تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حق الصغير في التنشئة الصالحة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي حق الصغير في التنشئة الصالحة

    حق الصغير في التنشئة الصالحة
    (1-2)

    من أعظم النعم أن يرزق الإنسان ذرية تسعده وتبره في حياته وتحمل اسمه من بعده بعد مماته، وفي هذه العصور يشتكي كثير من الناس من وجود عناصر خارجية مؤثرة في تربية الصغار كالإعلام والمدارس وغيرها. وفي هذه المبحث محاولة لمعرفة بعض الطرق التربوية المستخرجة من التراث الإسلامي المليء بالكنوز لمن أراد نبشها وإظهارها، والله المستعان وعليه التكلان.

    تعويد الصغار على الالتزام بالشعائر التعبدية: أولا: تعويدهم على الصلاة: يقول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ.. ." (التحريم: من الآية6) قال علي _رضي الله عنه_: "علموهم وأدبوهم"(1)، وعن الحسن البصري مثله(2). وقال _تعالى_ مادحاً نبيه إسماعيل _عليه السلام_: "وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ..." (مريم: من الآية55) وقال _تعالى_: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا..." (طـه: من الآية132) قال ابن مسعود _رضي الله عنه_: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة ثم تعودوا الخير فإن الخير بالعادة"(3) وكان عروة يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه وبالصلاة إذا عقلوا"(4).

    ولا مانع من إعطائهم الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة، فقد روت عائشة _رضي الله عنها_ أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّـاب ليقوموا بهم في رمضان ويرغبونهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية(5). وكان بعض السلف يعطون الأطفال الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة(6). ومن ذلك ما كان من زبيد بن الحارث _رحمه الله_ وكان مؤذن مسجد، فكان يقول للصبيان: يا صبيان تعالوا فصلوا أهب لكم الجوز، قال: فكانوا يجيؤون فيصلون، ثم يحوطون حوله، فقال بعضهم: ما تصنع بهذا؟ فقال: وما علي أن أشتري لهم جوزا بخمسة دراهم وتعودون الصلاة(7).

    ثانياً: تعويدهم على الصيام:
    روى البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت: "أرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار"(8)، وجيء بسكران في رمضان إلى عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ فقال له موبخاً وزاجراً: "في رمضان ويلك وصبياننا صيام" فضربه(9). وكان _صلى الله عليه وسلم_ يعظم يوم عاشوراء ويدعو برضعائه ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم ألا يرضعن إلى الليل(10).

    القدوة وأثرها في تعبد الصغار:
    ذكر ابن الجوزي عن نفسه أنه كان يتأثر ببكاء بعض شيوخه أكثر من تأثره بعلمهم(11). وكان عبدالله التستري يردد في طفولته قبل أن ينام: الله شاهدي الله ناظري الله معي(12)، ولا شك أنه لشيء رآه من والديه أو أحدهما في هذا الأمر.

    وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت، وعلمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم..."(13).
    ويحذر ابن مسكويه من ترك التربية للخدم خوفا عليهم من أن يتأثروا بأخلاقهم وأفعالهم(14).

    الحرص على تعليمهم الخير:
    وهذا من تمام القيام بالأمانة التي وليها الوالدان، روى ابن أبي شيبة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يعلم الغلام من بني عبدالمطلب إذا أفصح قول الله _تعالى_: "الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك" سبع مرات. وكان علي بن الحسين يعلمهم: "قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت"، وكان بعض السلف يعلم الصبيان قول "لا إله إلا الله"(15).

    كما أن السلف كانوا يقدمون الغالي والرخيص ليرغبوا الأطفال في العلم فقد روى النضر بن شميل قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بني اطلب الحديث فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم فطلبت الحديث على هذا(16). وقالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، وقالت أيضا: يا بني إذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل ترى من نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك، فإن لم يزدك فاعلم أنه يضرك ولا ينفعك(17).

    ومن أعظم ما حرص عليه السلف أن يتشرب الصغار السيرة النبوية لتكون نبراسا لهم ولتزيد محبتهم للصدر الأول، كما أن في معرفتهم للسيرة تكوين للقدوات التي يولع بها كثير من الصغار، ومن ما ورد عن السلف في تحبيب الصغر للسيرة ما قاله علي بن الحسين: "كنا نعلم مغازي النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما نعلم السورة من القرآن الكريم" وقال إسماعيل بن محمد بن سعد: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ويعدها علينا وسراياه ويقول: يا بني: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها".

    ولما كان الاختلاط بالأعاجم مظنة لفساد اللسان العربي، حرص السلف على تقويم ألسنة الصغار من اللحن فقد جاء عن نافع عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ "أنه كان يضرب بنيه على اللحن"(18).

    ولم يكن السلف غافلين عن العلوم الأخرى المفيدة كالأنساب والشعر فقد أرسل معاوية _رضي الله عنه_ إلى دغفل فسأله عن العربية وعن أنساب العرب وسأله عن النجوم فإذا رجل عالم. قال: "يا دغفل من أين حفظت هذا؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول وإن آفة العلم النسيان. قال: انطلق بين يديَّ – يعني ابنه يزيد – فعلمه العربية وأنساب قريش والنجوم وأنساب الناس"(19).
    ولما دفع عبدالملك ولده إلى الشعبي يؤدبهم قال: علمهم الشعر يمجدوا وينجدوا وحسن شعورهم تشتد رقابهم وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام(20).

    ولأن السلف أمة مجاهدة، كانوا يربون أبناءهم على حب هذه الشعيرة والتدرب عليها ليكونوا على استعداد تام عند لاحاجة إليهم. فقد أوصى عمر بن عبدالعزيز مؤدب ولده سهلا قائلاً: "وليفتح كل غلام فيهم بجزء من القرآن يثبت في قراءته فإذا فرغ تناول قوسه ونبله وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة ارشقة ثم انصرف إلى القائلة"(21).

    قال ابن القيم _رحمه الله_: "إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له من العلم ولم يخلق له ومكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين"(22).
    وليعلم أن معرفة السباحة غاية في الأهمية ولذا أوصى الحجاج مؤدب بنيه بقوله: "علمهم السباحة قبل الكتابة فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنه"(23).

    ومن الأساليب التي يحببون بها العلم إلى الصغار الاحتفال بهم، قال أبو خبيب الكرابيسي: كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكتاب فحذق الصبي فأتينا منزلهم فوضع له منبر فخطب عليه ونهبوا علينا الجوز وأيوب قائم على الباب، يقول لنا: ادخلوا، وهو خاص لنا(24). وقال يونس : حذق ابن لعبدالله بن الحسن، فقال عبدالله: إن فلاناً قد حذق، فقال الحسن _رضي الله عنه_: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً وصنعوا طعاماً للناس(25).

    ومن ذلك أن الصبي إذا كان ذا موهبة خطابية فإن الأولى بمعلمه أن ينمي هذه الموهبة، وقد كان ابن الجوزي الواعظ من ثمار الشيخ أبي القاسم البلخي، فإنه علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفا. وهو أول مجالسه رحمه الله(26).

    ومن الأمور التي ينبغي أن يعلمها الصبي، الجرأة على طرح أفكاره، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره، فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ على حلقة من قريش فقال:" ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه، فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم"(27). بل كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول:" لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقوله"(28).

    وتعليم الصبي الاعتماد على النفس بتعلم صنعة أو تجارة أمر مهم من أهم واجبات الولي، فقد روى أبو داود أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ رأى غلاما لا يحسن سلخ الشاة فقال له: تنح حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ثم مضى(29).
    وقال علي بن جعفر: مضى أبي إلى أبي عبدالله- يعني الإمام أحمد- وذهب بي معه فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا لي، وقال لأبي: ألزمه السوق وجنبه أقرانه(30).

    وبعكس النظرة الموجودة لدى الآباء بمحاولة نفخ الصغير والتحسر على نحافته نجد السلف يحذرون من تسمين الصغار. قال إسماعيل بن عبيدالله: أمرني عبدالملك بن مروان أن أجنب بنيه السمن وأن لا أطعمهم طعاما حتى يخرجوا إلى البراز وأن أجنبهم الكذب وإن كان فيه بعض القتل(31).


    يتبع...


    _________________
    (1) رواه ابن جرير في تفسيره 28/175.
    (2) كتاب العيال لابن أبي الدنيا 1/495-496.
    (3) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/ 469 والبيهقي في الكبرى 3/84 وعبدالرزاق في المصنف (7299) وابن أبي شيبة 1/348..
    (4) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/470 وعبدالرزاق (7293).
    (5) رواه البيهقي في الكبرى 2/459.
    (6) الطب الروحاني لابن الجوزي /60, عن كتاب مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد /124.
    (7) كما في ترجمته في السير عن محاضرة: نشأة ناشئة السلف للدكتور عبدالعزيز العبداللطيف.
    (8) رواه البخاري رقم(1960) ومسلم (1136).
    (9) رواه البخاري(1690) تعليقا وصله سعيد بن منصور كما في فتح الباري 4/201..
    (10) رواه ابن خزيمة 3/289 وتوقف ابن خزيمة في تصحيح الحديث بسبب خالد بن ذكوان وهو محتج به في الصحيح.
    (11) صيد الخاطر/140.
    (12) مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد/470.
    (13) البيان والتبيين /249.
    (14) تهذيب الأخلاق /63، عن كتاب حماية الطفولة في الشريعة لمحمد عبدالجواد /60.
    (15) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/348.
    (16) اتحاف الخيرة المهرة في معرفة وسائل التربية المؤثرة لأم عبدالرحمن الجودر نشر مكتبة التوبة /68.
    (17) عن محاضرة نشأة ناشئة السلف لعبدالعزيز العبداللطيف.
    (18) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/ 508 والبيهقي في الكبرى 2/18.
    (19) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/ 528.
    (20) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/ 512.
    (21) التربية البدنية والرياضية في التراث /38.
    (22) المرجع السابق /77.
    (23) عيون الأخبار 2/166.
    (24) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/ 485.
    (25) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/ 489.
    (26) المنتظم 17/236، والبداية والنهاية طبعة دار هجر 16/271.
    (27) ثقافة الطفل المسلم/ 158 عن شرف أصحاب الحديث /65.
    (28) رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله /1/85.
    (29) رواه أبو داود (185).
    (30) رواه الخلال في الحث على التجارة /29.
    (31) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/511.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي

    حق الصغير في التنشئة الصالحة
    (2-2)


    (سبق في الجزء الأول من المقال أن تعرض الكاتب لأهمية الاهتمام بتربية النشء وحقهم في تربية متقنة وبدأ ببيان الواجب تجاه هذه التنشئة الصالحة من تعويدهم على العبادات و الالتزام بالشعائر التعبدية كما تحدث عن القدوة وأثرها في تعبد الصغار وساق من الأدلة وآثار السلف الصالحين نماذج من ذلك , وفي هذا الجزء يكمل الكاتب حديثه حول التربية بالحب وأثرها وتقويم سلوك الصغير وما يتعلق بذلك).

    التربية بالحب:
    ولهذا النوع من التربية مظاهر منها:
    تقبيل الصغير واحتضانه وشمه:
    من مظاهر الحب التقبيل للصغار وضمهم وهذا من الرحمة التي يؤجر العبد عليها وقد جاء في حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قبل الحسن وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه النبي _صلى الله عليه وسلم_ ثم قال: من لا يرحم لا يرحم"(1).

    وقال بريدة: كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخطبنا فجاء الحسن و الحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه وقال: صدق الله: "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ" (التغابن: من الآية15) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما(2).

    ومن ذلك الدعاء للصغير:
    وهذا هو هدي الأنبياء والصالحين فعباد الرحمن يقولون: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ" (الفرقان: من الآية74)، ويدعو لهم بصلاح العقيدة: "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ" (إبراهيم: من الآية35) ويدعو لهم بأن يكونوا مقيمين للصلاة: "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي" (إبراهيم: من الآية40).
    وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: "ضمني رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وقال: "اللهم علمه الكتاب" وفي رواية: "اللهم علمه الحكمة" وفي أخرى: "اللهم فقهه في الدين"(3).
    وعن أسامة بن زيد _رضي الله عنه_ قال: إن كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ليأخذني ويقعدني على فخذه ويقعد الحسن على الأخرى ثم يضمنا ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما(4). وفي رواية: (اللهم إني أحبهما فأحبهما)(5).
    أما الدعاء عليهم فقد ورد النهي عنه في حديث جابر _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم"(6).
    وجاء رجل إلى ابن المبارك يشكو عقوق ابنه فسأله إن كان قد دعا عليه أم لا، فأجاب: بأنه قد دعا عليه، فقال له حينئذ: أنت أفسدته(7).

    ومن ذلك ممازحتهم وتفريحهم:
    فقد كان _صلى الله عليه وسلم_ يمازح الصغار فقد قال لأحدهم: (يا ذا الأذنين)(8)، ومج _صلى الله عليه وسلم_ الماء في وجه محمود بن الربيع وهو ابن خمس سنين(9). وقال لأحدهم: "يا أبا عمير ما فعل النغير"(10).
    وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إذا أتى الثمر أُتي به فيقول: (اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي مُدِّنا وفي صاعنا بركة مع بركة) ثم يعطيه أصغر من بحضرته من الولدان(11).
    ومر ابن عمر _رضي الله عنهما_ في طريق فرأى صبياناً يلعبون فأعطاهم درهمين(12).
    وعن أنس _رضي الله عنه_ قال كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم"(13).
    وعن يعقوب بن سرجس - مولى أم سلمة – أنه أتي به وهو صغير إلى أم سلمة زوج رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فمسحت رأسه وبركت عليه . وهكذا فعل أبو هريرة مع فاطمة بنت سعد(14).

    السماح لهم باللعب فهو ربيع الصغار:
    عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ "أنه صلى مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ العشاء فأخذ الحسن والحسين يركبان على ظهره فلما جلس وضع واحدا على فخذه والآخر على فخذه الأخرى ..."(15) وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصلي والحسن والحسين يثبان على ظهره فيأخذهما الناس فقال: دعوهما بأبي هما وأمي، من أحبني فليحب هاذين)(16).
    وعن عبدالله بن الحارث _رضي الله عنه_ قال: كان _صلى الله عليه وسلم_ يصف عبدالله وعبيدالله – من بني العباس- ثم يقول: من سبق إلي كذا فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم(17).
    وورد عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه كان من أفكه الناس مع صبي(18).
    ونقل ابن مفلح عن ابن عقيل أنه قال: "والعاقل إن خلا بأطفاله خرج بصورة طفل ويهجر الجد في ذلك الوقت"(19).
    وعن الحسن أنه دخل منزله وصبيان يلعبون فوق البيت ومعه عبدالله ابنه فنهاهم فقال الحسن: دعهم فإن اللعب ربيعهم(20).
    وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يرخصون للصبيان في اللعب كله إلا بالكلاب(21).
    وفي حديث الجاريتين أنهما كانتا تغنيان وتضربان بالدف عند عائشة _رضي الله عنها_ في العيد من أيام منى(22).
    كما ورد عنها _رضي الله عنها_ أنه كان لها فرس له جناحان(23).
    ويجوز لعب الأطفال ببعض الحيوانات والطيور إذ لم يكن فيه أذى لها، ففي الصحيحين عن أنس _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال لأخ لأنس: "يا أبا عمير ما فعل النغير"(24).

    التوسعة عليهم عند اليسار:
    وهذا داخل في عمومات النصوص التي منها: "خيركم خيركم لأهله" وحديث: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، ومن أولى ما يدخل في ذلك التوسعة على الأولاد باللبس الحسن والطعام الحسن بل وتطييبهم بأنفس الطيب، قالت أم أبي محمد التمار: ربما حملنا أولاد أيوب فعبق لنا من ريحهم ريح المسك أو الطيب(25).

    حقوق الصغار في أبواب الآداب:
    من ذلك تشميت الصغير إذا عطس، ومن حق الصغير أن يسلم عليه فعن أنس _رضي الله عنه_ قال: "كنت مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ فمر على صبيان فسلم عليهم"(26).
    ومن ذلك أن يُستأذن عليه عند الدخول فقد قال جابر _رضي الله عنه_: "يستأذن الرجل على ولده وأمه وإن كانت عجوزا وأخيه وأخته وأبيه"(27).
    ولا يقدم عليهم في حقهم إلا بإذنهم فعن سهل بن سعد _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أؤثر بنصيبي منك أحدا، فتله رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في يده"(28).
    ومن ذلك أنه لا يجوز أن يكذب عليهم فعن عبدالله بن عامر _رضي الله عنه_ قال: "أتانا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله تعال أعطيك، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: تمرا، فقال: أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة"(29)، وصح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: (إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا أن يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له)(30).

    حفظ نظر الصغير بتعليمه الاستئذان في أوقات الراحة:
    قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْك ُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ..." (النور: من الآية58)، يقول أنس _رضي الله عنه_: "كنت خادماً للنبي _صلى الله عليه وسلم_ فكنت أدخل بغير استئذان فجئت يوما فقال: كما أنت يا بني فإنه قد حدث بعد أمر، لا تدخلن إلا بإذن"(31). وقد ذكر ابن قدامة أن الطفل يؤمر بالاستئذان في سن التمييز(32).

    تقويم سلوك الصغار:
    قد يظن ظان أن أسرع طريقة للتقويم الضرب وهو مخالف للهدي النبوي كما أن الدراسات الحديثة أثبتت أن استخدام الوسائل الأخرى أكثر تقويما للسلوك. ولنتأمل في هذه القصة التي رواها أحمد أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ خرج إلى طعام كان قد دعي إليه مع بعض أصحابه فاستقبل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أمام القوم وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن يأخذه فطفق الصبي ها هنا مرة وها هنا مرة، فجعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ يضاحكه حتى أخذه(33). فهذه وسيلة سهلة توصل إلى المقصود.

    ومن الأساليب أيضا العتاب الرقيق فقد قال أنس بن مالك _رضي الله عنه_: كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب – وفي نفسي أن أذهب لما أمرني نبي الله _صلى الله عليه وسلم_- قال: فخرجت حتى أمر على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله(34).
    والضرب وسيلة تقويم وقبلها وسائل، وقد ورد الأمر بتعليق العصا في البيت(35).
    وعن عائشة _رضي الله عنها_ قالت في أدب اليتيم: إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط(36).أي يعتدل. وقال الإمام أحمد: اليتيم يؤدب ويضرب ضربا خفيفا(37).

    وكان عمر بن عبدالعزيز _رحمه الله_ يكتب للأمصار: لا يقرن المعلم فوق ثلاث فإنها مخافة للغلام(38). – يعني لا يجمع ثلاث ضربات. وسئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم الصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه(39).

    وتأمل أيها القارئ هذا الموقف من الأحنف حينما غاضب معاوية _رضي الله عنه_ ابنه يزيدا فقال له الأحنف بن قيس: هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول إلى كل جليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن طلبوك فأعطهم يمحضوك ودهم، ويلطفون جهدهم، ولا تكن عليهم ثقيلا لا تعطيهم إلا نزرا فيملوا حياتك ويكرهوا قربك. فكان ذلك سببا لتراضيهما(40).

    الإنكار عليهم:
    جاءت النصوص بالأمر بالإنكار على الصغار إن ارتكبوا محرما فعن عمر بن أبي سلمة قال: كنت في حجر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"(41).
    روى سعيد بن جبير أنه كان مع عبدالله بن عمر _رضي الله عنهما_ في الطريق فإذا صبيان يرمون دجاجة فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ فتفرقوا، فقال: إن رسول الله صلى عليه وسلم لعن من مثل بالحيوان(42).

    اختيار أصحابهم:
    قال علي بن جعفر: مضى أبي إلى أبي عبدالله- يعني الإمام أحمد- وذهب بي معه فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا لي، وقال لأبي: ألزمه السوق وجنبه أقرانه(43).
    قال الغزالي: ويحفظ الصبي من الصبيان الذين عُوِّدوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة(44).

    _________________
    (1) رواه البخاري (5997) ومسلم(2318).
    (2) رواه أبو داود كما في العون 3/458، والترمذي كما في التحفة 10/278، وابن ماجه 2/1190 وحسنه الأرناؤوط في تحقيق جامع الأصول9/33.
    (3) رواه البخاري في كتاب العلم 17، وكتاب المناقب 138، وكتاب الوضوء 10.
    (4) أخرجه البخاري 8/10 .
    (5) رواه البخاري 1/29.
    (6) رواه مسلم (3009).
    (7) مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد.
    (8) رواه أبو داود(5002).
    (9) رواه البخاري 1/29.
    (10) رواه البخاري 8/55.
    (11) رواه مسلم 2/1000، والبخاري في الأدب المفرد (362) .
    (12) رواه البخاري في الأدب المفرد(1303).
    (13) رواه النسائي وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 4947 والصحيحة/1278.
    (14) رواهما ابن أبي الدنيا في كتاب العيال 1/411، 1/414 .
    (15) أخرجه أحمد 2/513 .
    (16) رواه ابن حبان كما في الموارد2233، والطبراني في الكبير3/40، والبيهقي في الكبرى مرسلا 2/263 ورواه أبو يعلى بمعناه 8/434 وحسنه العدوي في فقه تربية الأطفال/71..
    (17) رواه أحمد 1/214 وقال في المجمع 5/263: رواه أحمد وفيه يزيد بن أبي زياد وفيه ضعف لين. وقال أبو داوود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه، وروى له مسلم مقرونا، والبخاري تعليقا، وبقية رجاله ثقات..
    (18) رواه البخاري في الأدب المفرد باب قبلة الصبيان.
    (19) الآداب الشرعية 3/228.
    (20) وابن أبي الدنيا في العيال 2/791.
    (21) رواه البخاري في الأدب المفرد (1297و ابن أبي الدنيا في العيال 2/798.
    (22) رواه مسلم 2/608.
    (23) رواه أبو داود(4932) .
    (24) رواه البخاري(6129) ومسلم(2150).
    (25) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/561.
    (26) رواه الترمذي 4/1602 (2837) وقال الترمذي: حديث صحيح.
    (27) رواه البخاري في الأدب المفرد (1066).
    (28) رواه البخاري 5/2130 (5297) ومسلم 3/1604 (2030).
    (29) رواه أحمد 3/447 وأبو داود 4/298 (4991)
    (30) رواه الحاكم 1/127.
    (31) رواه البخاري في الأدب المفرد 2/271.
    (32) المغني 9/496.
    (33) رواه أحمد 4/172.
    (34) رواه أبو داود(4473).
    (35) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1/494 وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
    (36) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 2/832.
    (37) الآداب الشرعية 1/477.
    (38) ابن أبي الدنيا في العيال 1/531.
    (39) الآداب الشرعية 1/477.
    (40) ابن أبي الدنيا في العيال 1/308.
    (41) رواه مسلم 3/1599 (2022).
    (42) رواه الدارمي 2/84.
    (43) رواه الخلال في الحث على التجارة /29.
    (44) الإحياء 3/70.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •