كم يُوجدُ في أمَّةِ الإسلامِ مِن عباقرة ؟
وهذا الجبلُ البحرُ الحبرُ العالمُ المتفننُ, سفيرُ العلماء إلى لغُةِ العظماء, وبليغُ الخطباء, المحققُ الكبير والباحثُ النحريرُ, إِمام اللغُةِ, وعالمِ الحقيقة, كُنتُ أسمع بأبي فهر, لكن ليس الخبر كالمعاينة, فلما قرأتُ كتابهُ _ وهو أول كتابٍ أقرأهُ له_ تبَّن لي, إن مثلَ كتاباتِ هذا الخبير بحاضر أمَّتهِ وماضيها, لا يَنبغي أن تُغفل في ميادين العلم والمعرفة, خصوصاً لمن أراد معرفة الحقيقة, الحقيقةُ: التي كَشَفَ زيف ما يُروجُ لها بخلاف واقعها في هذا العالم, بلسانِ الناصحِ المشفقِ.
حقيقةُ الصراعِ بين ثقافتنا الموءودة, والثقافة المستوردة المبهرجة المزخرفة _التي جلبتها لنا طلائع المتعلمين في بلاد الغربيين_, حقيقة الصراع الذي تحوَّل على مَرّ الإيام من صراع السلاح, إلى غزوِ الأفكار والثقافات, الصراع الذي بعد أن عجز العدوّ أن يدير كفته الحربية, حوله إلى حربٍ ثقافيَّة, _ وقصة هذا النزاع تطول_, الصراع الذي حوَّل أمّةً من كونها سائدةً, إلى أمَّةٍ لا يكاد يُعرف لها وجود!
دائماً ما نُرددُ أنَّ شبابنا مبهور بثقافة الغرب المبهرجة, لكننا لم نذكر تاريخ هذا الإعجاب المفاجئ, كيف حدث؟ ومتى؟ وما الذي جرى ؟
ما الذي جعلَ المتبوعُ تابعاً ؟!
كيف يبحث الشباب المسلم عن قدوات من الخارج, وعنده أعظمُ القُدوات في الداخل؟!
كُلُ هذه الأسئلةُ, وما يدورُ في خُلدك, ستجدُ الإجابة عنها في ثنايا هذا الكتاب, الذي كُتبَ بيد الأديب المؤرخ, اللغُوي العارف بعلوم الإسلام على وجه التمام.
إنه العلامةُ الكبيرُ الشيخُ محمود محمد شاكر, أبو فَهرٍ, في كتابه النافع الماتع, الذي لا يسعُ الناظرَ فيه إلا أن يُتمَّ فصوله على أسرعِ ما يسعُ القارئَ ويُسعفهُ وقتهُ.
وما ذاك إلا لصدقِ المعلومةِ, وجمالِ العبارةِ, وحلاوة اللغة التي صاغ بها كتابه, إنه بحقٍ (رسالةٌ في الطَّريقِ إلى ثَقَافِتنا ), الضائعة, مع ما ضاع من مجدٍ وعزٍ وعلوٍ ورِفعةَ.
وليس مثلي من يبين قيمة هذا الكتاب, أو يَمدحُ مؤلفهُ _رحمهُ اللهُ_, لكنها كلمات وجدتها على لساني عند نهايتي لقراءةِ الكتاب فحسب.
كتب
أبو عبد الله العيسى
عفا الله عنه
في الحادي عشر من ربيع الأول 1439هــ
29 / 11/ 2017م