العشر الأدهمية


مرعي العوبثاني



المدينة: البصرة

المكان: السوق

موجز القضية: اجتماع ونقاش لحل قضية خطيرة ومهمة.

تفصيل القضية: اجتمع الناس حول إبراهيم بن ادهم رحمه الله وقالوا: يا أبا إسحاق إن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[1] ونحن ندعو دهراً فلا يستجاب لنا!

فقال إبراهيم: يا أهل البصرة, ماتت قلوبكم من عشرة أشياء:

أولها: عرفتم الله ولم تطيعوه وتؤدوا حقه.

الثاني: قرأتم القرآن ولم تعملوا به.

الثالث: ادعيتم حب رسول الله وتركتم سنته.

الرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه.

الخامس: قلتم نحب الجنة ولم تطلبوها ولا عملتم لها.

السادس: قلتم نخاف النار ولم تهربوا منها ورهنتم أنفسكم بها.

السابع: قلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له.

الثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونسيتم عيوبكم.

التاسع: أكلتم نعمة الله ولم تؤدوا شكرها.

العاشر: دفنتم موتاكم ولم تتعظوا وتعتبروا بهم[2].

ما أجمله من وصف، وما أدقه من تعبير، وما أقواه من طرح وتحليل.

أخي الحبيب: هلا عرضنا العشر الأدهمية على قلوبنا وحاسبنا أنفسنا في كل واحدة من هذه الخصال ووقفنا مع ذواتنا وقفة اعتبار وحساب.

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم غدًا في الحساب أن تحاسبوها وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ}[3]. [4]

تلكم هي النفوس الصادقة التي لا تفتأ من محاسبة نفسها ومحاكمة أفعالها لا تغيب عنها المساءلة ولا تستهويها الغفلة بل هي دائما لوامة, يقول الحسن رحمه الله تعالى عند قول الله تعالى: {لا أقسم بالنفس اللوامة}[5]: إن المؤمن والله لا نراه إلا وهو يلوم نفسه ما أردتُ بكلمتي ما أردتُ بأكلتي ما أردتُ بحديث نفسي أما الفاجر فيمضي قُدُمًا قُدُمًا لا يعاتب نفسه[6].

وهذه الصديقة بنت الصديق عائشة الطاهرة المبرأة من السماء، يسألها أحد المسلمين عن قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [7] ما معناها يا أماه؟

قالت الصديقة: يَا بُنَيَّ كُلُّ هَؤُلاَءِ فِي الْجَنَّةِ فَأَمَّا السَّابِقُ إِلَى الْخَيْرَاتِ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ, وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنْ تَبِعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ, وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ. قَالَ: فَجَعَلَتْ نَفْسَهَا مَعَنَا [8].

قال ابن كثير رحمه الله: وهذا منها، رضي الله عنها، من باب الهَضْم والتواضع، وإلا فهي من أكبر السابقين بالخيرات؛ لأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.[9]

إن محاسبة النفس سمة المؤمن وشعار الصادق وعنوان المخلص, ذلكم هو الكيس لا العاجز: الكيس أي الفطن من دان نفسه أي اتهمها وحاسبها وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني[10].









[1] سورة غافر اية 60 .




[2] انظر: تفسير القرطبي 2/312، وفيض القدير 3/542.




[3] سورة الحاقة آية 18.




[4] مصنف ابن أبي شيبة 8/149 برقم 18 والترمذي 9/337 برقم 2647.




[5] سورة القيامة آية 2.




[6] انظر تفسير ابن كثير 8/275.




[7] سورة فاطر آية 32.




[8] المستدرك 8/257 برقم 3552 ومسند الطيالسي 3/108 برقم 1592.




[9] تفسير ابن كثير 6/549.



[10] أخرجه الترمذي 9/337 برقم 2647 وابن ماجه 12/467 برقم 4401 وأحمد 37/54 برقم 17588 عن شداد بن أوس رضي الله عنه وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم4305.