين ثمار الاستقلال ونتائجه الطيبة؟ أين الأمن؟ أين الطهر؟ أين الإخاء؟ أين المودة؟ ما الذي حصل؟ حال لا نشكوها إلا إلى الله.

    الثانية: إيتاء الزكاة

    الدعامة الثانية: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] إقام الصلاة هي الدعامة الأولى، والثانية: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] الزكاة التي بينها الله في كتابه وبينها رسوله من حيث المقادير، والأنصبة، ومن حيث الحول والشروط. الزكاة هي قاعدة الإسلام الثالثة، ولكننا ما علمنا وما بلغنا أن إقليماً استقل أهله عن بلجيكا أو بريطانيا أو فرنسا فأجبروا المواطنين على إخراج الزكاة، فهل اشترطت عليهم فرنسا وقالت: نخرج من دياركم على شرط أن لا تجبوا الزكاة حتى يتحطم الإسلام؟ لا والله.ومن العجيب ونحن أطفال صغار كانت تأتي ضرائب تسمى غرامة من الدولة الحاكمة فرنسا، والله تسميها الزكاة، وتذكرنا نحن المستعمرين بالزكاة، لا تلوموا ولا تبكوا إذا أخذنا منكم هذا القدر لأنكم أنتم تؤدون الزكاة، والله بعيني أقرأ كلمة زكاة، وكأنما تذكرنا بالإسلام، ولما جاء رجالنا وأبناؤنا مسحوها فليس هناك زكاة بل الضريبة حتى ينسى المؤمنون الزكاة، فأي ظلم أعظم من هذا؟ وما زلنا نرقص لأننا نمشي إلى الهاوية، لم تخطئ سنة الله بشراً إما أن نتوب وإما أن تنزل البلايا والرزايا. سئل أحدهم: أين الله؟ قال: بالمرصاد، يشير إلى قوله تعالى لما دمر عاداً وثمود وفرعون قال: إِنَّ رَبَّكَ [الفجر:14] يا محمد لَبِالْمِرْصَاد ِ [الفجر:14] فلسنا بأفضل من قوم عاد أو قوم صالح وثمود أو فرعون. إذاً: جباية الزكاة فريضة الله، ودعامة الدولة. ولما كون عبد العزيز تغمده الله برحمته هذه الدولة، جعل نوابه في القرى وأخذوا يجمعون الناس على الكتاب والسنة، ويقرأ قائمة في كل صلاة صبح، إبراهيم بن عيسى، عثمان بن خالد، زيد بن إبراهيم، نعم نعم، كلهم حضروا، وإذا غاب واحد يمشون إليه: لم غبت؟ فإذا كان مريضاً يدعون الله أو يداوونه، وإن كان غائباً بلا عذر يعرفونه، فإن أبى أن يحضر يؤدبونه بالعصا، فأقيمت الصلاة بمعنى الكلمة. وقولوا لي: ما الذي تبع إقام الصلاة؟ تبعها أن انتهى الخبث ومظاهر الشر والباطل والفساد، وهذه سنة الله عز وجل.

    الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    القاعدة الثالثة: وجود مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ إذ قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] نحن نكون رجال الأمن وقوى الأمن، ما حاجتنا للبوليس والدرك والجند والشرط، ولكن شيخ بلحيته يأمر بالمعروف في القرية.. في السوق. أسألكم بالله! من صرفهم؟ أنا قلت لكم: ما بلغنا وقد خبرنا الحياة ظاهرها وباطنها ما بلغنا أن دولة مستعمرة اشترطت على ذاك الشعب المستعمر عند استقلاله أن لا يصلي أو أن لا يؤتي الزكاة أو أن لا يأمر بالمعروف.. أبداً، فما الذي صرفنا لتنزل بنا المحنة ويحل بنا البلاء والشقاء والعذاب؟! الله الله في هذه الأيام أيام هذه الاختراعات العجيبة والفتوحات الربانية، لو أسلمنا لدخل البشر كلهم في الإسلام، لكن نحن صرفنا الشرق والغرب عن الإسلام لأنهم ينظرون إلينا ونحن أشد هبوطاً منهم، لا وفاء ولا صدق ولا حرم ولا كرامة ولا ولا. إذاً: يتقززون من حالنا، ينظرون إلينا وإلى الإسلام من خلال سلوكنا، والآن لا نستطيع أن نصلي صلاة الظهر في العالم الإسلامي مع بعضنا البعض، فنؤخر نحن ويقدم الآخرون في وسطها ونصلي الصلاة في ساعة واحدة. أما الصيام أما العيد فلا تسأل! فهل نحن أمة واحدة، إذاعتها واحدة.إذاً: القاعدة الثالثة: هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه دعائم الدولة الإسلامية، فأيما شخص يفكر في إقامة دولة ولم ير فيها ما رأى الله ولم يقيم على ما أراد الله والله إن سلكها لهاو وإنها لساقطة ولن ينتفع أهلها بها، ولا كرامة ولا طهر ولا صفاء ولا سعادة.لم لا يتكلم بهذا العلماء والكتاب والمربون؟قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] لم يشأ الله أن تقوم دولة على هذه القواعد فتسند هذه الدولة وتشد من عضدها أبداً.إذاً: قال القرطبي في ما يرويه: أربع إذا وجد في بلد أمنت من البلاء والدمار والعذاب.الأولى: إمام عادل، عدل الإسلام لا عدل الاشتراكية الذين سلبوا أموال الأغنياء وأراضيهم ومزارعهم وأعطوها للفقراء والشعب، وقالوا: عدل كبير هذا، أي عدل هذا؟ هذا أبشع أنواع الظلم، هذا تقرير قاعدة بلشفية حمراء روسية وضعها اليهود من أجل تدمير العالم والقضاء على الروح الإنسانية. أيضاً: الضرائب ففي بعض البلاد النافذة عليها ضريبة، كيف تفتح نافذة في الشارع؟ ادفع ضريبة. والضرائب: أكل أموال الناس بالباطل، لم يأذن الشارع فيها إلا في حالة ضرورية قصوى، كأن يكون إمام المسلمين مضطر لظروف دعت إلى ذلك، أما أن تصبح فريضة بدل الزكاة ويحجب معنى الزكاة ولفظها فهذا والله لظلم عظيم، وآثاره واضحة.ثانياً: عالم على سبيل الهدى، وليس عالماً خرافياً صوفياً، وقد جئناكم بمجموعة من الكتب نسمعكم كل يوم إن شاء الله منها، بعث بها إلينا رجل عالم من نيجيريا، جمع كتب المتصوفة كلها وجمع العجائب من كل كتاب عجيبة، وهذا يتفق مع آيتنا الآن. ثالثاً: مشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يا أهل القرى! اجتمعوا في مسجدكم وإن كانت الحاكمة بريطانية وكونوا لجنة من صلحائكم، تجولوا في القرية فإذا رأيتم طفلاً يقول الباطل، أو رجلاً يرتكب حماقة أدبوه وعلموه، فهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يرضى الله عنا ولا يسخط.

    الرابعة: تستر النساء وعدم التبرج

    والأخيرة: نساء مستورات غير متبرجات، والدعوة الآن إلى كشف الوجوه عندنا قائمة، ولولا لطف الله عز وجل لانتشر السفور بيننا، ونحن نندد بهذا السلوك والجماعة تغضب، قلنا لهم: بناتكم علموهن ست سنوات في الابتدائية، فإذا كملت السنة السادسة وأصبحت تعرف الله بأسمائه وصفاته، أصبحت تعرف كيف تتملق إلى الله بذكره، عرفت كيف تبر أباها وأمها، عرفت كيف تربي أولادها، تقول لها: حسبكِ يا بنية، الزمي البيت، ساعدي أمكِ على مهامها وغداً تتزوجين وتصبحين ربة بيت، أعانكِ الله، لهذا خلقتِ. إياكم والمتوسطة والثانوية والجامعة وأخيراً: الوظيفة! وحلفت لهم بالله في رسالة قديمة بعنوان (الإعلام بأن العزف والغناء حرام) أنكم إذا فتحتم الابتدائيات كانوا يطالبون بالثانوية.جريدة البلاد: تكتب وتقول: المرأة السعودية في ديجور من ظلمات الجهل.. كذا، وهم مدفوعون بدوافع الشيطان وأوليائه. قلنا: والله! إن فتحتم الابتدائيات لتطالبن بالثانويات يومئذ، ولتفتحن الثانويات ولتطالبن بالجامعات، ووقع هذا، وكان هذا قبل خمس وثلاثين سنة. والآن الوظيفة شريفة أو خبيثة؟ ما دام هذا النور فليس بمسموح أن المرأة تتوظف مع الرجال، وهم يتألمون لماذا؟ آه! أين أولوا البصائر والنهى؟ هيا بنا ندرس الحياة بكاملها؟ أخلقنا لهذه؟ من قال نعم قل له: لا تمت، ولم مات أبوك وماتت أمك؟ أين يذهبون؟ إذاً: ما دمت عاجزاً على أن تفرض بقاءك على الله فاعلم أنك لم تخلق لهذه بل خلقت لغيرها، فتهيأ للملكوت الأعلى حتى تسكن السماوات العلى، والشاهد عندنا: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُم ْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123] سنة الله، السم يقتل، الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع، الكفر يوجب غضب الرب وعذابه، الفسق يقود إلى الهاوية وزوال النعم، وهكذا، لن تتبدل سنن الله. فإن قال قائل: علل يا شيخ لهذه المحنة؟ الجواب معروف، الجهل، جهلونا، أبعدونا عن الله ومعرفته فأصبحنا كالبهائم يسوسوننا كما شاءوا ويركبوننا كما أرادوا، فهيا نخرج من هذا المضيق؟فإن قال قائل: يا شيخ! ما نستطيع، نحن مسحورون، نقول: سبحان الله! لماذا لما تسحر امرأتك لا تأتي بمن يقرأ عليها حتى تشفى؟ هل ترضى أن تكون مسحوراً؟ حاول أن تخرج نفسك من هذا السحر.فإن قال: بماذا؟ نقول: أن نتعاهد لربنا بأننا عدنا وله أسلمنا قلوبنا ووجوهنا، وأننا من اليوم إذا دقت الساعة السادسة مساءً أوقفنا العمل، إن كنا في مقهى أغلقنا بابها، دكان كذلك، متجر، مصنع، كل عمل، وأخذنا نساءنا وأطفالنا طاهرين إلى بيت ربنا، إلى المسجد مسجد القرية ونجتمع فيه، ونبكي بين يدي ربنا الساعة والساعة والنصف ونحن بين يديه منطرحين نتعلم الكتاب والحكمة، يوماً بعد يوم حتى تلوح الأنوار وحتى تتصدع الصدور بتلك الأنوار ونصبح لا نرى إلا ما يرى الله، ولا نسمع إلا ما يسمع الله، ولا نعمل إلا بما أذن الله، ويومها لو أراد أهل الأرض أن يزلزلوها من تحت أقدامنا ما استطاعوا. ولا تسألني عن النتائج المادية، ينتهي كل مظهر من مظاهر الجريمة، فلا غش، لا خداع، لا كذب، لا باطل، لا خيانة، لا لا.. بل حل محل ذلك الأمن، الطهر، الولاء، المحبة، الغنى، والله ما يبقى في القرية من يشكو جوعاً وإخوانه شباع، ولا من يتألم للبرد وإخوانه مكسوون، ينتهي هذا نهائياً. ستقولون: آه! ما نستطيع هذا يا شيخ، فأقول لكم: ما يمنعكم؟ لو كانت تحكمنا بريطانيا وأردنا هذا والله ما تمنعنا. أقسم بالله لو كانت تحكمنا إيطاليا والله ما تمنعنا من هذا، فهذا يساعدهم على أن يستقر الوضع وتهدأ الأحوال ويستغني الناس وينتهي التلصص والجريمة والخيانة، فلم يمنعوننا إذاً؟ هذا الكلام يشهد الله أننا قد رددناه مئات المرات، فهل من واعٍ يعي هذا؟ لا أحد. هل من سامع؟ لا أحد. لماذا؟ نرد الأمر إلى الله، بهذا قضى الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ...)

    قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23]. ‏

    سبب نزول قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب...)

    روى ابن جرير الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية: عن ابن عباس قال: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله ) دخل عليهم وهم مع علمائهم ليعرض عليهم الإسلام ( فقال له: نعيم بن عمرو والحارث بن زيد ) أي: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ( على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم ودينه ) ، أي:أنا على دين إبراهيم، وهو والله كذلك، فالتوحيد ملة إبراهيم، وتبقى القوانين توجد بحسب أحوال البشر، يحل اليوم شيء ويحرم غداً؛ لأن المربي العليم الحكيم هو الذي يقنن ويشرع، أما الملة فلا إله إلا الله، لا يعبد إلا الله وبما شرع الله. ( فقالا: فإن إبراهيم كان يهودياً ). أي: كيف تقول أنا على ملة إبراهيم وإبراهيم كان يهودياً، إذاً: ادخل أنت في اليهودية حتى تكون كما تقول على ملة إبراهيم، فإبراهيم كان يهودياً، ( فقال صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم )، أي: بيننا وبينكم التوراة، هاتوا التوراة، ومعلوم أن التوراة نزلت بعد وجود إبراهيم بمئات السنين، التوراة نزلت على موسى وبين موسى وإبراهيم قرون عديدة ( فأبيا عليه ) لما عرفوا أن التوراة ليس فيها يهودية ولا نصرانية، رفضوا إتيان التوراة والنظر فيها والعمل بما فيها ( فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] ) . فكانت الآية منطبقة عليهم، واتضح معنى الآية تماماً. هنا قالت العلماء: إذا دعوت مؤمناً إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ورفض دخل مع هذه الجماعة الملعونة! إذا دعوت مؤمناً حاكماً كان أو مواطناً إلى التقاضي إلى الكتاب والسنة والتحاكم إليهما فرفض لأنه خائف من الحق أن يخرج من جيبه فهو ممن قال الله فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] غير ملتفتين إلى التحاكم إلى كتاب الله التوراة.هذه الآية وحدها يقرؤها النساء والرجال من المؤمنين والمؤمنات ولو كانوا يقرءونها ويفهمون معناها لم يتحاكم مؤمن ولا مؤمنة عند بريطانيا ولا الأمم المتحدة، والآن يتحاكمون في مجلس الأمن، نزاع بين دولتين إلى مجلس الأمن.هذه مظاهر الجهل بالله، ما عرفنا الله معرفة تثمر لنا حبه في قلوبنا، ولا الرغبة والخوف منه في نفوسنا، فلهذا لا نبالي أن نتحاكم إلى اليهود والنصارى، ونحن أهل العدل، أهل الكتاب والحكمة.

    معنى قوله تعالى: (أوتوا نصيباً من الكتاب)

    وقوله: أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ [آل عمران:23] أي: قطعة من الكتاب. لم والتوراة بين أيديهم؟ لأن التوراة لم يبق فيها ما تسمى به التوراة على الحقيقة، همشوا وحشوا وزادوا ونقصوا وبدلوا فأصبحت كلمات الله فيها كالكواكب هناك كوكب وآخر هنا والباقي كله خرافات وأباطيل. إي نعم. من فعل هذا؟ علماؤهم، ساداتهم، أرباب السلطة والجاه عندهم. ونحن أهل الإسلام جرينا وراءهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع إلا أن الله عز وجل حفظ لنا كتابه، فما استطاع شرقي ولا غربي أن ينقص منه حرفاً واحداً أو يزيد كلمة، وذلك لتعهد الله تعالى به؛ إذ قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فما أسنده إلى الأشراف ولا إلى العلماء ليحفظونه، بل تولى عز وجل حفظه بنفسه، فلهذا حاول النصارى واليهود محاولات متعددة على إسقاط حرفي (قل) فعجزوا. مؤتمرات انعقدت في السودان وفي روسيا وفي العالم يبحثون: كيف يسقطون كلمة (قل) من القرآن فما استطاعوا؛ لأن كلمة (قل) ترغم أنوفهم أن هذا كلام الله. الرسول نفسه يقول لنفسه: قل؟ هل هناك متحدث يقول لنفسه: (قل)؟ مجنون هذا. إذاً: من الذي قال له: قل يا أيها الكافرون، قل هو الله أحد، قل يا أيها الناس؟ من؟ سلطة عليا، إذاً: هذا الله هو الذي يأمره. فقالوا: لو استطعنا أن نسقط كلمة (قل) لقلنا هذا كلام محمد فقط وليس بكلام الله ولا بتنزيله، فعملوا المستحيل فما استطاعوا، وكيف يستطيعون والله العزيز تولى حفظ كتابه بنفسه؟ لما أسند الله التوراة والإنجيل إلى أهلها ما استطاعوا أن يحفظوها، فالإنجيل حولوه إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً، ولما انكشفت عورتهم اجتمعوا اجتماعات متعددة وصفوا تلك الأناجيل وغربلوها وجمعوها في خمس كتل: إنجيل لوقا، إنجيل برنابا، إنجيل مرقس، إنجيل يوحنا، خمسة أناجيل، والشيطان هو الذي يدعو إلى الكفر والضلال.

    معنى قوله تعالى: (يدعون إلى كتاب الله)

    قوله: يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ [آل عمران:23] من دعاهم يرحمكم الله؟ رسول الله يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ [آل عمران:23] والمقصود بكتاب الله هنا: التوراة والإنجيل والقرآن، فالكل كتاب الله، ولو جاءوا القرآن لا يجدون إلا التوحيد، والإنجيل كذلك وإن كانت الحادثة هنا في التوراة لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى [آل عمران:23] فكروا وبعد قالوا: لا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [آل عمران:23] لماذا ما قال: ثم تولوا فريق؛ لأن منهم من آمن وعرف الحق كـعبد الله بن سلام وأخيه وفلان وفلان، وهم معرضون عازمون أن لا يرجعوا إلى الله ولا إلى دينه ورسوله، و ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [آل عمران:24].

    تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات... )

    قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24]يعني: نفجر، نكفر، نفسق، نفعل ما شئنا، فنحن آمنون من النار، لن تمسنا إلا أربعين يوماً، وهي الأيام التي كفر فيها أسلافهم على عهد موسى وعبدوا العجل أربعين يوماً، قالوا: نؤاخذ بتلك الأيام فقط. وهذا مرض وجنون، كيف تؤاخذون بعمل أسلافكم؟ كيف هذا؟ وإذا كان أسلافنا كفار وأسلمنا ندخل النار لأن أسلافنا كفار؟ هذا هبوط، هذا أسوأ الفهوم، كون أسلافكم عبدوا العجل وضربهم الله وقتل منهم أربعين ألفاً وانتهت أنتم تؤاخذون بذلك؟ نحن لا يعتقد الرجل أنه يؤاخذ بذنب أبيه أو ولده أبداً، لكنهم جهال في ظلام يعيشون، قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ . وفي سورة البقرة قال تعالى: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا [البقرة:80] بهذا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:80-81] صفعتهم صفعة واحدة، جهلة ضلال، قل أفاتخذتم عهداً عند الله أنه لا يعذبكم إلا أربعين يوماً؟ هل عندكم عهد من الله بذلك؟ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] لا تستحون، تكذبون على الله؟ ثم بين لهم أن الأمر ليس كمزاعمكم وضلالاتكم بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة:81] أبيض أو أسود، يهودي أو نصراني أو مسلم ، كل من كسب سيئة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81] عجب هذا القرآن! قطع ألسنتهم. وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:80-81] وفي قراءة: (خطاياه).أما نحن فقد عرفنا لو كنت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزك نفسك بهذه العبادات حتى تطهر وتطيب والله لن تدخل الجنة، ولن يشفع لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كنت ابن رسول الله ولو كنت أباً رسول الله خاتم الأنبياء والله ما شفع لك ولا دخلت الجنة إن مت على خبث النفس وتدسيتها. وهذا رجل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أبوه من أهل الفترة فسأله أين أبي؟ فقال: ( أبوك في النار ) متزمت ما فهم، فسأل: أين أبي؟ فقال له: في النار، مات مشركاً، فتململ الرجل فقال له صلى الله عليه وسلم: ( أبي وأبوك في النار )، مات على الكفر، فنفسه خبيثة مدساة مظلمة منتنة، من يدخله دار السلام؟ كيف يرقى ويخترق السبع الطباق؟ إبراهيم عليه السلام هل هناك من هو أكرم من إبراهيم؟ أرحم من إبراهيم في الدنيا؟ سمي بالأب الرحيم، وفي عرصات القيامة يسأل ربه: ( رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم القيامة يوم يبعثون وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أعظم من هذا الخزي يا رب؟ فيقال له: إبراهيم! انظر تحت قدميك وكان رافع رأسه إلى الله، انظر، فإذا أبيه آزر عليه لعائن الله في صورة ذكر الضباع ملطخ بالدماء والقيوح بين يديه، فما إن يراه حتى يقول: سحقاً سحقاً سحقاً، فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في أتون النار ) . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] هذا حكم من الله، عرفتموه، فلم إخوانكم ما عرفوه في الشرق والغرب؟ لأنهم لا يجتمعون على كتاب الله وسنة رسول الله. صدر حكم الله على البشرية كلها، فيا ويلها من هذا الحكم، إنه صارم، حكم ذي الجلال والإكرام؛ وهو قوله تعالى بعد الإقسام العظيم والحلف الكبير: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أي: نفسه. من يراجع الله وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، سنن لا تتبدل، فهيا نزكي أنفسنا. بم نزكيها يا رب؟ بما شرعنا لكم من صلاة وصيام وذكر وعبادات وقربات. بم تتدسى النفس يا رب وتخبث؟ بما حرمنا عليكم من النظرة إلى اللقمة الحرام، فكل معصية تعود آثارها على النفس بالخبث والظلمة والنتن، فاعرفوا عبادة الله فاعبدوه بها تزكوا نفوسكم وتطيب، أما كوننا أتباع الزعيم الفلاني أو أولاد الأشراف أو أبناء السادة الفلانية فهذه ضلالات عجب. قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ [آل عمران:24] خدعهم فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24] من الأكاذيب والأباطيل التي حرفوا بها الكتاب وحشوا وهمشوا وشرحوا وبينوا، هي التي أوقعتهم في هذا وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24].

    تفسير قوله تعالى: (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ... )

    قال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25]. فَكَيْفَ [آل عمران:25] الحال إِذَا جَمَعْنَاهُمْ [آل عمران:25] كلهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:25] ألا وهو يوم القيامة، كيف يكون حالهم؟ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ [آل عمران:25] أي: ما عملت وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25] لأن القاضي الحاكم الله ذو العدل والرحمة والإحسان.

    خرافات وبدع وضلالات التيجانية

    الآن نقرأ هذه الأوراق -وهذا من تدبير الله- التي بعث بها هذا الرجل ونحن لا نعرفه، بعث إلي بهذه الأوراق من بلاد نيجيريا، فقال: ( من إبراهيم علي تشاد إلى الشيخ أبو بكر جابر الجزائري). ‏
    بعض كتب التيجانية
    قال: ( بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وسلم.وبعد: فهذه أسماء كتب أهل الطرق كتبتها نصيحة ليحذر منها المسلمون لما فيها من الضلالات، أعاذنا الله).أولاً: يذكر الكتاب والمؤلف مثلاً: (الفتح الرباني لـمحمد الطفطفاوي بالقاهرة، الياقوتة الفريدة لـمحمد النطيفي ، جيش الكفيل لـمحمد الصغير).أيضاً: يذكر: إيقاظ الهمم، الطبقات الكبرى، الفوز والنجاة، أورد أسماء الكتب وأسماء مؤلفيها والبلاد التي كتبت فيها، والأعجب من هذا: ما يذكره عنهم من أقوالهم وبدعهم.
    زعمهم أن الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً
    قال: ( يقولون: الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً). أي: الصلاة في زاوية الشيخ سيدي فلان مقبولة قطعاً بلا جدال، بمعنى لا تذهبوا إلى لمساجد فيفسدون عليكم سلوككم، بل صلوا في الزاوية. انتبهتم أم لا؟ يقولون: الصلاة في زاوية الشيخ مقبولة قطعاً، ونحن نقول ولو في كانت في الكعبة فهي غير مقبولة قطعاً حتى تستوفي أركانها وشروطها.
    زعمهم أن للتيجاني مقام أربعين نبياً في الجنة
    ثانياً: ( قال أيضاً: يقولون: للتجاني مقام أربعين نبياً في الجنة). يقولون: للشيخ التجاني مقام أربعين نبي في الجنة، وليس مقام نبي واحد، وآباؤنا وأمهاتنا لما يسمعون هذا يبكون، فانظروا كيف يصنع الجهل؟!
    زعمهم أن معرفة الولي أصعب من معرفة الله
    ثالثاً: ( يقول: لا يلتفتون إلى ما يقوله الفقهاء، بل ينصرفون عن الكتاب والسنة فيقولون: معرفة الولي أصعب من معرفة الله). وهذا معناه: أن الولي أعظم من الله.

    زعمهم أن أحمد البدوي يغمض عينيه كي لا يموت الكفار

    رابعاً: قال: (يقولون: أحمد البدوي يغمض عينيه كي لا يموت الكفار). أي: حتى لا يموت الكفار يغمض عينيه، ولو فتحهما لمات كل الكفار. إذا خاطبه كافر أو وقف بين يديه يغمض عينيه ولو لم يفعل فإن الكافر يموت، فلهذا الشيخ يغمض عينيه.

    زعمهم أن الولي يخرج من القبر ليقضي الحاجة لمن توسل به

    خامساً: يقول: ( يقولون: يخرج الولي من القبر ليقضي الحاجة لمن توسل به). أي: إذا أتيت الولي المدفون تستشفع به وتتوسل يخرج من قبره ويقضي حاجتك ويعود. والعجيب أنه آمن بهذا بلايين المسلمين، ويبكون، والله رأيناهم خاشعين متعجبين يبكيون! وتجد بعضهم والله يأتي من المغرب ليزور عبد القادر في بغداد بالطائرة.كم يكلف ذلك؟ من المغرب الأقصى يأتي يزور قبر عبد القادر الجيلاني ؟ لم؟ لوجه الله؟ ما السبب؟ لتقضى حاجاته.
    زعمهم أن الصلاة على النبي ليست مختصة بما علمناه من النبي صلى الله عليه وسلم
    سادساً: قال: ( يقولون: الصلاة على النبي ليست مختصة بما علمناه من النبي صلى الله عليه وسلم). ونحن نقول: من لم يعتقد أنها من كلام الله لم يصح له الثواب.

    زعمهم أن صلاة الفاتح تعدل ستة آلاف ختمة من القرآن

    سابعاً: قال: ( ويقولون: إن صلاة الفاتح تعدل بستة آلاف ختمة من القرآن). أي: صلاة الفاتح التجانية تعدل بست آلاف ختمة من القرآن. أسألكم بالله! الذي يفهم هذا هل سيقرأ القرآن؟عام كامل ولا يختمه، فيقول: أصلي مرة واحدة بستة آلاف ختمة. ووالله لقد فهم هذا آباؤكم وأجدادكم وأمهاتكم وكبرنا وهللنا وقلنا: إيه، هكذا، فهم لا يفهمون كما تفهمون الآن حيث انتشر النور والهداية، ولو قلت: هذا باطل يضربونك بالعصي.

    زعمهم أن التيجاني هو خليفة النبي وبه يبقى الوجود

    ثامناً: قال: ( ويقولون: التجاني هو خليفة النبي، وبه يبقى الوجود). الله أكبر! التجاني هو خليفة النبي وبه يبقى الوجود؟! من هو التجاني هذا؟ وأين هو؟ هذا في صحراء الجزائر، ارتقى إلى هذا المستوى، وأصبح صيته من إسطنبول إلى نيجيريا؛ لأن الشياطين تريد إطفاء نور الله وتريد إهلاك البشر وإقحامهم في جهنم، والتجاني هذا هو أحمد التجاني .
    زعمهم أن من قرأ السيدي يكون ولياً متصرفاً في الغيب
    تاسعاً: قال: ( ومن قرأ السيدي كذا يكون ولياً متصرفاً في الغيب). هذا كتاب أو ذكر أو دعاء يسمونه بالسيدي.
    زعمهم أن كل كتاب يدعو إلى خدمة التيجاني فاق ملء الأرض ذهباً
    عاشراً: قال: ( يقولون: كل كتاب يدعو إلى خدمة الشيخ فاق ملء الأرض ذهباً). كل كتاب يدعو إلى خدمة الشيخ سيدي أحمد التجاني فاق ملء الأرض ذهباً.
    زعمهم أن هناك دعاء من قرأه يجد ثواب أربعة من الأنبياء
    الحادي عشر: زاد عليها وقال: يقولون: ( وهناك دعاء من قرأه يجد ثواب أربعة من الأنبياء). أي: هذا الكتاب فيه دعاء الذي يقرأ هذا الدعاء يفوز بثواب أربعة من الأنبياء. وهذا كله كفر والعياذ بالله.

    زعمهم أن حب التيجاني واجب على كل مسلم

    الثاني عشر: قال: ( يقولون: حب التجاني واجب على كل مسلم، فعضوا على التجانية بالنواجذ). مما عرفناه: أن فرنسياً دخل مدينة فاس أو مكناس المغربية ودخل في طريقة أربعين سنة وهو ينشر في تلك الطريقة من هذا النوع والناس يهللون ويكبرون، وبعدها عاد إلى فرنسا ولبس الكرفات والبدلة والبرنطية وقال: أنا شيخ تلك الجماعة. إياك أن تفهم هذا فهو باطل. والبرهنة القاطعة: كيف حكمتنا فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا لولا أننا هبطنا وتمزقنا ومتنا؟ وكيف يعلو الكفر على الإيمان والله يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]؟

    زعمهم أن النبي وأصحابه يحضرون عند قراءة جوهرة الكمال

    الثالث عشر: قال: ( يقولون: يحضر النبي وأصحابه عند جوهرة الكمال، وعلى الذاكر أن يصور شيخه أو مقدمه). اسمع كيف الكفر، يحضر النبي وأصحابه الأربعة عند جوهرة الكمال. يا معشر المستمعين من الزوار! من منكم عنده جوهرة الكمال؟ يجحدونها، موجودة، يقرءونها في الليل وفي النهار، جوهرة الكمال عبارة عن قصائد وترنمات.يقول: جوهرة الكمال على الذاكر أن يصور شيخه أو مقدم الشيخ -الواسطة- خادم التجاني ، ثم يأخذ في الذكر ولا بد أن يتخيل أن الشيخ بين يديه، وإذا ما استطاع أن يتخيل الشيخ فالمقدم يسمونه وهو النائب عن الشيخ.

    زعمهم أن خادم التيجاني يشفع لألف ألف عند الله

    الرابع عشر: قال: ( ويقول: خادم التجاني يشفع لألف ألف عند الله). أي: الذي يخدم سيدي أحمد التجاني يشفعه الله في ألف ألف، الكل يدخلون الجنة ويخرجون من النار.

    زعمهم أن قضاء الوظيفة واجب

    الخامس عشر: قال: يقولون: ( قضاء الوظيفة إذا فاته واجب). إذا وظيفتك نسيتها وعجزت عنها وما انتبهت وفاتتك يجب أن تقضيها، فقضاء الوظيفة واجب عنهم، فمن أوجب هذا؟ وما هي الوظيفة؟ نعوذ بالله من الخسران!

    زعمهم أن صلاة الفاتح كالحديث القدسي

    السادس عشر: قال: ( يقولون: صلاة الفاتح كالحديث القدسي؛ لأن الرسول في اليقظة أعطاها للشيخ). فالحمد لله الذي عافانا! الحمد لله الذي طيبنا وطهرنا! الحمد لله الذي علمنا! الحمد لله الذي ردنا بعد غيبتنا إلى كتابه وهدي رسوله. اللهم احفظ لنا هذا النور ولا تمحه يا رب العالمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #146
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير آل عمران- (4)
    الحلقة (145)



    تفسير سورة آل عمران (12)

    الله عز وجل هو خالق الخلق ومصرف أمورهم، وأعلم بما ينفعهم وما يضرهم، ومن تمام حكمته أن جعل الملك فيمن شاء من عباده، وحرم آخرين منه، ويسر الأرزاق لمن شاء من عباده، وقدرها على من شاء منهم، وهذه من مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية؛ فمن عرف قدرة الله عز وجل وحكمته عبده، ومن جهلها آل به الأمر إلى الكفر بربه فخسر خسراناً مبيناً.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) . اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.أعيد إلى أذهاننا جميعاً هداية الآيات الثلاث التي تدارسناها بالأمس، وتلاوة الآيات تلك بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:23-25]. ‏

    هداية الآيات

    قال المصنف غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: من الإعراض عن الدين والكفر به: رفض التحاكم إلى كتاب الله عز وجل ] مما يدل على أن فلاناً أو الجماعة الفلانية أو الأمة الفلانية معرضة عن دين الله عدم تحاكمها إلى كتاب الله عز وجل [ إذ قال تعالى وقوله الحق: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ]. وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] فوفد نجران رفضوا أن يرجعوا إلى كتاب الله والتوراة كالإنجيل تحملان صفات رسول الله ونعوته بصورة تكاد تنطق، ولما دعوا إلى ذلك رفضوا.[ثانياً: أفسد شيء للأديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها: الافتراء فيها -على الله- والابتداع عليها والقول فيها بغير علم]. الأديان الإلهية يفسدها الافتراء على الله والكذب وإضافة ذلك إلى كتاب الله والابتداع في دين الله. وعلى سبيل المثال: من أين لليهود أن النار لن تمسهم يوم القيامة إلا أربعين يوماً؟ والله لهو الافتراء والكذب على الله. من وضع لهم هذه؟ علماؤهم ليسهلوا عليهم طرق الفساد والشر ومواصلة الكذب والنفاق، وآية البقرة فضحتهم أيما فضيحة؛ إذ قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ [البقرة:80] هاتوا عهد الله الذي عهد إليكم أنه لن يمسكم العذاب إلا أربعين يوماً أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:80] وهذه أسوأ، بل تقولون على الله ما لا تعلمون. ثم قال تعالى: بَلَى [البقرة:81] أي: ليس الأمر كما زعمتم أو كما تعتقدون الباطل مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81]، وقد وقع المسلمون في هذه الورطة بالذات، فكتب العلماء وهمشوا وحشوا وكتبوا وأضافوا إلى دين الله ما ليس منه، فوقعت أمتنا في ما وقعت فيه الأمم السابقة إلا من رحم الله.[ ثالثاً: مضرة الاغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحدثين على الكتب الدينية من الحكايات والأباطيل بحجة الترغيب والترهيب، فيغتر بها الناس فيضلوا ويهلكوا ] وقد قرأنا أمس نبذة من كلام المشايخ رؤساء الطرق كيف يكذبون على هذه الأمة. [ رابعاً: فضيلة ذكر أهوال يوم القيامة وما يلاقي فيها أهل الظلم والشر والفساد ] لأن الله قال: فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:25]. هذه هداية الآيات الثلاث السابقة.

    تفسير قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء...)

    الآن مع الآيتين الكريمتين لهذه الليلة وهما قول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26-27].

    معنى قوله تعالى: (اللهم)

    أولاً: كلمة (اللهم) قل يا رسولنا (اللهم)، وأصلها: الله، ثم إذا نودي الله عز وجل بحرف النداء يقال: يا ألله، فلما كان الله عز وجل أقرب إلينا من أنفسنا فلا ينادى بـ (يا) لقربه، فتنادي بياء النداء البعيد: يا إبراهيم، يا عثمان، أما إذا كان بين يديك فتقول: إبراهيم، عثمان اسمع ما أقول. وعوضت عن ياء النداء مع اسم الجلالة الأعظم الميم المشددة في آخر اسم الجلالة: (اللهم)، هذه الميم المشددة عوض عن ياء النداء، وهذا مما اختص الله به عز وجل، (اللهم) كأنك تقول: يا ألله. ويروى عن السلف: أن هذا الاسم بهذه الميم اشتمل على كل أسماء الله الحسنى، فمن سأل الله بقوله: اللهم هب لي كذا فكأنما دعاه بأسمائه كلها؛ لأن اسم الجلالة الأعظم (الله) يدل على تلك الأسماء: العليم والحكيم واللطيف والخبير والرءوف والرحيم وغيرها.إذاً: فلنكثر من دعاء الله عز وجل ولنفتتحه بكلمة: (اللهم).

    فضل قراءة هاتين الآيتين

    وذكر أيضاً أبو نعيم في الحلية: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه -وهو الصاحب المعروف- تأخر يوماً عن صلاة الجمعة فلم يشهدها، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: لم ما شهدت صلاة الجمعة؟ فقال: إن لفلان اليهودي ديناً علي، وقد رصدني عند باب بيتي، فمنعني هذا الرصد والانتظار من الخروج، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بهذه الآيات كل يوم، فإن الله يقضي عليه دينه ولو كان ملء الأرض ذهباً. كيف يصنع؟ يقول: ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) . لازمها يا عبد الله إن كنت مديناً، لا تفتر تقولها يومياً، فإن الله سيقضي عنك دينك ولو كان ملء الأرض ذهباً.وكان في الحلقة أحد الصالحين أقسم بالله لقد كان عليه سبعون ألف ريال دين وقضيت في أيام، ونحن لا نمتحن ربنا -معاذ الله- ولكن بلغنا هذا فقلنا به. يا أصحاب الديون! يا من يشتكون ديوناً للغير هذا باب قضائها وسدادها قد انفتح لكم، لا تفتر صباح مساء. نحن نقولها والحمد لله دبر كل صلاة، فادع الله بهذا الدعاء وكلك يقين بأن الله سيقضي عنك دينك، تقرأ هاتين الآيتين ثم بعد ذلك تقول: رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما اقض عني ديني، ترزق من تشاء، اقض عني ديني. وكررها كل يوم، فإن الله عز وجل سيقضي عنك دينك. والحديث هكذا كما ذكره القرطبي . ونص الحديث كما أخرجه أبو نعيم في الحلية: ( أن معاذاً حبس يوماً من صلاة الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عما حبسه، فقال: كان علي دين لـيوحنا اليهودي، فوقف عند بابي يرصدني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتحب أن يقضى عنك دينك؟ قال: قلت: نعم. قال: اقرأ كل يوم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] إلى قوله: بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]... الآيتين. ثم قل: رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ) أي: يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ( تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني، فلو كان عليك ملء الأرض ديناً لأداه عنك ) . كيف ترون هذه الفائدة؟ يا أيها المدينون! هذا باب قضاء دينكم قد انفتح فلا تحرموه، ما يمنعك أن تتملق ربك مرة في الليلة ومرة في النهار: ( اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) . وكرر هذا الالتجاء الصادق وكلك يقين في أن الله سيؤدي عنك هذا الدين فإنك والله لن تحرم. أو نترك هذا ونذهب إلى البنوك وبيع السيارات؟! ستقولون: يا شيخ! ما علمنا هذا، ما عرفناه إلا اليوم وإلا ما وقعنا في ذلك.إذاً: افتح المصحف تجد هاتان الآيتان، وإذا كنت لا تعرف القراءة فاجلس إلى بنتك أو ابنك يقرأ وتعلم عنه الآيتين وتحفظهما، فإذا حفظت الآيتين بقي نص الحديث: ( رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما ما تشاء وتمنع من تشاء، اقض عني ديني ) وكرر هذا اليوم بعد اليوم حتى تنفرج عنك الحال ويقضى دينك.وأهل العلم يرغبون في تلاوة هاتين الآيتين دبر كل صلاة، نقرأ آية الكرسي ونضيف إليها: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18] و: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] فهذا ذكر رباني، كلام الله نتملق به ونتزلف إليه سبحانه.

    قرب الله تعالى من عباده

    إذاً: عرفتم معنى (اللهم) وأن معناها: (يا ألله)! وعدلنا عن (يا ألله) إلى (اللهم)؛ لأن الله قريب منا ليس ببعيد مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] والقريب لا نناديه بياء النداء. فإذا كان أخوك بين يديك فإنك لا تقول: يا إبراهيم، بل تقول: إبراهيم صب الماء، إبراهيم قم لكذا، وأما إذا كان بعيداً فتحتاج إلى أن تقول: يا إبراهيم. ولما كان الله أقرب إلينا من حبل الوريد منا جاءنا بهذه الكلمة الطيبة منة منه وفضلاً، بلغتنا عن رسوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم).الله يعلم رسوله: (قل اللهم) إلا إذا قلنا: (قلِ اللهم) حسب القراءة حركنا اللام الساكنة قلنا: (قلِ اللهم)؛ لأن اسم الله إذا سبق بحرف جر يلين ويرقق ولا يفخم، كأن تقول: بسم الله، وتقول: وصلى الله. أليس كذلك؟ تقول: هذا من فضل الله، وتقول: هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.إذاً: اسم الجلالة إذا سبقه حرف جر يأتي بالترقيق، بسم الله، من فضل الله، وإن سبقه رفع أو نصب يفخم، قال الله جل جلاله. كذلك: قل اللهم، لكن إذا حذفنا قل ستقول: اللهم. أي: يا ألله.

    مناسبة هذه الآية

    قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] من الآمر بهذا؟ الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا. ما المناسبة؟ المناسبة: أن اليهود رفضوا الدخول في الإسلام على علم، لا يريدون الإسلام؛ طلباً للملك، وطلباً للسيادة، طلباً للعزة والدولة والسلطان. كيف يطمعون في هذا الطمع وهم شراذم ممزقة هنا وهناك؟ ما يئسوا، قالوا: إذا دخلنا في الإسلام وأصبحنا أتباعاً للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم انتهى أملنا في إيجاد مملكة بني إسرائيل نهائياً. والأمر واضح، إذا دخلوا في الإسلام هل سيكونون مملكة في الإسلام لبني إسرائيل؟ هذا ليس بمعقول أبداً، فآثروا الدنيا على الآخرة، انتبهتم، وغرر بهم علماؤهم وقالوا: إن كفرتم بمحمد ودينه رجوتم أن يعود إليكم ملككم ودينكم أما النار إن عذبتم بها فلن تزيد مدة العذاب على أيام معدودات، فاصبروا إذاً على الكفر. هل فهتم هذه الحقيقة؟ وما زال اليهود إلى الآن يعملون بكل الإمكانيات لتحقيقها، يضحون بأعراضهم، بدمائهم، بوجودهم من أجل أن يقيموا مملكة بني إسرائيل كالتي كانت لهم على عهد داود وسليمان، لكن لحمقهم وجهلهم وضلالهم أرادوا أن يكونوها من حيث لا تكون، لأن الذي يعطي الملك هو الله، لا أن تعلن الحرب على الله ليعطيك الملك، أنت أحمق. قل يا رسولنا: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء. والنصارى كذلك، والمجوس كاليهود حاربوا الإسلام من أجل الملك ولبقاء الدولة والسلطان، وإن شئتم حلفت لكم بالله، رفضوا الإسلام لبقاء دولتهم وسلطانهم، إذ الإسلام إذا دخلوا فيه عمتهم رحمة الله وأصبحوا عابدين لله مسلمين، ليس هناك عنتريات وتعال وعزة وسلطان. هكذا يعلم الله تعالى رسوله أن يقول: اللهم مالك الملك، ولفظ الملك يشمل كل مملوك، فلا تفهم منه فقط الدولة، فكل ما نملك يسمى ملكاً، تقول: هذه الدار ملكي، هذه السيارة ملك فلان.

    معنى قوله تعالى: (مالك الملك)

    قوله: مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26] من هو مالك الملك كله؟ إنه الله، ناده باسم الجلالة وبهذه الصفة الخاصة به، يا مالك الملك، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] تعطي الملك ما يملك من كل الموجودات والمملوكات من تشاء، فإنك المالك الحق للدنيا والآخرة، فمن أراد أن يطلب ملكاً فليطلبه ممن يملكه، أما من صنم وحجر وعيسى ومريم والأباطيل فهذه خطأ لا يعقل. تطلب الملك ممن لا يملك؟! يجوز ذلك؟ هل يصح أن تأتي إلى فقير وتقول له: من فضلك أعطيني سيارة؟ من أين يعطيك سيارة؟ لو كان يملكها فمعقول أن تقول له: أعطيني سيارة، إما إذا كان فقيراً فأنت تضحك على نفسك.

    معنى قوله تعالى: (تؤتي الملك من تشاء)

    قوله: مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، لنعلم أن مشيئة الله ليست مشيئة أحمق ولا جاهل، ولا غافل، بل مشيئة الله تابعة لحكمه سبحانه.إياك أن تفهم أن الله يشاء أن يعطيك شيئاً وأنت لست بأهل له، لا يفعل هذا؛ لأنه عليم حكيم، يضع كل شيء في موضعه، فلا تفهم أنك تحاربه ليل نهار وتقول له: أعطني ملكاً أسود به وأحكم به فيعطيك، هذا خطأ.إذاً: اطلب ما تطلب يا عبد الله من الله، إذا هو الملك الحق، واعلم أنه يعطيك إذا كنت أهلاً لهذا العطاء، فإن لم تكن متأهلاً له لا يعطيك؛ لأنه الحكيم الذي يضع الشيء في موضعه، تيقن أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.إذاً: الجأ إلى الله عز وجل واعمل برضاه، وبالسنن التي وضعها وسنها وقننها للوصول إلى الملك، فإن الله لا يحرمك، أما أن تطلب ذلك من غيره، أو تطلبه من سنن ما وضعها وقوانين ما سنها وتريد أن تصل إلى مطلوبك فلا والله، إلا إذا كنت ما آمنت بالله ولا بسلطانه وملكه. فيا بني إسرائيل! إذا أردتم الملك والسيادة والعز فادخلوا في رحمة الله تصبحون سادة البشر وأئمة.

    معنى قوله تعالى: (وتنزع الملك ممن تشاء)

    قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، كم من مالك نزع الملك منه؟ كم من مالك نزع ما يملك؟ والتاريخ شاهد والوقع أكثر شهادة، فهيا بنا إذاً نفزع إليه سبحانه، ما بقي عيسى ولا مريم ولا عزير ولا سيدي عبد القادر ولا مولاي إدريس ، فمن أراد أن يملك دابة وامرأة فالمالك الحق هو الله، فليقرع باب الله عز وجل، وليسأله في ضراعة، وليستقم على منهج الله حتى يتحقق له مراده ورضاه، أما أن تطلب ما ليس عندك من غير الله فهيهات هيهات أن تحصل عليه! أو أن تطلب من الله وأنت كافر معرض عن سنن الطلب وطرق الوصول إلى الخير فهيهات هيهات أن تحصل عليه! تأملوا هذه! اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] أي: من عبادك وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ [آل عمران:26] وتأخذه مِمَّنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] لأنه ما أهل لذلك. وهل فعل الله هذا؟ نعم فعله مع بني إسرائيل. أين تلك الإمبراطورية العظمى؟ أين مملكة سليمان من أقصى الشرق إلى الغرب فقد حكم الإنس والجن؟ زالت، لما تبرجت نساؤهم، وكشفن عن وجوههن، ولبسن الكعب العالي.السفور من نشره في العالم؟ رجال الكنيسة؟ لا والله العظيم. فمن؟ إنهم اليهود، بنو عمنا؛ لأنهم يريدون أن نسقط من علياء السماء، وأن ننزل إلى الأرض بنفس الطريق الذي هبطوا به هم. كيف سقطت دولة بني إسرائيل؟ أخبرنا أبو القاسم، بدأت بالكعب العالي والسفور، وهم اليوم يصنعون الكعب العالي لنسائنا ونسائنا يتبخترن به. أما تعرفون الكعب العالي هذا؟ سبحان الله! هو الحذاء يجعلون له كعب رقيق طويل، لما تلبسه المرأة تصبح تتمايل، في الشارع في السوق تتمايل، تجذب قلوب أصحاب الشهوات ليقعوا في الفجور.أيضاً:كشف الوجوه لنساء البشر ما كان معروفاً أبداً حتى سن هذا القانون اليهود؛ لإيقاع الأمة في الفجور والفسق ثم الهبوط، حتى يتمكنوا من أن يعودوا كما كانوا سادة مالكين حاكمين.والعالم الإسلامي، كيف هبط؟ ما سبب هبوطه؟ هو إعراضه عما عن الله عز وجل، وطلب ما ليس لهم بحق، فهبطنا وحكمنا الشرق والغرب.

    معنى قوله تعالى: (وتعز من تشاء وتذل من تشاء)

    قوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، ما بقي ولي يدعى ولا عيسى ولا مريم ولا البتول ولا الحيل ولا السحر ولا ولا.. يا من يريد العزة اطلبها من الله، يا من يخاف الذل افزع إلى الله، يا طالب الملك اقرع باب الله، فلا إله إلا الله. ماذا فعل الله باليهود والنصارى؟ أذلهم وأزال ملكهم. وأما العرب الذين كانوا يطالبون بالملك علمهم من أين يأتى الملك وكيف يطلب، إلى الآن من أراد أن يعز فليطلب العز من الله.ما هو سبيل العز؟ هل هو المال والقوة والسلطان؟ والله ليذل. أين روسيا؟ أذلها الله وأنتم أحياء تشاهدون، وقد مضت فترة إذا خطب خطيب في موسكو تهتز أوروبا من الفزع والخوف، فأين هي؟ قالوا: لا إله والحياة مادة، فما مضى عليها ثمانون سنة. أين عزها؟ مجموعة من الشيشان أذلتهم وأخزتهم وحطمتهم. أبعد هذا نطلب العزة من غير الله؟!ستقولون: يا شيخ! علمنا كيف نطلب العز من الله؟ هل بالدعاء فقط؟ أو بالأخذ بالأسباب والسنن؟ الجواب: بالدعاء، وبالأخذ بالأسباب، أول شيء أن تعرف أن العز يملكه الله، وأنه لا يطلب إلا من الله، ثم تقبل على الله طالباً سائلاً ضارعاً، آخذاً بالأسباب التي وضعها لأن تعز وتسود، والأمر عندنا سهل، فقط رجعة صادقة إلى الله، وخلال أربع وعشرين ساعة لا أعز من المسلمين في الأرض.

    معنى قوله تعالى: (بيدك الخير)

    قوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ [آل عمران:26] لا بيد سواك يا رب! بيدك الخير تعطيه من تشاء وتمنعه ممن تشاء، مفاتيح الكون بيدك، وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو. افزعوا إلى الله، ما بقي والله بيننا من يقول: يا سيدي عبد القادر أبداً، ولا يا رسول الله ولا يا فاطمة بعد الليلة، ولا يا حسين ولا إدريس ! عرفنا يا رب أنه لا ملك إلا أنت، أنت الملك الحق، بيدك الملك تهبه من تشاء، وتمنعه ممن تشاء، تعز من تشاء وتذل من تشاء، ولو عرف المؤمنون والمؤمنات هذا والله ما قالوا يا رجال البلاد، أو يا مولى بغداد، يا راعي الحمراء، يا عيدروس ، يا حسين ، لكنهم ما عرفوا!ثم الذين يريدون أن يطلبوا ملكاً كيف يطلبونه؟ مثلاً: بلد من بلاد المسلمين أراد شبانها أن يطلبوا الحكم، أن يصبحوا الحاكمين، ما الطريق؟ الطريق أن يفزعوا إلى الله ويطرحوا بين يديه يبكون الليل والنهار، يزكون أنفسهم ويطهرونها، حتى تصبح كأرواح الملائكة؛ فحينئذٍ إذا رفعوا أكفهم إلى الله أن يزول من شاءوا أن يزول والله لأزاله الله، أما فقط بالعنترية والكلام الفارغ والمتفجرات فهذا هراء تابع لهراء.ستقولون: لا تلمهم يا شيخ! ما عرفوا. إي والله ما عرفوا. من عرفهم؟ ما تربوا في حجور الصالحين، لا أعواماً قليلة ولا كثيرة. بِيَدِكَ [آل عمران:26]، لا بيد غيرك، الخير والشر أيضاً، ولكن لا حاجة إلى ذكر الشر؛ لأننا نريد أن نسأل الخير، لا نريد أن تسقط دولتنا أو نمرض أو نصاب بالفقر.

    معنى قوله تعالى: (إنك على كل شيء قدير)

    قوله: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، ذكر السيوطي في تفسيره عند نهاية سورة المائدة، وهي مختومة بقوله تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، قال: على كل شيء قدير إلا على إيجاد إله مثله. فهل يقال مثل هذا الكلام؟! قال: على كل شيء قدير باستثناء أنه لا يوجد إله مثله. أقول تنبيهاً: هذا الكلام لا يقال؛ لأن الله يخاطبنا بما تعارفنا عليه وما تعايشنا فيه من أمور دنيانا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، أن يملك، وأن يعز، يحيي، يميت، يعطي، يمنع، يدخل الجنة، يدخل النار، على كل شيء قدير، فلم نستثني إلا ذاتاً كذاته، أي داع إلى هذا، فقوله: إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] هذه الجملة تعليلية.كيف تقول: رب إنك على كل شيء قدير ارزقني أولاداً صالحين وأنت تأبى أن تتزوج؟ عرض عليك والدك الزواج فقلت لا أتزوج وتقول: رب ارزقني أولاداً صالحين، هل يجوز هذا الدعاء؟ أو تقول: يا رب إنك على كل شيء قدير فاجعلني نبي آخر هذه الأمة، هل يجوز الكلام هذا وأنت تعرف عن النبوة ختمها؟ أو تقول: رب أعلم أنك على كل شيء قدير فأخرج مني عنصراً من الذهب نعيش عليه؟ ما جرت سنة الله بهذا، فلابد وأن تطلب الله الذي على كل شيء قدير ما جرت به سنته في خلقه، فلا تناقض سنن الله. اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، مثلاً: أراد ملك أن يدوم ملكه، ويسأل الله عز وجل بدون ما يأخذ بأسباب البقاء يستجاب له؟ لا. إذاً: يدوم الملك بالعدل، وإقامة الشرع، وعبادة الرحمن عز وجل. أي طاعة الله في كل ما أمر به ونهى عنه ومن ذلك إعداد العدة للجهاد والقتال والتسلح وصناعة ذلك.

    تفسير قوله تعالى: (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل...)

    قال تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]. ‏

    معنى إيلاج الله لليل في النهار والنهار في الليل

    قوله: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [آل عمران:27]، أين الليل يا إخواننا الآن؟ في بطن النهار أدخله الله فيه وبعد ساعات يذهب نهارنا فيدخله الله في بطن الليل.إذاً: إيلاج الليل في النهار هو إدخال الليل في النهار والنهار في الليل ولا تقل الشمس ولا.. كله هراء يصرفك عن تعظم الله والخوف والرهبة منه والحب فيه، والشمس من أدارها في فلكها حتى تكون الليل والنهار؟ انظر أمامك وأنت في رابعة النهار أين الليل؟ أمك وأبوك طرداه؟ أهل البلاد زجروه؟ انظر هذا! الآن يدخل الظلام الحالك ويعم البلاد بكاملها فأين النهار؟ من ذهب به؟ لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يذهبوا به دقيقة ما استطاعوا، فهذه عظمة الله، حكمة الله، جلال الله، قدرة الله، فقل: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله..الشيطان يعبث بالقلوب ويبعدها عما أراد الله لها من الهداية والخير، يفكرون كيف الليل والنهار، أما سمعت الله يقول: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [آل عمران:27]. هل هناك من قال: نحن بني فلان نولجه؟ لا. وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [آل عمران:27]، فأهل الإقليم ليلهم ليل، ونهارهم نهار، في كل أنحاء العالم، من يفعل هذا سوى الله؟ كيف فعله؟ بحسب قوانينه وسننه وتدبيره في ملكوته وخلقه، فلا ولي من الأولياء ولا نبي من الأنبياء، ولا عبد صالح ولا عيسى ولا مريم يستطيع هذا. وهذه صفعات لوفد نجران الذين يقولون: عيسى هو الله، فقال الله لهم: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [آل عمران:26-27]. هل هناك من يشارك الله في هذا؟الجواب: لا. إذاً:لم يشاركونه في دعائهم والذبح والنذر لهم، والتزلف والتقرب إليهم وهم لا يملكون شيئاً؟وأخرى: والله لو يجتمع أهل الأرض على أن يغيروا نظام الليل والنهار والله ما استطاعوا أبداً، ثم لو أخبرهم الله وأراد إهلاكهم وغيروا لخرب العالم وهلكوا أجمعين.

    معنى قوله تعالى: (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي)

    قوله: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [آل عمران:27]، ما وجه ذلك؟ البيضة ميتة ميتة، والدجاجة حية لها صياحها.إذاً: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [آل عمران:27]، البيضة ميتة، وتكفش فوقها أمها كذا ليلة وإذا بها تفقسها وإذا بحي خرج منها، وهذا مشاهد في هذه الحيوانات، وإن قال علماء الكون وعلماء الحياة: قالوا: النواة حية، فالبيضة فيها عنصر حي، كالمني، مني الفحول أيضاً فيه مادة الحياة. نقول: هذا لا يتلفت إليه؛ لأنه لا يفقه ولا يفهم ولا تدعى إليه البشرية لتفهمه، حتى ترهب الله وتحبه، فالقرآن يخاطب الصغير والكبير، والبصير والأعمى والأول والآخر، أشياء مشاهدة، فلا نبحث عن خيالات، نحن نشاهد أن البيضة ميتة، تخرج من الحي، وأن الكتكوت أو الفرخ يخرج من البيضة الميتة فهذه آية من آيات الله، لو اجتمع أهل أوروبا بل أهل الأرض على أن يخرجوا من ميت حي لا يستطيعون والله ولا ذبابة، لو تجتمع البشرية على خلق ذبابة ما تستطيع. إذاً: من يستحق التأليه والعبادة والرجوع إليه سوى الله؟وهناك أيضاً معنى مراد في الآية: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95]، عكرمة بن أبي جهل قائد، بطل الرباني، خرج من صلب أبي جهل ، وأبو جهل مات أسوء موتة، والكافرون أموات: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، فالكافر ميت، وهذه حقيقة.نقول: الإيمان الحق بالله ولقائه وكتابه ورسوله هذا الإيمان بمثابة الروح، بمنزلة الروح للإنسان إذا آمن الآدمي حيي، وأصبح حياً، وإذا لم يؤمن فهو ميت، وأصبح حكمه حكم الميت. والدليل والبرهنة: نحن أهل راية لا إله إلا الله، إن وجد بيننا يهودي أو نصراني أو مجوسي ذمياً تحت رايتنا نؤمن حياته ونحفظه من كل ما يسئ إليه، هذا والله لا نأمره بأن يصوم معنا، والله لا نأمره أن يشهد الصلاة معنا، والله لا نسمح له أن يدخل الجيش ليجاهد معنا. لم؟ لأنه ميت، فهل الميت يفعل شيئاً؟ أهل الذمة في بلاد المسلمين هل نقول لهم: صوموا، رمضان غداً فصوموا معنا؟ والله ما يجوز أن نقول ذلك، ميت فكيف تكلف ميتاً؟ انفخ فيه الروح فإذا حيي فكلفه فإن يقدر على أن ينهض ويفعل، أما وهو ميت فلا.من عرف الله عز وجل وعبده بما شرع فهذا حيي حياة كاملة، يقدر أن يقول الخير ويسكت عن الشر، يقدر على أن ينهض بالواجب ويتخلى عن المكروه؛ لوجود حياة فيه، أما من لا إيمان له فلا يكلف حتى يؤمن؛ لأنه كالميت. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] كم من إنسان صالح مؤمن رباني يخرج من صلبه ابن فاسد، كافر ميت؟! يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31]، هذا فعل من؟ فعل الله. هل هناك من يشارك الله في هذا؟ الجواب: لا. إذاً: لا إله إلا الله، هذا مسك الختام، لا إله إلا الله والله العظيم، لا يوجد إله يعبد بحق إلا الله. من رفع لنا معبوداً ننظر إليه: هل خلق شيئاً؟ الجواب: لا. إذاً: من لا يخلق لا يعبد. هل رزق شيئاً؟ لو تتفق البشرية على إيجاد غذاء ما أوجده الله وتعرض عن اللحم، والخضار فهل تستطيع ذلك؟ والله ما تستطيع.إذاً: الخالق الرازق المدبر للحياة بالإحياء والإماتة والإعطاء والمنع والإعجاز والإذلال هو الله جل جلاله، فلا يعبد إلا هو، فلهذا أكبت الله وفد نجران وألقمهم حجراً وانهاروا وانهزموا؛ لأنهم جاءوا يجادلون رسولنا في أن عيسى ابن الله، وأنه إله مع الله، فبكتهم الله في ثلاث وثمانين آية وأسكتتهم وذهبوا مرتعدين خائفين.

    معنى قوله تعالى: (وترزق من تشاء بغير حساب)

    قوله: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27] يا رب! أنت مالك الملك، أنت ذو الجلال والإكرام ترزق من تشاء من عبادك.. من مخلوقاتك، من تشاء رزقه ترزقه وتوفر رزقه وتعطيه بدون حساب وليس بالعد، قنطار لحم أو صاع شعير، بل ترزق من تشاء رزقاً بغير حساب، فليس هناك من يحسب عليك أو يحاسبك: لماذا أنفقت كذا أو أعطيت كذا؟ وَتَرْزُقُ [آل عمران:27] أيضاً مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:27]، فتعطيه العطاء الوافي الذي ما يحتاج إلى عد ولا حساب.هذه مظاهر الربوبية المستلزمة للألوهية، فمن عرف الله عبده، ومن لم يعرفه صرف عن عبادته وهرب منها؛ ليخسر خسراناً أبدياً في الحياتين الأولى العاجلة والآخرة الآجلة.
    قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء...) وما بعدها
    من كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات] فهيا إلى ما في الآيتين من هداية [ من هداية الآيات:أولاً: فضل الدعاء بهاتين الآيتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول: ( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء اقض عني الدين). فإنه يقضى بإذن الله تعالى ويعطى إن سأل حاجة له من حوائج الدنيا والآخرة ] إن شاء الله هذه حفظناها والذين لم يحفظونها يحفظونها من الآن ويضيفون إليها: ( رحمان الدنيا الآخرة) أي: يا رحمان الدنيا.. ولا نناديه بياء البعيد ( رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما من تشاء، وتمنع من تشاء، اقض عني الدين). تقولها يومياً في الليل والنهار حتى يقضى دينك. وإياك أن تمل، تقول: آه! دعوت وما استجيب لي، إياك! فقد حذرنا رسول الله من هذا، فإياك أن تسأل الله وتقول: آه! سألت فما أعطاني، فتلك والله الحالقة، انتبهوا! اثبت وكلك يقين على أن يقضي الله عنك دينك ويسدده.ثم اسأل بها غير الدين، توسل إلى الله عز وجل بها لما تختمها: اللهم اكشف ما بي من هم وكرب، اللهم اشف مريضي، وتكون قد توسلت إلى الله بأسمائه وصفاته.قال: [ثانياً: استجابة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وإنجازه ما وعده في أمته ]. تدرون أن الرسول يوم الخندق أيام كان يحمل التراب على كتفه الطاهر وهم يحفرون الخندق كبر: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر فسألوه، قال: ( لاح لي ملك أمتي في بلاد فارس شرقاً وغرباً )، فضحك المنافقون واستهزءوا وقالوا: أحدنا لا يستطيع أن يتغوط خارج بيته وهو يقول: ( ملك أمتي سيبلغ كذا وكذا ). وضحك لها اليهود، وتعاونوا مع المنافقين، وإذا بهذه تتحقق كما أراد الله، والله لقد ملكت هذه الأمة مملكة فارس والروم، وتحقق ما ذكر الله عز وجل وأراه رسوله صلى الله عليه وسلم، سيبلغ ملك أمتي كذا وكذا، انتهى إلى ما وراء نهر السند وإلى ما وراء الأندلس، تحقق هذا: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، فنزع ملك فارس والروم ووضعه في أيدي المسلمين أصحاب رسول الله، وأحفادهم وأولادهم.قال: [ ثالثاً: بطلان ألوهية عيسى عليه السلام، وثبوت عبوديته لله ورسالته وكرامته ]، أما الألوهية فله لا إله إلا الله، وأما كونه عبد الله ورسوله ووليه فنعم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #147
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (5)
    الحلقة (146)




    تفسير سورة آل عمران (13)

    الله عز وجل ولي المؤمنين، والمؤمنون أولياء بعض، ومن تمام هذه الولاية ألا يصرفوا شيئاً منها للكافرين، لا بمحبة ولا بنصرة؛ لأن الله عز وجل يحب المؤمنين وبذلك تكون موالاتهم واجبة، ويبغض الكافرين فتكون معاداتهم واجبة، ومن فعل غير ذلك فقد خرج من ولاية الله وصار عدواً له، وعرض نفسه لسخطه وأليم عقابه حين يصير إليه الخلائق يوم القيامة.

    تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم، ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين. وها نحن مع هذه الآيات الثلاث وما زلنا مع سورة آل عمران، تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:28-30].

    النهي عن موالاة الكافرين

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]؟إنه الله ربنا، منزل كتابه علينا، باعث رسوله فينا، الذي خلقنا ورزقنا، الذي أوجدنا بعد العدم، فأحيانا ثم يميتنا ثم يحيينا، الله الذي رفع السماء بغير عمد، وبسط الأرض على الماء فجمد، آياته الدالة على وجوده لا تعد ولا تحصى، فكل ذرة في الكون موجودة الله هو الذي أوجدها.اسمع هذا الخبر العظيم! لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، هذا نهي واضح صريح من الله لعباده المؤمنين -جعلنا الله تعالى منهم- أن نتخذ الكافرين أولياء لنا نحبهم وننصرهم، ونعرض عن المؤمنين أو نخذلهم ولا ننصرهم.(لا): ناهية، لا يحل أبداً لمؤمن ولا مؤمنة أن يتخذ كافراً أو كافرة، منافقاً أو منافقة، يهودياً أو نصرانياً، أن يتخذه ولياً له، ويترك المؤمنين لا يحبهم ولا ينصرهم. وهذا واضح بين. أيعقل يا عاقلين! أن نتخذ الكافرين أولياء نحبهم ونقف إلى جنبهم وننصرهم ونترك المؤمنين فلا نحبهم ولا ننصرهم؟ أيعقل هذا؟ كيف يتم هذا؟ لما كان الضعف البشري متأصلاً فالله عز وجل علمنا هذا، انتبهوا! لا يحل لمؤمن ولا مؤمن ولا مؤمنة أن يتخذ كافراً أو كافرة ولياً له. أي: يحبه بقلبه وينصره ويترك المؤمنين فلا يتخذ منهم ولياً ولا نصيراً.

    معنى الموالاة

    وتأملوا! (( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ))[آل عمران:28]، لا يحل، لا يجوز، ممنوع، حرام.يبقى: هل تذكرون أننا فسرنا البراءة والولاء؟ بلى تذكرون، وقد فسرنا ذلك: بالحب والنصرة، بالحب: والحب موطنه القلب، ومظاهره: الابتسامة، واللين والعطف والرحمة والعون والمودة.إذاً: والنصرة تكون بالسكين والرمح، بالكلمة والمال، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يوالي كافراً أو كافرة، حتى ولو كان الكافرة هو أبوه، ولو كانت الكافرة هي أمه، ولو كان الكافر شقيقه أو ابن أبيه أو أمه. لا يحل لك يا عبد الله المؤمن أن تحب بقلبك من كرهه الله وأبغضه الله وسخط عليه وإلا تناقضت مع سيدك ومولاك.. مع ربك وإلهك، فهو يكره أبا جهل وأنت تحبه؟! أليس هذا هو التناقض؟ أعلنت الانفصال عنه وما اعترفت به سيداً لك ولا مولى. الولاء والبراء: يجب أن نوالي المؤمنين وأن نتبرأ من الكافرين، ليس لهذه الآية وحدها، بل لآيات كثيرة متفرقة في هذا الكتاب الإلهي، منها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ))[النساء:144]. ومنها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ))[المائدة:51] غيرها آيات كثيرة.إذاً: يجب أن نعلم: أن حب الله وحب ما يحب الله واجب، وأن كره ما يكره الله واجب، فإذا عرفت أن زيداً أو عمراً يبغضه الله ويكرهه؛ لأنه سب الله وكفر بالله، ولأنه حارب أولياءه، فيقيناً أن الله يكرهه، فإياك أن تحب هذا الكافر المبغض لله وإن كان أقرب قريب كالأبوين فلا أقرب منهما. وقوله من سورة المجادلة: (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ))[المجادلة:22]، فما ترك بياناً بعد هذا. فهل أنتم مستعدون؟ قولوا: نحن عافانا الله ما عندنا يهود ولا نصارى بيننا، ولا مجوس ولا صابئة ولا مشركون.أقول: ومع هذا احذروا أن تحبوا من يكره الله، اعزم في صدق أنك لا تحب إلا من يحبه مولاك، وأنك لا تكره إلا من يكرهه مولاك، وعلى هذا تنتظم حياتك الربانية الصحيحة.

    معنى قوله تعالى: (فليس من الله في شيء)

    لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]، الحب والنصرة، أحبوا المؤمنين وانصروهم على أعدائهم الكافرين، واكرهوا الكافرين ولا تنصروهم على إخوانكم المؤمنين.ثم جاء الاستثناء، فقال تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، لكن قبلها قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [آل عمران:28] منكم أيها المؤمنون فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28]، وولايتهم قطعت صلتها، كان ولياً لله بالإيمان به وتقواه، فلما والى أعداءه انقطعت ولاية الله عنه، وأصبح عدواً لله وليس ولياً له، فليس من الله في شيء، ما بقيت له صلة بالله؛ لأنه أحب ما يكره الله، ونصر من يخذل الله، ووقف موقفاً مضاداً لله. إذاً: ماذا بقي له مع الله؟ لا شيء.وأنتم تعلمون أن ولاية الله لنا تتم بشيئين: الإيمان الصحيح، والتقوى العامة، فمن والى أعداء الله ضد أولياء الله فقد انقطعت صلته بالله، ولم يبق له شيء فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28].اسمعوا الآية! يقول تعالى وهو يخاطبنا في صورة الغيب، لأن المؤمنين لا يحضرون كلهم في يوم واحد لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [آل عمران:28]، أي: يواليهم دون المؤمنين فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28]، ما بقيت له صلة بالله، وولايته التي كانت تربطه بالله انقطعت أسبابها وأصبح عدواً لله.

    معنى قوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم تقاة)

    قوله: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، وقرئ: (إلا أن تتقوا منهم تقي)، التقى: بمعنى التقية، بمعنى: التقوى، إلا أن تتقوا أذاهم أو شرهم أو بلاهم بصورة من الصور الجائزة المسموح بها، هذه الصور الجائزة ليس معناها أنك تترك الصلاة، أو تشرب معهم الحشيش أو الخمر، وتقول: أنا اتقيت بلاءهم بهذا، وأن تساكنهم أو تعاشرهم، ما قال بهذا ذو علم أو بصيرة، بل تتقي منهم بالكلمة اللينة والعطف والعمل المادي، لا بأس أن تقدم إليه ماءً أو طعاماً، لا بأس أن تساعده على إصلاح دابته أو سيارته حتى ما تحمله على ضربك أو قتلك أو منعك من فعل الخير أو عمل صالح.

    الفرق بين المداهنة والمدارة

    تعرفون أن هناك فرقاً بين المداهنة والمدارة، يوجد فرق كبير بين المداهنة والمداراة، والعامة تقول: دارهم ما دمت في دارهم، ففرق ما بين المداهنة،والمدا راة، فالمداهنة حرام، والله يقول: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، فلا مداهنة بينك وبين الظلمة والكفرة، والفجار والمشركين.أما المداراة فتدخل تحت: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، هيا نعود بهذه الكلمة الليلة إن شاء الله، وهي أننا عرفنا كيف نداري وكيف لا نداهن؛ لأن المداهنة موت. والمدارة جائزة دل على هذا قول ربنا: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، نتقي أذاهم، شرهم، بلاءهم بالمدارة، بالمصانعة والمجاملة المعروفة عند الناس.قال الحكماء: المداهنة: أن تتنازل عن شيء من دينك. انتبه! تتنازل عن شيء من دينك لتحصل به على شيء من دنياك، تتنازل عن شيء من دينك يسقط عنك ويخرج منك؛ من أجل أن تحفظ شيئاً من دنياك، هذه هي المداهنة وهي محرمة.وأما المداراة: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك.مثاله: جلست مع كافر وأنت مضطر إلى أن تجالسه؛ لأنك في بلاده وبين رجاله، وأنت بعيد الدار وغريب، وما تستطيع أن تفعل شيئاً. إذاً: اعمل بقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]. كيف تصنع؟ إذا قال لك: يا فلان! أغلق الباب تقوم فتغلق الباب! يا فلان! أصلح لي السيارة؛ تقوم وتصلحها! يا فلان! أعد لي نعلي؛ فتعد له نعله وتحضره له. فأنت بهذا تداريه، فتتنازل عن شيء من دنياك. يا فلان! أقرضني ألفاً، أعطيني كذا فتعطيه من أجل أن تحفظ دينك، تعطيه من دنياك ما استطعت، وتداريه به من أجل أن تحفظ عليك دينك. هذه هي المدارة. أما أن تشرب معه الخمر المحرم في مجلسه، أو يسب الله والرسول فتضحك وتقول مثل ما يقول، فهذه ليست والله بمداراة، بل هي مداهنة. إذاً: المدارة جائزة، أذن الله فيها، وهي: أن تتنازل عن شيء من بدنك.. من مالك؛ لتدفع به عن دينك وتحفظ به دينك. والمداهنة: أن تتنازل عن شيء من دينك من أجل أن تحفظ شيئاً من بدنك ومالك.إذاً: المداهنة والمدارة غالباً ما تكون في ديار الكفر، أما بين المسلمين فليس هناك كافر تداريه أو تداهنه. نعم! قد يوجد بعض الفساق، بعض الفجرة أغنياء وأنت في حاجة إليهم فيحملك الضعف على أن تداريهم، لكن لا تداهنهم للحفاظ والحصول على ما تريد من المال فتشرب معهم الخمر، وتلعب معهم الكيرم والورق، ويسبون العلماء والحكام فتسب معهم حتى ما يفصلوك عنهم وحتى لا يحرموك، فهذه مداهنة فقد تنازلت عن شيء من دينك لتحفظ شيئاً من دنياك، وظيفتك أو مالك أو كذا.. ولا يحل هذا أبداً.أما أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظك دينك فنعم، هذا الفاسق الطاغية أصلح له نعله.. أصلح له سيارته، قدم له نعله ليلبسه، لا حرج، فهذا شيء من دنياك وليس من دينك تتنازل به، حتى تحفظ به شيئاً من دينك؛ وهذه هي المداراة. أما أن نتنازل عن شيء من ديننا لنحفظ شيئاً من دنيانا فهذه هي المداهنة الحرام: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، فلا مداهنة عندنا أيها المؤمنون، بل المداراة وهي المجاملة المصانعة، تتنازل عن أكلك وتعطيه يأكله حتى تقوم تصلي ولا حرج، أما أن تتنازل عن الصلاة لتأكل معه فلا نأكل أبداً ولكن نصلي.

    جواز التعامل مع الكفار دون مودتهم ونصرتهم

    نعود إلى الآية الكريمة نستنير بنورها، قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28]. نعود إلى الوضع العام، هل يجوز لنا أن نتعامل مع بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو مع اليهود أو مع الأمريكان؟ أو مع الروس؟ لا. لا يجوز. لم؟ لأن الروس بلاشفة حمر، ملاحدة، يقولون: (لا إله). لا خير فيهم ألبتة، بخلاف أهل الكتاب والمشركين فهم يقرون بالله وبربوبيته.وهنا أذكر أن فضيلة للإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمة الله عليه لم يعترف بروسيا ولم يتبادل معها بسفارة في مملكته حتى تمزقت واحترقت. فلم ما فعل المسلمون هذا؟ جهال ما عرفوا. لم تعرف روسيا هذا البلد بسفارتها وقنصليتها حتى سقطت الآن واحترقت.أما أهل الكتاب كاليهود والنصارى فلا نتخذهم أولياء نحبهم وننصرهم دون المؤمنين لن يكون هذا، لكن نتبادل المنافع معهم، فهذا أمر مأذون فيه ومسموح به ولا جدال فيه ولا خصومة. إذاً: نتعامل معهم بالتجارة، بيعاً وشراء، نتعامل معهم بصناعة، كل هذا واسع وليس بمغلق أبداً، مع المحافظة على بغضهم لله، وعدم حبهم، ثم عدم نصرتهم على مؤمن أو مؤمنة. عندنا معاهدة بيننا وبين الإيطاليين نوفي لهم بمعاهدتنا، لكن لو حاربوا المؤمنين ننقض المعاهدة ونقاتل مع المؤمنين عدوهم الذي بيننا وبينه معاهدة. وانظروا إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم -وقد درسنا هذا في السيرة النبوية- كانت بينه وبين اليهود معاهدة، جليلة -سبق وأن قرأنا بنودها- في هذه المدينة، بنو النظير، بنو قريظة، بنو قينقاع، عاهدهم وصالحهم، لكن ما إن نقضت قبيلة العهد حتى ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أول من نقض العهد هم بنو قينقاع.كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة سلم وعدم حرب، وتعاون بالمال على أداء الديات وما إلى ذلك، فلا ظلم، ولا اعتداء، ولا ولا.. فلما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في بدر في السنة الثانية من هجرته طاشت سهامهم، وامتلأت قلوبهم من الغيظ والحقد، وقالوا: يا محمد! لا تفهم أننا مثل العرب الجهال، تحاربنا وتنتصر علينا. هددوا، سكت صلى الله عليه وسلم. وإذا بمؤمنة جلبت شيئاً إلى السوق فباعت ومرت بصائغ يهودي تريد أن تشتري مصاغ ذهب أو فضة وإذا باليهود يسخرون بها، ويأتي يهودي من ورائها فيرفع خمارها حتى بدأت عورتها فصاحت: يا للمسلمين! فجاء مسلم فقتل اليهودي، وكشف اليهود عن عدائهم وعن تمزيق المعاهدة، وما هي إلا ساعات وقد طوقتهم رجال الله، واستسلموا، ورماهم النبي صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة كلها، لأنهم نقضوا العهد، فلو بقوا على عهدهم إلى اليوم لا يضرهم شيء، ولكنهم نقضوا العهد.أيضاً: بنو النظير، بموجب المعاهدة الرسمية خرج الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منهم مالاً حسب الاتفاقية أنهم يشتركون في الديات، وهم أيضاً لو أصيبوا بديات فالرسول يساهم فيها، وقد قتل مؤمن جهلاً وخطأ، فطلب أهله الدية، فخرج يطالبهم بشيء منها، فأجلسوه في ظل دار من دورهم على البنايات القديمة، وأخذوا يتآمرون عليه، كيف يقتلونه ويستريحون منه، وبالفعل جاءوا برحى مطحن، وصعدوا بها إلى السطح دورهم، وأرادوا أن يلقوها على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأعلم الله من طريق الوحي نبيه بذلك، فأخذ رداءه ومشى هو ورجاله ومن ثم نقضت بنو النظير عهدها ونقضوا عهدهم وأصبحوا حرباً، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن طوقهم، وبالتالي أذعنوا للجلاء عن المدينة، واقرءوا سورة الحشر ففيها هذا البيان: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2]، فما إن خرجت خيل الله حتى استسلموا.إذاً: خرجوا وحملوا أموالهم وأولادهم ونساءهم حتى أخشاب المنزل كانوا يأخذونها، الأبواب أخذوها. المهم اذهبوا أيها المخذولون والتحقوا بالشمال من خيبر إلى الشام.أيضاً: بنو قريظة اتفاقيتهم ثابتة حتى جاءت الأحزاب، وفهموا أن الأحزاب سوف ينتصرون على الرسول والمؤمنين، وجاء من راودهم وطمعهم فما هي إلا ليلتان أو ثلاث ونقضوا العهد، وانتهت الحرب مع الأحزاب وأجلاهم الله وأبعدهم بتلك الآية العجيبة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا [الأحزاب:9]، اقتلعت الخيام وأكفأت القدور، وما كان من المشركين إلا الهرب، فلما هربوا وعاد الرسول مع رجاله، ما زالوا يغتسلون من التراب والغبار والآلام خمسة وعشرين يوم وهم في البرد والجوع والآلام، وإذا بجبريل على فرس يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أو ضعت السلاح يا محمد؟ نحن ما وضعنا السلاح فهيا إلى بني قريظة، وأذن مؤذن رسول الله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ) فلما طوقهم الرسول بجيشه وحاصرهم احترقت قلوبهم من الغيظ، واستسلموا ورضوا بحكم سعد بن معاذ ، قالوا: رضينا بحكمه، ولو رضوا بحكم الله عز وجل ما كانوا يقتلون، قالوا: لا رضينا حكم سعد فينا؛ للصلة التي كانت بينهم في الجاهلية، فحكم سعد رضي الله عنه بقتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لقد حكمت بهم بحكم من في السبع )، فوق سبع سماوات. هنا وأظن في طرف المسجد حفر لهم حفرة كبيرة وكان يضرب الرأس ويلقى في الحفرة سبعمائة رجل، والنساء رحمة الله بهن والأولاد أصبحوا مسلمين.إذاً: المعاهدة، نحن أحق بالوفاء بها من اليهود والنصارى، والكافرين والمشركين؛ لأننا أحياء ربانيون، وهم أموات شياطين مخذولون، لن نكون مثلهم في الخيانة.أقول: المعاهدة إذا احتاج إليها إمام المسلمين بل حتى قائد معركة، إذا احتاج إلى مهادنة.. إلى مصالحة.. إلى مدة محدودة.. معاهدة، فقد أذن الله تعالى فيها وأذن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلكم الشرط العظيم، لا حب ولا نصرة أبداً، لا نحب يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً ولو كان هاشمياً قرشياً أبداً؛ لأن قلوبنا لله فيها حب الله، فلا يجتمع مع حب الله حب أعدائه، فلا حب ولا نصرة على المؤمنين. بيننا وبين بريطانيا معاهدة سلم وعدم حرب وبيننا تجارات و.. و.. فلو أعلنت بريطانيا الحرب ضد شعب مسلم تنقطع تلك الصلة، ونقاتلها مع إخوننا المؤمنين.وهكذا يا أبناء الإسلام! اعلموا أنه لا يحل للمؤمنين أن يحبوا الكافرين ولا أن ينصروهم، هذا حرام، أما أن تتعامل مع يهودي أو نصراني فلا شيء في ذلك أبداً. تذكرون الولد اليهودي الذي يخدم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فمرض فزاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه الإسلام ( قل: أشهد أن لا إله إلا الله تنجو من النار. فخاف من والده، فقال له والده: أطع أبا القاسم )، لو كان حب الكافر يجوز لأحببت أنا هذا اليهودي، لبصيرته، أطع أبا القاسم، عرف أنه إذا شهد شهادة الحق دخل الجنة، ومع هذا هو مصر على الكفر فقال له: أطع أبا القاسم، فتشهد الغلام وفاضت روحه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ).إذاً: عرفتم المداهنة والمدارة، وعلمتم أن الجائزة هي المدارة، وأن الممنوعة هي المداهنة.الجائز هي المداراة، والمدارة حقيقتها: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك. تخدم الكافر، تقدم له الطعام الشراب، تحمله على ظهرك لتصل به إلى المستشفى، من أجل أن تبقي دينك. أما المداهنة: أن تتنازل عن دينك ليحبك الكافر أو يكرمك أو لا يضر بك أو لا يهينك، وهي محرمة.هكذا نعيد تلاوة الآية الكريمة، ونواصل دراستها، قال تعالى وقوله الحق: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28] خاصة معينة مدارة للإبقاء على جسمك سليماً ودينك معافى.

    معنى قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)

    ثم قال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28]، يا عباد الله! الموقف خطير ليس بهين، فالله بعد هذا البيان يحذرنا أن نعصيه ونتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران:28] إن سلمتم اليوم من بلاء أو شقاء فمرجعكم إلى الله وينزل بكم العذاب، فلا تعتزوا اليوم بقوتكم فإلى الله لا إلى غيره مصيركم ومرجعكم. الأمر عظيم! يحذركم الله نفسه أن تعصوه وتخرجوا عن طاعته وتوالوا الكافرين وتتركوا المؤمنين، فموالاتنا يجب أن تكون للمؤمنين، أولياء الله، نحبهم ونقاتل معهم وننصرهم، لا أن نحب الكافرين ونقاتل معهم ضد المؤمنين والمسلمين.

    حكم إعانة الكافر المعاهد في قتاله مع عدو آخر كافر

    تنبيه: لو كان بيننا وبين دولة اتفاق أن نقاتل من يقاتلها، وتقاتل من يقاتلنا، وأعلنت الحرب بينها وبين دولة أخرى، ننظر إذا كانت الدولة مؤمنة انتهت العقدة وانحل الرباط ولا نقاتل معها إخواننا، بل نقاتل معهم إياها، لكن لو قاتلت دولة كافرة اعتدت عليها بلجيكا اعتدت على هولندا، ونحن بيننا وبين بلجيكا عهد، فلا مانع أن ننفذ الاتفاقية ونعاونهم على عدوهم؛ لأنه كافر وليس بمسلم، لكن إذا كان بينهم وبين المؤمنين عرباً أو عجماً فلا موافقة ولا متابعة.

    تفسير قوله تعالى: (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله...)

    قال تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29] .يزيد تعالى فيقول اسمعوا! قُلْ [آل عمران:29] لهم يا رسولنا قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:29] من حب الكافرين والمشركين أو تظهروه يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]. أمر عجب! يا عبد الله! طهر قلبك من حب الكفار وإن كانوا من أقاربك، ولا تتظاهر بأنك تكرههم وأنت تحبهم فالله مطلع على قلبك. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:29] من حب وبغض أَوْ تُبْدُوهُ [آل عمران:29] وتظهروه، يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]، لا يعجز الله شيء. ما رأينا ممنوعاً تتابعت الآيات فيه كهذا؛ لأن حبك الكافر والله يحملك على أن تكفر، أقسم بالله إذا أحببتهم وداهنتهم لابد أن تصبح مثلهم يقيناً، فلهذا الحد الفاصل هو: لا حب ولا ولاء لهم أبداً.

    تفسير قوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً...)

    يقول تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].انتقلوا عن هذه الدار الضيقة إلى الدار الواسعة، لا تفهموا أنكم مضطرون وأنكم وأنكم.. فتداهنون الكفار، وتنسون لقاء الله عز وجل، وتبطنون الحب وتظهرون البغض لهم، فالله مطلع على ما في القلوب ما ظهر وما بطن. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [آل عمران:30] بين يديها، وقد عرفنا أن المرء إذا قتل ظلماً وعدواناً يرى نفسه أمامه وفي يده مسدسه أو رصاصة ليقتل به لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، الآن شاشات الفيديو والتلفاز نهت هذه المشكلة العويصة لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [الزلزلة:6]، فاعل الخير يرى نفسه هكذا يفعله، وفاعل الشر يرى نفسه وهو يباشر الشر ويفعله، فكيف ينكر والله يقول: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24]. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ [آل عمران:30] بيضاء أو سوداء، في الأولين أو الآخرين، مؤمنة أو كافرة مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]،أي: مسافات لا تعد، كل نفس عملت سوء تود عندما تشاهد ذلك السوء أن لو كان بينها وبينه آماد لا حد لها.يقول تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، ما زال السياق متصلاً، يحذركم الله من نفسه، احذوا الله، خافوا عقابه وعذابه، وقد يكون في الدنيا وقد كان، وقد يكون في الآخرة وسيكون. وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، نعم هذا المختم الذي ختمت به الآيات، لو ما قال هذه، لكانت القلوب تطير من الخوف والفزع، لكن قوله: رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، رءوف بالعباد رحيم، ومن آثار رحمته ورأفته بهم: هذه التعاليم، فلو تركنا نوالي الكافرين ونودهم ونتعايش معهم فنصبح مثلهم، ويصبح مصيرنا مصيرهم، إلى جهنم، لكن رحمة الله ورأفته أنه يخاطبنا، يبين، يفسر، يؤكد، كل هذا من مظاهر رحمته، ولو أراد شقاءنا وعذابنا لا ينزل هذه الآيات ولا يبين فيها حكمه.

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    الآن نعود إلى الآيات، قال تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمران:28] انقطعت صلته بالله عز وجل ويا ويله يومئذٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28]، وهي المداراة، وهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يدخل عليه المنافق، فيحاول أن يبتسم في وجهه فلما قالت له عائشة لم؟ قال: ( إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تبغضهم ). إنا لنكشر في وجوه أناس وقلوبنا تبغضهم؛ لأنهم منافقون، يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، لكن لابد من هذا، ما أعلنوا عن كفرهم، يبتسم في وجوههم وهو لا يحبهم، وهذا شأن المؤمنين مع الفساق والفجار والظلمة والمعتدين، قد تضطر إلى أن تبتسم وتلين له القول له، ولكن قلبك ليس فيه حبهم ولا ولاؤهم، إذا لا تحب إلا ما يحب الله. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ [آل عمران:29]، هذا عام في الخير والشر، إياك أن تفهم أنه بإمكانك أن تخفي حبك أو بغضك، انتبه! فإن قلبك يقلبه الله، وهنا فلنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء )، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في السجود: ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى دينك )، فلا يحفى على الله شيء، تستطيع أن تخفي عن الناس ما تخفيه لكن بالنسبة إلى الله فمن المستحيل هذا، فهو خالق قلبك، بل عرف ما تريد أن تخفيه قبل أن يوجدك قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29]، وإذا علمه يجازي به وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:29]، إذا يوجد بعض المرضى يوالون بعض العائلات والأسر الكافرة ويضحكون معهم ويشربون، ويتركون الصلاة، مداهنة لهم، ويظنون أن المسلمين لا يعرفون عنهم، ولا يدرون، ولكن الله يدري والله مطلع؛ إذ يعلم ما في السماوات وما في الأرض.انتبهوا! قد توجد أسر بيننا من أهل الذمة فيأتيهم المؤمن ويضاحكهم ويسب معهم وكذا.. ويقول: من يعلمني؟ فالله عليم، فوق ذلك يقول يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران:30]، تدرون ما السوء هذا؟ كل ذنب هو سوء، كل ما يسيء إلى نفسك فيصبها بالظلمة أو بالعفن والنتن فتكون كأرواح الشياطين، فهو ذلكم السوء يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ [آل عمران:30] تحب لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران:30]، لا يراه ولا تراه.معاشر المؤمنين! الآن قد عرفنا المداراة والمداهنة فإياك يا عبد الله وإياك يا أمة الله أن تداهني، لكن لا بأس أن نداري؛ لأن المدارة أن نتنازل عن شيء من بدننا من مالنا؛ لنحفظ ديننا، أما أن نتنازل عن شيء من ديننا، أصلي بدون وضوء، أشرب الخمر مع اللاهين، أسب العلماء والصالحين مع السابين من أجل الإبقاء على وظيفتي أو على كرامتي بينهم؛ لا لا.. فالمداهنة هي الموت، والآية كما سمعتم وَدُّوا [القلم:9] منهم؟ المشركون لَوْ تُدْهِنُ [القلم:9] يا رسولنا، أي: تداهن فيداهنوك، فلا تداهنهم، ما كان أبو القاسم يداهن مشركاً أو كافراً، وما يتنازل عن شيء من دين الله من أجل إرضاء فلان أو فلان. إذاً: الحمد لله، عرفنا شيئاً كبيراً.
    أحكام زكاة الفطر

    وجوب زكاة الفطر

    عندنا سؤال: ما حكم صدقة الفطر؟الجواب: الوجوب، للحديث الصحيح في الموطأ، يقول ابن عمر : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ). هل عرفنا فائدة في القرآن تتعلق بزكاة الفطر وصلاة العيد؟ الجواب: نعم، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، فهذا اللفظ القرآني يشمل والله زكاة الفطر وصلاة العيد، والتكبير من المنزل إلى المصلى، فلا تفوتنا هذه، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].

    مقدار زكاة الفطر

    هل عرفتم مقدار زكاة الفطر؟الجواب: صاع. ما هو الصاع هذا؟ الجواب: ما يعادل كيلوين وربع، وأصل الصاع أربع حفنات بحفنة الرجل الفحل، ما هو القزم القصير مثلي.إذاً: الصاع أربع حفنات بحفنة الرجل الفحل أو على الأقل المتوسط، أربع حفنات مملوءة، زنها في الميزان تجدها كيلوين وربع، وقد يختلف الوزن، لأن هناك أشياء خفيفة وأشياء ثقيلة فالتمر ثقيل والشعير خفيف. من أي طعام تخرج زكاة الفطر؟أبو القاسم بين أنها من التمر.. الشعير.. الأقط -وهي الزبدة اليابسة، أو اللبن الجاف وهو من المطعومات- ولم يذكر القمح لأنه ليس عندنا قمح فقال: ( من تمر، أو شعير، أو أقط ) أو أرز القمح في بلاد الشام، لكن لو وجد القمح فهو أولى، لكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والرز من باب أولى، الآن موجود وسهل وهين، أغلب القوت الرز. والفقهاء يقولون : تخرج من غالب قوت أهل البلد، تخرج زكاة الفطر من غالب قوت أهل البلد، والرز عندنا هو الغالب.إذاً: عرفتم من أي شيء تخرج الزكاة، من التمر، القمح، الشعير، الأرز، الأقط.

    حكم إخراج زكاة الفطر من النقد

    وهنا سؤال: الدراهم والدنانير دراهم الفضة، ودنانير الذهب، هل تخرج منها ؟ الجواب: يوم أن أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم ونشره بين رجاله يوجد عندهم دينار درهم يوجد قطعاً، والله موجود، لكن -أولاً- ما كان يومئذ بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم مطاعم أبداً، ولا مخابز، فإن أنت أعطيته ربع درهم أو ربع دينار ماذا يصنع بها؟ سيظل جوعان لا مطعم ولا خبز ولا ولا.. كيف يصنع؟ إذاً: أعطه التمرات يتغدى ويتعشى بها، أعطه الخبز والدقيق، الشعير يطحنه، فمن ثم عدل أبو القاسم ورجاله عن الدينار والدرهم إلى التمر والشعير.فمن هنا أفتى العلماء وهو ما نقرره: إذا كان المسلم في بلد لا يقبل فيها رز ولا تمر ولا بر ولا شعير ولا أقط، يتعين عليه أن يخرجها بالدينار والدرهم، ولا يقول: مع الأسف، ما وجب علينا شيء؛ لأن الذي فرض الرسول صلى الله عليه وسلم ما عندنا، سقطت عنا زكاة الفطر. الجواب: ما سقطت، بل وجبت، أخرج قيمتها ديناراً أو درهمين. أما في البلد التي يوجد فيها الطعام فلا نستبدل بها الدينار والدرهم عملاً بتوجيه رسول الله وهدايته. ومن جهة أخرى: زكاة الفطر مطهرة للنفس، وورد أن الصيام معلق قبوله بها، فمن هنا فهي عبادة لا تزكي النفس إلا إذا كانت كما بينها الشارع ووضعها، فهذا هو الذي ينبغي أن نقوله ونعمل به.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #148
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (6)
    الحلقة (147)




    تفسير سورة آل عمران (14)
    محبة الله عز وجل ليست أمراً يدعيه كل أحد دون أن يقدم عليه الأدلة والبراهين، وقد بين الله عز وجل أن من أدلة محبته سبحانه وتعالى اتباع ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم من الهدى والرشاد، فمن فعل ذلك فهو محب لله سبحانه وتعالى، بل ومستحق لمحبة الله، ومن تولى وأبى فإن الله لا يحب القوم الكافرين.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن ضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين ونحن ما زلنا مع آيات سورة آل عمران، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31-32].وقبل الشروع في دراسة هاتين الآيتين المباركتين أعيد إلى أذهانكم ما جاء في الآيات قبل هاتين، وإليكم تلاوة الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس ، ونتذاكر ما سبق أن علمناه منها، قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أي: السوء أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:28-30].

    هداية الآيات
    إليكم هداية هذه الآيات الثلاث:قال المؤلف غفر الله لنا وله:[ من هداية الآيات: أولاً: حرمة موالاة الكافرين مطلقاً] حرمة موالاة الكافرين سواء كانوا من أهل الكتاب أو المشركين، فموالاتهم محرمة تحريماً مطلقاً بلا قيد. هل تعرفون معنى الموالاة المحرمة؟الموالا ة المحرمة: هي حب الكافر ونصرته، فمن أحب الكفار بقلبه كما يحب نفسه وربه وأولياء الله المؤمنين ثم نصرهم على المؤمنين، فهذه موالاة محرمة، بل هي كفر.وهذه هي عقيدة الولاء والبراء التي يتغنى بها كثير من الناس ولا يعرفون معناها، والولاء: الحب والنصرة، فلا يحل لمؤمن أن يحب كافراً ولو كان أباه، ولو كان ابنه، ولو كان أحد أفراد عشيرته، فإن أحبه رحل حب الله من قلبه، وقد قال تعالى في سورة المجادلة: ((لا تَجِدُ)) يا عبد الله لو كنت طالباً (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ))[المجادلة:22]. وهذا كلام الله، فلو بحثت بما أوتيت من قدرة على العلم ما وجدت ولن تجد عبداً آمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان يواد من يحاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب.إذاً: من هداية الآيات الثلاث التي درسناها بالأمس كما قال المؤلف غفر الله لنا وله:[ أولاً: حرمة موالاة الكافرين مطلقاً] وموالاتهم ليس معناه: أن يجوع أحدهم فتطعمه، أو يعطش فتسقيه، أو يمرض فتداويه، أو يتعب فتحمله، لا، فهذه ليست هي الموالاة، ليس من الموالاة أن تتعاون معه في سفر من الأسفار أو تبني معه جداراً، أو تغرس معه بستاناً.. ليست هذه الموالاة، بل الموالاة: أن تحبه وتنصره على الله والمؤمنين. هذا هو الولاء والبراء.قال: [ ثانياً: موالاة الكافرين على المؤمنين ردة وكفر وبراءة من الله تعالى] الذي يقف إلى جنب اليهود ويقاتل معهم المسلمين كافر، والذي يقف إلى جنب بريطانيا أو روسيا وهم يقاتلون المؤمنين ويقاتل معهم المؤمنين كافر مرتد ليس بمؤمن.وهنا -للعلم- إن كانت بيننا وبين أمة كافرة معاهدة -كما عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خزاعة ضد قريش- إن كانت بيننا وبين دولة كافرة معاهدة سلم وعدم اعتداء وحرب، وكان من بنود المعاهدة: أننا نقف إلى جنبهم إن اعتدى عليهم معتد ويقفون إلى جنبنا إن اعتدى علينا معتد، هنا إذا كان الذي اعتدى عليهم كافر قاتلنا معهم هذا الكافر وفاء بالعهد الذي بيننا وبينهم، وإن قاتلهم مؤمن أو قاتلوا مؤمنين فلا يسمح لنا ربنا بهذا، بل نقف، ومن أراد أن يقف على هذه فليقرأ خاتمة سورة الأنفال، وكذلك ما جاء في سورة التوبة، وفي سورة النساء يقول الله: (( إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُم ْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ))[النساء:90].وهذا إذا اضطررنا إلى أن نصالح كافراً كتابياً أو مشركاً، وقد صالح الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً صلحاً لمدة عشر سنوات، وتنازل فيه عن أشياء يغمى علينا لو نذكرها، ليحفظ لهذه الأمة دينها ولتنتشر دعوة ربها بين الناس، وهي معاهدة صلح الحديبية وسماها الله فتحاً، تنازل فيها عن بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن ممثل قريش وسفيرها سهيل بن عمرو رضي الله عنه لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للكاتب: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل : لا، ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب باسمك اللهم، فضج الصحابة ، فقال: اسكتوا أنا رسول الله، وكتب باسمك اللهم.رفض بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكافر وتنازل الرسول؛ لأن التنازل لا يضر شيئاً فالله هو الرحمن الرحيم يقولونها أو لا يقولونها؛ وذلك ليتم صلح ترفع به تلك الشدة وذاك الحصار على المؤمنين، فيتجولون في الجزيرة، ويتاجرون، ويبقى الباب مفتوحاً لمن أراد أن يعرف الإسلام فيدخل المدينة ويتعرف لذلك. ولما قال له: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله. قال سهيل : لو عرفناك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله. وتنازل رسول الله، وكتب: محمد بن عبد الله.وهذه الأمور يرجع فيها إلى كتاب الله وسنة رسول الله لا للأفكار والأوهام والتخمينات، فموالاة الكافرين على المؤمنين ردة. كيف تقف إلى جنب الكفار تضرب المؤمنين وتطعن وتقتل وتقول أنك مؤمن؟! من يقبل منك هذا الإيمان؟! قال: [ ثالثاً: جواز التقية في حال ضعف المؤمنين وقوة الكافرين].والتقية والتقية: كلمات تتقي بها ظلم هذا الكافر.. كلمات تقولها تلين بها جانبه وترقق بها عواطفه. قل لهم: يا سيادة فلان ولا حرج، وبالإنجليزي (مستر)، لا بأس، أما أن تناديه: يا كلب فسيصفعك وستصرخ ولن ينجدك أحد، فكل من حولك يهود ونصارى. لم هذا؟ لتتقه، أصلح له نعله.. سيارته وقفت فتدفعها معه.. أو تفتح له حتى باب السيارة، هذه تعاليم رب العالمين، (( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ))[آل عمران:28] تقون بها أنفسكم بلاء الكفار وعذابهم ونقمهم؛ لأنهم لا قلوب لهم، أموات غير أحياء لا يرحمونكم، فإذا كنت بينهم ضعيفاً فاتقهم بشيء، لكن ليس بأن تسب الله أو رسوله، أو تسخر من كتاب الله، أو تترك الصلاة، أو تشرب الحشيش والخمر، أو.. أو..، وإنما تتقيهم بما هو جائز أن تتقي به، تغضبهم وتسخطهم في قلبك، ولكن لا تسبهم ولا تسب دينهم، لا.. لا، وهكذا حتى لا يؤذوك ويذروك وأنت عاجز. من شرع هذه التقية؟ ربي رحمني وعرف ضعفي، فإذا كنت بين كفار علمني أنه لا بأس أن نتقيهم بالكلمة والحركة المحمودة، أما في حالة التعذيب فذلك شيء آخر، فلو قالوا لك: اكفر بالله نرفع عنك السيف، أو المنشار الذي ننشر به فيجوز أن تقول كلمة الكفر باللسان وقلبك لا يتغير، وقلبك مطمئن بالإيمان.وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بـعمار بن ياسر وهم يعذبونه ويقولون له: اذكر آلهتنا بالخير، واذكر محمداً بسوء نطلقك ونرفع العذاب عنك، فيأبى أن يقول: فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أعطهم يا عمار . ونزل في ذلك قرآن يتلى إلى اليوم إذ قال تعالى: (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ))[النحل:106] الآية.قال: [ رابعاً: وجوب الحذر من عذاب الله تعالى وذلك بطاعته].كيف تحذر عذاب الله؟ بأي شيء؟ بالسور أم بتحت الأرض؟ الجواب: بالطاعة، فمن أطاع الله فيما أمره ونهاه نجا من عذاب الله ومقته وغضبه. أما قال تعالى: (( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ))[آل عمران:28] كيف نحذر إذاً؟ نطيعه، قال: صم، صمنا، قال: أفطر، أفطرنا، هذه هي الطاعة.[ خامساً: خطورة الموقف يوم القيامة، ووجوب الاستعداد له بالإيمان والتقوى؛ إذا قال تعالى: (( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ))[آل عمران:30]].إن شاء الله علمنا الآن ووالله لهو خير من خمسين ألف ريال، من عرف هذه الحقائق الشرعية العلمية لأن يعود بها واعياً بصيراً عازماً على العمل والدعوة خير له من خمسين ألف ريال فليس هناك فرق كبير بين قرص العيش وحفنة التمر، وبين المشوي والمطلي والمصلي.. فالمقصود هو امتلاء البطن ليقوم البدن بواجبه، وهو عبادة الله بذكره وشكره.

    الفرق بين المداراة والمداهنة وذكر حكمهما
    نضيف إلى هذا العلم: الفرق بين المداراة والمداهنة، والمداراة جائزة والمداهنة ممنوعة، ويكفي في منع المداهنة قول الله تعالى من سورة القلم: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] إذاً: فلا تدهنوا أنتم حتى يداهنوكم هم.والفرق بين المداراة والمداهنة:أن المداراة: أن تتنازل عن شيء من دنياك لتحفظ شيئاً من دينك، وهنيئاً لك.تتنازل وتعطي شيئاً من دنياك من أجل أن تحفظ به دينك، تعطيهم دارهم ما دمت الدارهم موجودة ولا حرج.. تتنازل عن شيء من دنياك فتعطيهم البترول كاملاً من أجل أن تحفظ دين الله عندك، والله جائزة وهي مداراة وليست مداهنة.والمدارا هي المصانعة والمجاملة بلغة العصر، وحقيقتها: أن تتنازل عن شيء من دنياك ذهباً كان أو فضة، طعاماً أو شراباً، مركباً أو كذا من أجل أن تحفظ دينك، فهذه جائزة ؛ لأننا خلقنا للدين فكيف نضيعه؟ والمداهنة الحرام: أن تتنازل عن شيء من دينك لتحفظ شيئاً من دنياك، وقد مثلنا لذلك بالرجل يريد وظيفة، وصاحب العمل سكّير -مثلاً- فيأتيه وبراد الخمر بين يديه ليعمل عنده فتداهنه أو تشرب معه فلا تقول: حرام ولا ولا.. خشية أن يغضب عليك ولا يوظفك! فتشرب معه وأنت تضحك مطمئن النفس، وإذا دقت الساعة حي على الصلاة.. حي على الصلاة المؤذن يؤذن وتقوم تصلي فيغضب عليك فلا تصلي، وتقول: أقضيها..هنا تنازلنا عن شيء من ديننا من أجل دنيانا، وهذه هي المداهنة الحرام.والمداهن ممقوتة فكيف تتنازل عن دينك من أجل أوساخ دنياك؟! أما المداراة فجائزة فلك أن تتنازل عن دنياك بكاملها من أجل دينك، لا بأس، بل فزت لأن الدين هو عماد حياتك وسلم رقيك إلى الجنة دار السلام.معاشر المستمعين والمستمعات! لما سمعت أنا هذه من عالم رحمة الله عليه، لا تستطيعون أن تقدروا ما شعرت بأنني غنمته، والله لن تستطيعوا. إذاً: عرفنا الفرق بين المداهنة والمداراة فنداري للحفاظ على ديننا، ولا نداهن من أجل أن نحفظ دنيانا، لا والله لو خرجت كلها ما نكفر من أجلها.

    تفسير قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ...)
    قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].وهذا خطاب لوفد نجران من النصارى، وفي بداية السورة علمنا -نحن الذين نحضر هذا النور زادنا الله منه- أن هذه السورة نزل آخرها قبل أولها، سورة آل عمران آخرها نزل قبل أن ينزل أولها، ولا حرج، تنزل السورة ويبقى منها آيات وبعد سنتين أو ثلاث سنين تنزل الآيات وتوضع فيها، وتوافق اللوح المحفوظ بلا تقديم ولا تأخير بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22] كما هو الآن هو هناك.هذه الآيات في هذه السورة وهي نيف وثمانون آية من الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2] إلى آخر آية تتعلق بوفد نجران، هذه الآيات نزلت في وفد نجران، نجران منطقة معروف في المملكة تقع إلى جنوب مكة، كان فيها نصارى مسيحيون متصلبون وعلماء يستمدون قواهم من الروم، على صورة المسيحية.وقد جاء وفدهم المكون من ستين راكباً على الخيول أبهة؛ لأن من ينظرون إلى العرب وهم جهلة كفار تحت أقدامهم وهؤلاء أقوياء، نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وما يوجد فندق ولا مطعم فوزعهم على أهله وإخوانه ليستضيفوهم وسمح لهم أن يصلوا في المسجد أيضاً.وهنا نستطرد: كان في السوربون جامعة في باريس عالم من الرهبان يسمى طرطار، وكنا يومها في الدعوة في باريس، فكتب كلمة في جريدة لوموند العالمية الفرنسية يشتكي بالمملكة ويتألم ويقول: لم يمنعون إخواننا من إقامة شعائر دينهم في المملكة ونحن نسمح بالمساجد في كل مكان في ديارنا؟يعني: العمال الموجودين في المملكة من الفرنسيين ما تسمح لهم الحكومة بإيجاد كنائس ونحن سمحنا بالمساجد، وفرنسا فيها ثلاثة آلاف مسجد والحمد لله.فرددت عليه بالعربية وترجمت وقلت له: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83].فقلت له: اسمع! المملكة تعتبر بيضة الإسلام وقبته، تعتبر مسجداً، أما خارج المملكة فتوجد كنائس في الشام.. في العراق.. في مصر.. في الجزائر.. في بلاد العالم، وأهل ذمة لهم كنائسهم، لكن المملكة تعتبر مسجداً.أيعقل يا مستر طرطار أن تبنى كنيسة في مسجد؟! أو يبنى مسجد داخل كنيسة؟من يقول بجواز هذا؟! فأفحمته، وعرف أن هذا غير معقول، فالمملكة عبارة عن مسجد؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) ممنوع ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) خارجها توجد أديان. فكتب مرة ثانية -وهو الشاهد- وقال: وفد نجران سمح لهم رسولكم أن يصلوا في المسجد. احتج بهذه.فقلنا له: أذن لهم لأنه يستألفهم وينظر ماذا يبدو منهم، علهم يسلمون. هذا من جهة.ومن جهة أخرى: الشريعة نزلت في ظرف ثلاث وعشرين سنة ويوجد حكم اليوم وينسخ غداً، فنسخ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بقوله قبل وفاته: ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) فنسخ ذلك الحكم. وقلت له: لا تغضب. فكتب في المرة الثالثة يقول: إخوان لنا في جدة قاموا بقداس في بيت أحدهم فطوقتهم الهيئة وحاصرتهم، وسفروهم، فقلت له: لا. هذا ليس بغريب، فإخواننا المسلمون الموحدون أهل لا إله إلا الله إذا ضبطوا في بدعة طوقتهم الهيئة وسفرتهم، وليسوا الفرنسيين فقط. المهم انقطع مستر طرطار، وسليناكم قليلاً والمناسبة هي ذكرنا وفد نجران فهيا مع وفد نجران.اسألهم: لم أنتم تعبدون عيسى وأمه؟ سيقولون: لا. نحن بجلناهم، عظمناهم، ألهناهم من أجل أن يحبنا الله لا لذاتهم، نحن نعرف أن مريم مخلوقة، وعيسى كذا.. ولكن من أجل أن نظفر ونحصل على حب الله عز وجل العليم الحكيم قدسنا عيسى وأمه.فكان الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: تعال اسمع: قل يا رسولنا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] أنتم تقولون أنكم ما قدستم مريم ولا عيسى إلا من أجل أن يحبكم الله ومن أجل الظفر بحب الله فإليكم الطريق الواضح أطيعوا رسولنا يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم أيضاً.

    الحكمة من الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم
    قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]. الآمر: هو الله. والمأمور بأن يقول ذلك: هو رسوله صلى الله عليه وسلم. والقول: إن كنتم -كما تزعمون- ما عبدتم عيسى وأمه إلا من أجل حب الله فإليكم الطريق الموصل إلى حب الله وهو: أن تطيعوا الله ورسوله، وأن تتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم فيحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. وقد تقول: أراد الله أن يرفع من شأن نبيه ففرض على من يحبه أن يطيعه ويتابعه، فنقول: لا لا يا بني، فاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشي وراءه باعتقاد ما يعتقد وقول ما يقول وفعل ما يفعل، هذا الاتباع من شأنه أن يطهر الروح البشرية ويزكي النفس الإنسانية، فإذا زكت الروح طابت النفس وأحبها الله.ليست القضية أنه أراد أن يذل الناس لرسوله حتى يتابعوه، والله ما هي هذه، بل أراد أنكم إن اتبعتم رسولنا فعبدتم الله بما شرعنا زكت نفوسكم وطابت أرواحكم، والله طيب يحب الطيبين.هذا هو سرها، لم تفرض عليهم متابعة الرسول إلا ليحبهم الله من أجل أن تطهر أرواحهم وتزكو نفوسهم، فإذا طابت وطهرت وزكت أحبها الله؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.فإن كنت تريد أن يحبك الله فوالله لا طريق لك إلا أن تزكي نفسك فيحبك. هل تزكيها بالماء والصابون؟ بماذا تزكيها؟ بالبدع والخرافات، بالرقص والشطح؟ تزكي النفس بماذا؟ بالمواد التي وضعها الحكيم العليم، إن استعملتها بالكمية المعروفة والعدد المحدود والزمان والمكان المخصص أنتجت لك طيبة نفسك وطهارتها، ويستحيل أن تطيب نفسك بغير ما جاء به رسول الله من هذه العقائد الصحيحة والعبادات المشروعة، فتأملوا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فعبدتم المسيح وأمه لأجل ذلك فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31]فأنا رسول الله يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].ما السر في كونهم إن تابعوه أحبهم الله؟ من يبين لنا؟ الذي ما عرف هذه لا يحل له أن يخرج من المسجد الليلة حتى يعرفها فليست صعبة.الجواب: لأن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لازم حتى يحبك الله، والله إن لم تتبعه ما أحبك الله أبداً، وإن أردت أن يحبك الله فاتبع رسوله بأن تسير وراءه لا أمامه ولا عن يمينه ولا شماله، بل وراءه تقول ما يقول، وتفعل ما يفعل، وتترك ما يترك، وتنام كما ينام، وتصلي كما يصلي.. فهذا هو الاتباع وإن شاء الله تكونون قد فهمتم هذه والحمد لله.

    ليس الشأن أن تُحِب بل الشأن كل الشأن أن تُحَب
    عندنا لطيفة أخرى وهي: ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب.. ليس الشأن كل الشأن أن تُحِب أنت، بل الشأن أن تُحَب، فإذا أنت تحب الله بكل قلبك وهو لا يحبك ما استفدت شيئاً، بل في جهنم مع أعدائه، فليس الشأن أن تُحِب أنت وإنما الشأن أن تُحَب.ومن أمثلة العرب: أنت تتغنى بحب ليلى وليلى لا تلتفت إليك، فلا يجديك حبك هذا، بل يحرقك، تتغنى وليلى تكرهك فما استفدت، فليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب.وهنا الغافلون والجاهلون يتغنون بحب الله ويرقصون ويأتون بالبدع والخرافات، ويقولون: نحب الله! وهذا باطل، فليس هذا هو الذي يحبكم الله من أجله، فأنتم تحبونه وهو لا يحبكم فماذا استفدتم؟! إن أردتم أن يحبكم الله فزكوا أنفسكم وطهروها بما شرع من العقائد والعبادات من أقوال وأعمال ثم يحبكم الله وحينها تظفروا بحب الله.فمن هنا معاشر المستمعين والمستمعات يا عشاق حب الله اعلموا أن حب الله لن ينفعكم ولن تظفروا به وتحصلوا عليه إلا إذا زكيتم أنفسكم، فهذا الوفد حاء مكوناً من ستين راكباً وهو ملعون مبغوض لله، وهو يقوم بالعبادات الليل والنهار لكنها عبادات ما شرعها الله.. عبادات لا تزكي النفس ولا تطهرها فلا تنفعهم. فقال الله لهم: اتبعوا رسولنا يحصل لكم حب ربكم يا طلاب حب الله؛ لأن المتابعة من شأنها تزكية النفس وتطهيرها، فإذا زكت نفسك أفلحت وفزت وانتقلت إلى الملكوت الأعلى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9].وهناك جماعات يحبون رسول الله بالقصائد والمدائح والأناشيد والحفلات والبقلاوة والشاي، وهم يعصونه في كل طريق، والشاعر الحكيم يقول:تعصي الإله وأنت تزعم حبههذا لعمري في القياس بديعلو كان حبك صادقاً لأطعتهإن المحب لمن يحب مطيعمن أدبكم؟ تقف أمام رسول الله تبكي وأنت حالق للحيتك، ولو كان الرسول أمامك لقال: أخرجوه عني.تأتي من الهند والسند والشرق تدعي حب الرسول وعلبة السيجارة في جيبك فتجيء تسلم على الرسول، أهذا حب رسول الله؟ماذا حل بنا؟ الجواب: حل بنا أمر عظيم، وعلته والله الجهل، فلا نلوم إخواننا ولا آباءنا وأمهاتنا، فالجهل ما عرفنا الله، ما عرفنا الطريق إليه، ما علمونا، ما عكفنا على طلب الهدى، يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه، فهيهات هيهات أن تجد ربانياً عبداً صالحاً وهو يعص الله ويعيش على معصيته، فهيا بنا نعد إلى طلب العلم. وهنا قد يقول قائل: يا شيخ المدارس عندنا والكليات، والجامعات، فماذا تريد منا؟الجواب: نريد أن ندلل أننا أسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله، فإذا دقت الساعة السادسة مساء حملنا أطفالنا ونساءنا وذهبنا إلى بيوت ربنا نصلي المغرب ونشرع في تلقي العلم والحكمة إلى صلاة العشاء، وذلك كل ليلة طول العام، فلا يبقى في القرية ولا في المدينة أحد فمع غروب الشمس الكل في بيوت ربهم يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم. هذا هو العلم، وهذا هو الطريق، والجهل هو الفتنة.

    حقيقة الولاية لله
    جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) أي: أعلنت الحرب عليه. من هو هذا؟ الذي يعادي أولياء الله. والمشكلة هنا: من هم أولياء الله؟ هل هم: سيدي عبد القادر، البدوي، عيدروس، مولاي إدريس، إبراهيم كذا؟ هل هؤلاء هم الأولياء فقط؟اسمعوا نبكي، لو نمشي معك الآن وندخل القاهرة المعزية ونزلنا من المطار ودخلنا القاهرة وأستثني أن هذه السنين التي قضيناها في المسجد النبوي فقد انتشرت الدعوة وفهم الناس، ولكن لو تجد واحد وتقول له: يا سيد أنا جئت من بعيد أريد أن أزور ولياً من أولياء الله في هذه البلاد، والله ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في القاهرة أولياء يمشون في السوق. أيضاً: لو تدخل دمشق وتقول لأول من تلقاه في الشارع: أنا غريب وأحب أن أزور ولياً من أولياء الله، والله ما يأخذ بيدك إلا إلى قبر، فلا يفهم أن ولياً حياً. وقل هذا في مراكش وباكستان واسطنبول والعالم كله لمدة أكثر من خمسمائة سنة لا يفهم أن ولياً حي أبداً.وهنا قد يقول قائل: يا شيخ ما تقول هذا غير صحيح؟فأقول: نسألكم: هل في دياركم مؤمنون يزنون بنسائكم؟ كيف مؤمن ويزني بامرأة مؤمن؟ هل فيكم من يسرق، ويخون، ويغش ويخدع أم لا؟! هل فيكم من يكذب أم لا؟ إذاً: لو كنا علمنا أن الله قال: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، ما نستطيع أن نفجر بامرأة ولي الله، ولا أن نسلبه ماله ولا أن ننتهك عرضه، ولا أن نهينه ولو بنظرة شزراً وهو ولي الله. ولكن العدو -أولاً- مسح هذا من أذهاننا فلا ولي إلا من مات ودفن وبنيت القبة على قبره، ذاك الولي، أما الأحياء فأعداء الله، اسرق، اضرب، كل، العن ليس فيها شيء، فلا تخاف من الله، لأنهم ليسوا أولياء!!أما الله فيقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فكيف تؤذي ولياً من أولياء الله ولو بكلمة نابية يا عبد الله؟! عرف هذا الخصوم من المجوس واليهود والنصارى فصرفوا من قلوبنا وأذهاننا أن المؤمنين أولياء الله، أبداً، وحصروا الولاية لمن مات وإن كان كافراً، وإن كان حماراً، فكم وكم من حمار عبد، وقصة (سيدي أبو حمارة) معروفة عندنا، مات حمار في الطريق فدفنوه وبنوا عليه مزاراً ليزورونه ويأخذ الزيارات، حتى يصبح المسلمون يأكل بعضهم بعضاً لا تقدير، لا حب، لا احترام.. لا ولا؛ لأنهم كلهم ما هم أولياء الله. إذاً: أين أولياء الله؟ سيدي فلان، المبني عليه قبة ويعبد مع الله وتذبح له الذبائح ويحلب عنه ويزار، وينقل إليه مرضى وهو ميت.. وهذا وقع فينا ورب الكعبة، بل في كل ديار العالم الإسلامي.من فعل بنا هذا؟إنه الثالوث الأسود: اليهود، المجوس، النصارى.. وهم متعاونون إلى الآن، ونحن في غفلة وتيهان.

    وسائل التقرب إلى الله وكسب محبته

    ثم يقول تعالى: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) فتح الباب: يا من يريدون أن يحبهم الله! باسم الله، تقربوا.. تقربوا واتصلوا بأداء الفرائض ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) وضح الطريق والحمد لله. ( وما يزال عبدي يتقرب إلي ) أي: يتملقني ويتزلف إلي بالنوافل بعد الفرائض ( حتى أحبه ). فإذا أحبه الله فقد جاء في الحديث أنه سبحانه يقول لجبريل: ( يا جبريل! إني أحب فلان ابن فلان فأحبه، فيحبه جبريل، وينادي في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلان ابن فلان فأحبوه، فيحبونه، ويلقي له القبول في الأرض، فلا يراه عبد مؤمن إلا أحبه، وإن كان أعمش أرمش.. قل ما شئت.وإذا أبغض الله عبداً قال: يا جبريل! إني أبغض فلان ابن فلان فأبغضه، فيبغضه، ثم ينادي في السماء: يا أهل السماء! إن الله يبغض فلان ابن فلان فأبغضوه فيبغضونه، ويلقي له البغضاء في الأرض، فلا يراه عبد رباني مؤمن إلا أبغضه ) .فإذا عرفنا أن نعرف هل نحن محبوبون أم لا فلنسمع هذا البيان: يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن استنصرني لأنصرنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روحه، يكره الموت وأكره مساءته ).إذا كنت لا تستطيع أن تسمع كلمة فيها سخط الله فاعلم أنك مشيت في الطريق الصحيح! إذا كنت لا تستطيع أن تجلس مجلساً تسمع فيه كلاماً باطلاً فتقوم فاعلم أنك مشيت في الطريق الصحيح! إذا كنت لا تستطيع أن تسمع صوت عاهرة تغني أبداً، يمزق قلبك وما تستطيع فاعلم أنك مشيت في الطريق الصحيح! إذا كنت لا تستطيع أن ترتاح لسماع غيبة أو نميمة أو كذب أو خرافة أبداً ولا تطيقه؛ فذلك لأن سمعك ملكه الله، فلا يستخدمه ضده. وإذا أصبحت لا تقوى على أن تنظر إلى شيء منع الله النظر إليه.. امرأة أجنبية، أمرداً، صورة، تمثالاً.. فاعلم أنك قبلت. ويدك وأنت البطل الذي تبطش بالفارس وتضرب به الأرض إذا أصبحت لا تستطيع أن تمدها لتلطم مؤمناً في خده أو لتتناول شعرة من جلده وكأن يدك ما تقوى على شيء، فلأن الله ملكها فلا يستخدمها في غير رضاه. رجلك.. كنت أيام عداوة الله تمشي أربعين كيلو لتغني وتزمر معاهم، بل تمشي ألف كيلو إلى مكة، ولما هبطت ما تستطيع تمشي ولا شبراً واحداً إلى المسجد إذا قبلت كنت تمشي أربعين كيلو إلى المعصية، والآن تمشي ألف كيلو إلى الطاعة، تصبح رجلك والله ما تستطيع أن تمشي خطوة واحدة في سخط الله، ما تقدر، لو تدعى إلى معصية عشر خطوات لا تستطيع، كأنك مشلول؛ لأن الله ملك هذه الحواس، فقال: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) إذا شعرت بهذا فتعال أصافحك فأنت محبوب. ويبقى بعد ذلك العطايا الإلهية ما سألته إلا أعطاك، ولا استعذته إلا أعاذك، ولا طلبت نصرته إلا نصرك، فكيف وهو وليك وأنت وليه؟ أنتم أولياء الله حرام أن نسبكم.. أن نشتمكم.. أن نأكل أموالكم.. أن نفجر بأعراضكم.. أن نهينكم.. أن نذلكم؛ لأنكم أولياء الله. والله تعالى أسأل أن يزيدنا نوراً وعلماً وبصيرة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #149
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (7)
    الحلقة (148)




    تفسير سورة آل عمران (15)

    عداوة إبليس لآدم عليه السلام وذريته لا تنتهي إلا بانتهاء الدنيا، ودخول آدم والمؤمنين الجنة، ودخول إبليس ومن تبعه من الخلق النار، وقد ذكر الله قصة هذه العداوة في كتابه العزيز، محذراً عباده من اتباع خطوات الشيطان، ومذكراً إياهم بمكره بآدم وحواء ليخرجهما من الجنة، حسداً منه لهما ولذريتهما من المؤمنين من بعدهما.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقد تم لنا هذا الموعود، فقف يا عبد الله وانظر إلى هؤلاء المؤمنين في هذه الحلقة فإنك تشاهد السكينة، ولو كان هذا الاجتماع في غير هذا المكان لكنت تسمع اللغط، والقول، والكلام، والضحك، والالتفات، والقيام والقعود، فما لنا ساكنين؟ لأن السكينة نزلت، والرحمة غشيتنا في هذه الساعة، في هذه اللحظة، فلا شر ولا أذى ولا ظلم ولا، فأية رحمة أظهر من هذه؟!وأما الملائكة فيحفوننا، والله إنهم ليحفون بالحلقة ويطوفون بها ويستمعون الذكر وإن كنا لا نراهم لضعف أبصارنا، فلا قدرة لنا على رؤيتهم وإلا فهم يحفون بهذه الحلقة، وأما ذكر الله لنا في الملكوت الأعلى فهو ثابت بإذن الله وإن كنا لا نرى ولا نسمع، والحمد لله.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:34-37] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.

    الفرق بين المداهنة والمداراة
    هنا أضع بعض الأسئلة:الأول: ما الفرق بين المداهنة والمداراة؟ وما الممنوع منهما وما الجائز؟الجواب: المداهنة حرام؛ لأن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، والمداهنة: أن نتنازل عن شيء من ديننا لنحفظ به شيئاً من دنيانا والعياذ بالله. أما المداراة والمصانعة والمجاملة فهي: أن نتنازل عن شيء من دنيانا لنحفظ به شيئاً من ديننا، وهذا محمود.

    سبب تآمر المجوس واليهود والنصارى على أمة الإسلام
    السؤال الثاني وهو ذو أهمية: لماذا تآمر علينا الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، وقلبوا الأوضاع علينا فجعلوا أحياءنا أعداء لله وأمواتنا أولياء لله، وحصروا الولاية فيمن مات فقط فضربت على قبره القباب ووضعت التوابيت والأخشاب، وسيق إليه قطعان البقر والغنم، وحلف به وعظم وبجل كالله، وأما الأحياء فلا يوجد ولي فينا! حتى قال أحد المحشين على متن خليل بن إسحاق المالكي : من قال: أنا ولي فإنه يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة!وجواب ذلك: أن هذا أمر عظيم، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، ومعنى هذا: أيما قرية، أيما جماعة، أيما مؤمنون أو مؤمنات بلغهم هذا وعرفوه فقد انتهى الأذى من بينهم، فلا سب، ولا شتم، ولا تعيير، ولا تقبيح، ولا ضرب، ولا سلب.ومن يقدر على أن يؤذي ولي الله؟ لا نقدر؛ لأننا إذا آذينا ولي الله أعلن الله الحرب علينا، وانهزمنا وانكسرنا، بل وخسرنا؛ لأن الله يقول في هذا الحديث القدسي: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فلكي يأكل المؤمنون بعضهم بعضاً ويسخرون من بعضهم ويستهزئون ويأكلون أموالهم ويفجرون بنسائهم، فامرأة مؤمن يفجر بها مؤمن، وبنت مؤمن يفجر بها مؤمن؛ إذاً: نقول: لا ولي لله إلا من مات وبني على قبره ضريح، ووضعت التوابيت والأزر الحريرية عليه وعكف حوله النساء، وسيق إليه المرضى! ذاكم الولي، أما أنتم الأحياء فلا ولي فيكم، هذه هو قصد هؤلاء.

    صفات أولياء الله تعالى
    معشر المستمعين والمستمعات! من هم أولياء الله؟ الجواب: كل مؤمن تقي هو لله ولي، أبيض أو أسود، عربياً كان أو أعجمياً، غنياً أو فقيراً، شريفاً أو وضيعاً، كل مؤمن ومؤمنة اتقى الله عز وجل -أي: خافه- فلم يترك ما أوجب عليه ولم يرتكب ما حرم عليه؛ فهو ولي الله، ومن آذاه فقد أعلن الله تعالى الحرب عليه، وهل يفلح من أعلن الله الحرب عليه؟لا والله لا يفلح، فمن هنا كان مجتمعنا الإسلامي مجتمع الطهر والصفاء والعدل والمحبة والولاء، فلما عرف الأعداء هذا احتالوا علينا في عصور الظلمة والجهل، وهم الذين جهّلونا ومنعونا من أن نقول: قال الله، تعيش بين علماء لا يقول أحدهم: قال الله ولا قال رسول الله، بل قال الشيخ الفلاني، وقال سيدي فلان! فحرمونا حتى من ذكر الله.والقرآن هو الروح، تلك الروح التي -والله- لا حياة بدونها! القرآن حولوه إلى المقابر والمآتم وليالي البكاء، يقرأ على الموتى فقط، ولا يجتمع اثنان في ظل شجرة أو جدار ويقول أحدهما للثاني: أسمعني شيئاً من كلام الله.. اقرأ علي من كلام ربي شيئاً. لن يكون هذا أبداً! وزادوا المحنة الأخيرة التي ذكرنا، وهي: من قال: أنا ولي فإنه يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة! إذاً: هل أقول: أنا عدو الله! أعوذ بالله.الآن ما بقي من السامعين والسامعات من يؤذي أحداً منا بنظرة ولا بكلمة نابية، ولا بسلب مال وإن قل، ولا ولا بهتك عرض وإن صغر، لأننا أولياء الله، والله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).عند باب المنزل جاءني شاب يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: أنا حارس هذا المنزل، فإذا جاء الرجل بسيارة قلت له: ضع السيارة هكذا، فأول كلمة يقولها لي: ما هو بحق أبيك، من أنت! ويسبونني، فهل هؤلاء مؤمنون؟ أهذا هو الولاء يتركون المؤمن يبكي؟معاشر المستمعين! أعود فأقول: من هو ولي الله؟ هل سيدي عبد القادر ؟ لقد عايشناه وعاصرناه، عرفنا عنه، مولاي إدريس عرفنا عنه، سيدي العيدروس، البدوي، سيدي أحمد التجاني.. عرفنا أنهم أولياء؟ فكيف عرفنا؟ لقد عرفنا ما لا ينبغي أن يعرف، وجهلنا ما يجب أن يعلم ويعرف.أولياء الله هم المؤمنون والمؤمنات الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويحلون ما أحل الله، ويحرمون ما حرم الله، كل مؤمن تقي هو لله ولي، فمن هنا لا غيبة، لا نميمة، لا كذب، لا خيانة في مجتمعنا الإيماني مجتمع أولياء الله، على هذا نحيا وعليه إن شاء الله نموت.

    سبيل تحقيق ولاية الله تعالى
    كيف نحصل على ولاية الله؟ نحصل على ذلك بإيمان وتقوى؛ إذ قال تعالى في تقرير هذه الحقيقة التي جهلها ملايين من المسلمين، قال تعالى من سورة يونس: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وكأن سائلاً يقول: من هم أولياؤك يا رب الذين لا خوف عليهم ولا حزن؟ فيجيب تعالى بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] أولئك أولياء الله لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، لا يموت أحدهم حتى يبشر بالجنة، برؤيا صالحة يراها أو ترى له.

    الاتباع سبيل الفوز بمحبة الله تعالى
    نعود إلى نتائج وعبر وهداية الآيتين اللتين شرحناهما بالأمس، وهما قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31-32].تذكرون أن وفد نجران النصراني لما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة النبوية وجاء يجادل، وادعوا أنهم ما ألهوا عيسى وأمه إلا من أجل أن يحصلوا على حب الله! يقولون: عظمنا مريم أم عيسى، وعظمنا عيسى إلى حد التقديس والتجليل والإكبار والعبادة، من أجل أن نحصل على حب ربنا عز وجل!قالوا: ما عبدناهما لذاتهما، ولكن من أجل أن يحبنا الله ربنا وربهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية يقول فيها لرسوله: يا رسولنا! قل لهم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، ومعنى هذا: إن كنت تحب الله والله لا يحبك فماذا استفدت إلا الحزن والكرب والألم، أنت تحب الله وهو لا يحبك، فماذا استفدت يا محب سوى الكرب والهم والحزن؟ إذ ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تُحب.يا عقلاء! أليس الشأن أن تُحَب لا أن تَحِب، فما دمتم تريدون أن يحبكم الله فحبه لا يأتيكم من طريق عبادة غيره وتأليه مخلوقاته، وأنا أرشدكم إلى الطريق الذي يصل بكم إلى أن يحبكم الله، فتسعدوا بحبه وتكملوا، ألا وإنه اتباع رسوله النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، اتبعوه يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، هذه من اليقينيات، وهل يتم حب للعبد من الله بدون أن يمشي وراء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؟ والله ما ظفر به ولا حصل عليه أبداً.معشر المستمعين والمستمعات! من أراد أن يظفر بحب الله تعالى له فليمش وراء رسوله، يرفع رجله كما يرفعها رسول الله ويضعها كما يضعها رسول الله، ويتناول اللقمة كما يتناولها رسول الله، ويركب ويهبط على نهج رسول الله، وينام ويستيقظ على نهج رسول الله، ويقضي ويحكم بما حكم وقضى به رسول الله، هذا الذي يظفر بحب الله، ومن طلب حباً لله من غير هذا المسلك فوالله ما ظفر به ولا حاز عليه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقد شرحنا هذا الموضوع.

    سر جلب اتباع رسول الله محبة الله تعالى للعبد
    كيف كان اتباع رسول الله يجلب حب الله ويحققه للعبد؟ ما السر في هذه القضية؟إن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه العقائد والعبادات والآداب والأخلاق من شأنها أن تزكي نفس العبد وتطهر روحه، فإذا زكت روح العبد وطابت وطهرت أحبه الله؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيبين، وقد أصدر حكمه على الخليقة كلها بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه. وتزكية النفس تتم بماذا؟ هل بالماء والصابون؟! يا عبد الله! بم تزكي نفسك؟ زكها بهذه العبادات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدها كما بينها فتنتج بحمد الله زكاة نفسك، وتطيب روحك، وتصبح بين الصالحين طاهر النفس، ويدل على ذلك أنه لا خبث ولا تلوث ولا ظلم، ولا شر ولا فساد؛ لأن النفس طابت وطهرت، فكل ظلم وخبث وشر ناتج عن خبث النفس أولاً. وقد رمز إلى هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )، فمحط الطهر والزكاة في القلب والقلب مقر النفس.إذاً: متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في الخراءة، تبول كما كان يبول رسول الله، تتابعه في كل شيء، فهذه المتابعة تنتج للعبد المتابع بصدق زكاة روحه وطهارتها، ويومها يحبه الله عز وجل، ويصبح من أحباء الله، ومن أحبه الله أسعده والله وما أشقاه؛ إذ كيف يشقي أولياءه؟!
    قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات
    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات] أي: نتائج هاتين الآيتين [ من هداية الآيات: أولاً: محبة العبد للرب تعالى واجبة وإيمان ]، محبتنا نحن لله واجبة علينا، وإنسان لا يحب سيده ملعون يقطع رأسه، فمولاك وسيدك لا تحبه! كيف ذلك وهو يغدق عليك نعمه الليل والنهار؟! فحب الله فريضة على كل مؤمن ومؤمنة. [ محبة العبد للرب تعالى واجبة وإيمان؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني بحب الله ) ]، أحبوا الله أيها المؤمنون لما يغدق عليكم من الطعام والشراب والأمن والصحة والعافية، وكيف تنسى هذا الإنعام ولا تحب صاحبه؟وقد قلت لكم غير مرة: إذا خلوت بنفسك فضع رأسك بين ركبتيك وتذكر ما أنعم الله به عليك، فلا تلبث لحظات إلا وعيناك تذرفان الدموع وجسدك يرتعد وأنت في شوق إلى الله وحب له، والذي يعيش السنين العديدة ما يذكر لله نعمة كيف يحبه؟ مع أن طبعك يا ابن آدم أنك تعطى كأس اللبن أو الماء فقط وأنت في حاجة إليه فتحب من أعطاك وتثني عليه وتذكره بخير، والذي يغدق عليك نعمه كل لحظة تنساه ولا تحبه؟!والعلة هي الجهل، ما عرفنا الطريق إلى الله، أبعدونا عنه، وإلا فهذا الحديث الصحيح كافٍ شافٍ، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني أنا بحب الله )، ألستُ رسوله؟ ألست نبيه؟ ألست المبلغ عنه؟ فكيف لا تحبونني؟ أحبوني بحب الله عز وجل، إذا أحببتم سيدكم ومولاكم فأحبوا من يحبه هو، وهذا هو الحب الصحيح: أن نحب ما يحب ربنا ونكره ما يكره.قال: [ ثانياً: محبة الله تعالى للعبد هي غاية ما يسعى إليه أولو العلم في هذه الحياة ]، حب الله غاية نعمل الليل والنهار من أجل أن نفوز بها، أن نصبح من أحباء الله. وقد ادعى اليهود هذه وادعاها النصارى وما فازوا بها، إذ قال تعالى عنهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18]، العبرة بما قبل هذه الدعوى؛ إذ محبة الله تنتج طاعة الله الكاملة، ومن ادعى حب الله وهو لا يطيعه فهو كاذب لا تصدقوه في دعواه، وقديماً قال الحكيم:تعصي الإله وأنت تزعم حبههذا لعمري في القياس بديعلو كان حبك صادقاً لأطعتهإن المحب لمن يحب مطيعفهيا نعمل على أن نمسي أحباء لله بالنية، عزمنا على ألا نعصي ربنا، فنحن أولياؤه، ونمتحن بأوليائه، إياك أن يراك الله الليل أو غداً تؤذي مؤمناً أو مؤمنة ولو بكلمة! انتبه! أولياء الله يحميهم الله، وأولياؤه يحمونهم أيضاً. [ ثالثاً: طريق الحصول على محبة الله تعالى للعبد هو اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان بما جاء به، وباتباع شرعه وطاعته في المنشط والمكره، لقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، إذ ليس الشأن أن تُحِب وإنما الشأن أن تُحَب ].وقصة مجنون ليلى معروفة، فـمجنون ليلى تائه في الصحاري والأودية والجبال من حب ليلى وهي تكرهه، فماذا استفاد؟ الفائدة: أنك تُحَب لا أن تُحِب فقط، فمن أراد منا أن يحبه الرحمن فليطهر نفسه فقط من أدران الذنوب وأوضارها بالبكاء والتوبة بين يديه فيصبح محبوباً لله.وبقيت زهرة اقتطفناها، وقلنا: هي خير من خمسين ألف ريالاً، حيث قلنا: من منا يعرف أنه محبوب لله؟ لو يجتمع أهل الدنيا والسماء غير الله لا يستطيعون أن يعطوك الجواب، فكيف تعرف أنك محبوب؟ لكن الله عز وجل علمنا، فمن أراد أن يعرف أنه محبوب لله فإنه يعرف، كما في حديث أبي هريرة : ( من عادى لي ولياً )، فقد قال فيه: ( وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل ) بعد الفرائض قطعاً، وما يزال يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام ( حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ). قلت: إذا أصبحت يا أمة الله لا تطيقي أن تسمعي كلمة سوء فاعلمي أنك قبلتِ! وأنت يا عبد الله إذا أصبحت لا تستطيع أن تسمع كلمة من كلمات السوء فكذلك، ابدأ بالأغاني وانته بالغيبة وسب الناس، إذا أصبحت لا تستطيع ولا تقدر على ذلك فاعلم أن سمعك قد ملكه الله فهو لا يستخدمه ضده أبداً، ولا يستخدمه إلا في رضاه.ثانياً: إذا أصبحت لا تستطيع أن تملأ عينيك نظراً إلى ما حرم الله عليك فاعلم أنك قبلت وأنك محبوب، فإن أصحبت تملأ عينيك وتنظر إلى النساء غاديات رائحات مكشوفات ومستورات وتجد لذاذة في ذلك فوالله ما قبلت، وبصرك يستخدمه الشيطان لا الرحمن، فما هو ملك لك الآن! إن أصبحت تشعر كأن اللهب والنار في وجهك لا تقوى على أن تنظر فاعلم أن بصرك مملوك لله، ولا يستخدمه إلا فيما يرضيه ويحبه.أيضاً: يدك التي تبطش بها بطشاً، تختطف الرجل من على صهوة جواده، هذه اليد إذا أصبحت لا تستطيع أن تمدها لتأخذ إبرة من مال مؤمن حرمه الله عليك فاعلم أنها مملوكة لله، ما تقدر أن تلطم بها جسم المؤمن؛ لأنه ولي الله وأنت وليه، فلا تقدر أبداً أن تؤذي بها مؤمناً أو مؤمنة.إذاً: أصبحت اليد ليست لك بل ملكها الله، فهو لا يستخدمها إلا في رضاه، فتستطيع أن تستخدمها وتصفع عدو الله من الكافرين أو الفساق أو الفجار وأنت كالأسد، لكن كونك تنال بها سوءاً من مؤمن أو مؤمنة لا تستطيع، كأنك ألين الناس وأرقهم وأجبنهم.وكذلك رجلك، تستطيع أن تمشي إلى مكة بها حافياً، تمشي بها إلى أبعد المساجد، تمشي بها إلى أبعد المزارات كالأقرباء والمرضى ومن إليهم، وتعجز أن تخطو خطوة واحدة في معصية الله، لا تقدر أبداً، فهنا اعلم أنك ولي الله محبوب له، فزت بحب الله.والمرحلة الثانية: إن سألته أعطاك، والله لا يخيبك، اللهم إلا أن تسأل شيئاً ليس لك فيه خير، فيصرفه عنك ولا يعطيكه ويعطيك عوضه فوق ما تتصور: ( ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )، آمنا بالله! العبد يكره الموت والله يكره إن يسيء إلى عبده، ولكن لابد منه! هذا هو الحبيب، هذا الرحمن الرحيم، أحبوه بما يغذوكم من النعم يحببكم.قال: [ رابعاً: دعوى محبة الله ورسوله مع مخالفة أمرهما ونهيهما دعوى باطلة، وصاحبها خاسر لا محالة ].

    تفسير قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)
    الآن مع هذه الآية العجيبة العظيمة، واسمعوا هذا الإعلان وهذا الخبر، وأنتم تعرفون الأخبار وأخبار لندن تهتزون لها، ولكن هذه أخبار الله التي كلها صدق ومحال أن يصاحبها غير الصدق. اسمع هذا الإعلان: قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33]، من أخبر بهذا الخبر؟ إنه الله. وكيف وصلنا هذا؟ من طريق كتابه ورسوله، كتابه الذي أنزله، ورسوله بينه لنا وعلمناه. ‏

    بيان ما يسلكه المنحرفون من تحريف الألفاظ القرآنية عن مواضعها
    إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33]، ومن هو آدم؟ يقول بعضهم: هو السيد أحمد التجاني ! كيف تقول هذا؟ يقول: لأي فائدة يذكر آدم، المراد سيدي أحمد التجاني ! يقول بعضهم مثل هذا لما أعلمناكم من أنهم يحرفون كلام الله، وسبقهم إلى هذا اليهود والنصارى، لا يتركون صفة على حقيقتها أبداً إلا ويؤولون ويحرفون ليبقى الظلام وتبقى الأمة في جهالتها ويسودونها.وها هو السيد واقف يجادلني، قال: كيف تقول في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام:74]: إنه أبوه، هذا عمه! قلت: الله يقول: أبوه، وأنت تقول: عمه! قال: نعم. وشاعت عند المفسرين ، فلِم هذا؟ ما حملني على هذا؟ الله يقول: أبوه، وتقول: لا، قل: عمه! كيف هذا؟ قالوا: هذا جار على لسان لغة العرب، يطلقون العم على الأب، والأب على العم!قلنا له: يا بني! هذه القضية درسناها وعرفناها، من أراد أن يظهر في مظهر عال ويسمو في درجة ليكون الناس دونه فإنه يفتري الكذب ليقبل الناس عليه، لقد قال مفسر: الناس غالطون؛ ليس هذا بأبيه، هذا عمه، إذ كيف يدخل أبوه النار! فيفوز هذا العالم بهذه الشطحات يلتقطها، يأتي بغرائب الألفاظ والمعاني ليظهر في المجتمع، وأحدثكم حديث علم: إن رغبة الآدمي في التفوق والعلو تحمله إذا انفصل عن ولاية الله على أن يفتري ويكذب على الله.

    تحريف الشيعة ومخالفتهم النصوص الثابتة
    والروافض الشيعة تعرفون عنهم، قالوا: أبو طالب في الجنة، فهو عم الرسول، فكيف يدخل النار؟ ويعلمون هذا نساءهم وأطفالهم: أبو طالب في الجنة! أبو الرسول في الجنة، أم الرسول في الجنة، لِم؟ لأن أهل الحق أهل السنة والجماعة المؤمنون بعلم يعرفون أن أبا الرسول في النار، الرسول أخبر بهذا، قال للرجل: ( أبي وأبوك في النار ) ، وأن أبا طالب في النار، أخبر رسول الله عنه، قال: ( إنه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه )، إذ عرض عليه كلمة التوحيد وهو على سرير الموت فرفض، وقال: هو على ملة عبد المطلب ، فمات على الكفر.إذاً: لكي يفارقون جماعة المسلمين ليعملوا على إعادة مملكة الساسانيين ومجدهم وتاجهم لا بد أن يضعوا في كل مسألة فاصلاً بيننا أهل السنة وبينهم، تتبعناهم فوجدنا كل عبادة فيها فاصل، حتى النكاح، فهم يتناكحون بنكاح المتعة، وأهل السنة والجماعة أعلمهم رسول الله بحرمة هذا النكاح وأعلن هذا في مكة، وأعلنه عمر ، إذاً: لكي ينفصلوا ويتكتلوا وحدهم تزوجوا بنكاح في المتعة حتى في المدينة.فلا توجد عبادة بدون فاصل، يقولون: حتى نخرج من دائرة أهل السنة والجماعة علنا نعود من جديد إلى مملكتنا ودولتنا، هذه هي السياسة، فالوضوء يسمح فيه على رجله، وهل فيكم من يمسح في الوضوء على رجله ويعتبره غسلها، وأنه أطاع الله؟فلا توجد عبادة إلا ووضع أئمتهم فاصلاً لها، هل خوفاً من الله؟ والله ما هو من ذلك، هل رغبة في الجنة؟ العلة: أن توجد تلك الأمة التي هدم عرشها عمر .إذاً: ما عساي أن أقول؟! إن العلماء من النصارى واليهود والمجوس والمسلمين عندما يتورطون في حب الجاه والمنصب يخترعون ويبتدعون ليتفوقوا ويظهروا، ومن جملة هذا اعتقادهم أن آزر هذا عم إبراهيم وليس بأبيه، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث بهذا عشرات المرات في القيامة وفي الدنيا، وقال: أبوه، فقالوا: لا. لا، أنت قل: عمه، ما السر؟ حتى لا نقول: أبوه في النار، نقول: في الجنة.

    العمل الصالح طريق الفوز والعمل السيئ سبيل الهلاك
    والنسب لا قيمة له بالمرة، كن ابن من شئت أو أباً لمن شئت، أو من قبيل أو عشيرة من شئت، فوالله لا عبرة عند الله بالنسب، أما قال تعالى: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، نكذب الله لنؤمن بقول فلان؟!وفي القرآن الكريم أن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين صالحين فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10].فأبو إبراهيم آزر كابن نوح كنعان ، هل نفعتهم الأبوة أو البنوة أو النسب؟ ما نفعت، ونحن عندنا الآن علم وبصيرة، فقد عرفنا أن دخول الجنة بزكاة أنفسنا وطهارة أرواحنا، لقد أقسم الجبار بأعظم إقسام: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] كم يميناً هذه؟ ثمانية. يقسم تعالى على النفس فيقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ [الشمس:9-10] وخسر مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، فهل بقي الآن كلام، هل بقي جدال أو خصومة؟ أيحلف الله ويقسم بأعظم أيمان وإقسامات ويقول: حكمنا بكذا، وتقول: لا! من يقول هذا القول؟ والله ما هي إلا رحمة الله، إن زكيت نفسك يا عبد الله بهذه المواد الطيبة الطاهرة المزكية فزت وإن كنت ابن فرعون، وإن أنت لوثتها وغفلت عنها وشغلتك الدنيا وشهواتها ومت وهي خبيثة فلن تفلح وإن دفنت في البقيع؛ لأن حكم الله صدر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فمن يراجع؟ هل بلغكم أن الله إذا حكم يعقب على حكمه في هيئة استئناف؟! لقد قال تعالى من سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، انتهى الأمر.

    ذكر ما فضل الله تعالى به آدم عليه السلام وحسد إبليس له
    ونعود إلى آدم عليه السلام، فآدم سمي آدم من الأدمة، والأدمة هو لون بين البياض الصقلبي الروسي وبين السواد، هذه الأدمة، هذا آدم، وهو مخلوق خلقه الله عز وجل من الطين، من التربة، وتخمرت فأصبحت حمأة، ثم يبست فأصبحت صلصالاً، ومن كرامات آدم: أن الله عز وجل خلقه بيديه عز وجل، لا صانع ولا ماء، وهل نعرف يدي الله؟ والله ما نعرفهما، ومستحيل أن نعرفهما، ومن نحن حتى نعرف ذات الله؟!نبينا موسى ما إن تجلى الله تعالى للجبل حتى أغمي عليه وصعق، فكيف تستطيع أن تنظر إلى الله وتعرف ذاته؟! فالله تعالى خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه، أول روح هي روح آدم من الله عز وجل.وتعرفون كيف أكرمه في دار السلام، وأوجد له عروسه، فزوجه ليست من طين، بل من لحمه ودمه، حواء جدتنا من أين خُلقت؟ من ضلع آدم الأيسر، خرجت وأحبها آدم، وسكن إليها وسكنت إليه، وهما في دار السلام ينعمان بالنعيم الدائم، وإذا بالعدو إبليس، والله ما زنى زانٍ ولا فجر فاجر، ولا كذب كاذب ولا سرق سارق، ولا قتل قاتل، ولا قال سوءاً قائل إلا بنزغته، فكل الشر الذي تشاهده هو علامة وجود إبليس، بعد هذا أيبقى عاقل يقول: أين هو؟ هذا الذي يتشحط في دمه من قتله؟ إنه إبليس، هذا العدو الأصيل.اغتم وكرب وحزن عندما قال تعالى للملائكة بعد أن خلق آدم: اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34]، أي: حيوه بتحية السجود، والركوع والسجود بمعنى واحد، فما كان منهم إلا أن قالوا: الله أكبر وسجدوا. وإبليس كنيته هي أبو مرة، فكل مرارة هو والدها! فحينئذ قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء:61]؟ قال الله تعالى له: اسجد، فقال: لا أسجد؛ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76]، قالت العلماء: أساء إبليس في القياس، فقياسه فاسد، ادعى أن النار خير من الطين وهذا خطأ، الطين ينبت البقلاوة والحلاوة والبر والنار ولا تنبت، تحرق كل شيء، فهذا القياس باطل، فلما أبى أبلسه الله وطرده فأخرج من دار السلام.إبليس هذا هو من عالم الجن، والعوالم الأربعة التي أصبحت معرفتها من الضروريات عندنا: عالم الجن، وعالم الملائكة، وعالم الإنس، وعالم الحيوانات، إذاً: إبليس من عالم الجن، وكان يعبد الله مع الملائكة، إذ الاتصال بين الجن والملائكة ثابت، فالجن مخلوقون من النار والملائكة من النور، وما الفرق بين النار والنور إلا أن هذه تحرق وهذه لا تحرق.

    مكر إبليس لإخراج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة
    إذاً: أخبر تعالى عن هذه الحقيقة بقوله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] أطاع، فأبلسه عز وجل وأيأسه.وازداد الكرب بعد الإبلاس والهم، وأراد الإغواء قبل وجود اللاسلكي، فالمؤمنون المحمديون يقولون: أخبر الله تعالى فقط، فلا بد أنه وقع، والجاهلون والمتخبطون قالوا: إبليس دخل في صورة أفعى، ومن يسمح لها أن تدخل الجنة؟ قالوا: بعدما أبلس وأخرج دخل بحيلة. ما هذه الحيلة، قالوا: دخل في صورة أفعى! ويقبل هذا المفسرون والعلماء!لأنهم أبوا أن يقولوا: آمنا بالله، حيث أخبر تعالى أنه اتصل بآدم وحواء في الجنة اتصالاً أراده الله، ولما عجزوا قالوا: دخل في صورة حية، فهل الجنة فيها حيات!والآن يوسوس باللاسلكي، خلق الله في قلب كل مؤمن محطة صالحة للتلقي والإرسال، واقرءوا: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:4-5]، المحطة الموجودة في صدر آدم وحواء، اتصل بهما إبليس بمحطته وراسلهما، وقال: هل أدلكما على شجرة في الجنة إذا أكلتما منها لن تموتا وستخلدا. فآدم تحرج وتردد، وحواء قالت: ها أنا آكل، فالنساء شجاعات إذا كنّ يدلين إلى الهاوية، قالت: ما بي شيء فكل أنت.ولهذا أنصح لكم ألا تستجيبوا لنسائكم إلا إذا كنّ ربانيات صالحات طاهرات، أول امرأة خانت في الدنيا حواء خانت أبانا آدم، أخبر بهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.فلما أكلا من الشجرة انكشفت سوأتهما، وقبل كانا مستورين بأنوار الله، ما يخطر ببالهما شيء اسمه فرج ولا شهوة ولا جسم أبداً، سبحان الله! كالطفل الرضيع، طفلك الرضيع هل يعرف شهوة أو لذة أو عورة؟ لا أبداً، غافل تماماً.فكذلك هما كانا في دار الخلد لا يشعران بشيء أبداً، ما إن زلت القدم وسقط الحجاب حتى تاها، أخذا يضعان ورق الشجر على فرجيهما بالفطرة: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122].قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33] متى؟ بعد أن تاب عليه وهدى، اجتباه، فنبأه وأضفى عليه من الكمالات، ليحمل رسالة الله ويبلغها إلى أبنائه وأبناء أبنائه وأحفاده، فكان ممن اصطفى الله آدم، مع أنه سبقت له زلة لكن تاب، و( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ، خذوا هذه القاعدة: من تاب من ذنبه أصبح كمن لا ذنب له، والتوبة: هي الإقلاع الفوري عن الزلة والاستغفار والبكاء والعزم على أن لا عود أبداً، فيمحى ذلك الأثر بإذن الله.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #150
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (8)
    الحلقة (149)




    تفسير سورة آل عمران (16)

    إن الله عز وجل يتفضل على من يشاء من عباده، وينعم على من يشاء من خلقه، ويختص بعض خلقه بالكرامات كما اختص آل عمران وفضلهم واصطفاهم على العالمين، وأكرم مريم بنت عمران فجعل لها ولداً من غير زوج، واختص هذا الولد بالرسالة والنبوة، كما أكرم زكريا عليه السلام بأن وهبه على الكبر يحيى، وجعله سيداً وحصوراً ونبياً كأبيه، فضلاً منه ونعمة والله ذو الفضل العظيم.

    تابع تفسير قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ...)
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.وها نحن مع سورة آل عمران ومع هذه الآيات المباركات الكريمات، والتي سبق أن تلوناها ولنتلها الآن ولنتأمل ولنتدبر ولنتفكر، ولنتذكر بما حملته من أنوار الهداية الإلهية عسى الله أن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:33-37].

    ذكر حادثة نزول آيات خبر عيسى وأمه وبيان عظيم دلالتها
    أعيد إلى أذهانكم -معاشر المستمعين والمستمعات- أن وفد نجران المكون من ستين فارساً جاء ليحاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى.ونبينا لا يعرف عن عيسى شيئاً ولا عن أمه ولا عن جدته، عربي في هذه الديار ما تنصر ولا تمجس ولا تهود، ولا قرأ ولا كتب، عاش في مكة.إذاً: هنا أنتم تجادلونني في شأن عيسى، اسمعوا أحدثكم عن جدة عيسى، لا عن عيسى بالذات وأمه، أحدثكم عن جدة عيسى، وبذلك أنا أعلم منكم، وما تحملونه من علوم علوم باطلة مزيفة كلها افتراءات وكذب، استحوا خيراً لكم واخجلوا. وبالفعل ذابوا، من أين لمحمد العربي الأمي أن يحدثهم عن جدة عيسى لا عن عيسى، وعن ولادتها وكفالة ابنتها؟ ومن ثم يقول الله تعالى له: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]. ما يسعنا يا عقلاء إلا أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

    مكانة آدم عليه السلام في اصطفاء الله تعالى له
    اسمعوا هذا الخبر الإلهي العظيم، يقول تعالى مخبراً معلماً: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33]. وقد عرفنا الاصطفاء: الاختيار، الاجتباء، الانتقاء، أخذ الصفوة، آدم أبو البشر اصطفاه الله بإفضالات وإنعامات لا يقادر قدرها، وكيف وقد خلقه تعالى بيديه من طين لازب، من حمأ مسنون، ونفخ فيه من روحه عز وجل، ثم أسجد له ملائكته، الملائكة النورانيون، يصدر أمر الله خالقهم إليهم بأن يسجدوا لآدم فيسجدون، ومن تمرد ورفض لم يكن إلا فردا واحدا، ألا وهو إبليس، فقد أبلسه الله من رحمته وأيأسه من الخير، ومسحه مسحاً من كل كمال من كمال الإنس أو الجن. اصطفى آدم، وقد عرفتم كيف فتنه إبليس، وكيف اتصل به، وكان سبب إخراجه من دار السلام وهبوطه إلى الأرض دار البلاء والشقاء: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [الأعراف:20]، وقد أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: أن حواء هي التي غررت بزوجها، هي التي بادرت بالأكل من الشجرة، وقالت: انظر آدم ما أصابني شيء. ولنترك هذا، وحسبنا أننا من ذريتهما نعاني الآلام والأتعاب والمحن في دار البلاء والشقاء، آه لو بقينا هناك.وتذكرون حجاج موسى مع آدم، قال موسى الكليم: ( يا آدم! أنت أخرجتنا من الجنة -يلومه- فقال له آدم: أتلومني على شيء كتب عليّ قبل أن أخلق بخمسين ألف سنة؟! فحج آدم موسى ) شاء الله هذا، وقد درسنا وعرفنا يا أهل العلم: أن سر الحياة وعلة الوجود كله أن يذكر الله ويشكر، علة الوجود، سر الحياة بكاملها، بعبارة أوضح: ما علة وجود النار والجنة والسماوات والأرضين، وما أوجد الله فيهما، ما السر؟ أراد الله أن يذكر ويشكر، فخلق هذا الكون وأوجدنا ليسمع ذكرنا ويرى شكرنا، وإلا فإنه يغضب علينا ويسخط ويردينا ويخسرنا في عالم لا نرى فيه طعم الحياة أبداً.

    إفضال الله تعالى على نوح عليه السلام وآل إبراهيم وآل عمران باصطفائهم
    إذاً: تدبير الله عز وجل، اصطفى آدم واصطفى نوحاً، ونوح من آيات الاصطفاء له: أنه بعثه وأرسله في أمة لا تعرف الله، يعيشون على عبادة الأوثان والأصنام، ومن آلهتهم التي عرفناها ما جاء في سورته عليه السلام، إذ قالوا: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، اثبتوا على عبادة آلهتكم، ولا تسمعوا لهذا الرجل ما يقول.ومن آيات إفضال الله عليه: أن استجاب دعوته في الكافرين فأغرقهم أجمعين: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:26-27]، فأغرق الله البشرية كلها إلا نوحاً ونيفاً وثمانين رجلاً وامرأة، وهم المؤمنون، حملهم في سفينة كان جبريل يعلمه صنعها، فلما نزلت السماء وفاضت الأرض فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12]؛ حمل نوح أهله في السفينة، وابنه وامرأته هلكا معاً.نوح عاش ألف سنة، هذا اجتباء الله واختياره أم لا؟ عمر تسعمائة وخمسين وهو يدعو إلى الله، ونبئ في الأربعين، وحسبه أن من جاء من الأنبياء والرسل من بعده من ذريته، هذا اجتباء واصطفاء الله لنوح، واصطفى آل إبراهيم. من أين لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يحدث علماء النصارى بهذه العلوم والمعارف؟ وآل إبراهيم: ذريته وأتباعه على التوحيد إلى اليوم، أول ذريته إسماعيل، ثم إسحاق ثم أولاده إلى خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم.محمد من آل إبراهيم أم لا؟ من آل إبراهيم، فمنهم الأنبياء والرسل بالألوف، اجتباء الله واختياره لهم، واجتبى آل عمران، وعمران هذا رجل صالح من صلحاء بني إسرائيل، وذريته أهله، حنة امرأته، مريم ابنته، عيسى حفيده، وكل مؤمن صالح من آل عمران في ذلك الزمن.

    معنى قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
    ثم قال تعالى بعدما أخبر عمن اصطفاهم واجتباهم واختارهم، وأهلهم للكمالات الروحية، قال: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:34]، يطلق لفظ (الذرية) على الآباء والأولاد، نحن ذرية آدم أم لا؟ وهكذا.هؤلاء الذين اجتباهم ذرية بعضهم من بعض على سمت واحد، على نمط واحد في الإيمان وسلامة القلوب وزكاة الأرواح والعمل الصالح كأنهم جسم واحد: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:34]. وَاللَّهُ سَمِيعٌ [آل عمران:34] لأقوال من يقولون، بل لحركات ما تحرك في الكون، الله عز وجل يسمع كل شيء حتى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.(سميع) وإن أردت أن تعرف سمع الله؛ فهذه الأسماع من خلقها؟ من وهبها؟ من أعطاها؟ أيهبها ويخلقها ويكون أقل منها أو دونها؟ يجب أن يكون لا شبيه لسمعه أبداً، أسماع الخلائق محدودة، سواء أسماع الملائكة أو الجن أو البشر، أما الله عز وجل فسميع لكل حركة في العالمين. عَلِيمٌ [آل عمران:34] لا يجهل شيئاً، لا يخفى عنه شيء من الذرة إلى المجرة، من حملة العرش إلى ملك الموت إلى هذه الخليقة والبشرية: سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:34] سميع بـحنة ، وعليم بحالها.

    تفسير قوله تعالى: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني ...)
    ولنبدأ القصة: قال تعالى: قال تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35].

    ذكر قصة امرأة عمران ورغبتها في الولد ودلالتها على عظيم قدرة الله تعالى
    قوله: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:35] وهي حنة بنت رجل من بني إسرائيل تزوجها عمران ، وكانت لا تلد، والآن يوجد بيننا من يقول: يا شيخ ادع الله لنا أن يرزقنا ولداً. امرأته عقيم وعاقر ما تلد.وحنت إلى الولد وتاقت نفسها واشتاقت والتهب ذاك الشوق لما رأت عصفوراً يزق أفراخه في حديقتها، عصفور يأتي بالطعام أو الماء إلى عش ووكر أولاده أفراخه، ويفتح الفرخ فاه، ويصب فيه العصفور الطعام والشراب، من علم الطير هذا؟ إنه الله تعالى.فليتكلم البلاشفة الحمر والملاحدة الشيوعيون، أهي الطبيعة؟! يا عميان ما هي الطبيعة؟ الطبيعة ذات عقل، ذات إرادة، ذات قدرات، ذات معارف؟! لا.. لا، ما هي؟ تفاعلات كيماوية، هذه هي الطبيعة! وفضحهم الله، انعقد مؤتمر للبلاشفة وحضره علماء الحق، وناقشوهم، وهذه ما بلغت العرب الذين ما زالوا يحبون الشيوعية.ناقشوه ، وأخيراً لما هزموهم قالوا: اسمعوا: إذا لم نقل الطبيعة نقول: الله؟ إذا قلنا: الله قلتم: صلوا، فلن نقولها إذاً، وانكشفت عوراتهم، وتمزقت أوصالهم، والله ما جحدوا وجود الله إلا هروباً من أن يستقيموا على منهج الله، على أن يحلوا ما أحل الله ويحرموا ما حرم الله، أعرفتم هذه الحقيقة أو تشكون فيها؟إن الشمس أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، فهل الطبيعة تكوكب هذا الكوكب النهاري، وتحشوه بالنار الملتهبة، ويعيش القرون العديدة؟ هل الطبيعة تفعل هذا؟ أية طبيعة هذه؟ عمياء، صماء، بكماء، لا عقل لها كيف تبدع وتتفنن؟! وعباد الهوى والشهوات والفروج يجرون وراء هذا حتى لا يعبدوا الله فقط.وإلا فنقول له وهو في بهو جامعة موسكو منبت الإلحاد: قف. يقف، نقول: أنت موجود أو غير موجود؟ فإن قال: غير موجود وأنكر وجوده قلنا: أخرجوه، هذا مجنون، وإن قال: موجود - اسم مفعول - قلنا: من أوجدك؟ هاه لا أدري، إذاً: أوجدك الله يا هذا، أنت ما تعرف؟ تعلم، أوجدك موجد الكون كله، الله جل جلاله، أنت تعرف هذا ولكن تنكر لا تريد أن تعبد الله.

    منشأ رغبة امرأة عمران والسبب الداعي لتمني حصول الولد
    إذاً: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:35] هذه المرأة الصالحة كانت لا تلد وتاقت نفسها وجاش صدرها، لما شاهدت العصفور يغذي أفراخه، رفعت يديها إلى ربها، وقالت: ربّ هب لي من لدنك ذرية، هب لي من لدنك ولداً وأجعله لك، حتى أشعر بالغبطة والسرور والفرح وأنا لا أنتفع به أبداً، نذرته لك يعبدك ولا أستأنس به ولا يخدمني أبداً، المهم أن تطيب نفسي، وأن أحمل ولداً وألد. واستجاب الله لها، وحملت، وقبل أن تلد مات بعلها رحمة الله عليه، وتركها حبلى، مات زوجها، وتمت أيام الحمل وجاء الطلق ووضعت، وإذا بها تضع أنثى، فتتألم لذلك وتتحسر، الأنثى كيف تخدم ربها؟ تريد أن هذا الولد يخدم بيت المقدس، يحرس، يدعو، يربي، ينظف.. كذا، ويعبد الله عز وجل، الأنثى ما تستطيع، محجوبة، هي قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] خالصاً لك، لا يعمل معي شيئاً، من ساعة ولادته أعطيه غيري، حتى لا أستأنس حتى الأنس به.إذاً: وضعتها أنثى فقالت متحسرة متألمة: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ [آل عمران:36]، لا أنها تخبره وإنما تتحسر، تتأسف أنها فقدت تلك الأمنية، كانت تريد ذكراً يقوم بالعبادة في المسجد الأقصى، يعلم، يربي، يقوم، يحرس، أما الأنثى فما تستطيع. إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ [آل عمران:35] أي: يا ربّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] أي: خالصاً فَتَقَبَّلْ مِنِّي [آل عمران:35] هذا النذر إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35]، السميع لقولي العليم بحالي، إذاً: فتقبل مني.

    تفسير قوله تعالى: (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى...)
    قال تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]. ‏

    ذكر ما ورد على امرأة عمران بظهور المولود أنثى مع قصدها كونه ذكراً لخدمة بيت المقدس
    قوله: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا [آل عمران:36] ولدت، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ [آل عمران:36] أي: يا ربّ، إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى [آل عمران:36] فات الغرض، ما وصلت إلى الهدف، كنت أريده ولداً ذكراً يقوم بما يقوم به الرجال، أما المرأة ففي بيتها مقصورة على شغل المنزل، كيف تخدم الله في بيته؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، وهذا من قولها، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]؛ لأن الأنثى -كما عرفتم- يغمرها الحياء ويسترها، وتعيش في بيتها تنجب البنين والبنات وتربي الأولاد وتعبد الله عز وجل، ما هي بأهل لأن تجاهد ولا لأن تغرس ولا تحصد ولا تزرع ولا تبني، هكذا أوجدها الله لمهمة يعجز الرجال عنها، أم لا يعجزون؟ لو يجتمع الرجال كلهم والله ما أنجبوا ولداً ولا بنتاً، أو يستطيعون؟إذاً: فهذه الكثرة الكاثرة من أين تأتي؟ من بطون الأمهات أم لا؟ أي وظيفة أعظم من هذه؟ وأخرجوها للمصانع والمقاهي والملاعب، يستخدمونها ويقولون: هذا تشريف للمرأة! هم أذلوها وخانوها وأفقدوها كمالها، قالوا: هذه مساواة، ووالله إنها لمكرة اليهود وخديعتهم، وهم يعرفون هذا.إذاً: وليس الذكر كالأنثى فيما تقوم به هي وما يقوم به هو؟ وحنة تريد ولداً يخدم الله في بيت المقدس بيت الله: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، ومعنى مريم باللغة العربية الفصيحة: خادمة الله.مريم معناها: خادمة الله، كعبد الله، عبد الله ما هو خادم الله، ويقولون: ماري، يقولون ما شاءوا من لغات مضطربة وداخلها الزيادة والنقص، وحسبنا أن ينطق الله بهذا، لو جاءوا بألف كلمة ما نقبلها، عيسى جاءوا له بأسماء يتخبطون فيها، والله خالق عيسى وأمه قال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [الصف:6]، أقول: هذا يوجد في الأناجيل وعند اليهود، هذه الأسماء محرفة وفيها التقديم والتأخير والسين شين.. وما إلى ذلك، ولا قيمة لهذا، أم له قيمة؟ أيقول الله ونقبل قول فلان وفلانة، أين يُذهب بعقولنا.

    تسمية امرأة عمران ابنتها وتعويذها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم
    قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، تذكرون الحكاية هذه؟ درسناها أربعين سنة، نساؤنا، أمهاتنا، جداتنا، عرفنا هذا وتعرفونه وتجحدون، بمجرد ما يخرج الولد من بطن المرأة: هات الحديدة وضعيها عند رأسه حتى تعوذه من الجن! ما إن يوضع الولد حتى يقال: هات السكينة. ضعوها عند رأسه. هذه المحمدية المسلمة، وهذه اليهودية المؤمنة! انظر الفرق بين هؤلاء وهؤلاء، هذه قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، والمسلمة الجاهلة: هات الحديدة.. هات السكين ضعيه عند رأسه.إنه الجهل، فلِم نبقى جهالاً؟ أما عندنا نور الله، أما عندنا هداية رسول الله؟ نحن الذين رضينا بهذا الجهل. ويعلقون في عنق الولد خيطاً وفي رأسه حرزاً، وكأن الله لا يعرفونه، ما يسألون الله ولا يتوسلون إليه، لا إله إلا الله، صحيح هذا أو كذب؟ومن قال: ما ندري؛ نقول: هل حكمنا الشرق والغرب واستعمرونا أم لا؟ تنكرون هذا، كيف يستعمروننا ويستغلوننا ويستذلوننا؟ لو كنا كما أراد الله لنا فمستحيل ذلك، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] ، لكن هبطنا وأشركنا بالله، عبدنا كل شيء سوى الله عز وجل، عرفنا الكثير ولم نعرف الله، هذا وضع العالم الإسلامي في قرون الظلام من الثامن إلى أمس، ما ننكر هذه الحقائق. هذه الإسرائيلية امرأة رجل صالح، عالمة هذه، هذه نذرت ما في بطنها بعد الشوق والاحتراق إلى الحمل، لما حصل جعلته لله: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35]، لما حان الحين ووضعتها ووجدتها أنثى تأسفت وتحسرت؛ لأن الأمل فقد في كونها بنتا وليست بولد، ومع هذا لجأت إلى الله وقالت: ربّ إني أحصنها بك وأحصن ذريتها من الشيطان الرجيم، حتى لا يعبث بها الشيطان أو بولدها فيعبد سواك يا رب العالمين، عرفتم هذه التعويذة؟ واستجاب الله لـحنة فتقبلها ربها، استجاب الله لـحنة فحفظ ابنتها مريم ، وحفظ ابنها عيسى، إذ قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36] هي ما تدري، قالت: ممكن أن تلد بنتي هذه. وولدت عيسى.

    أثر تعويذ امرأة عمران ابنتها وذريتها على عيسى عليه السلام
    هذا أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع، يقول صلى الله عليه وسلم: ( ما من مولود ) بصيغة العموم: ( ما من مولود يولد إلا نخس الشيطان في خاصرته فيشهق، إلا ما كان من ابن مريم ) ، عيسى عليه السلام، ما من مولود بمجرد ما يسقط من فرج أمه قبل أن يقع على الأرض، يعلمه ليكون من أتباعه أو من تلامذته، كأنه طابع، ينخسه نخسة، فيشهق الولد، سمعتم هذا أو لا تعرفونه؟ اذهبوا إلى مستشفى الولادة ليعلموكم، ما إن يخرج حتى فيشهق ، لماذا ما زهق أيام كان في بطن أمه؟استجاب الله لهذه المؤمنة الربانية المرأة الصالحة حنة امرأة عمران : ( ما من مولود يولد إلا ينخس الشيطان في خاصرته فيشهق إلا عيسى بن مريم ).

    خبر طلب الخليقة من الأنبياء الشفاعة إلى الله تعالى لفصل القضاء ودلالته على امتناع ذرية مريم على الشيطان
    وإليكم برهنة أخرى ودليل قاطع من أبي القاسم، ما يقال هذا بالرأي ولا بالهوى:ساعة ما تكون البشرية كلها على صعيد واحد، تنتظر حكم الله فيها إما بالإنعام أو الإشقاء في عرصات القيامة وساحتها، ويطول الموقف، ويطول الزمان، واليوم طويل: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] والله العظيم خمسون ألف سنة! اليوم عند الله في أيامنا هذه بألف سنة، ألف سنة من أيامنا بيوم واحد فقط.الآن نحن أمة محمد لنا يوم ونصف عند الله، من يوم ما وجد نبينا ووجدنا معه إلى الآن يوم ونصف تقريباً فقط، ما كمل يوم ونصف: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]، نحن نعد بحساب هذا الكوكب الموجود في هذه القريبة منا.إذاً: فتأتي البشرية إلى آدم: يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا عند الله، يفصل بيننا وينهي هذا الموقوف، طال الوقوف. فيعتذر آدم، ويبعثهم إلى نوح فيعتذر نوح، يبعثهم نوح إلى إبراهيم فيعتذر، يبعثهم إلى موسى فيعتذر، يبعثهم إلى عيسى.محل الشاهد: أن آدم يقول: كيف أكلم ربي وقد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله، وأنا نهاني عن أكل شجرة فأكلت، ما عندي وجه أقابل به ربي.نوح يعتذر بهذه الدعوة العامة: أنا دعوت على البشرية كلها بالهلاك، وهذا عيب ما ينبغي، ما أستطيع أن أكلم ربي، أما قال: لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]؟اذهبوا إلى إبراهيم، إبراهيم قال: أنا كذبت ثلاث كذبات، كيف أكلم ربي؟ كم كذب إبراهيم؟ ثلاثا، نفضح أنفسنا أم لا؟ كم كذب شيخكم؟ والله ما أذكر أني كذبت كذبة، لكن لا شك أنني كذبت، هذه دهور، لكن على علم ما عندي، إذاً: ثلاث كذبات، استحى أن يخاطب الله عز وجل، وكذبات إبراهيم خير من صدقنا نحن، عرفتم أم لا؟ كذباته الثلاث خير من صدقنا؛ لأنه كذب لله لا لهواه ولا لدنياه، ولا لشهوة، كذب من أجل الله. قال لـسارة لما أمر الملك الظالم بإدخالها عليه: إن سألك فقولي أخي. حقاً هو أخوها، وقال: لا يوجد على الأرض إلا أنا وأنت، ولكن اعتبرها كذبة لأنها زوجته.الثانية: لما كاد لجماعة الأصنام وجلس، هيا لتخرج معنا عيد الفصح، نظر نظرة في النجوم وقال: إني سقيم، أنا مريض، تركوه، لما ذهبوا مال إلى أصنامهم وحطمها، هذه الكذبة لمن؟ لله أم لا؟الكذبة الثالثة: لما حاكموه وجاءوا به: قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:62-63]، يشير إلى أصبعه الكبيرة.إذاً: كسر بهواً كاملاً من الأصنام: فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ [الأنبياء:58]، ترك هذا الكبير الإله الأكبر عندهم! فلما جاء التحقيق قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:63]، قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ [الأنبياء:65]، إذاً: كيف تعبدونهم وهم لا ينطقون؟والشاهد عندنا: أن إبراهيم قال: ما أستطيع أن أكلم ربي وقد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله ولا بعده مثله، وقد كذبت، عليكم بموسى.يأتون موسى، وما ندري أيأتون في ساعة، في عام، في ألف سنة، يا موسى! أنت كليم الله، أنت رسول الله، اشفع لنا عند الله يقضي بيننا ويحكم فينا، ما أطاقوا الموقف حفاة عراة تغلي أدمغتهم، العرق إلى أفواههم، فيقول: وكيف أخاطب ربي وقد غضب، وأنا قتلت نفساً؟ هل قتله عمدا؟ لا أبداً، لا يؤاخذ عليه، مر باثنين يتقاتلان قبطي وإسرائيلي، فاستغاثه الإسرائيلي: تعال يا موسى. فجاء فضرب بجمع كفه فمات، وأعلن عن توبته: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]، ولكن يقول: عليكم بعيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فلا يذكر سيئة، ما يذكر خطيئة، ما عمل خطيئة، كيف؟ ما عاش ثلاثا وثلاثين سنة، بل عاش ستين سنة، سوف يكمل أيضاً ثلاثين أخرى هذه الأيام، تعرفون أم لا؟ والله ليأتين عيسى ويتمم عمره، يعيش كنبينا ثلاثا وستين سنة؟من أخبرنا بهذا الكلام يا أبناء الإسلام؟ رسول الله، ما هي بأحاديث حسان ولا ضعاف، أحاديث كالمتواترة من أنكرها يكفر، من أخبر رسولنا بهذا؟ لقد تلقاه من علم الله ووحيه، عيسى ما يذكر ذنباً قط، استجابة الله لجدته، انظر إلى هذه البركة، هذه المرأة الصالحة دعت دعوة استجابها الله في بنتها وفي ذريتها، عيسى عليه السلام ما أذنب ذنباً قط، محفوظ بحفظ الله؛ لأن الشيطان لا مجال له أبداً عنده؟ ما يقربه، وكيف حالنا نحن مع الشيطان، كل كذبة، كل سرقة، كل عمل سيء هو منه، لا يمكن أن يوجد عمل باطل على الأرض إلا بدعوة إبليس ودفعه، فمن قاومه ولجأ إلى الله في صدق واستعاذ به ولم يترك ذكر الله أبداً لا يقوى الشيطان عليه، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجه، تعرفون الفج أم لا؟ الشارع الواسع، أما الضيق فلا يمكن، الواسع لا يمشي معه فيه، يحترق، كيف حصل عمر على هذا؟ بطهارة روحه، ما أصبح الشيطان يجد مكاناً لأن يدخل فيه، تحرقه أنوار قلبه.إذاً: قالت عليها السلام: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، استجاب الله لها أم لا؟عيسى ما ذكر ذنباً، قال: ( عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا لها، أنا لها ) عندي موعد سابق، ما ذكر ذنباً ولا غيره، قال: أنا لها؛ لأن الله أعطاه هذا وعلمه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، هذا هو، يحمده عليه أهل الموقف أجمعون، (أنا لها)، قال: ( وآتي فأخر ساجداً تحت العرش فيلهمني ربي محامد أحمد الله بها، وأثني عليه بها، ولا أزال كذلك حتى يقول لي: يامحمد! ارفع رأسك، وسل تعط واشفع تشفع )، فصلوا عليه وسلموا تسليماً.اسمع الصديقة ، تقول لك: في ليلة شاتية من ليالي البرد في المدينة، أيام كان البرد له معناه، ما هناك مكيفات ومدفآت، قالت: ( التمست رسول الله في فراشه فلم أجده -في تلك الليلة الباردة المظلمة- فبحثت عنه فوجدته قد اغتسل بالماء البارد، وهو يصلي ويبكي ودموعه تسيل على الحصير، فقلت: أي رسول الله! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ! أفلا أكون عبداً شكوراً )، اسمع: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود:114-115] الآية، حتى قال له: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79]، التهجد إزالة الهجود وهو النوم والسكون، نافلة، عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، بعثه أم لا؟ هو هذا المقام يحمده عليه أهل الموقف كلهم، ثم يأخذ الله عز وجل في فصل القضاء فيكون الميزان والصحف تتطاير وأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.

    ذكر بعض ما يعاذ به الأطفال من التعويذات النبوية
    قالت: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].عرفتم بم نعوذ أطفالنا أم لا؟ بالصالحين؟ بتراب مولاي فلان؟ اسمعوا هذه التعويذة، عوَّذ بها إبراهيم إسماعيل وهو صغير، ووصلت إلى أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فعوَّذ بها الحسن والحسين ، ووصلتنا الآن فنعوذ بها أولاد المؤمنين، لكن لا أفتح الباب لكل واحد يأتي بابنه يقول: يا شيخ عوُّذه لي، نعم الآن كل واحد يأتي بالماء والشيخ يرقي، احفظوها وعوذوا بها أولادكم وأولاد المؤمنين: ( أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )، ضع يدك على رأس الغلام أو الفتاة: ( أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ) ثلاث مرات، يحفظ بإذن الله، (أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة) الهامة الحيوانات القاتلة، (ومن كل عين لامة)، أي عين هذه؟ عين الحسود التي تدخل الجمل القدر والرجل القبر.( أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ) قال: هذه عوذ بها إبراهيم إسماعيل، وهو يعوذ بها الحسن والحسين ، وعوذوا بها أنتم أولادكم وأولاد المؤمنين.هكذا ضع يدك اليمنى على رأس الغلام وقل: ( أعيذكَ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )، وإن كانت بنتاً: ( أعيذكِ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )؛ لأنك تخاطب أنثى: (أعيذكِ)، والولد: (أعيذكَ).وأما جمع مجموعة ليرقيهم مرة واحدة فلا، بل كل واحد تضع يدك وترقيه، هذه فكرة جديدة، بعض الطلبة يأتي بكذا إناء ويقرأ عليها مرة واحدة وينفث، أنا ما تطيب نفسي لهذه، كل واحد ترقيه على حدة.

    تفسير قوله تعالى: (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا...)
    قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].قوله: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ [آل عمران:37] تقبل مريم بِقَبُولٍ حَسَنٍ [آل عمران:37].أولاً: لما ولدتها لفتها في القماطة، والقماطة خرقة بيضاء نظيفة يلف فيها الولد قبلما يكون له ثوب ولا سروال، لفتها في قماطتها وبعثت بها إلى مجتمع صلحاء بني إسرائيل، قالت: هذه نذيرة الله ليس لي فيها شيء، وتنافس الصلحاء من يكفلها لا لأنها تدر عليه الرزق ويحصل على المال بل لإنها يتيمة أبوها مات ما ترك لها شيئاً، فمن يكفلها، تنازعوا كل يقول: أنا، يريد أن يظفر بهذه النذيرة؛ لأنها نذيرة الله لتتربى في بيته، فلما أخذها زكريا استأجر لها ظئراً سنتين على حسابه، استأجر لها مرضعاً عامين كاملين، هكذا يقول ابن عباس ، فلما أراد كل أن يأخذها قالوا: الحل الوحيد القرعة، والقرعة العوام يعرفونها في البدو والحضر وطلبة العلم يعرفونها، وهي: الاستهام، هاتوا أقلامكم، هات يا زكريا قلمك الذي تكتب به. هات يا فلان قلمك، هذه الأقلام ما هي أقلام أدبائنا اليوم ولا أقلام رجالات الصحافة.وقد عثرت اليوم على ورقة على قدر كفي في البيت، ووجدت فيها كاتباً صحافياً جزائرياً يقول: الشيخ الجزائري أثبتوا له التابعية وطرد.وذلك لأنهم لما قال الهابطون الروافض: يا سعودي يا يهودي، ركبنا السيارة، فطلع في السيارة مداح بالدف ومنشد يجمعون الفلوس بالأغاني، وهذه عادة قديمة ما زالت في بلاد العرب.. من مظاهر الهبوط عرفناها يتغنون بسب الملك سعود رحمة الله عليه بنسبته لليهود. أهذه أقلام الإيمان والإسلام؟ أهذه الأقلام لها قيمة؟ لا والله بل أقلام تكتب الباطل والكذب، ونحن أتباع محمد كما تعرفون لا نقول الكلمة حتى نزنها ونقدرها ونعرف أتنفع أم تضر، فإن كانت حقاً تنفع قلناها، وإن كانت تضر والله ما نقولها: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، حدثت بهذه الكلمة ففهموها على العكس وقالوا: الشيخ الجزائري طرد من المملكة وسحبت منه التابعية.. وجدتها في صحيفة. فأين يذهب بنا؟ صلحاء بني إسرائيل علماء ربانيون يتنازعون أيهم يكفل مريم؟ من يفوز بها؟ فلما تنازعوا فيها وكل رغب في أن تكون في بيته ألجأتهم الحال إلى الاقتراع، هاتوا أقلامكم.. وهل أقلامهم كانت تكتب الباطل.. تكتب الشر.. تدعو إلى الفجور إلى الكذب إلى الفتن؟ لا والله، صلحاء، ومن هنا جمعوها وقالوا: نطلقها قلماً بعد قلم، والقلم الذي يقف في الماء ولا يغرقه الماء ذاك الذي يفوز بها صاحبه. أخذوا الأقلام: ارم القلم يدحرجه الماء، ارم القلم يعبث به الماء في النهر، رموا بقلم زكريا فوقف، الله أكبر! خذها يا زكريا. من الذي كفله إياها؟ الله: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، قراءة سبعية: (وكفَلَها زكريا) أيضاً؛ لأن زكريا تحته خالتها أخت أمها، زكريا امرأته أخت حنة ، وهذا تدبير الله.

    معنى قوله تعالى: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً...)
    قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37].كبرت وارتفعت وأصبحت تأكل وتشرب وأصبحت تستطيع أن تعبد الله، بعد أربع أو خمس سنين ماذا يصنع زكريا وهي نذيرة لله، فما كان منه إلا أن وضعها في المحراب، المحراب عبارة عن مقصورة لاصقة بالمسجد وبابها مفتوح إلى المسجد ويصعدون إليها بدرجتين أو ثلاث، يتعدد فيها العباد، وضعها هناك تعبد الله عز وجل إذ هي لله لا يحل لها أن تكنس ولا أن تطبخ ولا أن تعطي، مهمتها أن تعبد الله عز وجل.فكان عليه السلام يأتيها بالطعام والشراب من بيته، يدخل عليها فيجد عندها فاكهة الصيف والشتاء، عجب، الآن اختلط الأمر وأصبحت الفواكه في كل وقت، هيأ الله أسبابها، قبل سبعين سنة لا يمكن أن تجد طعام الشتاء في الصيف.المهم: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37] تجيبه قائلة: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، كيف لك هذا؟ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، وتعلل فتقول: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].رأيت اليوم أحد المفسرين يحاول أن ينكر هذه الحقيقة، قلنا: هذا خبيب مسجون في مكة في بيت امرأة ينتظرون إعدامه خارج الحرم، فكانت المرأة تحلف بالله أنها كانت تجد عنده العنب في الشتاء يأكله، من أين هذا؟ ما هو بنبي، هذا خبيب .ويدل لهذا أن زكريا لما شاهد العجب قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38].كان يظن أن سنة الله ما تنخرق، ما دام شيخًا كبيرًا وامرأته عقيم وهو عاقر فما هناك ولد، ولما شاهد العجب: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].لما شاهد قال: إذاً لله تعالى أن يعطي ما يشاء، لا قيمة للسنن أبداً عند الله، يخرقها ويبطلها.ونترك هذا للدرس القادم إذا عشنا إن شاء الله.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #151
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (9)
    الحلقة (150)




    تفسير سورة آل عمران (17)

    كان زكريا نبياً من أنبياء الله امتد به العمر ولم يرزقه الله الذرية، وقد كان كفل مريم بنت عمران عليهما السلام ورباها في كنفه، ولما كان يرى الكرامات التي يحف بها الله مريم علم أنه ما من شيء يمنعه من سؤال الله أن يهبه ذرية صالحة، فقام في المحراب متوسلاً إلى الله رافعاً أكف الضراعة، فما برح أن بشرته الملائكة بأن الله وهبه يحيى وجعله سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سابق عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.أولاً: نسمعكم الآيات التي درسناها ثم نذكر هدايتها، وبعد ذلك ننتقل إلى درس اليوم.لنصغ ونستمع وسوف تلوح لكم أنوار تلك الهداية وتعرفون مصادرها من هذه الآيات التي هي كالكواكب النورانية، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:33-37].درسنا هذا، وعرفنا كيف اصطفى الله آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، وعرفنا عن حنة أم مريم وكيف تاقت نفسها للولد وكانت لا تلد، فنذرت لربها أن يرزقها ولداً وتجعله له لا تأنس به ولا يخدمها، فتهبه لله يعبد الله، كل ما في الأمر أن تلد ولداً، واستجاب الله، وحملت بـمريم، ومات بعلها عليه السلام وولدت مريم، وسمتها مريم أي: خادمة الله، ما إن وضعتها لفتها في قماطها، ثم بعثت بها إلى صلحاء بني إسرائيل، فأيهم يظفر بأن تتربى هذه النذيرة في بيته، فاختلفوا وتنازعوا كل يريدها، ثم ألهمهم الله رشداً وهو القرعة، ففاز بها زكريا بالقرعة، تدبير الله؛ لأن زكريا تحته خالتها أخت حنة، ففاز بها زكريا، قال تعالى: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، زكريا عليه السلام سيأتي ما منَّ الله به عليه.

    هداية الآيات
    قال المصنف غفر الله لنا وله: [هداية الآيات: من هداية الآيات] أي: التي سمعنا تلاوتها.

    إفضال الله تعالى على من يشاء من عباده
    قال: [ أولاً: بيان إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء ] من عباده، فالله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين إفضال وإنعام وإحسان منه، وقد أنعم علينا وأحسن إلينا وآتانا ما لم يؤت غيرنا، إلا أننا ناسون أو غافلون. اذكر ما أفضل الله عليك من الآلاء والنعم لتشكره وتحمده وتقول: الحمد لله.

    إثبات عبودية عيسى لله تعالى وحده
    قال: [ ثانياً: بيان أن عيسى عليه السلام ليس بابن لله، ولا هو الله، ولا هو ثالث ثلاثة ] كما يعتقد النصارى [ بل هو عبد الله ورسوله، أمه مريم ] عليها السلام [وجدته حنة وجده عمران من بيت شرف وصلاح في بني إسرائيل ].أين فهوم النصارى وعقولهم؟ يسخر منهم اليهود ويستهزئون بهم ويصورون لهم هذا التصوير الباطل؟! عيسى عرفنا أمه، مريم أمه عرفنا أباها وأمها، فكيف يكون ابن الله؟ الذي يقول للشيء: كن فيكون يحتاج إلى ولد؟! أين زوجة الله؟! والتزوج يكون بالتجانس بالجنس، والله ليس كمثله شيء، فكيف تكون له زوجة من البشر؟ أين عقول البشر؟ أين يهبطون؟ الحيوانات تفوقهم وتعلو فوقهم، يسخر منهم اليهود، انتقموا منهم فحولوهم إلى وثنيين مشركين يعيشون على عقيدة يسخر منها الإنس والجن.

    استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه
    قال: [ ثالثاً: استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه ] أولياء الله إذا رفعوا أكفهم إليه والله لا يردها صفرًا خائبة أبداً[ استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه كما استجاب لـحنة ورزقها الولد، وأعاذ بنتها وولدها من الشيطان الرجيم ].أما قالت: أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]؟! فحفظ الله مريم حفظاً لا نظير له.واذكروا لما جاء جبريل يريد أن ينفخ في كمها: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [مريم:18-20]، هذه العذراء البتول، هذه مريم خادمة الله حفظها الله من أن تذنب ذنباً بدعوة حنة أمها، وولدها عيسى كما علمتم لم يقارف ذنباً قط، حفظ من؟ حفظ الله، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( ما من مولود يلد أو يولد إلا ينخس الشيطان في خاصرته إلا ما كان من ابن مريم )، استجابة الله لها.

    مشروعية النذر واختصاصه بالله تعالى
    قال: [رابعاً: مشروعية النذر لله تعالى، وهو التزام المؤمن الطاعة تقرباً إلى الله تعالى ].النذر مشروع لكن لمن؟ ليس لسيدي عبد القادر .. مولاي إدريس.. رجال البلاد.. سيدي إبراهيم، لمن النذر؟ لله، إخوانكم وآباؤكم وأجدادكم طيلة خمسة قرون أو ستة ما يعرفون النذر لله، ينذرون للأولياء والصالحين، يا سيدي فلان إذا ولدت امرأتي ولداً أفعل لك كذا وكذا، كأنهم لا يعرفون الله، إيه ما يعرفون، من عرفهم بالله؟ سلوهم، هل جلسوا جلسة كهذه؟ والله ما كان، من أين يتعلمون؟ أيوحى إليهم؟ أهملهم الحكام والمسئولون وأضاعهم العلماء فتاهوا في أودية الضلال، فهم ينذرون لغير الله، لمن نذرت حنة لله وإلا لسيدها إبراهيم أو جدها إسحاق أو يعقوب؟ لمن نذرت؟ لله، إني نذرت لله، النذر أصله تملق وتزلف إلى الله عز وجل، لله علي أن أصوم هذا الشهر بكامله، لم؟ ليحبني ليرضى عني ليقضي حاجتي، لله علي ألا أنام بعد هذه الليلة أسبوعاً كاملاً أعبد الله في الليل، لم أتيت بهذا النذر يا عبد الله؟ أتزلف إلى الله، أتقرب إليه ليحبني ويرضى عني ويحقق ولايتي، أما أن ينذروا لسيدي فلان وفلان يشركون بالله غيره في عبادته وتتعلق قلوبهم بغير ربهم؛ فما السبب؟الجهل، ما درسنا كتاب الله، نقرؤه على الموتى فقط، ما درسنا سنة رسول الله، نقرؤها للتبرك بها لا للعلم ولا للعمل، طيلة ثمانمائة سنة تقريباً، كيف نعلم؟ وإلى الآن هل أفقنا؟ هل صحونا؟ مررنا الآن بقرب المسجد والأولاد يلعبون والأطفال والصياح بالألاعيب كأننا في لندن أو في تشيكوسلوفاكيا؛ لأن أولئك أولادهم ونساؤهم وأطفالهم لا يعرفون الله، آيسون قانطون، إذا فرغوا من العمل أو جاء يوم الراحة ماذا يصنعون؟ يذكرون الله؟ ما عرفوه، ماذا يصنعون؟ يلعبون على البغال والحمير والصياح والضجيج، هذه حالهم، فهل نكون نحن مثلهم؟نحن ننادي بأعلى أصواتنا: أيها المسلمون إذا دقت الساعة السادسة ائتوا بنسائكم وأطفالكم إلى بيوت ربكم، وتعلموا الكتاب والحكمة؛ لأنكم أمة ممتازة تتأهلون إلى السماء واختراقها للنزول بدار السلام، لستم كاليهود ولا النصارى ولا المشركين، ولكن كما قال الشاعر:لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تنادينحن ربانيون أولياء الله، إذا فرغنا من العمل الدنيوي الضروري للإبقاء على حياتنا نفزع إلى بيوت ربنا نناجيه نتملقه نتعلم الهدى والسير إليه، فيقل الشر والشره والطمع والتكالب على الدنيا والأوساخ والقاذورات والجرائم والموبقات، قالوا بلسان الحال: لا لا. دعنا نلعب ونفرفش.أنا أبكي من هذه البربرية، والله الذي لا إله غيره لن يستقيم أمر هذه الأمة إلا أن تعود إلى هذا المنهج المحمدي، يوم ملكت كل شيء، لن تطيب ولن تطهر ولن تصفو ولن تكمل ولن تسود ولن تسعد إلا أن تعود إلى منهج الله عز وجل، تملك ما تملك وتزداد بعداً عن الله وهبوطاً إلى الحضيض، هل سنة الله تتبدل؟ هل أصبح الطعام لا يشبع، تغيرت السنة؟ لا والله، أصبحت النار ما تحرق؟ تبدلت سنة الله؟ أصبح الحديد لا يقطع؟ مستحيل، إذاً: فلن تصفو النفوس ولن تزكو الأرواح إلا على الكتاب والحكمة، كيف نتلقى هذا؟ نتلقاه في بيوت الله من أولياء الله، إعراض هكذا هيهات هيهات أن تكمل هذه الأمة أو تسعد وهي كل يوم تهبط إلى الحضيض، والفتن تغشاها وتحل ديارها في الشرق والغرب، متى نفيق؟

    فضل الذكر على الأنثى في النهوض بالأعمال والواجبات
    قال: [ خامساً: بيان فضل الذكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والواجبات ]. تأسفت وتحسرت حنة : رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ [آل عمران:36] هي لا تخبر الله، والله أعلم بما وضعت، ولكن متحسرة: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36] ماذا تشغل هذه البنت؟ أرادت رجلاً يجاهد يؤم الناس يهدي البشرية، على الأقل يصلح المسجد المقدس، لكن البنت ماذا تصنع؟ تتكلم مع الرجال حرام، كيف تعمل؟ عرفت الحقيقة أم لا؟ ليس الذكر كالأنثى في باب التكاليف والنهوض بالواجبات والقيام بالدعوة إلى الله، هذا وجه تحسرها؛ فلهذا في هذه الآية بيان فضل الذكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والتكاليف والواجبات.

    جواز التأسف على فوات الخير
    قال: [ سادساً: جواز التحسر والتأسف ] كما تشاهدون نتأسف ونتحسر ونبكي، جائز [ جواز التحسر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله ].ويرجوه ويريد أن يحققه، تأسفت حنة وتحسرت أم لا؟ كانت ترجو أن يكون في بطنها ذكر فإذا به أنثى.

    إثبات كرامات الأولياء
    قال: [ سابعاً: ثبوت كرامات الأولياء كما تم لـمريم في محرابها ].كرامات الأولياء من يكرمهم بها؟ الله وليهم ومولاهم يعطيهم العجائب، مريم في المقصورة في المحراب في المسجد يدخل زكريا بطعامها يجد الملائكة سبقته فبين يديها الطعام والشراب، أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37] يا مريم، هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37].جيش محمد صلى الله عليه وسلم في سرية سيف البحر خرجوا بمائة من التمر فأصبح قائدهم يوزع عليهم تمرة تمرة في كل يوم، يلوكونها ساعة يمتصونها وتبقى النواة في أفواههم، ورفعوا أيديهم فرمى الله تعالى إليهم بحوت لم تر الدنيا مثله على ساحل البحر، أخذوا يأكلون اللحم ويستظلون تحت عظامه، آية الله وكرامته.و خبيب مسجون في بيت بمكة أيامًا، المشركون حكموا عليه بالموت، قالوا لامرأة: اتركيه عندك حتى نأخذه يوم يجتمع الناس، تدخل على خبيب فتجده يأكل العنب في الشتاء، عجب هذا، خبيب استشهد أم لا؟ صلبوه، قتلوه على الأعواد خارج الحرم، لما وضعوه على الأعواد جاءه رئيس مكة أبو سفيان رضي الله عنه في ذلك الوقت فقال: اذكر محمدًا فقط هنا بسوء، سبه الآن نطلقك، اذكر آلهتنا فقط والناس يتفرجون ويسمعون، اذكرها بخير الآن نطلقك لتعود إلى أهلك، قال: لا أحب أن يشاك محمد بشوكة وتطلقونني، قال: إذاً اسمحوا لي أن أصلي ركعتين أودع الحياة، فقالوا صل، لو كان جماعتكم اليوم أيها العرب والله ما يسمحون له، إلا من رحم الله، نعم في ديارنا هذه، بل يطلبون منه أن يصلي أولاً والحمد لله. صلى ركعتين وما أطال، خفف، لم؟ قال: خشيت أن تقولوا: خوفاً من الموت يطول في الصلاة، ولولا هذا القول لكنت مددتها؛ لأني أناجي ربي.إذاً: [ثبوت كرامات الأولياء كما تم ] ذلك [ لمريم عليها السلام في محرابها].

    تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
    قال: [ ثامناً: تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ] إثباتها وتقريرها [ إذ مثل هذه القصص لا يتأتى لأمي أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه ].مستحيل أن يتكلم عربي في مكة أو في يثرب أو في أي مكان عن تاريخ بني إسرائيل قبل سبعمائة سنة، ثم لا يستطيع يهودي ولا نصراني أن يرد كلمة، كيف يتم هذا؟ ممكن؟ مستحيل، إلا أن يكون وحي الله ينزل عليه، أو ما فهمتم هذا؟كيف عرفت أن محمداً رسول الله؟ كيف شهدت على أنه رسول الله؟ بماذا؟ كيف يتحدث بهذه الأنباء، بهذه الأخبار الصادقة؟ من أين تأتيه؟ لولا أنه وحي الله يوحى إليه، أكبر آية على نبوته صلى الله عليه وسلم، والله قال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [يوسف:3]، وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120]؛ فلهذا قلنا: تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ مثل هذا القصص لا يتأتى لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه. [ ولهذا ختمه بقوله: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ [آل عمران: 44]. ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ [آل عمران:44] أخبار الغيب العظيمة، نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44]، قولوا: آمنا بالله.

    تفسير قوله تعالى: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة...)
    الآن مع هذه الآيات الأربع التي نريد دراستها إن شاء الله، إليكم تلاوتها وتأملوا؛ لأنكم تدرسون كتاب الله والرحمة قد غشيتكم، يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:38-41].قوله: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38]، بعض طلبة العلم يقولون: الشيخ لا يأتي بالتجويد، والتجويد لا يدع العوام يفهمون وهو ليس بفريضة. ومقولة: (من لم يجود القرآن آثم) ما قالها رسول الله ولا مالك بن أنس، ولكن معناها: اللحن في كلام الله حرام، (سبحانه) يقول: سبحان، حرام عليه، لكن إذا نطق بالآيات كما هي على لغة العرب واضحة بينة فلا حرج أبداً؛ لأن بعض الطلاب قد يقولون: الشيخ لا يجود القرآن، فقطعنا عليهم الطريق فنحن نريد البيان والإفهام والتعليم.

    ذكر سبب دعوة زكريا وطلبه من الله الولد
    هُنَالِكَ [آل عمران:38] أين هذا؟ الله أكبر! لما وجد زكريا مريم تأكل فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء: أين الفواكه في هذا الصيف؟ قالت: من عند الله، قال: إذاً: ما هناك مستحيل على الله، أنا كبير السن وامرأتي عاقر يعطيني إذاً، أليس قادرًا على أن يوقف السنن أم لا؟أما أوقف النار على إبراهيم، نار أججت أكثر من أربعين يوماً حتى علت السماء، ومع هذا لما صدر أمر الله: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، لولا قوله: وَسَلامًا [الأنبياء:69] لمات بالثلج، لتحولت إلى ثلج كامل، أبطل هذه السنة أم لا؟ الحديد يقطع، وضع على عنق إسماعيل فهل قطع؟ ما قطع، أوقفه الله عز وجل.إذاً: هنالك تنبه زكريا وهو رسول الله ونبيه، عرف أنه كبر سنه وامرأته عقيم وهو عاقر، لكن لما شاهد أن السنن أوقفها الذي وضعها هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] سأله: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].

    توسل زكريا عليه السلام بأسماء الله تعالى وصفاته
    توسل إلى الله بماذا؟ بسيدي يعقوب.. بنبي الله إسحاق؟ توسل بماذا؟ توسل بأسماء الله وصفاته إذ قال: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، تملقه بذكر هذه الصفة له، ما قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة بجاه نبيك وخليلك إبراهيم وهو جده.ونحن من أين جاءنا بجاه السيد فلان؟ من الثالوث؛ ليصرفونا عن التوسل النافع ويحملونا على توسلات باطلة، لو تبقى طول حياتك: اللهم إني أسألك بجاه فلان، أعطني بحق فلان، الملائكة تسخر منك، بهلول أنت؟! تطالب بماذا؟ ما تعطى بهذه التوسلات، تعلم كيف تتوسل إلى الله، قم في آخر الليل واغتسل والجو بارد وابك بين يدي الله وصل واطلب تعط، أما أن تقول: أعطني بحق فلان فبمن تستهزئ؟يروى عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله: أن هذا من الكفر، والذي يتأمل وكل واع يفهم، بدل أن تقول: اللهم إني أسألك من فضلك.. من جودك.. من كرمك، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين أعطني كذا؛ تقول: أعطني بحق فلان عليك! أعوذ بالله، من هذا الذي له حق على الله؟ في الملكوت الأعلى وفي الأرض هل هناك من له حق على الله، وما تستحي أن تقول له: إذا لم تعطني أنت أعطني من حق فلان؟ أعوذ بالله، فهمتم هذا أم لا؟ علماء في هذه الأمة لما هبطت يعتقدون هذا الاعتقاد، أعطني بحق فلان، أوما فهمتم؟أليس من الأدب أن تقول: أعطني من فضلك أم لا؟ من إحسانك يا رب.. من جودك.. من كرمك، أما أن تقول: أسألك بحق فلان؛ فالمعنى باللغة العامية: إذا لم تعطني من عندك أعطني من حق فلان عليك، هذا يواجه به الله؟! يمسخ العبد ويكفر، ومع هذا يفعل ذلك الناس، إلى الآن ما زالوا غافلين ونائمين.بم توسل زكريا؟ بقوله: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] وقد دعوتك وأنت السميع فأعطني.

    تفسير قوله تعالى: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ...)
    قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39] نادته الملائكة بصوتها وسمعه وفهمه؛ لأنهم نادوه بلغته التي يعيش عليها بين أمه وأبيه، الملائكة نادته وهو أين؟ في المقهى.. على سرير النوم؟ وهو قائم يفعل ماذا؟ يصلي، أين؟ أمام الناس؟ لا، في المقصورة؛ لأن المحراب في لغة بني إسرائيل البيت الملتصق بالمسجد، انتبهتم؟ غرفة يصعد إليها بدرجتين عند المسجد تابعة له، يتعبد فيها المتعبدون. فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39]، ماذا قالت له؟ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39].أول اسم وضع في الدنيا، لم تسمع البشرية باسم يحيى هذا الأول وسموا أنتم بعده، يحيا لا يموت، فيه معنى الحياة، أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39] والبشارة الكلمة السارة المفرحة التي يتهلل لها البشر بالوجه والطلاقة. ‏

    معنى قوله تعالى: (مصدقاً بكلمة من الله)
    يبشر بماذا؟ بيحيى، ما وصفه؟ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:39]مصدقاً، هو يصدق بكلمة من الله قد أنكرها غيره وهي عيسى عليه السلام، عيسى من أسمائه: كلمة الله، لم سمي: كلمة الله؟ لأنه وجد على غير سنن الولادة في البشر، وجد بكلمة الله: (كن) فكان، فسمي عيسى بكلمة الله، يحيى يكبر إن شاء الله ويولد عيسى من مريم وينكر اليهود كلهم ويكذبون ويقولون: زانية، وهو يصدق به، بشارة قبل أن تقع الأسباب كلها.

    معنى قوله تعالى: (وسيداً)
    قوله: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا [آل عمران:39] ويكون سيد الناس. هل سيد يملك الناس؟ ما معنى سيد؟ (سيداً) معناها: أنه يدعو إلى الله، يهدي البشرية، يزكي أرواحها، يهذب أخلاقها، يساعد على طيبة الحياة وسعادتها بدعوته وكماله، إذ علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن من خدمك فقد ساد عليك فقال: ( خادم القوم سيدهم )، من سيدنا؟ خادمنا، لم؟ لأننا احتجنا إليه وافتقرناه وعجزنا وهو يسقينا ويطعمنا، ويوقف السيارة لنا عند بابنا، أصبح سيدنا أم لا؟ أحببنا أم كرهنا.ومن هنا قيل لأحد الأعراب في قبيلة من القبائل: بم ساد فيكم فلان يا بني عوف.. يا بني خالد.. بم ساد فيكم فلان وأصبح سيدكم؟ قال: احتجنا إليه واستغنى عنا. وهذا هو السيد، أليس الله هو السيد؟ ( إنما السيد الله )، ما وجه ذلك؟ الخليقة كلها مفتقرة إليه وهو مستغن عنها غنى مطلقاً، ساد أم لا؟ سيد القوم خادمهم، من وضع هذه القاعدة؟ رسول الله، سيد الحكماء وأستاذهم، أوما فهمتم هذه؟الذي يخدمك هو سيدك، فلهذا تطلق على العبد: سيدي خادمي، الله أكبر! إذاً: كيف ساد بني إسرائيل؟ بالدعوة والإصلاح والخدمة لوجه الله تعالى، ما هو كسول ولا جهول ولا ظالم ولا طماع يأكل أموال الناس، عرفتم؟ بشره بأنه سيد.

    معنى قوله تعالى: (وحصوراً)
    قوله: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا [آل عمران:39] عازفاً عن شهوات النساء والقاذورات وأوساخها، وليس معناه أنه لا يأتي النساء، بل معصوماً ما يتلقاه ويقع فيه عامة الناس. ولهذا قال المفسرون في الحصور أقوالاً كثيرة: منها: أنه كان معصوماً من الفواحش والقاذورات، وهو كذلك، وليس معنى ذلك أنه ممنوع من تزوج النساء للإنجاب والزواج الحلال. وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]نبياً ينبئه الله وهو نبي ورسول أيضاً.وهل تسمعون عن عجائب بني عمكم اليهود؟ قتلوا زكريا وقتلوا يحيى، شهيدان، والعرب والحمد لله ما قتلوا نبياً، والله ما قتلوا نبياً، وأما اليهود فورد أن زكريا ويحيى قتلوهما وعيسى ادعوا أنهم صلبوه. لما حاصرته الشرطة ليخرجوه ما خرج، دخل قائد الشرطة فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى كأنه هو، فاقتحموا وأخذوه وقيدوه باليدين وخرجوا به، وعيسى رفعه الله من الروزنة، وصلبوا رئيس شرطتهم، والذي يشك يسأل النصارى: الصليب في أعناقهم لماذا؟ وهذه من المهازل! إله رب يصلب ويقتل ويعلق صليبه في عنقه، مجانين هؤلاء، عميان هؤلاء، ماذا أصابهم؟ الناس يعبدون حجرة لينتفعوا بها مثلاً، أما هذا فمصلوب مقتول ويعطيك ويمنعك من الشر؟ أين يذهب بعقلك؟ من فعل هذا بالنصارى؟ بنو عمنا اليهود، حولوهم إلى وثنيين، ما إن انتشرت دعوة عيسى في الحواريين وخرجت من فلسطين إلى ضفاف شرق أوروبا ودخلت في بلاد الروم، سبعين سنة فقط عبد النصارى الله عبادة شرعية ربانية، ما إن انتهت السبعين حتى جاء أكبر قس شيطاني يهودي وادعى النصرانية ودخل معهم وأفسد عليهم دينهم، وفعلوا هذا بنا، بدل ما كنا على مذهب رسول الله وأصحابه أصبحنا مذاهب، كنا جماعة واحدة فأصبحنا جماعات، كنا دولة واحدة فأصبحنا دويلات، من فعل هذا؟ اليهود، لم تعملون هذا يا بني عمنا؟ لأنكم سلبتمونا السيادة والقيادة وفزتم بها، لن نسمح بها، هذا لنا ليس لكم، نجحوا أم لا؟ أما أوجدوا دولة بني إسرائيل وها نحن نعترف بها أم لا؟ نجحوا أم لا؟ نجحوا، ولولا حماية الله لكنا الآن تحت أرجلهم، وهم قادرون على هذا لأننا نحن مرضنا وهبطنا، نسينا الله وما عرفناه، أما ننزل إلى الأولياء والقبور؟ يكفي، لا إله إلا الله، من حول القرآن عن هذه المجالس الربانية إلى الموتى؟ أصابعهم وتخطيطاتهم.

    معنى قوله تعالى: (ونبياً من الصالحين)
    قال: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39].نبي ومن الصالحين أيضاً، هذه بشرى لكم، من هم الصالحون؟ موكب من أربعة مواكب هو الأخير في آية من سورة النساء، يقول تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، كم موكبًا؟ أربعة، هناك موكب خامس؟ لا، نبي صديق شهيد صالح، قال أهل العلم: أتدرون من الصالح؟ الصالح من أدى حقوق الله كاملة لم يبخس منها حقا ولم ينقصه، وأدى حقوق العباد كذلك كاملة لم يبخس ولم ينقص، ذلكم العبد الصالح، والذي ينقص حقوق الله ويسرقها ويعبث بها لن يكون صالحاً، والذي يأخذ حقوق الناس ولا يعترف بها لن يكون صالحاً، الصالح: من أدى حقوق الله وحقوق عباده، ما نقص منها ولا بخس، ذلكم العبد الصالح، اللهم اجعلنا منهم.

    تفسير قوله تعالى: (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر...)
    قال تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ [آل عمران:40] تجاوز الثمانين أو المائة. وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران:40] والعقر هو القطع، عقر الناقة، كأن التي ما تلد قطعت رحمها، أصبحت عاقرًا، عقرته فهي عاقر، عقر الناقة: قطع عنقها.إذاً: كيف قال زكريا هذا؟تقول الأخبار السليمة الصحيحة: لما بشرته الملائكة وهو يصلي جاءه أبو مرة، تعرفونه؟ إبليس: إيه يا زكريا! هذا الشيطان يضحك عليك، ويبشرك بغلام كذا وكذا وأنت شيخ كبير وامرأتك عاقر، أين يذهب بعقلك يا زكريا؟ يفعل إبليس هذا أم لا؟ أو ما يستطيع؟ أما فعله مع الخليل أبي الأنبياء إبراهيم؟ لم ترمون الجمرات الثلاث؟ تلك مواقفه، لما رأى إبراهيم الرؤيا بأن يذبح إسماعيل تقرباً إلى الله وتزلفاً، وخرج به استقبله في جمرة العقبة: أين تذهب يا إبراهيم؟ تذهب بهذا الطفل تذبحه! حاشا لله أن يأمرك بهذا، ما حاجة الله بذبح هذا الطفل أو الغلام، أمه تتحسر في بيتها، كيف هذا؟ وعرف إبراهيم فرجم الشيطان، ثم مشى كيلو متر: يا إبراهيم! أين يذهب بعقلك؟ تذبح ولدك؟ الله بحاجة إليه؟ راجع نفسك، هذه رؤيا منامية من الشيطان. فرجمه، حتى الجمرة الثالثة تعرفونها أم لا؟ ثم آيس إبليس قنط، وعرف أن إبراهيم صَلْب، وبالفعل تله للجبين ليذبحه، وإذا بنداء الله: يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:105]، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، كبش لم تر الدنيا نظيره، اترك هذا وخذ هذا.فلا عجب أن الشيطان جاء لزكريا يفتنه: هذا الذي ناداك شيطان فقط، أو جان من الجن، أبداً ما هو بملك، من أين الملك؟ كيف هذا؟إذاً: هنا قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40]، هو راجع ربه في ندائه ومناجاته.

    تفسير قوله تعالى: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً...)
    قال تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41] أعطني آية وعلامة كالشمس حتى أحرج العدو الذي يكذبني اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [آل عمران:41]، لن تستطيع أن تتكلم، ثلاثة أيام وهو يرمز، وذكر الله على لسانه أعلى من صوته، لا إله إلا الله! يذكر الله: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، رب اغفر لي، رب ارحمني، ويعجز أن يقول: يا أم فلان أعطيني الماء، والله ما يقدر، سبحان الله! ليس هناك علامة وآية أكثر من هذه آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [آل عمران:41] سوياً، في آية مريم: ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم:10]، انتبهتم؟ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41] يرمز بيده وبرأسه كذا كذا فيفهمون عنه، وذكر الله ما ينساه؛ ولهذا قال العلماء: ذكر الله غذاء الأرواح، ما يستغني عنه ذو إيمان أبداً، ولو كان الله يرخص في شيء لرخص فيه لزكريا، وأعظم من هذا عندما تلتقي الصفوف وتقتحم خيل الله جيوش العدو في نفس الوقت الذكر لا يجوز السكوت عنه؛ فلهذا لا يجوز السكوت عن ذكر الله إلا في حالة واحدة والعبد على كرسي المرحاض يتغوط فقط، أما حين يمشي في السوق.. في الطيارة.. يسوق السيارة.. يأكل دائماً يذكر الله، إلا في حال التبرز والتغوط يسكت، وانظر كيف أذن له أن يذكر الله ليكون علامة على أنه قد وهبه الله هذا الولد. قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ [آل عمران:41] هي: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41].بالصباح والمساء، (بالعشي والإبكار) عندكم أنتم في هذا شيء؟ اسمعوا الجائزة المحمدية: ( من صلى البردين دخل الجنة )، ( من صلى البردين ) أي: صلاة الصبح وصلاة العصر، ( دخل الجنة ) جائزة محمدية.(وسبح بالعشي) العصر، (والإبكار) الصبح.معاشر المستمعين! نترك هذا إلى غد إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #152
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (10)
    الحلقة (151)




    تفسير سورة آل عمران (18)



    اختار الله عز وجل مريم بنت عمران واصطفاها من بين نساء العالمين لتكون آية للناس، وتحمل في جوفها آية أخرى ألا وهي عيسى عليه السلام الذي أوجده الله دون أب، وقد بعث الله ملائكته إلى مريم ليبشروها بهذا الاصطفاء، ويرشدونها إلى ما يؤهلها لاستحقاق هذا الاصطفاء، من الاطراح بين يدي الله، وتعفير الوجه على عتبات فضله ورحمته، والانكسار بين يديه سبحانه وتعالى.

    أهمية الارتباط بالمسجد والجلوس فيه للذكر وسماع العلم
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سابق عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ فداه أبي وأمي والعالم أجمع قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الخير واجعلنا من أهله يا رب العالمين.وأزيدك : يقول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).كيف نعتزل بيوت الله؟ كيف نشرد إلى المقاهي والملاهي والأباطيل؟( وما من مؤمن يصلي الفريضة ويجلس في مسجده ينتظر الفريضة الثانية إلا والملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث )، فإن انتقض وضوؤه خرج إلى خارج المسجد فتقف الملائكة عن الصلاة عليه.هل أنتم معي في هذا الفهم أو تظنونه شبه خرافات؟ والله لو يرزق أحدنا اليقين لما استطاع أن يفارق بيت الله بين المغرب والعشاء حتى الموت؛ لأن الوقت ما هو وقت تجارة، ما هو وقت سياحة، ما هو وقت وظيفة، إذا كان الكفار أهل النار يذهبون إلى المقاهي والملاهي والمراقص والمقاصف ودور الباطل والسينما أين يذهب أولياء الله، دلوني؟ يذهبون إلى بيوت ربهم، يجلسون بين يديه، يستمطرون رحماته، يطلبون رضاه.وشيء آخر: يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم؛ لأنهم يريدون أن ينزلوا منازل الأبرار، والمسافة بعيدة حتى تصل إلى دار السلام. كيف تخترق هذه المسافة؟ بأن تربط نفسك في بيت الله ساعة ونصفًا، ولكنك يا عبد الله تأبى ذلك.

    عاقبة الإعراض عن القرآن الكريم والانسلاخ من آياته
    لا يجدينا البكاء ولا ينفعنا، هذه آثار الجهل الذي أصابنا، والذي جر إلينا هذه الظلمة وساقنا إليها، وصبها علينا أعداء الله ورسوله والمؤمنين: المجوس واليهود والنصارى، حولونا من طلب السماء إلى طلب الأرض، وأصبحت حالنا كذلكم المثل الذي ذكر ربنا من سورة الأعراف، اسمعوا تأملوا، يقول تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا [الأعراف:175]، ما أعطانا الله آياته، ها هي هذه بين أيدينا في سطورنا وصدورنا، آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175]، كيف ينسلخ منها؟ يتركها في الرفوف.. في المساجد، ويخرج يعيش بدون نورها وهدايتها، فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]؛ لأن المناعة والحصانة والحفظ في ولاية الله التي يحصل عليها العبد بالإيمان والتقوى، ولا بد للإيمان والتقوى من معرفة ما يتقي الله فيه وكيف يتقيه؟ ومصدر هذا الكتاب والحكمة، فلما انسلخ من الآيات أتبعه الشيطان وأدركه، فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175] الفاسدين. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176] إذا كانت لديكم روافع ترفع الحجارة والصخور وأطنان الإسمنت إلى شاهق العمارات، ترفع الأطنان من ظهر السفينة إلى البر والشاطئ، فما هي الرافعة التي ترفع هذا الإنسان إلى الملكوت الأعلى؟قولوا: القرآن، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176] لا وحي الله ولا هدي رسول الله، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] وها هم المسلمون عرباً وعجماً يلهثون ولن ينتهي لهثهم أبداً، هذا قرآن أم ماذا؟ هذا القرآن الذي يقرأ على الموتى يا عباد الله، أسألكم بالله يوبخ به الميت هذا أم يقرأ على الحي؟ والله يقول وقوله الحق: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] ماذا؟ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70] وقراءة سبعية: (لتنذر من كان حياً)، أين الميت؟ من ثمانمائة سنة والقرآن لا يقرأ إلا على الموتى، لا يجتمع اثنان في ظل شجر أو حائط أو في بيته يقول له: أسمعني شيئاً من كلام ربي، اقرأ علي شيئاً من القرآن ،أبداً، ومن قال: كيف؟ يرفع يده، هل مر بكم أحد وقال: تعالوا أسمعوني كلام الله؟ حصل هذا؟ يقرأ على الموتى، أي نعم، أليس هذا الواقع؟ما هي الرافعة التي ترفع البشرية إلى مستويات الكمال البشري؟ القرآن والحكمة المحمدية، الحكمة تبين القرآن وتظهر مراد الله منه، لا بد من رسول الله، والقرآن هو مصدر الهداية الإلهية.إذاً: واحر قلباه ممن قلبه شبم. بعد هذا البكاء نعود إلى درسنا وتلاوة كتاب ربنا.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
    الآيات التي درسناها بالأمس ما استخرجنا منها هداياتها، فهيا نعيد تلاوة الآيات الثلاث واسمعوا، وإذا أخذنا في استنتاج الهداية تذكرون من أين أخذت فكونوا بصراء. ‏

    التوسل بين اتباع الشرع ومخالفة المتوسلين
    يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]. هذه هي الوسيلة، ما قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة بجاه خليلك إبراهيم، قال: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، توسل إلى الله بأسمائه وصفاته، وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وقضت أمتنا قرابة ألف سنة وهم لا يعرفون من الوسيلة إلا ما يغضب المتوسل إليه: أعطني بحق فلان، وأعطني بجاه فلان، عرفتم هذا؟ وما زلنا نائمين، أعطني بحق فلان، أسألك بحق فلان، أصبح الله بهذه المثابة: إن لم تعطني أنت أعطني بحق فلان عليك، أليس هذا هو الكفر؟! إي والله، قاله الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ، بدل أن تتملق الله وتتزلف إليه تناديه بأسمائه: يا رب، يا رحيم، يا ولي المؤمنين، يا سميع، تقول: أعطني بحق فلان عليك، سمعتم أوما سمعتم؟ أعطني بجاه فلان، بدل أن يقوم وهو صاحب حاجة والآلام في نفسه والدموع على خديه ولا يقضيها إلا الله فيقوم فيصلي ويبكي ويسأل الله؛ يقول: أعطني بحق فلان، أسألك بحق فاطمة ، من علمنا هذه الوسيلة؟المجوس واليهود والنصارى الثالوث الأسود، أبعدونا عن روح الحياة، يا أيها الزائرون هل بلغكم أن القرآن بمثابة الروح أم لا؟ قالوا: ما بلغنا ما سمعنا، إيه ما بلغهم، أما قال تعالى في سورة الشورى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]؟ سماه روحاً أم لا؟ وهل يحيا مخلوق كائن بدون روح؟ ولا بعوضة، القرآن روح لا حياة بدونه أبداً.نظر العدو إلى حياة تلك الأمة الطاهرة النقية في قرونها الذهبية الثلاثة فعرف أنها والله ما حييت إلا بالقرآن، ولا اهتدت إلى كمالها إلا بالقرآن؛ لأن القرآن روح ونور، نحلف لكم بالله العظيم إنه لنور، خالق النور وواهبه يقول: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، وفي هذه الآية: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].قالوا: أبعدوهم عن القرآن فيموتون ويعيشون في الظلام، وفعلوا ونجحوا، كيف تقول يا شيخ: نجحوا؟ أنا أسألكم: استعمرونا أم لا؟ أين ممالك الهند الإسلامية؟ أصبحت مستعمرات بريطانية أم لا؟ أين جزر جاوى الإسلامية؟ أصبحت مستعمرات بلجيكية أم لا؟ أين الشرق الأنور الأوسط؟ أصبح مستعمرة بريطانيا أم لا؟ أين شمال العروبة والأفريقية والإسلام؟ أصبح مستعمرات إيطالية وفرنسية وأسبانية، هل هناك من يرد علي؟ لو كانوا أحياء مهتدين أيستعمرهم كافرون ميتون؟ والله ما كان ولن يكون.وما زلنا على حالنا ما أفقنا أبداً، القرآن نجتمع عليه في الموت فقط، والآن حتى العرس لا بأس أيضاً؛ لأنهم يفرفشون، لا ليتدبروا فتلوح الأنوار ويمشون وراءها لهدايتهم وكمالهم.هيا نتلو هذه الآيات لنقف على ثمارها الناضجة، وهدايتها القرآنية؛ لأن القرآن كل آية منه تحمل هداية إلهية، ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، كل آية علامة كالشمس تدل على وجود الرب وعلمه وحكمته وقدرته ورحمته.

    ذكر ما كان من زكريا عليه السلام في طلب الولد وما كان منه بعد بشارة الملائكة له بيحيى
    قال: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] ماذا قال؟ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38] طيبة أم خبيثة؟ تسرق وتسلب وتنهب؟ طيبة، ما نريد غير الطيبين: ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] . فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ [آل عمران:39] أين؟ يصلي أم يرقص؟ أين نادته الملائكة؟ أين كان؟ في المحراب: وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران:39-40] كيف يقول زكريا؟ لأن العدو ما إن سمع البشرى حتى قال: إيه يا زكريا! هذا الشيطان يضحك عليك. كيف هذا؟ أنت رجل كبير وامرأتك عاقر ويقول لك ويبشرك؟ ما هو من الملائكة، هذا الشيطان. فاضطرب نبي الله زكريا، وطلب من ربه أن يعطيه آية. قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41] لا تقل: كيف جاء الشيطان ليفتن نبي الله؟ هل عرفت أنه جاء لإبراهيم أم لا؟ من أجَلُّ: زكريا أو إبراهيم؟ إبراهيم. لما رأى في منامه أن يذبح إسماعيل تقرباً إلى ربه وطيبته هاجر وغسلته ونظفته وخرج به إلى منى؛ ما إن وصل إلى العقبة الفاصلة بين منى ومكة حتى وقف العدو: أي إبراهيم! ماذا يفعل ربك بهذا الغلام؟ أين يذهب بعقلك يا إبراهيم؟ إن الله في غنى عن أن تذبح هذا الطفل، ارجع، رجمه بالحصا، عرف أنه عدو الله، وتقدم فاعترضه في المرة الثانية، تعرفون هذا أم لا؟ ماذا ترمون في الحج؟ الأماكن التي وقف فيها العدو أم لا؟ ذكرى خالدة إلى يوم القيامة، فلعنه ورماه وتقدم إبراهيم حتى الجمرة الأخيرة، أيس العدو، فلا عجب أن يقف الآن هذا العدو على زكريا ويقول: كيف تفهم هذا الفهم وتقول: الملائكة بشرتني؟ هذا الشيطان يضحك عليك. هنا: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41] علامة. قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [آل عمران:41]هل المعنى: حرمت عليك الكلام؟ لا، لن تستطيع أن تنطق، مع كمال فصاحته ورجولته وبشريته، ثلاثة أيام والله ما يقدر على أن يقول: قف أو اجلس، ولا يطلب حاجات إلا بالرمز، وفي نفس الوقت لسانه من الذاكرين إلى عنان السماء، يذكر الله، يمجده، يسبحه، يهلل كأفصح ما يكون، ولا يقدر أن يقول: أعطني يا فلان الماء .. أين ذهب فلان؟ من يقوى على إعطائه هذه الآية؟ والله لو تجتمع البشرية كلها ما استطاعت أن تعطيها لرجل، نعم. يقطعون لسانه وما يتكلم، هذا يذكر الله بأعلى صوته، أما أن يقول: فلان ذهب، والمرأة عند الباب، والماء موجود فلا.قال: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41] واضح هذا القرآن أم لا؟ هذا يقرأ على الموتى، أيقومون يتوضئون ويصلون، أو يتوبون من ذنوبهم ويستغفرون؟ انتهى أمرهم. هذا يقرأ على الأحياء فقط.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات
    هذه الآية درسناها واستنارت قلوبنا بها، فهيا نذكر ما فيها من أنواع الهداية كالامتحان للدارسين والسامعين، قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:]
    الاعتبار بالغير وما يحصل له من الخير والشر
    قال: [ أولاً: الاعتبار بالغير ] مشروع أم لا؟ أن تعتبر بغيرك، غيرك رمى بنفسه، رمى في بنك بأمواله فاحترق، ما تعتبر أنت؟ غيرك قال كلمة سوء فسجن ما تعتبر أنت فتسكت عن هذه الكلمة؟ العقلاء يعتبرون، تعرفون العَبَّارات أم لا؟ يعبرون بها الأنهار والبحار، كلمة وحدها تعبر بها أخطأت فيها، ونحن مأمورون بالاعتبار إن كان لنا قلوب.قال: [ الاعتبار بالغير؛ إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة الله تعالى لـمريم ] زكريا في عمر ثمانين سنة أو تسعين ما يلد، امرأته عاقر، قطعت رحمها ما هناك شيء، ولما سمع مريم، من مريم هذه؟ خادمة الله. بنت من؟ عمران، أمها ما اسمها؟ حنة. مريم نذيرة الله، خادمة الله، أمها نذرتها لله. رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] لا أستأنس به ولا يخدمني ولا يبيت ولا يظل معي، هو لك يا رب، فقط أكرمني بوجود ولد، واستجاب الله وأعطاها الولد، أعطاها مريم، ومعنى مريم: خادمة الله، فلما ولدتها لفتها في القماطة في لفافة من قطن أو كتان وخرجت بها إلى المسجد تعرضها على صلحاء بني إسرائيل، من يأخذ هذه النذيرة؟ واشرأبت النفوس وتطاولت الأعناق وكل يريد أن تكون في بيته لأنها نذيرة الله، مستواهم كان عالياً رفيعاً، فاضطروا إلى القرعة، من يظفر بهذه النذيرة وتعيش في بيته وهي لله، فاقترعوا ففاز بها زكريا، وتدبير الله أن امرأة زكريا خالة مريم لتعيش في بيت خالتها، والخالة بمنزلة الأم، يقول هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( الخالة بمنزلة الأم ) فهي أولى القريبات بالحضانة بعد الجدة والأم، الخالة بمنزلة الأم. واستأجر لها زكريا ضئراً مرضعاً سنتين كاملتين، لما أصبحت تعقل وضعها في المسجد؛ لأنها منذورة لله، أين في المسجد؟ غرفة ملتصقة به وبابها مفتوح إلى المسجد وهي فيها تعبد الله.إذاً: فكان عليه السلام وهو نبي الله ورسوله إذا أتاها بالغداء أو العشاء أو تأخر يجد عندها فاكهة الجنة، فاكهة في الصيف لا توجد في الصيف وأخرى في الشتاء لا توجد في الشتاء، فسألها قال: أنى لك هذا يا مريم؟ كيف؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37] هنالك دعا زكريا ربه، ما دامت السنن يتجاوز الله عنها ويتركها إذاً سيعطيني ولداً وإن كنت كبير السن وامرأتي عاقراً. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] ماذا قال؟ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38] هنا اعتبر زكريا بمريم أم لا؟ هذا الاعتبار، ما دام رأى أن الله قادر على أن يبطل السنن بكاملها، أتاها بفواكه الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء؛ فكذلك يعطيه الولد وإن كان كبير السن وكانت امرأته عاقراً. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] هذا هو الاعتبار أم لا؟

    مشروعية الدعاء والتزام آدابه
    قال: [ ثانياً: مشروعية الدعاء ] الدعاء مشروع أم لا؟ مأمور به، مدعو إليه، مرغب فيه؛ لأن الدعاء هو العبادة، ومن دعا غير الله أشرك وكفر ومات وانتهى وجوده، قطع عنقه؛ لأنه جعل مثل الله مخلوقاً من مخلوقاته يسمع نداءه ويعرف حاله ويقدر على إعطائه ما طلب، سلب صفات الله ووضعها إلى مخلوق فهو كافر مشرك، أحب أم كره. ( الدعاء هو العبادة ) ومضت على أمتنا قرون لا يدعون الله إلا مع الصالحين، الله وحده، يا الله، يا رجال البلاد، يا رب، يا رسول الله، ما هناك دعاء لله وحده. وربما يقول البعض: لعل الشيخ واهم، خرّف! اسألوا أهليكم عن: يا رسول الله يا رسول الله، يا مولاي فلان، أين الله؟ حتى في السيارات: يا فاطمة، يا حسين ، أما الله فلا.الدعاء مخ العبادة، وقد مثلنا غير ما مرة للعبرة، حيث نقول لشخص: ارفع يديك على هيئة الدعاء وتمسكن، فسنرى أن هذا العبد -والله- لفقير، والله يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ [فاطر:15] هذا والله فقير، ما الدليل؟ ها هو يشحت، هل رفع أكفه أم لا؟ أعلن عن فقره؟ ثانياً: ربه فوق أم عن يمينه أو شماله؟ فوق، ذلك أنه رفع يديه هكذا إلى السماء.ثالثاً: هذا مؤمن بأن الله تعالى يسمع كلامه وهو على عرشه بائن من خلقه، والمسافة لا تقادر والله يسمعه، مؤمن بسماع دعائه. رابعاً: شعور كامل بأن الله غني وقدير على أن يعطيه حاجته، لو لم يعرف هذا والله ما رفع كفيه إليه ولا سأله. عرفتم هذا؟ إذاً: الدعاء هو العبادة، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة ) ( من لم يسأل الله يغضب عليه )، ألحوا في الدعاء.إذاً: [ مشروعية الدعاء وكونه سراً أقرب إلى الإجابة ] وزكريا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:3] ما معنى خفي؟ سر لا يطلع عليه أحد حتى في بيته، فالدعاء كونه سراً أقرب إلى الإجابة من كونه علناً. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:3-4]، فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم:5].فيستحب أن يكون الدعاء سراً كالذكر، نحن لا نعرف نذكر الله سراً، بل نرفع أصواتنا: الله، الله، الله، هو هو هو. لا إله إلا الله. هكذا كان آباؤنا وأمهاتنا، قروناً ما نعرف كيف نعبد الله. من فعل بنا هذا؟ الثالوث الأسود، صرفنا عن كل سلم يرقى بنا إلى الكمال، أبعدنا عن كل طريق تصل بنا إلى الفوز والفلاح؛ لأنه عدو ونحن له عدو، ولكن ما أفقنا ولا عرفنا.قال: [ مشروعية الدعاء، وكونه سراً أقرب إلى الإجابة، وكونه في الصلاة كذلك ]، الدعاء في الصلاة أقرب إلى الإجابة منه خارج الصلاة، كونك تصلي وتدعو أفضل، والدليل: لما قنت أبو القاسم شهرين كان يقنت في الصلاة أو خارجها؟ لم ما طلع المنبر ودعا بالناس؟ يدعو وهو في الصلاة، وقال: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) والله يقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]. من أين أخذنا هذا؟ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39].

    إمكان حصول تلبيس إبليس على المؤمن
    قال: [ ثالثاً: جواز تلبيس إبليس على المؤمن، ولكن الله تعالى يذهب كيده ووسوسته ]، لا بد أن يمكر بنا، لكن الله يحمي أولياءه. من أين عرفنا هذا؟ لأن الملائكة بشرت زكريا أم لا؟ ومع هذا يقول: أعطني دليلاً. اجعل لي آية، علامة تدل على ما أعلمت به.

    ثبوت كرامة الأولياء باستجابة دعوتهم
    قال: [ خامساً: كرامات الله تعالى لأوليائه باستجابة دعائهم ] كرامة هذه أم لا؟ أكرمه الله فأعطاه يحيى كما طلب.

    فضل الإكثار من الذكر
    قال: [ سادساً: فضل الإكثار من الذكر ] من أين أخذناه؟ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]، فلو لم يكن الإكثار محمودًا مطلوبًا لله محبوبًا أيقول له: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]؟
    فضل صلاتي الصبح والعصر
    قال: [ سابعاً: فيه فضيلة صلاتي الصبح والعصر ] الإبكار أليس هو الصبح؟ والعشي أليس هو بعد العصر؟ إذاً: فضيلة صلاة الصبح والعصر، ويبين هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فيقول: ( من صلى البردين دخل الجنة ) أي: لازم هذه الصلاة حتى مات، صلاة البرد الأولى: الصبح، والبرد الثاني: العصر.ما نحفظ هذا الحديث: ( من صلى البردين دخل الجنة ) قلها يا بني: ( من صلى البردين دخل الجنة ) لم لا نحفظه حتى ندعو الناس إلى صلاة الصبح وصلاة العصر؟ لأن الصبح وقت نوم والعصر وقت راحة.( من صلى البردين دخل الجنة ) والله يقول: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [غافر:55].إذاً: في هذه الآيات هدايات عظيمة أم لا؟ أنوار تلوح لأولي الأبصار، للذين يقرءون القرآن للهداية، لطلب المعرفة والسير في طريق الله الموصل إلى رضاه.

    تفسير قوله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك ...)
    بعد هذا معنا الآن هذه الآيات الكريمة، والسورة هي سورة آل عمران، والسورة أولها نزل بعد آخرها، آخرها نزل قبل أولها. الأول نزل فيم؟ في غزوة أحد ومعركتها، والثاني في وفد نجران، هذه الآيات أوحاها الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليبين لنصارى نجران الذين وفدوا عليهم من نجران إلى المدينة في ستين فارساً من أغنياء وأعيان تلك البلاد، وكانوا يأخذون أموالهم من بلاد الروم؛ لأنهم ينشرون الصليبية في ديار العرب.ستون فارساً جاءوا للجدال، للمحاجة، تريدون خبرًا عن عيسى؟ أنا أعلمكم بجدته إن كنتم لا تعرفون، كيف حملت جدته بأمه وأنتم لا علم لكم، ما سبق: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:33-36] إيه! تحاجون محمدًا؟ أنتم جهال ما تعرفون عن عيسى شيئاً، محمد الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب اسألوه يقص عليكم تاريخ عيسى من عهد جدته، أفحمهم، قطعهم، ورضوا بدفع الجزية وانهزموا.وما زال السياق الكريم، قال تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ [آل عمران:42] اذكر يا رسولنا لهذا الوفد الطائش. وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:42] يا خادمة الله. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ [آل عمران:42] اختاركِ من بين نساء العالم عالم زمانها. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ [آل عمران:42] لا ذنب تقارفه أبداً، لا إثم ولا ذنب، من أين يأتيها؟ أليست هي محبوسة في المحراب ملازمة للمسجد تذكر الله طول الليل والنهار، طهرها أم لا؟ بهذه الأسباب العجيبة. وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] اختارها اختيارًا على علم لأن تظهر آيات الله فيها، فينفخ جبريل في كم درعها فتسير النفخة إلى بطنها، فإذا عيسى عبد الله ورسوله يهتز في بطنها، فألجأها الطلق إلى جذع النخلة في ساعة، هل لنساء العالم أن يفزن بهذا؟ مستحيل. مختارة هذه: وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42].

    طريق تحصيل الاصطفاء
    ما تقولون إذاً في خديجة وفاطمة وعائشة وآسية بنت مزاحم ؟ أخبرنا أبو القاسم قال: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) خمس الآن زد عليهن أمك وزوجتك وأختك وبنتك إذا والت الله بعد أن عرفته فلم يتقلب قلبها إلا في طلب حبه ورضاه، وزكت نفسها بالعبادات وطهرتها بالبعد من الذنوب والآثام هي في هذا الكمال، واقرأ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ وَالْمُتَصَدِّق َاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ... [الأحزاب:35] إلى آخر الآية. فقط قلبك تعطيه لله، لا لـسلمى يا رجل، ولا لـفريد الأطرش يا امرأة، قلبك لله لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهك لا تقبل به إلا على الله، والجوارح تابعة تؤدي الواجب وتبتعد عن الحرام، وتعيش على ذكر الله حتى يوافيك الأجل فتحتفل بموتك الملائكة في حفل عظيم، واقرءوا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:30-31].آه! ما للمسلمين ما عرفوا هذا؟ لأنهم هجروا كتاب الله وبيوت الله، سحروهم فأبعدوهم، وملئوا قلوبهم بحب أوساخ الدنيا وقاذوراتها فنسوا هذا كله وهجروه.
    تفسير قوله تعالى: (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)
    قال تعالى: يَا مَرْيَمُ [آل عمران:43] يا خادمة الله اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] هذا هو الشكر، هذا هو طريقه، ما دمتِ قد أهلتِ لهذا الخير وهذا الكمال اشكري الله عز وجل، ماذا أصنع يا رب؟ قال: اقْنُتِي لِرَبِّكِ [آل عمران:43] والقنوت الخضوع والخشوع والعبادة. اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] فكانت تصلي مع الرجال في بيت المقدس. وأبو القاسم أذن للنساء منا كذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )، وكان عمر يمنع عروسه وهو فحل، يا عمر ! نصلي العشاء؟ فيغضب، يا عمر ! نصلي الصبح في الظلام؟ فلا يجيب، قالت: أما والله قد أمر رسوله أن يقول: (لا تمنعوا) فلأصلين حتى تقول: لا تخرجي، وما استطاع أن يقول لها: لا تخرجي. قالت: إذاً سوف أصلي الصبح والعشاء في المسجد. وقد كانت نساء الصحابة يحضرن الصبح في الظلام والعشاء في الظلام، وأما في النهار فلا، لماذا؟ حتى لا يفتن الفحول من الرجال، وحتى لا يفتتن هن بالرجال. وهنا قد يسأل سائل: يا شيخ! كيف تقع هذه الفتنة؟والجواب: إذا نظر إليها فتن، وإذا نظرت إليه فتنت، وإذا مسها بأي شيء .. يصافحها أو يقدمها بعلها هذه مدام فلان. لا تعجبن بني فإن القوم جهال، ما عرفوا أن النظرة هكذا تلقيها عمداً ينعكس دخانها ونتنها على روحك وأنت لا تشعر؛ لأننا نحافظ أشد المحافظة على طهارة أرواحنا وزكاتها، فكل ما يلوث تلك الطهارة أو يصيبها بدخن حرام نبتعد عنه؛ لأن سعادتنا موقوفة على زكاة نفوسنا، ما سمعتم حكم الله الصادر علينا؟ أما قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]؟ فالنظرة الأولى معفو عنها، ما ينعكس دخانها؛ لأنك غير قاصد، التفت فوجدت امرأة فنظرت، والثانية سهم من سهام إبليس مسموم أيضاً. فلهذا إما أن نحجب الرجال عن الشوارع والأسواق وإما أن نحجب النساء، لا محالة، خيروا. ماذا ترون؟ نحجب الرجال؟ يا رجال! غطوا وجوهكم ودعوا النساء يكشفن وجوههن، هذا مخالف للفطرة أم لا؟ لأننا نحن الفحول لنا مجالات: المزرعة والمتجر والبناء والشوارع، والمؤمنات لهن البيوتات لتربية البنين والبنات، مصادر البشرية، ما هن في حاجة إلى أن يخرجن إلى الشوارع، هذه هي الفطرة البشرية أم لا؟ هذا دين الله، والماسونية الخبيثة قلبت أوضاع الحياة من أجل أن يكونوا دولة بني إسرائيل وكونوها.وبعض الناس يشبك يديه مع امرأته في الشارع ، فهذا يحملها على ظهره أحسن! المرأة ظل الرجل تمشي وراءه في ظله، لا إلى جنبه ولا أمامه، فإن قدمها أمامه أصبح ديوثاً، تقوده إلى حيث تشاء، وإلى جنبه أصبحت مساوية له، أين تمشي المرأة؟ وراء الرجل، هو حاميها، هو الأسد وهي كاللبؤة وراءه، هو الذي يدفع عنها، أما إذا كانت هي أمامه وهو وراءها فلا يستقيم ذلك، فآه مما فعل بنا اليهود! يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] هذه هي الصلاة أم لا؟ ما قال: صل، بل ذكر ما هو أعظم، وهو الاطراح بين يدي الله، تعفير الوجه على التربة في الأرض، والانكسار بين يدي الله، وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43].

    تفسير قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ...)
    قال تعالى بعد نهاية القصة: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44] القائل هو الله تعالى والمخاطب هو رسول الله: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44] هل كان العرب يعرفونها؟ والله ما يعرفون شيئاً لا عبد المطلب ولا عدنان، إذاً: من أين جاء هذا العلم؟ من الله. كيف ينكر الله إذاً؟ كيف يكفر أهل القرآن بالله؟ عرف هذا العدو عن القرآن حتى نكفر، وإلا فعندنا مناعة نحلف بالله أن صاحبها لن يكفر ولو مات جوعاً، ولو قتل وصلب ما يكفر، مناعة وهي فقط أن نعيش على كتاب الله وسنة رسول الله، لا نفارقهما ليلاً ولا نهاراً. ما الدليل يا شيخ؟ أهل الحلقة يعرفون هذا حتى المؤمنات، لكن زوارنا ما جلسوا هذا المجلس قط. يقول تعالى في هذه السورة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك. اسمعوا: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]. إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100] من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، أساتذتنا ومعلمونا. أكثر من درسوا عليهم وتخرجوا على أيديهم وأصبحوا وزراء وفنيين في العالم الإسلامي من هذا النوع، هبطوا. ويقول تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] مستحيل.وصلى الله على نبينا محمد.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #153
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (11)
    الحلقة (152)




    تفسير سورة آل عمران (19)


    فضّل الله عز وجل مريم على نساء العالمين، وجعلها صديقة وكلمتها الملائكة، إلا أنها لم تكن نبية كما يدعيه البعض، وإنما جعل الله من ذريتها نبياً وهو عيسى عليه السلام، فهي كانت من أهل القرب من الله لطاعتها له وقنوتها بين يديه وتضرعها إليه، واتصالها بربها بالوسيلة المتاحة لكل عباد الله الصالحين وهي الصلاة.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات، وقد درسنا بعضها في الليلة الماضية.تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:42-46].

    مجادلة نصارى نجران في شأن عيسى عليه السلام
    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات النورانية القرآنية نزلت في وفد نجران، ذلكم الوفد المكون من ستين فارساً، قدموا من مدينة نجران جنوب مكة المكرمة ليحاوروا الرسول ويجادلوه في شأن عيسى بن مريم عليه السلام، إذ النصارى من ذلك العهد وإلى اليوم يؤلهون عيسى ويعبدونه مع الله، واختلفت عقيدتهم فيه، فمنهم من يقول: عيسى ابن الله، ومنهم من يقول: إنه ثالث ثلاثة مع الله، ومنهم من يقول: هو في حد ذاته إله، وهذا شأن من ضلوا الطريق، وهم والله ضالون، وشهادة الله كافية، إذ قال تعالى لنا: سلوني، قولوا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، فالمغضوب عليهم هم اليهود والله العظيم، والضالون منهم: النصارى، ضلوا الطريق وتاهوا في متاهات عرفنا منها: أن عيسى عبد الله ورسول الله فألهوه وجعلوه إلهاً، ومن عجيب فهمهم: أنهم يعتقدون أن اليهود صلبوا عيسى عليه السلام، وهل الرب الخالق المدبر يصلب ويقتل؟ ويكرهون اليهود كرهاً عجباً لأنهم قتلوا وصلبوا عيسى، والله يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].على كل حال جاء الوفد يجادل وإذا بالحق جل جلاله وعظم سلطانه ينزل نيفاً وثمانين آية على رسوله الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، فتقوم الحجة لله ورسوله على هؤلاء المشركين الكافرين الضالين.

    بشارة الملائكة لمريم عليها السلام بالاصطفاء وحثها على العبادة والقنوت لله تعالى
    يقول الله: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ [آل عمران:42] اذكر يا رسولنا لهذا الوفد. وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] من أين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا العلم؟ وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وعاش في مكة أربعين سنة لم يعرف ما الكتاب ولا الإيمان، من علمه هذا؟ الملائكة تقول لـمريم البتول العذراء أم عيسى، مريم بنت من؟ عمران، أمها من هي؟ حنة. مريم تخاطبها الملائكة، مَن مِن الملائكة؟ هذا جبريل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ [آل عمران:42] واختاركِ واجتباكِ لأمر عظيم، وهو أن يخرج منكِ عيسى عليه السلام، وطهركِ من سائر الذنوب، فلن تقارف ذنباً أبداً كولدها استجابة لدعوة أمها، أمها لما نذرت لله ما في بطنها ما كانت تدري أنه مريم، لكن قالت لما وضعتها متحسرة متأسفة: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36] أي: خادمة الله. وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] فـمريم لم تقارف ذنباً، طهرها الله، وولدها عيسى أيضاً لم يقارف ذنباً، طهره الله؛ لأن جدته قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36] وعيسى أحد ذريتها. وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] أي: عالمي زمانها، فلم توجد امرأة أفضل من مريم في ذلك الزمان أبداً، اختيار الله واصطفاؤه لها.وقالت الملائكة لها: اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] لأن والدتها نذرتها لله، لا ترى منها شيئاً ولا تنتفع منها بشيء، فلهذا أخذها زكريا الكفيل بحق عليه السلام وتركها في المحراب في مقصورة في المسجد تعبد الله فقط، لا هم لها إلا ذاك، والملائكة تشجعها وتقول: يا مريم! اقنتي، اعبدي ربكِ واسجدي واركعي مع الراكعين، فكانت تصلي مع المؤمنين في بيت المقدس وهي في محرابها.
    تفسير قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك...)
    قال تعالى هنا: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ [آل عمران:44] ذلك الذي سمعتم من أمر حنة ونذرها وولادتها مريم وكفالة مريم ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ [آل عمران:44] الذي لا يعلمه إلا الله. نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44] فأنت رسول الله، أنت نبي الله، كيف يوحي إليه بهذا الغيب من العلوم والمعارف ولا يكون رسوله؟ مستحيل، هذا تقرير للنبوة المحمدية، ولا ينكرها إلا كافر أحمق ضال أشبه بالمجانين؛ إذ نبوته أكثر من الشمس سطوعاً وظهوراً، فكيف تنكر؟ والله ما ينكرها إلا ذو غرض هابط مادي يريد البقاء على سلطانه أو مادته، آيات النبوة أكثر من ألف آية، كيف؟ يكفي هذا: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ [آل عمران:44] أي: بين يديهم حاضرًا في مجلسهم وهم يقترعون أيهم يكفل مريم، والزمن أكثر من حوالي سبعمائة سنة أو ستمائة سنة بين هذه الأحداث وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ‏

    معنى قوله تعالى: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم...)
    يقول تعالى له: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44]، سبق أن عرفتم أن حنة عليها السلام لما وضعت مريم لفتها في القماطة وبعثت بها إلى علماء وصلحاء بني إسرائيل في المسجد ليكفلوا هذه النذيرة؛ لأنه لا حق لأمها فيها، نذرتها لله، ما إن رآها أولياء الله صلحاء بني إسرائيل وعلماؤهم حتى تاقت نفس كل واحد منهم وهشت روحه لأن تكون في بيته، فهذه نذيرة الله، إذاً: فاختلفوا أيهم يظفر بها ويفوز. هل كنت يا محمد بن عبد الله - صلى الله عليك وسلم - حاضراً معهم؟ من علمك إذاً؟ كيف عرفت هذا؟ إذاً: أنت رسول الله يوحي إليك بهذه الأنباء والأخبار. وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [آل عمران:44] كيف يلقونها؟ قالوا: نستهم ونقترع، الذي تخرج قرعته يأخذ هذه الفتاة، هذه النذيرة، فجمعوا أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، هذه الأقلام ليست كأقلامكم أيها الصحفيون والدجالون، هذه أقلام ما تكتب إلا الحق ولا تكتب إلا ما هو رضا الله عز وجل، فهي صالحة إذاً لأن تتحقق بها المعجزة، جمعوا أقلامهم ولا أدري كم هي بحسب عددهم، أقلام كانوا يكتبون بها الحق، يكتبون أحكام الله، يأخذون من التوراة.إذاً: جمعوها وألقوها قلماً بعد قلم في نهر الأردن والماء يسير، من وقف قلمه هو الذي يأخذ مريم، باسم الله يلقي القلم، يدحرجه الماء ويمشي، ثم قلم ثان، وثالث .. حتى رموا قلم زكريا فوقف في الماء، خذها يا زكريا، هل كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حاضراً في هذه الحادثة؟ لم يكن حاضرًا هو ولا أبوه ولا جده ولا عمه، فكيف عرف هذا؟ بالوحي الإلهي، إذاً: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه آيات النبوة: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44].

    مشروعية القرعة
    ومن هنا كانت القرعة في شرع من قبلنا ونقلها الله إلينا، فإذا اختلف اثنان في قسمة شيء قابل للقسمة يقترعونها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخروج إلى الغزو والجهاد يقرع بين نسائه، فمن خرجت قرعتها أخذها معه، والتي ما لها قرعة تبقى في بيتها مطمئنة. وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44].
    تفسير قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ...)
    ثم قال تعالى وقوله الحق: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45] أي: اذكر لهذا الوفد الغافل الجاهل الضائع الضال، اذكر لهم: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45] جبريل عليه السلام هو الذي خاطبها، وجاء هذا من سورة مريم، مريم لها سورة كاملة؟ إي والله، ما بين الكهف وطه سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم:16-33] قال تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34] أو يشكون. هذه من سورتها عليها السلام، ونحن الآن في سورة آل عمران.قال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45] يا خادمة الله إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45] بكلمة؟! ما هذه الكلمة؟ الجواب: هي قوله تعالى: (كن) فكان. كان بكلمة التكوين أم لا؟ يسمى كلمة إذاً، هو كلمة. بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45] المسيح كـالصديق، ومن معاني المسيح: الصديق أيضاً، عيسى هكذا سمته أمه، بل سماه الله لها.

    ذكر ما حبا الله تعالى به عيسى من فضل الوجاهة والقرب
    قال تعالى: وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا [آل عمران:45] أي: ذو جاه في الدنيا حقاً في العرب والعجم، وفي الآخرة أيضاً ذو جاه. وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45] إلى الله تعالى، والمقربون هم الطبقة العالية الممتازة، ومن أراد أن يقف على ذلك فليستعرض سورة الواقعة؛ إذ قال تعالى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:1-3] متى؟ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:4-11] عيسى من المقربين، الطبقة الممتازة، أما أصحاب اليمين فعليهم السلام، ولكن المقربين فوق أصحاب اليمين، عيسى من أي طبقة؟ من المقربين، بشرى لمريم بالولد وبجاهه العظيم العريض الطويل في الدنيا والآخرة، وبمنزلته في دار السلام أنه من المقربين.

    بيان ما أكرم الله تعالى به عيسى عليه السلام من تكليم الناس في المهد
    ثانياً: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران:46]، كيف يكلم الناس في المهد؟ ما المهد؟ المهد: سرير الطفل، سلوا النساء يعلمنكم المهد ما هو، فراش يمهد للطفل، قد يكون من خشب، قد يكون من حديد، قد يكون فقط من كتان وقماش، تمهده المرأة لطفلها وتهيئه قبل أن تولد، أليس كذلك؟ تهيئه وتمهده قبل أن يكون مهداً. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران:46]، هل جرت سنة الله أن الأطفال يتكلمون؟ الطفل يزعق كما هو معروف، أما أن يتكلم فهذا يحتاج إلى سنتين أو ثلاث، وهذا يكلم الناس في المهد كلامًا ما هو بخاص بالأولياء، بالعلماء، بالأنبياء، بل يكلم عامة الناس.

    المعنى البلاغي في الاحتراس بذكر تكليم عيسى للناس في الكهولة
    وَكَهْلًا [آل عمران:46] أي: ويكلمهم وهو كهل. لم هذا الاحتراس؟ لو لم يقل: وَكَهْلًا [آل عمران:46] لفهموا أن عيسى يموت وهو صغير، لولا قوله تعالى: وَكَهْلًا [آل عمران:46] أيضاً لفهم أن عيسى يموت وهو صغير، فقط يكلم الناس وهو في المهد وبعد ذلك يموت.إذاً: فلكي يطيب خاطرها وتطمئن نفسها على أنه لا يموت وهو صبي، بل يكبر حتى يكتمل ويكلم، وهنا اعلموا أن عيسى عليه السلام عاش ثلاثًا وثلاثين سنة، لما أكملها ودخل في سن الكهولة رفع إلى الملكوت الأعلى، وهو والله هناك؛ لأن الصبا ينتهي بالخامسة عشرة بالبلوغ ويدخل سن الشبيبة، يستمر سن الشبيبة إلى الثالثة والثلاثين، فيدخل في الكهولة حتى يتجاوز الأربعين ويدخل في سن الشيخوخة، أو تستمر الكهولة إلى الستين ويدخل سن الشيخوخة والكبر ثم الهرم ثم الوداع، انتهت الحياة. فعيسى عليه السلام والله لينزلن من السماء، ويعيش فترة الكهولة كاملة، ولما يصل إلى الشيخوخة ويكون صاحب ثلاث وستين سنة يموت كما كان عمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأين يدفن؟ غالب الظن أنه في الحجرة الشريفة، الرسول ما أخبر بذلك، ولكن قال: ( كأني بابن مريم في فجاج الروحاء يلبي: لبيك اللهم لبيك حجاً أو عمرة )، فإن مات فأي مكان يكون أفضل مكان؟ هنا، ودليل آخر: الحجرة الآن بقي فيها قبر فقط، فيها القبور الثلاثة الطاهرة: قبر الحبيب صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر ، وبقي مكان قدر قبر فقط، لن يتأهل له غير عيسى، لا يتأهل له الملوك، ولا الأولياء.. العلماء.. الأشراف، محفوظ بحفظ الله مدخر لعيسى عليه السلام. هذا الكلام ما هو سياسة، هذا قاله أهل العلم من السلف، ونحن ما نجزم ولكن نقول: ما دام أنه يحج ويعتمر ويأتي المدينة ويزور مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو مات فأين يدفن؟ في البقيع؟ لا، لا ندفنه إلا في الحجرة، فهذا المكان أليق به.إذاً: فهمتم سبب الاحتراس: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [آل عمران:46]؟ يكلمهم وهو طفل، ويكبر ويشب ويكلمهم وهو كهل.

    فضيلة عيسى عليه السلام بدخوله في عباد الله الصالحين
    قوله: وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46] عرفنا نحن الصالحين، ولكن ملايين من المسلمين ما عرفوا، لا يعرفون الصالح إلا الولي الذي يدعى ويستغاث به ويذبح له ويعكف حول قبره وينقل إليه المريض، هؤلاء هم الصالحون. تذكرون هذا أم لا تذكرون؟ من هم الصالحون؟ موكب من أربعة مواكب في دار السلام، جاء بيان ذلك في القرآن العظيم، وبين تعالى الطريق الموصلة إلى أن تكون مع مواكب الصالحين وهو في كلمة واحدة، اسمع عبد الله! اسمعي أمة الله! يا من يرغب أن يكون مع الصالحين أطع الله والرسول فقط، إذ قال تعالى في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] أما أن تكون نبياً فهذا لا يطمع فيه أحد، أغلق الباب وختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، مهما بلغت من الكمال لا تطمعن في النبوة، لكن تريد أن تكون في المواكب الثلاثة؟ نعم. ما هو الموكب الثاني؟ الصديقون، مريم والله منهم، أما قال تعالى: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75]؟ شهادة الله هذه أم لا؟ وأبو بكر الصديق من الصديقين أم لا؟

    طريق تحقيق الصلاح ورتبة الصديقية
    من منكم يرغب أن يكون منهم؟ إن باب الله مفتوح فتحه الرسول على مصراعيه؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق ) الزموه، لا تفرطوا فيه، لا تتخلوا عنه، عليكم بالصدق في القول والعمل والتفكير والحياة كلها، ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة )، أما قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]؟أعيد الكلام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم معلماً مربياً مزكياً للنفوس: ( عليكم بالصدق ) يا عباد الله! الزموه، لا تفارقوا الصدق أبداً، إذا قلت أو عملت أو اعتقدت أو فكرت - حتى التفكير - فالزم الصدق.( فإن الصدق يهدي إلى البر ) والله العظيم. ( والبر يهدي ) إلى أين؟ ( إلى الجنة، ولا يزال الرجل -والمرأة كذلك- يصدق ويتحرى الصدق -بعناية يطلبه- حتى يكتب عند الله صديقاً ) .الآن تفضلوا، باب الله مفتوح، من الليلة اصدق إذا قلت، اصدق إذا عملت، لا كذب ولا غش ولا تضليل ولا خداع، واطلب الصدق بعناية، وتحراه طول كلامك وطول أعمالك، ولا تزال تصدق وتتحرى الصدق حتى يكتبك الله مع الصديقين، فلان صديق من الصديقين، أما مريم فقد شهد الله لها بذلك.وقول الله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ [الزمر:32] من سورة الزمر حتى قال: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33] قال العلماء: هذه الآية تشير إلى أبي بكر الصديق . فالذي جاء بالصدق من هو؟ رسول الله، والذي صدق به أول واحد؟ أبو بكر الصديق ، إذ ثبت باليقينيات أن أول من أسلم من الفحول من الرجال هو أبو بكر الصديق ، وأول من أسلم من نساء العالم هي خديجة بنت خويلد ، وأول من أسلم من العبيد الأرقاء بلال بن رباح ، وأول من أسلم من الأطفال الصغار علي بن أبي طالب ، ففازوا بالأولية والأسبقية.إذاً: أنتم الآن مخيرون، قولوا: إن شاء الله نكون كلنا من الصديقين، فقط لا تكذب أبداً لا في قولك ولا عملك، ليكن الصدق طبعك، لا تزال تطلب الصدق وتتحراه في حياتك حتى يسجل اسمك في ديوان الصديقين، إذ هذا الحديث من أصح الأحاديث. ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل ) وكلمة (الرجل) ليس معناها أن النساء لا يدخلن، فهذه مريم صديقة، وإنما لعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بآداب الفحول وأخلاقهم لا يذكر النساء بينهم، عرفتم؟ والدليل: هل بيننا امرأة جالسة؟ أبداً، النساء وراء الستار، تلك منازلهن، والفحول هذا هو منزلهم، فمن هنا يراعي الله عز وجل ورسوله آداب وأخلاق المؤمنين، ما يقحم النساء في كل ميدان من الميادين؛ لأن الرجال لا يرضون بهذا، لم؟ لشرفهن.إذاً: قال: ( ولا يزال الرجل ) والمرأة كذلك.( يصدق ) في قوله وعمله ( ويتحرى الصدق -ويطلبه- حتى يكتب عند الله صديقاً ) حتى يفوز بالجائزة المسماة بالصديقية ويصبح فلان صديقاً. إذاً: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46] هل عرفتم من هم الصالحون؟ بينا هذا وعرفه السامعون والسامعات، لكن إخوان لنا زائرون ما عرفوا، من يرغب أن يكون من الصالحين؟ كلنا، يا راغبًا في أن تكون من الصالحين! أد حقوق الله كاملة، لا تبخس ولا تنقص منها حقاً وأنت قادر على أدائه، وأد حقوق الناس أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومؤمنهم، أد حقوقهم وافية، لا تنقص حقاً من حقوقهم يسجل اسمك في ديوان الصالحين، كـعبد القادر الجيلاني ومولاي إدريس وسيدي العيدروس . عرفتم؟ أد حقوق الله التي أوجبها عليك وأنت قادر على أدائها، وإذا عجزت فقل: رب عجزت سامحني، ما استطعت، والله يسامحك ويعفو عنك. أد حقوق الناس، امرأتك، أولادك، جيرانك، إخوانك، أي إنسان له حق عليك أعطه حقه، لا تستهن به ولا تحتقره ولا تحتل عليه، أد حقوقه، وبذلك لا تزال هكذا حتى يأتيك القبول وتصبح في عداد الصالحين، فالأولياء والأنبياء صالحون والله العظيم، والشهداء صالحون، والصديقون صالحون، إذ كل المواكب تعود إلى أنهم من الصالحين، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19].
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات
    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:]

    أولاً: فضل مريم عليها السلام وكونها ولية صديقة
    قال: [أولاً: فضل مريم عليها السلام وأنها ولية صديقة ]، ولكن هل هناك من يقول: مريم نبية؟ أي نعم. منهم من يقول: نبية؛ لأن جبريل أرسل إليها والله يوحي إليها ويكلمها، فكيف لا تكون نبية؟ والجمهور من أئمة الإسلام أن المرأة لا تنبأ؛ لأن النبي مأمور بإبلاغ الرسالة والنبوة، والمرأة ليست متأهلة لأن تخاطب الرجال وتدخل في صفوفهم حتى تعلم وتبلغ.إذاً: فهي ولية صديقة ولكن ليست نبية، وإن كلمها ملك وهتف بها الملائكة كأم موسى، أما قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]؟لتبقى النبوة والرسالة محصورة في الذين يستطيعون البلاغ والبيان والتعليم، فيكفيها أن تكون صديقة ولية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع ) من هن؟ آسية بنت مزاحم امرأة فرعون. سبحان الله! امرأة فرعون ولية؟ أي نعم. وحسبها أنه قتلها في المشنقة، آسية بنت مزاحم ، مريم بنت عمران ، خديجة بنت خويلد ، رابعاً: فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم. ( وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )، سمت لأن رسول الله يحبها، هذه بنت الصديق ، هذه أعلم نساء العالمين، أخذت معارف رسول الله وكانت تفتي وراء الستار، ويأتي كبار الصحابة يسألونها وتعلمهم، من لم يحب عائشة ما أحب رسول الله، ومن لم يحب رسول الله كافر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. تعرفون من عائشة هذه؟ هذه بنت أبي بكر الصديق .إذاً: من هداية الآيات كما سمعتم: [ فضل مريم عليها السلام وأنها ولية صديقة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من كمل النساء، ففي الصحيح: ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) ].وفي رواية أخرى: ( وخير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أما أمي وأمك فإن شاء الله صديقة ولية، أمهاتنا وليات أم لا؟ كل مؤمن تقي هو لله ولي، وإذا لم يكن وليًا الله ماذا يكون؟ يكون عدوًا لله؟ إذاً: هل يوجد من المؤمنين عدو لله؟ لا أبداً، كل مؤمن تقي فهو لله ولي، ولو لم تظهر الكرامات على يديه، المهم أن يكون مؤمناً صادق الإيمان تقياً لم يفجر ولم يفسق ولم يخرج عن طاعة الله ورسوله، وإن زلت قدمه وفجر يوماً أو فسق عاد وغسل وطاب وطهر بتوبته.

    ثانياً: أهل القرب هم المطيعون القانتون
    قال: [ ثانياً: أهل القرب من الله هم أهل طاعته القانتون له ] من هم أهل القرب من الله القريبون من الله؟ أهل الطاعة القانتون له؛ لأن هذا مأخوذ من قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، فمن أراد أن يقرب من الله فالله يقول: ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ) أليس كذلك؟ تقرب إلى الله ولو بخفض صوتك، لا ترفع صوتك على المؤمنين، تقرب إلى الله ولو بشوكة تجدها في طريق المؤمنين، أبعدها عنهم، تقرب إلى الله ولو بلقمة تضعها في في جائع من المؤمنين، القرب إلى الله سهل جداً، قم صل ركعتين وابك، تقرب إلى الله عز وجل، واقرءوا لذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يزال المرء يتقرب إلى الله حتى يحبه ) فإذا أحبك نم فالمخاوف أمان.

    علامات معرفة حصول الولاية ومحبة الله تعالى للعبد
    أهل الحلقة يعرفون من هم أولياء الله؟ من هم؟ هم المؤمنون المتقون، كل مؤمن تقي هو لله ولي.وأخرى أيضاً: من منكم يعرف أن الله يحبه أو لا يحبه؟ من يرغب في أن يعرف أن الله يحبه؟ كلنا يرغب. وهل يوجد بينكم من يحبه الله؟ أي نعم. وكيف لا؟ إذاً لماذا نصوم ونصلي؟ لماذا نحن عاكفون هنا؟ نريد أن يحبنا أم لا؟ من لم يحبه الله خسر خسراناً أبدياً.إذاً: العلامة هي أن تنظر: فإذا ما كنت تستطيع أن تسمع السوء والباطل والمنكر والكذب والحرام فهذه خطوة إلى حب الله.ثانياً: إذا أصبحت لا تستطيع أن تنظر إلى ما حرم الله عليك فهذه علامة أن الله قد أحبك، إذا أصبحت لا تستطيع أن تنطق بكلمة مما يغضب الله؛ فهذه علامة أنك محبوب، إذا أصبحت لا تستطيع أن تتناول بيدك أو تعمل بها أي شيء يغضب الله؛ فهذه علامة أنك محبوب، إذا أصبحت لا تستطيع أن تمشي خطوة ولا خطوتين ولا عشرًا في طريق غضب الله اعلم أنك محبوب، واسمعوا الخبر الصادق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري عن أبي هريرة -والحديث قدسي شريف-: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) الذي يعادي ولياً من أولياء الله أعلن الله الحرب عليه، فليحمل سلاحه.( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) التقرب إلى الله أي: طلب القرب من الله بفعل الفرائض أعظم شيء، بنص كلامه تعالى، ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلي ) أي: يطلب القرب مني بالعبادات والصالحات( حتى أحبه ).إذا كنت عسكريًا فهل تكون عقيداً أو عميداً في يوم واحد؟لا بد من التأخر، تعمل وتعمل في مراحل حتى تصبح عميداً أو جنرالاً، فبعض الرجال يصل إلى هذا في أربع سنوات، وبعضهم في سبع سنين، وبعضهم يمكث عشرين عامًا وهو عُسكري ما تقدم، عشرين سنة ما تقدم، فكذلك الولاية، فبعض الناس من سنة واحدة وهو ولي لله، أقرب الناس إلى الله منا؛ لأن الله قال: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )، فما ندري: في عام أو عامين أو عشرة أو خمسين سنة؟ المهم أن تتقرب إلى أن يحبك الله، فإذا أحبك فما علامة حبه لك؟ هو هذا: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، ولئن استنصرني لأنصرنّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي؛ يكره الموت وأكره مساءته ) .الآن عرفنا المحبوبين لله، إذا صدقك صديقك وقال: والله ما نستطيع أن نسمع الباطل، إذا تحدث الناس أقوم أنا، ما نستطيع أن ننظر إلى ما حرم الله، كأنما لهب النار في وجهي، ما نقوى على أن ننظر إلى امرأة لا تحل لنا، ما نقدر على أن نلطم مؤمنًا بكف، يدي ملكها الله، ما نستطيع أن نمشي خطوة واحدة إلى منكر أو إلى باطل، ما نقوى، ما نستطيع سماع الحرام، لم؟ لأن الله ملك هذه الآذان: ( كنت سمعه الذين يسمع به ) ، وهل الله يستخدم سمعه في ضده؟! حاشا لله، يستعمل الله هذا البصر الذي ملكه ليشيع الباطل والزنا؟! لا، وهكذا أيما واحد منا - معشر المستمعين والمستمعات - أصبح لا يقدر على أن يسمع باطلاً ولا أن ينظر إلى حرام ولا أن يتناول منكراً أو حراما، ولا يمشي إلى باطل؛ فليعلم أن الله قد أحبه، هل هناك أوضح من هذا الطريق؟

    ثالثاً: الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى
    قال: [ثالثاً: الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى]، كيف هذا؟سبحان الله! توضأ وتطيب وقف بين يدي الله، الله أكبر! أنت مع الله، اخترقت الملكوت كاملاً وأنت تتكلم مع الله.والله تعالى أسأل أن يحقق لنا ذلك؛ إنه وليه والقادر عليه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #154
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (12)
    الحلقة (153)




    تفسير سورة آل عمران (2)

    الله عز وجل هو خالق الخلق، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا يخفى عليه شيء في كونه الفسيح، فهو يصور عباده في أرحام أمهاتهم كيف يشاء، ويعلم ما سيكسبه كل واحد من عباده طيلة حياته، وما ستئول إليه نهايته، ومصيره في الآخرة، فهو العليم بعباده، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا! ها نحن في فاتحة سورة آل عمران، وهي السورة الثالثة من كتاب الله، سبقتها البقرة والفاتحة، وهذه السورة مدنية، والسور المكية ما نزلت في مكة والمدنية ما نزلت بالمدينة. وهناك ضابط آخر: ما نزل بعد الهجرة فهو مدني، وما نزل قبل الهجرة فهو مكي.والذي أرى هنا: أن السورة المكية تعالج العقيدة وتضع لها قواعدها وأسسها، وأما السورة المدنية فإنها بالإضافة إلى العقيدة تقرر الأحكام الشرعية، وتبين الحلال والحرام، وتبين الواجبات والمتطلبات لهذه الحياة. من عجيب هذه السورة المدنية: أن آخرها نزل قبل أولها. كيف ذلك؟ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ في الإمام المبين وينزل بحسب الأحداث والمتطلبات، فينزل آيات.. أحياناً تنزل آية واحدة ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحي: ضعوها عند كذا في مكان كذا فيكتبونها، حتى إذا انتهت السورة ختمت، وقد يبدو لهم أن السورة قد كملت وتأتي آيات فيؤمرون بكتابتها بين كذا وكذا. ومن هذا: أن حوالي ثمانين آية من سورة آل عمران نزلت في وفد نجران كما علمنا، ووفد نجران وفد في سنة الوفود في السنة التاسعة للهجرة، وآخر آل عمران نزل في أحد، وأحد كانت في السنة الرابعة أو الثالثة. إذاً: أول هذه السورة متأخر النزول وأولها متقدم. ولا تحفلوا بهذا كثيراً فإنما هو مزيد علم فقط.

    معنى قوله تعالى: (الم)
    هذه السورة مفتتحة بقول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الم [آل عمران:1]. فماذا عرفنا وعلمنا عن فواتح السور؟ الجواب: علمنا أن هذا من المتشابه، فيفوض أمر فهمه إلى الله، فقل: الله أعلم بمراده به، الله أعلم بمراده من هذا اللفظ، وستأتي الآية التي انتهينا إليها في الدرس الماضي وهي: أن القرآن الكريم منه المحكم ومنه المتشابه، والمتشابه لا يعلمه إلا الله، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، يبتغون تأويله من أجل الفتنة فاحذروه.

    فوائد الحروف المقطعة في فواتح السور
    هناك لطيفة ثانية وهي أن لهذه الحروف حكمتين ذكرناهما ولكن لا بأس أن نذكرهما مرة ثانية:الأولى: أن هذه الحروف بهذه الصيغة وهذا واللحن هذا الجرس ما كان معروفاً عند العرب، وهم أهل اللسان، أهل اللغة، أهل البيان، والقرآن نزل بلسانهم لكنهم لم يكونوا يسمعون: كهيعص [مريم:1] أبداً، هذا الصوت ما سمعوه أبداً، المر [الرعد:1]، طسم [الشعراء:1].إذاً: لما كانوا معرضين عن سماع القرآن وكانوا يسدون آذانهم حتى لا يسمعون، بل صدر أمر حكومي في مكة من رئيس مكة أبي سفيان : ممنوع على المواطن أن يسمع قراءة القرآن. لم؟ حفاظاً على معتقد الشعب، حفاظاً على وحدته، هذه الدعوة تريد أن تزلزله وتزعزعه. إذاً: ممنوع سماع القرآن، وإذا قدر لك وقرأ رسول الله أو فلان فاصرخ بأعلى صوتك حتى لا يتسرب صوته إلى سمعك.ذكر الله عنهم هذا في سورة فصلت إذ قال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت:26] باللغو والكلام الباطل، عندما يقرأ أبو بكر أو فلان أو فلان الغوا فيه؛ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] فتبقى لكم عقيدة الشرك والباطل. من زين هذا لهم؟ إنه أبو مرة عدو الإنسانية إبليس، هو الذي يخترع هذه الاختراعات ويوسوس بهذه الوساوس!فلما كانوا معرضين عن سماعه شاء الله أن ينزل فواتح بعض سور القرآن بهذه الحروف، فإذا سمع الذي لا يريد أن يسمع: حم * عسق [الشورى:1-2]، اضطر إلى أن يصبر، فلا بد يسمع ليعلم ما بعد هذا، فهذا شيء جديد، ونغم لم يسمعه، فلما يسمع يتسرب النور إلى قلبه. هذه فائدة جليلة وعظيمة من فواتح السور عرفها المؤمنون.ثاني فائدة:: لقد عقد أهل مؤتمراتهم في دار ندوتهم وقالوا وقالوا، قالوا: هذا سحر، وقالوا في صاحبه: مجنون، وقالوا: هذا كلام الكهنة، وغير ذلك مما قالوه ظلماً وعدواناً؛ حتى لا يقتنع مواطن بأن هذا وحي الله وكلامه، فيؤمن ويدخل في رحمة الله، فرد الله عليهم بقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:221-224]، فأبطل دعوى: أن محمد شاعر. أين الشعر؟ وأبطل أنه كاهن تتنزل عليه الشياطين، فأبطل الله هذه بالمرة، فقال لهم: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء:221] الجواب: تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء:222]، ذاك الكذاب الذي يقلب الحقائق ويبطل الحق ويحق الباطل. (الأثيم): المغموس في الإثم من الخمر.. القمار.. الباطل.. الكذب، هذا الذي تهيأ لأن تنزل عليه الشياطين؛ لأنه أصبح مثيلاً لهم، أخاً من إخوانهم، أما صاحب القلب الطيب والروح الزكية فلا تستطيع الشياطين أن تستقر فيها، فهم ينزلون في المراحيض والمزابل والقمائم والحشش، فإذا كان القلب خبيثاً يستقر إبليس وينزل فيه وكأنه قصر، وأما إذا كان القلب طيب ورائحته زكية فلا يستطيع. افتتح الله نيفاً وعشرين سورة بهذه الحروف وكأنما يقول لهم: إن هذا القرآن المعجز الذي تحداكم منزله على الإتيان بمثله.. بعشر سور.. بسورة واحدة، فحزنتم وبكيتم وما استطعتم، هذا الكلام الإلهي مؤلف من هذه الحروف: حم [الشورى:1]، ق [ق:1]، يس [يس:1]، طه [طه:1]، ص [ص:1]، ن [القلم:1]، فألفوا مثله أنتم! إن كنتم تدعون أن هذا ليس كلام الله فأتوا بمثله، فهذه ليست بحروف أعجمية، وإنما هي حروف لغتكم: الم [البقرة:1]، ص [ص:1]، فألفوا من هذه الحروف كلاماً آخر وحادوا الله به إن استطعتم! ويشهد لهذه اللطيفة في الغالب: أنه ما ذكرت الحروف إلا ذكر القرآن بعدها : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]، ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [الرعد:1]، الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2]، من هذه الحروف يتألف هذا القرآن، فألفوا مثله، أو اسكتوا وطأطئوا رءوسكم وقولوا: آمنا بالله!والآن أتباع هؤلاء يحاربون الدعوات الإسلامية ويقفون في وجهها، وما حوربت دعوة أكثر من دعوة محمد بن عبد الوهاب ، فقد حوربت في الشرق والغرب بالأباطيل والتراهات، مع أنه رحمه الله ما زاد على أن قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له). ولكم كل من كان يرأس جماعة أو يأكل على حسابهم لا يسمح لهذا الدين الصحيح أن يتغلغل في جماعته، ورجال الكنيسة من النصارى أكثرهم يعرف أن هذا هو دين الله وأنهم كفار، ولكن المنصب الذي نصب عليه يجعله لا يتخلى عن هذا الدين الباطل ولا يتنازل عنه أبداً.

    معنى قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو)
    يقول الله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2]. (الله) لفظ الجلالة مبتدأ أخبر عنه: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2]. (الله) هذا الاسم العلم على ذات الرب تبارك وتعالى، هذا الاسم اسم الله إذا ذكر الله عرفت ذات الله التي أوجدت كل موجود ودبرت كل أمر في السماء والأرض منذ أن أوجد الله الكائنات! الله الذي خلقك في رحم أمك! الله الذي جاءك بالشمس لتكتسب الحرارة والدفء منها! الله الذي به نطقنا وبه نظرنا وبه قمنا وقعدنا، ولولاه ما كنا فلا إله إلا هو!ما معنى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] في لغة العرب؟أولاً: الإله هو المعبود، فكل ما عبد يطلق عليه اسم إله في لسان العرب، سواء كان في لغة الحجاز أو تميم، فكلمة (إله) معناها: معبود، سواء كان كوكباً أو كان حجراً أو كان إنساناً أو حيواناً، فلفظة (إله) معناها: معبود، فلما تقول: (لا إله) أي: لا معبود (إلا الله).أين جاء ذكر (إله) بمعنى معبود في لسان العرب من القرآن الكريم؟ جاء من سورة إذ قالوا في اعتراضهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، هذه قولة رجالات قريش وصناديدها قبل أن يهلكوا في بدر، قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص:5-6]! إي والله عجب! دفاع قوي وحماس! علام يدافعون؟ على باطل ألفوه، عاشوا عليه ورضعوه من ثدي الأم، فلا يستطيعون أن يتخلوا عنه أبداً! هذا هو العجب! أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ص:5]، كلها صبغها بصبغة واحدة؟ جعل الإله واحداً! فهنا أسمع الله وفد نجران الصليبي النصراني قوله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2]، لا عيسى ولا مريم ولا روح القدس.. ولا أحد غيره سبحانه، فزلزلت أقدامهم، إذا جاءوا يجادلون رسول الله ويحاورونه يريدون أن يقنعوه أن عيسى إله مع الله. هذا الوفد كان يتألف من ستين فارساً نزلوا بالمدينة، ولم يمن بالمدينة فنادق ولا شقق، ولكن وزعهم الحبيب صلى الله عليه وسلم على أصحابه واحداً واحداً، وهم من كبار علماء النصارى ورجالهم، جاءوا يجادلون الرسول ليقنعوه أن عيسى ابن الله! من أعظم الخرافات أن يكون الإله خلق في بطن امرأة اسمها مريم ويصبح هو الله أو ابن الله! فهذا المعتقد انتهى، ولكنهم الآن يتغنون ويبذلون المليارات في سبيل نشر هذا الباطل! كيف يعقل أن يكون الرب مخلوقاً أمه مريم، وخرج من بطنها ومات أو يموت وكان عدماً ويصبح هو الرب؟ ولكن النصارى يزعمون ذلك، ويقولون: الأقانيم ثلاثة: الأب، والابن، وروح القدس، ويسمعون ذلك ويقبلونه؛ لأنهم مسحورون بالمادة، مع عرفوا معنى لا إله إلا الله ولم يخالط التوحيد قلوبهم!

    معنى قوله تعالى: (الحي القيوم)
    قال الله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ [آل عمران:2] الحياة الأبدية الأزلية، كان ولم يكن شيئاً! يقول الإمام البخاري في كتاب الأنبياء: (باب: كان الله ولم يكن شيء غيره) فهو سبحانه الحي الحياة الأزلية التي لم تسبق بعدم، والأبدية التي لا يلحقها عدم. هذا هو الحي.والحياة تستلزم السمع والبصر والقدرة.. وغير ذلك من الصفات، ويدلك على ذلك: قوله: الْقَيُّومُ [آل عمران:2]، فالقيوم أعظم من القائم، فالقائم على الأسرة فلان، والقائم على البلاد فلان، ولكن الله هو القيوم على كل ذرات الكون وموجوداته، الله هو القائم عليها، ولولا قيوميته لتصادمت الكواكب واحترقت وانتهى الكون، فلو تقترب الشمس من الأرض درجة واحدة أو تهبط لاحترق الكون كله! فمن هو القائم عليها؟ إنه القيوم سبحانه! وقد جاء في سورة الكرسي: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]! وقد قيل لموسى أو أحد الأنبياء: كيف لا ينام الله؟ فقال: خذ هذا الكوب وضعه بين يديك ولا تنم طول الليل. فسهر حتى أخذ النوم يراوده والكوب في يديه فسقط الكوب وتحطم. فقال له: لو كان الله ينام لخرب العالم منذ الآلاف السنين!

    التحدي العظيم بإنزال القرآن الكريم
    يقول الله تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3]. نزل عليك يا رسولنا يا محمد صلى الله عليه وسلم، نزل عليك الكتاب الفخم العظيم الجليل. القرآن عظيم جليل؟ إي والله، يدلك على جلالته وعظمته أن الله تحدى البشرية من الجن والإنس على الإتيان بكتاب مثله فطأطئوا رءوسهم وفشلوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] أي: ناصراً ومعيناً. وأما العرب فتحداهم بسورة فقط، والله ما استطاعوا! وإلى اليوم أيضاً باب التحدي مفتوح! ‏

    الفرق بين (نزّل) و (أنزل)
    لم قال الله (نزّل) ولم يقل: (أنزل) عليك الكتاب؟ هل هناك فرق بين (نزَّل) و(أنزل)؟ نعم، هناك فرق. (أنزله)، أي: جملة واحدة. و(نزله). أي: تدريجاً آية بعد آية وسورة بعد سورة وحكماً بعد حكم في ظرف ثلاثة وعشرين سنة، أما (أنزله) فجملة واحدة كما أنزل التوراة والإنجيل، أما القرآن فقد نزله تنزيلاً.قال: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:3]. فقرر التوحيد، وقرر نبوة محمد ورسالته، وكأنما الآية تقول: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، يا معشر النصارى اكفروا بصليبكم وآمنوا بالإسلام، فهذا نبيه ورسوله، فأبطل دعواهم. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3] فلا يفارقه أبداً، وكله حق، ليحق به الحق ويبطل الباطل.

    تصديق القرآن بالكتب السماوية من قبله
    يقول الله: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [آل عمران:3]. معنى: (مصدقاً)؟ أي: القرآن مصدق. (لما بين يديه) أي: لما أمامه من الكتب التي تقدم نزولها على رسل الله. وهذا التصديق له دلالته، فلو كان القرآن كلام إنسان كما قالوا: محمد عاش في صحراء حارة صهرت ذهنه وفاضت روحه بهذا الكلام، فلو كان ليس كتاب الله لأخذ يطعن في الكتب السابقة ولا يوافقها، ويعلن عن بطلانها، ولا يرضاها! فلو كان القرآن ليس بكلام الله ما كان ليشيد بالكتب السابقة ويثني عليها ويعترف بها. فهذا دليل عقلي منطقي، فما دام يصدق بالكتب السابقة ولا ينفيها ولا يبطلها فهذا كلام الله.

    معنى قوله تعالى: (وأنزل التوراة والإنجيل)
    يقول الله: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ [آل عمران:3]، ما قال: (ونزل التوراة والإنجيل) بل قال: (وأنزل التوراة والإنجيل)، أي: الذي نزل عليك الكتاب بالحق أنزل أيضاً التوراة على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام، فالتوراة نزلت جملة واحدة وكذلك الإنجيل، فالتوراة قيل عربيها: الشريعة، والإنجيل قيل معناه العربي: التعليم، ولا حرج، فهما كتابان منزلان من عند الله عز وجل، إلا أن اليهود كالنصارى أفسدوا كتاب الله بما أضافوا فيه من حواش وتفسيرات وتأويلات كما شاءوا، وغطوا الأصل موجود، وأخذوا يفسرون كلام الله بحسب أهوائهم وشهواتهم ومصالحهم، ويؤولون كلام الله الصحيح، وخاصة في صفات محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته؛ حتى لا يؤمنوا به. اسمعوا عيسى مع بني إسرائيل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي [المائدة:72]، (يا بني إسرائيل) يا أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم! اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. هذه كلمة قالها عيسى بن مريم عبد الله ورسوله، قال في ملأ من بني إسرائيل وهو يدعوهم إلى الله: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:72] أنا عبد وأنتم عبيد، والرب واحد، إلهي وإلهكم واحد إِنَّهُ [المائدة:72] والله مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [المائدة:72] غيره في عبادته فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72]، فالجنة دار السلام ممنوعة عن المشركين ومحرمة عليهم؛ لأن المشرك بخس حق الله وأعطاه لمن لا يستحقه متحدياً ربه معرضاً عنه، يلعب بشرائعه وأحكامه؛ لأن الحياة كلها علتها وسر وجودها هي أن يعبد الله وحده، أراد الله أن يعبد فأوجد هذا الكون وهذه المخلوقات، فالله عز وجل خلق الجنة وخلق النار وراء هذا الكون وخلق هذه الأكوان وخلق الإنس والجان لشيء واحد وهو أن يذكر ويشكر، والعبادة كلها ذكر وشكر، ما خرجت عنهما، فكان صرف تلك العبادة التي خلق الله الخلق وخلق الحياة كلها من أجلها مسخ وشرك بالله العظيم.

    أعظم الذنوب الشرك بالله
    إن المتأمل المتفكر يعرف أن الشرك من أعظم الذنوب، وهذا لقمان الحكيم من بلاد النوبة، أسود أوتي الحكمة، وضع بين يديه طفله الصغير يربيه، يؤدبه، يعلمه، فقال: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:17-18].وقبل هذا قال: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، لا يُقادر قدره أبداً! كيف يخلقك الجبار ويرزقك ويهبك بصرك وسمعك وعقلك ويوجد التراب حولك وكل الفواكه والخضر، ثم تقف أمام حجر وتصرف له العبادة من دون الله.مررت مرة بالهند برجل متحضر كأنه بريطاني، الكرافتة في عنقه، وهو ماثل أمام قرد ميت، فقلت: يا ليتنا نقف أمام الله هكذا بهذا الخشوع والخضوع! وتمر بالمحلات ودور السلع فتجد الإحليل وخصيتين من نحاس ويشتريها من رجل عاقل فيعبد هذا الفرج في بيته! الخضوع والخنوع والخشوع والانطراح يجب أن لا يكون بين يدي كائن من كان إلا الله عز وجل، ولكن لما جهل المسلمون القرآن صارت آلهتهم بالمئات، لكنهم لا يسمونهم آلهة؛ لأن هذا لا يقبل، ولكن يقولون: سيدي فلان، أما العبادة بالذات فتقدم له، خوفاً منه، ورغبة وطمعاً فيه، وتذبح له الذبائح التي تعرفونها، وإخواننا المصريون عندهم عجل البدوي ، فيذبح للسيد البدوي ، المواسم، المواليد أو الموالد، وأهل المغرب الإسلامي يسمونه: الموسم، موسم سيدي فلان، والمشارقة يسمونه: مولد، مولد سيدي فلان، ويذبحون الأبقار والأغنام والدجاج أيضاً إذا ما عنده دجاجة، ولا يفهمون أن هذا عبادة لغير الله أبداً، أبداً.

    الحلف بغير الله شرك
    يحلفون: (وحق سيدي فلان، ورأس سيدي فلان)، ولا يفهمون أنهم عظموا غير الله، وعبدوا غير الله! هل تدرون أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )؟ والحديث صحيح في سنن الترمذي وجامعه، ونحن لو حللنا هذا، ولو ما صح الحديث عرفنا هذا، فالحلف بالشيء تعظيم له أو لا؟ أسألكم بالله! الإنسان عندما يحلف ببقرة، يحلف بامرأة، يحلف بشيء يعظمه أو لا؟إذاً: من هو الأكبر؟ الله أكبر! فإذا حلف بكائن عظمته وجعلته مثل الله، وأشركت هذا المخلوق في عظمة الله؛ حيث عظمت هذا المخلوق وحلفت به، وهو أمر واضح كالشمس، لولا أن الرسول نهانا وحرم علينا وقال على المنبر: ( ألا من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، فقد نرتاب أو نشك، وقال على المنبر: ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت ).ومن باب التذكير أقول: لما هبطت الأمة إلى هذا الحضيض بعد أن كانت في علياء السماء، إذا اشتكى اثنان في المحكمة يقول سيادة القاضي: احلف بالله. فيقول الخصم: لا لا، سيحلف بالله خمسين مرة، حلفه بسيده فلان؛ فيأبى الحلف، فأصبح القاضي إذا حلف اثنين في خصومة يحلفهم بالسيد عبد القادر أو سيده موسى أو سيده عبد الرحمن أو مولاه إدريس أو السيد البدوي ، ولما بدأت دعوة الإصلاح تنتشر قالوا: لم هذا؟ قال: هذه حقوق الناس، أموال الناس. إذا قلنا: احلف بالله سيحلف سبعين مرة؛ ويأخذ حق أخيه الإنسان، لكن إذا قلنا: احلف بسيدي فلان؛ فإنه يخاف ويعترف بالبقرة!ووقعت حادثة عندنا، لا بأس أن أقصها عليكم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يرفه على أصحابه، وهي حكمة:تحاكم اثنان في المحكمة، فصدر الحكم بأن يحلفه بسيده فلان، ويعطيه شاته أو دراهمه، فأحدهما عفريت من بني آدم، جعل هراوة تحت برنوسه أو جناحه، وقال: امش تحلف، وكان الضريح مغلقاً، ولكن يوجد به نافذة يدخل منها رأسه ويحلف فالقبر في قبة، فلما وصلا أدخل الرجل رأسه يحلف؛ فانهال الآخر عليه بالهراوة، فتركه يتشحط في دمه وهرب. فجاء الناس ما هذا؟ فقال: سيدي فلان هو الذي ضربه؛ لأنه حلف به كذباً! سبحان الله! هذا شأن الذي يحلف بالباطل! فالحمد لله عدنا إلى معرفة لا إله إلا الله، فلا نركع ولا نسجد ولا ننحني ولا نخضع ولا نذل إلا لله عز وجل، فكيف أحلف باسم إنسان وأعظمه؟! الله أكبر، لا أكبر منه أبداً.

    تفسير قوله تعالى: (من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان...)
    قال الله: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ [آل عمران:3-4]، أي: من قبل القرآن، الذي نزله عليك يا رسولنا وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ [آل عمران:3-4]. ‏

    معنى قوله تعالى: (هدى للناس)
    ما معنى: هُدًى لِلنَّاسِ [آل عمران:4]؟ أي: لهداية الإنس. الناس بنو آدم، بنو إسرائيل، اليونان.. تلك الأمم لولا أن الله أنزل كتابه كيف تهتدي؟ أنزل من قبل القرآن التوراة والإنجيل لهداية الناس إلى طريق سعادتهم وكمالهم، وليطهروا ويصفوا، وليعدلوا ويتراحموا، وليعزوا ويسودوا، وليدخلوا الجنة دار السلام بعد موتهم، ما أنزلها للباطل ولا للهو ولا للعب.

    معنى (الفرقان)
    قال: الله مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [آل عمران:4]، لفظة (الْفُرْقَانَ) تطلق على القرآن، واقرءوا: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]. ما (الْفُرْقَانَ)؟ القرآن. لم تكرر هنا؟ هنا القرآن يراد به: ما يفرق الله به بين الحق والباطل من الحجج، والدلائل والبراهين والبينات، كلها أنزلها الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ببيانها وإظهارها للناس ليهتدوا بذلك إلى ربهم فيعبدوه ويسلموا من العذاب والشقاء.

    التهديد بالعذاب الشديد لمن كفر بآيات الله
    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [آل عمران:4]، يا ويحكم يا وفد نجران! سجل الله كفركم؛ لأنكم أصررتم على تأليه عيسى فأنتم كافرون، أبيتم أن تؤمنوا بمحمد ورسالته وكتابه! إذاً: إن لكم العذاب الشديد، لكن ما قال: إن لوفد نجران الذين كفروا، قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:4]؛ ليشمل كل من كفر، إلى أن تقوم الساعة. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:4]، بأي شيء؟ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:4]، ما هي آيات الله؟ القرآنية، الإنجيلية، الزبورية، التوراتية، التي نزل بها كتابه، وآيات أيضاً أخرى معجزات يعطيها الله لرسله وأنبيائه، فهي علامات دالة على صدق ذلك الرسول، وعلى وجود الله الحي القيوم، وعلى أن دين الله هو الإسلام. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:4]، لعل بعض السامعين يقول: كيف كفر بالآيات؟ ما اعترف بها، قال: لا نؤمن بها، هذا هو، جحد أن يكون هذا كلام الله، وأبى أن يأخذ بما فيه ويعمل بما فيه، الكفران: هو الجحود والإنكار وعدم الاعتراف، وهو لغة من لغة العرب، كفر وجحد بمعنى أنكر، بمعنى واحد. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [آل عمران:4]، والتنكير في (عَذَابٌ) للتفخيم. ما بالكم بالرجل يوضع في تابوت من حديد ويغلق عليه ويرمى في أتون النار ملايين السنيين، والله لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يسمع ولا يرى، وهو حي يتألم جوعاً وعطشاً في النار؟ أي عذاب هذا؟ يقف الرجل ويصب الحميم على رأسه فيصهر ما في بطنه.

    معنى قوله تعالى: (والله عزيز ذو انتقام)
    قال الله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4]، صفتان جليلتان لله، الله رب العالمين الإله الحق عزيز، فما معنى: (عَزِيزٌ)؟ ليس بذليل سبحانه، لا يمانع في شيء أراده، فالعزيز بحق الذي إذا أراد شيئاً لا يمكن أن يحال بينه وبين ما يريد، هذه هي العزة، الغلبة والقهر، عزيز. (ذو انتقام). ينتقم من أعدائه لأوليائه، والله العظيم.سيقول البعض: أرنا الانتقامات يا هذا في الدنيا! فأقول: أتعرفون عن قوم عاد أم لا؟ أين كانت عاد هذه؟ جنوبنا، أمامنا، كانت مدناً حضارية، ناطحات السحاب عندهم قبل أن تعرفها أوروبا؛ لأنهم كانوا طوال الأجسام، منهم من طوله عشرون ذراعاً ثلاثون إلى ستين كآدم عليه السلام، ويكفيك قولهم: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]، فرد الله عليهم بقوله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15]، تحدى القوة بالقوة. وقال: أَلَمْ تَرَ [الفجر:6] يا رسولنا كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8]، ما هي إلا جولة فقط، سبع ليالي وثمانية أيام، عواصف لم تر الدنيا نظيرها سبع ليالي وثمانية أيام، بدأت باليوم وانتهت بالليل، ثمانية أيام وسبع ليال، فتحولت ديارهم إلى دمار كامل، واقرءوا قول الله: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:6-8]. والفلاحون يعرفون هذه الأيام بالضبط، في آخر الشتاء، وتسمى عندهم بقرة العجوز، والقر هو البرد ضد الحر! في آخر يوم دخلت عجوز في عمق جبل في غار، وظنت أنها تنجوا وتسلم، وإذا بالريح في آخر اليوم تتلولب فوصلت إليها وجرتها! فلا إله إلا الله!ومن أراد أن يرى أطلال ثمود يمشي إلى مدائن صالح، وينظر بعينه كيف صنعوا من الجبال منازلاً وقصوراً، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [الشعراء:149]، الآن أمريكا لا تستطيع أن تفعل هذا، ولكن تلك الأمة ماذا أصابها؟ قال الله: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود:65]، فلما كان اليوم الأول أصيبوا باصفرار في وجوههم، وفي اليوم الثاني اسودت وجوههم، واليوم الثالث بركوا على ركبهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزوجون ولا يعملون، أمة كاملة جاثمة على ركبها، فودعها صالح وقال: فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ [الأعراف:93]، صباح السبت أخذتهم الصيحة فإذا أرواحهم كلها في عالم الشقاء، صيحة واحدة ثلاثة أيام!أين فرعون وملئه؟ أمسوا في قعر البحر وعمقه، إلا ما كان من فرعون رمته أمواج النيل أو البحر ليكون آية من آيات الله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:92]. قالت العلماء: لما تربع بني إسرائيل في ساحة الخوف والهلع والفزع، لو أنهم لم يروا فرعون حقاً ميتاً ما كانوا يصدقون أبداً، فمن تدبير الله ورحمته أن قذفته أمواج البحر.أعطيكم مثالاً حياً: كان عندنا حاكم جبار طالت مدة حكمه وهو في الحقيقة عامل للحكومة لفرنسية والياً في منطقة، فلما مات لم يصدق الناس أبداً، من طول ما حكم وأدب وضرب ما خطر ببالهم أنه سيموت. إذاً: من تدبير الله عز وجل أن ألقى بجثة فرعون ليشاهدها الشعب الحقير الضعيف الخائف؛ حتى يطمئن إلى أن فرعون قد مات.إذاً: كل هذا دل عليه قوله تعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4]. لما أعرض المسلمون عنه وعبدوا الأولياء والقبور والصالحين ومزقوا دعوة الإسلام وشتتوها فأصبحوا مذاهب وطرقاً قدداً هنا وهناك انتقم منهم فسلط عليهم أذل الخلق من اليهود، حفنة من اليهود لا يتجاوزون خمسة ملايين عبثوا بألف مليون مسلم، أذلهم الله على أيدي أذل الخلق. ووالله إن لم يرجع المسلمون إلى الطريق من جديد لنزل بهم بلاء ما عرفوه من قبل؛ لأن الله عزيز ذو انتقام، والله لهم بالمرصاد فيمهل ولا يهمل! إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ [الفجر:14]، ما المرصاد؟ المرصاد يعرفه الصياد الذي يصطاد النعام وبقر الوحش والغزلان، ينزل في مكان معين ويراقب، فالله عز وجل ينظر إلينا. يقول صلى الله عليه وسلم وهو واقف يخطب الناس على منبره: ( إن الله ليملي للظالم ). ما معنى: (يملي) يزيد الليالي والأيام ( ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله تعالى من سورة هود: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] ). وقد رأينا.

    تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)
    يقول الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]. فلا تقل: ممكن ليس بمطلع علينا، فدعنا نفرفش ونغني فهو ما يدري، إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، ولو كان هناك إله مع الله لأبانه الله وكشف عنه النقاب وأعلنه للناس، فكيف يكون عيسى إلهاً مع الله؟! ويأتي الإعلان الرباني: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18].فلا يخفى على الله شيء، مطلق شيء، لا في الأرض ولا في السماء، فكيف إذاً توجدون آلهة معه وتقولون: هذا إله مع الله؟! أبطل النظرية الصليبية ومزقها فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]. وهذه من أدلة وبراهين علمه وحكمته وقدرته.

    تفسير قوله تعالى: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)
    قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ [آل عمران:6]. هُوَ [آل عمران:6] لا غيره سبحانه الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ [آل عمران:6]. والرحم مستودع الجنين، ثم يصور الله الإنسان، هذا أحمر، وهذا أبيض، هذا طويل، وهذا قصير، هذا جميل، وهذا دميم، هذا شقي وهذا سعيد في الأرحام. فكيف يصورنا في الأرحام ويدعي بعض الخلق أن عيسى إله، والله هو الذي صوره في رحم مريم ؟! وكيف إذاً يصوره هو ولا يدري أنه إله معه؟ والله إنها لخرافة النصارى! ويا ليتهم يحضرون عندنا، والله تمنيت طيلة ما كنت أتردد على أوروبا عشرين سنة أن يجادلني نصراني فما وجدت، خرافات عمياء! كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:6] كيف يشاء سبحانه، فلا أحد يفرض على الله أن يكون ولده ككذا أو كذا كما يريد! قولوا: آمنا بالله، آمنا بالله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، لا إله إلا الله العزيز الحكيم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #155
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (13)
    الحلقة (154)




    تفسير سورة آل عمران (20)


    الله عز وجل كما يخلق بأسباب وسنن فهو أيضاً يخلق بدون أسباب، فقال ليعسى كن فكان في بطن أمه دون زوج لها من قبل، فكان هذا المخلوق آية في حمله، وكان آية في ولادته، وكان آية في نبوته ورسالته، وسيكون آية بنزوله آخر الزمان من السماء ليحكم الناس بشرع الله ودين الإسلام، فسبحان الذي إذا أراد شيئاً إنما يقول له كن فيكون، وسبحان الذي بيده كل شيء وهو العزيز الحكيم.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك ...) من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن في سورة آل عمران، وقد درسنا في الدرس السابق هذه الآيات الثلاث، أسمعكم تلاوتها، وتذكروا ما علمتم منها، وسوف نستعرض نتائجها وعبرها؛ لنتأكد من صحة ما علمنا، ثم ننتقل إلى ثلاث آيات أخرى ندرسها إن شاء الله.الآيات السابقات تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:42-44]. ‏

    هداية الآيات
    هذه الآيات سبقت دراستها ونتائجها كالتالي:
    أولاً: فضل مريم عليها السلام
    قال: [أولاً: فضل مريم عليها السلام وأنها وليّة صدّيقة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من كمل النساء]، فكيف لا تكون صدّيقة ولية والملائكة تخاطبها بإذن الله: يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42]، فهذه دالة على كمال هذه المؤمنة، وهل هي نبية؟ النبوة في الرجال، وليست في النساء؛ لأن النبي مأمور بالإبلاغ، والإبلاغ يلزمه الاتصال بالرجال والخلوة بهم وتعليمهم، والمرأة ليس لها ذلك، إذ بيتها هو مقر عملها، لا بأس أن تشهد الصلاة في مساجد الله إن أمنت الفتنة، إذ كان نساء المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن لهن بشهود الصلاة في الليل إذ لم تكن هناك أضواء وأنوار كهذه، فتشهد المرأة صلاة الصبح وصلاة المغرب والعشاء، ويعدن إلى بيوتهن ما يعرفن من الغلس كما قالت عائشة رضي الله عنها.وهذه الصدّيقة مريم أمرت بذلك في قوله تعالى لها: اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، إذ كانت تعيش في مقصورة، والمقصورة لاصقة بالمسجد، ومن هنا تشهد الصلاة مع المؤمنين، أمرها بالقنوت وهو الطاعة الكاملة لله والخشوع والخضوع، وأمرها أن تسجد وتركع مع الراكعين.

    فضل مريم وآسية بنت مزاحم وخديجة وفاطمة وعائشة
    وقد ذكرنا الحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ) ، وهي آسية بنت مزاحم ، آسية امرأة فرعون الشهيدة التي ربت موسى ونمت في أخلاقه وآدابه، قال: ( ومريم بنت عمران ).قال: ( وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) ، فأضاف إلى أولئك الفضليات عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنت أبي بكر الصديق .وورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ( خير نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ولا منافاة بين ذاك وذا؛ إذ الكمال يتفاوت فيه الكمل، الكمال يتفاوت فيه الكمل من الناس ومن الرجال والنساء سواء.فهؤلاء الأربع: آسية بنت مزاحم جاء ذكرها في القرآن الكريم، إذ هي التي قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11]، واستجاب الله تعالى لها ففاضت روحها وأخذها ملك الموت قبل أن ينزل السيف فيقسمها، وشاهدت مقامها في الجنة، هذه امرأة فرعون وما ضرها أن كانت تحت كافر طاغية جبار؛ لأنها مؤمنة.و مريم بنت عمران عرفتم عنها أنها نذيره لله، نذرتها أمها لله تعالى بحيث لا تنتفع منها بشيء، وبمجرد ما وضعتها وقمّطتها خرجت بها إلى بني إسرائيل ودفعتها إليهم؛ ليكلفوها، ومن ثم لم تنتفع بشيء منها، فتربت في حجر زكريا عليها السلام وهو أحد أنبياء الله ورسله، والله الحكيم العليم كفّلها زكريا؛ لتعيش فترة من الزمن مع خالتها؛ لأن امرأة زكريا أخت حنة . ثم لما كانت لله ما كان من زكريا عليه السلام إلا أن وضعها في المحراب الذي هو عبارة عن بنية صغيرة لاصقة بالمسجد بدرج يصعد عليه إلى ذلك المكان، وكانت تعبد الله فيها ليل نهار.

    ثانياً: أهل القرب من الله تعالى هم أهل طاعته القانتون له
    قال: [ثانياً: أهل القرب من الله هم أهل طاعته القانتون له]، لو سئلنا: من هم أهل القرب إلى الله بم نجيب؟ هم أهل الطاعة، أهل طاعة الله أهل القنوت والخضوع والخشوع هم أهل القرب من الله، وأهل التكبر والترفع أبعد الناس عن الله، ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )، حديث مسلم .فمن أراد أن يقرب من الله فليتواضع، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، اسجد واطلب القرب وتقرب، وفي الحديث القدسي: ( من تقرّب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا ).إذاً: يا طالب القرب من الله! إن الطريق إليه الطاعة والقنوت له عز وجل.

    ثالثاً: مكانة الصلاة وما يبلغه العبد بها
    قال: [ثالثاً: الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى]، من أراد أن يخترق السبع الطباق -أي: السموات السبع- ويرتفع فوقها ليقرب من الله عز وجل؛ فليتطهر وليقف في مكان طاهر وعليه ثياب طاهرة ويستقبل بيت الله ويكبر: الله أكبر، نافلة أو فريضة، وفي هذه الحالة أصبح مع الله؛ إذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إن الله ينصب وجهه للعبد في الصلاة )، فما دام في صلاته ومع الله يتكلم معه سراً والله يسمعه، فثق بأنك بين يدي الله، وهذا سر حرمة المرور بين يدي المصلي، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يمر بين يدي المصلي وسترته؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لأن يقف أحدكم أربعين خريفاً -أي: سنة- خير له من أن يمر بين يدي المصلي )، يقف أربعين سنة وهو واقف ينتظر هذا المؤمن حتى يفرغ من صلاته ثم يمر خير له من أن يمر بين يدي المصلي، ما سر هذا؟ المصلي كما علمنا هو مع الله وبين يدي الله وقلبه مع الله، ووجهه إلى الله، وجه الله إليه، فهذا الذي يمر ينتقل المصلي من الله إليه ينظر إليه، وينتقل التفكير والذكر لله إلى ذلك المار بين يديه.إليكم مثالاً محسوساً يعقله العالمون: لو كنت أنت تتصل بملك في أعظم أمر تتوقف عليه سعادتك أو شقاوتك، وشرعت في الحديث معه، وجاء من قطعك، كيف تعامله؟يكرب يحزن يضطرب، لو أمكنه أن يضرب به الأرض لضرب به الأرض؛ لما فوّت عليه من تلك السعادة، أنا أقول: الأمثلة معقولة: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا ليعرف لماذا يحرم علينا أن نمر بين يدي المصلي، كيف نرضى أن نقف أربعين سنة ولا نمر بين يديه؛ لأن الأمر عظيم، وهو أن العبد مع الله يناجيه ويساره ويكلمه ويطلب حاجته، فإذا مر بين يديه رجل قطعه، فقطع هذه الصلة التي بينه وبين الله، ووالله لن تتم لك - ولو أنفقت ما في الأرض ذهباً - إلا في هذه الحال، كيف إذاً ترضى عن هذا الذي قطعك عن الله؟ فمن هنا يجب علينا أن نقف ولا نمر بين يدي المصلي وسترته إن كانت له سترة، فإن لم تكن له سترة نبتعد عنه مسافة مكان وضع رأسه، نترك قدر ممر الشاة، والتنبيهات من أهل العلم يقولون: أحياناً المصلي هو الآثم، المصلي الذي يصلي في ممرات الناس وطرقهم هو الآثم، حرمهم من العمل ووقف بهم عن أعمالهم، فلم يظلمهم؟ هو العاصي هو الآثم، والذي يصلي بدون سترة وفي إمكانه أن يضع سترة لم لا يتخذ سترة يصلي إليها؟ كانوا يتسابقون إلى أعمدة المسجد يصلون؛ إذ هذه الصلاة هي النوافل، أما الفريضة فإذا دخلوا فيها ومر من مر بين الصفوف؛ لإتمامها أو لوجود مكان يصلي فيه فمأذون في هذا، أقر هذا النبي صلى الله عليه وسلم في منى لـعبد الله بن عباس .إذاً: عرفنا من هم أهل القرب من الله؟ أهل الطاعة والقنوت؛ لأن الملائكة ماذا قالت لـمريم؟ قالت: اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43].قلنا: الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى، يا من يرغب في أن يصل إلى ما فوق السموات السبع! الطريق موجود، فيه سلم آلي: توضأ تطهر قف في مكان طاهر، أقبل على الله وقل: الله أكبر، فإذا أنت قد اجتزت هذا الملكوت وأنت مع الله عز وجل.

    رابعاً: ثبوت الوحي المحمدي وتقرير رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال: [رابعاً: ثبوت الوحي المحمدي وتقريره]. من أين استنبطنا أو استنتجنا نتيجة ثبوت الوحي المحمدي وأنه نبي الله ورسوله؟من قوله تعالى: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44]، هل تذكرون أن حنة عليها السلام لما ألقت بطفلتها في صلحاء بني إسرائيل أنهم تنازعوها كل أراد أن يكفلها، لا يوجد عالم من علمائهم ولا صالح إلا رغب أن تعيش هذه في بيته، لم؟ لأنها نذيرة الله؛ لأنها بنت عبدين صالحين حنة وعمران عليهما السلام، فرغبة كل واحد فيها ألجأتهم إلى الاقتراع، فاستهموا عليها فكفّلها الله زكريا، ماذا صنعوا؟ جمعوا أقلامهم التي يكبتون بها التوراة كتاب الله، وأخذوا يرمونها في النهر -نهر الأردن-، ومن وقف قلمه هو الذي يأخذها، ومن دحرج الماء قلمه ورمى به بعيداً فما له حق في ذلك، فأخذوا يطلقون الأقلام قلمًا بعد قلم والماء يذهب بها، لما ألقوا قلم زكريا وقف كأنما هو خشبة في الأرض، هل كان نبينا صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، هل كان في ذلك الزمن؟هذه حاثة قبل سبعمائة سنة تقريباً، فكيف عرف هذا؟ وإذا كان أبوه لا يعرف وأمه وجده والعرب كلهم سواه فكيف هذا؟ هذا دليل نبوته وبرهان رسالته، ويكفي أن يقول الله تعالى له: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [آل عمران:44]، أنباء الغيب: قصة حنة وعمران ومريم كل هذا ما كان يعرفه الرسول من غيب أوحاه الله إليه، وما كنت حاضرًا يوم استهموا واقترعوا على من يكفل مريم ، ما كنت معهم، فكيف عرفت؟ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]، إذاً: صلوا على نبينا الرسول صلى الله عليه وسلم.هذه كافية في إثبات نبوته، ومع هذا ملايين البشر لا يؤمنون بها؛ لأنهم عميان ومحجوبون ومسحورون، كيف تُنكر نبوة محمد عليه الصلاة والسلام مع هذه الحجج والبراهين القطعية؟

    خامساً: مشروعية القرعة حال الاختلاف
    قال: [خامساً: مشروعية الاقتراع عند الاختلاف، وهذه وإن كانت في شرع من قبلنا إلا أنها مقررة في شرعنا والحمد لله]. القرعة معروفة، إذا قسمنا داراً أو بستاناً قابلا للقسمة كل يريد أن يأخذ هذا أو هذا؛ فالقرعة تفصل بيننا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى جهاد أو نحوه يقرع بين نسائه، فمن خرجت قرعتها خرجت معه، إذ ما هو بقادر أن يأخذ تسع نسوة.إذاً: واحدة فقط تخدمه في سفره، وتعبد الله معه، وعلى الذين تحتهم زوجات أيضاً أن يأخذوا بهذه السنة، عندك امرأتان كلتاهما تريد العمرة معك فالقرعة، والتي خرجت قرعتها اعتمرت أو حجت، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.فالقرعة مشروعة وقد ذكرت القرعة في سورة الصافات، تمت قرعة قبل زكريا، وهي قسمة يونس بن متّى عليه السلام، إذ قال تعالى: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:141-142]، اقترعوا؛ لأن السفينة حملها كبير، فربانها وملاحوها قالوا للركاب: أنتم بين خيارين: بين أن تضحوا بواحد منكم وينجو الباقون، وبين أن تشحوا بنفوسكم وتغرقوا كلكم، فماذا يصنعون؟ قالوا: القرعة، الذي تخرج القرعة عليه هو الذي يلقى في البحر، وهذا تدبير العزيز العليم، فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس الهارب من الدعوة إلى الله عز وجل الذي ملّها.وهذا قول الله عز وجل: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:139-144].فسبحوا ربكم، نزهوه وقدسوه بتلك الكلمة الطيبة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، اشغل بها - يا عبد الله - وقتك، إذا فرغت من أكلك من شربك من وضوئك اشتغل بالتسبيح.والمسح ة في يدك تضرب بها: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، بدراجتك تدفعها برجليك، بطائرتك تقودها بمقودها وأنت تسبح الله، إذا أردت النجاة فهذا إحدى سبلها، أما قال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]؟ والله لن يخرج إلى يوم القيامة، لكن لما كان يسبح وهو في الظلمات الثلاث وسمعته الملائكة تحت العرش؛ حينئذٍ صدر أمر الله إلى الحوت أن يرميه خارج البحر.فإذا كنت مشغولاً مع أعمالك مع إخوانك فكلما تسكت قل: سبحان الله، لكن إذا كنت فارغًا فهل تفكر في الشهوات والمطاعم والملاذ أم تسبح الرحمن؟اشغل هذا الوقت بكلمة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن )، محبوبتان إلى الله عز وجل، فمن أراد أن يقرب من الله يتملقه، ما دمت تعرف أن ربك يحب هذه فأعطه هذه وتقرب إليه وتملق.من يوم أن بلغنا، ويوم كنا أطفالاً ونحن نقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ونضيف إليها (أستغفر الله) مائة مرة، ما بين أذان الصبح وصلاتها، فإن كنت مشغولاً فقل وأنت على السيارة" سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، أستغفر الله.وأذكر ليلة كنا ننتظر فيها الإعلان عن هلال العيد في نادي الترقي، والشيخ الطيب العقبي خرّيج المسجد النبوي الذي رأيته منذ يومين كالبدر في رؤيا، والله كالبدر، وكنت أقول لإخواني: هذا هو الشيخ الطيب ، هذا مؤسس جريدة القبلة واستبدلها بأم القرى وتركها للطيب التونسي بعده، فكنا ننتظر متى يعلن، وأهل النادي مكتظون، وجاءت المناسبة وأخذ الشيخ يسبح: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، وسبح النادي بكامله، ضجت المدينة ووقف الناس والبوليس: ما هذا؟ لقد وجد لذة ما استطاع أن يتركها.إذاً: سبحوا الله عز وجل: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ما دامتا حبيبتين إلى الرحمن فكيف لا نتقرب بهما إلى الله؟! أو لسنا في حاجة إلى الله؟ أنفاسنا التي نرددها هي لله، حياتنا كلها لله، لولا الله ما كنا ولا ولدنا، كيف نستغني عن الله وحبه؟!

    تفسير قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ...)
    والآن مع هذه الآيات الثلاث ندرس منها ما شاء الله أن ندرس، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:45-47].اذكر يا رسولنا! لوفد نجران، لنصارى نجران الستين فارساً الذين جاءوا يتعنترون ويريدون أن يعلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليه عيسى، فحدثهم عن جدته لا عن مولده هو، هم يجهلون موت جدته، فقص عليهم قصص عيسى قبل أن يوجد بكذا سنة، وحدثهم عن مريم بأحاديث ما سمعوها أو سمعوها مخلوطة مخبوطة رأسها مع رجليها أكاذيب وأباطيل.هذا وحي الله: إذ قالت [آل عمران:45]، أي: اذكر يا رسولنا لهذا الوفد التائه الحيران إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45]، الملائكة هنا اسم جنس واحدهم ملأك، وخفف فكان ملك، والمراد به هنا جبريل عليه السلام، هذا رسول الله إلى الأنبياء والرسل، هذا السفير الأعظم جبريل، خاطبها وقال: يا مريم ! إذ هذا اسمها: مريم ، ما قال: يا سيدة، أو: يا مدام! قال: يا مريم . يا خادمة الله! هل عرفتم معنى مريم ؟خادمة الله، يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ [آل عمران:45]، والبشارة ضد النذارة، والبشارة: الكلمة السارة المفرحة التي تثلج الصدر، ويتجلى ذلك في بشرة الوجه حيث تكون صفراء مشرقة. يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ [آل عمران:45]، ما هي هذه الكلمة؟ هي عيسى عليه السلام، وهل عيسى كلمة؟ نعم. كان بكلمة كن فكان، من القائل كن؟ الله جل جلاله.

    قدرة الله تعالى الباهرة في خلق بعض البشر من غير اجتماع أب وأم
    الله عز وجل يخلق بالأسباب ويخلق بدون أسباب، فالتكوين القدري يكون بدون سبب، قال لعيسى: كن فكان في بطن أمه كأنه ابن تسعة أشهر، وهنا أذكر الناسين أن هناك إنسانًا لا أب له ولا أم، إنسان أفضل منا، أكمل منا، أجمل منا، والله لا أم له ولا أب، من هذا يرحمكم الله؟هذا آدم أبو البشر، خلقه الله ونفخ فيه من روحه، صنعه الله من طين لازب من حمإٍ مسنون، وتركه حيناً من الدهر أربعين سنة، ممكن أنها بأيام العالم الأعلى، ثم نفخ فيه من روحه فإذا هو آدم، يعطس فَيُلْهم: الحمد لله، فتقول له الملائكة: يرحمك الله يا آدم! وكانت سنة باقية إلى يوم الدين، باقية مع من؟ مع الصعاليك ومع المجرمين والجاهلين! مع الربانيين أمثالكم، إذا عطس المؤمن يقول: الحمد لله، ومن سمعه يشمته ويقول: يرحمكم الله، كيف يشمته؟يشمته أي: يزيل الشماتة عنه، كما يقال: يقشر التفاح، أي: يزيل القشرة عنها؛ لأنه لما عطس تغير وجهه وتغير صوته وخرج منه لعاب أم لا؟ أمنظر محمود هذا؟ لا، إذاً: ليزيل أخوه الشماتة عنه فيقول له: يرحمك الله، فهل يوجد هذا الكمال في غير أمة الإسلام؟فهذه وحدها تساوي الدنيا وما فيها، ولكننا غافلون وجاهلون، تشميت العاطس سنة مؤكدة، إذا عطس أحدنا ماذا يقول؟يقول: الحمد لله، واملأ بها فاك يا عبد الله، والذي سمعك عطست وحمدت ينبغي أن يقول لك: يرحمك الله، هذه الجملة خبرية ومعناها إنشاء الدعاء: اللهم ارحمه لأنه حمدك، ويرد عليه أخوه المؤمن قائلاً: يغفر الله لي ولك، فهذه تساوي خمسين ألف ريال، كيف تحصل على هذه الدعوة، يغفر الله لي ولك مكافأة له، أما قال له: يرحمك الله؟ إذاً: يكافئه بقوله: يغفر الله لي ولك، وإن كان الحاضرون جميعاً: يغفر الله لي ولكم، وهناك أيضاً دعوة مستواها أقل من هذه، ولكن تصلح لدنيانا، فيقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم، أو: يهديك الله ويصلح بالك إذا كان واحدًا، يهديكم الله لما فيه سعادتكم وكمالكم، ويصلح بالكم، ما هو البال؟ هذا سر باطني، الآلة التي توجهك إلى أن تخدم أو تترك، إلى أن تنام أو تستيقظ.أعود إلى من خلق بلا أب ولا أم وهو آدم عليه السلام، وهناك من خلق من أب ولا أم، وهي حواء، خلقها الله من ضلع آدم الأيسر، قال لها: اخرجي فخرجت، فإذا العروس إلى جنبه، من هذه؟ هذه حواء . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].يقول أهل العلم: الضلع الأيسر أقل من الأيمن؛ لأنه فقد بعضه، أخذته حواء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( خلقن من ضلع أعوج )، فهذه حالها ( إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج )، والحمد لله، تبقى معك على عوج أحسن من أن تكسرها وترميها.ولقد عشت مع هذه المؤمنة التي تغمدها الله برحمته قرابة الستين سنة ما سمعت مني كلمة سوء ولا سمعت منها أخرى.الربانيات الصالحات كلهن يسألن الله أن يمتن قبل أزواجهن ليمتن طاهرات عفيفات، والشاهد من هذا أن الجهل هو الظلمة التي ما فوقها ظلمة، تعلموا يا عباد الله الكتاب والحكمة، اجتمعوا في بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم تستمطرون رحماته فلا تلبثون أن تصبحوا كالحواريين، أما ونحن مبعدون بالحيلة والسحر عن الكتاب والحكمة وبيوت الرب فأنى لنا أن نفيق من هذه الغفوة أو نصحو من هذه السكرة أو نعود بعد هذه الجفوة؟ هيهات هيهات! ما هو إلا باب الله يقرع، وقد بين الرسول ذلك وعلمنا.أهل الحي في مجلسهم الجامع يجتمعون فيه بنسائهم وأطفالهم كل ليلة طول الحياة يتعلمون الكتاب والحكمة، أهل المساجد في الأحياء كذلك.أعود فأقول: بقي من له أم ولا أب له، ألا وهو ابن مريم، ألا وهو عيسى عليه السلام؛ إذ كان بكلمة الله: كن، فكان، فإذا بالطلق والمخاض يهزها، عيسى بكلمة التكوين، وهذا هو شاهد الآية الكريمة: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45]، وأمه هي خادمة الله مريم .

    ذكر فضل عيسى عليه السلام بالقرب من ربه
    ووصفه بأنه وجيه في الدنيا أي: ذا جاه عظيم، من قابله من نظر إليه من اجتمع معه تجلت له هذه الوجاهة، وكيف لا وهو لم يكن كبني آدم، كان بنفخة الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه، يبهر من ينظر إليه أو يسمع منه، وجيهاً في الدنيا وفي الآخرة معاً.قوله: وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45]، من هم المقربون؟ اللهم اجعلنا منهم.قال تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، من أراد أن يقرب يقرب، لا مسافات بيننا وبين الله، تملق لله عز وجل في ذكره ودعائه والركوع والسجود له، والبعد عن مساخطه ومكارهه، فلا تزال تقرب حتى يقربك ويدنيك وتكون من المقربين.

    ذكر فضله عليه السلام بتكليم الناس في المهد
    وقوله تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46]، هذه تمام البشرى، علّمها جبريل أن عيسى يكلم الناس في المهد، والمهد مكان يوضع فيه الطفل يوم يولد، يمهّد له ويوضع فيه، وقد جرت سنة الله ألا يتكلم طفل، سواء كان ابن نبي أو ابن ملك، فهذه آية من آيات الله أنه يتكلم في المهد، وبالفعل ذكر تعالى كلماته لما جاءت به إلى بني إسرائيل: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم:27-28]، إذاً: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [مريم:29]، قالت: كلموه؛ لأنها هي أمرت أن لا تتكلم، أشارت إليه: كلموه. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [مريم:30-34]، كلموه فأخذ يفصح عما يكون في المستقبل، ولهذا هنا قال بإيجاز: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [آل عمران:46]، الكهولة سن ما بين الشيخوخة وبين الشبيبة، إذا بلغ الشاب ثلاثًا وثلاثين سنة انتهت الشبيبة وأصبح رجلاً يأخذ في الكهولة إلى الستين، وبعدها يأخذ في النقصان، شاب كهل شيخ وبعد الشيخوخة الهرم والقبر.قال العلماء: قال: وَكَهْلًا ؛ لأنه لما قال: (يكلم الناس في المهد) قد تفهم منه أنه يموت أو يصاب بالبكم، فقال: وَكَهْلًا ، وهذا سيتم إن شاء الله بعد أعوام أو أيام، سوف ينزل فينا ابن مريم والله العظيم، سوف ينزل فينا ابن مريم من الملكوت الأعلى ويعيش إلى أن يبلغ ثلاثًا وستين سنة، كأن عمره محاذ لعمر النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف يزور المدينة ويحج ويلبي من الروحاء: لبيك اللهم لبيك حجاً أو عمرة، بهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كأني بابن مريم بالروحاء يلبي: لبيك اللهم لبيك حجاً وعمرة ) .وقد ذكرت لكم ما قال بعض أهل العلم القدامى لا المعاصرين: أن في الحجرة الشريفة مكانًا يتسع لدفن إنسان، إذ فيها الآن ثلاثة قبور: قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر أبي بكر ، وقبر عمر ، وبقي فيها قدر قبر إنسان، وما استطاع ملك ولا سلطان لمدة ألف وأربعمائة سنة أن يقول: ادفنوني معهم، من صرفهم؟ الله، إذاً: فمن الجائز: أن يدفن عيسى معهم، ويصبح من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    ذكر فضله عليه السلام بكونه من الصالحين
    قال: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ، لو لم يقل: وَمِنَ الصَّالِحِينَ ، فيمكن أن يقال: هذا ساحر أو دجال. ومن هم الصالحون؟ الصالح منا: من أدى حقوق الله وافية، ما نقصها ولا بخسها ولا جحد منها شيئاً، وأدى حقوق الناس كذلك، ما سرق ولا بخس ولا نقص، ذلكم هو العبد الصالح وهو في زمرة الصالحين، وهو الموكب الرابع الذي يشمل: الأنبياء والصديقين والشهداء، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، (مَنْ) من ألفاظ العموم أم لا؟ من العرب من العجم في الأولين في الآخرين، من يطع الله والرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، كل نبي من الصالحين، كل صديق من الصالحين، كل شهيد من الصالحين، أليس كذلك؟ وليس كل صالح بنبي ولا صديق ولا شهيد، بدليل أنكم أنتم من الصالحين وما أنتم أنبياء ولا شهداء. وصلى الله على نبينا محمد.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #156
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (14)
    الحلقة (155)

    تفسير سورة آل عمران (21)

    لقد تفضل الله عز وجل على عيسى عليه السلام وبعثه بالنبوة والرسالة، وأيده بمعجزات شتى ليثبت الأمر على بني إسرائيل ويقيم الحجة عليهم، ومما جاء به عيسى بني إسرائيل أنه كان يخلق لهم من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأنه كان ينبئهم بما يأكلون من الأطعمة وما يدخرون منها، وغيرها من الآيات لعلهم يتقون وإلى ربهم يرجعون.

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة كسابقتها واللاحقة بها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) ، حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وأعيد إلى أذهانكم - فتح الله علي وعليكم - تلاوة الآيات التي درسناها بالأمس، ولنستحضر ما علمناه منها وما فتح الله به علينا فيها، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:45-47].تذكرون أن مريم استبشرت لما بشرت فقالت: رب كيف يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ تريد أن تعرف السر أو السبب أو العلة، ومن هنا يجوز الاستفسار عن الأمر المجهول، قالت رب أي: يا رب، أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ، أي: بالمجامعة ولا بغيرها، ومن آية سورتها عليها السلام: قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [مريم:20]، وجمع البغي: بغايا، وهن الزواني والعياذ بالله.والشاهد عندنا في استفسارها أنها ليست منكرة لما أمر الله وقال، ولكن تريد أن تعرف السر؛ لأنه خارج عن سنن الله، سنة الله في الولادة أن يجامع الفحل امرأته، وهذه ما مسها بشر، فكيف؟ لها الحق أن تسأل هذا السؤال، وكان جواب الله: الله يخلق ما يشاء.وقد ذكرنا بالأمس تلك اللطيفة، فعرفنا أن الله خلق مخلوقاً من غير أب ولا أم، من هو هذا؟هو آدم عليه الصلاة والسلام، ما له أم ولا أب، وهناك من خلق من أب وبدون أم، وهي حواء أم البشر خلقها الله من الذكر من آدم من ضلعه الأعوج، وهناك من خلق من أم بدون أب، وهو عيسى المسيح عليه السلام، وخلق من أب وأم سائر البشر.هذه سنته في خلقه يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً وحكم به يقول له: كن فيكون، ما يحتاج إلى وسائط أو أسباب أو وسائل أبداً، وما كان من الأشياء التي توجد بالأسباب والسنن فلها ذلك، أما وإذا أراد شيئاً فبكلمة (كن) يكون، كما قال لعيسى: كن فكان، ساعة واحدة وأخذها الطلق ولجأت إلى النخلة.
    قراءة في تفسير قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات
    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات] هذه الآيات الثلاث فيها أربع نتائج وعبر [من هداية الآيات:]
    شرف مريم عليها السلام وكرامتها
    قال: [أولاً: بيان شرف مريم وكرامتها على ربها؛ إذ كلمها جبريل وبشرها]، هل أمهاتكم أو نساؤكم وبناتكم يظفرن بهذا؟ من هي التي يكلمها جبريل؟ إذاً: فتكليم جبريل عليه السلام رسول الوحي إياها وتبشيرها بولد كيف لا يكون هذا شرفًا لـمريم؟ وفي الحديث: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع ) وذكر منهن مريم بنت عمران .

    شرف عيسى عليه السلام ووجاهته وكونه من المقربين
    ثانياً: [بيان شرف عيسى عليه السلام ووجاهته في الدنيا والآخرة]، أما قال تعالى: وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:45]؟ الوجيه بالوجاهة في الدنيا والآخرة.وثانياً: [وأنه من المقربين] بشهادة الله، أخبر الله تعالى: أن عيسى من المقربين، لو يصل إلينا خبر نحن بهذا فسنسجد ونبكي ساعات ولو برؤيا منامية من الصالحين، أما عيسى فالله تعالى أخبر أنه من المقربين.

    دلالة تكلم عيسى عليه السلام في المهد على عظيم قدرة الله تعالى وعجيب آياته
    ثالثاً: [تكلم عيسى في المهد آية من آيات الله تعالى؛ حيث لم تجر العادة أن الرضيع يتكلم في زمان رضاعه]، وهل هناك من تكلم؟أربعة فقط: شاهد يوسف لما حصل النزاع بين امرأة العزيز وبين يوسف وهرب وجذبته من ثوبه ومزقته وما أراد أن يصفعها، وحضر السيد، وكان رضيع في يد إحدى النساء فنطق وقال: يوسف مظلوم ظلمته زليخا ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ [يوسف:26-27].هذا الغلام شهد بهذه الشهادة وفصل في هذه القضية وهو يرضع.الثاني: صاحب جريج الذي اتهمته المومس وأبوه راع فجر بها، فلما قال له جريج: من أبوك؟ نطق الغلام وقال: أبي فلان، وبرأ الله وليه جريجاً .الرابع: مرة من المرات مؤمنة تحمل طفلها في يدها وترضعه، فمر بين يديها رجل فارس على أجمل ما يكون من الخيول والهيئة، فقالت: أي رب! اجعل ولدي مثل هذا، فنطق الولد وقال: اللهم لا تجعلني مثله. من أنطقه؟ الله عز وجل، الذي أنطقنا ونحن كالأخشاب، أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء.

    مشروعية الاستفسار عما يخالف العادة لمعرفة سره وحكمته
    رابعاً: [جواز طلب الاستفسار عما يكون مخالفاً للعادة؛ لمعرفة سر ذلك أو علته أو حكمته]. أخذنا هذا من قولها: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ [آل عمران:47]، كيف يكون لي ولد؟

    تفسير قوله تعالى: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)
    الآن مع بعض الآيات التي بين أيدينا، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:48-51].

    تقرير عبودية عيسى عليه السلام لله تعالى
    هذه والله كلمة عيسى أنزلها الله تعالى إلينا كأننا حاضرون مجلسه، هذه الآيات كلها تقرر أن عيسى لم يكن بابن لله، ولم يكن أبداً هو الله، وما زال على أنه عبد الله ورسوله، احلف بالله الذي لا إله غيره ولا تحنث: ما كان عيسى بإله أبداً، وما هو بإله وما هو إلا عبد الله ورسوله، فتقول: أشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وكفر النصارى نساءً ورجالاً بالجهل والتقليد الأعمى والتضليل المتعمد، وإلا فهذه فرية باطلة بكل عقل، كيف وقد عرفناه وعرفنا أمه وعرفنا أسرته وتاريخه وبلده والإنجيل الذي نزل عليه، وأنه عبد الله ورسوله، ثم نقول: إله ونعبده!الجهل أولاً، والتقليد من بعضهم لبعض ثانياً، والتغرير والتضليل من العلماء الذين يعيشون على حساب هذه العقيدة الباطلة.

    معنى قوله تعالى: (ويعلمه الكتاب والحكمة)
    إذاً: وَيُعَلِّمُهُ ، من الذي يعلمه الكتاب والحكمة؟ الله، هذا كلام تابع للأول، إذ قال الملائكة ما قالت، ومن جملة ما قالته لـمريم : وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ، وقد فعل هذه البشرى، فهذا الكلام بشرى فقط، إذ لم يوجد عيسى بعد. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ ، المراد من الكتاب هنا: الكتابة، يعرف الكتابة، كان يكتب على القرطاس بالقلم، ولهذا فضل الكتابة معروف، إذا كنت كاتباً تكتب حقاً والخير فأنت من خيرة الناس، وإن كنت تكتب الباطل والشر والظلم فأنت من أسوأ الناس.قال: وَالْحِكْمَةَ ، يعلمه الحكمة، يصبح حكيماً فيما يقول ويقضي ويفكر ويعمل، دائماً مصيب في كل ما يريده، ويعلمه التوراة أيضاً التي نزلت على موسى عليه السلام وهي في أيدي بني إسرائيل، وكذلك يعلمه إياها ويفهمه معناها ويصبح أهلاً لها، ويعلمه الإنجيل بعد ذلك.هذه الأخبار هل يستطيع أن يقولها آدمي، ماذا في قماطته، ويخبر الله تعالى أنه سوف يكون منه كذا وكذا، وفعل الله ذلك كله، علمه الكتاب والحكمة والتوراة وأنزل عليه الإنجيل.

    تحريف النصارى الإنجيل
    والإنجيل الآن في يد النصارى، لكنه محرف مبدل مغيّر، زادوا فيه ثلاثة أرباع، أو أربعة أخماس، الأناجيل خمسة الآن، إذاً: والله إن الأربعة كلها كذب، من فعل بهم هذا؟ رؤساؤهم، والعوام يمدون أعناقهم، والجهال ما يبالون، ورجال الكنيسة يعبثون كما شاءوا، وقد ثبت أنهم حولوا الإنجيل إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً بالزيادة، ثم لامهم من لامهم وفضحوا، فعقدوا مؤتمراً عالمياً للنصارى وجمعوها في خمسة أناجيل: لوقا، ومتى، ويوحنا، ومرقس.وأما إنجيل برنابا فقالوا: هذا مغشوش. هذا مذهب وهّابي أيضاً كما يقول العرب الهابطون، فروا منه لأن فيه التوحيد، ما يقبلونه، وأنتم تذكرون أن وفد نجران هو الذي بسببه نزلت هذه الآيات، ستون راكباً جاءوا ليجادلوا رسول الله في الباطل في شأن عيسى، تعالوا نسمعكم تاريخه، من جدته حنة إلى أمه مريم بهذا التفصيل.

    تفسير قوله تعالى: (ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ...)
    قال تعالى: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [آل عمران:49] أيضاً، وأرسله رسولاً إلى بني إسرائيل فوق النبوة، وبالفعل أرسله إلى بني إسرائيل، وإليكم بعض آياته أو كلماته: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. وقال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُو نَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة:73-75]، الذي يأكل الطعام يبول ويتغوط،فكيف يكون إلهًا؟! إلهك تجده في الحمام يبول، أهذا إله؟! كيف يعقل هذا الكلام؟ما قال مثلما قلت أنا البول والتغوط، نحن شرحنا، وإلا فالمقصود أن هذا الذي يأكل الطعام ويفرز البول أيصلح للإلهية؟ أين يذهب بعقلك.وفي هذا يذكر أن أحد الأعراب - والأعراب كانوا ممتازين في الذكاء - كان له صنم يعبده بين جبلين في مكان، فجاءه يوماً ليتقرب إليه ويتمسح وإذا بثعلب رفع رجله اليسرى أو اليمنى على كتف الصنم يبول عليه، فهذا العربي دهش: أنا جئت من مكان بعيد؛ لأستفيد من هذا الإله والثعلب يبول عليه فكيف يفيدني؟ فقال بيتاً من الشعر:أرب يبول الثعلبان برأسهلقد ذل من بالت عليه الثعالبوتركه فلم يرجع إليه أبداً.

    معجزة عيسى عليه السلام في خلق الطير من الطين وإحياء الموتى بإذن الله تعالى
    قوله تعالى: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [آل عمران:49]يقول لهم: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49] علامة أظهر وضوحاً من الشمس إن شئتم تدل على أني رسول الله إليكم يا معشر يهود، قالوا: هات الآية، قال: اطلبوا، قالوا: أحي لنا سام بن نوح . فصلى ورفع يديه إلى ربه فقام سام بن نوح من قبره وقال: أنا سام بن نوح ! فما آمنوا.وذات مرة توفي ابن لمؤمنة وليس لها سواه، وبينما هم يمشون به إلى المقبرة وهو على النعش فقالت: يا روح الله! ادع الله لي ليحيي لي ولدي، فدعا له وقال: يا فلان! قال: نعم، فوضعوه فلف الكفن وعاد مع أمه.وقالوا: اخلق لنا من الطين كهيئة الطير وانفخ فيها حتى تطير وبذلك نؤمن لك، واشترطوا أن يكون هذا المخلوق من الخفاش، والخفاش من أعجب المخلوقات؛ أولاً: لا يرى في الظلام ولا في الضياء، هناك حيوانات ترى في الظلام ولا ترى في الضياء، هو بالعكس، لا يرى في الظلام ولا في الضياء، يرى قبل طلوع الشمس بساعة وبعد غروبها بساعة، وبعدها ما يرى شيئاً.ثانياً: هذا المخلوق مخلوق من لحم وعظم ودم وليس فيه ريش أبداً ويطير، يطير بدون ريش، وأغرب منه أن أنثاه تحيض كما يحيض النساء، وفيها لبن فترضع أولادها بلبنها، عجب هذا المخلوق، وبالفعل جيء بالطين وصنع منه خفاشاً ونفخ فيه فطار، فقالوا: ساحر.العامة عندنا يقولون: من لم يرد أن يتصدق يقول: مال اليتامى، هو يحمل الرطب على ظهره، فيقول له المسكين: أعطيني حفنة رطب، فيقول: لا؛ هذا مال اليتامى، ما يريدون أن يؤمنوا فقالوا: سحر ساحر، كيف يطير هذا! وهذا يدلنا على وضعية البشر وما فطروا عليه إذا لم ينقوا ويهذبوا ويطهروا ويزكوا، هذه كل أحوالهم، يكذبون ويردون الحق ويتجاهلون، هذه غرائزهم وفطرهم، فإن هم هذبوا وطهروا وسلموا أصبحوا كالملائكة، أما مع الجهل فهذه هي أحوالهم، بنو إسرائيل كانوا أرقى من العرب اليوم؛ لأن الدنيا كلما يجيء عام أسوأ من الأول، ومع هذا كذبوا عيسى عليه السلام بعد تلك الآيات. ‏

    معجزته عليه السلام في إبراء الأكمه والأبرص
    قال تعالى: وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49].ثانياً: وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ [آل عمران:49]، الأكمه: الذي ولد أعمى لا عين له مطموس العين، لو كان مرض بعينيه وعالجه فممكن أن يشفى، لو كانت العينان فيهما بياض فهذا أسهل، لكن ولد لا يبصر، وبالفعل يدعو الله تعالى فيعود إليه بصره.والبرص: مرض معروف أعيا الأطباء إلى اليوم، منذ أن بدأ البرص إلى الآن ما عرف الطب ماذا يصنع، البرص: أن يتحول جلد الإنسان إلى لون أبيض، هو أسود ويصبح جلده أبيض كالثوب، هذا البرص، فيمسح عليه بيده فيذهب البرص، فأية آية أعظم من هذه؟ هل آمنوا به؟ قتلوه، تآمروا على قتله وصلبوا من تمثل به.

    معجزته عليه السلام في إخبار بني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون
    قال: وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:49]، يقول: اسألوني، أكلتم كذا وكذا، وادخرتم للعشاء في القدر الفلاني في الزاوية الفلانية كذا وكذا. ما يستطيعون أن ينكروا، فعقولهم صغيرة وهابطة، لو أخبرهم عن ملكوت السماء وعن الغيب لم يفهموا، لكن قال لهم: أنا أخبركم عما تأكلون وما تدخرون، وأنا لست في بيوتكم، وأنا لا أخبر عن بيت فلان فقط، أنتم يا أهل الدار الفلانية طعامكم اليوم كذا، عشاؤكم كذا، ادخرتم لأولادكم كذا، كيف يعرف هذا؟ والمفروض أنهم يؤمنون كلهم نساؤهم ورجالهم؛ لأن هذه الآية بين أيديهم ما هي وهمية: وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:49]، حتى لو كانت بيضة ادخرتها لابنها يقول: ادخرت البيضة الفلانية لولدك، ولكن من لم يشأ الله هدايته فوالله لا يهتدي، ما آمنوا، بل طردوا أتباعه الحواريين وأبعدوهم من البلاد فلجئوا إلى الجبال، هؤلاء من هم؟ ما زالوا على أشد ما يكونوا مكراً وخديعة، إلا أن لهم بعض الأساليب أحسن من أساليب العروبة الهابطة وأذكى.قال: وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ [آل عمران:49] إن كنتم مؤمنين بالله ولقائه، بالله ورسله، بالله وكتبه، بالله ووعده ووعيده، بالله وقدرته ورحمته وحكمته، لما لا تؤمنون بهذه؟ أية آية أوضح من هذه الآية؟ يخبر أهل القرية بما يأكلونه وما يدخرون، ما كان معهم ولا أكل معهم ولا يخطئ ولا يكذب أبداً، لو لم يكن رسول الله فكيف يخبر بهذا، الساحر والله ما يستطيع ولا يقدر على هذا، لكن ضعف إيمانهم هو الذي أدى بهم إلى التكذيب، فلهذا قال: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ، فوالله لو كانوا مؤمنين بحق لكانت تنشرح صدورهم وتطيب نفوسهم لهذه الآيات الإلهية، لكن المرض متأصل، ما هم بالمؤمنين الصادقين في إيمانهم.

    تفسير قوله تعالى: (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ...)
    وما زالت البراهين: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ [آل عمران:50]، وهذا الكلام الذي تسمعونه قاله عيسى وهو في القماطة، تكلم في المهد بهذا الكلام وبغيره، وما أخبر به كله وقع بالحرف الواحد. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]، أي: من أحكامها في الحلال والحرام والشرائع والقوانين؛ لأنه كتاب إلهي، وإن دخله النقص والزيادة، لكن الأصل هو التوراة أنزلها الله تعالى على موسى، وبين موسى وعيسى أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]، ما السر في هذه؟ لو كان دجالاً أو ساحراً أو يريد دولة أو يريد منصبًا فلن يوافق ما في التوراة أبداً، يأتي بما يخالقها ويناقضها، لكن كون ما أدعو إليه وأقوم به وتلبست به كله كما في التوراة؛ إذاً أنا من أنبياء الله ورسله، أوما تفطنتم لقوله: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]؟ لو كان ما جاء به يتنافى معها لسهل أن يقال: كذاب ودجال، لو يأتي الآن واحد منا يدعي الولاية أو النبوة ويناقض ما في القرآن فهل هناك من يقبله؟ لا أحد، لكن لو دعا بدعوى وجدناها في القرآن نقبله، ولهذا قبلنا الدعاة الصالحين، لأنهم لا يناقضون ما في كتاب الله، بل يؤيدونه ويعبرون عنه ويدعون إليه، فلو تناقض داعي بدعوة ما مع القرآن فقوله مرفوض، أليس كذلك؟

    معنى قوله تعالى: (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم)
    قوله تعالى: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50]، ولأحل لكم بإذن الله عز وجل بعض الطعام، بعض الشراب، بعض اللباس، بعض المركوب الذي كان حلالاً وحرم عليهم، هذا الذي يحله لهم هو ذاك الذي حرم لأنهم ظلموا واعتدوا على عهد أنبياء الله، فحرمهم الله منه، فجاءت رحمة الله مع عيسى عليه السلام، فلو آمنوا لأحل لهم بعض الذي كان محرماً عليهم من أجل بغيهم وعدوانهم، أما الذي حرم عليهم لأجل ما فيه من الضرر فهو يبقى على أصله، القتل حرام دائماً، الزنا حرام، الربا حرام، الكذب حرام، لكن اللحوم التي حرمها أو بعض الشحوم أحلها لهم، هذه آية نبوته؛ أنه يحل لهم بعض الذي حرم الله عليهم عقوبة لهم: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160]، فلما جاء عيسى جاء برحمة الله عز وجل، ولو آمنوا به لأحل لهم ما كان قد حرم عليهم.

    معنى قوله تعالى: (وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون)
    قوله تعالى: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:50]، لم قال: (آية) وهي آيات؟ لأن لفظ آية اسم جنس كنعمة: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، نعمة واحدة كيف نعدها ولا نحصيها؟ الذي لا يحصى العدد أو الواحد؟إذاً: فنعمة معناها: نِعم، كذلك: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ [آل عمران:50]، عشرات ومئات الآيات، فـ(آية) اسم جنس، كـ(نعمة) كما قلت لكم، هل نعمة الله واحدة؟ نعمة السمع، البصر، العلم.. نِعَم، قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، هل يفهم العربي أن الواحد لا يحصى؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران:50]، أي: بناء على هذا ما بقي لكم إلا أن تتقوا الله عز وجل، ولا تخرجوا عن أمره، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه؛ لأني رسول الله إليكم؛ أقودكم إلى شواطئ السلامة والسعادة، وطاعة الرسول واجبة أم لا؟ إذا لم يطع فكيف يعلم، كيف يهتدي الناس؟ إذاً: أمرهم بتقوى الله عز وجل، أي: خافوا ربكم أن ينتقم منكم، أن ينزل بكم بلاء أو شقاء، أو يعذبكم.إذاً: فآمنوا بأني رسول الله إليكم وأطيعوني لأني أقول لكم: افعلوا كذا فافعلوا، ولا تفعلوا كذا فلا تفعلوا، فإذا لم تطيعوني فلن ينفعكم إيمانكم وتقواكم: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران:50].
    تفسير قوله تعالى: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)
    وجاء الختم الأخير: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ [آل عمران:51]، عيسى مربوب له رب، إذاً: ما هو برب، كيف يجعلونه رباً وهو يعترف فيقول: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [آل عمران:51]؟ ‏

    حقيقة العبادة
    ما هي عبادة الله أيها المسلمون؟ هل نحن الآن نعبد الله؟العبادة: هي الطاعة، وعندنا: فلان عبد لفلان، أي: يخدمه ويطيعه، إذا قال: الزم الباب يلزم الباب، إذا قال: امش نم ينام، أطاع، فالطاعة: هي فعل الأمر واجتناب النهي، إذا أمرك سيدك بأن تقول قل، فإن قلت: لا أقول عصيته، وأصبحت تساويه، قال سيدك: افعل قلت: ما نفعل؛ ما أنت بعبد، ما عبدته ما أطعته، لكن ليس مجرد الطاعة يتحقق فيها معنى العبادة.هل تعرفون الطريق المعبد؟ هو طريق الصحراء ذو الأشواك والحفر والتراب والرمل يأتي المسئول يعبده بالآلاف ليذل ويسكن، إذاً: فالعبادة الطاعة التي صاحبها يذل غاية الذل لمعبوده ولمن أطاعه، ويعظمه غاية التعظيم له، انظر إلى المعنيين: ينكسر ويذل تماماً كالأرض المعبدة، ما يرفع جنبه ولا رأسه، ثم يعظم معبوده فوق كل تعظيم وإجلال وإكبار. وثالث أيضاً: أن يحبه أكثر من نفسه، هو الذي ذلل هذا العبد واستعبده فعبده، ويجب أن يحبه أكثر من نفسه.فالعبد الحق الذي يعبد الله إنسان يطيع الله عز وجل في أمره ونهيه، ولكن لا في عنترية وتعال وترفع، مع ذل وصغار وتطامن وقنوت وخضوع، أما أن تعبد وأنت تتعنتر فلا، بل وأنت تذل وتسكن، ثم تحبه أكثر من حبك لنفسك وأهلك ومالك، ثم تعظمه وتجله وتكبره حتى يكون أكبر من كل شيء عندك. هذا قول عيسى إذاً: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [آل عمران:51]، ثم قال لهم: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:51]، هذا الذي بينت لكم صراط مستقيم، والله لا ينتهي بأهله إلا إلى الجنة، ألا وهو عبادة الله وتقواه، وطاعة رسوله، هذا هو الطريق الموصل أصحابه إلى الجنة، إلى الفوز في الدنيا والآخرة.

    إجمال الخبر عما تكلم به عيسى عليه السلام في آيات سورة آل عمران
    هذه كلمات عيسى وهو طفل مازال يرضع، تحققت -والله- كلها، وإليكموها مرة أخرى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:48]، هذا إخبار عنه قبل أن يوجد: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [آل عمران:45-48]، ويرسله رسولاً إلى بني إسرائيل، ويقول: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ [آل عمران:49]، هذا فيه آية إن كنتم مؤمنين، وإذا كنتم كفارًا فلن تشاهدوا شيئاً، الشمس ينكرونها، قالوا: ما نعرفها. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [آل عمران:50]، وفي هذا ما علمتم، لو أن داعية يأتي بلادنا ويدعو بغير القرآن فقوله مرفوض، من يقبله؟ لكن إذا كان يقول: قال الله وقال رسوله نقبله، ما يتناقض. وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:50] بلطف الله وإحسانه، ببركة عيسى، لو آمنوا به لأحل لهم كثيرًا من المحرمات عليهم عقوبة. وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ [آل عمران:50-51]، ما قال: إن الله أبي وأبوكم؟ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ، كيف يقولون: عيسى ابن الله؟! يا ليته يأتينا مسيحي ويقبل منا البيان، علقوا في أعناقهم الصلبان، حتى الساعة يتبركون بالصليب، كيف تعتقدون أن اليهود قتلوه وتبعدونه؟! لا بأس أن تغضبوا على اليهود، نعم نحن لا ننكر، غضبهم على اليهود حق، وما صلبوا عيسى، لكن الذي تمثل بعيسى، أما أنكم تعبدونه وقد قتله اليهود أعداؤكم فأين عقولكم، كيف يعقل هذا الكلام؟ إنه الجهل والتقليد والتضليل، أولاً: الجهل هذه ثماره. ثانياً: التقليد، جاهل ويقلد، ما يفكر فيما يقول فلان. ثالثاً: التضليل من الرؤساء والذين يريدون أن يسودوا على حساب غيرهم، يعرفون الحق وينكرونه، وقد جربنا هذا في المسلمين، هناك مشايخ من الطرق كانوا يفجرون بنسائنا.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [هداية الآيات] نأخذ هداية هذه الآيات، وتفطنوا من أين أخذنا هذه الثمار الطيبة[ من هداية الآيات:أولاً: شرف الكتابة وفضلها] الكتابة لها شرف وفضل، قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:48]، إذاً: الكاتب عندنا خير من الذي لا يكتب، لا توظف إلا إذا كان عندك شهادة، وقد قال تعالى: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ [البقرة:282] شكراً لله عز وجل. وإن قال مريض: النبي لا يعرف الكتابة! قلنا: ذلك آية أنه نبي الله ورسوله، لو كان يكتب لقال الكفرة: هذا الكتاب كتبه، رأيناه في الجبل الفلاني أربعين سنة يخطه، وقال: هذا كتاب الله، ولكن لتقوم الحجة على الإنس والجن أنه لا يكتب ولا يقرأ وكيف يأتي بهذه العلوم والمعارف؟ مستحيل لولا أنها وحي الله وتنزيله وكتابه، ائتوني ببدوي أو عربي أو أعجمي لا يقرأ ولا يكتب، ثم يأتي بعلوم ومعارف، مستحيل، فكونه أمياً آية نبوته ومصداق رسالته: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]. [ثانياً: فضل الحكمة، وهي الفقه في أسرار الشرع والإصابة في الأمور]، ما بينا هذا البيان الكافي، ها هي ذي جاءت بين أيديكم، أخبر تعالى أنه سيعلم عيسى الكتاب أولاً والحكمة، وبعد ذلك التوراة والإنجيل.ما الحكمة؟ قال: [هي الفقه في أسرار الشرع]، والله يقول: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]، ويفهم أسرار الشرع، لم الوضوء؟ لم يغسل ثلاث مرات؟ لم صلاة الصبح في هذا الوقت، لم حرم الله كذا، وهكذا، الفقيه الحكيم الذي يفهم أسرار الشريعة، هذا أولاً.والثاني: الإصابة، الحكيم لا يخطئ، يضع كل شيء في موضعه، لما يجلس يعرف أين يجلس، والذي لا حكمة له يجلس في مجلس الشيخ. وأنا بهلول بعثتني أمي لأدرس، وطلبوا لي كتاب كذا ، ولما دخلت المسجد كان الطلاب جلوس والشيخ ما جاء، لكن مكانه فارغاً، والبدو مجتمعون من شتى الآفاق ما هم كأهل الحضر اليوم، فأنا جئت فجلست في مكان الشيخ، فصاحوا في وجهي: قم.. قم! لا إله إلا الله! ما هناك لطف ولا رحمة، ما قالوا: هذا صغير وما يفهم وكذا، فيجيء أحدهم إليك فيقول لك: من فضلك هذا المكان ما هو لك، هذا للشيخ. لكن أين الآداب؟والشاهد عندنا: الإصابة في الأمور كلها، حتى الملعقة يعرف من أين يمسكها، اللقمة يعرف كيف يتناولها، نعله كيف يمشي به.. وهكذا الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها قلما يخطئ. اللهم اجعلنا من أهل الحكمة.قال: [فضل الحكمة، وهي الفقه في أسرار الشرع] أولاً [والإصابة في الأمور]، يعني: قلما يخطئ الحكيم، لم؟ لأنه يستعين بالله عز وجل وبالنور الباطني، وهذه الطاقة أكبر من هذه الطاقة المادية، وهي نتيجة لمولد عجيب، وهو تقوى الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، الفرقان أعظم ما تفرق به بين الحق والباطل والخطأ والصواب والخير والشر والنافع والضار: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ، فالذين يعيشون على تقوى الله ظاهراً وباطناً يوجد في قلوبهم نور يميزون به بين الحق والباطل والخير والشر والنافع والضار، كأنما هو نور بين أيديهم، هذا وعد الله. هل عرفتم من هو الذي فاز بهذه الشهادة أولاً؟ هل هو نابليون ؟ إنه ابن الخطاب عمر ، يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو كان من أمتي محدثون -أي: تحدثهم الملائكة- لكان عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، ولده عبد الله الذكي التلميذ لرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما قال أبي في شيء أظنه كذا إلا كان كما ظن. هؤلاء هم الذين يجب أن يكونوا في المباحث، هذا النوع ينظر إلى الشخص فيقول: ارمها من جيبك، أنت سارق، فلهذا ندعو المسئولين في العالم الإسلامي أن يخرجوا ربانيين ويجعلوهم في الاستخبارات والمباحث، أما إذا كانوا جهالاً يتخبطون فوالله إنهم يؤذون الحكومة، لكن يقولون: وأين أنتم يا أصحاب الفرقان، نقول: نحن وإياكم سواء، هيا نعود إلى المدرسة المحمدية، ونتخرج كلنا بنسائنا وأطفالنا، وهي المسجد، في القرية أو الحي، لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد، كل ليلة من المغرب إلى العشاء، نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا ونهذب آدابنا وأرواحنا، ثم بعدها كلنا علماء ربانيون.وصلى الله على نبينا محمد..



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #157
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (15)
    الحلقة (156)

    تفسير سورة آل عمران (22)

    من الصفات التي لا تنفك عن اليهود تكذيبهم لرسل الله، وإعراضهم عما جاءوهم به مهما كانت المعجزات التي يأتونهم بها، بل ولا يتوقفون عند ذلك وإنما يؤذون أنبياء الله ويقتلون فريقاً منهم، وحالهم مع عيسى لم يختلف عن حالهم مع من سبقه، فلما أحس منهم الكفر نصره الله بالحواريين من قومه، فآمنوا به وآزروه، ومع ذلك فقد حاول الكفار المكر بعيسى وقتله إلا أن الله عز وجل نجاه منهم ورفعه إليه.

    تفسير قوله تعالى: (فلما أحس عيسى منهم الكفر ...)
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا وولي المؤمنين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات المباركات، سبع آيات:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:52-58].معاشر المستمعين والمستمعات! أعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات نزلت في إبطال تأليه عيسى عليه السلام، وهي تحمل الرد المفحم لوفد نصارى نجران، إذ جاءوا يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحاجونه في شأن عيسى ووالدته، إذ يؤلهون عيسى وأمه، وهم مرتبكون في الأقانيم الثلاثة، هل هي الله وعيسى وروح القدس؟! أو هي مريم وعيسى وروح القدس؟! فكل طائفة تقول بما أملى عليها الشيطان، والحقيقة هي أن عيسى عبد الله ورسوله.ومن عظيم بيان الله عز وجل أنه قص عليهم قصة عيسى من عهد جدته، والسياق في تقرير هذه الحقيقة هي: أن عيسى لم يكن بإله أبداً، ولا بابن الله أبداً، وتعالى الله أن يكون له ولد ولم تكن له صاحبة -أي: زوجة-.

    طلب عيسى من الحواريين النصرة لما أحس من قومه الكفر
    قال الله عز وجل: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ [آل عمران:52]، الإحساس لا يكون إلا بالحواس الخمس: السمع والبصر واللسان والشم واليدان والرجلان. أَحَسَّ أي: علم بواسطة النظر أو السمع، عرف منهم الكفر. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ وعرف أنهم يريدون أذاه وقتله، وشعر بالإحساس الكامل قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52] طلب النصرة من المؤمنين؛ لأن القوم يمكرون ويدبرون له الأذى والقتل.فأجابه الحواريون، والحواريون جمع حواري، وهو الأبيض القلب، الزكي النفس، ذو الأخلاق العالية.والحوار ون كانوا اثني عشر رجلاً، آمنوا بعيسى وصدقوه وشاهدوا آياته ومعجزاته، وكان يبعثهم للدعوة نيابة عنه. قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52]، أي: استنجدهم عيسى عليه السلام لنصرته فما تأخروا عن نصرته بل رفعوا أصواتهم قائلين: نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52].قوله: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ، وإلى هنا بمعنى مع، بمعنى من أنصاري مع الله؛ لأن حروف الجر تتناوب. من أنصاري مع الله، ويصح أن تبقى (إلى) على بابها، وهناك محذوف، من أنصاري في الطريق إلى الله؟ في دعوتي إلى الله؟قَالَ الْحَوَارِيُّون َ وهم اثنا عشر من الصالحين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من نبي إلا وله حواريون، وأنا حواريي الزبير بن العوام )، وهو ابن عمته، فرضي الله عن الزبير كان من حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.ماذا قالوا؟ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ [آل عمران:52] يا روح الله: بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، واشهد يا عيسى يا رسول الله بأنا مسلمون.

    دين الله هو الإسلام منذ آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام
    وهنا يرجع بنا الحديث إلى أن الديانات الإلهية من عهد آدم عليه السلام إلى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم لم تخرج عن الإسلام، فاليهودية والنصرانية والديانات الأخرى والملل كلها مبتدعة، أصل الأديان هو الإسلام؛ لأن الإسلام: هو أن يسلم الإنسان قلبه ووجهه لله، فقلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهه لا يقبل به إلا على الله؛ يدعوه ويسأله ويتضرع إليه، ويطيعه فيما يأمره به وينهاه عنه، وقد تختلف الملل في الأمر والنهي؛ لأن الشارع حكيم، فقد يحل لأناس ما يحرم على آخرين، وقد يكلف أناساً ما لم يكلف به آخرين، بحسب استعدادهم وما تهيئوا له للكمال والسعادة، أما أصل الدين فواحد وهو الإسلام. فنوح قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72]، وهكذا يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].فاليهودية والنصرانية والبوذية.. هذه الملل كلها بدع ما أنزل الله بها من سلطان، فبعث الله الرسل وأنزل معهم الكتب التي تدعو إلى الإسلام، فهؤلاء الحواريون لما استنجدهم عيسى قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ [آل عمران:52] يا روح الله: بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52] أي: منقادون خاضعون ذليلون لربنا عز وجل، ننصر من ينصره، ونوالي من يواليه، ونعادي من يعاديه، فكان يجب على النصارى الدخول في الإسلام والتخلي عن هذه البدعة المنتنة، ولكن هذا حكم الله: لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13].

    تفسير قوله تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ...)
    وقالوا: رَبَّنَا [آل عمران:53]، أي: يا ربنا. آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ [آل عمران:53] من الآيات البينات من التوراة والإنجيل والزبور وما أنزل من الآيات القرآنية أو الآيات المعجزات. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ [آل عمران:53]، الرسول هنا بالألف واللام، (أل) للعهد، فمن هو الرسول؟ عيسى عليه السلام، فهو رسول الله أي: مرسوله الذي أرسله إلى بني إسرائيل. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ما قالوا: آمنا بما أنزلت واتبعنا عيسى، بل قالوا: (اتبعنا الرسول) ففيه تقرير رسالة عيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله، الرسول الكريم العظيم المبجل الصادق.إذاً: توسلنا إليك يا ربنا بالإيمان بك.. توسلنا إليك يا ربنا بالإيمان برسولك فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53]، توسلوا إلى الله بقولهم: رَبَّنَا أي: يا ربنا: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ أي: صدقنا بالذي أنزلته علينا من بركات السماء؛ من الرسالات والمعجزات والخيرات والبركات. وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ أي: مشينا وراءه، فلم نتقدمه ولم نمش عن يمينه ولا عن يساره، ولكن وراءه، فالإتباع أن تكون وراء المتبوع، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ إذاً: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ؛ توسلوا إلى الله بإيمانهم وعملهم الصالح، إذ قالوا: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ أعطنا شيئاً، وهو اكتبنا مع الشاهدين، والشاهدون غير الشهداء، هم ما ماتوا في سبيل الله، فلم يقول واكتبنا مع الشهداء، قال: مَعَ الشَّاهِدِينَ فهل نحن منهم؟! كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فهو من الشاهدين، فالحمد لله أننا من الشاهدين؛ اللهم اكتبنا مع الشاهدين في ديوانهم.أرأيتم إخوانكم الحواريين كيف يتوسلون إلى الله عز وجل؟! أهل بصيرة، ونحن -والحمد لله- لا نتوسل إلا إلى بالله وبما يحب أن نتوسل به إليه، وإخواننا في الشرق والغرب إلى الآن يتوسلون بجاه فلان وحق فلان! ويجادلون أيضاً.قالوا: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ قال: فعلت.

    تفسير قوله تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)
    قال تعالى: وَمَكَرُوا [آل عمران:54]، عاد السياق إلى الذين تخوفهم عيسى عليه السلام، قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52]، من هؤلاء الذين قال الله فيهم: وَمَكَرُوا [آل عمران:54]؟ هم اليهود. والمعنى: ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم منزل عيسى عليه السلام، نفذوا ما بيتوه ودبروه، وجاءوا بشرطتهم ورجال حكومتهم وطوقوا منزل عيسى في ذاك الوقت؛ ليقتلوه أو يسجنوه، ودام الحصار ساعات ولم يخرج، وبعد ذلك دخل رئيس الشرطة ولكن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إليه من فتحة روزنة، من كوة في السطح كانت موجودة في الزمن القديم، وكان كل بيت لابد فيه من روزنة، وألقى الشبه على هذا الرئيس الشرطي، فلما تأخر دخلوا فوجدوا الشرطي وظنوا أنه عيسى، فألقوا الحبال والسلاسل على يديه وسحبوه، ونسوا رئيس الشرطة، ووضعوه على الأعواد وصلبوه وشنقوه، وأما عيسى عليه السلام فهو عند الله عز وجل.قال: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54]. انتبه يا عبد الله! ويا أمة الله! بأن أفعال الله لا تشابه أفعال المخلوقين؛ وذات الله لا تشبه ذات المخلوقين، فإذا نسب تعالى إليه المكر فلا تفهم أنه كمكر الآدميين؛ لضعفهم وعجزهم وقلة قدرتهم، وإن كان المكر التبييت في الخفاء، فهم دبروا والله عز وجل دبر، ولكن تدبير الله فوق تدبيرهم، هو العليم الحكيم، القوي القدير، وهم الجهلة الضعفة العجزة المساكين، ومكروا كما علمتم ومكر الله عز وجل إذ رفع عيسى وتركهم يتيهون.قال: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54]، فمكر الإنسان بأخيه الإنسان بالأذى والضرر به، ومكر الله لأوليائه لإنقاذهم ورفعهم وإعزازهم وإكرامهم، وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم امكر لي ولا تمكر علي )، فمن أراده أهل الشر بسوء ومكروا به وبيتوا كيف يضرونه فإن الله يمكر بهم ويضيع جهودهم وخيب آمالهم وينزل بهم نقمه وعذابه، وهذا بيان مكر الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (إذا قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ...)
    إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55].. الآيات، هذا النداء الإلهي لا مانع أن يكون بواسطة جبريل، لا مانع أن يناديه ويكلمه ويسمع كلامه، هذا روح الله، هذه كلمة الله، ناداه ربه يَا عِيسَى بالاسم العلم، وعيسى قيل: معرب يوشع أو يشوع في اليهودية، لكن حسبنا أن يسميه الله في كتابه، ما نقبل يوشع ولا يشوع. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ أي: متمم لك الأيام والليالي التي كتبتها لك تقضيها في هذه الدنيا، ثم بعد ذلك أنزلك لتتم بقية عمرك، وهنا الذي نوقن به ونُشهد عليه ونَشهد به أن عيسى لم يمت؛ لأن الله لا يجمع له بين موتتين، والموت صعب وسوف نذوقه يقول تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، فمرارته يأبى الله أن يصيب بها عبده مرتين.فعيسى لا يميته الله مرتين، بل ينزله تعالى في آخر أيام الدنيا ويقضي فيها ثلاثة وثلاثين سنة؛ داعياً وعابداً وذاكراً وشاكراً لله تعالى، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيحج البيت، قال: ( كأني بابن مريم بالروحاء يلبي بحج وعمرة أو بعمرة وحج )، ثم يتوفاه الله كما توفى أنبياءه ورسوله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، هل يدفن في الحجرة النبوية؟ إذا أراد الله أن يكرمه ويكرم أهل الحجرة دفنه معهم. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ هنا اختلف بعض أهل العلم وقالوا: متوفيك بمعنى مميتك. ولم يقل: مميتك بل قال: مُتَوَفِّيكَ أنا وفيتك يا عدنان المبلغ، فليس هنا معنى وفيتك بمعنى أمته بل أعطيته كاملاً وأتممته وكملته. فليس متوفيك هنا بمعنى مميتك. مُتَوَفِّيكَ بمعنى متمم لك عدد الأيام التي كتبناها لك في كتاب المقادير، تتمها في هذه الحياة وتقضيها، ثم أرفعك إلي، وعيسى الآن في الملكوت الأعلى. السنن التي علمنا الله إياها إن شاء أبطلها وأوقفها وأجد بدون سبب، فقد أوجد عيسى عليه السلام بدون أب ولا أسباب.إذاً: فعيسى في الملكوت الأعلى، ورسولنا صلى الله عليه وسلم لو شاء الله أن يبقيه في الجنة ليلة الإسراء والمعراج لا يعجزه عن ذلك شيء، فعيسى يأكل ويشرب، والطعام والشراب يتحول إلى عرق وجشاء كأهل الجنة، انتهت سنة الأرض حياة أخرى، لا يشيب فيها أحداً.عاش نوح ألف سنة ولا أدري شاب أم لم يشب، ثم كونه في ذلك العالم غير قابل للفناء، إذاً: لا يشيب ولا يهرم، أهل الجنة كلهم في سن ثلاثة وثلاثين سنة، لا ينقصون ولا يزيدون بلا حد ولا نهاية، طبيعة ذلك العالم ما تقبل هذا الذي نعيشه نحن بالشمس والحرارة والشرف والمرض والقوة والعجز، وما يدرينا عما قريب نسمع عيسى نزل، ينزل على المنارة البيضاء في مسجد دمشق الجامع بين ملكين. إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران:55] أي: بجواري في ذلك القدس والطهر في الملكوت الأعلى، والمسافة كما علمتم سبع آلاف وخمسمائة سنة بالطائرة. هذه الجنة.وقوله: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55]، هذا اللفظ يدل على أن المجتمع اليهودي تلك الأيام أخبث مجتمع متعفن أنجاس يتعاملون بالربا، والعهر، والزنا، والخيانة، وسفك الدماء.. فأراد الله أن يطهره من تلك الأخلاق والأوضاع الهابطة الساقطة برفعه إليه وتركهم في فتنتهم. إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55]، كفروا بك يا عيسى وبما جئت به من الإنجيل وما أنزلنا فيه من الآيات البينات؛ لأنه نزل بما يتنافى مع شهواتهم وأطماعهم وأغراضهم وآدابهم الهابطة وأخلاقهم الفاسدة، فلم يطيقوا ذلك فلما شاهدوا المعجزات الخارقة للعادات قالوا: ساحر وابن زنا، وقالوا.. وقالوا.. تنفيراً وإبعاداً للناس عن عيسى عليه السلام. وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55] أي: من الذين يعيشون في مجتمعات هابطة وساقطة وييسر الله له أن ينقذه منه وينزله في بلاد طاهرة. وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55] وعد الصدق، اسمعوا هذا الوعد لعله يتحقق لكم في المستقبل، لقد تحقق لأسلافنا كما أعلم الله عز وجل: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55]، وهذا يشمل كل من يكون على منهج عيسى في التوحيد والعبودية لله رب العالمين، وقد حقق الله هذا لرسولنا وأصحابه وأحفادهم بعد أبنائهم ثلاث قرون وهم سائدون، والكفار أذلة مهانون من اليهود والنصارى وغيرهم. وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]، فاليهود لا يسودون علينا أبداً. فإذا تمسك المسلمون بالكتاب والسنة ينتهي وجود اليهود ولا عزة ولا كرامة لهم، ولكن نحن الذين أعززناهم فابتلانا الله باليهود فأذاقونا مر الذل والهون، وهم حفنة وشواذ جاءوا من الشرق والغرب، ليعلمنا الله بأننا مذنبون؛ بأننا سلكنا مسلكاً لا يريده الله عز وجل، فأرانا آية من آياته لعلنا نفيق ونفهم، فهم أذل الخلق، وكم من معركة انتصروا فيها وتمزقنا وهربنا.ولكن إذا اجتمع المسلمون في روضة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم وقالوا: بايعناك يا إمام المسلمين، وكلمتنا واحدة ودستورنا واحد وأمة الإسلام أمة واحدة، لرحل اليهود وانتهت عزتهم وكرامتهم، ولكنا رضينا بالانقسام والفرقة والخلاف والمشاحنة، وتركنا الصلاة ومنعنا الزكاة وأبحنا ما حرم الله، كيف نريد أن ينصرنا الله عليهم؟!والشاهد عندنا في هذا الوعد الإلهي الكريم: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ [آل عمران:55] كافركم ومؤمنكم، عزيزكم وذليلكم: فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران:55]، أي بيان أعظم من هذا البيان الإلهي؟! ثُمَّ إِلَيَّ لا إلى سواي ولا إلى غيري: مَرْجِعُكُمْ [آل عمران:55] أبيضكم وأسودكم، عربكم وعجمكم، مؤمنكم وكافركم، راجعون إلى الله، يجمعنا ثم يبعثنا ليقضي بيننا ويحكم وهو أحكم الحاكمين، هذه عقيدة البعث والجزاء: ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أولاً، في يوم القيامة الذي يقوم الناس فيه من قبورهم، يوم قيام وقيامة البشرية، فينفخ إسرافيل في بوقه فيخرجون من الأجداث والقبور في خلقهم وتركيبهم على أكمل صورة: فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، وهذا رد على النصارى الذين يقولون: لا أجسام يوم القيامة ولا سعادة إلا للأرواح فقط. وهذا كذب وخرافة وضلالة يعيشها النصارى الآن، لا يعجز الله أن يعيد الخلق من جديد من قال ذلك فقد كفر وكذب الله ورسوله.كان مسلم لبناني يركب مع مسيحي في سيارة، فتحادثا وتجاذبا أطراف الحديث، وأخذ المسيحي يسخر ويقول: أنتم المسلمون تقولون إننا في الجنة بأبداننا وأرواحنا نأكل ونشرب؟ قال المسلم: إي نعم، فقال المسيحي: إذاً كيف تكون بطوننا وأنتم تقولون في الجنة لا بول ولا غائط؟! ثم ضحك.. فألهم الله عز وجل المسلم العامي وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83]، قال له: يا هذا! أنت سخرت من أننا نأكل ونشرب ونتمتع بالجنة بأبداننا وأرواحنا، وأنتم تؤمنون بمجرد أرواح في الجنة، فالطفل الصغير في بطن أمه من الشهر السادس يأكل ويتغذى وينمو على الغذاء وهو لا يبول ولا يتغوط، وبمجرد أن يخرج من بطن أمه يبول!فكانت صفعة رادعة لذاك الصليبي وانتبه.نعم أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشرب يكون كله عرق أطيب من ريح المسك، وأما الشبع يكون جشاء، فلا بول ولا غائط ولا مرض ولا هرم ولا كبر ولا ولا.. وعالم الجنة غير قابل للفناء.عرفتم يوم القيامة ما ننسى هذه الكلمة الإلهي: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:55]، قد يقول القائل: هيا نتبع عيسى الآن، نقول: نعم، ولكن ما نسخه الله من الشرائع والأحكام يجب أن نتركها لأن الحكيم نسخها، وما أقره ولم ينسخه وما هو عليه نحن الآن نعمل به وقائمون عليه، فما خرجنا عن شريعة عيسى أبداً إلا فيما أذن الله فيه بالفعل أو الترك حسب علمه وتشريعه للخلق، عقيدتنا عقيدة عيسى والحواريين، عبوديتنا هي عبودية عيسى والحواريين، فكون أحل لهم طعام حرمه علينا، أو أذن لهم في فعل ما لم يأذن لهم فهذا يعود إلى حكمة المشرع بحسب أحوال الناس وأوقاتهم، فنحن متبعون لعيسى عليه السلام، لكن لما خالفناه وخرجنا عن هدي الله ورسوله أحل الله بنا ما أحل بنا؛ استعمرنا الشرق والغرب وأذلونا وأهانونا وما زلنا نستعطفهم ونسترحمهم، أما وعد الله فنافذ: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]، والنصارى ما اتبعوا عيسى بل كفروا به، فجعلوه إلهاً فعبدوه وجعلوه إلهاً مع الله، ما ننسى بيان عيسى أبداً: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، أما كون اليهود أذلاء تحت النصارى لقلتهم فقط، ومع هذا فقد انتصروا على النصارى، وهم يسوسونهم في الداخل والخارج بحيلهم ومكرهم، وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران:55]، فالشرائع والأحكام الذي اختلفتم فيها الله يحكم بينكم فيه، فيحق الحق ويبطل الباطل.

    تفسير قوله تعالى: (فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً ...)
    قال: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:56] بي وبرسولي وبشرائعي وبلقائي والوقوف بين يدي، هؤلاء فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:56]، هذا الحكم في الدنيا وهو أنني أعذبهم عذاباً شديداً، والشديد بالنسبة إلى الله ما هو شديد بالنسبة إلينا: فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا [آل عمران:56] بالذل والهون والدون، وفي الآخرة بالخلد في عذاب النار: وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:56]، لا يوجد لهم ناصر ينصرهم أبداً. إذا قيل: ادخلوا النار فلا شافع لهم أبداً يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:13-16]، فالخلاف كان بين الموحدين والمشركين، بين المؤمنين والكافرين، بين الصالحين وبين المفسدين، فبدأ بالقسم الأول لأنه الأكثر ( يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين )، كلها إلى جنهم وواحد إلى الجنة، فلهذا قدم هذا الصنف. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:56]، ولأن الكفر مفزع في الحقيقة، ففطرة الإنسان لا تتلاءم مع الكفر، الآن لو تقول لمسيحي: كافر! يغضب، لو تقول ليهودي: كافر! يغضب، لو تقول: لعاصي من العصاة الذين لا يصلون ولا يصومون يا عاصي! يغضب. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا [آل عمران:56] بالهون والذل والدون والإهانة والفقر والبلاء. وَالآخِرَةِ [آل عمران:56] لا تسأل عن عذاب النار فطعامهم الزقوم وشرابهم الحميم، والسلاسل يدخلونها في فمه ويخرجونها من دبره، طولها سبعون ذراعاً.

    تفسير قوله تعالى: (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ...)
    وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:57]، أولاً وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [آل عمران:57]، فقدم الإيمان لأن المؤمن حي يعمل، والكافر ميت، آمن عبد الله، فإذا آمنت أمِنت وصدقت فيما تقول وتفعل وأنت على ذلك قادر، فبالإيمان يعبد الإنسان الله عبادة حقيقة: وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:57]، آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسوله وبكل ما أخبر الله به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من شأن الغيب والشهادة: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [آل عمران:57]، الصالحات هي العبادات التي تعبدنا الله بها، من الوضوء إلى الرباط في سبيل الله، فكل عبادة كانت قولية أو عملية هي من الصالحات؛ لأنها صالحة بالفعل وتصلح ويصلح الله بها القلوب والنفوس، فكل العبادات التي تعبدنا الله بها سمها الصالحات. فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ [آل عمران:57]، أجور: جمع أجرة، أجر وأجور، ما يتقاضاه العامل مقابل عمله، هم آمنوا وعملوا الصالحات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ [آل عمران:57] كاملة.ثم قال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:57]، أي: لا يحب الظالمين. إذاً: فاطمئنوا أيها المؤمنون بأن أجوركم تستوفونها كاملة غير منقوصة؛ وعلة ذلك؛ لأن القاضي لا يظلم؛ لأن المجازي لا يظلم، الظلم حرام عليه، وقد قال تعالى في الحديث القدسي: ( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ). وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:57] أبشروا إذاً لن ينقصكم من أجوركم شيئاً.

    تفسير قوله تعالى: (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم)
    وجاء التوقيع الأخير والصفعة على خد نصارى نجران اسمع ماذا قال تعالى بم ختم هذا السياق ذَلِكَ [آل عمران:58] الذي سمعتم وتلونا وقرأتم: نَتْلُوهُ [آل عمران:58] عليك يا رسولنا محمد: مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:58]، ثبتت رسالته محمد رسول الله، أين دعاوى النصارى الباطلة: محمد عربي صهرته الحرارة فأصاب بهذه المعاني والمعارف!! فهذا الكلام لا يقوله عاقل، والله يقول: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ [آل عمران:58] نقرأه عليك مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:58].قولوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.اللهم اجعلنا من أتباعهم الصادقين والمؤمنين الصالحين، واجمعنا بهم يا رب العالمين.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #158
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (16)
    الحلقة (157)

    تفسير سورة آل عمران (23)

    خلق الله عز وجل آدم من تراب، وجعل ذريته من نطفة من ماء مهين، فكل مولود له أب وأم إلا عيسى بن مريم عليه السلام فقد خلقه من غير أب كما خلق آدم من قبل، فكان هذا مما فتن به النصارى فقالوا: إن عيسى هو ابن الله! وقالوا: إن عيسى هو الله!! وما علموا أن من خلق آدم بلا أب ولا أم قادر على أن يخلق عيسى من أم بلا أب، ولكن إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (فلما أحس عيسى منهم الكفر ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا فيك يا ولينا وولي المؤمنين.الآيات التي درسناها بالأمس أسمعكموها تلاوة، وتذكروا ما علمتم منها في الدرس السابق، وما لها من نتائج وعبر تدلنا على ما كنا قد علمناه.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:52-58].

    هداية الآيات
    هذه الآيات تذكروا منها ما يلي: [ أولاً: قيام الحجة على نصارى نجران؛ إذ أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي، فقرر به بطلان ألوهية عيسى عليه السلام بذكر أوصافه وأحواله مع قومه، وكرامة الله تعالى له ولأتباعه معه ومن بعده في الدنيا والآخرة]. هذا من قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]؛ علمهم أن عيسى عليه السلام حاصره اليهود وأرادوا قتله، ولما شعر بذلك - بل أيقن بالأذى - رفع كفيه إلى ربه، و قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ؟ فأيقظ الله أولئك المؤمنين فرفعوا أصواتهم قائلين: نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52]. وَمَكَرُوا [آل عمران:54] أي: اليهود بعيسى عليه السلام حيث ائتمروا على قتله، ولكن الله مكر؛ فرفعه إليه وألقى الشبه على رئيس شرطتهم فصلبوه وقتلوه، وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54] ، دبروا شيئاً ودبر الله آخر، بيتوا شراً وبيت الله خيراً، وكان الله هو الظاهر.[ثانياً: الإسلام دين الأنبياء وسائر الأمم البشرية، ولا دين حق غيره، فكل دين غيره باطل]، من أين أخذنا هذا؟ من قولهم: وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52].إذاً: فالإسلام: هو الانقياد والإذعان الكامل لله تعالى فيما يأمر به وينهى عنه، وهذا دين الأنبياء عامة، ودين المؤمنين الصادقين في كل زمان ومكان، فدعوى أن المسلمين لهم دين خاص أو دين جديد دعوى باطلة، دين المسلمين هو دين الأنبياء: نوح فإبراهيم فمن دونهما فعيسى.. إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.[ثالثاً: تقرير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في أن لكل نبي حواريين وأنصاراً]، ذكرت لكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل نبي من الأنبياء حواريون، وأنا حواريي الزبير بن العوام )، وهذا دل عليه قول عيسى: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52]، من أجاب؟ الحواريون، وهم أصحاب القلوب البيضاء والنفوس الزكية الطاهرة.[رابعاً: فضل أهل لا إله إلا الله، إذ هم الشاهدون بالحق والناطقون به]، وبالأمس قلنا: نحن من الشاهدين، إي والله، كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ هو من الشاهدين، والشاهدون غير الشهداء؟ الشهداء من ماتوا في الجهاد، والشاهد من شهد شهادة الحق، أما قال الحواريون: اكتبنا مع الشاهدين؟ أي: معكم، ومع كل من يشهد أن لا إله إلا الله ولمن أرسله الله؛ موسى وعيسى أو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحمد لله أننا من الشاهدين.[خامساً: تقرير قبض الله تعالى لعيسى ورفعه إليه حياً]، في هذه الآية تقرر أن الله عز وجل رفع إليه عيسى بن مريم حياً، وهو عنده في جواره، وسوف ينزله في آخر الأيام، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كذبه فقد كفر، من كذب رسول الله كفر، في حين أن هناك آية من سورة الزخرف تكاد تصرح بنزول عيسى، إذ قال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا [الزخرف:61]، عيسى علم لها يعرف بنزوله قرب الساعة، إذا نزل عيسى عرفت الساعة وعرفها الأبيض والأسود، علامتها نزول عيسى.إذاً: [تقرير قبض الله تعالى لعيسى ورفعه إليه حياً]، ولا عجب، وقد تقول: كيف يرفعه حياً؟ أما رفع رسول الله حياً وعاد؟ أيعجز الله أن يرفع شخصاً إلى الملكوت الأعلى، قادر على أن يرفع البشرية كلها، وإنما لو أنه أماته ورفعه ثم يحييه وينزله ويميته، فقد جمع له بين موتتين، وحاشا لله عز وجل، لم يجمع الله لعبد من عباده بين موتتين يعذب مرتين؛ لأن الموت عذاب، إذاً: رفعه حياً وهو عنده في الملكوت الأعلى، يأكل ويشرب ولا يبول ولا يتغوط، هذا شأن أهل الجنة دار الخلد؛ يأكلون ويشربون، ووالله لا يبولون ولا يتغوطون، الشراب يستحيل إلى عرق أطيب من ريح المسك، والطعام إلى جشاء، ما هي دار خراءة وبول، هذه دار الطهر والقدس.على كل حال هذا التنبيه لأنه يوجد في بعض التفاسير تخبطات، وخاصة المعاصرين.قال: [ونزوله في آخر الدنيا] أي: أيامها، ينزل [ليحكم زمناً ثم يموت الموتة التي كتب الله على كل إنسان، فلم يجمع الله تعالى له بين موتتين، هذا دليل أنه رفع إلى السماء حياً لا ميتاً].[سادساً: صادق وعد الله تعالى بعزة أهل الإسلام، وذلة اليهود على مدى الحياة]، من أين أخذنا هذا؟ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]، من هم الذين اتبعوا عيسى: المسلمون أم اليهود؟ المسلمون، وهل النصارى اتبعوه؟ لقد كفروا به، ألهوه، فهم شر الخلق، شر من اليهود.فمن اتبعوا عيسى بحق؟ المسلمون، في عقيدته وفيما جاء به، هم المسلمون بحق.

    تفسير قوله تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...)
    إذاً: بعد هذه الذكرى ننتقل إلى الآيات التي ندرسها إن شاء الله في ساعتنا هذه بإذن الله، هيا نسمع مثل عيسى عند الله.قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِين َ [آل عمران:59-63].هذه الآيات المدنية صفعت النصارى صفعة لن يفيقوا بعدها إلا في جهنم أو يسلموا. ‏
    ذكر ما تضمنته الآية من دحض شبهة النصارى في تأليه عيسى عليه السلام
    قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران:59] هذا الوفد المحاج المجادل بالباطل وفد نصارى نجران قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: كل آدمي له أب، فما شأن عيسى لا أب له؟ إذ هذه من الفتن التي فتنتهم فعبدوا عيسى، قالوا: إذاً: هذا ابن الله! ما دام ليس له أب وأمه موجودة؛ إذاً هذا ابن الله، هذه هي الشبهة التي تورطوا فيها.قالوا: كل آدمي له أب، وعيسى لا أب له، ولما طرحوا هذا السؤال نزل الجواب من الرحمن جل وعز: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ [آل عمران:59] أي: آدم ِمنْ تُرَابٍ ثم قال له: كن فكان، آدم ليس له أب ولا أم، وعيسى أيضاً لا أب له، إذاً: شأن عيسى كان كشأن آدم، لو لم يسبق الوجود إنسان لا أب له فممكن أن تقع الشبهة والفتنة، لكن وجد من لا أب له، ألا وهو آدم، من أبو آدم؟ كيف إذاً؟ خلقه الله وقال له: كن فكان، وكذلك عيسى.وقد تقدم لنا أن أصناف المخلوقات أربعة: من لا أب له ولا أم وهو آدم، ومن له أب ولا أم وهو حواء، ومن له أم ولا أب وهو عيسى، ومن له أب وأم وهو نحن، والله يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.المهم لما طرحوا هذا السؤال، وهو في الحقيقة سؤال هم مصابون بفتنته، لم قالوا: عيسى ابن الله؟ قالوا: لأنه لا أب له، إذاً: هذا ابن الله! الشيطان زين لهم ذلك وحسنه، وانخدعوا وقلدوا وضلوا؛ فكان الجواب شافياً كافياً: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ [آل عمران:59] أي: آدم مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].

    تفسير قوله تعالى: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين)
    وهنا قال تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:60] مصدر الحق من هو؟ الله، هذا الحق الذي بين تعالى فيه أن عيسى كمثل آدم من أين جاء؟ من الله، الحق من ربك فلا تكن يا رسولنا من الممترين، أي: الشاكين. وهنا اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشك، ولا يكون من الشاكين؛ إذ الشك كفر، ولكن هذا من باب: إياك أعني واسمعي يا جارة! أما رسول الله وهو المعصوم وهو المطهر الذي انتزع منه حظ الشيطان فلا يداخله؛ أنى له أن يمتار أو يشك، ولكن هذا بالنسبة إلى غيره، فلا تكن - أيها السامع - من الممترين. أي: الشاكين، إذ الحق ورد من الله عز وجل، وبين لنا كيف خلق عيسى، ما هي إلا نفخة نفخها جبريل في كم درع مريم فسرت النفخة، وكان عيسى عليه السلام في ساعة واحدة.فهزها الطلق إلى جذع النخلة وألجأها إليه وولدته، وتكلم معها وبين لها ما ينبغي أن تقوله وتفعله: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [مريم:22-29] كلموه! قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [مريم:29-34].هذه الكلمات قالها ساعة ولادته، إذاً: الحق الثابت جاء من الله في شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله، ما هو بإله مع الله ولا بابن لله كما يقول الضُّلاَّل، إنما هو عبد الله ورسوله، ومن قال غير هذا كفر وانسلخ من الإيمان، هذا هو الحق مصدره الله عز وجل.إذاً: فلا تكن - يا سامع - من الممترين، أي: الشاكين في أن عيسى عبد الله ورسوله.

    تفسير قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ...)
    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أجمعين: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ [آل عمران:61] أي: جادلك، يعني: جماعة نجران مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61] وعلم أن عيسى عبد الله ورسوله، وأنه كان بكلمة التكوين: كن، ولم يكن له أب فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61] فإليك الحد الفاصل والنهاية، هذا ما يسمى بالمباهلة، إذا اختلف اثنان وكان أحدهما من الصالحين، والحق معه، وكان الآخر من الطالحين، والحق بعيد عنه؛ باهله، فيقال: اجتمعوا واجمعوا من تريدون من إخوانكم وقولوا: اللهم العن من كان كاذباً منا، فإنهم ما إن يفرغوا حتى يهلك الكاذب! هذه المباهلة، إذا اختلف اثنان أو أكثر - جماعتان - وادعت كل واحدة الحق فالمباهلة هي الحد الفاصل، يجتمعون فيأتون بنسائهم وأطفالهم ورجالهم ليهلكوا كلهم، ويقولون: اللهم العن من كان منا كاذباً. وبالفعل خرج أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وفاطمة الزهراء وراءه، وعن يمينه الحسن وعن يساره الحسين ، وعلي وراء ذلك، وما إن شاهدوا تلك الكتلة من النور حتى كادوا يذوبون، فروا هاربين، قالوا: والله لو باهلناه ما بقيت عين تطرف فينا، وانهزموا نهائياً، من حل هذا المشكلة؟ الله بهذه الآية الكريمة: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61] الصحيح في شأنه فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61].قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي وفاطمة والحسن والحسين : ( إن أنا دعوت فأمنوا ) أي: فقولوا بعدي: آمين! لم جاء الرسول بابنته وولديها وبصهره وبنفسه؟ من أجل إذا دعا وقال: اللهم العن من كان كاذباً ليقولوا هم: آمين! فهذه لطيفة أن دعاء الصالحين فيه قرب الإجابة، الذي يدعو وحده ليس كالذي يدعو ومعه غيره، فإذا دعا الداعي وقال من معه: آمين؛ فإنه إن لم يستجب للداعي يستجاب لمن قال: آمين! ثم إن أبناء البنت أبناء، وهذا الشيء هو جائز، فـالحسن والحسين أبناء فاطمة ، وليس أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبناؤها إذاً أبناؤه صلى الله عليه وسلم، ولا حرج. قال تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران:61] حين نجتمع في الساحة نقوم بالدعاء، نقول: اللهم العن من كان كاذباً، ومن وراءنا يؤمنون، ويهلك الله تعالى الكاذبين.

    تفسير قوله تعالى: (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله ...)

    ثم قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62] الذي قصصنا عليك يا رسول الله في شأن عيسى وحنة امرأة عمران ، من يستطيع أن يخبر بهذه الأخبار؟ من كان حاضراً لما كان زكريا يرفع صوته داعيا سائلاً؟ من كان مع مريم وهي في محرابها تأكل فاكهة الشتاء في الصيف؟ لما اختلفوا أيهم يكفل مريم من كان حاضراً؟ كيف عرفنا القرعة التي اقترعوها؟ سلسلة من القصص تتبع آثار هذه الأحداث كأنك حاضر فيها، إن لم يكن هذا وحي الله فماذا يكون؟ إذاً: فوالله إن محمدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أنكر هذا لا عقل له ولا مروءة، كيف لأمي يقص هذا القصص؟ في أي كتاب وجده؟ من حدثه به؟ ولكن الله هو الذي قال: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62]، وسمي القصص من: قص الأثر إذا تتبعه، أحداث حدث بعد حدث.قال تعالى: هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:62] وليس من إله إلا الله، فحطم الصليبية وقضى عليها نهائياً، ما من إله إلا الله، كل مألوه معبود دون الله فهو باطل، وليس من حقه أن يسميه الناس إلهاً، أرأيتم هذا الختم أم لا؟ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:62].العزيز: الغالب الذي لا يمانع في شيء قط، العزة: الغلبة، العزيز: الغالب الذي لا يمانع في شيء يريده، ولله العزة.الحكيم: الذي يضع كل شيء في موضعه، لا يخلط ويخبط ولا يقدم ولا يؤخر، بل كل شيء في موضعه.إذاً: فأخباره تعالى أخبار الحق والصدق، الذين يعرضون عنها ويدبرون هلكوا وليسوا بذوي مروءات ولا ديانات، بل كالبهائم والحيوانات!

    تفسير قوله تعالى: (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين)
    وأخيراً يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ تَوَلَّوْا [آل عمران:63] وفد نجران وأعرضوا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِين َ [آل عمران:63]، ما قال: فإنهم مفسدون، وإنهم والله لمفسدون، ينصرون الصليبية في جزيرة العرب؛ لأنهم يأكلون لقيمات من الروم في الشام وينشرون الصليبية، يفسدون فطر أهل اليمن، ويقلبونها إلى هذا الباطل. وقوله تعالى: (عليم) أي: بهم، فليتهيئوا إذاً لنقمة الله، فالله عزيز حكيم لا يمانع في شيء يريده، يضع الشيء في موضعه، وهم مفسدون يفسدون قلوب الناس، إذاً: فنقمة الله نازلة بهم، لن ينجوا: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِين َ [آل عمران:63]، وإن لم يتولوا بل رجعوا وقبلوا الحق وأذعنوا وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم نجوا، لكن تولوا وأبوا أن يعودوا، فإن جزاءهم محتوم معلوم.
    قراءة في كتاب أيسر التفاسير
    الآن نسمعكم شرح هذه الآيات من الكتاب؛ ليتقرر ما سمعتموه ويزيد.
    معنى الآيات
    قال: [ معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في تقرير عبودية عيسى ورسالته دون ربوبيته وألوهيته]، ما زال التقرير متواصلاً يقرر عبودية عيسى، هو عبد الله ما هو بابن الله، ولا بثالث ثلاثة مع الله، ورسالته يقررها دون ربوبيته وألوهيته، [فقد روي أن وفد نجران قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما قالوا: كل آدمي له أب، فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله تعالى على رسوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59] فإذا هو كائن، فأي داع لاتخاذ عيسى إلهاً، ألكونه خلقه الله من غير أب؟ فآدم كذلك خلق بدون أب ولا أم!] لم ما ألهنا آدم ولا عبدناه؟ [وإنما كان بكلمة الله، فكذلك عيسى خلق بكلمة الله التي هي (كن) فكان، هذا هو الحق الثابت من الله في شأن عيسى عليه السلام، فلا تكونن من الشاكين فيه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يشك]، وقد قال: ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) وما شك إبراهيم.قال: [ولما أكثروا عليه من التردد والمجادلة أرشده ربه تعالى إلى طريق التخلص منهم، وهو المباهلة، بأن يجتمعوا ويقول كل فريق: اللهم العن الكاذب منا، ومن كان كاذباً منهم يهلك على الفور، فقال له ربه تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا [آل عمران:61] هلموا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]] فهل فشلوا أم لا؟ قلت لكم: قالوا: والله إن باهلتم هذا الرجل لم تبق فيكم عين تطرف! كلكم تهلكون، فاهربوا خير لكم.قال: [وخرج في الغد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، إلا أن النصارى عرفوا الحق وخافوا إن لاعنوا هلكوا؛ فهربوا من الملاعنة، ودعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبوا]، أسلموا تسلموا. قالوا: لا، نحن حاملو راية دعوة، كيف نتركها ونتخلى عنها؟ ما هو بغريب هذا ولا عجيب، في المسلمين يوجد ناس يعيشون على الباطل بمعنى الكلمة، ويعلمون أنه الباطل؛ لكن للحفاظ على المادة إما جاه ومنصب أو مال أو كذا، يعرفون الحق وما يقبلونه، تعرفون هذا أم لا؟ لأن البشر هم البشر، ما هناك أصناف مختلفة، والشيطان هو الشيطان، والهوى والشهوة والدنيا هي هي، إذاً: فالناجي من نجاه الله، والسليم من سلمه الله.قال: [ودعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبوا، ورضوا بالكفر إبقاء على زعامتهم ودنياهم، ورضوا بالمصالحة، فالتزموا بأداء الجزية للمسلمين والبقاء على دينهم الباطل]، لما رفضوا الدخول في الإسلام أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يبقي على حياتهم وعلى دينهم إذا دفعوا مقداراً معيناً من المال سنوياً للمسلمين، فرضوا بالجزية وبقوا على كفرهم حتى أسلموا.قال: [ثم قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62] أي: الذي قصصناه عليك في شأن عيسى عليه السلام، وهو أنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا هو تعالى، وأن الله لهو العزيز الغالب الذي لا يمانع في شيء أراده، الحكيم في خلقه وتدبيره. ثم توعد نصارى نجران وغيرهم من أهل الفساد في الأرض بأنه عليم بهم وسوف يحل نقمته بهم، وينزل لعنته عليهم، وهو على كل شيء قدير.إن شاء الله نكون قد فهمنا هذه الآيات؟ اسمعوها مرة ثانية: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِين َ [آل عمران:59-63].

    هداية الآيات
    قال: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: ولاية الله تعالى لرسوله بإرشاده إلى الطريق التي أنهى بها جدال النصارى]، لو لم يكن الله ولياً لرسوله ما كان يرشده إلى هذا السلاح الذي حطم به الصليبيين، إذا والاك الله لا يتخلى عنك، ينصرك ويكون دائماً معك.إذاً: فكيف يتخلص الرسول من هذا الوفد المتعالي المتغطرس؟ حكم الولاية اقتضى أن يعلمه هذه المباهلة، ما كان يعرفها، فقل: تعالوا نخرج بنسائنا ونسائكم وأبنائنا وأبنائكم وندعو فنجعل لعنة الله على الكاذبين. وهنا يقال: لو وجد الآن جماعة ثانية، جماعة حق وجماعة باطل، وتأكدت جماعة الحق من أنها على الحق، وأن الأخرى على الباطل، ثم دعوهم إلى المباهلة، فهل تصح المباهلة أو لا تصح؟ تصح، ويهلك الله المفسدين، وإذا كانت الجماعة ما هي بمطمئنة إلى أنها على حق فما تستطيع إذاً أن تباهل، وإن كانت تعلم أن الأخرى على باطل، لكن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم يقيني.الآن لو يأتي النصارى فوالله لنباهلنهم، لأننا على حق، وهم يقيناً على باطل، هيا تعالوا نباهلكم ونجعل لعنة الله على الكاذبين. [ثانياً: مشروعية المباهلة غير أنها تكون في الصالحين الذين يستجاب لهم]، تكون في الصالحين من عباد الله الذين إذا سألوا الله أعطاهم، إذا دعوه أجابهم، أما إذا لم يكن حالهم هكذا فما ينتفعون، ما يقع شيء، لا يهلك العدو ولا يهلكون هم.[ثالثاً: تقرير ألوهية الله تعالى دون سواه، وبطلان دعوى النصارى في تأليه عيسى عليه السلام]، عدنا من حيث بدأنا، لا إله إلا الله! وما عيسى إلا عبد الله ورسول الله، وإذا كان عيسى عبد الله ورسوله؛ فأولياؤنا الذين نذبح لهم الذبائح ونقرب لهم القرابين - كعجل مولد سيدي البدوي - كيف حالهم؟ أية عبادة أعظم من أن يقول: هذا مولاي فلان! بل يغرسون النخل: هذه نخلة سيدي فلان، يشتري قطيعاً من الغنم: هذه نعجة سيدي فلان، لم تفعل هذا؟ حتى يباركها الله وتنمو، وأنت أعطيتها لله أم لعبد الله؟ لو قلت: هذه لله نعم تطمع أن يبارك لك، أما أن تقول: هذه لسيدي فلان وتقول: يباركها الله! إنه والله لا أعظم من الدعاء عبادة، لا صلاة ولا جهاد ولا رباط؛ لما علمتم أن الداعي إذا دعا تمثلت فيه كل أنواع العبادة، وإليكموها:لما أرفع كفي: يا رب! تقول: هذا الشيخ فقير؛ بدليل رفع كفيه إلى السماء. ثانياً: أناجيه: يا رب! يا رب! يا رب! تقول: لولا علم هذا الشيخ بأن ربه موجود ويسمع ويرى ويقدر على أن يعطيه فهل سيناديه ويسأله؟! إذاً: فهو الفقير؛ لوجود الله وعلمه وقدرته ورحمته.ثالثاً: لما يطرح عليه حاجاته: أعطني كذا، احفظني من كذا؛ فهذا دال على أنه لا يقضي هذه الحوائج إلا الله، وإلا لما التفت إلى هنا أو هنا يسأل ويطلب، فلهذا الدعاء هو العبادة، ( من لم يسأل الله يغضب عليه )، ألح في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء، والشرك فيه -والعياذ بالله- أن يقول: يا رسول الله! ويا سيدي فلان! وعاشت أمتنا قروناً تشرك به هذا الشرك.تجد المرء يوحد الله، والمسبحة في يده: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ألف مرة، يأخذه النعاس وتسقط المسبحة من يده وإذ به يقول: يا رسول الله! يا أهل البلاد! أين الله الذي كان يؤلهه؟ لعلي واهم؟ أما قلت لكم: إن قائد السيارة خرج بنا عن خط السير فإذ به يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! قلت: كيف هذا يا فلان؟! لو متنا لهلكنا؟ هل الرسول يجيئك الآن يمر ينقذك؟ كيف هذا؟! فيقول لي: لساني هكذا![رابعاً: تهديد الله تعالى لأهل الفساد في الأرض، وهم الذين يعملون بالشرك والمعاصي]، هددهم الله في هذه الآيات فقال: فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِين َ [آل عمران:63]، معناه: يا مفسدون انتبهوا، إنكم تحت الرقابة، وهو كذلك.والله أسأل أن يصلحنا، وأن يبعدنا من ساحة المفسدين، اللهم آمين!



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #159
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (17)
    الحلقة (158)

    تفسير سورة آل عمران (24)

    إن إفراد الله عز وجل بالعبادة هو الغاية من كل رسالة، وهدف كل نبي من الأنبياء، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم واليهود قد حرفوا دينهم، واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله، ومثل ذلك فعل النصارى حيث عبدوا رهبانهم، وزادوا على ذلك أن كل فريق منهم ادعى نسبة إبراهيم عليه السلام إلى ديانته، وقد أخبرهم الله أن إبراهيم ما كان يهودياً ولا نصرانياً، وإنما كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.
    تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ...)
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب ربنا عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وبالمشاهدة نشاهد السكينة، لا ضوضاء ولا فوضى ولا لغط ولا سخط ولا كلام، هذه السكينة، أما الرحمة فقد غشيتنا، فهل تشاهد بيننا الآن عذاباً؟ أبداً، رحمة كاملة، وأما كون الملائكة تحفنا فكما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أننا لا نشاهدهم؛ لأن أبصارنا ضعيفة لا تقوى على رؤية الملائكة النورانيين وهم يحفون بالحلقة.وأما ذكر الله تعالى لنا عنده في الملكوت الأعلى فهو كما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، الحمد لله على هذا الإفضال والإنعام، الحمد لله على أن رزقنا الله إيماناً به وبلقائه، به وبكتابه ورسوله، ويسر لنا أن نصلي المغرب والعشاء في أقدس بيت من بيوت الله، ونتلو كتاب الله ونتدارسه، اللهم لك الحمد! اللهم لك الحمد! اللهم لك الحمد على ما أوليت وأنعمت وأفضلت.وقد انتهى بنا الدرس ونحن في سورة آل عمران عليهم السلام إلى هذه الآيات الخمس، فهيا أنا أتلو وأنتم استمعوا، ونصبح كلنا دارسين وتالين، قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:64-68].الحمد لله! الحمد لله! الحمد لله! عجب هذا القرآن العظيم. هيا بنا نتدارس هذه الآيات.

    المراد بأهل الكتاب وحكمة مناداتهم بهذه الصفة
    قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64] من الآمر بكلمة: (قل)؟ الله رب العالمين، منزل القرآن العظيم على خاتم أنبيائه وإمام رسله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64] نادهم: يا أهل الكتاب! ومن هم أهل الكتاب؟ إنهم والله لليهود والنصارى؛ لأن اليهود بين أيديهم التوراة وإن حرفوها، وإن زادوا وإن نقصوا، وإن قدموا وإن أخروا، لكن أصلها موجود، التوراة النور الإلهي.والنصارى بين أيديهم الإنجيل، الإنجيل الذي أنزله الله على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، إذاً: فهم حقاً أهل كتاب أم لا؟ ويكفي أن الله عز وجل يقول لرسوله: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [آل عمران:64]، ناداهم بهذه الصفة التي يفرحون بها، ولا ينكرونها، ولهذا يبتدئ النداء بهذا: (يا أهل الكتاب) يريد أن يقول لهم: تعالوا، ما قال: هلم، تعالوا؛ لأن مقام الرسول عال، كأنه يقول: ارتفعوا أيها الهابطون إلى المقام السامي العالي، وهو مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ارتفعوا أيها الهابطون إلى مقام النبوة المحمدية لتتعلموا الهدى وتعرفوا الحق.

    المراد بالكلمة السواء
    قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] كلمة العدل والحق والإنصاف، (كلمة سواء) أي: كلمة عدل بيننا وبينكم، ما هذه الكلمة؟ هي أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] هذه هي كلمة العدل، وهي ألا نعبد نحن وأنتم إلا الله، لا نعبد الله نحن وأنتم تعبدون الأصنام والأوثان، أو تعبدون الأولياء والرهبان، ألا نعبد نحن ولا أنتم إلا الله، هذا هو الإنصاف والعدل.ولا نشرك به تعالى شيئاً، لا عيسى ولا أمه ولا روح القدس جبريل ولا غير جبريل، لا موسى ولا العزير، فقط نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئاً من الشركاء قلوا أو كثروا، ولا شيئاً من الشرك ولو كلمة، ولو انحناء برءوسنا.ثانياً: ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً وآلهة من دون الله، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] أي: آلهة يعبدون من دون الله عز وجل.إذاً: فاليهود كالنصارى، قدسوا علماءهم ورهبانهم، ورفعوهم إلى مستوى الألوهية والربوبية، فقد أحلوا لهم ما حرم الله فأطاعوهم، فأحلوا ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله وأباح وأذن، فحرموه على أنفسهم اتباعاً لعلمائهم، فكانوا بذلك قد اتخذوهم أرباباً؛ لأن الرب هو الذي يحل ويحرم، هو الذي يمنع ويجيز، لأن الرب هو المربي العليم الحكيم، فهو يحل ما فيه خير للعباد، ويحرم ما فيه ضرر على العباد وشر.فإذا جاء العالم يحرم ما أحل الله ويحل ما حرم الله أصبح هو الإله، واتصف بصفات الرب؛ لأن لفظ الرب فيه معنى التربية.وهنا جاء من سورة التوبة قول الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]، هذه الآية لما سمعها ذاك الصاحب عدي بن حاتم الطائي ابن حاتم الطائي مضرب المثل في الكرم والجود، وولده تنصر وأصبح نصرانياً، فلما أسلم في أخريات من أسلم سمع الرسول يقرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فأنكر ذلك وقال: لا يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أليسوا يحلون لكم الحرام فتحلونه؟ قال: بلى، أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم ) ما هي العبادة إذاً؟ أليست العبادة طاعة في ذل وانكسار وتعظيم لذلك المطاع؟ بلى، إذاً: تلك هي العبادة.(اتخذوا أحبارهم) أي: علماءهم، (ورهبانهم): عُبَّادهم، اتخذوهم أرباباً، كيف جعلوهم أرباباً؟ أطاعوهم في معصية الله.إذاً: هذه هي الدعوة دعوة الإنصاف والعدل، يا أهل الكتاب من يهود ونصارى! تعالوا ارتفعوا إلى مقامنا السامي، ارتفعوا من هذا الهبوط الذي هبطتموه، وأصبحتم لاصقين بالأرض من أجل المادة والأهواء والشهوات والأطماع، ارتفعوا.

    ذكر ما تضمنته كلمة السواء من جماع معاني التوحيد
    قوله تعالى: تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ [آل عمران:64] أي: عدل بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]. ما هذه الكلمة؟ هي أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64] لا العزير ولا عيسى ولا فلان وفلان وفلان. وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64]، فكوننا نعبده ونعبد معه غيره ما استفدنا، ما حققنا الهدف، ما زلنا ضلالاً، ولنذكر هذا دائماً ونقول: من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وجب عليه أن يعبد الله أولاً، كيف يشهد له بأنه لا إله إلا هو ولا يعبده؟ فهو إذاً يسخر ويستهزئ.ثانياً: ألا يعبد معه غيره، وإلا تناقض، كيف يقول: أنا أعلم علم يقين أنه لا يوجد إله يعبد بحق إلا الله، وها أنا قد عبدته، ثم يعبد معه غيره؟ أي تناقض أعظم من هذا؟ فضيحة! من أول مرة يقول: لا إله إلا الله وفلان! حتى يعبده مع الله، أما أن تنفي وجود إله مع الله وتعبد الله ثم تعبد معه غيره فهذه خيانة وسوء أدب.ثالثاً: ألا تعترف بعبادة غير الله، ولا تقرها أبداً، فإن أنت عبدت الله وعبدت وحده، ثم رضيت بأن يعبد غيره معه؛ إذاً تناقضت، فإذا كنت من أول مرة تستثني، فتقول: لا إله إلا الله والمسيح. لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلا ما كان من عبادتنا لـمريم مثلاً، فهذا تناقض.إذاً: كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] هي ألا نعبد أولاً إلا الله، ولا نشرك به شيئاً أبداً، لا من الشرك ولا من الشركاء، فقد يعبد الله عز وجل وحده ولكن يقول كلمة شرك، أو يعتقد عقيدة شرك تتنافى مع التوحيد، فهو كافر ومشرك، ولا يقبل منه ذلك التوحيد.ثالثاً: وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] لا يتخذ جهالنا علماءنا آلهة يعبدونهم، وهل العلماء يعبدون؟ إذا أحلوا لنا ما حرم الله فاتبعناهم عبدناهم، إذا حرموا علينا ما أحل الله فحرمنا ما أحل الله عبدناهم، ضاددنا الله تعالى وناددناه بهم، وجعلناهم آلهة، إذ لا يشرع إلا الله، لا يقنن إلا الله، وقولوا: لم؟ الجواب: الذي يشرع ويقنن يجب أن يكون عليماً حكيماً قادراً: قدرة لا يعجزها شيء، علم أحاط بكل شيء، حكمة لا يخلو منها شيء، والإنسان الضعيف يستطيع؟ لا يعرف المستقبل ما فيه، لا يعرف مضار الناس ولا منافعهم، الذي يستحق أن يشرع ويقنن فيحلل ويحرم ويأمر وينهى ذاك الذي هو الله ذو القدرة التي لا يعجزها شيء، ذو العلم الذي أحاط بكل شيء، ذو الحكمة التي لا يفارقها شيء! إن الذي يشرع العبادات ليعبد البشر بها الله يجب أن يكون عالماً بكل شيء، والذي لا يعلم ما وراء هذه الجبال، أو لا يعلم ما بعد أسبوع أو عام أو خمسين سنة ولا يعلم ما بعد قرن وقرون؛ كيف يطاع فيما يشرع؟!هذه هي الحقيقة، ووضحها لنا آية سورة التوبة، إذ نزل فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28].هذا إعلان أعلنه علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق ومن أرسلهم الرسول في حجة سنة تسع من الهجرة، أعلنوا ألا يحج بعد هذا العام مشرك أبداً، في تلك السنة حج المشركون؛ لأنهم ما منعوا، ولم يبق إلا حجة واحدة في السنة العاشرة، حجة الوداع، فبعث الرسول أبا بكر رضي الله عنه نائباً عنه، فكان أول أمير في الحج، ثم زاد فبعث علياً وبعض الصحابة أن ينادوا في عرفات وفي مزدلفة وفي منى وفي مكة ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان، هذا ما يحمله النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً [التوبة:28] وفقراً، وقلتم: الآن نجوع، الآن تتعطل التجارة، كان المشركون يأتون بالبضائع والسلع ويشترون ما شاء الله، والآن نصاب بالجوع والفقر، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28]، لم قال: إن شاء؟ لو لم يقل: (إن شاء) لتركوا العمل وكل شيء ولقالوا: أبشروا فقد وعدكم الله بالغنى، لا تحرثوا ولا تزرعوا! لا إله إلا الله الحكيم العليم! كلمة (إن شاء) هذه تعدل الدنيا وما فيها، والله لو ما قالها لترك الناسجون النسج، والحارثون الحرث، والمجاهدون قالوا: انتهينا، وعدنا الله بالغنى! لا إله إلا الله، أو ما انتبهتم لهذا القيد؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] هنا تضطرب القلوب أم لا؟ أين البضائع والسلع والتجارات والذين يشترون؟ تعطلت الحياة! قال: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً [التوبة:28] وفقراً من منعكم المشركين من دخول الحرم من الحج بعد هذا العام فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ [التوبة:28] ثم ماذا قال بعد (إن شاء)؟ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:28] عرفتم هاتين الصفتين؟ عليم بكل شيء، حكيم في تشريعه في كل شيء، فاستجيبوا، أطيعوا، امنعوا المشركين بعد هذا العام، لا تقبل مشركاً يحج بعد هذا العام.
    ضلال اليهود والنصارى باعتقادهم في عيسى وعزير واتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً
    ثم قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] أذلاء، هنا بين لنا شركهم وكفرهم، لا تقل: اليهود والنصارى ما هم بكفار ولا مشركين! اسمع الله يقرر شركهم وكفرهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة:30] أما الواقع فوالله ما المسيح ابن الله ولا العزير ابن الله. ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [التوبة:30] قالوا كما قال المشركون من العرب وغيرهم. يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30] اسمع علة هذا اللعن:قال: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] اليهود اتخذوا العلماء أرباباً، والنصارى اتخذوا العباد والرهبان أرباباً من دون الله، من أخبر بهذا الواقع؟ الله عز وجل، هل يقول الله غير الصدق والواقع؟ حاشاه تعالى أن يقوله.قال: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]، هنا لما سمع عدي بن حاتم الطائي النصراني العربي حيث كان في الشام وكان متنصراً؛ قال: يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً من دون الله. كيف تقول هذا؟ لو كان متزناً ثابت العقل لما قال هذا والله هو الذي قال، هذا ما هو بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا قول الله، يا حاتم ! أأنت أعلم أم الله؟! لكن لما كان يواجه الرسول قال: يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً من دون الله! فأجابه أستاذ الحكمة صلى الله عليه وسلم ومعلمها بما شفى صدره، وهدأ من قلقه وروعه، قال: ( أليسوا يحلون لكم الحرام فتحلونه؟ قال: بلى. أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم ) تلك هي العبادة إذاً. أليست هي الطاعة مع الإذعان والذل والاحترام والتعظيم؟ إذاً: عبدتموهم، واتخذتموهم أرباباً.وهذه الآية نزلت في وفد نجران فاسمعوها: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] لا ظلم ولا جور، نحن وأنتم سواء، ما هذه الكلمة؟ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] من الشرك أو الشركاء، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64].

    منع النبي الصحابة من القيام له صورة من صور حمايته لجناب التوحيد
    من هنا كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الناس في المسجد أن يقوموا يقول: لا تقوموا، ما سمح لأحد أن يقوم له، يدخل على أصحابه في الروضة من بيته، فهموا أن يقوموا فقال: لا تقوموا، حتى لا يقال: الرسول يحب أن يعظم ويعبد. فهذا من عمل اليهود والنصارى، يقومون لأحبارهم ورهبانهم؛ لأن القيام عبادة سببها الطاعة والتعظيم والحب والذل والانكسار، والانحناء الذي هو امتداد الظهر أو ما نسميه بالركوع أليس هذا من باب التعظيم والإجلال لمن عبدناه أم لا؟ والسجود من باب أولى، ولهذا قال: ( من سره أن يمتثل له الناس قيامًا ) بحب صادق ( فليتبوأ - والعياذ بالله- مقعده من النار ).فلهذا ما من حق المؤمن صادق الإيمان أن يرغب في أن يقوم الناس له، وإن قاموا له وبدون حب منه ولا رغبة؛ فلا بأس، أما أن يحب لنفسه أن يقوم الناس له تعظيماً وإجلالاً وإكباراً فقد تبوأ مقعده في النار.فعبادنا وزهادنا وعلماؤنا نحبهم نبجلهم نعظمهم نقدرهم، لكن ليس إكباراً وإجلالاً كالعبادة، وهم أنفسهم عليهم الرضوان لا يرغبون أن يذلوا الناس ويهينوهم؛ حتى يركعوا لهم أو يقوموا لهم، وليس ذلك في نفوسهم، فإن فعله من فعله من إخوانهم فهو من باب احترام أو تعظيم العالم أو الحاكم، ليس عبادة له وذلاً وصغاراً أو إعظاماً وإجلالاً؛ لأننا كلنا عبيد الله، ولكن فضل الله بعضنا على بعض، فمن هنا الذين يركعون وينحنون خوفاً وتبجيلاً وتعظيماً عبدوا غير الله عز وجل. وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] الأرباب: جمع رب، ما الرب؟ الرب يطلق ويراد به: المعبود، لم عبد؟ لأنه يربي، يطعم ويسقي ويحيي ويميت، ويعز ويذل؛ فتذل له النفوس تعظيماً له وخوفاً منه ورغبة فيما عنده.

    ذكر ما يعتبر عبادة مما ليس بعبادة من طاعة البشر فيما أمروا به ودعوا إليه
    أقول: خلاصة القول: أن اليهود والنصارى عبدوا علماءهم وعبادهم، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فشفى صدورنا مع عدي بن حاتم رضي الله عنه، إذ قال: ( يحلون لكم الحرام فتحلونه، ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه )، فالآن أيما حاكم من حكام المسلمين عرباً أو عجماً ينصب نفسه هذا المنصب، ويبيح للناس الخمر يقول: اشربوها، هل نطيعه؟ والله إن أطعناه عبدناه، يبيح لهم الزنا يقول: أيش فيه؟ فإن أطاعوه عبدوه وألهوه، يبيح لهم الربا، يقول: الربا حلال! فإن أطاعوه فقد ألهوه وجعلوه إلهاً مع الله، يبيح لهم عقوق الأبوين، يقول: ما هناك حاجة إلى هذه الطاعة العمياء لأب أو أم، أنت حر، فلو أطاعوه في ذلك فقد ألهوه، وهكذا لو قال: لا معنى لهذا الصيام أبداً، فأطعناه فتركنا الصيام الذي فرض الله فقد عبدناه وألهناه! أقول: أما ما كان من غير ما أحل الله ولا حرم من أمور الدنيا كالحرث والزراعة والصناعة والتجارة وما إلى ذلك؛ فهذه إذا نظر الحاكم إلى مصالح الأمة أو المسلمين وقال: اتركوا هذا لما يترتب عليه؛ فهذا أمر واسع وجائز، ما هو بعبادة.الحكيم صلى الله عليه وسلم قال: يحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه، أو يبيحون لكم ما حرم الله فتبيحونه وتحلونه، هذه مضادة لله أم لا؟ هذا هو الشرك بعينه.فالدعوة الإسلامية الربانية تدعو إلى أن المحلل والمحرم هو الله عز وجل، والمطاع في ذلك هو الله، إذ هو المربي وهو العليم الحكيم.فإن قال لك والدك يا بني: لا تجلس مجالس الباطل والمنكر، فطاعته هنا من طاعة الله عز وجل؛ لأن الله حرم هذا، أبوك ما يرضى لك هذا الفساد، لا تقل: إذاً عبدت أبي! أبداً، إذا قال لك مربيك أو شيخك: يا فلان! لا تستعمل هذا الدخان لأن فيه مضرة ومفسدة، فلا تقل: إن أطعته عبدته وجعلته إلهاً مع الله؛ لأن معلمك أو مربيك رأى أن هذا ضار بك ومفسد لعقلك أو مالك فنهاك عنه! مثلاً: هؤلاء رجال المرور كونهم فعلوا هذه الإشارة الحمراء، وهذه خضراء؛ من أجل مصالح الناس حتى لا يقتل بعضهم بعضاً، وحتى لا يؤذي بعضهم بعضاً، فهل تقول: أنا لا أطيعهم، إذا أطعتهم عبدتهم وأصبحت مشركاً! يأتي هذا الوسواس، يقول: إذاً أنا أتحداهم، أنا لا أعبد إلا الله، لا نطيع رجل المرور! فرجل المرور ما حرم ما أحل الله، ولا أباح ما حرم الله، نعم مأذون لك أن تمشي في هذا الشارع، ولكن إذا وجد شوك يقول لك: لا تمش فيضرك هذا الشوك، أتقول: أنت ألهت نفسك وأصبحت إلهاً؟ لا؛ لأنني منعتك من هذا الضرر الذي يحصل لك.أقول: فلا بد من وعي وبصيرة، والقاعدة التي وضعها الحبيب صلى الله عليه وسلم واضحة كالشمس: ( يا عدي ! أليسوا قد حرموا عليكم ما أحل الله فأطعتموهم؟ أليسوا أباحوا لكم ما حرم الله فأطعتموهم؟ فتلك عبادتهم يا عدي ! )، قال عدي : آمنت بالله. وصلى الله وسلم على رسول الله.

    مجمل القول فيما تضمنته الآية الكريمة من النهي عن صور الشرك
    ولنسمع الآية مرة ثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] ما هناك تفوق: نحن أشراف وأنتم وضعاء، أو نحن سادة وأنتم كذا، كلمة سواء، وهي أولاً: ألا نعبد نحن ولا أنتم إلا الله، العبادة التي تعبدنا الله بها لا ننصبها لغيره، لا لعيسى ولا لجبريل ولا لموسى ولا لعزير، لأن الله تعبدنا بهذه الكلمة، أو بهذه الركعة، أو بهذا الأمر والنهي، لا نعبد إلا الله.ثانياً: ولا نشرك به غيره، لأنهم قد يعبدون الله ويشركون، فما هي حال عوام المسلمين وجهالهم؟ يكفرون، يعبدون الله ويشركون معه غيره، والشرك مأخوذ من الشركة، هذا المنزل بيني وبين فلان شركة، كذا أم لا؟ هذه عبادة خاصة بالله، هذا المنزل خاص لفلان، لا شرك له فيه، فما تعبدنا الله به وجعله من عبادته كالذبح والنذر والحلف والركوع والسجود فهذه عبادات شرعها الله، فمن ذبح لغير الله عز وجل تقرباً إليه وتزلفاً أو رجاء أن يحصل له خير أو يحصل له معروف فقد عبد الذي ذبح له كما يذبح لله عز وجل.والذي ينذر كذلك، والعرب كانوا ينذرون للآلهة، ونحن ننذر لله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] وهو أن يقول: يا رب! علي أن أصوم كذا، أو أتصدق بكذا، أو أبيت الليلة راكعاً ساجداً لك يا رب العالمين! هذا النذر، وهل يجوز أم لا يجوز؟ يجوز، تملق إذاً إلى الله وتزلف، ليقضي حوائجك أيضاً إن شئت من أجل أن يفعل بك خيراً، وإن شئت أن يحبك فإنك تتقرب تقول: لك يا رب أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، من يمنعك؟ تقرب إلى الله وتزلف إليه.أما أن تنذر لغير الله فقد جعلته إلهاً، لك يا سيدي فلان أن أفعل كذا وكذا. أصبح شريكاً مع الله أم لا؟ تعبدنا الله بالإقسام به والحلف؛ لأنه تعظيم وإجلال وإكبار، فأنت لا تحلف بالله وتحلف بفلان، أشركت هذا المخلوق في عظمة الله وفي عبادته.فلهذا العامة يقولون: والنبي، نقول: حرام، قل: لا إله إلا الله، أشركت بالله، كيف تقول: والنبي؟ هل النبي إله؟ أعوذ بالله! هو عبد الله ورسوله، فكيف تحلف به إذاً وتجعله إلهاً؟ولهذا من تعاليم الحبيب صلى الله عليه وسلم لما شاهد بعض المؤمنين أسلموا من عهد قريب، فيحلفون بالعزى وباللات بدون قصد، فقال: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله ) أي: يكفر ذلك الذنب بكلمة التوحيد، تربية له، فلهذا من جرى على لسانه الحلف بسيده فلان أو برأس فلان أو بكذا مباشرة يقول: لا إله إلا الله فتمحوها، على شرط: ألا يكون متعمداً. إذاً: وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] لا نقول: مستعدون لأن نصلي ونصوم ونحج لله وحده، ولكن لا بأس أن ننذر لغيره، أو نتوسل إلى غيره، فهذا لا يصح بهذه اللفظة من كلام الله: وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64].ثالثاً: وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] كلنا عبد الله، الحاكم والمحكوم، العالم والعابد والجاهل، كلهم عبيد الله عز وجل، أما الاحترام والتبجيل والإكبار فلا بأس، لكن ليس تبجيل ولا إكبار عبادة، يقبل بعضنا بعضاً، ولكن لا إلى مستوى العبادة التي هي الذل والانكسار والخشية والرهبة والخوف.

    معنى قوله تعالى: (فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)
    ثم قال تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا [آل عمران:64] عن هذا وأعرضوا فقالوا: ما نسمع هذا، فقل لهم ونادهم: (تعالوا إلى كلمة). (فإن تولوا) أصلها: فإن تتولوا، فإن تولوا عما دعوتهم إليه وأعرضوا عنه فقل إذاً: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] وأنتم إذاً كافرون، ما قالها لكنها معروفة، فإن تولوا عن هذه الدعوة وعن هذه المناظرة وعن هذا اللقاء ورفضوا الحضور فقولوا لهم: اشهدوا بأنا مسلمون وأنتم معروف أنكم كافرون، لكن من آداب القرآن وكمالات كلام الله وهو علاج القلوب والأرواح أنه ما قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] وأنتم كافرون، فهذه تنفرهم، ما تجعلهم يسمعون، لكن سبحان الله العظيم! هو لازم هذا، يقول أو لا يقول، إن كنا نحن مسلمين إذاً أنتم غير مسلمين؛ لأننا أقبلنا وأنتم رفضتم وأبيتم، رضينا وأبيتم، أقبلنا وأعرضتم. سبحان الله العظيم! أعيد هذا النداء الكريم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] هي أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64] أولاً وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] ثانياً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] وأنتم كافرون. ما معنى مسلمون؟ أسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله فعبدناه وحده، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ المسلم المسلم إلهاً مع الله، لا يطيعه في معصية الله ورسوله، إنما الطاعة في المعروف، أطع أمك، أطع أباك، أطع شيخك، أطع جارك صديقك، أطع إمامك وحاكمك، لكن فيما هو معروف مأذون فيه، لا فيما حرم الله وأوجب الله، فتترك ما أوجب الله أو تفعل ما حرم الله طاعة لأمك أو أبيك أو شيخك أو حاكمك؛ إذ القاعدة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما الطاعة في المعروف ).وأزيدكم: مع هذا الهياج الموجود في العالم العربي من أجل هذه الصحوة ما بلغنا يقيناً أن حاكماً أمر مواطنيه بأن يفجروا، أو يسرقوا، أو يسبوا الله ورسوله، أو يتركوا الصلاة، أو يؤذوا الجيران إلا ما كان من محنة عدن لما ظهر فيها الشيوعية، نعم حاولوا أن يكفروهم، ولكن الله عز وجل أزالهم وأبادهم. نعم وجد في بعض البلاد بعض الحكام انتقدوا الصيام وقالوا: إنه أعاقنا وعطلنا، لكن ما سمعوا لهم ولا أطاعوهم، ولا أكلوا في رمضان، ففشلوا.أما أننا بلغنا أن حاكماً في بلاد العرب قال للمواطنين: أيها المواطنون! دعونا من هذا الصيام، أو دعونا من هذا التزمت، كيف لا يتزوج إلا كذا وكذا، فليتزوج ما شاء، أو قال لهم: كيف هذا الربا؟ افعلوا ما شئتم، يجب أن ترابوا؛ ما كان أبداً فيما علمنا، والله أعلم، ولكن هم الذين تهوروا وسقطوا في المحنة، ما سألوا أهل العلم ولا انقادوا لعلمائهم، ولا استجابوا لهم، ففعلوا ما حرم الله عز وجل.

    تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ...)
    جاء النداء الثاني: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ [آل عمران:65] وتقولون: كان إبراهيم يهودياً، والنصارى قالوا: إبراهيم كان نصرانياً، مجانين هؤلاء! قال: روي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك، فإنه كان يهودياً، وما بك إلا الحسد فقط، فأنزل الله تعالى هذه الآية: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، والعبرة بالعموم. يقول تعالى: قل لهم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65]، فما سميت اليهود يهودية إلا بعدما نزلت التوراة، وما قيل: النصارى إلا بعدما نزل الإنجيل، وإبراهيم كان قبل موسى وكان قبل عيسى، فكيف تجادلون في هذا؟ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ والحجاج: الجدال في قول اليهود: إبراهيم كان يهودياً، والنصارى قالوا: كان إبراهيم نصرانيًا، في الحقيقة النصرانية كاليهودية بدعتان وجدتا بعد إبراهيم بألف سنة، أو أكثر من ألف سنة، كيف يكون هذا؟ هذا كله نتيجة الجهل من عوامهم، قالوا: إبراهيم كان يهودياً على ديننا، والنصارى عوامهم قالوا كذلك، أما الرؤساء فهم يدجلون ويكذبون فقط للفتنة، ولصرف الناس عن الإسلام؛ فأبطل الله هذه الدعوة بهذه الآية الكريمة: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65]، والله ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، إذ على عهده لا يهودية ولا نصرانية، اليهودية بدأت متى؟ لما قالوا: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156] أو من يهوذا، أبدلت الذال دالاً، فاليهودية بدعة ابتدعها اليهود وقالوا: نحن على ملة اليهودية، والنصرانية ما كانت معروفة على عهد إبراهيم أبداً، ما وجدت إلا على عهد عيسى لما قال: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52]، أو من ولادته في الناصرة قرية من قرى فلسطين، بدعة فقط ابتدعها اليهود والنصارى، فقال اليهود: لا، نحن على دين إبراهيم، وإبراهيم كان يهودياً، والنصارى قالوا: نحن على دين إبراهيم؛ لأن النصرانية كانت دين إبراهيم؛ فأبطل الله هذه الدعوة بشيء عجيب: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65] فهل بقي لهم كلام؟ ما أنزلت التوراة التي فيها ذكر اليهود، ولا الإنجيل الذي فيه ذكر النصارى إلا بعد إبراهيم بقرون، فكيف إذاً يكون إبراهيم يهودياً أو نصرانياً؟ فلهذا قال: أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65] أين عقولكم؟ ألا تعقلون؟ وهكذا أسكتهم أيضاً بهذه الحجة: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ [آل عمران:65] ما معنى أنهم حاجوا في إبراهيم؟ قال اليهود: إبراهيم كان يهودياً، وقالت النصارى: إبراهيم كان نصرانياً، ونحن من أتباع إبراهيم وعلى ملته ودينه، فقال تعالى: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65] أي: من بعد إبراهيم بقرون، أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65]، أين يذهب بعقولكم؟!

    تفسير قوله تعالى: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ...)
    ثم قال لهم: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ [آل عمران:66] الهابطون الساقطون هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66] في قضايا التوراة الموجودة فيها وفي الإنجيل، إذاً: فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66] حاججتم فيما لكم به علم، التوراة بين أيديكم، قلتم: فيها كذا وكذا، الإنجيل بين أيدي النصارى، قالوا: فيه كذا وكذا، والذي ما هو في التوراة ولا في الإنجيل كيف تحاجون فيه؟ أفلا تعقلون؟ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران:66].

    تفسير قوله تعالى: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ...)
    وختم تعالى هذا بقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا [آل عمران:67] والله العظيم! ما كان على ملة اليهود؛ لأنها بدعة أساساً، ما أنزل الله اليهودية ولا النصرانية، ابتدعوها كما ابتدعنا التجانية والقادرية والرحمانية والعيساوية، لما يقول: أنا قادري، هل أنزل الله القادرية في كتابه؟ لما يقول: أنا تجاني، هل التجانية شرعها الله على لسان رسوله؟ بدعة، كذلك اليهودية والنصرانية بدعتان. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا [آل عمران:67] فقولوا: أسلمنا، قالوا: لا. فلتأكلهم جهنم، إبراهيم كان حنيفاً، أي: موحداً مائلاً عن ملل الشرك كلها والكفر، وكان وحده يقول: لا إله إلا الله، وغيره مشركون هابطون.إذاً: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا [آل عمران:67]، ما معنى الحنف؟ الميل، كان مائلاً عن كل الشرك والكفر إلى الله عز وجل، ومسلماً القلب والوجه لله.وأخيراً هذه البشرى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:68]، والحمد لله على أننا من أهلها.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #160
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم
    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    تفسير سورة آل عمران - (18)
    الحلقة (159)

    تفسير سورة آل عمران (25)


    كثير من اليهود والنصارى يودون إضلال المسلمين وإهلاكهم، وسنة الله التي لا تتخلف أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأن عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية الأمر، وقد عاب الله على هؤلاء اليهود والنصارى كتمانهم للحق مع معرفتهم له، وإنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم موقنون أنه النبي الخاتم، وبين سبحانه أن هذا الأمر من طبيعتهم، سواء فيما يتعلق بالرسالة والنبوة أو في غير ذلك.

    قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليالي ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي والعالم أجمع- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.الآيات المباركات التي تدارسناها بالأمس نسمع تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]، أي: قولوا -أيها المؤمنون- لأهل الكتاب: اشهدوا بأنا مسلمون. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:65-68]، فالحمد لله على أننا أولى الناس بإبراهيم من اليهود والنصارى والمشركين، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68].درسنا هذه الآيات وتذكرناها، ونعود إلى نتائجها ونراجعها إن شاء الله؛ لنزداد بصيرة في هذه الآيات.

    هداية الآيات
    قال المصنف غفر الله لنا وله: [ من هداية الآيات:أولاً: لا يصلح حال البشرية ولا يستقيم أمرها إلا إذا أخذت بمبدأ (الكلمة السواء) وهي: أن تعبد ربها وحده لا تشرك به سواه، وألا يعلو بعضها على بعض تحت أي قانون أو شعار].نعلم يقيناً أنه لا يصلح حالنا ولا يستقيم أمرنا إلا إذا أخذنا بمبدأ (الكلمة السواء) والكلمة السواء هي أن نعبد الله وحده ولا نشرك به سواه، وألا يعلو بعضنا على بعض تحت أي قانون أو شعار، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، وهي: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64]، فهناك من الناس من يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، كالذي يسجد له، ويركع، ويعظم، ويطاع ويعصى الله فهذه هي عبادته، وهذا ظاهر في أحبار اليهود ورهبان النصارى، ومشى على ظلهم وطريقهم علماء من هذه الأمة، وعلى سبيل التوضيح: علماء الروافض والشيعة، فهم أكثر تقديساً من علماء النصارى واليهود، حسبك أن تفهم أنهم يأخذون خمس أموال أمتهم، والخمس هو ما يساوي (20%)، وإذا أمروهم أو نهوهم، أو علموهم انقادوا وذلوا، واتبعوهم على الباطل.بل ومن أهل السنة والجماعة كرجال التصوف وعلماء التصوف عبدهم الناس عبادة كما يعبد الله، يركعون ويسجدون لهم، وهذا شأن من يخرج عن دائرة الحق، فإنه يسقط، ويخسر ويتمزق، قال صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون سواسية كأسنان المشط، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من سواهم )، لا يعبد بعضنا بعضاً، فالعالم الذي يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله؛ لفوائده وسلطانه ومركزه عُبد من دون الله أصبح رباً يعبد.فهذا عدي بن حاتم الطائي كان قد تنصر في بلاد الشام، ثم دخل في الإسلام: ( فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، فقال عدي : لا يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً، فقال: يا عدي ! أليسوا يحلون لكم الحرام فتحلوه؟ قال: بلى، أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرموه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم ).والقاعدة عندنا: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف )، فلو قال لك أبوك: أي بني! احلق لحيتك، فقل له: لا يا أبتاه. ملعون من فعل هذا على لسان رسول الله؛ لأنه تشبه بالنساء. أو قال لك: يا بني! لا تشهد الصلوات صل في بيتك، فقل له: لا يا أبتاه، لا نفارق جماعة المسلمين في بيوت الله. وهكذا لو قال الأمير أو الشيخ أو غيرهم، إلا إذا أحداً منهم أمرك بمعروف فقد وجبت الطاعة، وإن أمرك بمعصية فلا طاعة له، ( إنما الطاعة في المعروف )، لا في المعصية.[ثانياً: حجية التاريخ وبيان الحاجة إليه]، فحجية التاريخ قوية وفاصلة وقاطعة، ونحن بحاجة إلى أن نعرف التاريخ -وإن كنا قد فرطنا في هذا- ودليل ذلك، قال: [إذ رد الله تعالى على أهل الكتاب في دعواهم أن إبراهيم كان على دينهم]، إذ قال تعالى: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65]، فكيف يكون إبراهيم يهودياً واليهودية ما وجدت إلا مع نزول التوراة؟! وكيف يكون إبراهيم نصرانياً والنصرانية ما وجدت إلا مع الإنجيل والزمان بينهم قرون عديدة؟!فأسكتهم الله عز وجل بحجية التاريخ إذ قال: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65]، وقال أيضاً: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67].قال: [ثالثاً: ذم من يجادل فيما لا علم له به، ولا شأن له فيه]، والذم واللوم والعتاب معروف.ذم من يجادل في شيء لا علم له به، وليس له حق في أن يجادل فيما لا يعلم ولا شأن له به، ولا في شيء ينفعه أو يضره، فلماذا إذاً يقضي الوقت في الجدال؟!لكن إذا كان الجدال لإحقاق حق، أو لإبطال باطل، أو لإظهار خفي، أو لإخفاء ظاهر لمصلحة الدعوة أو لمصلحة المؤمنين، فلا حرج؛ لأن الآية الكريمة حملت هذا المعنى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66]، فمعناه: إذا كنت على علم وبصيرة في شيء حاجج وجادل وبين، وإذا كنت لا تعلم لا تدخل في جدال قد تتأثر به وتهلك، فجدال لا ينتج لك خيراً ولا يدفع عنك شراً، فلماذا تقضي الوقت في جدال باطل لا معنى له؟فقد ورد في الحديث: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وأنا أبيض وهي بيضاء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وهل لك من إبل؟ فقال الرجل: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أروق؟ قال: نعم، قال: فمن أين ذلك؟ -ما دامت حمر كيف جاء هذا الجمل أروق؟- قال: لعل عرقاً نزعه -من أصل آبائه وأجداه-، فقال صلى الله عليه وسلم: لعل عرقاً نزع )، وما أمره صلى الله عليه وسلم لا بطلاقها ولا بتهمتها، فهذا الجدال حسن وجائز، فإذا كان على علم، ولفائدة ومصلحة وخير محمود الجدال والحجاج، لكن إذا كان بدون علم، أو كان لغير فائدة فلا ينبغي إضاعة الوقت.قال: [رابعاً: اليهودية كالنصرانية لم تكن دين الله تعالى، وإنما هما بدعتان لا غير]، فكما قلنا: أن التجانية، والقادرية، والرحمانية، والعيسوية، والعمارية، والعيدروسية هي طرائق وبدع، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفها، ولم ينزل بها القرآن، ولم تبينها السنة، فهذه بدع ابتدعوها؛ ليفرقوا كلمة المسلمين. فالقرية الواحدة مفرقة إلى أربع فرق، ففيها التجانية، والقادرية، والرحمانية، والعمارية، آلله أذن بهذا؟!مسلمون نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابهم القرآن، إن كان عندك قال الله قال الرسول علمنا، وإن لم يكن عندك فلا تكذب علينا، ولا تقل: كذا وكذا، لا تفرق كلمتنا.[خامساً: المؤمنون بعضهم أولياء بعض -المؤمنون بحق وصدق بعضهم أولياء بعض-، وإن تناءت ديارهم وتباعدت أقطارهم، والله ولي المؤمنين].وتظهر هذه الولاية بالنصرة والحب، فيجب على المؤمن أن ينصر أخاه المؤمن ولا يخذله ولا يهزمه، ويجب عليه أن يحبه ولا يبغضه ولا يكرهه، وهذا هو الولاء والبراء، ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، أما أن يبغض المؤمن أخاه، ويهزمه ويخذله، فهذا قطّع هذه الصلة التي قررها الله عز وجل في قوله: وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68].وهنا فاتحة هذه الآيات: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، الرسول صلى الله عليه وسلم تمثلها وقام بها وأدى واجبه فيها، إذ كان يراسل ملوك الروم والفرس، من جملة ذلك كتابه إلى هرقل ، وهذا نصه: قال: [ وقد راسل النبي صلى الله عليه وسلم ملوك الروم بمضمون هذه الآية، إذ كتب إلى هرقل قائلاً: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ) أي: الفلاحين.و يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] ]، أدى واجبه صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى هرقل وإلى غيره.

    تفسير قوله تعالى: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ...)
    إذاً: بعد هذه الآيات.. إليكم الآيات الثلاث الآتية: نتلوها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، فهذا حق وإخبار الله عز وجل، (وَدَّتْ): أي: أحبت حباً كاملاً، (طَائِفَةٌ): لا كل أهل الكتاب. وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:69-71]، فهذا توبيخ إلهي.والمعنيون بتبليغ هذه الآيات ونقلها إلى المشركين هم المسلمون المؤمنون، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أدى واجبه، وأما أصحابه صلى الله عليه وسلم وأبناؤهم فقد أدوا واجبهم، وأما أحفادهم فقد بلغوا.ونحن الآن وقفنا عن التبليغ منذ قرون؛ فالكفار هم الذين كبلونا وقيدونا، وهم الذين جهلونا وأفقرونا، وهم الذين فرقونا ومزقونا، فحرموا -زادهم الله حرماناً- أنفسهم بإفسادنا وإضلالنا وتمزيقنا، ولو ما خدعونا وتركونا ننير الحياة والدنيا؛ لدخلوا كلهم في رحمة الله، لكن مكروا فعاد مكرهم عليهم، وإن حرمنا نحن أيضاً، لكن هم السبب وهم الهالكون أولاً.(وَدَّتْ)، أي: أحبت بصدق.(طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أي: من اليهود والنصارى، وسموا بـ(أهل الكتاب)؛ لأنهم أصحاب التوراة والإنجيل، فاليهود بين أيدهم وفي رفوفهم ومكاتبهم وعند رءوسهم التوراة، والنصارى أيضاً في مكاتبهم وبيوتهم الإنجيل، فهم أهل كتاب.

    رغبة قادة اليهود والنصارى في إضلال المسلمين وإهلاكهم
    قال تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، أي: أحبوا لو تمكنوا من إضلالكم؛ لعلمهم أنهم هالكون يريدون أن نهلك معهم، فهم عرفوا أنهم خاسرون، فودوا أن نخسر مثلهم، الحسد حملهم على هذا، فهذا إخبار الحق عز وجل، فلم يقل الله عز وجل: (ود أهل الكتاب)، وإنما قال: (طَائِفَةٌ)، فالآن يوجد في النصارى الملايين لا يعرفون الإسلام ولا يكرهونه ولا يحاربونه، وتوجد طائفة وهي التي تعمل على إضلال المسلمين، وإيقاف نورهم وهدايتهم، وهم رؤساء الكنائس، ومن والاهم من الأغنياء وصافحهم من أهل الأمجاد والحكم، وإلا ملايين من النصارى لا يعرفون شيئاً عن الإسلام.كذلك من اليهود توجد أيضاً أعداد كبيرة لا يعرفون شيئاً إلا التقليد والمشي وراء أئمتهم وهداتهم، ورؤساؤهم هم الذين يمكرون بالمسلمين ويودون لو خرجوا من دينهم.وهناك لفتة كثيراً ما قلناها: اليهود -عليهم لعائن الله- عرفوا حديث أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وبلغهم ودرسوه، وأكثر المسلمين ما سمعوا به، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره: ( لتقاتلن اليهود )، هنا اللام لام التوكيد وموطئة للقسم، بمعنى: (والله لتقاتلن اليهود)، كيف نقاتلهم وقد شردوا، وقد بددوا وهلكوا؟! فقد قاتلناهم وهزمونا بعد ألف ثلاثمائة سنة، فهذا نبي الله يخبر بهذا الغيب: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم )، هذا البناء للمفعول (لتسلطن)، أي: يسلطنا الله عليهم، لا أمريكا ولا بريطانيا ولا روسيا، وتسليط الله معلوم، لكن معنى آخر: ( لتسلطن عليهم، فتقتلوهم حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله )، واليهودي مختبئ تحت الشجرة أو الحجر، ينطق الله عز وجل ما لا ينطق، فينطق الله الحجر، ( فقد أنطق الله عز وجل الشجر التي مع ركانة فقد قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي فجاءت تزحف، وقال لها: اشهدي، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله ).( يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله إلا شجر الغرقد )، اللهم إلا شجر الغرقد؛ فإنه لا يكشف عن اليهود ولا يخبر عنهم؛ لأنه شجر اليهود، فلماذا سمي بقيع الغرقد بهذا الاسم؟ لأن شجر الغرقد كان ينبت فيه بكثرة، والآن لعدم نزول الأمطار فيه وقف هذا الإنبات، الذين جاءوا من فلسطين التي هي تحت اليهود أخبرونا في مجالسنا من ثلاثين سنة أن اليهود يحتفلون بشجر الغرقد ويبجلونه ويجلونه ويعنون به؛ في سقايته وتربيته، كما يعنون بالبرتقال والعنب والتين.إذاً: هذا هو تبيين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لتسلطن).أقول: لو أن المسلمين أسلموا قلوبهم ووجوههم لله في يوم ما من الأيام، من الأسباب الظاهرة أن تتخلى أوروبا وأمريكا عن اليهود اقتلوهم، فيحصل لهم ما حصل لهم على يد النازية تحت إمارة هتلر ، الأحداث لا يعرفون عن هتلر ، ولا النازية ولا ألمانيا، لكن الشيوخ عرفوا هذا، فقد اكتشفت ألمانيا حينذاك مؤامرة يهودية في بلادها، فأمرت بقتل اليهود، فقتلوهم وذبحوهم وأحرقوهم، حتى اليهود الذين في شمال أفريقيا وخارج ألمانيا أصبحوا أذلاء يرتعدون، قتلوا منهم عشرات الآلاف، وألمانيا في وسط أوروبا، سحر اليهود لبريطانيا وفرنسا وأمريكا ما نفع؛ لأن الله أراد.فمن هنا قلت مئات المرات: لو أن المسلمين صدقوا الله، ودخلوا في الإسلام بحق سيوجد الله عز وجل مؤامرة يهودية في أمريكا لنسفها وتمزيقها، أو مؤامرة ضد بريطانيا، يكتشفونها يريدون إحراق بريطانيا، والله ليقولون للمسلمين: اقتلوهم وعجلوا، ونكون قد سلطنا عليهم.لكن ما دمنا غير المسلمين بحق ولم يحن الوقت.. الحجر والشجر ما يكذبان وهما آية من آيات الله، فكثير من جيوش العرب والمسلمين ما يصدق عليهم يا مسلم، وهو ما أسلم لله لا قلبه ولا وجهه.إذاً: اليهود عرفوا أن الطريق للإبقاء عليهم أن يفسق المسلمون ويفجروا؛ حتى لا تتحقق لهم ولاية الله، فأخذوا ينشرون ضروب الفسق والفجور في العالم الإسلامي، من الربا، إلى الزنا، إلى الحشيش، إلى الباطل، إلى ترك الصلاة، إلى الكفر بالله، إلى السب، إلى التمزيق؛ حتى لا توجد لهم ولاية ربانية ليصبح الشجر يناديهم: ( يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله )، فالمسلمون ما عرفوا هذا، ولا واحد في المليون، واليهود عرفوا هذا، فهم الذين بوسائط الإعلام، والعجائب، و.. و.. ينشرون الدعارة والفسق والفجور والباطل في العالم بأسره؛ لأنهم أعداء البشرية كلها، وليسوا أعداءً للعرب والمسلمين فقط، والمفروض أن العرب هم الذين يفيقون؛ لأنهم أمناء على هذه الدعوة والرسالة، لكن سحروهم، خبطوا فيه.فمقاتلتنا لليهود وتسليطنا عليهم تكون عندما تتحقق ولاية الله لنا، ويصبح الله يحبنا ونحبه.. يأمر فنمتثل، وينهى فنمتثل، يومها يتحقق هذا بإذن الله -إذ لابد وأن يقع- فوالله ليقعن! ( ليقاتلن المسلمون اليهود في يوم ما حتى يقول: الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله )، فلو أن إخواننا الفلسطينيين تجمعوا في غزة أو في أريحا أو في القدس، وتربوا زمناً وتحققت ولاية الله لهم لتحقق لهم النصر على اليهود في داخل في فلسطين.أما ونحن كما تعرفون لا ولاية بيننا وبين الله.. حاربنا الله.. خرجنا عن طاعته، فسقنا عن أمره، ما التزمنا بشرعه ولا مبادئه ولا دينه، فكيف يتحقق لنا هذا؟! من باب المستحيل، إن لله سنناً لا تتبدل، فالطعام يشبع والماء يروي، والحديد يقطع والنار تحرق، فلن تتبدل سنن الله عز وجل. إذاً: سنة الله في العباد من والاه نصره وأيده، من عاداه أذله وخذله، فكيف تغير أنت سنة الله؟! فيجب الإبلاغ حتى تنتشر دعوة الله، ويعم الوعي والبصيرة.

    عاقبة الشر والفساد
    يقول تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، (يُضِلُّونَكُمْ) ؟ أي: يبعدونكم عن الحق، وعن التوحيد وعن عبادة الله، وعن الإسلام وأنواره؛ لتصبحوا مشركين خرافيين ضلال مثلهم.والله يقول: وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:69]، يا يهود! يا نصارى! يا من يعملون الليل والنهار على إضلالنا! اعلموا أنكم لا تضلون إلا أنفسكم، أنتم الذين تخسرون، فقد خسروا الإسلام وأنواره.. خسروا عدله ورحمته، فلو أنهم ما أضلوا المسلمين لعمهم نور الله عز وجل، ولدخلوا جنة الله، ولكن وجزاء السيئة سيئة مثلها، في الظاهر يضلون المسلمين والواقع يضلون أنفسهم، ليخسروا ويتمزقوا، وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69]، أي: ليس عندهم إحساس ولا فهم ولا وعي ولا شعور، فلو شعروا لعرفوا أنهم بإضلال المسلمين أضلوا أنفسهم؛ لكفوا عن إضلال المسلمين، ولانتصر الإسلام ودخلوا في أنواره ورحمته، ولكن ما يشعرون، غمرتهم شهوة الدنيا، وطلب ملاذها وفتنتها والتكبر فيها والتعالي على الناس. فصدق الله العظيم.

    تفسير قوله تعالى: (لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون)
    وناداهم وهو الرحمن الرحيم، يا أهل الكتاب! يا أهل التوراة والإنجيل! لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70] أنها حق. وهنا المراد من آيات الله التي يكفرونها هي آيات التوراة والإنجيل التي فيها صفات النبي الأمي ونعوته بنعت الله، يقرءونها ويعرفون أن هذه صفات النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، ويغطوها ويجحدوها ويؤولونها، ويقولون: ما زال هذا هو الشخص ما خرج بعد، إذا جادلهم من إخوانهم، يقولون: لا لا لا.. هذه لا تنطبق عليه، هذه سيأتي صاحبها، ومن قرأ الإنجيل والتوراة وقف على هذه الصفات. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:70]، أي: الآيات الدالة على نبوة محمد ورسالته، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70]، فأي توبيخ أعظم من هذا؟ وأي تقريع أشد من هذا التقريع؟ ولا نقول: أنهم أعرضوا عنه، فقد وجد ربانيون علماء من اليهود والنصارى ملئوا الدنيا أنواراً وطهراً وصفاءً.

    تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ...)
    ثم قال الله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [آل عمران:71]، فإلباس الحق ثوب الباطل يكون باطل، والباطل يلبسونه ثوب الحق وظهر كأنه حق، وهذا هو إعلام اليوم الذي يديره اليهود في صحفهم ومجلاتهم وإذاعاتهم وقنواتهم وهذا هو الواقع.فلماذا تشتري خمس مجلات وخمس جرائد وتقضي أربع ساعات وأنت تقرأ في الهراء؟!اقرأ سورة البقرة، نور بها بيتك، وحلِّ بها قلبك، وبناتك وأهلك، بدل أن تقضي ساعتين في الجرائد، ساعة واحدة في البقرة أو ساعتين، فإن قيل: لم؟ قل: نعم، أنا مسلم، أنا أريد أن أنزل دار السلام، تتطلب مني جهداً كبيراً، وبذلك نخيب مسعاهم.أبشركم: أن ذاك صاحب الدش الذي نددنا به قد أزاله.فالحمد لله، بعد ما صرخنا وبكينا وقلنا: والله الكتاب الذي كتبته له لو كتبته إلى يهودي يشفع، وأبطل هذا الدش من سطحه؛ لأنه مقابل المسجد النبوي يتحدى رسول الله والمؤمنين، وبعد كذا شهر الآن أزاله.اسمع يا جامد! يا رجعي! يا متخلف! ما الذي يضر هذا الدش وأنت تندد به؟أنا أقول: يا عم! يا ولدي! هيا ندرس القضية، دلني على النتائج المباركة والطيبة التي تحصل عليها من دشك؟نبدأ بالمال فهو كل شيء، كم ريال ينتجه لك في الليلة؟ أو في الشهر؟الجواب: ولا قرش واحد.ثانياً: ما هي معارفك وعلومك الإلهية التي تسمو بها وترتفع وتتنزه عن النقائص والحفلات والأوساخ والعثرات؟والله ولا شيء، والله ولا فائدة.والجانب الثاني:أولاً: أنت كأنك تنشر الخبث بين أولادك أو أهلك، أحببت أم كرهت، لقد قلت لكم: إن مؤمنة تتصل بي بالهاتف، وتقول: ماذا نصنع؛ ابني يفعل الفاحشة بأخته. فمن أين تعلم هذا؟ فلم يكن يعرف هذا بين البشر لا في اليهود ولا في النصارى، لكن هذه المناظر التي تعرض عليهم ويشاهدونها، يجربونها ويعملونها.يقول: يا شيخ! ما نصنع ابني يفعل الفاحشة مع أخيه؟ كيف تم هذا؟! أليس له سبب؟المشاهدة لتلك الأوضاع الهابطة التي تعرض في الشرق والغرب، ونتلقاها في بيوت الإيمان، والإسلام.أنا أقول واسمحوا لي: والله! لو أن مؤمناً حاضراً معنا وعنده دش ما تركه إلى غدٍ، اللهم إلا إذا كان مكره بالرشاش ومهدد بالسجن، وهذا والله لا وجود له، لا في الشرق ولا في الغرب، أو كان راتبه موقف، أنا أسرتي تعيش على هذا، كيف نصنع؟ نقول: اللهم فرج عنه، مسكين، مضطر، لكن هل هذا حاصل في دش في العالم؟ لا في بلاد الإسلام، ولا في بلاد الكفر.إذاً: لم يبقى هذا؟ لأن القلوب تعلقت بالباطل وانقطعت صلتها عن الحق، فأصابها الذي أصابها، وليبكِ التجار، الشيخ عطل علينا تجارتنا، ما أصبح من يشتري دش؛ الحمد لله وإن متم جوعاً خير لكم ألف مرة من أن تفسدوا جيرانكم وبلادكم ودولتكم.

    حرمة كتمان الحق في الشهادة
    قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71]، أنه حق، الجواب يا مسلم: لأننا نحافظ على مركزنا، وعلى وجودنا وعلى آمالنا في إيجاد دولتنا؛ لأننا نحافظ على أن يبقى الشعب يقدسنا ويكبرنا ويجلنا، فإذا قلنا: هذا باطل، أصبحنا كالفقراء والمساكين. إذاً: بعتم دنياكم بآخرتكم، لأن تموتوا فقراء خير من أن تحيوا أغنياء والله ساخط عليكم وغاضب لا يريدكم ولا يرضاكم، الدنيا كلها ساعة والآخرة لا حد لها ولا نهاية، لئن يعيش العبد خمسين أو ستين سنة مريضاً على الأرض، فقيراً لا يجد طعام، لا بأس إذا مات وهو من أهل الإيمان وولاية الرحمن، ينتقل إلى سعادة أبدية لا تنهي، أما سعادة مؤقتة وما هي كاملة، فيها المرض، فيها الهرم، فيها الخوف، فيها كذا.. ما قيمتها؟ وتنتهي بعذاب أبدي لا ينتهي، فأين العقول؟ فهذا الرحمن جل وعز يخاطبهم علهم يرجعون: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:70-71].

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات
    قال: [ هداية الآيات] هذه الآيات الثلاث[ من هداية الآيات: أولاً: بيان رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين وإهلاكهم.ثانياً: عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية الأمر ]. قاعدة مسلَّم بها: عاقبة الشر والفساد ترجع على صاحبها في نهاية الأمر، كل من أراد بالمؤمنين ولو بمؤمن سوءً يعود عليه في النهاية، كل من أراد بالمؤمنين أو مؤمن شراً، والله ليعود عليه؛ لأن الله ولي ذلك المؤمن، وهذا الخبيث لا ولاية له بينه وبين الله، فيرد البلاء عليه في النهاية هو الخاسر؛ دل على هذا قوله تعالى: وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69].[ثالثاً: قبح من يكتم الحق وهو يعرفه ]، علماء اليهود، علماء النصارى، علماء الروافض، علماء أهل الباطل يعرفون ويكتمون؛ لمصلحة الإبقاء على مركزهم؛ لأنه ما ترقى وأصبح شيخاً إلا بعد العلم، فالذي يعلم الباطل يعرف الحق، ولكن المحافظة على الوجود الهاوي الباطل.[ رابعاً: حرمة التدليس والتلبيس في كل شيء ]، حتى في البضاعة، فقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بأحد البائعين فوجد كيس الشعير، فشعر عليه الصلاة والسلام أن باطن الكيس فيه البلل، فأدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يده في الكيس، فاستخرج الشعير المبتلة، فقال: ( يا صاحب الطعام! لم ما جعلت هذا أعلاه وهذا أسفله؟ من غشنا فليس منا )، فنحن لا ندلس ولا نلبس، نظهر الحق كما هو حق.فمثلاً: إذا خطبوا ابنتك وهي مصابة بمرض، فقل: إنها مريضة. أو مثلاً: ساومك في سيارتك، قل: بها علة اعرضها على المهندس. خطب ابنك ابنة فلان، فقل لوالد البنت: يا سيد! ابني لا يصلي فلا تزوجه. فلا تلبيس ولا تدليس بين المسلمين أبداً وحرام هذا وليس من شأنهم.[خامساً: حرمة كتمان الحق في الشهادة وغيرها]، لا يحل لمؤمن أن يشهد بالباطل وأن يجحد حق ويكتمه، فهذا شأن أولياء الله، حقق اللهم لنا هذا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •