تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 6 من 26 الأولىالأولى 12345678910111213141516 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 120 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #101
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (98)


    - باب آخر وقت المغرب
    أكرمنا الله سبحانه وتعالى بهذه الصلوات الخمس التي يكون بها تكفير الخطايا ورفعة المنزلة عند الله، ومن هذه الصلوات صلاة المغرب التي يكون آخر وقتها عند سقوط الشفق.
    آخر وقت المغرب

    شرح حديث: (... ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ...)
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب آخر وقت المغرب.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا أيوب الأزدي يحدث عن عبد الله بن عمرو قال شعبة: كان قتادة يرفعه أحياناً وأحياناً لا يرفعه، قال: (وقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل، ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس) ].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب آخر وقت المغرب.هذه الترجمة لبيان آخر وقت المغرب، وقد سبق أن مرت التراجم السابقة، وهي باب: أول وقت المغرب، وهذه الترجمة تقابل تلك الترجمة؛ لأن تلك الترجمة تعني أول وقت المغرب، وهذه الترجمة تعني آخر وقت المغرب.وأورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الذي بين فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام أواخر أوقات الصلوات الخمس، والمراد من ذلك الوقت الاختياري؛ لأن صلاة العصر لها وقت اضطراري واختياري، والعشاء لها وقت اختياري واضطراري، والذي جاء في هذا الحديث هو بيان الوقت الاختياري، على أن بعض الصلوات ليس لها إلا وقت اختياري، وليس لها وقت اضطراري، فيقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: (وقت صلاة الظهر)، أي: آخره، أي: الوقت الاختياري، ثم قال: (ما لم تحضر العصر)، يعني: ما لم يدخل وقت العصر، وذلك أن وقت العصر متصل بوقت الظهر، ليس هناك فجوة بينهما، وليس هناك وقت لا يعتبر لا للظهر ولا للعصر؛ لأن بانتهاء وقت الظهر يبدأ وقت العصر.فقوله هنا: (ما لم تحضر العصر). معناه: ما لم يدخل وقت العصر؛ لأن آخر وقت الظهر يليه أول وقت العصر، وقوله: (ما لم تحضر العصر)، يفهم منه أن وقت العصر كان معلوماً، ولهذا ربط الحكم به، وأناط الحكم به، وجعل وقت الظهر ينتهي بدخول وقت العصر.وقوله: (ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس).يعني: ما لم يتغير لونها من القوة، والشدة، والبياض، والحرارة إلى الاصفرار متجهة إلى الغروب، فهذا هو وقت العصر، والمراد به: الوقت الاختياري، أما الاضطراري فإنه يمتد إلى غروب الشمس، وأما الوقت الاختياري فهو ما لم تصفر الشمس، معناه: أنها مادامت حية، وما دامت قوية، ولا زالت حرارتها موجودة، فهذا هو وقت العصر الاختياري، وقد جاء في بعض الروايات التحديد بالظل والفيء، وأنه إذا كان ظل الشيء مثليه، وكان ظل الرجل مثليه، فإنه عند ذلك ينتهي الوقت الاختياري، وبعد ذلك يبدأ الوقت الاضطراري.قوله: (ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق).المراد بثور الشفق: انتشاره، أي: ما لم يذهب هذا الضياء وهذا النور الذي هو ضوء الشفق، وما لم يسقط، فهذا هو وقت صلاة المغرب؛ أي: آخر وقتها، وآخر وقت المغرب متصل بأول وقت العشاء، وليس هناك فجوة بينهما، والحال في ذلك كالحال فيما بين الظهر والعصر، لأنه لا فجوة في الوقت بين الظهر والعصر، فكذلك أيضاً لا فجوة بين المغرب والعشاء، بل بانتهاء وقت المغرب يبدأ وقت العشاء.وليس للمغرب وقت اضطراري وإنما هو وقت اختياري فقط، لكن من المعلوم أن الصلوات تصلى في أول وقتها، وأن التساهل في تأخيرها قد يترتب عليه الفوات، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن حام حول الوقت وقارب الوقت يمكن أن يقع فيه، فالذي ينبغي للإنسان المبادرة بالصلاة، وأن لا يؤخرها إلى آخر وقتها، وإن كان ذلك سائغاً وجائزاً وهو وقتها، خشية أن يقع في المحذور، وخشية أن يفوت الوقت ويحصل ما يترتب عليه فواتها، ولكنه إذا أخرها فكل ذلك يكون وقتها، ولكن المبادرة إلى الصلوات في أول أوقاتها هذا هو المطلوب، وهذا هو المستحب إلا في حال شدة الحر، فإن الإبراد مستحب، أي: تأخير الصلاة عن أول وقت الظهر، وكذلك صلاة العشاء أيضاً تأخيرها مستحب، إلا إذا كان يترتب على ذلك نوم الناس، وحصول المشقة عليهم، فإنها تصلى في أول وقتها، كما هو الغالب على فعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قوله: (ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل).يعني: إلى نصف الليل، هذا هو وقت العشاء، والمراد بانتصاف الليل؛ من حين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، هذا هو الليل، فمنتصفه من الزمان ومن الوقت فهذا هو نهاية وقت العشاء الاختياري، أما الاضطراري فإنه يستمر إلى طلوع الفجر، والعشاء لها وقت اختياري ووقت اضطراري، والعصر -كما عرفنا- لها وقت اختياري ووقت اضطراري، وقد دل ذلك على أن كل صلاة تتصل بالتي بعدها إما اختياراً وإما اضطراراً إلا الفجر؛ فإنها لا تتصل بالتي بعدها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم في التفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها)، فهذا يدل على أن كل صلاة يستمر وقتها إلى وقت التي تليها إما اختياراً كالظهر والمغرب، وإما اضطراراً كالعصر والعشاء.وأما الفجر فإنها لا تصل إلى وقت التي بعدها؛ لأن آخر وقتها طلوع الشمس، والمدة التي بين طلوع الشمس وزوالها ليس من أوقات الصلوات، وليس وقتاً لصلاة الظهر، فلا يجوز تقديمها عن الزوال، وليس وقتاً للفجر، فلا يجوز تأخيرها عن طلوع الشمس؛ لأنها لو أخرت عن طلوع الشمس لكان قضاء ولا يكون أداءً، فلا يجوز تأخيرها عن ذلك.قوله: (ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس).يعني: إلى وقت طلوع الشمس، وقد جاء في بعض الأحاديث التي مرت: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته)، معناه: أنه أدرك وقتها، فإذا أدرك ركعة واحدة من ركعتي الفجر، أي: من الصلاة المكتوبة فإنه يدرك الوقت، ويأتي بما بقي من صلاته، لكن إذا لم يدرك ركعة فإنه يكون الوقت قد انتهى، ويكون فعله بعد طلوع الشمس قضاء وليس أداء، أما إذا أدرك ركعة واحدة قبل طلوع الشمس، وركعة أتى بها بعد ذلك، فإن الصلاة مؤداة وليست مقضية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو داود].هو سليمان بن داود الطيالسي، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو داود واسم أبيه داود، وسليمان بن داود أبو داود، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج المحدث، الناقد، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكما ذكرت أن هذا وصف رفيع، ولقب عال، ولم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين، ومنهم: شعبة بن الحجاج هذا، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، لكن المعروف عن شعبة أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، وهذا من رواية شعبة عن قتادة، فإذا روى شعبة عن مدلس فإنه مأمون تدليس ذلك المدلس الذي هو شيخه؛ لأن المعروف عن شعبة أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وما أمن تدليسهم فيه.[سمعت أبا أيوب الأزدي].أبو أيوب الأزدي قيل: اسمه يحيى، وقيل: حبيب بن مالك، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.[عن عبد الله بن عمرو].هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعروف بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وقال: إنه كان يكتب، وأبو هريرة لا يكتب، وبيّن كثرة حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. [قال شعبة: إن قتادة أحياناً يرفعه وأحياناً لا يرفعه].يعني: أحياناً يقول فيه: عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحياناً لا يرفعه، يعني: يقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص، أي: أنه أحياناً يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، وأحياناً لا يذكر فيه النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يكتفي بذكر عبد الله بن عمرو بن العاص فيكون موقوفاً.وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص خرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن عمرو بن العاص هو أكبر أولاد أبيه عمرو بن العاص، وقد ذكروا في ترجمته وترجمة أبيه أنه ولد لأبيه وعمره اثنتا عشرة سنة، معناه: أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه تزوج وهو صغير، وولد له ابنه عبد الله وعمره اثنتا عشرة سنة، أي: أن عمر عمرو بن العاص لما ولد له ابنه عبد الله كان اثنتا عشرة سنة، وهذا فيه أن الإنسان قد يحتلم في زمن مبكر، وأن البلوغ يحصل بحصول الاحتلام والإنزال، ولو كان في سن مبكر، وإذا لم يحصل أسباب البلوغ أو علامات البلوغ؛ فإنه يكون ببلوغه خمس عشرة سنة، لكنه إذا وجد قبل ذلك ما يقتضي البلوغ، فيكون بالغاً قبل الخمس عشرة سنة.
    شرح حديث أبي موسى في آخر وقت المغرب
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الله وأحمد بن سليمان واللفظ له، قالا: حدثنا أبو داود عن بدر بن عثمان قال: إملاء على حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: (أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأمر بلالاً فأقام بالفجر حين انشق، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: انتصف النهار، وهو أعلم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين غربت الشمس، ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حين انصرف، والقائل يقول: طلعت الشمس، ثم أخر الظهر إلى قريب من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف، والقائل يقول: احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: الوقت فيما بين هذين) ].ثم أورد النسائي رحمه الله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقت؟ أي: أوقات الصلاة، فلم يرد عليه شيئاً؛ يعني: بالكلام، وما قال: الوقت هو كذا وكذا وكذا، يعني: ما أجابه قولاً، ولكن أمره بأن يصلي معه يومين، وينظر ويشاهد ويعاين البداية والنهاية، وهذا فيه التعليم بالفعل، ثم أيضاً التعليم بالقول؛ لأنه قال بعد ذلك: (وقت الصلاة ما بين هذين الوقتين) يعني: بعد أن أراه وأطلعه ووقفه مشاهداً ومعياناً الأوقات بالفعل، قال بعد ذلك: (الوقت فيما بين هذين).ففيه: التعليم بالفعل، وهذا من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل، حيث يشاهد الإنسان الوقت ويعرفه بالحالة الراهنة، والوقت الحاضر، فصلى في اليوم الأول الصلوات في أول وقتها، وصلى في اليوم الثاني الصلوات في آخر وقتها، وقال له: (الصلاة ما بين هذين الوقتين).ثم فيه: ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحرص على التفقه في الدين، وسؤالهم عن أمور دينهم، وعن عباداتهم -كيفياتها وأوقاتها- وما إلى ذلك مما هم بحاجة إلى معرفته، وهذا يدل على فضلهم وعلى نبلهم وحرصهم على معرفة الحق والهدى؛ ليتعبدوا الله عز وجل على بصيرة، وليرشدوا غيرهم، وليدلوا غيرهم، وليبينوا للناس الحق والهدى الذي جاء به المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فرضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.قوله: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأمر بلالاً فأقام بالفجر حين انشق).لأن هذا اليوم الأول، وقوله: (أمر بلالاً فأقام في الفجر حين انشق)، أي: حينما طلع الصبح وبدأ الوقت أمره فأقام، فهذا بيان أن أول وقت الفجر عندما ينشق الصبح، ويبدأ ويظهر الوقت.قوله: (ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس).أي: حصل زوالها واتجاهها إلى جهة المغرب بعد أن كانت جاءت من جهة المشرق، ثم صارت على الرءوس، ثم اتجهت إلى جهة المغرب، وحصل الزوال؛ لأن الزوال هو الفيء، يعني: بدل ما كان الفيء إلى جهة الغرب؛ لأن الشمس في جهة الشرق، ولما اتجهت إلى الغرب حصل الفيء إلى جهة الشرق؛ أي: وجد الشيء اليسير الذي يدل على أن الشمس ذهبت عن وسط الرءوس، وأنها مالت إلى جهة الغرب.قوله: (والقائل يقول: انتصف النهار، وهو أعلم).أي: القائل من الناس الذين صلوا معه يقول: (انتصف النهار) يعني: هل انتصف النهار؟ يعني: هذه كناية عن التبكير بها جداً؛ قال: (وهو أعلم)، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره بأن يقيم كذلك بعد زوال الشمس، هو أعلم بأنه قد انتصف النهار، وإن كان غيره يقول: هل انتصف؟ ويستفهم: هل انتصف النهار؟ وذلك إشارة إلى شدة التبكير بها، ومعنى هذا: أن أول وقت الظهر هو عندما تزول الشمس.قوله: (ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة).معناه: أنه لما خرج وقت الظهر والشمس حية، وكان ظل كل شيء مثله أمره فأقام العصر، يعني: في أول وقتها، والشمس مرتفعة في السماء ما مالت إلى جهة الغروب كثيراً، وإنما هي مرتفعة في السماء.قوله: (ثم أمره فأقام بالمغرب حين غربت الشمس).وهذا هو أول وقتها، إذا غربت الشمس وغاب قرصها، وذهب حاجبها الذي هو طرف قرصها الآخر الذي يبقى منه ويذهب أكثره، فعند ذلك يبدأ وقت المغرب، فأمره أن يقيم المغرب حين غابت الشمس.(ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق).وهذا هو أول وقتها وذلك حين غاب الشفق وهو الضياء الذي يكون بعد غروب الشمس، وقد كان بعد ذلك اشتداد الظلام وشدته وقوته، ولم يبق أي أثر للشفق أو للنور وصار المغرب مثل المشرق، وكله سواء في الظلام الدامس، وبهذه الصلوات انتهى اليوم الأول الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الصلوات في أول وقتها، ثم بعد ذلك صلى في اليوم الثاني مع آخر الوقت.قوله: (ثم أخر الفجر من الغد حين انصرف، والقائل يقول: طلعت الشمس).أي: من شدة الضياء؛ معناه: أن الشمس أوشكت أن تطلع، وهذا هو آخر وقتها الذي هو طلوع الشمس، معناه أنه صلاها في آخر وقتها، أو قريباً من آخر وقتها.قوله: (ثم أخر الظهر إلى قريب من وقت العصر بالأمس).أي: حين كان ظل الشيء مثله، فأخرها إلى آخر وقتها.قوله: (ثم أخر العصر حتى انصرف، والقائل يقول: احمرت الشمس).يعني: تغير لونها، وبدل ما كانت بيضاء واضحة تغيرت إلى الاصفرار والاحمرار متجهة إلى الغروب، وهذا هو نهاية الوقت الاختياري، وأما الوقت الاضطراري فإنه إلى غروب الشمس، بل إن الإنسان إذا اضطر وأدرك ركعة قبل الغروب يضيف إليها ركعة ويكون أدرك الصلاة في وقتها، مثل الفجر فإنه إذا أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فإنه يضيف إليها أخرى ويكون قد أدرك الصلاة في وقتها، والمراد بذلك أنه ما لم تحمر الشمس؛ يعني: الوقت الاختياري، أما الوقت الاضطراري فإنه يستمر إلى غروب الشمس.قوله: (ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق).يعني: عند نهاية وقت المغرب، وقرب دخول وقت العشاء، وحيث سقط الشفق، يعني: ذهب البياض الذي يكون بعد الغروب، ويكون -كما هو واضح- المشرق والمغرب كله سواء في الظلام الدامس.قوله: (ثم أخر العشاء إلى ثلث الليل).وقد جاء في بعض الروايات: (نصف الليل)، والمعتبر هو النصف، والثلث داخل في النصف، والأحاديث ثبتت في النصف، فيكون هو نهاية الوقت الاختياري والذي هو النصف.قوله: (ثم قال: الوقت فيما بين هذين).ثم لما صلى في هذين اليومين، اليوم الأول يصلي الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، واليوم الثاني يصلي الصلوات الخمس في أواخر أوقاتها، فيما كان له وقت اختياري واضطراري، قال: (الصلاة ما بين هذين الوقتين)، وفي هذا بيان بالقول بالإضافة إلى البيان بالفعل؛ لأن البيان بالفعل هو كونه يصلي والشمس ترى، وهذه العلامات التي نصبها الله عز وجل يشاهدها الإنسان ويعاينها، ثم قال له: (الصلاة ما بين هذين الوقتين)؛ يعني: إذا فعلت بين هذين الوقتين، فهذا هو وقتها.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في آخر وقت المغرب
    قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الله وأحمد بن سليمان واللفظ له ].عبدة بن عبد الله هو الصفار، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم شيئاً.أما أحمد بن سليمان فهو الرهاوي، وهو ثقة، عابد، خرج له النسائي وحده، قال: [واللفظ له]، أي: لـأحمد بن سليمان؛ لأنه ذكر الشيخين، فأشار إلى من له اللفظ منهما، وأنه الثاني من شيخيه، وهو أحمد بن سليمان، وليس سياق لفظ شيخه الأول: عبدة بن عبد الله .[ قالا: حدثنا أبو داود].هو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، والحفري نسبة إلى موطن أو موضع بالكوفة يقال لها: الحفر، فنسبة إليها يقال: الحفري، وهو ثقة عابد، وخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن بدر بن عثمان].هو بدر بن عثمان الأموي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، وما خرج له البخاري، وما خرج له أبو داود، ولا الترمذي.[قال: إملاء علي].يعني: أن شيخه، وهو أبو بكر بن أبي موسى يملي عليه إملاء، يعني: من حالة التحمل أنه يملى عليه، قال: (إملاء علي)، يعني: هذه طريقة التحمل من شيخه، والإملاء هي من أحسن أو أعلى صيغ التحمل؛ لأنه يسمع من لفظ شيخه إملاء، يعني: يملي عليه وهو يكتب، فهي تكون من أعلى ما يكون من صيغ التحمل.[حدثنا أبو بكر بن أبي موسى].هو أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، وأبو بكر هذا قيل اسمه: عمرو، وقيل: عامر، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه].هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث جابر في آخر وقت المغرب
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا زيد بن الحباب حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت حدثني الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه قال: (دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر بن عبد الله الأنصاري، فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك زمن الحجاج بن يوسف، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس، وكان الفيء قدر الشراك، ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك، وظل الرجل، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل، ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه، قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل، شك زيد، ثم صلى الفجر فأسفر) ].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن بشير بن سلام دخل هو ومحمد بن علي بن الحسين وهو ابن علي بن أبي طالب المعروف بـالباقر، فدخلوا على جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، فسألوه عن أوقات الصلوات، وهذا أيضاً فيه أن التابعين كانوا يحرصون على سؤال الصحابة عن أمور الدين، وعن أفعال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، والحديث الذي مضى رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوقات، وهؤلاء تابعون سألوا الصحابة عن الأوقات، فالصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون يسألون الصحابة، فهي سلسلة متصلة، والكل معني في أمور دينه، والكل حريص على أمور دينه، وهذا يدلنا على أن سلف هذه الأمة تلقوا الحق والهدى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأعطاه بعضهم لبعض، وحمله بعضهم لبعض.فإن في هذا الحديث أن بشير بن سلام ومحمد بن علي بن الحسين الباقر سألا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.قوله: (فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك زمن الحجاج بن يوسف).يعني: ذاك الوقت الذي سألوه في زمن الحجاج بن يوسف.قوله: (قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر حين زالت الشمس).أي: أن جابراً رضي الله عنه يحكي فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنها كانت في أول وقتها.قوله: (وكان الفيء قدر الشراك).الشراك هو: شراك النعل الذي يكون على وجهها وعلى ظهرها، يعني: هذا كناية عن صغر أو عن قلة الفيء، وأنه بمجرد ما حصل الفيء دخل وقت الظهر، فصلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه إشارة إلى التقليل، وأنه بمجرد ما انكسر الفيء ووجد ظل يسير جداً إلى جهة المشرق بعد أن زالت الشمس إلى جهة المغرب، عند ذلك تحقق الزوال، وذهبت الشمس عن الرءوس، واتجهت إلى جهة المغرب.قوله: (ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك، وظل الرجل).معناه: بعدما صار ظل الشيء مثله بعد دخول وقت الظهر عند ذلك يدخل وقت العصر، إذا كان ظل الشيء مثله بدأ وقت العصر، وإلى أن يكون ظل الشيء مثله فهذا هو نهاية وقت الظهر.قوله: (ثم صلى المغرب حين غابت الشمس).يعني: أول وقتها.قوله: (ثم صلى العشاء حين غاب الشفق).يعني: في أول وقتها.قوله: (ثم صلى الفجر حين طلع الفجر).يعني: في أول وقتها، فهو أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في يوم من الأيام صلى الصلوات في أوائل أوقاتها.قوله: (ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل).يعني: في اليوم الثاني؛ حيث كان ظل الرجل مثله، هذا هو الوقت الذي ينتهي فيه وقت الظهر، فعندما يكون ظل الشيء مثله معناه: أنه يصليها في آخر وقتها، وبعده مباشرة يدخل وقت العصر.قوله: (ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه).يعني: مثله مرتين؛ وهذا يفيد تساوي وقت الظهر مع وقت العصر الاختياري؛ لأنه من الزوال إلى أن يكون ظل الشيء مثله، فهذا هو وقت الظهر، ثم من أن يكون مثله إلى مثليه فهذا وقت العصر الاختياري، يعني: أنه متساوي مع وقت الظهر، لكن بعد أن يكون ظل الشيء مثليه، فهو وقت اضطراري إلى غروب الشمس.قوله: (قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة).والعنق هو السير المتوسط؛ لأن أنواع السير له أسماء، وقد جاء في الحديث في حجة الوداع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص)، يعني: أسرع، (كان يسير العنق)، معناه: أن السير متوسط معتدل، فإذا وجد فجوة أمامه، أي: لا يوجد زحام أمامه أسرع في هذه الفجوة، فهذا يسمى النص، يعني: نوع من أنواع السير اسمه النص، وهو السريع، وكان يوصي أصحابه صلى الله عليه وسلم، وهو في تلك الحال فيقول: (أيها الناس! السكينة السكينة، فليس البر بالإيضاع)، وقوله: (الإيضاع) أي: الإسراع؛ لأنهم إذا حصل منهم الإسراع يضر بعضهم ببعض، وكان عليه الصلاة والسلام لا يسرع إلا إذا كان أمامه متسع، ولا يتضرر به أحد، فكان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، وكان يقول لأصحابه: (أيها الناس! السكينة السكينة)؛ يعني: عليكم بالسكينة في المشي، (فإنه ليس البر بالإيضاع)، يعني: ليس البر بأن تسرعوا، وإنما عليكم بالسكينة، وهو المشي الهين الذي لا يترتب عليه مضرة.قوله: (ثم صلى المغرب حين غابت الشمس).معناه: أنه في أول الوقت، وأنه في الأول حين غابت الشمس، يعني: ليس فيه تحديد، والوقت بالنسبة للآخر.قوله: (ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل، شك زيد).هل قال النصف أو قال الثلث؟ لكن -كما ذكرت فيما مضى- صحت الأحاديث بالنصف، فيكون هو نهاية الوقت الاختياري، والثلث داخل في النصف، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الثلث بدون النصف، وهنا الشك بين الثلث والنصف.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في آخر وقت المغرب
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان.]هو الرهاوي شيخه في الإسناد الأول، والذي هو شيخه الثاني في الإسناد الماضي، وهو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، عابد، وخرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا زيد بن الحباب].وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، وقد خرج حديثه مسلم، والأربعة.[حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت].وهو صدوق له أوهام، وقد خرج حديثه الترمذي والنسائي.[حدثني الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه].الحسين بن بشير مقبول عند ابن حجر، روى عن أبيه عن جابر هذا الحديث، ولم يرو له النسائي حديثاً غيره.وأبوه هو بشير بن سلام، وهو تابعي صدوق، وقد خرج حديثه النسائي من أصحاب الكتب الستة.[جابر بن عبد الله الأنصاري].صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #102
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (99)


    - (باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب) إلى (باب تعجيل العشاء)
    إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن وأكمل هدي، فمن هديه أنه كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وربما فعل ذلك لمصلحة كمناقشة أحوال المسلمين، كما كان من هديه في صلاة العشاء أن يعجل الصلاة إذا رأى الناس قد اجتمعوا، وإن تأخروا انتظرهم.
    كراهية النوم بعد صلاة المغرب

    شرح حديث: (... وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية النوم بعد صلاة المغربأخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثني سيار بن سلامة قال: (دخلت على أبي برزة فسأله أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، وكان يصلي العصر حين يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة)].هنا أورد النسائي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، والترجمة باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب, والمقصود من الكراهية هو حتى لا ينام عن صلاة العشاء، ومن المعلوم أنه قد جاء في الحديث (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبواً)؛ وذلك أن العشاء تكون في أول الليل، حيث يكون الناس بحاجة إلى النوم بعد الكدح بالنهار، والفجر تكون في آخر الليل عندما ينتهي الليل، عندما يتلذذ الناس في الفراش, وفي النوم, ويطيب لهم النوم، ويتمكنون منه ويتلذذون به، فكانت الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أشدهما ثقلاً، وأثقل الصلاة جميعاً هاتان الصلاتان على المنافقين.والتر مة هي: كراهية النوم بعد المغرب؛ لأن ذلك يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء، وهذا من أحاديث سد الذرائع، والنصوص في سد الذرائع عديدة، وقد أورد ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) تسعة وتسعين دليلاً من الكتاب والسنة، هي من أدلة سد الذرائع، فكراهية النوم قبل صلاة العشاء وبعد صلاة المغرب؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى النوم عن صلاة العشاء.وقد أورد النسائي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، أن سيار بن سلامة دخل هو وأبوه على أبي برزة الأسلمي فسأله أبوه، وأبوه ليس راوياً هنا، وإنما الراوي هو سيار بن سلامة، يعني: ذكر أباه؛ لأنه هو السائل، وكان معه مثلما كان بشير بن سلام مع محمد بن علي، يعني: السؤال حصل منهما، والراوي أحدهما، وهنا السؤال من أبيه والرواية منه؛ لأنه كان مع أبيه.قوله: (فسأله أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟).وهذا أيضاً فيه ما في الذي قبله من حرص التابعين على سؤال الصحابة عن أمور دينهم، وعن أفعال رسول الله عليه الصلاة والسلام.قوله: (قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى).الهجير هي: الظهر؛ لأنها تقع في الهاجرة، يعني: في منتصف النهار، بعدما تزول الشمس.ويقال لها: الأولى؛ لأنها أول صلاة في النهار، يعني: بعد طلوع الشمس، وإلا فإن الفجر هي في النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، والصيام؛ صيام النهار يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكنها الأولى، يعني: بعد طلوع الشمس وحصول الضياء والإشراق، فهي الأولى بهذا الاعتبار، وقيل: إنها الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالرسول عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلوات.قوله: (حين تدحض الشمس).يعني: حين تزول، هذا هو المقصود بالدحض.قوله: (وكان يصلي العصر حين يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية).معناه: في أول وقتها.قوله: (ونسيت ما قال في المغرب).الذي نسيه هو سيار بن سلامة، وهو الذي يتحدث ويحكي ما أخبره به أبو برزة.قوله: (وكان يستحب أن يؤخر العشاء).وما كان يمنعه من ذلك إلا نوم الصبيان والنساء، وكون الناس يحصل لهم النوم وهم ينتظرونها، فكان يستحب ذلك، ولكنه كان الغالب عليه أن يصليها في أول وقتها؛ رفقاً بأمته، ورفقاً بأصحابه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.قوله: (التي تدعونها العتمة).سيأتي أبواب تتعلق بالعتمة، وأنه جاء في الأحاديث إطلاق العتمة عليها.قوله: (وكان يكره النوم قبلها)، يعني: قبل صلاة العشاء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى النوم عنها، (والحديث بعدها)؛ لئلا يحصل السهر الذي يترتب عليه النوم عن صلاة الفجر، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك أحياناً، وكان يسمر مع أبي بكر في النظر في أمور الناس، وفي أمور المسلمين عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا هو هديه، وهذا هو الذي كان يستحبه، فكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، ولكنه كان يسهر أحياناً مع أبي بكر في بعض المصالح، وهذا يدل على أن السمر للحاجة لا بأس به، ولكن بشرط أن لا يترتب عليه مضرة، ومن أعظم المضار التي تترتب عليه النوم عن صلاة الفجر.وقد مر في بعض الأحاديث قريباً: أن جبريل عندما صلى بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما صلى المغرب ناموا، ثم قاموا، ثم ناموا، ثم قاموا، ثم صلى العشاء.قوله: (وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه).يعني: الذي يصلي بجواره، ومن المعلوم: أن معناه: أنه بغلس؛ معناه: أنه كان يصلي الصلاة في أول وقتها، وكان يقرأ بالستين إلى المائة، وإذا فرغوا من الصلاة الواحد يعرف جليسه، معناه: أنه حصل شيء من الضياء بحيث يعرف الواحد جليسه، وهذا يدل على التبكير بالصلاة في أول وقتها؛ لأنه كان يصلي ويقرأ هذه الآيات الكثيرة، وكان يرتل في قراءته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك حصل الضياء الذي به يعرف الواحد جليسه، وليس معناه: ضياء واضح، وإنما معناه: الواحد ينظر إلى جليسه فيعرفه، فهي أقل الصلوات من ناحية العدد -أي: عدد الركعات- ولكنها
    أطول الصلوات من حيث القراءة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها ...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وهو الملقب بندار، وهو ثقة, خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة بدون واسطة، وقد مر ذكره في الدرس الماضي.[حدثنا يحيى].وهو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عوف].وهو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني سيار بن سلامة].وهو سيار بن سلامة الرياحي أبو المنهال، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[قال: دخلت على أبي برزة].هو أبو برزة الأسلمي، واسمه، نضلة بن عبيد مشهور بكنيته أبو برزة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهذا الإسناد كل رجاله خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة: محمد بن بشار، ويحيى بن سعيد القطان، وعوف بن أبي جميلة الأعرابي، وسيار بن سلامة الرياحي، وأبو برزة الأسلمي.
    أول وقت العشاء

    شرح حديث جابر في أول وقت العشاء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول وقت العشاء.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن حسين بن علي بن حسين أخبرني وهب بن كيسان حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد! فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد! فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد! فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله)].الآن لما فرغ المصنف من التراجم المتعلقة بصلاة المغرب وما قبلها من الصلوات التي هي: الظهر, والعصر انتقل بعد ذلك إلى صلاة العشاء، فقال: باب: أول وقت العشاء، وكان من عادته أنه يترجم لكل صلاة عدة تراجم، من هذه التراجم أول وقت الصلاة, وآخر وقت الصلاة، ويبدأ بأول وقت الصلاة، وهنا لما فرغ من المغرب التي هي قبل العشاء أتى بأول تراجم صلاة العشاء، وهي: باب أول وقت العشاء، وأورد فيه عدة أحاديث: أولها: حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن جبريل جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام في يومين، وأمره بأن يصلي الصلوات الخمس في اليوم الأول في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر الوقت.والمقصود من هذا الحديث الطويل الذي أورده عن جابر هو الاستدلال على أول وقت العشاء؛ لأنه مشتمل على أول وقت العشاء, وآخره، وعلى أوائل الصلوات الأخرى, وأواخر أوقاتها، ولكن يأتي في الترجمة، ويذكر الحديث الطويل المشتمل على ما تقتضيه الترجمة أو ما يريده من الاستدلال على الترجمة.قوله: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد، فصل الظهر حين مالت الشمس).يعني: حيث زالت الشمس، وهذا هو أول وقت صلاة الظهر، وصلاتها في أول وقتها هو الأفضل، إلا إذا اشتد الحر فقد جاءت السنة بالإبراد، وهو تأخيرها حتى تنكسر حدة الشمس بمضي وقت بعد الزوال، أما في غير هذه الحالة فإن الأفضل هو صلاتها في أول وقتها.قوله: (ثم مكث، حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر).وهذا هو أول وقت صلاة العصر: إذا كان ظل الشيء مثله، وهو نهاية وقت الظهر؛ لأن ببلوغ ظل الشيء مثله ينتهي وقت الظهر، ويبدأ وقت العصر، وليس هناك فجوة من الوقت تفصل بين وقتي الصلاتين الظهر والعصر.قوله: (ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء).يعني: حينما حصل الغروب حصلت الصلاة، وذلك -كما عرفنا فيما مضى-: إذا غاب حاجب الشمس؛ وهو طرفها الذي بقي منها بعد ما يغيب أكثرها، فإذا غاب آخرها، وتوارت بالحجاب عند ذلك تبدأ وقت صلاة المغرب.قوله: (ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها).يعني: غاب الشفق، وهو الضياء الذي يبقى بعد غروب الشمس، فإذا ذهب ذلك الضياء ولم يبق له أثر، وصارت جهة المغرب وجهة المشرق على حد سواء؛ كلها ظلام دامس عند ذلك يدخل وقت صلاة العشاء، فجاءه حين ذهب الشفق، فقال له: قم فصل العشاء فصلاها، يعني: صلاها في أول وقتها.قوله: (ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح).قوله: (ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح)، يعني: بدا نوره، وهذا هو أول وقت صلاة الفجر، إذا طلع الفجر، وهو الفجر الصادق المعترض الذي يمتد في الأفق، ويظهر شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس، وليس الفجر الكاذب الذي يظهر في آخر الليل، ويمتد مستطيلاً في السماء، أغبر مثل ذنب السرحان فإن هذا ليس وقتاً لصلاة الصبح، وإنما المقصود بذلك الذي يكون معترضاً في الأفق، ثم يتزايد حتى طلوع الشمس، فلما سطع الفجر جاءه وقال: قم فصل الفجر، فصلاها، وهذا في اليوم الأول أمره بأن يصلي الصلوات في أول أوقاتها.قوله: (ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى الظهر).يعني: في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثله، وقال: فصل الظهر فصلاها، وهذا في آخر وقتها، فعندما يبلغ ظل الشيء مثله هو آخر وقت صلاة الظهر، وبعده مباشرة أول وقت صلاة العصر.قوله: (ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر).وهذا هو آخر وقت صلاة العصر، أي: الوقت الاختياري لأن أول وقتها الاختياري، هو عندما يبلغ ظل الرجل مثله الذي هو نهاية الظهر، ويستمر حتى يكون ظل الشيء مثليه، وهذا هو نهاية الوقت الاختياري، وبعده يبدأ الوقت الاضطراري الذي لا يجوز للإنسان أن يؤخر إليه، ولكنه لو اضطر وحصل له نوم, أو حصل له نسيان، أو حصل شيء شغله وغفل عن الوقت، ثم صار بعد أن يكون ظل الشيء مثليه، فإنه يصلي العصر حينئذ، ولكنه ليس وقتاً اختيارياً، وإنما وقت اضطراري، فإذا بلغه الإنسان مضطراً فإن الصلاة ما زالت في وقتها، ولكن لا يجوز للإنسان أن يبلغه مختاراً، وقد جاء في الحديث: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته)، معناه: أنه أدرك الصلاة في الوقت؛ لأن الوقت الاضطراري نهايته غروب الشمس، ومن أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، فإنه يكون مدركاً لصلاة العصر في وقتها، لكن هذا في حال الاضطرار، وجبريل جاءه في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثليه الذي هو نهاية الوقت الاختياري، وقال: قم فصل العصر، فصلاها.قوله: (ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب).يعني: وقتاً واحداً لم يزل عنه، يعني: في اليوم الأول وفي اليوم الثاني جاءه بعد غروب الشمس، وقد سبق أن مر الحديث عن جابر رضي الله عنه, أنه جاءه في اليوم الثاني حين غابت الشمس، وهو مطابق لما هنا، ومعناه: أنه في حديث جابر ما ذكر أولاً وآخراً بالنسبة للمغرب، وإنما ذكر وقتاً واحداً، هو الأول، ولكنه جاء في حديث غيره، وفي الأحاديث المتعددة الكثيرة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه جبريل عندما كاد الشفق أن يغرب، وصلى المغرب.إذاً فنهاية وقتها مغيب الشفق، وبدء صلاة العشاء إذا غاب الشفق.قوله: (ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء).وقد عرفنا فيما مضى أن الروايات أو بعض الأحاديث جاءت بأنها منتصف الليل، فيكون الوقت الاختياري نهايته منتصف الليل، وبعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر الثاني يكون وقتاً اضطرارياً، يعني: من نام واستيقظ بعد نصف الليل فإنه يصلي العشاء في وقتها، ولكن ليس للإنسان مختاراً أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل، بل يأثم بالتأخير.قوله: (ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله).يعني: أن الإسفار حصل وكادت الشمس أن تطلع فعند ذلك جاءه وقال: (قم فصل الفجر، فصلاها، ثم قال: ما بين هذين وقت كله)، يعني: ما بين الوقتين كله وقت، فكون الإنسان صلاها في أول الوقت، أو في وسطه، أو في آخره، كل ذلك وقت للصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في أول وقت العشاء
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، ويلقب الشاه، وهو ثقة, خرج حديثه الترمذي, والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو مروزي، كما أن عبد الله بن المبارك مروزي.[حدثنا عبد الله بن المبارك].هو المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، جواد، مجاهد, ذكر الحافظ ابن حجر في (التقريب) جملة من أوصافه، وقال: جمعت فيه خصال الخير.وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن حسين بن علي بن حسين].وهو الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، وهو صدوق, مقل من الحديث، وحديثه أخرجه الترمذي, والنسائي، مثل: سويد بن نصر، فقد خرج له الترمذي, والنسائي، وهو صدوق مقل من رواية الحديث.[أخبرني وهب بن كيسان].وهو وهب بن كيسان, ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا جابر بن عبد الله].وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ستة من الرجال وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
    تعجيل العشاء

    شرح حديث: (... والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعجيل العشاء.أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو بن حسن قال: قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس بيضاء نقية، والمغرب إذا وجبت الشمس، والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر) ].هنا أورد النسائي تعجيل صلاة العشاء، يعني: صلاتها في أول وقتها؛ لأن الترجمة السابقة هي: لبيان أول الوقت، وهنا الترجمة لتعجيل الصلاة في أول الوقت، فالترجمة لتعجيل العشاء، وقد أورد في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أنه سئل حين قدم الحجاج عن وقت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة), يعني: منتصف النهار عندما تزول الشمس، فالهاجرة هي عندما ينتصف النهار وتزول الشمس، فكان عليه الصلاة والسلام يصليها في أول وقتها، وهذا هو المقصود بالهاجرة.قوله: (والعصر والشمس بيضاء نقية).يعني: في أول وقتها حال شدتها وحرارتها وبياضها.قوله: (والمغرب إذا وجبت الشمس).يعني: إذا غابت الشمس، ووجبت، يعني: سقطت عن الأعين, وغابت عن الأعين، فكان يصليها عليه الصلاة والسلام إذا وجبت الشمس، والوجوب هو: السقوط، يعني: سقط آخرها بمعنى أنها غابت وذهبت عن الأبصار، فهذا هو أول وقت صلاة المغرب.قوله: (والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر).يعني: بالنسبة لأول الوقت؛ لأنه ذكر أوائل الأوقات، بالنسبة للظهر والعصر والمغرب، ثم قال: العشاء أحياناً، يعني: معناه أنه يصليها في أول وقتها أحياناً، إن رآهم عجلوا عجل، وإن رآهم أخروا أخر.قوله: (وإذا رآهم قد أبطئوا أخر).يعني: أخر الصلاة، فمحل الشاهد منه: (إذا رآهم قد اجتمعوا عجل)، يعني: إذا اجتمع الناس فإنه يبادر إلى الصلاة في الوقت، وإذا رآهم تأخروا فإنه ينتظر.ومن المعلوم أن تأخير الصلاة مستحب؛ أي: صلاة العشاء، ولكن مراعاة للمصلحة بالصلاة في أول وقتها, وعدم المشقة على الناس فإنها تصلى في أول الوقت، ولهذا كان يراعي المصلحة، إذا رآهم عجلوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر، ومحل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة: (إذا رآهم عجلوا عجل)، يعني: عجل الصلاة في أول وقتها.قوله: (قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله).فسألنا جابر يعني: عن الوقت، ولعل ذكر الحجاج يعني: في ذكر قدومه، وأنهم سألوه عندما قدم؛ ليسمع الجواب، وأنهم كانوا يؤخرون الصلاة، لعلهم أرادوا أن يسمع الجواب؛ لأن الصلاة تصلى في أول وقتها، ومن المعلوم أن الصلاة في آخر وقتها إذا كان مختاراً سائغ، ولكن المبادرة إليها في أول وقتها هو الذي ينبغي، وهذا هو المطلوب؛ لأن فيه مسارعة إلى أداء الواجب، والمسارعة إلى الخيرات، والحرص إلى الإتيان إلى الصلاة من حينما تجب الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطئوا أخر)
    [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار].عمرو بن علي هو الفلاس، وهو ثقة, ناقد من النقاد المتكلمين في الرجال وفي الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير، فعندما يقال: قال الفلاس، أو وثقه الفلاس، وقال الفلاس: ثقة، وقال الفلاس: ضعيف فالمراد به: عمرو بن علي، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وأما محمد بن بشار فهو الملقب بندار، وهو من صغار شيوخ البخاري، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة: محمد بن المثنى, ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة كلهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكلهم ماتوا قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فالثلاثة: محمد بن بشار, ومحمد بن المثنى, ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكانت وفاة الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ)، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، يعني: البخاري توفي سنة (256هـ)، وشيوخه الثلاثة -بل شيوخ أصحاب الكتب الستة جميعاً رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة- ماتوا في سنة: (252هـ). [قالا: حدثنا محمد].وهو محمد بن جعفر غندر، الملقب غندر، هذا هو محمد المهمل، ويسمى الرجل الذي يذكر في الإسناد غير منسوب: المهمل، وأما إذا لم يذكر اسمه، ولكن ذكر بلفظ رجل عن رجل، فهذا لا يقال له: مهمل، ولكن يقال له: مبهم، فهذا نوع يسمى المبهم، وذاك يقال له: المهمل، والمهمل يعرف نسبه وتسميته عن طريق الشيوخ والتلاميذ وهو ثقة أي: غندر، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وهو ابن الحجاج، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا من أعلى صيغ التعديل، وهي صيغة وصف بها قليل أو عدد نادر قليل من المحدثين منهم: شعبة بن الحجاج هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سعد بن إبراهيم].وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة, عابد, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن حسن].وهو محمد بن عمرو بن حسن بن علي بن أبي طالب، وهو ثقة, خرج حديثه البخاري, ومسلم, وأبو داود, والنسائي، بمعنى: خرج له الشيخان واثنان من أصحاب السنن.[عن جابر بن عبد الله].وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ستة من الرجال وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #103
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (100)


    - باب الشفق
    لقد تقرر في الشريعة أن وقت العشاء يبدأ من غياب الشفق الأحمر وهو يوافق وقت غياب القمر لليلة الثالثة من الشهر.

    الشفق


    شرح حديث: (كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة) يعني العشاء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الشفق.أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن رقبة عن جعفر بن إياس عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: (أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة عشاء الآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة) ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الشفق، والشفق كما عرفنا هو زوال الضوء الذي يكون بعد غروب الشمس، وقد مر في أحاديث عديدة في بيان صلاة المغرب، أي: آخر وقتها، وأول وقت صلاة العشاء، وأن غيبوبة الشفق يحصل به دخول وقت صلاة العشاء، وقبل ذلك من حين غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق وقت لصلاة المغرب، وقد جاء ذكر الشفق في أحاديث كثيرة مضت في بيان وقت صلاة المغرب، أي آخرها، وأول صلاة العشاء.وهنا قال: باب الشفق، وأورد فيه حديث النعمان بن بشير من طريقين، وليس فيه ذكر الشفق، ولكن فيه ذكر وقت صلاة العشاء، وأنها عند غياب القمر لليلة الثالثة من الشهر، فليس فيه تنصيص على ذكر الشفق، ولكن فيه إشارة إليه؛ لأن مغيب القمر الليلة الثالثة من الشهر تكون عند دخول الوقت، فالدلالة على الشفق لا يدل صراحة ونصاً، وإنما يدل احتمالاً أو فهماً وليس نصاً؛ لأن النص ما فيه ذكر الشفق، ولكن فيه أنه كان يصلي العشاء عند غيبوبة القمر لليلة الثالثة من الشهر.قوله: (أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة).أي: صلاة العشاء الآخرة.وقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة).يعني: لليلة الثالثة من الشهر إذا سقط القمر وغاب صلاها، يعني: في أول وقتها، وذلك معناه: إذا غاب الشفق، فاستفادة الشفق هو بالمفهوم واللزوم، وليس عن طريق النص؛ لأن وقت سقوط القمر ليلة الثالث هو غيبوبة الشفق.
    تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير: (كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة) يعني العشاء
    قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وهو محمد بن قدامة بن محمد بن المصيصي، وهو ثقة, خرج حديثه أبو داود, والنسائي.[حدثنا جرير].وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن رقبة ]. وهو رقبة بن مصقلة العبدي الكوفي، وهو ثقة, وقد خرج له الجماعة, إلا ابن ماجه فلم يخرج له في السنن وإنما خرج له في التفسير؛ لأنه رمز له بالفاء والقاف، القاف لـابن ماجه والفاء للتفسير، فالقاف، يعني: القزويني مأخوذة من نسبته إلى قزوين، فيرمز له بالقاف، والفاء للتفسير.[عن جعفر بن إياس].وهو ابن أبي وحشية أبو بشر، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، يذكر أحياناً بكنيته، وأحياناً باسمه، وفي هذا الحديث الذي هو حديث النعمان بن بشير في الإسناد الأول ذُكر فيه باسمه، وفي الإسناد الثاني ذكر فيه بكنيته أبو بشر، وأبو بشر هو: جعفر بن إياس، مرة ذكر بكنيته، ومرة ذكر باسمه، وكما ذكرت فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث معرفة الكنى للمحدثين، وفائدة معرفتها: حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين وذلك فيما إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بكنيته مرة أخرى، فيظن من لا يعرف أن أبا بشر هو غير جعفر بن إياس.[عن حبيب بن سالم].وهو مولى النعمان بن بشير, وكاتبه، وهو ممن خرج له مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[عن النعمان بن بشير].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وقد مات رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد جاء في بعض الأحاديث عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه تحمل الصغير في حال صغره، وتأديته في حال كبره، وهذا شيء معتبر عند المحدثين؛ لأن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه وأرضاه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، ومع ذلك يروي ويقول: سمعت، فرواية الصغير في حال صغره، وتأديته في حال كبره، والكافر تحمله في حال كفره، وتأديته في حال إسلامه، هذا معتبر عند المحدثين.وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    حديث: (كان رسول الله يصليها لسقوط القمر الثالثة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء الآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة) ].وهذه طريق أخرى لحديث النعمان بن بشير، وهي مثل التي قبلها في المتن والمدلول.قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].وهو عثمان بن عبد الله بن محمد بن خرزاذ، روى له النسائي وحده.[حدثنا عفان].وهو ابن مسلم الصفار، وهو ثقة, ثبت, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو عوانة].وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة, ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي بشر].وهو جعفر بن إياس الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا، ذكر في هذا الإسناد بكنيته، وفي الإسناد الأول باسمه ونسبه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما عرفنا.[عن بشير بن ثابت].هو بشير بن ثابت الأنصاري, بصري, ثقة، خرج له أبو داود, والترمذي, والنسائي.[عن حبيب بن سالم].وهو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، مولى النعمان بن بشير وكاتبه، خرج له مسلم, وأصحاب السنن الأربعة. [عن النعمان بن بشير].وهو صحابي الحديث الأول، والحديث إنما هو حديثه، ولكنه جاء من طريقين، ولفظهما واحد، ومؤداهما واحد.
    الأسئلة

    ترك المعتمر والمسافر للنوافل
    السؤال: هل يجوز للمعتمر أن يترك الرواتب والنوافل لكونه مسافراً؟الجواب: المعتمر أو المسافر يصلي ما أمكنه من النوافل؛ لأن المسجد الحرام والمسجد النبوي تضاعف فيهما الصلوات، فكون الإنسان يصلي ما أمكنه من النوافل في المسجدين هذا أمر فيه فائدة عظيمة لهذه المضاعفة التي تكون في الصلوات، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    الكلام أثناء الوضوء
    السؤال: هل يوجد نهي عن الكلام أثناء الوضوء؟الجواب: ما نعلم شيئاً يدل على منع الكلام في أثناء الوضوء.
    بيع العملة بالعملة مع اختلاف القيمة
    السؤال: هل يجوز التعامل ببيع وشراء العملة، علماً بأن رصيد كل منهما ذهب، مع اختلاف القيمة بينهما في البيع والشراء؟الجواب: البيع بالعملة، يعني: تبديل النقود بالنقود أي فئة من الفئات، يعني: أي عملة من العمل، فبيعها بالأخرى لا بأس به؛ لأن الأصل الذي هو عوض عنها لا وجود له، وليس بأيدي الناس إلا هذه الورق، فبيع الورق بالورق سائغ، ولابد للناس منه؛ لأنه إذا لم يحصل بيع ورق بورق ماذا سيفعل الإنسان عندما يذهب إلى بلد وما عنده إلا عملته، والناس يريدون عملة البلد الذي هم فيه، فبيع العملة بالعملة ليس هناك شيء يمنعه، ولو كانت تلك الأصول لا وجود لها عند الناس، ولا يعرف الناس عنها شيئاً، التي هي الذهب والفضة.
    حضور الوليمة التي تذبح صدقة للميت
    السؤال: يقوم بعض الناس بوليمة بنية صدقة على متوفى، فهل يجوز لي أن أجيب دعوة هذه الوليمة، وأنا غير محتاج؟الجواب: الصدقة تكون على الفقراء والمساكين، وأما كونه يصنع طعاماً ويدعو الناس، فلا بأس أن يصنع طعاماً ويدعو الناس، ولكن إذا كان صدقة فالصدقة للفقراء والمساكين.
    المرور بين يدي المصلي في الحرم
    السؤال: هل يعذر المار بين يدي المصلي في الحرمين، وخاصة في حالة الازدحام؟الجواب : لا ينبغي للإنسان أن يمر بين يدي المصلي في أي مكان، وأما بالنسبة للمسجد الحرام في المطاف إذا كان أحد يصلي في المطاف فله أن يمر؛ لأن الحق للطائفين، والمصلي يمكن أن يصلي في مكان بعيد، وأما في غير ذلك فعلى الإنسان أن يحرص أن لا يمر بين يدي مصلي، فإما أن ينتظر وإما أن يتحول من صف إلى صف؛ يعني: يطلب من اثنين متجاورين أن يفسحوا له حتى ينتقل من صف إلى صف، ثم ينتقل عن هذا الذي يصلي، وإذا ما كان هناك ضرورة فليصبر، فإن الناس بعد الصلاة يزدحمون في الخروج، ولو صبروا قليلاً لانفض الزحام في وقت يسير.

    ما يلزم الشاك في سجوده هل هي السجدة الأولى أم الثانية

    السؤال: كيف يفعل رجل كان ساجداً في صلاته فطرأ عليه الشك، فلم يدر هل هو في السجدة الأولى أم الثانية؟الجواب: إذا كان شك، هل هو في الأولى أو في الثانية؟ فليعتبر أنه في الأولى، وليأت بالثانية، بأن يبني على اليقين، وهو المتيقن، فالثانية ما دام مشكوكاً فيها لا يعول عليها، وإنما يعول على أنه في الأولى ثم يأتي بالثانية بعدها، فيقطع الشك باليقين.
    المقصود: (وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة)
    السؤال: قوله: (وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة)، هل هذا في الركعتين أم في الركعة الواحدة؟الجواب: (كان يقرأ فيها بالستين إلى المائة)، يعني: في الركعتين.
    معنى اشتمال الصماء وبيع فضل الماء
    السؤال: فضيلة الشيخ! ورد في حديث النهي عن انتقاص الماء واشتمال الصماء النهي عن بيع فضل الماء, بينوا لنا معنى هذه الجمل!الجواب: فضل الماء، يعني: هو الزائد، فالإنسان يجود به إذا كان عنده ماء يكفيه وزيادة؛ فإنه يتيح لغيره أن يستفيد منه، ولا يمنع فضل الماء.وأما إذا حازه، كمثل الإنسان الذي يكون معه سيارة يعبيها بالماء ويبيعه؛ فإن له ذلك.واشتمال الصماء هي نوع من اللبس؛ يلتف بالثوب وتكون يديه في داخله، بحيث لو حصل عنده أمر يقتضي إخراج اليدين لصعب عليه أن يخرج اليدين، يعني: يكون مثل الحصاة الصماء ليس له منافذ.
    الأذان عند تأخير أداء صلاة العشاء
    السؤال: إذا أراد جماعة أن يؤخروا صلاة العشاء، فهل الأفضل لهم أن يؤذنوا في أول الوقت ثم يؤخروا الإقامة؟الجواب: إذا كان لا يشوش على الناس فيؤذنون في أول الوقت؛ حتى لا يحصل التشويش على الناس، وأما إذا كانوا وحدهم وفي مكان بعيد فلا بأس، ولكن كونهم يؤذنون في أول الوقت؛ حتى يحصل إعلام لمن سمعهم بدخول الوقت فهذا هو الذي ينبغي، فإذا أذنوا في أول الوقت فلهم أن يصلوا في أي وقت شاءوا، وهذا فيما إذا كانوا مع بعض في مكان ما يتضرر غيرهم بتأخيرهم، وأما إذا كان معهم غيرهم ويتضرر بتأخيرهم فلا يفعلوا، وأما إذا كانوا مع بعض مثلاً: كانوا في بر أو في فلاة وكلهم لا يتضرر بالتأخير فيؤذنون في أول الوقت، وإذا أخروها إلى ما شاءوا أن يؤخروها لا بأس بذلك.
    معنى سقوط القمر لثالثة
    السؤال: هل معنى قوله: (سقوط القمر لثالثة)، أي: أن القمر في كل شهر يذهب في اليوم الثالث من بداية الليل؟الجواب: لا، ليس بلازم، ولكن الغالب أنه ليلة ثلاثة من الشهر هي التي تكون مع غيبوبة الشفق، وإلا فإن القمر كما هو معلوم أحياناً يتفاوت، فأحياناً يغيب في ليلة ثالث قبل دخول وقت العشاء، ولكن يمكن أن يكون هذا في الغالب.
    صلاة العشاء قبل غروب الشفق
    السؤال: ما حكم صلاة العشاء قبل غروب الشفق؟الجواب: لا يجوز أن تصلى العشاء قبل غروب الشفق.
    حكم ما نسب إلى ابن خزيمة من إنكار الصورة لله
    السؤال: ما هو القول فيمن يقول: إن الإمام ابن خزيمة ينكر عموماً الصورة لله؟الجواب: ما أعلم قضية إنكاره للصورة عموماً، وإنما الذي جاء عنه في قضية: (خلق الله آدم على صورته)، فإنه لا يضيف الضمير إلى الله عز وجل، وإنما يرجعه إلى آدم، وإلا فإنه قد جاء ذكر الصورة مضافة إلى الله عز وجل في أحاديث صحيحة ليس فيها احتمال إضافتها إلى غيره.وأما هذا الحديث الذي فيه: (خلق الله آدم على صورته)، فهو محتمل أن يرجع إلى الله، ومحتمل أنه يرجع إلى آدم، وابن خزيمة ممن يقول برجوعه إلى آدم، وأما إنكاره إضافة الصورة إلى الله عز وجل فلا أعلم هذا، وقد جاء الحديث الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بإضافة الصورة إلى الله سبحانه وتعالى، في الصحيحين.
    البقاء عند قبر الميت القريب للدعاء له
    السؤال: ما حكم من يبقى عند قبر الميت الذي من أقربائه يدعو للميت فترة، ويقول: أنا أدعو له بمقدار نحر جزور؟ وهل هذا ثابت أم لا؟الجواب: لا أعلم , وإنما هذا جاء عن عمرو بن العاص.وأما الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنه عندما يدفن يقول: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل، ثم ينصرفون).
    حكم اقتناء القرود
    السؤال: بعض الناس يقتني قرداً ويربيه، فما حكم الشرع في ذلك؟الجواب: والله لا أعلم حكماً فيه، ولكن اتخاذ القرد وتربيته من غير أن يكون أمر يقتضيه يعتبر هذا من الشيء الذي لا مبرر له، ولا وجه له.وأما حكمه لا أعلم، هل هو ممنوع أو غير ممنوع؟ لا أدري.
    حكم الجمع الصوري
    السؤال: ما حكم جمع العصرين؛ الظهر في آخر وقته، والعصر في أول الوقت، والعشائين؛ المغرب في آخر وقته، والعشاء في أول وقته؟الجواب: هذا يسمى الجمع الصوري، وهو صعب تحقيقه وتنفيذه، ولكن كما هو معلوم أن الإنسان المسافر يجمع في وقت الظهر وفي وقت العصر، وإنما بعض العلماء قال في الحديث الذي جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (جمع في المدينة بين الصلاتين الظهر والعصر)، قالوا: إنه جمع صوري، أي: أنه أخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها، وقدم صلاة العصر في أول وقتها، ولكن جاء في بعض الروايات: (أنه أراد أن لا يحرج أمته)، وهذا يدل على أن هناك ضرورة، وهناك شيء ألجأ إلى ذلك ففعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام، ولكن ليس مستمراً.
    قيام العمرتين مقام حجة مع النبي
    السؤال: هل تعتبر العمرتان في رمضان كحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم؟الجواب: ما أعلم في هذا شيء، ولكن جاء في الحديث (أن امرأة من الصحابيات قالت: ما يعدل حجة معك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تعدل حجة معي)، وأما كون العمرتان تعدل حجة ما أعلم في هذا شيئاً.

    التوفيق بين القول بكراهية تسمية العشاء بالعتمة وورود ذلك في السنة

    السؤال: كيف نوفق بين كراهية تسمية العشاء بالعتمة, والترخيص بذلك كما عند النسائي؟الجواب: جاء في السنة تسميتها بالعتمة، ولعل ما ذكر من الكراهة مبني على كونه قال: تدعونها العتمة، يعني: يشعر بأن الأولى عدم إطلاقها.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #104
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (101)


    - باب ما يستحب من تأخير العشاء
    جاءت الأحاديث دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لكل صلاة وقتاً معيناً يخصها، منها صلاة العشاء التي كان النبي عليه الصلاة والسلام في أغلب أحيانه يصليها مبكراً، ومع ذلك فقد كان يحب تأخيرها ولكنه خشي أن يشق على أمته.
    ما يستحب من تأخير العشاء

    شرح حديث: (... وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء ...)
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يستحب من تأخير العشاء.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عوف عن سيار بن سلامة قال: (دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فقال له أبي: أخبرنا كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، وكان يصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، قال: ونسيت ما قال في المغرب، قال: وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء التي تدعونها العتمة، قال: وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما يستحب من تأخير العشاء.هذه ترجمة عقدها النسائي للاستدلال على أن صلاة العشاء يستحب تأخيرها ما لم يكن هناك مشقة على المصلين، وقد أورد في هذه الترجمة عدة أحاديث، أولها حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، يقول سيار بن سلامة: (دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فسأله أبي عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى).وقوله: (الهجير) أي: الظهر؛ لأنها تأتي في الهاجرة، قال: (تدعونها الأولى)، فهي الأولى من صلاتي النهار التي تكون في النهار، والمراد من ذلك: ما بعد طلوع الشمس، وإلا فإن صلاة الفجر تقع النهار اليوم وليست في الليل؛ لأن الصائم يصوم ابتداء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهذا هو النهار وهذا هو اليوم.وقيل: إن إطلاق الأولى عليها؛ لأن جبريل عندما نزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام ليبين له أوقات الصلوات وليصلي به ويبين له كيفية الصلوات كان البدء بالظهر، فقيل لها الأولى.قوله: (تدحض الشمس).يعني: تزول وتميل إلى جهة الغرب بعد أن كانت في جهة الشرق، فإذا صارت فوق الرءوس، ثم اتجهت إلى جهة الغرب، وانكسر الفيء، وحصل فيء يسير يدل على حصول الزوال، فعند ذلك يبدأ وقت صلاة الظهر.قوله: (وكان يصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية).أي: أنه يصليها في أول وقتها؛ لأن كونه يمشي هذه المسافة بعد الصلاة، ويصل إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، معناه: أنه يبكر بها، فالحديث فيه التبكير بصلاة الظهر، وفيه التبكير بصلاة العصر.قوله: (قال: ونسيت ما قال في المغرب).الذي قال: (ونسيت) هو سيار بن سلامة الذي يحكي ما سمعه من أبي برزة الأسلمي عندما سأله أبو سيار عن صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: (ونسيت ما قال في المغرب)، يعني: ما قاله أبو برزة في وقت صلاة المغرب.قوله: (وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء التي تدعونها العتمة).وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة، وهي باب: ما يستحب من تأخير صلاة العشاء. فهذا هو الدليل على استحباب تأخيرها، لكن هذا الاستحباب وهذا التأخير حيث لا تكون هناك مشقة، وحيث لا تكون هناك مضرة، وحيث لا يترتب على ذلك النوم في سبيل انتظارها وحصول المشقة على الناس في ذلك. وقوله: (وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها)، أي: كان عليه الصلاة والسلام يكره النوم قبلها، لما يترتب على النوم قبلها من النوم عنها، أي: عن صلاة العشاء، والحديث بعدها، لما يترتب عليه من التأخر عن صلاة الفجر، أو النوم عن صلاة الفجر، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمر أحياناً مع أبي بكر في مصالح المسلمين، فإذا حصل ذلك لأمر يقتضيه، كما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه لا بأس، لكن بشرط أن لا يكون لهذا السمر ولهذا التأخر والحديث بعدها -صلاة العشاء- أي أثر على تفويت صلاة الفجر جماعة، والتأخر عنها.(وكان ينفتل من صلاة الغداة -وهي الفجر- حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة).ومن المعلوم: أنه إذا كان يقرأ بالستين إلى المائة عليه الصلاة والسلام كان يرتل، فهو يصليها في أول وقتها، وعندما يفرغ من الصلاة يعرف الرجل جليسه يعني: الذي يكون بجواره -يصلي بجنبه- ويتضح له معرفته وتمييزه عن غيره؛ لأنه ذهب الظلام الذي لا يحصل معه معرفة الشخص القريب، وهذا يدل على التبكير بها؛ لأن كونه يقرأ بالستين إلى المائة وهو يرتل، ثم يكون الإنسان يميز جليسه بعد هذه القراءة الطويلة مع هذا الترتيل؛ معناه: أنه كان يبكر بها.إذاً: فحديث أبي برزة اشتمل على التبكير لصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة الفجر، واشتمل على بيان استحباب تأخير صلاة العشاء، لكن حيث يكون في ذلك مصلحة ولا يترتب عليه مضرة، أما إذا ترتب عليه مضرة، فإن الصلاة تصلى في أول وقتها، كما هو الغالب على فعله عليه الصلاة والسلام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء ...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو المروزي، ويلقب الشاه، وهو ثقة، وخرج حديثه الترمذي، والنسائي، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا أبو داود، ولا ابن ماجه.[حدثنا عبد الله] هو ابن المبارك المروزي أيضاً، وهو من مرو، كتلميذه سويد بن نصر، بل سويد بن نصر راويته المعروف بالرواية عنه، وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، ثبت، إمام، جواد، مجاهد، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من أوصافه، وخصاله الحميدة، وقال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عوف].هو ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سيار بن سلامة].هو الرياحي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي برزة الأسلمي].هو نضلة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عباس في تأخير العشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له، قالا: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: (قلت لـعطاء: أي حين أحب إليك أن أصلي العتمة إماماً أو خلواً؟ قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعتمة، حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر رضي الله عنه فقال: الصلاة الصلاة! قال عطاء: قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماء، واضعاً يده على شق رأسه، قال: وأشار، فاستثبت عطاء كيف وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه، فأومأ إلي كما أشار ابن عباس رضي الله عنهما، فبدد لي عطاء بين أصابعه بشيء من تبديد، ثم وضعها فانتهى أطراف أصابعه إلى مقدم الرأس، ثم ضمها يمر بها كذلك على الرأس، حتى مست إبهاماه طرف الأذن مما يلي الوجه، ثم على الصدغ وناحية الجبين، لا يقصر ولا يبطش شيئاً إلا كذلك، ثم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن لا يصلوها إلا هكذا)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي أخبر فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام أخر يوماً صلاة العشاء والناس ينتظرونه، فناموا، ثم اسيتقظوا، ثم ناموا، ثم استيقظوا، وأذن عليه الصلاة والسلام بالصلاة، فخرج ورأسه يقطر ماء، ثم وصف عطاء بن أبي رباح كيفية الهيئة التي كانت يد رسول الله عليه الصلاة والسلام على رأسه حين خرج عليهم، ورأسه يقطر ماء، يعني: أنه يعصر هذا الماء الذي في رأسه بيده حيث يمرها عليه؛ ليخفف الرطوبة التي علقت به، وهذا يشير إلى أنه حصل منه اغتسال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ألا يصلوها إلا هكذا)، يعني: في هذا الوقت، لكن لما حصلت لهم المشقة كان الغالب على عادته أنه يبكر بها، ولكنه فعل هذا ليبين فضيلة التأخير، وأنه لولا المشقة لكان حصول ذلك هو الأولى، وهو المقدم على غيره.قوله: (ناموا واستيقظوا، وناموا واستيقظوا).يحتمل أن يكون هذا حصل منهم عن جلوس، ويكون هذا هو نعاس مع التمكن، ويحتمل أن يكون عن اضطجاع، ولكن يكون معه وضوء، ولم يذكر الوضوء؛ لما علم من أن النوم ناقض للوضوء، وأنهم يتوضئون من النوم، إلا إذا حصل النوم اليسير الذي هو نعاس في حال جلوس وتمكن، وكون الإنسان إذا خفق رأسه تنبه، فإن هذا لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو النوم الطويل، أو الذي يكون عن طريق اضطجاع، أو عن جلوس مع عدم تمكن، أو نوم يحصل معه غطيط ورؤى وأحلام، وما إلى ذلك من النوم العريض، أو الطويل الذي يكون مظنة لانتقاض الوضوء؛ لخروج ريح، كما جاء في الحديث الآخر: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ينتظرون الصلاة، فتخفق رءوسهم وهم جالسون، ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون.إذاً: فهذا الذي جاء في الحديث من كونهم ناموا، ثم استيقظوا، ثم ناموا، ثم استيقظوا، إما المقصود به كناية عن النعاس الذي يحصل به.والحديث دال على ما ترجم له المصنف من استحباب تأخير العشاء؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن لا يصلوها إلا هكذا)، أي: إلا في هذا الوقت، وفي حال التأخر.ثم ما جاء في الحديث من ذكر الإشارة باليد إلى الرأس، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إليهم واضعاً يده على رأسه فهذا يدل على الضبط وعلى الإتقان للرواية؛ لأن الراوي عندما يعرف الحديث، ويعرف الملابسة والظروف التي حصلت، والحديث الذي يحدث به، هذا يدل على الضبط والإتقان؛ لأن كونه يتذكر الهيئة التي حصلت في تلك الحال، وما حصل من فعل، فإذا تذكره الراوي وعرفه، فهذا مما يدل على ضبطه لما رواه، وهذه الهيئة التي فعلها ابن عباس يحكي ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يمر يده على رأسه؛ وذلك لعصر رأسه من البلل الذي أصابه بسبب الاغتسال، وكذلك عطاء يصف ذلك لـابن جريج، ثم ابن جريج أثبت هذا الذي وصف له عطاء، قال: (استثبت)، يعني: طلب منه أن يبين له الكيفية التي فعلها ابن عباس وهو يحكي فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام فوضع وبدد بين أصابعه، أي: فرقها قليلاً بعض التمديد، يعني: بدل ما كانت الأصابع ملتصقة فرق بينها، حتى صارت أطراف الأصابع على مقدم الرأس، وصار الإبهامين عند الأذنين، وعند الصدغ الذي هو المنطقة التي بجوار الأذن، (ولا يقصر ولا يبطش)، يعني: أنه ليس يسرع إسراعاً شديداً، ولكنه يبطئ في حركة يده وهو يمرها يعصر رأسه عليه الصلاة والسلام.والحاصل: أن الحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من استحباب التأخير.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تأخير العشاء
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له].إبراهيم بن الحسن هو المصيصي، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.ويوسف بن سعيد هو أيضاً المصيصي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده، فقوله: (واللفظ له)، أي: لـيوسف بن سعيد شيخه الثاني؛ أي: أن المتن الموجود هو سياق لفظ الشيخ الثاني. وأما الشيخ الأول فهو ليس بهذا اللفظ، ولكنه يختلف في الألفاظ، هذا هو المقصود بكلمة: واللفظ لفلان؛ يعني: أن اللفظ ليس واحداً، وقد ذكر لفظ واحد منهما فنص على من له اللفظ، والثاني يكون بالمعنى، وأما الذي ذكر فنفس الحروف ونفس السياق هو سياق الشيخ الثاني، والسياق هو لـيوسف بن سعيد المصيصي .[حدثنا حجاج].هو ابن محمد المصيصي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابن جريج مشهور بنسبته إلى جده.[قلت لـعطاء].هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقول ابن جريج لـعطاء: (أي: حين أحب إليك أن أصلي العتمة إماماً أو خلواً) يعني: إذا كنت إماماً أو منفرداً، الخلو: هو المنفرد؛ لأنه ذكر كونه إماماً وكونه منفرداً؛ لأنه هذا هو الذي يكون الأمر بيده، ولم يذكر المأموم؛ لأن المأموم تابع لغيره، ويصلي مع الناس؛ أي: إن بكروا وإن أخروا، لكنه ذكر الشيء الذي يتعلق به فيما إذا كان إماماً أو منفرداً؛ يعني: إذا كان يسوغ له أن يصلي منفرداً بأن يكون وحده، وإلا فإن صلاة الجماعة -كما هو معلوم- واجبة، ويجب على المسلم أن يحافظ على صلاة الجماعة، ولا يتأخر عنها، ولكن إذا صلاها منفرداً، حيث يسوغ له أن يصليها منفرداً، هذا هو المقصود بالسؤال: إذا كنت إماماً أو خلواً، أي: منفرداً.وهذا يدلنا على ما كان عليه أتباع التابعين من الحرص على معرفة أمور الدين، كما كان التابعون يسألون الصحابة، والصحابة يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا كان سلف هذه الأمة كل يسأل من قبله ومن لقيه.. وهكذا.[سمعت ابن عباس].أي: أنه حكى ما سمعه من صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على أن معولهم على النصوص، وأنهم عندما يسألون أحياناً يجيبون بالنصوص؛ لأنه قال: (أي شيء أحب إليك) ومن المعلوم: أن أحب إليه هو ما كان موافقاً للسنة، وما كان مطابقاً للسنة، فحكى ما سمعه من صحابي رسول الله عليه الصلاة والسلام ابن عباس وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء.وأما ابن عباس فهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وكان في حجة رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ناهز الاحتلام، كما جاء في حديث ركوبه على الأتان: (أنه جاء راكباً على أتان، والرسول يصلي بالناس في منى، قال: وقد ناهزت الاحتلام)، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وليس فيهم: عبد الله بن مسعود؛ لأن عبد الله بن مسعود كبير متقدم عليهم؛ لأنه توفي سنة (32هـ).وأما هم فكانوا من صغار الصحابة، فتأخروا بعد ابن مسعود كثيراً، وكانوا في عصر واحد، فكان يقال لهم: العبادلة، وعندما يقال في مسألة: قال بها العبادلة الأربعة من الصحابة، المراد بهم هؤلاء الأربعة: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.وعبد الله بن عباس هو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين ذكرهم السيوطي في ألفيته حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِالمقصود بالبحر: ابن عباس، والبحر أو الحبر، فهو حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    شرح حديث ابن عباس في تأخير العشاء من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور المكي حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل، فقام عمر رضي الله عنه، فنادى: الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والولدان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه، وهو يقول: إنه الوقت، لولا أن أشق على أمتي)].ثم ذكر النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة ذات ليلة)، يعني: في يوم من الأيام، وهذا فيه إشارة إلى قلة هذا العمل؛ لأنه قال: (ذات ليلة)، يعني: شيء نادر، والغالب على فعله أنه يقدم الصلاة ويبكر بها، وكان يمنعه من تأخيرها ما يخشاه من المشقة على أمته، فلما أخر الصلاة ذات ليلة، ورقد النساء والصبيان جاء عمر وقال: (الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والولدان)، فالمقصود بقوله: (رقد النساء والولدان)، يحتمل أنهم جاءوا للمسجد، ويحتمل أنهم كانوا في البيوت ينتظرون، فالنساء تنتظر الأزواج، والأولاد ينتظرون الآباء ليأتوا من الصلاة، وقد تأخروا عليهم في المسجد في انتظار الصلاة، ومن المعلوم: أن هذا لا يختص بالمسجد؛ لأن حتى غير النساء والصبيان يحصل منهم النوم، ولهذا جاء في الطريق الأخرى: (رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا)، يعني: ليست المسألة خاصة بالنساء والصبيان، لكن ذكر النساء والصبيان يحتمل أن يكون المراد به: كونهم حصل منهم مع غيرهم في المسجد، أو أنه حصل منهم وهم في البيوت؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يقطر رأسه، وقـال: (إنه الوقت)، أي: الأكمل والأفضل، إنه الوقت الذي ينبغي أن يحصل، أو الذي هو أفضل من غيره، وقوله: (لولا أن أشق على أمتي)، أي: لولا المشقة على أمته، وهذا يدل على كمال شفقته ورفقه بأمته عليه الصلاة والسلام، وحرصه على إبعادها عما فيه عنتها ومشقتها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تأخير العشاء من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور المكي].سبق أن مر ذكر محمد بن منصور كثيراً، لكنه لا ينسبه، وإنما يقول: محمد بن منصور، والنسائي له شيخان كل منهما محمد بن منصور، أحدهما: طوسي، والثاني: مكي، وسبق أن ذكرنا -فيما مضى- أن كونه يروي عن سفيان، وسفيان بن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، قالوا: فالأقرب أن يكون المراد به: محمد بن منصور الجواز الذي هو المكي؛ لأن سفيان بن عيينة مكي، محمد بن منصور الجواز مكي، لكن هذا الإسناد فيه تعيين ذلك المهمل في المواضع المتعددة التي مضت؛ لأنه قال: المكي، فخرج احتمال أن يكون محمد بن منصور الطوسي، فهذا الموضع يبين أن المراد بالمهمل في المواضع المختلفة التي كان يذكرها النسائي ويسكت عنها أو عن تمييزه، أن المراد به: المكي الذي هو الجواز، وليس الطوسي.ومحمد بن منصور المكي الجواز ثقة، وخرج حديثه النسائي وحده، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، وهذه من الطرق التي يعرف بها تعيين المهمل؛ أي: كونه يذكر في بعض المواضع منسوب، يعني: يأتي ما يبين المراد -كما هنا- فهذا الموضع بين فيه من هو محمد بن منصور، وأنه المكي وليس الطوسي، والمواضع التي تقدمت كلها محمد بن منصور فقط، وهو يحتمل الطوسي ويحتمل المكي، لكن لما جاء التصريح بالمكي هنا عرف بأن هذا أيضاً نص من النسائي على تعيينه، ولو لم يحصل التعيين فرواية المكي عن المكي هي الغالب، وإن كان قد يروي عن غير المكي، إلا أنه عند الإطلاق يحمل على من له به خصوصية، وله به اتصال، ومن يكون في متناوله أن يتصل به في كل وقت وحين، وذلك فيما إذا كانا من بلد واحد، بخلاف إذا كان الشيخ في بلد آخر، فإنه لا يحصله إلا برحلة وبسفر، والسفر لا يدوم، فيجلس مدة ثم يذهب، لكن من يكون معه في البلد ويلازمه، وكلما أراد أن يأخذ ذهب إليه، وكلما أراد أن يتعلم ذهب إليه، فهذه الطريقة التي يعرف بها، أو يكون بها تمييز المهمل.[حدثنا سفيان]هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو].هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو ابن أبي رباح المكي، وهو -كما ذكرت- ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وقد مر ذكره، وكان بمكة، ثم خرج إلى الطائف، فعلى هذا يكون الإسناد مسلسل بالمكيين؛ لأن محمد بن منصور مكي، وسفيان بن عيينة مكي، وعمرو بن دينار مكي، وعطاء بن أبي رباح مكي، وابن عباس كان مكياً في بعض أحواله، فهو مسلسل بالمكيين، وكلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، إلا محمد بن منصور الجواز فإنه أخرج له النسائي وحده، وأما سفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح، وابن عباس، فهؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].يعني: هذه طريق أخرى هي مثل الطريق الأولى؛ لأن سفيان بن عيينة يروي عن شيخيه، أي: سفيان عن عمرو عن عطاء، وكذلك سفيان عن ابن جريج عن عطاء، فالإسنادان متفقان من حيث العلو أو النزول، وليس بينهما فرق؛ يعني: سفيان بن عيينة يروي عن عمرو عن عطاء، ويروي عن ابن جريج عن عطاء، وعطاء يروي عن ابن عباس، وقد مر ذكر ابن جريج في الإسناد السابق.
    شرح حديث: (كان رسول الله يؤخر العشاء الآخرة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعال: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة)].ثم أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العشاء الآخرة).وقوله: (كان يؤخرها)، هذا هو المقصود من الترجمة من أنه يستحب تأخير العشاء؛ يعني: أحياناً، وليس هذا الغالب على فعله، بل هو القليل من فعله عليه الصلاة والسلام، والغالب على فعله أنه كان يبكر خشية المشقة على الناس؛ فهذا هو الذي يمنعه من التأخير، فكان يؤخر في بعض أحواله وليس دائماً، مثلما مر -فيما مضى- في باب الشفق أن النعمان بن بشير كان يقول: (كنت أعلمكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ يعني: كان يصليها لسقوط القمر ليلة الثالثة، يعني: في بعض الأحيان، أو في غالب الأحيان، وذلك كان في أول الوقت، فليس معنى ذلك: أنه يداوم على هذا ويداوم على هذا، وإنما يحصل منه التبكير كثيراً، ويحصل منه التأخير قليلاً، وكان يستحب التأخير؛ لولا ما يخشاه من المشقة على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يؤخر العشاء الآخرة ...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة] .هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو الأحوص].و أبو الأحوص كنية اشتهر بها، واسمه سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سماك].هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن جابر بن سمرة].هو جابر بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وهو جابر بن سمرة بن جنادة السوائي، وهو صحابي ابن صحابي، وله مائة وستة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على حديثين، وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين حديثاً.
    شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو دال على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، وهي عن جابر بن سمرة وعن ابن عباس، وهنا قال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، والسواك عند كل صلاة)، يعني: وحصول السواك عند كل صلاة، فقوله: (لأمرتهم بتأخير العشاء)؛ يدل على ما دل عليه الذي قبله من الأحاديث، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستحب تأخير العشاء، ولا يمنعه من ذلك إلا ما يخشاه من المشقة على أمته عليه الصلاة والسلام، فكل هذه الأحاديث دالة على استحباب تأخير العشاء حيث لا يكون مشقة على الناس.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء)
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور] .هنا أهمله، أي: لم ينسبه كما نسبه في الإسناد الذي قبل هذا، وكما قلت: المواضع التي يرد فيها ذكر محمد بن منصور يروي عن سفيان كثيرة جداً، ولم يأتِ منسوباً -فيما مضى- إلا في هذا الموضع، وهو -كما قلت- دال على تمييز المهمل، وهو تمييزه عن محمد بن منصور الطوسي.[حدثنا سفيان].هو ابن عيينة.[حدثنا أبو الزناد].هو عبد الله بن ذكوان، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأعرج].هو عبد الرحمن بن هرمز، وهو مشهور بلقبه، ويأتي كثيراً باللقب. وهنا ذكره بلقبه الأعرج، فيأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين -كما ذكرت مراراً وتكراراً- فائدتها دفع توهم أن يظن أن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن الذي لا يعرف يظن أن الأعرج شخصاً آخر غير عبد الرحمن بن هرمز، مثلما ذكرنا في الحديث السابق: جعفر بن إياس في إسناد، ثم يأتي بعده إسناد أبا بشر، فالذي لا يعرف أن أبا بشر هو جعفر بن إياس يظن أن هذا شخص وذاك شخص، فكذلك هنا فالذي لا يعرف أن الأعرج لقب لـعبد الرحمن بن هرمز، وذلك لو رأى إسناداً فيه عبد الرحمن بن هرمز وإسناداً آخر فيه الأعرج، يظن هذا شخصاً غير هذا، ففائدة معرفة ألقاب المحدثين هي دفع توهم أن يظن أن الشخص الواحد شخصين؛ وذلك فيما لو ذكر مرة باسمه وذكر مرة بلقبه، والأعرج ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن أبي هريرة].هو عبد الرحمن بن صخر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #105
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (102)


    - باب آخر وقت العشاء

    بيّن الشرع الحكيم وقت صلاة العشاء وأنها في وقت متأخر من الليل، ثم بعد ذلك خفف على هذه الأمة ورفع عنها المشقة.
    آخر وقت العشاء

    شرح حديث عائشة في آخر وقت العشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [آخر وقت العشاء.أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا ابن حمير حدثنا ابن أبي عبلة عن الزهري وأخبرني عمرو بن عثمان حدثني أبي عن شعيب عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة، فناداه عمر رضي الله عنه: نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما ينتظرها غيركم، ولم يكن يصلى يومئذ إلا بالمدينة، ثم قال: صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل)، واللفظ لـابن حمير].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب: آخر وقت العشاء. هذه الترجمة هي كالتراجم السابقة بالنسبة لأوقات الصلوات، يذكر النسائي أول الوقت وآخره، وكذلك ما يتعلق بالتعجيل، وما يتعلق بالتأخير إذا كان هناك تأخير، كما في صلاة العشاء التي سبق أن مر الباب الذي فيه استحباب تأخيرها، حيث لا يكون هناك مشقة، وهنا قال: (باب: آخر وقت العشاء)؛ لأنه يترجم لأول الوقت ولآخر الوقت، وقد أورد النسائي رحمه الله تحت هذه الترجمة عدة أحاديث.أولها: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أعتم ليلة بالعتمة -والعتمة هي العشاء-). قوله: (أعتم ليلة) يعني: أخرها عن أول وقتها إلى آخر وقتها، أو إلى قريب من آخر وقتها، حيث جاء في هذا الحديث أنه أخرها إلى ثلث الليل، يعني: بعد أن مضى ثلث الليل صلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما أعتم بالصلاة؛ أي: أخرها، ونام النساء والصبيان نادى عمر رسول الله عليه الصلاة والسلام وطلب منه أن يصلي، وأخبره بأن النساء والصبيان ناموا، فالرسول عليه الصلاة والسلام خرج إليهم وصلى بهم، فقال: (ما ينتظرها غيركم) أي: هذا شرف لكم؛ يعني: كونكم أنتم الذين تنتظرون الصلاة، ولازلتم في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ففي ذلك فضل، وفي ذلك زيادة أجر؛ لأن المصلي إذا جاء إلى المسجد وجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، ففي ذلك فضل له، وفي ذلك أجر عظيم له، وفيه زيادة في الأجر، حيث أن كل وقت يمضي عليه وهو ينتظر الصلاة فهو في صلاة، أي: أنه مأجور كما أنه يكون مأجوراً إذا كان في الصلاة. وقوله: (نام النساء والصبيان) يحتمل أن يكون المراد أنهم كانوا موجودين في المسجد، ويحتمل أن يكونوا في البيوت، ومن المعلوم: أنه قد جاء في بعض الأحاديث: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدخل في الصلاة يريد أن يطول بها، ثم يسمع بكاء الصبي الذي حضر مع أمه إلى المسجد، فيخفف الصلاة شفقة على أمه )؛ حتى لا تنشغل به، وحتى لا يحصل لها تشويش في صلاتها بسبب بكاء طفلها، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يدخل في الصلاة يريد التطويل، ثم يسمع بكاء الصبي فيخفف خوفاً على أمه، وشفقة على أمه عليه الصلاة والسلام، فيحتمل أن يكون النساء والصبيان جاءوا إلى المسجد، ويحتمل أن يكونوا في البيوت والنساء ينتظرن أزواجهن، والصبيان ينتظرون آباءهم، ويحتمل أن يكون الجميع مقصوداً؛ بحيث يكون من كان في المسجد من النساء والصبيان حصل لهم النوم، ومن كان في البيوت أيضاً من النساء والصبيان يكون حصل لهم النوم؛ لأنه مضى وقت طويل من الليل.وقوله: (نام النساء والصبيان) يعني: يريد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحصل منه الصلاة؛ لأنه قد حصل النوم للنساء والصبيان، بل قد جاء في بعض الأحاديث: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخر الصلاة قال -في الحديث- نمنا ثم قمنا، ثم نمنا ثم قمنا )؛ يعني: أنه يحصل حتى من الكبار، فيحصل لهم النوم وهم ينتظرون الصلاة.وقوله: (صلوها فيما أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل).هنا أرشد عليه الصلاة والسلام إلى وقتها، فقال: (صلوها فيما أن يغيب الشفق)؛ الذي هو بداية وقت صلاة العشاء، ثم قال: (إلى ثلث الليل)، وقد جاء في أحاديث أخرى صحيحة أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى نصف الليل، فتكون النهاية هي نصف الليل، أي: نهاية الوقت الاختياري، أما الوقت الاضطراري فإنه يستمر بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في آخر وقت العشاء
    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو الحمصي، وهو صدوق، وخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.[حدثنا ابن حمير].هو محمد ، وهو أيضاً صدوق، خرج له البخاري في صحيحه، وأبو داود في كتاب المراسيل، والنسائي .[ابن أبي عبلة].هو شمر بن يقظان بن أبي عبلة الشامي، وهو ثقة، وخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .[عن الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، فـقصي وزهرة أخوان، فهو ينسب إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب، وهو مشهور بهاتين النسبتين؛ إلى جده زهرة، وإلى جده كلاب، وهو إمام، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عمرو بن عثمان].عمرو بن عثمان هذه طريق أخرى، وإسناد آخر، فـعمرو بن عثمان هو شيخه في الإسناد الأول.[حدثني أبي]هو عثمان بن سعيد بن كثير، وهو ثقة، عابد، وخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ يعني: مثل ابنه، فالذين رووا عنه هم الذين رووا عن ابنه عمرو بن عثمان.[عن شعيب].هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، ثبت، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهنا يلتقي الإسنادان؛ يعني: بـالزهري.[عن عروة].هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة في المدينة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير هذا، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أو سالم بن عبد الله بن عمر، السابع فيه ثلاثة أقوال، والستة الأولون متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وإنما الخلاف في السابع، وعروة بن الزبير الذي معنا هو أحد هؤلاء الفقهاء السبعة. وقد ذكر ابن القيم في كتابه: (إعلام الموقعين) -في أوله- العلماء المعروفين بالفقه، والذين يرجع إليهم بالفتوى في البلاد المختلفة في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولما جاء عند ذكر المدينة وجاء إلى عصر التابعين ذكر أن من الفقهاء فيها في عصر التابعين هؤلاء الفقهاء السبعة الذين اشتهروا بهذا الوصف، ويأتي ذكرهم بهذا الوصف في بعض المسائل، فيقال: هذه مسألة قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، الأئمة الأربعة يعني: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والفقهاء السبعة الذين هم هؤلاء، وقد ذكر ابن القيم بيتين من الشعر، اشتمل البيت الثاني على هؤلاء السبعة، حيث قال:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةفذكر أسماءهم في البيت الثاني، وعد السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهذا -كما ذكرت- أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، فمن العلماء من جعل السابع: أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم من جعل السابع: أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ومنهم من جعل السابع: سالم بن عبد الله بن عمر، وقد ذكر ذلك العلماء في المصطلح، يعني: هؤلاء الفقهاء نصوا عليهم في المصطلح، وقد ذكرهم ابن الصلاح في مقدمته، وذكر الفقهاء السبعة والمختلف فيهم، وكذلك ذكرهم غيره، وهم قد اشتهروا بهذا الوصف الذي هو الفقهاء السبعة.قوله: [عن عائشة].يروي خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هي المرأة الوحيدة من الصحابيات التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدوها ضمن السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفزوجة النبي عليه الصلاة والسلام المقصود بها: عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وسبعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ستة من الرجال وواحدة من النساء، زادت أحاديثهم على ألف حديث.
    شرح حديث: (أعتم رسول الله ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل... وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج قال ابن جريج ح وأخبرني يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني المغيرة بن حكيم عن أم كلثوم بنت أبي بكر : أنها أخبرته عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)].ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء حتى ذهب عامة الليل )، أي: ذهب معظمه، ويحتمل أن يكون المقصود منه النصف فما دون، ويحتمل أن يكون فيه زيادة، لكن الأحاديث المختلفة جاءت بالتحديد بالنصف، ومنها ما كان فيه التحديد بالثلث، وحديث عائشة رضي الله عنها جاء في بعض الروايات، وهي الروايات المتقدمة أنه إلى ثلث الليل، وهنا قال: (عامة الليل)، فيكون الحد الذي ثبت بالنص هو النصف، فيحمل أن يكون عامته، يعني: الكثير منه، ويحتمل أن يكون فيه زيادة، لكن الحديث روي بألفاظ مختلفة، وفي بعض الألفاظ التنصيص على الزمن وأنه الثلث، وهي الرواية السابقة التي قبل هذه.إذاً: فالحديث دال على ما ترجم له من تأخير صلاة العشاء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخرها، وكان يستحب تأخيرها، لولا ما يخشاه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه من المشقة على أمته.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أعتم رسول الله ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل... وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن].هو أبو الحسن المصيصي، وهو ثقة، وخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، وهكذا هو موجود في النسخة المصرية، لكن الموجود في تهذيب الكمال هو ذكر أبي داود، والنسائي فقط، وصاحب تهذيب الكمال ينص على من خرج لهم بالأسماء، ولم يذكر فيه ابن ماجه في التفسير، فلا أدري هل هذه الزيادة التي هي ابن ماجه في التفسير خطأ؟ وأن الواقع هو ما جاء في تهذيب الكمال؟ أو أن ذلك صحيح، وأنه مما أضافه ابن حجر على ما في تهذيب الكمال؟ فلا ندري ما هي الحقيقة، ولكن الأمر في ذلك سهل، فـابن ماجه في السنن لم يرو له، وإنما الشأن هل روى له في كتاب التفسير أو لم يرو له؟ أما في السنن فإنه -ابن ماجه- لم يخرج له شيئاً، الذي هو إبراهيم بن الحسن المصيصي أبو الحسن، وكنيته توافق اسمه أبيه، وهذا من أنواع علوم الحديث الذي سبق أن نبهت فيها على أن معرفة ذلك له فائدة، وهي دفع توهم التصحيف فيما إذا ذكر بنسبه فيقال: ابن، أو ذكر في كنيته فيقال: أب؛ لأنه صواب، سواء قيل: إبراهيم أبو الحسن، أو قيل: إبراهيم بن الحسن، الكنية توافق اسم الأب، فهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فائدة معرفته دفع توهم التصحيف؛ لأن أبو مصحف عن ابن، أو ابن مصحف عن أب. [حدثنا حجاج].هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، ثبت، وخرج له أصحاب الكتب الستة.[قال ابن جريج].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ح وأخبرني يوسف بن سعيد].يوسف بن سعيد، وهو أيضاً مصيصي، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا حجاج].وهو الذي في الطريق الأولى: حجاج بن محمد المصيصي .[أخبرني المغيرة بن حكيم].هو المغيرة بن حكيم الصنعاني، وهو ثقة، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي.[عن أم كلثوم بنت أبي بكر].هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وقيل عنها: أنها توفي أبوها وهي حمل، يعني: وهي في بطن أمها، وهي ثقة، وخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وابن ماجه، والنسائي .[عن عائشة].هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن عمر في آخر وقت العشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن منصور عن الحكم عن نافع عن ابن عمر أنه قال: (مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشاء الآخرة، فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فقال حين خرج: إنكم تنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام، ثم صلى)].ثم أورد النسائي رحمه الله حديث: عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو بمعنى حديث عائشة المتقدم: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ليلة حتى ذهب ثلث الليل أو بعده، ثم خرج إليهم وقال: ما ينتظرها أحد سواكم، وأمر المؤذن فأقام، ثم صلى بالناس ) فهو دال على تأخير صلاة العشاء، ولكن آخر الوقت المختار ليس هو الثلث، بل هو إلى النصف.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في آخر وقت العشاء
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه ، وهو ثقة، ثبت، فقيه، محدث، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من القلائل الذين وصفوا بهذا الوصف، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[أنبأنا جرير].هو ابن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن منصور].هو ابن المعتمر، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الحكم].هو ابن عتيبة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن نافع] .هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عمر].ابن عمر هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فهؤلاء الذين هم رواة هذا الإسناد كلهم خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي: إسحاق بن راهويه، فإنه لم يخرج له ابن ماجه، وأما الباقون فكلهم خرج له في الكتب الستة.
    شرح حديث أبي سعيد في آخر وقت العشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم لم يخرج إلينا حتى ذهب شطر الليل، فخرج فصلى بهم، ثم قال: إن الناس قد صلوا وناموا، وأنتم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل)].هنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو بمعنى ما تقدم من الأحاديث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر وخرج إليهم وقال: (ولولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم، لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل)؛ يعني: إلى نصفه، فهو بمعنى الأحاديث المتقدمة، وهو دال على ما ترجم له النسائي .
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في آخر وقت العشاء
    قوله: [أخبرنا عمران بن موسى].هو الفزاري البصري، وهو صدوق، وخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له أبو داود، والبخاري، ومسلم.[حدثنا عبد الوارث].هو ابن سعيد، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا داود].هو داود بن أبي هند، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي نضرة].هو المنذر بن مالك، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي سعيد الخدري].هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين مر ذكرهم عند ذكر عائشة، وعند ذكر ابن عمر.
    شرح حديث أنس في آخر وقت العشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل ح وأنبأنا محمد بن المثنى حدثنا خالد حدثنا حميد قال: (سئل أنس: هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً؟ قال: نعم، أخر ليلة صلاة العشاء الآخرة إلى قريب من شطر الليل، فلما أن صلى أقبل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بوجهه، ثم قال: إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه. في حديث علي: إلى شطر الليل )].ثم أورد النسائي حديث: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سئل: ( هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً؟ فقال: نعم )، وأورد الحالة التي شاهد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لبس الخاتم، فقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة، إلى قريب من شطر الليل، ثم خرج وصلى بهم، ولما انصرف إلى الناس بعد الصلاة قال أنس : كأني أنظر إلى وبيص خاتمه)، يعني: بعدما صلوا العشاء، وانصرف إلى الناس بوجهه، كان يرى خاتمه بيده صلى الله عليه وسلم، ويقول: (كأني أنظر إلى وبيص خاتمه)، والوبيص هو البريق واللمعان، وقوله: (وبيصه) يعني: بريقه ولمعانه، فأجاب بقوله: (نعم)، وذكر الهيئة التي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد لبس الخاتم، حيث كان شاهده بعد فراغه من صلاة العشاء التي أخر تلك الصلاة، وبعد انصرافه رأى خاتمه بيده وله وبيص، أي: بريق ولمعان.قوله -في حديث علي- : (إلى شطر الليل)، والحديث الذي قبله قال: (إلى قريب من شطر الليل).هذه رواية الشيخ الثاني، وهو: محمد بن المثنى؛ يعني: هذا اللفظ الذي هو: (إلى قريب من شطر الليل)، فهذا لفظ محمد بن المثنى، شيخه الثاني، وأما شيخه الأول علي بن حجر فلفظه: (إلى نصف الليل) أي: قريب من نصف الليل، يعني: فاللفظان مختلفان: لفظ علي : (شطر الليل)، ولفظ محمد بن المثنى : (قريب من نصف الليل).
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في آخر وقت العشاء
    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو السعدي المروزي، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي .[حدثنا إسماعيل].هو إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ح، وأنبأنا محمد بن المثنى].وهو الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.وسبق أن ذكرت أن ثلاثة من المحدثين وهم: محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي هؤلاء شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكان وفاة الثلاثة جميعاً في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ)؛ أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.[حدثنا خالد].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حميد].هو ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك] أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة الذين عمروا، وحصل النفع بعلمهم، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن أنس وعن الصحابة أجمعين.
    الأسئلة

    حكم تأخير التسبيح الذي بعد الفريضة إلى ما بعد النافلة

    السؤال: هل يصح للإنسان أن يؤخر التسبيح الذي يقال بعد الفريضة إلى بعد السنة الراتبة؟الجواب: لا؛ لأن التسبيح هو تابع للصلاة، ويؤتى به دبر الصلاة، وليس للإنسان أن يؤخره إلى ما بعد النافلة، وإنما يأتي به في موطنه، ثم يأتي بالنافلة، لكن إذا كان هناك مثلاً صلاة تفوت، مثل صلاة الجنازة، ولم يفعل ذلك، فإنه يصلي على الجنازة، ثم يأتي بالتسبيح، أما كونه يقوم يتنفل، ثم يأتي بالتسبيح، فهذا إتيان به في غير موطنه، وعلى الإنسان أن يأتي به في موضعه، وهو بعد الصلاة؛ لأن هذه أذكار بعد السلام -بعد الفراغ من الصلاة- وقبل أن يأتي الإنسان بالنوافل.
    الفرق بين العقيدة والمنهج
    السؤال: فضيلة الشيخ! هناك كلام يدور حول العقيدة والمنهج، فيقال: فلان معتقده صحيح، ومنهجه فيه انحراف، فهل هذا التقسيم صحيح؟ فإذا كان هناك فرق بين المعتقد والمنهج، فأرجو أن تبينوا لنا معنى منهج أهل السنة والجماعة، وفي أي شيء يتعلق؟الجواب: المنهج كلمة عامة؛ تأتي ويراد بها العقيدة، أو الطريقة في العقيدة، أو المسلك في العقيدة، وتأتي ويراد بها ما هو أعم من ذلك، مثل الطريقة في عمل من الأعمال، مثل الدعوة، أو الطريقة في الدعوة هذا يقال له: منهج، فالمنهج أعم من العقيدة؛ لأن العقيدة يقال لها: منهج ومسلك، ويكون منهج أيضاً في غير العقيدة، فكلمة منهج أعم وأوسع من كلمة العقيدة.
    الكلام في نعيم بن حماد المروزي
    السؤال: ما حكم أهل الجرح والتعديل في الإمام الحافظ: أبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي؟ وما رأيكم في كتاب الفتن الذي ألفه من ناحية الرجال؟الجواب: كما هو معلوم فإن كتابه مبني على الأسانيد، ومادام أن الأسانيد موجودة فيحكم على الأحاديث باعتبار الأسانيد، و-كما هو معلوم- هو كغيره من الكتب التي تجمع الصحيح والضعيف، وأما نعيم بن حماد فهو من العلماء، وهو شيخ للبخاري .أي: أخرج له البخاري، ومسلم في مقدمة الصحيح، فالرمز ميم قاف، المراد به: مسلم في مقدمة صحيحه، ورمز البخاري خاء ميم قاف.
    اقتناء كتاب حلية طالب العلم
    السؤال: بالنسبة لكتاب الشيخ بكر أبو زيد حلية طالب العلم، هل تنصحون به أم لا؟الجواب: كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد هو كتاب مفيد، وكتابات الشيخ بكر أبو زيد مفيدة، وله عناية بالاطلاع على كلام العلماء والرجوع إلى المصادر، ومن المعلوم أن هذا من أهم ما يحتاج إليه طالب العلم؛ لأن الناس بحاجة إلى كلام العلماء، وطالب العلم إذا عني بكلام العلماء خدم طلبة العلم بأن جمع لهم المتناثر، وقرب لهم البعيد، وجعل كلام أهل العلم بين أيديهم، فجمع كلام أهل العلم في المسائل، أو في موضوعات معينة، وحصرها وجمع شتاتها، فهذا من أحوج ما يكون إليه، وهو خير من كلام الإنسان نفسه، فعندما يتكلم الإنسان بكلام من نفسه ينشئ خير منه وأفضل منه إذا عني بكلام العلماء وبين كلام العلماء، فالشيخ بكر أبو زيد عنده عناية في الاطلاع على كلام أهل العلم وعلى جمع شتاته، ووضعه في مكان واحد، فهو كتاب مفيد وكتاباته مفيدة، وطالب العلم عليه أن يحرص على أن يكون قدوة طيبة، وأن يكون مجداً في الطلب، وأن يكون مخلصاً في القصد، وأن يكون حافظاً للوقت، وأن يعنى بكثرة القراءة والمراجعة، وأن يحرص على معرفة كلام أهل العلم المعتبرين المعتد بهم، فهذه من جملة الآداب التي يتأدب بها، وعلى طالب العلم أن يحرص على أن يكون متأدباً بها. السؤال: هل حلف الفضول منسوخ أم لا؟الجواب: لا أدري، وليس عندي علم في هذا.
    ما يترتب على من لم يبيت النية في الصيام
    السؤال: شخص لم يبيت النية في الليل بالصيام، هل يقضي هذا اليوم؟الجواب: ما هو الصيام، إذا كان نفلاً فلا يشترط تبييت النية، وإنما تبييت النية يكون بالفرض، سواء كان أداء أو قضاء، أداءً كأن يكون في أيام رمضان، أو قضاء إذا أراد أن يقضي أيام رمضان، فهذا لا بد من تبييت النية، ولا يكفي أن يصبح ولم يكن بيت النية، ولم يكن أكل شيئاً، فيقول: نويت الصيام، ويستمر ويقول: أنا صمت، فإن الفرض لا بد من تبييت النية؛ بحيث يكون من أول وقت الصيام إلى آخره، ولا يكون هناك جزء من اليوم ما حصلت فيه النية. إذاً: فلابد من التبييت النية في الفرض قضاء وأداء، فإذا كان هذا قضاء لفرض ولم يبيت النية، وإنما طرأ عليه الصيام من أثناء النهار فلا يجزئه ذلك، بل عليه أن يقضي ذلك.
    حكم لبس العمامة
    السؤال: ما الحكم في الأشياء التي يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم من قبيل العادة كلبس العمامة؟الجواب: لبس العمامة من هيئات لبسه عليه الصلاة والسلام، وكونه يكون عليه عمامة وهو يصلي هذا من الهيئة الكاملة، والإنسان عليه أن يكون على هيئة كاملة، لكنه لو صلى وليس على رأسه شيء فإن صلاته صحيحة وليس في ذلك شيء؛ لأنه ليس لازماً أن يكون الإنسان مغطياً رأسه، لكن الهيئة التي يكون عليها الإنسان ويعتبرها حالة كمال في غير الصلاة عليه أن يعنى بذلك في الصلاة من باب أولى.
    الكتب التي يبدأ بها طالب علم الحديث
    السؤال: ما هي أفضل الكتب التي ينبغي على طالب الحديث أن يقرأها؟ وبم تنصحه؟الجواب: كتب الحديث كثيرة، مثل: الصحيحين، والسنن الأربعة، وكذلك المسانيد، والمصنفات، والمعاجم، فكل كتب الحديث على طالب العلم أن يحرص على اقتنائها، مادام أنها بالأسانيد وكلها فيها الأسانيد، الإنسان يحرص على اقتناء الكتب، وأهم ما يبدأ به هذه الكتب الستة، التي هي الصحيحان والسنن الأربعة.
    حكم من نسي التشهد الأول
    السؤال: شخص ما نسي التشهد الأول، ثم عند قربه من القيام ذكر فجلس فما الحكم؟الجواب: إذا كان لم ينتصب قائماً ولم يدخل في الركعة التي بعدها، فإنه يجلس ويأتي به، أما إذا كان قام وانتصب قائماً ودخل في الركعة، فإنه يستمر في صلاته، ويجبر ذلك بسجود قبل السلام، كما جاء في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه: حيث صلى ركعتين ثم قام، وقبل أن يسلم سجد سجدتين للسهو قبل السلام.
    ما يلزم من أتم صيامه بعد قطع النية
    السؤال: إذا بيت النية، ثم نوى قطعها في قضاء واجب، ثم أتم صيامه، فهل عليه شيء؟الجواب: نوى قطعها متى؟ يعني: قبل الصيام أو بعد الدخول في الصيام؟ إذا كان بيت النية، ثم بيت قطعها؛ أي: كان يريد أن يصوم وبعد ذلك عزم على ألا يصوم، فكونه بيت أولاً في أول الليل قال: أنه سيصوم، ثم بعد ذلك طرأ عليه ألا يصوم، ثم نام واستيقظ بعدما طلع الفجر، فلا يقال: إنه بيت النية، لأنه قد نسخ التبييت؛ يعني: بالعزم على عدم الصيام، فلا يقال: إنه بيت النية، وإنما الذي يبيت النية هو الذي ينام ويستيقظ وقد دخل الوقت، فهذا هو الذي يواصل؛ لأنه مبيت للنية، أما من بيتها، ثم فسخها وألغاها ونام، فإنه نام غير مبيت للنية.
    حكم قطع الصيام الواجب
    السؤال: هل يأثم من أفطر وكان صائماً في واجب؟الجواب: لا شك أن من دخل في واجب ثم قطعه، فإن قطعه لا يجوز، وإنما الذي يمكن قطعه هو النفل، والأولى ألا يقطع إلا بأمر يقتضي ذلك، أما بالنسبة للفرض فالإنسان إذا دخله لا يقطعه.

    الفرق بين المحكم والمتشابه

    السؤال: ما هو المحكم والمتشابه؟الجوا ب: المحكم: هو الواضح البين الذي يتضح معناه ولا يخفى. وأما المتشابه: فهو الذي لا يعلمه كثير من الناس، وإنما يعلمه من عنده فهم وعنده علم، ويكون من المتشابه أيضاً من لا يعلم ما لا يعلمه الناس، مثل الحروف المقطعة في أوائل السور، فإن هذه لا أحد يعلم معناها والمراد بها، إنما الله تعالى أعلم بمراده بها، لكن المتشابه يعلمه، أو يمكن أن يعلمه بعض أهل العلم، ولهذا جاء في القرآن: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران:7]، و(الراسخون في العلم) هذه يحتمل أن تكون معطوفة على لفظ الجلالة، وعلى هذا يكون من العلماء من يعلم المتشابه، ويحتمل أن تكون مقطوعة وأن تكون استئنافاً، وأنها ليست معطوفة على لفظ الجلالة، ويكون معناها أنهم لا يعلمون المتشابه، وإنما يقولون: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، ويؤمنون به، وإن لم يعرفوا معناه، أو يعرفوا حقيقته التي هو عليها، فالمتشابه منه ما يعلمه بعض أهل العلم، ومنه ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، وأما المحكم فهو الذي يعلمه الكثير من الناس.
    حكم تلقين الميت عند الدفن
    السؤال: ما حكم تلقين الميت بعد موته ودفنه فوق القبر؟الجواب: ما ثبت في ذلك شيء، وإنما ورد فيه أحاديث ضعيفة، والتلقين إنما يكون قبل الموت؛ حيث هناك فائدة، كما جاء في الحديث: (لقنوا مواتكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، هذا هو الذي ينفعه التلقين؛ لأنه حتى يخرج من الدنيا بها، ولهذا قال: ( لقنوا مواتكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله ). أما من مات وانتهى فإنه أقدم على ما قدم، والختام قد انتهى بالموت، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالخواتيم)، وهذا الحديث قال: (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله)، آخر كلامه من الدنيا، وإذا مات قد انتهى من الدنيا، فتلقينه بعد الموت لا يصح، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التلقين بعد الموت، بل الثابت هو التلقين قبل الموت؛ لأن فيه فائدة؛ لأنه يخرج من الدنيا بكلمة الإخلاص، وهي التوحيد، يكون آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله.
    حكم زيارة بعض المشاهد في مكة والمدينة
    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز للحاج أو المعتمر أن يزور بعض المشاهد في مكة والمدينة بقصد الرؤية فقط، لا بقصد العبادة؟ وهل تكون من البدعة أم لا؟ جزاكم الله خيراً.الجواب: قضية كونه يذهب إلى قباء فهذه من الأمور التي تقصد تعبداً، لكن كونه يذهب إلى أحد، ويرى أحداً فلا بأس بذلك، لكن لا يكون قصده أنه يفعل أمراً مشروعاً، وإنما قصده يطلع على شيء لا يتيسر له أن يطلع عليه إلا في مثل هذه السفرة، لكن كونه يأتي أو يذهب إلى أماكن ما جاء نص، ويعتبر نفسه يتقرب إلى الله عز وجل طبعاً هذا من البدع.وإذا كان للمشاهدة والاطلاع، وليس المقصود من ذلك أن التعبد، فهذا لا بأس به.
    الصلاة خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم
    السؤال: أحياناً نصلي في المسجد النبوي في مكان متجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فما حكم ذلك؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يقصد الاتجاه إلى القبر الشريف في الصلاة؛ بأن يأتي ويبحث عن مكان وراء القبر فيصلي فيه مثلما هو موجود في دكة، الذي يقال لها: دكة الأغوات، يأتي أناس ويتركون الصفوف الأولى ويجلسون عليها ويصلون خلف القبر، فهؤلاء متعمدون مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)، فالإنسان الذي يترك الصف الأول ويترك الصفوف ويختار مكاناً يستقبل فيه القبر؛ لأن القبر أمامه، هذا عاص للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تصلوا إلى القبور)، وقد جاء في صحيح البخاري : ( أنه كان دخل وصلى وهو في مكان من الأمكنة وكان أمامه قبر، فصاح به -لا أدري أهو عمر أو غيره- القبر القبر ). يعني: معناه القبر أمامك لا تصلي إليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور)، وقوله: (القبر القبر)، يعني: معناه تنفير وتحذير. أما إذا كان الإنسان في مكان بعيد، ولا يدري هل هو وراء القبر أو ليس بوراء القبر فهذا معذور، وإنما المحذور هو أن الإنسان يبحث عن المكان الذي يكون فيه وراء القبر ويختاره للصلاة فيه، فهذا فيه تعمد معصية الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تصلوا إلى القبور).
    التفقه في الأحكام الشرعية ودعوة الناس إلى ذلك
    السؤال: يا شيخ! بعض الشباب لا يهتموا بالعلم الواجب كأحكام الوضوء والصلاة والطهارة، وغير ذلك، وإذا دعوناهم إلى العلم يقول البعض: إنه ينفرهم؟الجواب: ماذا عندهم من الدين إذا ما عرفوا أحكام الوضوء، وما عرفوا طريقة الوضوء؟! الوضوء شرط من شروط الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمعرفة الوضوء مثل معرفة الصلاة؛ يعني: هذا شرط وهذا مشروط، وتعلم العلم ومعرفة أحكام الدين، فهذا هو المطلوب؛ حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وكيف يكون التنفير بالدعوة إلى معرفة الأحكام الشرعية وإلى تعلم العلم، حتى يكون الإنسان يعبد الله على بصيرة، ومن المعلوم أن العبادة المقبولة عند الله لها شرطان أساسيان لا بد منهما: أن يكون العمل لله خالصاً، وأن يكون لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مطابقاً وموافقاً، ولا يكون مطابقاً وموافقاً إلا إذا عرف الأحكام الشرعية وعمل بها، فعند ذلك يكون مطابقاً وموافقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #106
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (103)


    - (باب الرخصة في أن يقال للعشاء العتمة) إلى (باب أول وقت الصبح)
    الصلوات الخمس تضاف إلى أوقاتها، فصلاة العشاء مضافة إلى وقت العشاء؛ لأنها تؤدى فيه، ويقال لها أيضاً: العتمة، إلا أن هذا اللفظ مكروه، وأول الصبح حين يطلع الفجر وآخره عند الإسفار.
    الرخصة في أن يقال للعشاء: العتمة

    شرح حديث: (... ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في أن يقال للعشاء: العتمة.أخبرنا عتبة بن عبد الله قرأت على مالك بن أنس، ح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)].يقول النسائي رحمه الله: باب: الرخصة في أن يقال للعشاء: العتمة، جاء في بعض الأحاديث ما يدل على كراهة أن يقال لها: العتمة، وجاء في بعضها - وقد مر -: (التي تدعونها العتمة) وهذا يشعر بكراهية ذلك اللفظ، لكن جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إطلاق العتمة على العشاء، وهذا يدل على أن إطلاقها سائغ، ولكن الأولى أن يقال لها: العشاء كما سماها الله عز وجل بذلك بقوله: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58]، فإطلاق العشاء عليها هو اللفظ الذي جاء في القرآن، فاستعماله والإتيان به أولى من الإتيان بالعتمة، وإذا قيل في بعض الأحيان: العتمة، فإنه لا بأس بذلك.وهذه الترجمة عقدها المصنف النسائي رحمه الله لبيان جواز أن يقال لها: العتمة، وإن كان قول: العشاء، لها أولى. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الدال على فضل أمور متعددة، منها: الأذان، والصف الأول، ومنها: التهجير إلى الصلوات، ومنها: حضور الجماعة لصلاتي العشاء والفجر.يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) النداء المراد به: الأذان، وهذا يدل على فضيلة الأذان، وعلى استحباب أن يكون الإنسان مؤذناً إذا تيسر له ذلك؛ لأن فيه دعوة الناس إلى الخير، وفيه المحافظة على الصلاة، وحضور المساجد من أول أوائل أوقاتها، والمؤذن إذا أذن وجلس في المسجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، وهكذا كل من جاء مبكراً إلى المسجد، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، فالأذان فيه فوائد عدة، وفضيلته من أوجه متعددة:أولاً: كونه فيه الدعوة إلى الخير، ونداء الناس إلى الصلاة والفلاح، ولأن فيه أيضاً: التبكير، وحضور الجماعة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، والمؤذن يحصل على الفضيلتين: يحصل على الأذان، ويحصل على الصف الأول، ومن لم يحصل له الأذان، وحصل له الصف الأول فهذا من أهم المهمات، وكل من الاثنين - الذي هو الأذان والصف الأول - قال عنهما رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول -يعني: من الأجر- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، والاستهام: هو الاقتراع، يعني: يعملون قرعة، فكل واحد يقول: أنا السابق، وكل واحد يقول: أنا صاحب الحق، والطريقة الشرعية فيما إذا تساوى الناس، ولم يميز بعضهم على بعض، فإنه تستخدم القرعة، وهذا الحديث يدلنا على مشروعية القرعة، وأنها سائغة، وقد جاء في السنة أحاديث متعددة تدل على مشروعية القرعة، وهي: تمييز المتساوين في شيء، عندما يراد أن يميز بعضهم على بعض، فيميز من يكون الأول، ومن يكون متقدماً، ومن يكون وراءه.وقوله عليه الصلاة والسلام: (لاستهموا عليه)، يعني: لو لم يفصل بينهم إلا القرعة لصاروا إليها، وهذا يدل على فضيلة الصف الأول، وعلى الحث على المبادرة إلى الصلاة؛ ليحصل الإنسان على الصف الأول، وتحصيل الصف الأول الذي جاءت النصوص ببيان فضله يكون في حق من يأتي مبكراً، لا من يأتي متأخراً، ثم إذا جاء وقد امتلأ المسجد يتخطى رقاب الناس ويشق الصفوف، يريد أن يكون في الصف الأول، وهو ممن تأخر، فإن هذا قد آذى الناس حيث يتخطى رقابهم، وآذاهم حيث يضيق عليهم، وآذى نفسه حيث تسبب في الإضرار بالناس، فتناله مغبة ذلك ومضرة ذلك، ( والرسول عليه الصلاة والسلام لما كان يخطب ورأى رجلاً يتخطى رقاب الناس، قال له: اجلس فقد آذيت )، يعني: كونه يشق الصفوف وينتقل من صف إلى صف، فهو يؤذي الناس.قوله عليه الصلاة والسلام: ( ولو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه ) التهجير: هو التبكير إلى الصلوات، والمبادرة إليها، والمراد بذلك: الصلوات كلها، وقيل إن المراد به: المبادرة إلى صلاة الظهر؛ لأنها هي التي تكون في الهاجرة، التي هي عند منتصف النهار، لكن حمله على الصلوات كلها هو الأولى، وتكون صلاة الظهر كغيرها من الصلوات داخلة في هذا الذي حث عليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.والحديث يدلنا أيضاً على فضل صلاة الجماعة؛ لأن التهجير هو التبكير إلى المساجد، ودال أيضاً على فضل التبكير إلى المساجد؛ لأن من بكر فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    دلالة الحديث على الحث على صلاة العشاء جماعة وتسميتها بالعتمة
    ثم قال: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة لأتوهما) أي: أتوا هاتين الصلاتين في المساجد، قوله: (ولو حبواً) أي: حبواً على الركب، ولو كان عليهم مشقة ولا يستطيعون أن يصلوا إلا بالحبو على ركبهم فإنهم يفعلون ذلك، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الباب؛ لأنه أطلق على العشاء العتمة، قال: الصبح والعتمة، أي: العشاء.وهذا يدل أيضاً على الحث على صلاة الجماعة، والحث على هاتين الصلاتين، وهما: العشاء والفجر، وقد جاء في حديث آخر: ( أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر )، أي: الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أثقل من غيرهما؛ لأن العشاء تكون في أول الليل، عندما يكدح الناس في النهار ويتعبون وينصبون، ثم يأتون وهم بحاجة إلى النوم، فإنهم ينامون عن صلاة العشاء، فهي تأتي في أول الليل، ولهذا جاء في الحديث: (وكان يكره النوم قبلها)، أي: صلاة العشاء، وقد مر بنا قريباً، وذلك لأنه يؤدي إلى تفويت صلاة العشاء والفجر، لأنها تأتي في الوقت الذي طاب فيه النوم، واستغرق الإنسان فيه، وتلذذ في الفراش، فيثقل عليه أن يقوم من هذا الفراش، ومن هذا المكان الدافئ، ويخرج إلى البرد، وهذا شأن المنافقين.ثم قال: (ولو يعلمون ما فيهما من أجر، لأتوهما ولو حبواً)، وهذه طريقة المنافقين، أنها تثقل عليهم الصلوات، كما بين الله عز وجل ذلك عنهم في كتابه العزيز بقوله: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54].وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا سباقين إلى كل خير وحريصين على كل خير، رضي الله عنهم وأرضاهم، فكان الواحد منهم يصيبه المرض، ولا تسمح له نفسه أن يصلي في بيته مع شدة مرضه؛ لأنهم يعلمون أن الأجر العظيم هو في حضور الجماعة، ولهذا جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف، يعني: أن الواحد منهم يؤتى به يهادى بين الرجلين لمرضه، حتى يقام في الصف أو يجلس في الصف؛ لأنه لا يستطيع أن يأتي مشياً بمفرده، بل يحتاج إلى من يعضده من يمينه ومن شماله، فهذا هو شأن الذين وفقهم الله عز وجل، ويعلمون ما لحضور الجماعة من الأجر، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً)، هذا من فضل الله عز وجل، أن الإنسان إذا كان محافظاً على الصلوات ومحافظاً على الأعمال، ثم حصل له مرض أو سفر، فإن الله تعالى يُجري له ذلك الثواب في حال مرضه وفي حال سفره، مثلما كان في حال إقامته وفي حال صحته وعافيته، وهذا من فضل الله وكرمه وجوده وإحسانه على عباده. فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبواً)، أي: أتوا إلى الصلاتين في المساجد ولو حبواً على ركبهم، و(حبواً) خبر لكان المحذوفة مع اسمها؛ لأن كان تحذف هي واسمها في بعض الأحيان، ومنها هذا الموضع، (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة لأتوهما) أي: ولو كان إتيانهما حبواً، فحذفت كان واسمها وبقي خبرها، وهذا سائغ في اللغة، ومنه ما جاء في هذا الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن هذا فيه إبقاء خبر كان مع حذفها وحذف اسمها.وقد جاء في ذلك الحديث الذي ذكرته: (أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، أي: لو كان هناك في المسجد شيء يقسم من أمور الدنيا، لحضروا إلى المساجد من أجل أن يأخذوا نصيبهم من الدنيا؛ لأن رغبتهم في الدنيا وليس رغبتهم في الآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم -أي: المنافقون- أنه يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، أي: لو يعلم أحدهم أن في المسجد لحم يوزع، لجاء إلى المسجد، ليحصل هذه الدنيا، مع أن ثواب الآخرة خير وأبقى، والإنسان يأتي يرجو ما عند الله، ويرجو الثواب عند الله، هذا هو الباقي، وهذا هو الذي ينفع صاحبه، فهم ليس همهم الآخرة، وإنما همهم الدنيا، والعرق: هو العظم الذي عليه بقية لحم، أو مرماتين حسنتين يعني: ضلعين بينهما شيء من اللحم، أو ظلفين بينهما شيء من اللحم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً)
    قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله].هو اليحمدي المروزي، وهو صدوق خرج له النسائي وحده. [قرأت على مالك بن أنس].وهو إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة المشهورة، التي كان لها أصحاب عنوا بتدوينها وبجمعها، وكما هو معلوم: هناك أئمة فقهاء غيرهم، لهم أقوال ولهم اجتهادات، لكن ما حصل لهم مثلما حصل لأصحاب المذاهب الأربعة، أصحاب يعنون بها وبتدوينها وبالتفريع عليها، وما إلى ذلك مما يلزم في خدمتها وتدوينها، وهؤلاء الأربعة ومنهم الإمام مالك رحمة الله عليه، حصل لمذاهبهم ولأقوالهم عناية من أصحابهم الذين عنوا بجمع كلامهم، وترتيبه، وتنظيمه، وتفصيله، وتوضيحه، وما إلى ذلك مما يتعلق بخدمته، وهو محدث فقيه، إمام مشهور، وكنيته أبو عبد الله، كما أن الشافعي كنيته أبو عبد الله، والإمام أحمد كنيته أبو عبد الله، فثلاثة من أصحاب المذاهب يكنون بأبي عبد الله، والشافعي يروي عنه الإمام أحمد، فـأحمد روى عن الشافعي، والشافعي روى عن مالك.وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر هؤلاء الثلاثة في إسناد، وهو حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، وهو في مسند الإمام أحمد، وقد رواه عن الشافعي، والشافعي رواه عن الإمام مالك، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عند قوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، ثم قال: وهذا حديث عزيز اجتمع فيه - عزيز: يعني نادر، ليس عزيزاً في الاصطلاح الذي جاء من طريقين، وإنما أراد بالعزة: الندرة، وكذلك القوة من حيث قوة الإجازة - ثلاثة من أصحاب المذاهب المشهورة. والإمام مالك خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسلة التي قال عنها البخاري: إنها أصح الأسانيد، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر .[ح والحارث بن مسكين]. هنا ما قال: وأخبرني الحارث بن مسكين، أي: وحدثني الحارث بن مسكين؛ لأن النسائي أحياناً يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وأحياناً يقول: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، فقد قيل في هذا: أن للنسائي مع الحارث بن مسكين حالتين: حالة جرى بينه وبينه وحشة، فمنعه من أن يأخذ عنه، فكان يأتي من وراء الستار ويسمع، والحارث لا يدري، ثم يروي عنه بالإسناد، وفي هذه الحالة لا يقول: حدثني، ولا يقول: أخبرني؛ لأنه ما قصد تحديثه ولا إخباره، بل منعه، فكان يترك أن يعبر بـ(حدثني) و(أخبرني) وفي بعض الحالات كان قد أذن له، وزال ما بينه وبينه من الوحشة، فكان يأخذ عنه، وفي تلك الحال يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، فهذا الفرق بين ما جاء فيه: أخبرني الحارث، وبين ما جاء فيه الحارث بن مسكين بدون أخبرنا. والحارث بن مسكين هو المصري، وهو ثقة فقيه، خرج له أبو داود والنسائي .[عن ابن القاسم].هو عبد الرحمن بن القاسم، وهو صاحب الإمام مالك، وهو مصري، ثقة، فقيه، خرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي . ولم يخرج له مسلم، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه، ولا أبو داود في السنن.[حدثني مالك عن سمي].وهنا التقى الطريقان: طريق عتبة بن عبد الله عن مالك، وطريق الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم، التقت الطريقان في الإمام مالك رحمه الله، ثم اتحد الطريقان بعد ذلك.وسمي هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي صالح].وهو ذكوان السمان، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره أحياناً باسمه، واسمه ذكوان السمان، قيل: إنه كان يبيع السمن، فقيل له: السمان، نسبة إلى بيع السمن، ويأتي ذكره كثيراً بكنيته، وهو كثير الرواية عن أبي هريرة، وذكوان السمان ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واسمه عبد الرحمن بن صخر في أصح الأقوال في اسمه واسم أبيه، وهو المعروف بكثرة الحديث عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
    الكراهية في أن يقال للعشاء: العتمة

    شرح حديث: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه... وإنها العشاء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الكراهية في ذلك.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود هو الحفري عن سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه، فإنهم يُعتمون على الإبل وإنها العشاء) ].أورد النسائي رحمه الله الترجمة، وهي: الكراهية في ذلك. يعني: كراهية إطلاق العتمة على العشاء.والباب الأول يدل على جواز أن يقال لها: العتمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها: العتمة، حيث قال: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة...) أي: في العشاء والفجر، فأطلق على العشاء أنها العتمة، وهذه الترجمة تدل على كراهة ذلك.والمقصود من ذلك أن الأولى أن يطلق عليها العشاء؛ لأن الله تعالى أطلق عليها العشاء في كتابه، وكثيراً ما جاء ذكرها في السنة، وإن كان قد جاء ذكر العتمة في بعض الأحاديث، إلا أن ما أورده المصنف هنا، وما سبق أن مر في بعض الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام: (التي تدعونها العتمة) لأن قوله: (التي تدعونها العتمة)، يشعر بأن الأولى عدم التعبير بهذا، فهذا هو المقصود من الترجمة.ثم أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه، فإنهم يعتمون على الإبل، وإنها العشاء)، يقال لها: العتمة؛ لأن العتم أو العتمة هي الظلام أو شدة الظلام، فقال: (لا تغلبنكم الأعراب) لأنهم يطلقون عليها العتمة، والله عز وجل أطلق عليها في كتابه العزيز: العشاء، فلا تغلبنكم الأعراب على أن تكثروا من استعمال هذا الاسم، وتتركوا الاسم الذي سماها الله عز وجل به في كتابه العزيز، بل الذي ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، وهو أن يكون الإكثار من إطلاق العشاء، وإطلاق العتمة يكون قليلاً كما جاء في بعض الأحاديث، منها الذي مر: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة).فإذاً: فإطلاق العتمة عليها جائز، ولكن الأولى أن يكون التعبير عنها بلفظ العشاء؛ لأنه اللفظ القرآني الذي جاء في الكتاب العزيز.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه... وإنها العشاء)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده. [حدثنا أبو داود هو الحفري ].وهو الحفري، وقوله بعدها: هو الحفري، القائل لها هو ممن دون تلميذه؛ لأن تلميذه وهو أحمد بن سليمان الرهاوي قال: أخبرنا أبو داود فقط، وما زاد على هذه الكلمة، لكن من دونه وهو النسائي، أو من دونه عندما أرادوا أن يوضحوا من هو أبو داود قالوا: هو الحفري. والحفري نسبة إلى موضع بالكوفة، يقال لها: الحفر بالحاء والفاء المفتوحتين.وهو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، وأبو داود الحفري ثقة، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وفي طبقتهم أبو داود الطيالسي، يعني: النسائي روى عنه بواسطة، وهذا يروي عنه بواسطة، فقوله: (هو الحفري) حصل به التمييز والإيضاح.[عن سفيان].وهو الثوري، وأبو داود الحفري يروي عن سفيان الثوري، وهما من بلد واحد، يعني: من الكوفة. وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق، الإمام، المحدث، الفقيه، الحجة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكانوا يميزون بين الرجال في قوة الحفظ، والتمكن من الحفظ، بأن يعدوا أخطاءه وأغلاطه، يعني: إذا أرادوا أن يعرفوا أي الاثنين أشد تمكناً، وأشد تثبتاً، وأعظم حفظاً، يعرفون ذلك بِعدِّ أخطاء هذا وأخطاء هذا، فإذا جمعوا أخطاء هذا وأخطاء هذا، ووازنوا بينها، من كان أقل خطأً اعتبروه أثبت وأحفظ من الثاني، وسفيان الثوري هذا من الحفاظ المتقنين، الذي وصف بهذا الوصف الرفيع، واللقب العالي، وهو لقب أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن أبي لبيد].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.[عن أبي سلمة].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن السابع من الفقهاء السبعة في المدينة قيل فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا، والثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. فأبو سلمة هذا هو سابع الفقهاء السبعة في أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.قوله: [عن ابن عمر رضي الله عنهما].وهو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل المعروف بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي
    حديث: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن ابن عيينة عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء) ].وهنا أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه زيادة أن ذلك كان على المنبر، يعني: قال لهم هذه المقالة وهو على المنبر، وهو بمعنى الحديث الذي قبله وبلفظه تقريباً. قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو سويد بن نصر المروزي، راوية عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[حدثنا عبد الله بن المبارك].وهو المروزي أيضاً، وهو: ثقة، إمام، حافظ، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من خصاله وصفاته، وقال بعدها: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عيينة].وهو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن أبي لبيد].ثم بعد ذلك يتفق الإسناد مع الإسناد الذي قبل هذا.
    أول وقت الصبح

    شرح حديث: (صلى رسول الله الصبح حين تبين له الصبح)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أول وقت الصبح.أخبرنا إبراهيم بن هارون حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح حين تبين له الصبح)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: باب أول صلاة الصبح. وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح)، يعني: تبين له ضوء الفجر، وهو الضوء الذي يأتي معترضاً في الأفق، ثم يتزايد حتى تطلع الشمس، فلما تبين له الصبح صلى الصبح التي هي الفجر، وهذا يدل على أنه صلاها في أول الوقت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله الصبح حين تبين له الصبح)

    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن هارون].هو البلخي، وهو صدوق أخرج له الترمذي في الشمائل والنسائي.[حدثنا حاتم بن إسماعيل].وهو صدوق يهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين].وهو المعروف بـالصادق، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يقدسونهم ويعظمونهم، بل يغلون فيهم، ويجعلون الواحد منهم أفضل من الملائكة والنبيين، وقد قال هذا كبيرهم الذين هلك قبل ثلاث سنوات، وهو الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية، وفي الصفحة الثانية والخمسين منه قال: (وإن من ضروريات مذهبنا، أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، وأهل السنة لا يغلون ولا يجفون، لا يتجاوزون الحدود ولا يقصرون، وإنما ينزلون الناس منازلهم، ولكن من يكون من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يحبونه لتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـجعفر هذا رحمة الله عليه هو أحد أئمة أهل السنة، وهو صدوق، فقيه، خرج له البخاري في كتاب الأدب المفرد، وخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبيه].وهو محمد بن علي بن الحسين المشهور بـالباقر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وأما الرافضة فإنهم يقولون في جعفر وأبيه محمد، وجده علي، وأبي علي الحسين، وأبي الحسين علي، يقولون: هؤلاء معصومون، لا يسهون، ولا يغفلون، ولا يخطئون، بل يعتبرونهم أفضل من الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وهذه الكلمة التي قلتها ليست مقالة جاهل من جهالهم، أو غير متمكن في مذهبهم، بل زعيمهم الأكبر، وآيتهم العظمى، فهو الذي يقول هذه المقالة الفاجرة الكاذبة، التي هي أبعد ما تكون عن الحق والصواب.[أن جابر بن عبد الله].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة من الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
    شرح حديث أنس في وقت الصبح
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الغداة، فلما أصبحنا من الغد أمر حين انشق الفجر أن تقام الصلاة فصلى بنا، فلما كان من الغد أسفر، ثم أمر فأقيمت الصلاة فصلى بنا، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ ما بين هذين وقت) ].أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الغداة) يعني: الفجر، فصلى في يوم من الأيام (حين انشق الفجر) يعني: حين طلع الفجر صلى ثم في اليوم التالي لما أسفر جداً صلى (ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة؟ ما بين الوقتين وقت) يعني: ما بين هذه البداية والنهاية وقت، يعني: أي وقت صليت من هذا الزمن إلى هذا الزمن فكل ذلك وقت لها.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس في وقت الصبح

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي .[حدثنا إسماعيل].وهو ابن جعفر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حميد].وهو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، يدلس، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته أنه مات وهو قائم يصلي.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #107
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (104)


    - (باب التغليس في الحضر) إلى (باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح)

    حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة جماعة في وقتها ورتب على ذلك الأجر والثواب، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التبكير إلى الصلاة وأداءها في أول وقتها يكون أفضل وأولى من تأخيرها، وأرشدنا إلى أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها فقد أدرك الصلاة.
    التغليس في الحضر

    شرح حديث: (إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التغليس في الحضر.أخبرنا قتيبة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب: التغليس في الحضر. المراد من ذلك التغليس لصلاة الصبح في الحضر؛ يعني: في حال الإقامة، فالتغليس: هو الإتيان بصلاة الفجر في أول وقتها، فيأتي بها بغلس، يعني: بالظلام، هذا هو التغليس، وكذلك أيضاً الصلوات الأخرى يؤتى بها في أول وقتها؛ لأن الصلاة في أول الوقت مبادرة إلى الخير، ومبادرة إلى أداء الواجب، وحرص على أداء ما فرض الله عز وجل.وعرفنا -فيما مضى- أنه في حال شدة الحر يبرد لصلاة الظهر، وأن صلاة العشاء تؤخر ما لم يكن هناك مشقة على الناس، وإلا فإنه يبكر بها ويبادر بها. وقد أورد النسائي حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)؛ يعني: أنهن يحضرن الجماعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يذهبن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس؛ أي: أنه ما حصل ظهور الضياء الشديد الذي يحصل به التبين والتعرف على الإنسان، فهذا يدلنا على التبكير بصلاة الصبح، وعلى حضور النساء الصلاة في المساجد، وعلى أنهن يتسترن إذا خرجن، فالتلفع هو: التلفف، ويكون ذلك أيضاً بتغطية الرءوس؛ لأن التلفف قد يكون بتغطية الرءوس وقد يكون بغيرها، لكن التلفع فيه تلفف مع تغطية الرأس.ومن المعلوم: أن كونهن ينصرفن وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس، معنى هذا أن الصلاة قد فرغ منها والغلس موجود، أي: الظلام، وهذا يدل على التبكير لصلاة الفجر، وهو مطابق لما ترجم له المصنف.وأما ذكر الحضر فهو عند ذكر النساء وأنهن يحضرن الصلاة وينصرفن متلفعات بمروطهن إلى منازلهن فهذا إنما يكون في الحضر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، وصاحب المذهب المعروف المشهور، وأحد الأئمة الأربعة الذين دونت مذاهبهم، واعتني بأقوالهم، وصار لهم أصحاب عنوا بها وقاموا بتدوينها. لكن هذا لا يعني أن غير الأئمة الأربعة ليس مثلهم في الفقه وفي العلم، بل من العلماء من هو في زمانهم وقبل زمانهم من هو متمكن، وهناك من هو مثلهم، ومن هو مجتهد في الفقه، ولهم أقوال، إلا أنه ما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة؛ أي: لا يوجد لديهم أصحاب يعنون بجمع كلامهم وجمع فقههم وتدوينه وترتيبه والعناية به، وهذا لا يعني أن الحق محصور في أقوال الأئمة الأربعة، ولكن الأئمة الأربعة مجتهدون، وهم إما مجتهدون مصيبون أو مخطئون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، فاللائق بطالب العلم هو محبتهم، والثناء عليهم، والاستفادة من علمهم، لكن لا يلتزم الإنسان بقول واحد منهم؛ لأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يقال هذا حتى في حق الخلفاء الراشدين، لكن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أكثر صواباً من غيرهم، ولكن لا يعني هذا أن الواحد منهم معصوم لا يخطئ، ولكنه سواء أصاب أم أخطأ فهو مأجور، وكذلك أصحاب المذاهب الأربعة رحمة الله عليهم هم مجتهدون، ولا يعدم كل واحد منهم الأجر أو الأجرين؛ كما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد).إذاً: فطالب العلم والمسلم أيضاً عليه أن يعنى بمعرفة الحق بدليله، ويستفيد من كلام العلماء، فيرجع إلى كلام العلماء، لكن هذا لا يعني أن يقول: الحق مع فلان، وأنا ألتزم بقول فلان، ولا أخرج عن قول فلان، بل عليه أن يرجع إلى كلام أهل العلم، وأن يسأل أهل العلم، وأن يعرف الحق بدليله، وإذا ثبت الدليل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه لا يجوز لأحد أن يتركه، وهذه هي وصية الأئمة الأربعة، ولذلك فكل واحد منهم أوصى بأنه: إذا وجد حديث صحيح بخلاف ما قاله واحد منهم فإنه يعول على الحديث الصحيح، ويترك ما قاله الواحد منهم، وقد قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان، فهذا هو المنهج، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح: إن المطلوب هو الرجوع إلى كلام أهل العلم، وإلى الاستفادة منهم، ومعرفة أقوالهم، ولكنه إذا وجد الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصار إلى غيره.إذاً: فيعنى بمعرفة الدليل، ويستفاد من كلام الفقهاء، ويترحم عليهم ويترضى عنهم ويحبون، ويعتقد بأنهم غير معصومين، وأنهم مجتهدون، وأن المجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وقال: إن الإنسان إذا كان في الفلاة، فإنه يستدل على القبلة بالنجم، لكن الإنسان إذا وصل إلى القبلة وصارت الكعبة أمامه فإنه لا يحتاج إلى أن ينظر في النجوم ليعرف القبلة؛ لأن القبلة أمامه، قال: فكذلك العلماء، فالإنسان عندما لم يتبين له الحق يستفيد منهم، ويستدل على الحق بكلامهم وذلك حين لا يوجد الدليل، لكن إذا وجد الدليل فقد وصل إلى الغاية، وهذا هو معنى كلام الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكان الإمام الشافعي رحمة الله عليه عندما يسأل في مسألة، ويكون عنده فيها حديث لكنه ثبت عنده، يقول: إن صح الحديث قلت به، وكان بعض أتباعه كـالبيهقي والنووي عندما يصح الحديث يقولون: وقد صح الحديث فهو مذهب الشافعي؛ لأن الشافعي علق الحكم على ثبوت النص، فإذا ثبت فإنه لا يتجاوز ولا يتعدى إلى غيره.فالإمام مالك رحمة الله عليه هو أحد الأئمة الأربعة الذين هم أصحاب المذاهب المشهورة، وكما قلت فإن الفقهاء في زمانهم كثيرون، منهم: الأوزاعي، ومنهم: الثوري، ومنهم: إسحاق بن راهويه، ومنهم: إبراهيم النخعي وغيرهم.[عن يحيى بن سعيد].هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو من صغار التابعين، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرة].هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصاري، وهي ثقة، وكثيرة الرواية عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أكثر الصحابيات حديثاً، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ستة من الرجال وواحدة من النساء، هذه الواحدة هي عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي بقوله في الألفية:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفزوجة النبي المراد بها: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    حديث: (كن النساء يصلين مع رسول الله ... فيرجعن فما يعرفهن أحد من الغلس) وتراجم رجال إسناده

    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كن النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح متلفعات بمروطهن، فيرجعن فما يعرفهن أحد من الغلس) ].ثم أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله: ( أن النساء كن يصلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم الصبح متلفعات بمروطهن، فيرجعن ما يعرفهن أحد من الغلس ). وهو دال على ما ترجم له المصنف، وهو كالرواية التي قبله من التغليس بصلاة الصبح في الحضر. قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المعروف بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف عال، من أرفع صيغ التعديل، ولم يظفر به إلا القليل النادر من المحدثين، ومنهم إسحاق بن راهويه هذا، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[حدثنا سفيان].هو ابن عيينة؛ لأنه يروي عن الزهري، والذي يروي عن الزهري هو سفيان بن عيينة؛ لأن الثوري ليس معروفاً بالرواية عن الزهري، بل قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إنما يروي عنه بواسطة، والذي يروي عنه مباشرة - أعني الزهري - هو سفيان بن عيينة، فـسفيان مهمل غير منسوب، لكن إذا جاء سفيان مهمل غير منسوب، وهو يروي عن الزهري، فيحمل على أنه ابن عيينة وليس الثوري، وابن عيينة، ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري، ومنسوب أيضاً إلى جده شهاب فيقال له: ابن شهاب، وهذان أكثر ما يأتي الإطلاق عليه، فيقال: ابن شهاب، ويقال: الزهري، وهو إمام، محدث، فقيه، جليل القدر، كثير الرواية، وهو أول من قام بجمع السنة بتكليف من عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته، وقد قال السيوطي في ألفيته:أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمروالمراد بذلك: الجمع بتكليف من الخليفة، وبتكليف من السلطان، أما الجمع والتدوين بغير تكليف، وإنما بأفعال وبجهود فردية، فهذا موجود قبل ذلك، كما جاء عن عبد الله بن عمرو أنه كان يكتب، وكذلك في التابعين، ولكن الجمع بطريقة رسمية بتكليف من الخليفة، فهذا حصل في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز، وحصل التكليف لـابن شهاب الزهري، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة].هو ابن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهو يروي عن خالته عائشة؛ لأن عروة بن الزبير هو ابن أسماء بنت أبي بكر، وهنا يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.
    التغليس في السفر

    شرح حديث: (صلى رسول الله يوم خيبر صلاة الصبح بغلس...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التغليس في السفر.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر صلاة الصبح بغلس، وهو قريب منهم، فأغار عليهم وقال: الله أكبر خربت خيبر مرتين، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) ].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب التغليس في السفر. الترجمة الأولى التغليس في الحضر، وأورد حديث عائشة من طريقين، وهذه الترجمة التغليس في السفر، يعني: كونه يصليها بغلس في السفر، وأورد فيه حديث أنس في قصة غزوة خيبر، وهي: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بغلس قريباً من خيبر) وهذا هو محل الشاهد: (صلاها بغلس)؛ يعني: مبكراً في أول وقتها، ثم قال: (الله أكبر خربت خيبر مرتين، إنا إذا نزلنا ساحة قوم فساء صباح المنذرين) وقوله: (خربت خيبر)؛ يعني: خربت على أهلها، وأنهم خذلوا، وأنهم هزموا، وأن النصر للمسلمين عليهم.فمحل الشاهد منه قوله: (صلاها الصبح بغلس، قريباً من خيبر) يعني: في السفر، فهو مطابق لما ترجم له، وأنه في السفر؛ لأنه قريباً من خيبر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله يوم خيبر صلاة الصبح بغلس...)
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن راهويه الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[أخبرنا سليمان بن حرب].هو الأزدي البصري، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حماد بن زيد].هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ثابت].هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة الذين عاشوا بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم الفترة الطويلة، واستفاد الناس من علمهم، وقد خدم النبي عليه الصلاة والسلام عشر سنين؛ لأنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عمره عشر سنوات، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وعمره - أي أنس - عشرين سنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وعمر بعد ذلك مدة طويلة، وهو من المعمرين، ومن أواخر الصحابة موتاً، وقد استفاد الناس من علمه وحديثه، ورجعوا إليه، واستفادوا منه، ولهذا هو أحد السبعة الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث. ورجال هذا الإسناد كلهم خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي إسحاق بن راهويه فإنه لم يخرج له ابن ماجه شيئاً، وأما الباقون وهم سليمان بن حرب، وحماد بن زيد، وثابت البناني، وأنس بن مالك، فهؤلاء جميعاً حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
    الإسفار

    شرح حديث: (أسفروا بالفجر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإسفار.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أسفروا بالفجر)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب الإسفار. أي: الإسفار بالصبح، وهو: صلاتها عندما يحصل الإسفار والاتضاح، يعني: الضياء، وقد أورد النسائي فيه حديث رافع بن خديج رضي الله عنه (أسفروا بالفجر)، وهذا ظاهره يتعارض مع ما تقدم من التغليس بها، لكن جمع العلماء بين الحديثين، بأن المقصود من ذلك: أن الصلاة تصلى في أول الوقت، وأنه يغلس بها، ويكون معنى الإسفار هو تحقق طلوع الفجر، أو يكون المراد: أنه يبدأ بالصلاة فيها في وقت مبكر ثم تطول القراءة حتى إذا انتهى من الصلاة وحصل اتضاح النور، فجمعوا بين الحديثين بهذا، وقالوا: إنه لا تعارض مع ما جاء في التغليس، ومن المعلوم: أن صلاة الفجر تطول فيها القراءة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بالستين إلى المائة كما جاء ذلك في الحديث.إذاً: فمعنى: (أسفروا بالفجر) لا يعني أنه لا يبكر بها، وإنما يبكر بها، ولكن يحمل حديث الإسفار على تحقق الصبح، أو إطالة القراءة حتى عندما يفرغ منها فيكون قد حصل الإسفار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أسفروا بالفجر)
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني؛ وقيل عنه: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، فقيل له: سني، وقد خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.[حدثنا يحيى].هو ابن سعيد القطان المحدث، الناقد، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الذهبي في كتابه: إنه ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل، هو وعبد الرحمن بن مهدي، وقال: إنهما إذا اتفقا على جرح شخص، فإنه لا يكاد يندمل جرحه؛ معناه: أنهما يصيبان الهدف.[عن ابن عجلان].هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثني عاصم بن عمر بن قتادة].وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن محمود بن لبيد].هو صحابي صغير، وجل روايته عن الصحابة، ومن المعلوم أن الصحابة لا يحتاجون إلى أن يقال عن الواحد منهم كذا وكذا من التوثيق والتعديل؛ لأنه من حصل له الوصف بأنه صحابي فيكفيه شرفاً ونبلاً وفضلاً، ولا يحتاج وراء ذلك إلى شيء آخر.[عن رافع بن خديج].هو رافع بن خديج الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا أبو غسان حدثني زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من قومه من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر) ].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث محمود بن لبيد لكنه لم يذكر الصحابي، وإنما عن رجال من قومه من الأنصار، وقد ذكر في الإسناد الأول واحداً منهم، وهو رافع بن خديج، وهنا ذكر أنه عن رجال، ومن المعلوم أن رافع بن خديج من الأنصار، فهو واحد من هؤلاء، وقد عرفنا أن جل روايته عن الصحابة فيما يرويه، وهنا فيه التصريح أنه عن رجال من قومه من الأنصار، وفي الرواية الأولى تسمية واحد منهم وأنه رافع بن خديج الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو بمعنى الحديث الأول: (ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم بالأجر أو أعظم للأجر)، يعني: هذا يدل على الإسفار بها، وأن فيه عظم الأجر، وقد عرفنا في الحديث الأول أن المقصود من ذلك أنه يكون - الإسفار - بتحقق طلوع الفجر، أو بإطالة القراءة؛ بحيث يبدأ بها مبكراً، وينتهي من الصلاة وقد حصل الإسفار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر)
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].هو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، وقد رمي بالنصب، وحديثه أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[حدثنا ابن أبي مريم].هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وابن أبي مريم يطلق على جماعة، فيهم مصري، وفيهم حمصي، وفيهم شامي، وفيهم بصري، وكلهم يقال لهم: ابن أبي مريم، لكن يعرف ذلك بمعرفة الطبقات، وإذا اتحدت الطبقة يعرف بالتلاميذ والشيوخ، وقد ذكروا في ترجمة سعيد بن الحكم المصري بأنه روى عن أبي غسان محمد بن مطرف.[أخبرنا أبو غسان].هو محمد بن مطرف، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني زيد بن أسلم].هو زيد بن أسلم المدني، وهو ثقة أيضاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عاصم بن عمر بن قتادة].هو عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، وهو أيضاً ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا.[عن محمود بن لبيد].هو صحابي صغير، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.ويروي عن رجال من الأنصار من قومه، وجل روايته عن الصحابة، ومن هؤلاء رافع بن خديج الأنصاري الذي مر ذكره في الإسناد السابق.ومن المعلوم: أن الصحابة رضي الله عنهم الجهالة فيهم لا تؤثر، بل الجهالة تؤثر في غيرهم، أما هم فيكفي أن يقال عن الواحد منهم: أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    من أدرك ركعة من صلاة الصبح

    شرح حديث: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح.أخبرنا إبراهيم بن محمد ومحمد بن المثنى واللفظ له، قالا: حدثنا يحيى عن عبد الله بن سعيد أخبرني عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)، أي: أدرك الصلاة في وقتها، وقوله: (من أدرك سجدة) المراد بالسجدة: الركعة، وليس المقصود من ذلك السجدة التي هي أحد أجزاء الركعة، ولهذا النسائي أورد الحديث تحت: من أدرك ركعة، والسجدة يراد بها الركعة، وقد جاء في عدد من الأحاديث إطلاق السجدة على الركعة.وقد ذكرت -فيما مضى- أن المساجد إنما سميت مساجد نسبة إلى السجود؛ وذلك أن الإنسان عندما يسجد يتمكن من الأرض في حال سجوده، وأشرف شيء فيه إنما يصل إلى الأرض في حال السجود، فلهذا قيل لأماكن الصلاة: مساجد، يعني: مكان السجود، ومكان الصلاة، والركعة يطلق عليها سجدة، وقد جاء ذلك في أحاديث عديدة منها: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)؛ يعني: أدرك الصلاة في وقتها، أي: يضيف إليها أخرى ويصبح قد أدرك الصلاة في وقتها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك سجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ...)
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن محمد].هو إبراهيم بن محمد بن عبد الله التيمي المعمري، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي. [ومحمد بن المثنى واللفظ له].هو الملقب بـالزمن وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.[قالا: حدثنا يحيى].هو ابن سعيد القطان، وقد مر ذكره قريباً، وهو ثقة، ثبت، ناقد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن سعيد].هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري، وهو صدوق ربما وهم، وخرج له أصحاب الكتب الستة.[أخبرني عبد الرحمن الأعرج].هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة] رضي الله تعالى عنه.هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
    حديث: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا زكريا بن عدي حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها) ].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها)، وهو بمعنى الحديث الذي قبله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #108
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (105)


    - باب آخر وقت الصبح - باب من أدرك ركعة من الصلاة

    لقد فرض الشارع علينا الصلوات، وبين الأوقات التي تؤدى فيها، فمن أدرك ركعة من الصلاة في وقتها المحدد فقد أدرك الصلاة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يبادر بالصلاة في أول وقتها، إلا صلاة الظهر في شدة الحر وصلاة العشاء إذا لم توجد مشقة فإنه يستحب تأخيرها.
    آخر وقت الصبح

    شرح حديث: (كان رسول الله يصلي الظهر إذا زالت الشمس... ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب آخر وقت الصبح.أخبرنا إسماعيل بن مسعود ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا خالد عن شعبة عن أبي صدقة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين، ويصلي المغرب إذا غربت الشمس، ويصلي العشاء إذا غاب الشفق، ثم قال على إثره: ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر)].يقول النسائي رحمه الله: (باب: آخر وقت الصبح). كما جاء في الحديث الذي تقدم: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)، أي: أن طلوع الشمس هو آخر وقت صلاة الصبح، ولكن المبادرة إلى الصلوات في أول أوقاتها هذا هو المطلوب، وهذا هو الذي ينبغي ويستحب، وذلك أن المبادرة إليها في أول أوقاتها فيه مسارعة إلى الخير، وفيه مبادرة إلى أداء الواجب، والتخلص مما هو دين على الإنسان، وذلك في أول وقت يوقع فيه ذلك الفعل. وقد عرفنا فيما مضى أن الصلوات كلها تصلى في أول وقتها، والتبكير بها في أول وقتها هو المستحب، ويستثنى من ذلك الظهر في وقت شدة الحر، فإنه يبرد بها، وكذلك صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها إلا إذا ترتب على ذلك مشقة ومضرة، فإنها تقدم، وتعجل في أول وقتها.وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد ذكر فيه أوقات الصلوات، (فكان يصلي الظهر إذا زالت الشمس)، والمراد من ذلك أنه كان يصليها في أول وقتها؛ لأن أول وقتها يبدأ بالزوال، (فكان يصليها إذا زالت الشمس)، أي: يبكر بها. ومن المعلوم أنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)، فيبرد بصلاة الظهر في وقت شدة الحر، وفي غير ذلك التبكير هو الأولى.قوله: (ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين)، أي: الظهر، والعصر، فالمقصود من ذلك أنهم يؤخرون صلاة العصر، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقدمها في أول وقتها، ومعنى ذلك: أن صلاة العصر إذا صليت في آخر وقتها الاختياري -وهو أن يكون فيء الشيء مثليه، وأول وقتها أن يكون فيء الشيء مثله- معنى هذا: أن صلاة العصر في أول وقتها يكون بين الصلاتين؛ صلاة الظهر في أول وقتها، وصلاة العصر في آخر وقتها الاختياري؛ لأنها إذا صليت في أول وقتها عندما يكون فيء الشيء مثله -وآخر وقت صلاة العصر الاختياري إذا كان فيء الشيء مثليه، وآخر وقت الظهر إذا كان فيء الشيء مثله، أي: المنتصف والوسط هو حيث يكون فيء الشيء مثله- فتكون بين الصلاتين، صلاة الظهر في أول وقتها، وصلاة العصر في آخر وقتها الاختياري.وأما قوله: (ويصلي المغرب إذا غربت الشمس)، هذا هو أول وقتها، يصلي المغرب إذا غربت الشمس، وتوارت بالحجاب، وغاب القرص، وذهب، فإنه يبدأ أو يدخل وقت صلاة المغرب، فكان عليه الصلاة والسلام يصليها إذا غربت الشمس.قوله: (ويصلي العشاء إذا غاب الشفق)، وهذا هو أول وقتها إذا غاب الشفق؛ وهو الضياء الذي يكون تبعاً لغروب الشمس، فإذا غاب الشفق واشتد الظلام، وكان المغرب مثل المشرق؛ كله ظلام دامس عند ذلك يبدأ وقت صلاة العشاء، فكان يصليها في ذلك الوقت.قوله: (ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر)، أي: يتسع، بأن يرى الإنسان الشيء أمامه، فيرى مسافة بعيدة دون أن يحجبه ظلام، وليس المقصود من هذا أن هذا آخر وقت صلاة الفجر، بل آخر وقته طلوع الشمس، كما جاء ذلك في الحديث: (من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك)، أي: الصلاة، يعني: أدركها في وقتها، وإنما المقصود من ذلك أنه كان يصليها في وقت متأخر، ولكنه لا يصل إلى النهاية، ومن المعلوم أن التأخير إلى النهاية يترتب عليه مضرة، وهي خوف الفوات وخروج الوقت، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصليها إلى أن ينفسح البصر، أي: يتسع، ويرى الإنسان المسافة البعيدة دون أن يحجبه ظلام، فهذا هو الذي كان عليه عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لا يعني: أن هذا آخر وقت صلاة الصبح، بل آخرها كما جاء في الحديث: طلوع الشمس، ومن أدرك ركعة من الصلاة قبل طلوع الشمس فإنه يكون مدركاً الصلاة في وقتها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي الظهر إذا زالت الشمس... ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي.[ومحمد بن عبد الأعلى].وهو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.[قالا: حدثنا خالد].وهو خالد بن الحارث، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهو المحدث، الثقة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الأوصاف الرفيعة والألقاب العالية التي لم يظفر بها إلا النادر من المحدثين ومنهم شعبة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي صدقة].أبو صدقة، هو: توبة مولى أنس بن مالك، وهو مقبول، خرج حديثه النسائي وحده.[عن أنس بن مالك].أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة من الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين قال عنهم السيوطي في الألفية:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفـأنس رضي الله عنه هو أحد هؤلاء السبعة، وهو من صغار الصحابة المعمرين، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره عشرون سنة، وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره عشر سنوات، وخدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة، واستفاد الناس من علمه، وحديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    من أدرك ركعة من الصلاة

    شرح حديث: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من أدرك ركعة من الصلاة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)].أورد النسائي هذه الترجمة: (باب من أدرك الصلاة). وإيراد النسائي لهذا الباب في كتاب المواقيت يشعر بأن المقصود منه الدلالة على إدراك الصلاة في وقتها، وأنه إذا أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فإنه يكون مدركاً للصلاة في الوقت، ويوضح هذا ما جاء وما تقدم: (من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس... إلخ، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس... إلخ)، فإنه يكون مدركاً للصلاة في وقتها، فتكون هذه الأحاديث في هذا الباب بمعنى تلك الأحاديث التي فيها بيان آخر وقت صلاة العصر، وآخر وقت صلاة الفجر، وأن الوقت يدرك بإدراك ركعة من الصلاة في الوقت، وأن الصلاة تدرك أداءً في إدراك ركعة من الصلاة فيكون مدركاً لها، ويكون هذا الحديث بمعنى الأحاديث التي ستأتي، وهذا الحديث أولها، وهو بمعنى: الأحاديث المتقدمة في إدراك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس، وركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].ابن شهاب الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو: إمام، محدث، فقيه، مكثر من رواية الحديث، وهو الذي قام بجمع السنة وتدوينها بتكليف من عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، فقد اختلف العلماء هل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو سالم بن عبد الله بن عمر ؟ فـأبو سلمة هذا هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع من الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، لم يرو عن صحابي مثلما روي عنه من كثرة الحديث رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    حديث: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس حدثنا عبيد الله بن عمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث الأول.قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو فقيه أيضاً، ومن الفقهاء المعروفين المشهورين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[أخبرنا عبد الله بن إدريس].وهو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبيد الله بن عمر].وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الذي يقال له: عبيد الله المصغر، وهو الثقة، أما أخوه عبد الله المكبر فهو ضعيف، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولهذا يفرقون بينهما بأن يقولوا: المصغر والمكبر، بأن هذا عبيد الله بتصغير عبد، وهناك عبد الله بالتكبير، فالمصغر ثقة، والمكبر ضعيف.[عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة].وقد مر ذكرهم سابقاً.

    حديث: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يزيد بن محمد بن عبد الصمد حدثنا هشام العطار حدثنا إسماعيل، وهو ابن سماعة عن موسى بن أعين عن أبي عمرو الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)].وهنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بمعنى ما تقدم من الروايات عن أبي هريرة رضي الله عنه. قوله: [أخبرني يزيد بن محمد بن عبد الصمد].وهو صدوق، روى له أبو داود، والنسائي.[حدثنا هشام العطار].هشام العطار، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[حدثنا إسماعيل وهو ابن سماعة].إسماعيل بن سماعة، ثقة، قديم الموت، من الثامنة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن موسى بن أعين].موسى بن أعين الجزري مولى قريش أبو سعيد ثقة، عابد، من الثامنة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.[عن أبي عمرو الأوزاعي].أبو عمرو الأوزاعي، وهو: عبد الرحمن بن عمرو، كنيته توافق اسم أبيه، أبي عمرو الأوزاعي وهو عبد الرحمن بن عمرو، وهو فقيه الشام، ومحدثها، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة].وهؤلاء هم الذين جاءوا في الإسنادين قبل هذا.
    حديث: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق أخبرنا أبو المغيرة حدثني الأوزاعي حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها)].وهنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى رابعة، وهو بمعنى ما تقدم. قوله: [أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق].هو شعيب بن شعيب بن إسحاق الدمشقي، وهو صدوق، خرج له النسائي وحده، وقيل: إنه توفي أبوه وهو حمل في بطن أمه، فسمي باسم أبيه، فهو شعيب بن شعيب بن إسحاق الدمشقي.[أخبرنا أبو المغيرة].أبو المغيرة، وهو عبد القدوس بن الحجاج الحمصي، ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثني الأوزاعي عن الزهري].مر ذكرهم في الأسانيد الماضية[عن سعيد بن المسيب].سعيد بن المسيب الفقيه، المحدث، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة].وقد تقدم ذكره.
    شرح حديث: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم حدثنا بقية عن يونس حدثني الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته)، هذا اللفظ قد يكون المقصود منه المسبوق إذا أدرك ركعة من الجمعة فإنه يكون مدركاً للصلاة، وإذا لم يدرك ركعة من الجمعة فإنه يدخل مع الجماعة، ولكن يتمها ظهراً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته)

    قوله: [أخبرني موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم].وهو موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم المنبجي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: أنه صالح الحديث إلا في الرواية عن بقية، وهذا الحديث هو من روايته عن بقية.[حدثنا بقية]. وبقية مدلس، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وذاك الذي هو المنبجي خرج حديثه النسائي، وبقية خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ولكن الحديث كما هو واضح جاء من طرق متعددة.[عن يونس].يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني الزهري].وقد تقدم ذكره.[عن سالم ].وهو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي جليل، وهو من صغار الصحابة، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان حدثنا أبو بكر عن سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها، إلا أنه يقضي ما فاته)].هنا أورد النسائي حديث سالم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها، إلا أنه يقضي ما فاته)، وسالم هو من التابعين كما هو معلوم فإذا أضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حديثاً فهو مرسل، وهو معروف بالرواية عن أبيه، فالحديث الذي قبل هذا هو من روايته عن أبيه، وهذا مرسل، ولكن مطابق للأحاديث التي وردت في هذا الباب، فيكون صحيحاً بها، أما لو لم يأتِ الحديث إلا من هذه الطريق فإنه يكون مرسلاً، والمرسل معروف حكمه عند المحدثين؛ أنه لا يكون حجة على القول الصحيح؛ لأن التابعي إذا أضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون روى عن صحابي أو تابعي، وذاك التابعي يحتمل أن يكون ثقة أو ضعيفاً، وإذا كان ثقة فيحتمل أن يكون روى عن تابعي ثقة أو ضعيف، واحتمال الضعف فيه من جهة أنه يكون تابعياً ضعيفاً، فإنه لا يحتج بالحديث المرسل، ولكن الحديث جاء من طرق عن أبي هريرة وعن غيره، وهو بمعنى تلك الأحاديث، فيكون ثابتاً ولا يكون ضعيفاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها...)
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي].هو محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي، ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[حدثنا أيوب بن سليمان].هو أيوب بن سليمان بن بلال القرشي، ثقة لينه التاجي بلا دليل، وقد خرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، يعني: ما خرج له مسلم، ولا ابن ماجه.[حدثنا أبو بكر].أبو بكر، وهو عبد الحميد بن عبد الله الأويسي، ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن سليمان بن بلال].سليمان بن بلال، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يونس].وهو يونس بن يزيد الأيلي، وقد تقدم ذكره.[عن ابن شهاب].وابن شهاب، كذلك تقدم.[عن سالم].هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد تقدم.
    الأسئلة

    المدة التي يعتبر فيها المسافر مقيماً

    السؤال: متى يعتبر المسافر مقيماً؟الجواب: إذا وصل المسافر إلى بلد وعند دخوله فيها عزم على الإقامة أربعة أيام فأكثر، فإنه يعتبر مقيماً، وعليه أحكام المقيم، بمعنى: أنه يتم، وحكمه حكم المقيمين، والدليل على هذا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت عنه أنه مكث في بلد أو في مكان مدة عند الدخول يعلم المدة التي يمكثها إلا في حجة الوداع، فإنه لما دخل مكة في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة، وكان يريد أن يخرج منها في اليوم الثامن إلى منى، فهذه إقامة محققة، فيكون في خلال تلك المدة المسافر يقصر. وأما إذا نوى إقامة أكثر من ذلك فإنه يتم؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إقامة تزيد على هذه المدة، وذلك عند الدخول أنه يريد أن يبقى هذه المدة، نعم الرسول صلى الله عليه وسلم مكث في أماكن أكثر من هذه المدة، ولكن ما جاء أنه كان عند الدخول يريد أن يمكث هذه المدة، ومن المعلوم أن المسافر إذا دخل وله حاجة، وهو لا يعلم متى تنتهي فإنه يقصر ولو طالت المدة. وأما إذا كان عند الدخول عنده عزم على مكث هذه المدة التي هي أكثر من أربعة أيام فإنه في هذه الحالة يتم، إلا إذا كانت أربعة أيام فأقل؛ لأن هذا هو الذي جاء فيه دليل في حجة الوداع لما قدم النبي مكة في اليوم الرابع وخرج منها في اليوم الثامن.
    تحديد وقت صلاة العشاء بالساعات
    السؤال: متى يكون آخر وقت العشاء بالتحديد بالساعة؟الجواب: لا يحدد بالساعة؛ لأن الليل يطول ويقصر، ولكن تحديده من وقت غروب الشمس إلى طلوع الفجر، والمنتصف بينهما هو آخر وقت صلاة العشاء الاختياري، مثلاً: هذه الأيام المغرب يكون السابعة إلا عشرين دقيقة، والفجر يكون على الخامسة إلا عشر دقائق، يعني: هذه المدة منتصفها هو منتصف الليل.

    الأفضلية في أداء ركعتي الفجر النافلة في البيت مع فوات الصف الأول أم في المسجد مع إدراكه

    السؤال: أيهما أفضل للرجل أن يصلي سنة الفجر في بيته -مع العلم بأنه لن يدرك الصف الأول في المسجد- أو أن يصليها في المسجد؛ لأجل إدراك الصف الأول؟الجواب: الأولى له أن يذهب إلى المسجد ويدرك الصف الأول ويصلي ركعتي الفجر، يعني: في المسجد؛ لأنه كما هو معلوم لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة، والصف الأول هو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، فالمبادرة إلى المساجد، ولو كان ذلك قبل الأذان، وإذا أذن المؤذن يقوم ويأتي بركعتي الفجر هذا أولى له من أن يبقى في البيت حتى يؤذن ويصلي ثم يذهب، فإن المبادرة إلى الصلاة لا سيما إذا تمكن قبل أن يؤذن، ثم جلس ينتظر الصلاة، وإذا أذن المؤذن قام وأتى بالركعتين هذا هو الذي ينبغي للإنسان.ومن المعلوم أن صلاة الرجل في بيته أفضل من المكتوبة، ولكن هناك أمور يراد إدراكها، وهي كثرة المكث في المسجد وانتظار الصلاة، وأيضاً تحصيل الصف الأول، فهو يدرك في هذا التبكير فضيلة الصف الأول، وشأنها كبير، وفضيلة التبكير الذي يكون في صلاة ما دام ينتظر الصلاة.
    حكم الاستمرار في صلاة النافلة بعد الإقامة
    السؤال: في حالة أدائي للسنة وأقيمت الصلاة وأنا ما زلت في الركعة الثانية أو الأولى، هل أقطع الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا القائمة)؟الجواب: الإنسان إذا كان يتنفل وأقيمت الصلاة، فإن كان في أولها فإنه يقطعها، وإن كان في آخرها فإنه يتمها خفيفة؛ لأن إتمامها خفيفة لا يترتب عليه فوات شيء، وأما إذا كان في أولها فإنه يترتب عليه فوات الدخول مع الإمام في الصلاة من أولها، فالمسألة فيها تفصيل.
    حكم تحية المسجد لمن حضر درساً
    السؤال: فضيلة الشيخ! إذا دخلت المسجد في غير وقت النهي لأجل أن أحضر درساً من الدروس، فهل أصلي ركعتين تحية المسجد أو أجلس للدرس الذي جئت من أجله؟الجواب: تصلي ركعتين ثم تجلس في الدرس لحديث: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، سواء كان لدرس أو لغير درس، من دخل المسجد وسيجلس فإنه يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ثم يدخل في الدرس.
    حكم الصفرة والكدرة في زمن الحيض وزمن الطهر
    السؤال: امرأة أحرمت بالعمرة، وفي الطريق رأت الصفرة في زمن العادة، فأفتاها أحد المبتدئين بطلب العلم بأن الصفرة والكدرة كانت لا تعد شيئاً، فأكملت عمرتها، فماذا عليها؟ وماذا على من أفتاها؟الجواب: الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض؛ وأما إذا كانت خارج الحيض وليست في زمن العادة فإنها طهر ولا تعتبر حائضاً، ولا تمتنع من الصلاة ولا من الصيام ولا من غير ذلك، والامتناع عن الأمور الواجب عليها أداؤها كالصلاة والصيام إنما يكون في زمن العادة، وأما إذا كانت في غير العادة فإنها لا تعد شيئاً، وإذا كان أنه حصل كدرة وما حصل بعدها الحيض، وإنما حصل صفرة فلا يؤثر؛ لأن الصفرة والكدرة تتصل بالحيض، يعني: إما أن تكون في أوله أو في آخره، فإذا كان بعد الكدرة والصفرة طهر وما حصل شيء من الحيض فذلك لا يؤثر، وأما إذا أعقب الكدرة والصفرة الحيض واتصل بها الحيض فهذا حيض، فلا ندري ما هو الواقع بالنسبة لهذه المسألة، هل هي صفرة وكدرة وخلاص وما جاء بعدها شيء من الحيض؟ أو أنها صفرة وكدرة وتبعها الحيض؛ لأن هذا أول الحيض؟
    المقصود بأول الوقت في الصلاة
    السؤال: ما هو المقصود بأول الوقت؟الجواب: المقصود بأول الوقت هو أول وقت يمكن للإنسان أن يؤدي فيه الصلاة، ولو أداها قبله لم يصح، وصلاته باطلة، مثل الزوال، إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، فلو صلاها قبل الزوال فصلاته باطلة، وبعد الزوال يبدأ الوقت؛ لأن الوقت له بداية وله نهاية، فأول الوقت هو البداية التي يمكن للإنسان أن يصلي الصلاة فيها، ويكون في وقتها.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #109
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (106)

    - (باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها) إلى (باب النهي عن الصلاة نصف النهار)

    من محاسن التشريع في الإسلام أن جعل الشارع الحكيم للعبادات أوقات وجوب، واستحباب، ونهي وكراهة، ومن ذلك الصلاة فلا يجوز أن تؤدى في كل الأوقات، فهناك أوقات نُهي عن الصلاة فيها أو أن يدفن فيهن الموتى، وذلك عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند قيامها حتى تزول، ما عدا ذوات الأسباب.
    الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

    شرح حديث الصنابحي في الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها.أخبرنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات)].يقول النسائي رحمه الله: (باب: الساعات التي نهي عن الصلاة فيها). والساعات التي نهي عن الصلاة فيها يراد به ثلاثة أوقات قصيرة، وهي: عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند قيامها حتى تزول، وعند قربها من الغروب حتى تغرب، فهذه الأوقات نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الصلاة فيها.وقد أورد النسائي فيه أحاديث منها: حديث أبي عبد الله الصنابحي: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا قربت من الغروب قارنها، فإذا غربت فارقها)، والمراد من ذلك أن الشيطان عند طلوع الشمس وعند غروبها يخرج، فتطلع وتغرب على قرن الشيطان، ومعنى: (أنه يكون قرنه عند طلوعها)، أن يحصل له سجود الذين يعبدون الشمس ويسجدون لها فيكون له؛ لأن من الناس من يعبد الشمس، فهم يصلون لها، والذين يعبدون الشمس ويسجدون لها، يريد الشيطان أن يكون سجودهم له، فنهي المسلمون أن يصلوا في هذه الأوقات حتى لا يصح التشبه بالكفار الذين يصلون في هذه الأوقات، والتي يحرص الشيطان على أن يكون بارزاً فيها، أي: عند طلوع الشمس وعند غروبها، ليكون معبوداً للذين يعبدون الشمس ويسجدون لها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الثلاثة الأوقات: عند طلوع الشمس، وعند قيامها، وعند غروبها.وحديث الصنابحي هذا ما ورد فيه يشهد له أحاديث عديدة، إلا فيما يتعلق بالنسبة لقيامها، وأنه يقارنها عند قيامها، وإذا زالت فارقها، فهذا ليس له ما يشهد له ويؤيده، فيكون ما ورد في حديث الصنابحي في هذا الموضع منكراً وغير ثابت. أما كونه يكون عند طلوع الشمس وغروبها، فهذا جاء فيه أحاديث كثيرة.والصنابحي هذا ليس بصحابي، بل هو تابعي، وروايته عن الرسول صلى الله عليه وسلم مرسلة؛ لأنه ما أدرك النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه أدرك زمنه وما لقيه، فإنه قدم إلى المدينة من اليمن ليلقى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما كان بالجحفة وهو الموضع القريب من رابغ، مر بهم راكب وأخبرهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فواصل السير إلى المدينة، ووصلها بعد وفاته بخمسة أيام، ولهذا قال بعض العلماء في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، ليس بينه وبين الصحبة إلا شيئاً يسيراً، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجحفة في طريقه إلى المدينة، فلم يحصل له هذا الشرف، ولم يظفر بهذا الشرف الذي هو صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا فهو من كبار التابعين، وروايته عن الرسول صلى الله عليه وسلم مرسلة، وهذا مرسل.فإذاً: هذا الذي ورد فيما يتعلق بكون الشيطان يقارن الشمس عند قيامها، ما جاء فيه أحاديث أخرى، والذي عند طلوع الشمس وغروبها ثابت في أحاديث عديدة، فيكون ما جاء عند طلوع الشمس وعند غروبها له ما يشهد له، ويكون هذا المقدار منه صحيحاً، وما كان عند قيام الشمس، وليس له ما يؤيده، والراوي مرسِل وليس صحابياً، فإنه يكون هذا غير ثابت، وقد نبه على هذا الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف سنن النسائي، فإنه قال: إن الحديث صحيح ما عدا ما جاء من المقارنة عند استواء الشمس، فإن هذا هو الذي ليس له ما يؤيده.
    تراجم رجال إسناد حديث الصنابحي في الساعات التي نهي عن الصلاة فيها
    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].وهو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه الإمام المشهور، صاحب المذهب المعروف، أحد الأئمة الأربعة رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن زيد بن أسلم العدوي المدني].وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء بن يسار الهلالي].هو مولى ميمونة رضي الله تعالى عنها، وهو ثقة، فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله الصنابحي].عبد الله الصنابحي ليس اسمه عبد الله، وإنما اسمه عبد الرحمن، وهو عبد الرحمن بن عسيلة، وكنيته أبو عبد الله، وقد جاء هذا الحديث عند ابن ماجه وذكره بلفظ أبي عبد الله الصنابحي، وليس هناك من الرواة من يسمى: عبد الله الصنابحي، وهو من كبار التابعين، ورمز الحافظ في التقريب أنه من رجال الكتب الستة.

    شرح حديث عقبة بن عامر في الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن موسى بن علي بن رباح سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: عندما تطلع الشمس حتى ترتفع، وعندما يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وعندما تضيف للغروب حتى تغرب)، فهذه الساعات الثلاث وهي أوقات قصيرة، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وعن قبر الموتى في هذه الأوقات، وهو بمعنى الحديث المتقدم حديث الصنابحي.قوله: (نهى عن الصلاة فيها)، أي: في هذه الساعات، وهو دال على ما دل عليه ذلك الحديث المتقدم من حيث النهي عن الصلاة في هذه الثلاث الساعات، لكن ذكر كون الشيطان يقارنها عند الاستواء ما جاء إلا في حديث الصنابحي، والصنابحي ليس صحابياً، وحديثه مرسل، فهذا المقدار لا يكون ثابتاً، والثابت غيره.أما النهي عن الصلوات في هذه الأوقات فهذا ثابت في حديث الصنابحي وفي هذا الحديث وفي غيرها من الأحاديث، وهو دال على النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وعن قبر الموتى في هذه الصلوات. و(أو) هنا بمعنى الواو، يعني: نهانا أن كذا وأن نقبر فيها موتانا.
    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في الساعات التي نهي عن الصلاة فيها
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].سويد بن نصر هو: المروزي الذي يلقب بالشاه، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك. [حدثنا عبد الله بن المبارك].وهو المشهور الذي قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، حجة، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن موسى بن علي بن رباح].وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي، وهو صدوق ربما أخطأ، وقد خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[سمعت أبي يقول].وهو بضم العين وتصغيرها علي، وقيل أنه كان يغضب أن يقال له: علي، وهذا هو المشهور فيه، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فالرواة عنه وعن ابنه سواء، كل منهما روى عنه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، والابن صدوق ربما أخطأ، والأب ثقة، الذي هو علي بن رباح اللخمي.[سمعت عقبة بن عامر الجهني].وهو عقبة بن عامر الجهني، صحابي جليل مشهور، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    النهي عن الصلاة بعد الصبح

    شرح حديث: (أن النبي نهى عن الصلاة بعد العصر ... وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الصلاة بعد الصبح.أخبرنا قتيبة عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب النهي عن الصلاة بعد الفجر. وقد أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)، والحديث يدل على أن هذين الوقتين وقت نهي، وهما وقتان طويلان؛ لأنه من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس، وكل منهما متصل بالوقت القصير الذي مر في حديث الثلاث الساعات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وهي: عند غروبها، وعند طلوعها، وعند قيامها، فإن هذين الوقتين متصلين بالغروب ومتصلين بالطلوع، أحدهما متصل بالطلوع، والثاني متصل بالغروب، وقد نهى رسول الله عن الصلاة في هذين الوقتين الطويلين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي نهى عن الصلاة بعد العصر ... وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)

    قوله: [أخبرنا قتيبة، عن مالك].وقد مر ذكرهما قريباً.[عن محمد بن يحيى بن حبان].وهو محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ ابن حبان بفتح الحاء، وهو ثقة، فقيه، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الأعرج].هو عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة رضي الله عنه].صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، إذ لم يرو عن صحابي من الحديث قريباً مما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وهذا الإسناد رجاله خرج لهم أصحاب الكتب الستة، قتيبة، ومالك، ومحمد بن يحيى بن حبان بن منقذ، والأعرج، وأبو هريرة، هؤلاء الخمسة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم حدثنا منصور عن قتادة حدثنا أبو العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم إلي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس الذي يرويه عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من أحبهم إليه، فهذا الحديث يعتبر من مسند عمر ويرويه عنه ابن عباس، كما يرويه عن غيره من الصحابة، وهذا فيه رواية الصحابة عن الصحابة، والحديث بمعنى الحديث المتقدم في النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس...)
    قوله: [أخبرنا أحمد بن منيع].وهو ثقة، حافظ، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا هشيم].وهو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، والتدليس: هو رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ يوهم السماع، كعن وقال، أما المرسل الخفي: فهو رواية الراوي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه؛ فيظن أنه قد سمعه للمعاصرة، أما إذا كان لم يعاصره فالإرسال واضح؛ لأنه ما أدرك زمانه، فالإرسال هذا جلي وواضح، أما الإرسال الخفي فليس بواضح؛ لأنه مدرك لزمانه وعصرهما واحد، إلا أنه ما لقيه، فـهشيم بن بشير كثير التدليس والإرسال الخفي، يعني: أنه يروي عن شيوخه ما لم يسمعه منهم، ويروي عمن عاصروه، وهذا هو كما ذكرت الإرسال الخفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا منصور].وهو ابن المعتمر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].وهو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، حديثه أيضاً عند أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس معروف بالتدليس.[حدثنا أبي العالية].وهو رفيع بن مهران الرياحي، وهو ثقة كثير الإرسال، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهو من صغار الصحابة، وهو يروي عن الصحابة، ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولكن كثيراً من روايته عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن رواية الصحابي عن الصحابي عمدة وحجة ومعتبرة؛ لأن رواية ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما هو رواية عنه مباشرة، ومنها ما هو رواية عنه بواسطة ولم تذكر الواسطة، ولكن مرسل الصحابي معتبر وحجة؛ لأنهم لا يأخذون غالباً إلا عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو هنا يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة جماعة من الصحابة، منهم عمر وقال: وكان من أحبهم إلي.منهم عمر وكان أحبهم إلي.وهو: الخليفة أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه الراشد الفاروق، ذو المناقب الكثيرة، والفضائل المشهورة، وهو أحد الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين سردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث واحد، وقد أخبره بأنه رأى قصراً في الجنة، وسأل عنه لمن؟ فقيل: هذا لـعمر بن الخطاب، ومناقبه جمة وفضائله كثيرة، ومن مناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك)، لا يجتمع عمر، والشيطان في طريق واحد، فإذا كان عمر في الطريق هرب الشيطان من ذلك الطريق الذي فيه عمر، (ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك)، وتولى الخلافة بعد أبي بكر بعهد من أبي بكر، وبإجماع من الصحابة على تنفيذ عهد أبي بكر، ويعتبر عهد أبي بكر إليه من أعظم حسنات أبي بكر، ومن أعظم ما أسداه إلى المسلمين من الخير، وقد حصل في خلافته النفع العظيم وانتشار الفتوح، ومكث عشر سنوات وأشهراً، حصل فيها اتساع البلاد الإسلامية، ودخول الناس في دين الله عز وجل، بل قضي على الدولتين الكبيرتين في ذلك الزمان، وهي دولة فارس والروم، وتحقق ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من إنفاق كنوزهما في سبيل الله عز وجل، فإن تلك الكنوز جاءت وأحضرت إلى عمر في المدينة، وتولى قسمتها رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس

    شرح حديث: (لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب: النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس. وهذا داخل فيما تقدم في ذكر الساعات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، ولكنه أورده بترجمة مستقلة، وأتى بما يتعلق بذلك الوقت، وبوقت الغروب، وأن يتحرى الصلاة في هذه الأوقات، فلا يجوز للإنسان أن يصلي عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعندما تضيف للغروب حتى تغرب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك].وقد مر ذكرهما.[عن نافع].نافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عمر].وهو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث. وهذا الإسناد رباعي من رباعيات النسائي، فهو من أعلى الأسانيد عند النسائي: قتيبة، مالك، نافع، ابن عمر، ثم أيضاً هو مشتمل على السلسلة الذهبية التي تعتبر أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر.
    شرح حديث: (أن رسول الله نهى أن يصلى مع طلوع الشمس أو غروبها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى مع طلوع الشمس أو غروبها)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى عند طلوع الشمس وعند غروبها)، فهو دال على ما ترجم له المصنف من النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وكذلك أيضاً دال على النهي عنها، أي: الصلاة عند غروب الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى أن يصلى مع طلوع الشمس أو غروبها)
    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي.[حدثنا خالد].وهو ابن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبيد الله].وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الذي يقال له: المصغر، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن نافع، عن ابن عمر].وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    النهي عن الصلاة نصف النهار

    شرح حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة نصف النهار

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الصلاة نصف النهار.أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا سفيان وهو ابن حبيب عن موسى بن علي عن أبيه سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف للغروب حتى تغرب)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب النهي عن الصلاة نصف النهار، وأورد فيه حديث عقبة بن عامر الجهني المتقدم، لدلالته على ما ترجم له، كما أنه دال على النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ولهذا تقدم ذكره فيما مضى بدلالته أيضاً على غير ما ترجم له المصنف هنا.
    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في النهي عن الصلاة نصف النهار
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].وهو صدوق، خرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا سفيان وهو ابن حبيب].وهو ابن حبيب، ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، والأربعة، وكلمة ( وهو ابن حبيب )، هذه ما قالها حميد بن مسعدة الذي هو تلميذه، وإنما قالها من دونه؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يعبر بهذه العبارة، يقول: سفيان بن حبيب رأساً، دون أن يقول: هو، لكن من دونه عندما يريد أن يوضح ذلك الذي ذكره التلميذ مهملاً، فإنه يأتي بكلمة: هو، حتى يتبين أنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ ليوضح هذا الذي أهمله التلميذ، ويأتون بمثل هذه العبارة: هو، أو يقولون: الفلاني، أو يعني ابن فلان.[عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر].وقد تقدم ذكرهم في الرواية المتقدمة.
    الأسئلة

    حكم لبس الخاتم في غير الخنصر
    السؤال: هل يعتبر لبس الخاتم في غير الخنصر لا بأس به؟ علماً بأنك قلت سابقاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما لبسه حين قيل له: إن الرسائل لا تقبلها الملوك إلا بالختم، فاتخذه عليه الصلاة والسلام لأجل ذلك؟الجواب: اللبس في غير الخنصر ما أعرف عنه شيئاً، للحافظ ابن رجب رحمه الله كتاب واسع في أحكام الخواتيم أو الخواتم، وضح فيه كل ما يتعلق بذلك، فيمكن أن يرجع إليه، أما أنا فلا أعرف شيئاً فيما يتعلق بلبسها في غير الخنصر.
    حكم صلاة الضحى وأفضل أوقاتها
    السؤال: هل هناك فرق بين شروق الشمس والضحى؟الجواب: لعل السائل يقصد صلاة الإشراق، التي يقال لها: صلاة الإشراق. يعني: كما هو معلوم إذا ارتفعت الشمس قيد رمح بدأ وقت صلاة الضحى إلى زوال الشمس، كل هذا وقت لصلاة الضحى، فإذا صلاها الإنسان بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، فإنه يكون صلى صلاة الضحى، وإذا كان أخذ بالحديث الذي جاء: (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين فهو بحجة وعمرة تامة تامة)، والحديث صححه بعض أهل العلم، فإذا كان من عادته أن يصلي الضحى، وصلى هذا الوقت، فإنه يجزئ عن صلاة الضحى؛ لأنه وقت لصلاة الضحى.وجاء في الحديث في صحيح مسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، والمراد من ذلك صلاة الضحى في وقت شدة حرارة الشمس، والفصال: أولاد الإبل أو البقر التي تصيبها الرمضاء وتشتد عليها، فمعناه في وقت شدة الحرارة، فهذا الحديث يدل على أن هذا هو الأولى، لأنه قال: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، والمراد من ذلك صلاة الضحى.
    حكم تأخير العصر إلى قبل الاصفرار والفجر حتى الإسفار
    السؤال: في بعض البلاد الإسلامية لا يصلون العصر إلا قبل اصفرار الشمس، ولا يصلون الفجر حتى يسفر الصبح، فهل لهذا العمل من أصل؟الجواب: العصر وقتها إلى اصفرار الشمس، أو إلى أن يكون ظل الشيء مثليه، وهذا هو الوقت الاختياري، لكن كما هو معلوم الأفضل الابتعاد عن المحذور، وعن أن يقع الإنسان في خروج الوقت، أو يكون هناك ضيق عليه، فالابتعاد عما فيه محذور هو الذي ينبغي، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ثم قال: ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، فالإنسان إذا أخر إلى وقت الاضطرار أو قريباً منه يمكن أن يقع في الأمر المحذور من غير ضرورة وكذلك أيضاً فيما يتعلق بصلاة الصبح، يعني: الإسفار، جاء ما يدل على ذلك، وقد مر بنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (حتى ينفسح البصر)، ووقتها يمتد إلى طلوع الشمس، لكن المبادرة بها في أول أوقاتها هذا هو الذي ينبغي، وهذا هو المطلوب الذي فيه المسارعة إلى أداء الواجب، وفيه المسابقة إلى الخيرات، والصلاة إذا صليت في الوقت فهو أداء لها، لكن كون الإنسان يؤديها في أول وقتها، ويتخلص من أن يتعرض لتأخيرها حتى يخرج وقتها، هذا هو الذي على الإنسان أن يحرص عليه.
    الصلوات ذوات الأسباب وعلاقة تحية المسجد بها
    السؤال: ما هي الصلوات ذوات الأسباب؟ وهل ركعتي تحية المسجد منها؟الجواب: ذوات الأسباب مثل: صلاة الجنازة، ومثل: صلاة الكسوف، عندما تأتي في وقت النهي فإنها تصلى؛ لأنها أنيطت بسبب، لكن تحية المسجد من العلماء من قال: إنها من ذوات الأسباب، وأن الإنسان إذا دخل فإنه يصليها وتكون مستثناة من النهي، ومنهم من قال: إنها ليست من ذوات الأسباب؛ لأنها تتعلق بفعل الإنسان، والإنسان يمكنه أن يدخل، وأن يتعمد دخول المسجد في وقت النهي فيصلي؛ لأن هذا بفعله وبسببه، بخلاف الكسوف فإنه لا قبل للإنسان به، وكذلك صلاة الجنازة عندما تحضر تصلى، لكن تحية المسجد هي محل خلاف، والذي يظهر في هذا أن الأمر واسع، من دخل وصلى لا حرج، ومن دخل وجلس لا حرج؛ لأنه إن صلى فمعه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، وإن جلس فمعه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس).
    مدى قرب الأشاعرة من أهل السنة والجماعة وبعدهم
    السؤال: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟الجواب : الأشاعرة هم من أقرب الفرق إلى أهل السنة والجماعة؛ لأنهم يوافقون أهل السنة والجماعة في أمور ويخالفونهم في أمور، لكنهم لا يقال: إنهم من أهل السنة والجماعة الذين هم على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم مخالفون لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كثير من الأمور، ولكنهم هم من أقرب الفرق التي حصل منها الخروج عما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكن لا يقال: إنهم من أهل السنة والجماعة الذين هم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم كانوا على عقيدة ولدت بعدما مضى عصر الصحابة، كانت ميتة في زمن الصحابة، وولدت بعد ذلك الوقت بمدة طويلة، فهي عقيدة محدثة، وليست على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل هي نبتت وولدت بعد ذلك بزمن طويل، فلا يقال: إنهم من أهل السنة والجماعة الذين هم على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنهم موافقون لأهل السنة في بعض الأمور، ومخالفون لهم فيها، وهم من أقرب الفرق إلى أهل السنة والجماعة.مداخلة: هل تأويل الأسماء والصفات عندهم يخرجهم من أهل السنة والجماعة أم لا؟ الشيخ: هذا يخرجهم، لكن لا يقال: إنهم ليسوا على سنة أبداً، بل عندهم شيء من السنة، وعندهم موافقة في بعض الأمور، لكن إذا قيل: أهل السنة والجماعة من كان على ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه يقال: إنهم ليسوا من هؤلاء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، ثم قال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)، فالاختلاف كثير، لكن الذي هو منهج السلامة والنجاة، والذي هو طريقة أهل السنة والجماعة، هو الأخذ بما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
    الضابط في الحكم على الإنسان بالبدعة
    السؤال: متى يحكم على المرء أنه مبتدع؟الجواب: كما هو معلوم أن من المبتدعة من يكون صاحب بدعة ويدعو إليها وينشرها مثل الجهم بن صفوان فهذا يقال له: مبتدع، وأيضاً مثل: الجعد بن درهم يقال له: مبتدع، ومثل أناس كثيرون من المبتدعة يوصفون بأنهم مبتدعة، ومن العلماء من يحصل منه بدعة، ويحصل منه مخالفة، لكن لا يقال: إنه من المبتدعة الذين يعاملون معاملة المبتدعة، بل يستفاد من علمه ويترحم عليه يدعى، وما حصل منه من خطأ في بعض الأمور، فيرجى أن يكون مغموراً في جانب حسناته وفضله، وأن يحصل له عفو الله ورحمته، وأن يدخل في سعة عفو الله ورحمته بما حصل منه من الخير الكثير. مداخلة: لكن هل يلزم من فعل البدعة أن يكون مبتدعاً؟الشيخ: من يفعل البدع ويدعو إليها، ويكون مرجعاً فيها، ومن الناس من يكون حصل منه خطأ، ويكون حصل منه خير كثير، فيرجى له العفو والتجاوز من الله عز وجل.
    مدى تأثير الابتداع في المنهج على الابتداع في العقيدة
    السؤال: هل الابتداع في منهج الدعوة كالابتداع في العقيدة؟الجواب: الابتداع في العقيدة كما هو معلوم مخالفة ما جاء في الكتاب والسنة مما يجب اتباعه والأخذ به، وهو السير على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما المناهج في الدعوة فإنها متفاوتة، فإذا كانت على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهي الحق الذي لا شك فيه، وإذا كان فيها انحراف، فلا شك أن ذلك بحسبه من الذنب، وهو يتفاوت قرباً وبعداً إلى منهج أهل السنة والجماعة، ولا شك أن هذا فيه مخالفة وهذا مخالفة، لكن المخالفة في العقيدة لا شك أن أمرها خطير وأمرها عظيم، وكذلك المخالفة في المنهج أيضاً؛ لأنها تنبني أيضاً على الاهتمام بالعقيدة، أو عدم الاهتمام بالعقيدة.
    ضابط الدراسة على المبتدع عند الحاجة
    السؤال: ما رأيكم في الدراسة على المبتدعة؟الجواب : لا يدرس عليهم إذا وجد غيرهم ممن يغني عنهم، وإذا احتيج إلى الدراسة عليهم ولم تكن الدراسة فيما يتعلق بالبدعة، فإن الإنسان يستفيد منهم حيث لا يجد غيرهم ممن فيه السلامة، ولكن يحذر بدعتهم، وإذا كان سيترتب على دراسته أن يقع في البدعة فليفر منهم فراراً مثلما قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، يعني: يفر منهم كما يفر الإنسان من الأسد حتى لا يقضي عليه.
    كيفية طلوع الشمس بين قرني الشيطان
    السؤال: كيف تطلع الشمس بين قرني شيطان؟الجواب: هذا السؤال كتب العلماء الجواب عنه، فقالوا: قوله: (تطلع بين قرني شيطان) أي: يكون معترضاً عند طلوعها حتى تكون عبادة الذين يعبدونها له؛ الذين يعبدون الشمس ويسجدون لها تكون عبادتهم له، أما الكيفية والوصف، فما أحد يستطيع أن يعرف كيفية الشيطان ووصف الشيطان.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #110
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (107)

    - باب النهي عن الصلاة بعد العصر

    الصلاة صلة بين العبد وربه فتصلى في أي وقت عدا أوقات جاء النهي عن الصلاة فيها، منها: بعد العصر حتى تغرب الشمس وكذلك عند الزوال.
    النهي عن الصلاة بعد العصر

    شرح حديث: (نهى رسول الله عن الصلاة بعد الصبح حتى الطلوع وعن الصلاة بعد العصر حتى الغروب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الصلاة بعد العصر.أخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا ابن عيينة عن ضمرة بن سعيد أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى الطلوع، وعن الصلاة بعد العصر حتى الغروب)].يقول النسائي رحمه الله: (باب النهي عن الصلاة بعد العصر). سبق في التراجم السابقة النهي عن الصلاة بعد الفجر، والنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها في وسط النهار، وهذه الترجمة من جملة هذه التراجم المتعلقة ببيان أوقات النهي عن الصلاة فيها، وهي ثلاثة أوقات قصيرة، ووقتان طويلان يضافان إلى هذه الثلاثة الأوقات، وهما متصلان بوقتين من هذه الأوقات الثلاثة، وهو النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الترجمة فيها النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وقد أورد النسائي في هذا الباب أحاديث، أولها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى الطلوع-أي: طلوع الشمس-وبعد صلاة العصر حتى الغروب)، أي: غروب الشمس، والحديث مطابق للترجمة، وهو مشتمل على النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فيكون هذا الوقت الطويل متصلاً بالوقت القصير الذي هو عند غروبها، وقد جاء فيه، وفي الوقتين الآخرين أحاديث تخصها، مثل حديث عقبة بن عامر المتقدم: (ثلاثة أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، ومنها هذا الوقت الذي هو غروب الشمس).فإذاً: فوقتان طويلان متصلان بوقتين من هذه الأوقات الثلاثة، فيكون التحريم أو النهي مستمراً من حين صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الصلاة بعد الصبح حتى الطلوع وعن الصلاة بعد العصر حتى الغروب)
    قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].وهو مجاهد بن موسى الخوارزمي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا ابن عيينة].وهو سفيان بن عيينة المحدث، الفقيه، المشهور، الثقة، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ضمرة بن سعيد].هو ضمرة بن سعيد وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[أنه سمع أبا سعيد].هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان، وهو مشهور بكنيته أبو سعيد، ونسبته الخدري، أو لا يكاد يذكر إلا هكذا: أبو سعيد الخدري، وهو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:والمكثرو في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِوالإسناد من رباعيات النسائي التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ وليس عنده ثلاثيات، وإنما أعلى ما عنده الرباعيات، وذلك بأن يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً في صحيحه، والترمذي عنده حديث واحد، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث بإسناد واحد.وأما مسلم، والنسائي، وأبو داود فليس عندهم ثلاثيات، وأعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا من أعلى الأسانيد عند الإمام النسائي رحمه الله.وكلمة (الطلوع) و(الغروب) المراد بها طلوع الشمس وغروبها، و(أل) فيها عوضٌ عن المضاف إليه، يعني: طلوع الشمس، وغروب الشمس، فيحذف أحياناً المضاف إليه ويؤتى بأل في أول المضاف فتكون مغنية عنه، وهذا يكون على سبيل الاختصار، وهذا يوجد كثيراً في الكلمات، ويستعمل في أسماء الكتب كثيراً من أجل الاختصار، مثلما يقال: الفتح، والبلوغ، والعمدة، والروضة، وما إلى ذلك من أسماء الكتب، فيذكرون المضاف مسبوقاً بأل، ويحذفون المضاف إليه، يعني: تأتي أسماء كتب مختصرة يحذف المضاف إليه، ويؤتى بأل في أول المضاف، فتكون مغنية، وعوضاً عن المضاف إليه.

    شرح حديث: (لا صلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الحميد بن محمد حدثنا مخلد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد: أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)].وهنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري من طريق أخرى، ويقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس)، يعني: حتى تطلع، (ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فالحديث مطابق أو شاهد أو دال على ما ترجم له النسائي، وهو النهي عن الصلاة بعد العصر، أي: حتى تغرب الشمس.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا صلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)

    قوله: [حدثنا عبد الحميد].هو أبو عمر عبد الحميد بن محمد الحراني، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.[حدثنا مخلد].هو مخلد بن يزيد، وهو صدوق له أوهام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن ابن جريج].وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، كثير التدليس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام، محدث، فقيه، مكثر من الرواية، هو من صغار التابعين، وهو الذي كلفه، أو أسند إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أن يقوم بتدوين السنة، وهو الذي قال فيه السيوطي:أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمروحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء بن يزيد].هو عطاء بن يزيد الليثي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع أبا سعيد الخدري].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    طريق أخرى لحديث: (نهى رسول الله عن الصلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس) وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمود بن غيلان حدثنا: الوليد أخبرني عبد الرحمن بن نمر عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه].وهنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري من طريق أخرى، ولم يسق المتن، بل قال: بنحوه، أي: بنحو المتن الذي قبل هذا، فالضمير في نحوه يرجع إلى المتن الذي قبل هذا، وهو قول أبي سعيد: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، هذا هو المتن الذي ذكر قبل هذا، والذي يرجع إليه الضمير في قوله نحوه، والمقصود بنحوه، أنه مثله في المعنى وليس باللفظ؛ لأنه إذا كان المتن المحال إليه يماثله المتن المحال يقال: بمثله أو مثله، أما إذا كان ليس مطابقاً في اللفظ، وإنما هو موافقٌ في المعنى مع اختلاف في الألفاظ، فالتعبير عنه يقال: بنحوه، هذا هو الفرق بين: بمثله، ونحوه.قوله: [أخبرني محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وقد جاء في بعض النسخ: محمود بن خالد السلمي، وكل منهما روى عن الوليد بن مسلم، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا، وكل منهما ثقة، أعني: محمود بن غيلان المروزي، ومحمود بن خالد السلمي، ولكن اختلفوا في الذين خرجوا لهم، فـمحمود بن غيلان خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.وأما محمود بن خالد السلمي فقد خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وفي ترجمة الوليد بن مسلم أنه روى عنه هذا وهذا، فسواء كان هذا، أو هذا فالمؤدى واحد، والنتيجة واحدة، وهما ثقتان، وهما جميعاً من شيوخ النسائي.[حدثنا الوليد بن مسلم].هو الوليد بن مسلم، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، والتدليس: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، وإذا جاء عنه سمعت، وحدثني، وأخبرني وأنبأني فلا مجال للتدليس؛ لأنه إذا صرح بالسماع في موضع آخر انتهى، فلا إشكال، وإنما الإشكال فيما إذا لم يوجد عنه التصريح بالسماع، فيحتمل الاتصال، ويحتمل الانقطاع.وأما التسوية فهو نوع آخر من التدليس، وهو أسوأ أنواع التدليس، وهو أن يأتي إلى إسناد فيه ثقات وضعفاء، فيحذف الضعفاء الذين في أثناء الإسناد، ويذكر الثقات فيروي بعضهم عن بعض، ولكن ليس بلفظ سمعت، ولا حدثني، وأخبرني، وإنما يأتي به بعنعنة أو قال، فيسوي الإسناد، حتى يصير كأنه ثقات، مع أن فيه ضعفاء قد حذفوا، وهذا أسوأ أنواع التدليس، وليس الأمر مقصوراً على الشخص المدلس، بل يضاف الحذف إلى غيره، فيحذف شيخ شيخه، أو من فوقه، ثم يأتي بثقتين متصل بعضهما ببعض، وقد حذف بينهما ضعيفاً، فهذا يسمونه تدليس التسوية، وهو أسوأ أنواع التدليس؛ لأن التدليس ليس خاصاً بالمدلس، بل أضيف الحذف إلى من فوق المدلس، أي: شيوخ شيوخه، ومن فوقهم.والوليد بن مسلم أخرج له أصحاب السنن الأربعة.قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن نمر].هو عبد الرحمن بن نمر، وهو ثقة، قيل: إنه لم يرو عنه إلا الوليد بن مسلم، وقد أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.قوله: [عن ابن شهاب عن عطاء عن أبي سعيد].وقد مر ذكر الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.
    حديث: (أن النبي نهى عن الصلاة بعد العصر) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر)، يعني: إلى أن تغرب الشمس، فهو دالٌ على ما ترجم له المصنف من النهي عن الصلاة بعد العصر. قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].هو أحمد بن حرب النسائي، وهو من بلد النسائي، فنسبته كنسبة النسائي، وقد خرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا سفيان].وهو سفيان بن عيينة وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن حجير].هو هشام بن حجير، صدوق له أوهام، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.[عن طاوس].هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فاضل، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].هو ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فهؤلاء يقال لهم: العبادلة من الصحابة، وهم من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب، وفي عصر واحد، فلهذا يطلق عليهم العبادلة، وأما عبد الله بن مسعود فإنه ليس منهم؛ لأنه متقدم عليهم بكثير، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.وعبد الله بن عباس أيضاً هو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين ذكرهم السيوطي في ألفيته، والذين أشرت إليهم عند ذكر أبي سعيد الخدري في الحديث المتقدم.

    شرح حديث: (لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا الفضل بن عنبسة حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (أوهم عمر رضي الله عنه، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان)].وهنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، قالت: (أوهم عمر، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها)، فالحديث بهذا اللفظ لا يطابق هذه الترجمة التي هي: النهي عن الصلاة بعد العصر؛ لأنه يتعلق بطلوع الشمس وغروبها، ولكن حديث عمر الذي أُشير إليه، والتي قالت فيه عائشة: (أوهم عمر)، هو مشتمل على ما ترجم له، وقد تقدم في الأحاديث السابقة من رواية ابن عباس عن عمر رضي الله عنه: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، حيث قال: سمعت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر -وهو من أحبهم إلي- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس).وقول عائشة: (أوهم عمر)، قيل: إن المراد بها أنه ذهب وهمه، وقالت: (إنما قال رسول الله: لا تتحروا)، نعم الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه هذا، وجاء عنه ذاك، فهذا الإطلاق الذي جاء عن عمر أيضاً وافقه غيره عليه من الصحابة، فكثيرون الذين رووا الحديث مطلقاً عن النهي بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وليس الأمر مقصوراً على النهي عن الصلاة عند الغروب، بل جاء فيه أحاديث النهي عن الصلاة عند الغروب، وجاء أحاديث تدل على المنع من صلاة العصر حتى الغروب، فيكون الوقتان متصلين بعضهما ببعض؛ الوقت الطويل مع الوقت القصير؛ والوقت القصير الذي هو عند غروب الشمس، والوقت الطويل الذي هو بعد العصر حتى تغرب.وأما فيما يتعلق بقرني الشيطان، فإن هذا إنما هو خاص بالغروب كما جاء فيه هذا الحديث، وفي غيره من الأحاديث؛ أنهم لا يتحروا، ويقصدوا الصلاة في ذلك الوقت؛ لأنها تغرب بين قرني شيطان، والشيطان يعترض حتى يكون الساجدون للشمس، والعابدون لها ساجدين له وعابدين له.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني الشيطان)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي.[حدثنا الفضل بن عنبسة].هو الفضل بن عنبسة، وهو ثقة، خرج له البخاري، والنسائي مثل الذي قبله، إلا أن الذي قبله عنده زيادة أبي داود.[حدثنا وهيب].وهو وهيب بن خالد، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن ابن طاوس].وهو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[قالت عائشة].وهي الصديقة بنت الصديق، وهي من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ستة من الرجال، وواحدة من النساء، هذه الواحدة من النساء هي أم المؤمنين عائشة، وهي التي قال فيها السيوطي:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِوزوجة النبي يعني بذلك عائشة رضي الله عنها، فهي الصحابية الوحيدة التي كثر حديثها، ولم يقاربها أحد من الصحابيات، وقد زاد حديثها على ألف حديث.
    شرح حديث: (إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تطلع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي أخبرني ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تشرق، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عمر: (إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تطلع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب)، حاجب الشمس هو إذا طلع طرفها فإنها تؤخر الصلاة حتى يتم الطلوع وترتفع، وإذا غاب حاجبها -أي: ذهب جزء منها، يعني: الذي هو مقدمها، أولها أو طرفها- فإنها تؤخر حتى تغرب كلها، والمقصود من ذلك الإشارة للوقتين القصيرين.ومن المعلوم أن الوقتين الطويلين متصلان بهذين الوقتين القصيرين (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)، ولكن هذا إشارة إلى الوقت القصير الذي يعترض فيه الشيطان عند طلوع الشمس، وعند الغروب حتى تكون العبادة له من الكفار الذين يعبدون الشمس، فيكون سجودهم له؛ لأنهم يسجدون للشمس حال كونه معترضاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تطلع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى بن سعيد].هو يحيى بن سعيد القطان، وهو المحدث، الثقة، الثبت، الناقد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا هشام بن عروة].هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني أبي].هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين المعروفين في عصر التابعين، فعندما تأتي بعض المسائل التي اتفقوا عليها يقال: قال بها الفقهاء السبعة، أو اتفق عليها الفقهاء السبعة.[أخبرني ابن عمر].وهو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وهو الذي قال: (عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق فأجازني)، يعني: يريد أن يكون من المجاهدين، ولكن الرسول لم يجزه لصغره، ولما كان في غزوة الخندق أجازه، وهذا يدل على حرص الصحابة، وصغارهم على الجهاد في سبيل الله، وأن الواحد منهم يأتي يعرض نفسه وهو صغير يريد أن يكون من المجاهدين، ولكن لصغره لم يظفر بالإذن له، وفي السنة التي بعدها وفي غزوة الخندق أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث عمرو بن عبسة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن منصور أنبأنا آدم بن أبي إياس حدثنا الليث بن سعد حدثنا معاوية بن صالح أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول: سمعت عمرو بن عبسة يقول: (قلت: يا رسول الله! هل من ساعة أقرب من الأخرى؟ أو هل من ساعة يُبتغى ذكرها؟ قال: نعم، إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن، فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح ويذهب شعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار، فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر، فدع الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس، فإنها تغيب بين قرني شيطان، وهي صلاة الكفار)].وهنا أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه الذي يرويه عنه أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان، وهو من رواية صحابي عن صحابي؛ لأن الاثنين من رواية الصحابة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، والحديث يتعلق بالأوقات المنهي عنها، لكنه ليس واضحاً فيما ترجم له، وهو النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فيقول: (قلت: يا رسول الله! هل من ساعة أقرب من الأخرى؟ أو هل من ساعة يبتغى ذكرها؟ قال: نعم، إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر).هذا من الأحاديث الدالة على نزول الرب سبحانه وتعالى كما جاء في الأحاديث الأخرى: (أنه في الثلث الآخر ينزل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).. الحديث.قوله: (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن).أي: في الثلث الآخر من الليل.قوله: (فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس).يعني: تحضرها الملائكة وتشهدها إلى طلوع الشمس، والمقصود من ذلك أن الصلاة في آخر الليل -أي: في الثلث الآخر من الليل- من الأوقات التي لها مزية ولها فضيلة؛ لأنه الثلث الذي ينزل فيه الرب، ثم بعد ذلك صلاة الفجر وهي مشهودة، ووقتها إلى طلوع الشمس، ولكنه إذا صلي الصبح فقد جاءت الأحاديث بالنهي عن الصلاة بعد الفجر حتى طلوع الشمس.قوله: (فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار).فإنها تطلع، يعني: أي الشمس بين قرني الشيطان؛ لأن الشيطان يعترض ليكون العابدون للشمس عابدين له، والحديث واضح الدلالة على النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس؛ لأنها تغرب بين قرني شيطان، ولكن ما ترجم له النسائي فليس واضحاً في الدلالة على ما ترجم له، وهو النهي عن الصلاة بعد العصر، وبعد الفجر.قوله: (فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح ويذهب شعاعها).يعني: إذا ذهب وقت النهي بعد ذلك يبدأ وقت صلاة الضحى، ويستمر إلى أن تكون الشمس فوق الرءوس، أي: قبل الزوال، حيث يقوم قائم الظهيرة، وعند ذلك يمتنع من الصلاة في ذلك الوقت.قوله: (ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار).يعني: فتكون الشمس على الرأس، وليس هناك ظل لا من جهة المغرب، ولا من جهة المشرق، ففي هذه الحالة نهي عن الصلاة، فإذا انكسر الفيء ووجد الظل، وبدأ إلى جهة المشرق حيث ذهبت الشمس إلى جهة المغرب عند ذلك يبدأ وقت صلاة الظهر.قوله: (فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر، فدع الصلاة حتى يفيء الفيء).يفيء الفيء، يعني: ينكسر الظل ويوجد الظل إلى جهة الشرق، حيث انحرفت الشمس إلى جهة الغرب فوجد الظل من جهة المشرق.قوله: (ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس).(ثم الصلاة محضورة مشهودة)، يعني: من ذلك الوقت إلى غروب الشمس، ولكن ليس المقصود من ذلك أن الإنسان يصلي كيفما يشاء، ولكن صلاة العصر تستمر في وقت الاضطرار إلى غروب الشمس، ولكن إذا صليت العصر فقد جاءت الأحاديث النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وهذا هو الذي ترجم له المصنف؛ النهي عن الصلاة، ولكن الحديث الذي معنا لا دلالة فيه على نفس الترجمة، ولكن فيه الدلالة على النهي عن الصلاة عند الغروب، وعند الزوال وعند طلوع الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
    قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[أنبأنا آدم بن أبي إياس].هو آدم بن أبي إياس، وهو ثقة، وهو من شيوخ البخاري، والنسائي يروي عنه بواسطة، وهو ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود في الناسخ.[حدثنا الليث بن سعد].هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الثقة، الثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معاوية بن صالح].هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر].هو أبو يحيى سليم بن عامر، ثقة خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[و ضمرة بن حبيب].هو ضمرة بن حبيب، ثقة، خرج له أصحاب السنن الأربعة.[و أبو طلحة].هو أبو طلحة نعيم بن زياد، وهو ثقة، يرسل، خرج له النسائي، وأبو داود في التفرد.[قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي].وهو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت عمرو بن عبسة].وهو أيضاً صحابي مشهور، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #111
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (108)
    - (باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب) إلى (باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة)

    استثنى الشرع من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها صلاة ركعتي الطواف في أي ساعة من ليل أو نهار، ويستحب الصلاة في غير أوقات النهي، كما يستحب صلاة ركعتين بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، وتجوز الصلاة من بعد المغرب إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر.
    الرخصة في الصلاة قبل المغرب

    شرح حديث عقبة بن عامر في الصلاة قبل المغرب
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب.أخبرنا علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل أخبرنا سعيد بن عيسى حدثنا عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير حدثه: (أن أبا تميم الجيشاني قام ليركع ركعتين قبل المغرب، فقلت لـعقبة بن عامر رضي الله عنه: انظر إلى هذا أي صلاة يصلي؟ فالتفت إليه فرآه فقال: هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)].يقول النسائي رحمه الله: باب الرخصة في الصلاة قبل المغرب. المقصود من هذا هو الصلاة أو التنفل قبل صلاة المغرب، وبعد الأذان، أي: بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، فهذا هو المقصود من الترجمة، وقد جاء في الدلالة على هذا المعنى هذا الحديث وغيره من الأحاديث الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي دالة على أنه يصلى قبل المغرب بعد الأذان، أو بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، وأن ذلك سائغ، وصاحبه مأجور عليه، وليس هذا من السنن الرواتب التي جاء في الحث عليها حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، اثنتا عشرة ركعة، كما جاء في حديث عائشة، وعشر ركعات كما جاء في حديث ابن عمر فجعل ما قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل الفجر ركعتين.هذه الصلاة التي جاءت في هذا الحديث، وهو حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، يدل على أن هذه الصلاة تصلى في هذا الوقت، وأن الإنسان إذا كان في المسجد، وأذن المؤذن، فإنه يستحب له أن يقوم ويصلي قبل صلاة المغرب، وقد جاء في الحديث: (بين كل أذانين صلاة)، فبين الأذان والإقامة يصلي الإنسان.في هذا الحديث يقول مرثد بن عبد الله اليزني أبو الخير أنه رأى أبا تميم الجيشاني يصلي قبل المغرب، وكان عقبة بن عامر صاحب رسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنه، فقال له: انظر إلى هذا كيف يصلي؟ أي: إلى أبي تميم الجيشاني، فالتفت إليه فرآه يصلي، يعني: قبل المغرب، فقال: هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: عمله صحيح، وكأن أبا الخير استغرب هذا، أو أنه ليس عنده شيء في هذا، فلفت نظر ذلك الصحابي الجليل وهو عقبة بن عامر، فالتفت إليه فرآه يصلي، فقال: (هذه صلاة كنا نصليها على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: فإنها سائغة وأنها سنة، وأنه لا مانع منها ولا محذور فيها ولا إشكال فيها؛ لأنها ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وذلك بإقراره لأصحابه وهم يصلون، وجاء التنصيص عليها في أحاديث أخرى، مثل قوله عليه الصلاة والسلام الذي أشرت إليه: (بين كل أذانين صلاة)، وقوله: (صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء)، فهذا يدلنا على استحبابها، ولكنها ليست من السنن الرواتب المؤكدة التي حث عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي اثنتا عشرة ركعة التي أشرت إليها.
    تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في الصلاة قبل المغرب
    قوله: [ أخبرنا علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل].هو علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل، والنسائي نسب شيخه وأطال في نسبته، وكما ذكرت سابقاً أن الراوي يمكن أن يذكر شيخه بما يريد؛ لأن هذا كلامه، بخلاف ما إذا كان التلميذ قد ذكر شيخه بلفظ مختصر، فليس لمن دونه أن يزيد في نسبه دون أن يبين بأن يقول: هو فلان ابن فلان، أو يقول: يعني: ابن فلان، أو هو الفلاني؛ لأنه ليس لمن دون التلميذ أن يزيد على ما قال التلميذ إلا إذا أتى بلفظ يبين أن الزيادة ليست من التلميذ، بأن يقول: هو ابن فلان، أو يعني: ابن فلان، أما التلميذ فإنه ينسبه كما شاء، مثلما فعل النسائي هنا، فذكر نسب شيخه الطويل، فقال: علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل، ستة أشخاص، يعني: ذكر خمسة من أسماء آبائه، فالتلميذ ينسب شيخه بما يريد، ويمكن أن يضيف إلى ذلك، بأن يقول: في المكان الفلاني، وفي البلد الفلاني، كما يريد، وأما التلميذ فله أن يقول مثلاً: حدثنا سفيان هو ابن عيينة مثلاً، أو هو الثوري، أو يعني ابن عيينة، أو يعني الثوري.. وما إلى ذلك.وهو لا بأس به، وخرج حديثه النسائي وحده.[ أخبرنا سعيد بن عيسى].هو سعيد بن عيسى، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، والنسائي.[ حدثنا عبد الرحمن بن القاسم].هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو صاحب الإمام مالك، وهو ثقة فقيه خرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، ولم يخرج له مسلم، ولا أبو داود في السنن، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه .[ حدثنا بكر بن مضر].هو بكر بن مضر المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ عن عمرو بن الحارث].هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يزيد بن أبي حبيب].هو يزيد بن أبي حبيب المصري أيضاً، وهو أيضاً ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أن أبا الخير حدثه].و أبو الخير كنية وصاحبها مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو أيضاً ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عقبة بن عامر الجهني].هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.أما أبو تميم الجيشاني فهذا ليس من الرواة في هذا الإسناد، ولكنه سبق أن مر في بعض الأسانيد الماضية، وأما هنا فجاء ذكره لأنه كان يصلي قبل المغرب، فرآه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وكان لا يعرف الحكم في هذه الصلاة، وكأنه استغربها.
    الصلاة بعد طلوع الفجر

    شرح حديث: (كان رسول الله إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بعد طلوع الفجر.أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زيد بن محمد أنه قال: سمعت نافعاً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)].قوله: (باب الصلاة بعد طلوع الفجر)، أي: التنفل بركعتين وهما ركعتا الفجر، وهي مع الوتر آكد الرواتب المتعلقة بالصلوات، وكان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليهما، ويداوم عليهما في الحضر والسفر، فحديث حفصة رضي الله تعالى عنها قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر كان لا يصلي إلا ركعتين)، يعني: أنه يقتصر على صلاة ركعتين، وهما ركعتا الفجر، وذلك إما في البيت وإما في المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت، ثم يخرج، وتقام الصلاة ويصلي بالناس، وإذا صلى الإنسان في بيته هاتين الركعتين، ثم جاء إلى المسجد والصلاة لم تقم فإنه يصلي تحية المسجد، ولا يجلس حتى يصلي تحية المسجد، أما إذا جاء والصلاة مقامة فإنه قد أدى هذه الراتبة في بيته، وكان هديه عليه الصلاة والسلام أنه لا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين، وهما السنة الراتبة التي كان يحافظ عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحضر والسفر.وعلى هذا فإن حديث حفصة يدل على أنه لا يصلى بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، فليس للإنسان أن يتنفل ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، وإنما يصلي ركعتين فقط ويجلس، فإن صلاها في البيت، ثم جاء إلى المسجد والصلاة لم تقم فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين)

    قوله: [ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم].هو أحمد بن عبد الله بن الحكم، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.[ حدثنا محمد بن جعفر].وهو محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا شعبة].وهو شعبة بن الحجاج، الثقة الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن زيد بن محمد].هو زيد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي.[ سمعت نافعاً].وهو نافع مولى ابن عمر، الثقة الثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[يحدث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما].وهو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير. وعبد الله بن عمر هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين قال فيهم السيوطي في الألفية:والمكثر ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ[ عن حفصة رضي الله عنها].وهي أم المؤمنين، حفصة بنت عمر، وهنا عبد الله بن عمر يروي عن أخته حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها خرجه أصحاب الكتب الستة.
    إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح

    شرح حديث عمرو بن عبسة في إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح.أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان، وأيوب بن محمد، قالا: حدثنا حجاج بن محمد قال أيوب: حدثنا، وقال حسن: أخبرني شعبة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! من أسلم معك؟ قال: حر وعبد، قلت: هل من ساعة أقرب إلى الله عز وجل من أخرى؟ قال: نعم، جوف الليل الآخر، فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح، ثم انته حتى تطلع الشمس، وما دامت، وقال أيوب: فما دامت كأنها حجفة حتى تنتشر، ثم صل ما بدا لك حتى يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تزول الشمس، فإن جهنم تسجر نصف النهار، ثم صل ما بدا لك حتى تصلي العصر، ثم انته حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: (باب إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح)، هذه الترجمة المراد بها أن النهي الذي يكون بعد الصبح إنما يكون بالفراغ من الصلاة، وبالانتهاء من الصلاة، فإنه لا صلاة بعد الفجر حتى طلوع الشمس، معناه: إلى أن تصلى الفجر فإن الصلاة مباحة، لكن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين هما ركعتا الفجر، وقد أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في أول الإسلام وفي أول البعثة، فقال له: (من أسلم معك؟ قال: حر وعبد) الحر هو: أبو بكر والعبد هو: بلال، ثم إنه قال: (هل من ساعة هي أرجى)، يعني: يرجى فيها قبول الدعاء، قال: (نعم، جوف الليل الآخر).قوله: (وصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح)، معناه: أن الإنسان يصلي ما بدا له في جوف الليل إلى أن يصلي الصبح، والامتناع من الصلاة إنما يكون بعد صلاة الصبح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، أي: بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ومن ذلك الوقت الذي هو آخر الليل إلى أن تصلى هو وقت إباحة، لكن بعد الأذان، أي: أذان الفجر، وبعد طلوع الفجر، فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلى إلا ركعتان، وهما ركعتا الفجر اللتان هما آكد السنن، وآكد الرواتب التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المقطع من الحديث هو محل الشاهد للترجمة، إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح.قوله: (ثم انته حتى تطلع الشمس، وما دامت).أي: بعدما تصلي الصبح انته من الصلاة، وتوقف عن الصلاة إلى أن تطلع الشمس.قوله: (وقال أيوب: وما دامت كأنها حجفة حتى تنتشر).يعني: كأنها ترس، أي: أنها مستديرة يمكن رؤيتها، ليست قبل أن ينتشر شعاعها، وذلك في أول طلوعها، معناه: أنها إذا طلعت، ثم مضى وقت يسير بعد طلوعها وهي على هذه الهيئة التي يمكن رؤيتها، وهي مستديرة لم ينتشر شعاعها، ولم يظهر شعاعها بقوة، وهذا هو معنى أنه بعد طلوع الشمس ينتظر قليلاً حتى ترتفع قيد رمح، يعني: حتى ترتفع قليلاً، وينتهي هذا الوضع الذي هي عليه، بحيث أنها كالترس، تُرى أطرافها؛ لأنه لا شعاع لها في ذلك، بحيث يصعب معه رؤيتها، أي: أنها بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع وترتفع قليلاً.قوله: (ثم صل ما بدا لك حتى).أي: بعد ارتفاعها إلى الزوال الذي هو وقت صلاة الظهر، يصلي الإنسان ما بدا له في ذلك الوقت، لا مانع في هذا الوقت الذي هو الضحى من ارتفاع الشمس إلى الزوال، ثم إذا زالت الشمس وقام قائم الظهيرة، وصارت على الرءوس، يعني: في وسط النهار قبل أن ينكسر الفيء إلى جهة الشرق، عند ذلك يتوقف الإنسان عن الصلاة؛ لأنه وقت تسجر فيه جهنم.قوله: (حتى يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تزول الشمس).أي: ثم انته عن الصلاة حيث يكون العمود الواقف ليس له ظلال من جهة الشرق، فإذا وجد الظلال من جهة الشرق فعند ذلك ينتهي ذلك الوقت القصير الذي نهي عن الصلاة فيه، وقد جاء النهي في أحاديث أخرى، حديث عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: عند طلوع الشمس، وعند قيامها، وعند غروبها).قوله: (ثم صل ما بدا لك حتى تصلي العصر).أي: ثم يصلي الإنسان ما بدا له بعد الزوال إلى أن يصلي العصر، وإذا صلى العصر جاء وقت النهي: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فإذا صلاها انتهى عن الصلاة، وتوقف عن الصلاة إلى أن تغرب الشمس.قوله: (ثم انته حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان).وذلك أنه يعترض الشيطان عند طلوعها وتظهر بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، يريد من ذلك أن يسجد له الساجدون لها، وأن يعبده العابدون لها؛ لأن من يسجد للشمس وهي تطلع بين قرني شيطان، معناه أنه يعبد الشيطان، ويصلي للشيطان.
    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة في إباحة الصلاة حتى يصلي الصبح
    قوله: [ أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان].هو الحسن بن إسماعيل بن سليمان، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[و أيوب بن محمد].وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[ قالا: حدثنا حجاج بن محمد].هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ثم إن كلاً من الحسن بن إسماعيل، وأيوب بن محمد اختلف لفظ حجاج بن محمد الذي روى فيه عن شعبة، فقال أيوب بن محمد: حدثنا شعبة، والحسن يقول: أخبرنا، وأخبرنا وحدثنا عند بعض العلماء لا فرق بينهما، لكن المشهور التفريق بينهما بأن (حدثنا) فيما إذا سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرنا) فيما إذا قرئ على الشيخ، فيعبرون بـ(أخبرنا) فيما إذا قرئ على الشيخ الذي يسمى العرض، و(حدثنا) فيما إذا كان الشيخ يقرأ وهم يسمعون، ومن العلماء من لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا، ويجعل معناهما واحد.ثم أيضاً الحسن يقول في روايته عن شعبة: أخبرني، وكلمة (أخبرني) تعني أن شعبة حدثه وحده ليس معه أحد عندما قال: أخبرني، أما رواية أيوب بن محمد فيقول: حدثنا، أي: أنه هو ومعه غيره، هذا هو الفرق بين حدثني وحدثنا، وأخبرني وأخبرنا؛ أن أخبرني أنه سمع من شيخه وحده ليس معه مشارك عند السماع من الشيخ، وأما إذا قال: (حدثنا) و(أخبرنا) فإنه ليس وحده، بل معه غيره. [أخبرني شعبة].هو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة وقد مر ذكره قريباً.[ عن يعلى بن عطاء].يعلى بن عطاء ثقة، خرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، يعني: البخاري ما خرج له في الصحيح، وإنما خرج له في جزء القراءة خلف الإمام، فهو من رجاله في جزء القراءة، وليس من رجاله في الصحيح.[ عن يزيد بن طلق].يزيد بن طلق قال عنه الحافظ في التقريب: أنه مجهول، وقال عنه الدارقطني: يعتبر به، وأورده ابن حبان في الثقات.[ عن عبد الرحمن بن البيلماني].وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ضعيف.[عن عمرو بن عبسة].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وله ثمانية وأربعون حديثاً، عند مسلم منها حديث واحد، وأما البخاري فليس في صحيحه رواية عن عمرو بن عبسة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورضي الله تعالى عنه وأرضاه.وهذه الجهالة التي ذكرت في يزيد بن طلق، والضعف الذي ذكر في حق عبد الرحمن بن البيلماني لا يؤثر؛ لأنه لم يحصل التفرد، بل جاءت طرق أخرى تدل على ما دل عليه الحديث، ومن ذلك نفس حديث عمرو بن عبسة، سبق أن مر في رقم: (571) من طريق أخرى ورجاله ثقات، فتكون هذه الطريق التي في رواتها ضعف لم يكن معولاً عليها، ولم يأتِ الحديث من هذه الطريق فقط، بل قد جاء من طرق أخرى، فيدل على أن الحديث صحيح؛ لأنه ثابت من غير هذه الطريق، فتكون هذه الطريق هي مثل تلك الطرق التي ثبت فيها الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان الحديث ما جاء إلا من هذا الطريق، وحصل التفرد به من هذا الطريق ما ثبت، لكنه لما كان ثابتاً عن عمرو بن عبسة من طريق أخرى، فإن هذه الرواية يكون حكمها حكم الرواية السابقة.
    إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة

    شرح حديث: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت من أبي الزبير أنه قال: سمعت عبد الله بن باباه يحدث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)].أورد النسائي: باب: إباحة الصلاة في الساعات كلها في مكة.مكة كما هو معلوم حكمها حكم البلاد الأخرى، وما جاء من النهي عن الصلاة بعد العصر فإنه يشملها، وعن الصلاة بعد الفجر فإنه يشملها أيضاً، في كون الإنسان يقوم ويتنفل، لكن من دخل وطاف فإنه يصلي ركعتي الطواف في أي وقت طاف، ولو كان ذلك في الأوقات المنهي عنها، أما كون الإنسان يكون في المسجد الحرام، ثم يقوم ويتنفل بعد الفجر، فإن الأحاديث الأخرى تدل على المنع منه، ولكن هنا قال: طاف بالبيت وصلى، يعني: أنه يطوف ويصلي الصلاة التي هي سنة الطواف، أما كون الإنسان يتنفل ويصلي في وقت النهي، فإن الحكم يشمل مكة ويشمل غير مكة، وهذه الترجمة التي قيدها المصنف بالساعات كلها في مكة، والحديث: (لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)، يعني: أنه لا يمنع من دخول المسجد في أي وقت من الليل أو النهار الذي هو المسجد الحرام، ويكون المسجد مفتوحاً، ويدخله الناس في كل وقت وفي كل حين، ولا يمنع أحد من دخوله في أي وقت من الأوقات، وإذا دخل فإنه يصلي ركعتي الطواف، أو يصلي تحية المسجد على الخلاف في هل هي من ذوات الأسباب التي تستثنى من النهي أو لا تستثنى؟ لكن يستثنى من ذلك الذي هو الطواف والصلاة في حال الخطبة، وفي حال الصلاة، فإنه لا يطاف بالبيت في وقت الصلاة، ولا يصلى ويطاف في وقت الخطبة، وإنما من دخل فإنه يصلي ركعتين، ثم يجلس يستمع الخطبة، فهذا مستثنى من هذا العموم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)
    قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز، وللنسائي شيخان، كلٌ منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما مكي، والثاني كوفي، وقد سبق أن مر بنا في بعض الأسانيد في الرواية عن سفيان: محمد بن منصور المكي، نسبه النسائي فقال: المكي، فعين أن الذي يروي عن سفيان هو المكي؛ لأن سفيان بن عيينة مكي.ومحمد بن منصور الذي هو الجواز مكي، ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.و سفيان هو ابن عيينة، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ سمعت من أبي الزبير].هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي أيضاً، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ سمعت عبد الله بن باباه].وعبد الله بن باباه ثقة، روى له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن جبير بن مطعم].هو جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، وروى هذا الحديث: يا بني عبد مناف! وهو من بني عبد مناف، وأولاد عبد مناف أربعة، هم: هاشم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل.وجبير بن مطعم هذا النوفلي هو الذي جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إنك أعطيت بني المطلب، ونحن وإياهم أولاد عبد مناف، فقال: إنا وبنو المطلب شيء واحد)، يعني: أن بني المطلب بن عبد مناف هم الذين ساندوا بني هاشم، وهم الذين صاروا معهم عندما قاطعتهم قريش، فصاروا يُعطون من الخمس، ولا يعطون من الزكاة، فـعثمان بن عفان وهو من بني عبد شمس، وجبير بن مطعم وهو من بني نوفل، وعبد شمس ونوفل هما أخوان للمطلب ولـهاشم في نسب الرسول عليه الصلاة والسلام: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.وأبوه مطعم هو الذي أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة، ودخل في جواره، ومنعه من أن يصل إليه إيذاء كفار قريش؛ لأنه أجاره فصار في جواره.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #112
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (109)


    - (باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر) إلى (باب الوقت الذي يجمع فيه المقيم)

    ما جعل الله في الدين من حرج، بل رخص الله للعباد وخفف عنهم في حال المشقة، ومن ذلك أنه رخص للمسافر أن يقصر الصلاة ويجمع بين الصلاتين سواء جمع تقديم في أول وقت الأولى أو جمع تأخير في وقت الأخرى، كذلك يجوز للمقيم في بلده أن يجمع بين الصلاتين إذا دعت الحاجة وعرض له أمر ضروري يستدعي الجمع؛ رفعاً للمشقة والحرج.
    الوقت الذي يجمع فيه بين الظهر والعصر

    شرح حديث أنس في الوقت الذي يجمع فيه بين الظهر والعصر

    قال المصنف رحمه الله تعالى [باب الوقت الذي يجمع فيه بين الظهر والعصر.أخبرنا قتيبة قال: حدثنا مفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) ].الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جمع التأخير في وقت الثانية، وجمع التقديم في وقت الأولى، بحيث يؤخر الظهر إلى وقت العصر، والمغرب إلى وقت العشاء، أو يعجل العصر إلى وقت الظهر، والعشاء في وقت المغرب، جمع تقديم وجمع تأخير.وقد أورد النسائي رحمه الله في ذلك أحاديث، أولها: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان سائراً وقد حصل الزوال، فإنه يؤخر الظهر إلى أن يأتي وقت العصر فيصليهما جميعاً، يصلي الظهر ثم يصلي العصر في وقت الثانية التي هي العصر، والجمع جمع تأخير، أما إذا كان نازلاً قبل أن تزول الشمس، فإنه إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر ثم ركب، وليس في هذا الحديث ذكر جمع التقديم، ولكنه جاء في أحاديث أخرى: أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر في وقت الأولى الذي هو جمع تقديم، وحديث أنس بن مالك هذا ليس فيه إلا جمع التأخير، وليس فيه جمع التقديم.
    تراجم رجال إسناد حديث أنس في الوقت الذي يجمع فيه بين الظهر والعصر
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد أكثر عنه النسائي في سننه، بل هو أول شيخ روى عنه في سننه. [حدثنا مفضل].وهو ابن فضالة بن عبيد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عقيل].عقيل بالتصغير، وهو عقيل بن خالد بن عقيل هو بالتصغير، وأما جده فهو على وزن عظيم، وهذا اللفظ عَقيل وعُقيل هي من الألفاظ التي تتفق في الرسم، ولكنها تختلف في النطق وتختلف فيهما الحركات، أما بالنسبة للحروف والشكل فهي متفقة، والفرق بينها إنما هو بالحركات، وعقيل بن خالد بن عقيل الأيلي ثم المصري، هو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا من تأخرت وفاتهم من الصحابة، مثل أنس بن مالك رضي الله عنه، فإن أنس بن مالك رضي الله عنه من صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم حتى أدركه أناس كثيرون من التابعين، وابن شهاب يروي عن صغار الصحابة الذين عاشوا وعمّروا، وهنا يروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهو من صغار التابعين؛ لأن التابعين فيهم كبار وأوساط وصغار.[عن أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وكان عمره حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عشر سنوات، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات منذ هاجر إلى أن توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، فعمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، وقد عمّر حتى أدركه صغار التابعين، كما هنا حيث أدركه ابن شهاب الزهري المتوفى سنة (124هـ أو 125هـ). وأنس بن مالك هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
    شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه، أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أخبره: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان في غزوة تبوك، وكانوا مقيمين في تبوك، أخر الظهر ثم خرج وجمع بين الظهر والعصر، ثم إنه خرج فجمع بين المغرب والعشاء، وذلك في حال الإقامة في تبوك، ومن المعلوم أن ذلك كان في سفر، ولكنه كان في حال إقامة في تبوك، وهو دليل على أن المقيم يجوز له أن يجمع، أي: المسافر المقيم في بلد، وهو له حق القصر والجمع، فإنه يجوز له أن يجمع، وإن كان الأولى ألا يجمع مادام مقيماً؛ لأن المعروف من عادته عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يجمع إذا كان مقيماً، كما كان يفعل في منى، فإنه كان يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها مقصورة بدون جمع، ولكنه فعل هذا لبيان الجواز، وأن ذلك جائز، وهو وإن كان جائزاً إلا أن الأولى عدمه، أي: في حال الإقامة، أما إذا جّد به السير وكان سائراً، ومن المصلحة له أن يجمع بين الصلاتين، فإن له أن يفعل ذلك، وقد جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما في حال الإقامة فالأولى عدم الجمع، وإذا جمع جاز كما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في تبوك وهو مقيم؛ لأن كونه يقول: خرج، يعني: خرج من مقر سكنه الذي هو ساكن فيه في تبوك، يعني: مع أصحابه، خرج من مكانه الذي هو نازل فيه، وصلى بهم جامعاً بين الظهر والعصر، ثم خرج من مكانه وصلى بهم جامعاً بين المغرب والعشاء، فهذا هو الدليل على جواز الجمع في حال الإقامة.
    تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين
    قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].وهو المرادي المصري، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له]وهو أيضاً مصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.قوله: (واللفظ له)، أي: للحارث بن مسكين؛ لأنه ذكر الشيخين وبيّن من له اللفظ منهما، وأنه للثاني من الشيخين، وهو الحارث بن مسكين المصري الثقة، وقد خرج عنه أبو داود، والنسائي.[عن ابن القاسم].وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.[حدثني مالك].وهو ابن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة، وهذه المذاهب الأربعة حصل لأصحابها أتباع عنوا بجمع فقههم وتدوينه والعناية به، وهناك فقهاء آخرون هم أئمة أجلة، ولكنه ما حصل أن اعتنى أحدٌ بأقوالهم واجتهاداتهم، وما أثر عنهم من الأقوال، وما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة، فلا يقال: إن الأئمة الأربعة هؤلاء هم أهل الفقه وغيرهم ليس كذلك، ففي زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أئمة فقهاء معروفون مشهورون، ومنهم إسحاق بن راهويه، ومنهم وكيع، ومنهم الثوري، ومنهم الأوزاعي، ومنهم الليث بن سعد، ومنهم أئمة كثيرون، وفقهاء أجلة، وأقوالهم امتلأت بها الكتب التي تنقل مذاهب وأقوال الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لكن الأئمة الأربعة وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، حصل لهم أتباع عنوا بجمع أقوالهم وترتيبها وتنظيمها والعناية بها، فلهذا اشتهرت هذه المذاهب الأربعة، والإمام مالك هو أحد أصحاب هذه المذاهب.[عن أبي الزبير المكي].وهو محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الطفيل عامر بن واثلة].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة الذين عمروا وعاشوا مدة طويلة، وذكر الإمام مسلم وغيره أنه آخر من مات من الصحابة على الإطلاق، وقالوا: إنه توفي سنة مائة وعشرة من الهجرة، وكانت ولادته في عام أحد، وروى عن كبار الصحابة مثل أبي بكر ومن بعده، وهنا يروي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، وحديث أبي الطفيل عامر بن واثلة عند أصحاب الكتب الستة.[أن معاذ بن جبل].معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وهو من فقهاء الصحابة، وقد روى الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه ليس كالسبعة الذين رووا الكثير، وزادت أحاديثهم على ألف حديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    بيان ذلك

    شرح حديث ابن عمر في الجمع بين الصلاتين
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بيان ذلك.أخبرني محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا كثير بن قاروندا (سألت سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر، وسألناه: هل كان يجمع بين شيء من صلاته في سفره؟ فذكر أن صفية بنت أبي عبيد كانت تحته فكتبت إليه وهو في زراعة له: أني في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من الآخرة، فركب فأسرع السير إليها، حتى إذا حانت صلاة الظهر قال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فلم يلتفت، حتى إذا كان بين الصلاتين نزل، فقال: أقم، فإذا سلمت فأقم، فصلى، ثم ركب حتى إذا غابت الشمس قال له المؤذن: الصلاة، فقال: كفعلك في صلاة الظهر والعصر، ثم سار حتى إذا اشتبكت النجوم، نزل ثم قال للمؤذن: أقم، فإذا سلمت فأقم، فصلى، ثم انصرف، ثم التفت إلينا، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فوته فليصل هذه الصلاة)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب: بيان ذلك، يعني: بيان الجمع؛ لأنه في الترجمة السابقة ذكر الوقت الذي يجمع فيه بين الظهر والعصر، ثم هذه الترجمة فيها بيان لما تقدم، وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن زوجته صفية بنت أبي عبيد كتبت له وكانت مريضة، وقالت: (إنها في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة)، يعني: أنها كانت في مرض شديد، وأنها تحتضر؛ لأن قولها: كانت في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، معناه أنها بلغت الغاية في الشدة، فكتبت إليه، فلما بلغه ذلك اتجه إليها وأسرع، وكان في مكان بعيد، فلما حان وقت الظهر قال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فلم يلتفت إليه، يعني: ما استجاب له بأنه ينزل ويصلي، فلما كان بين الصلاتين، يعني: بين صلاة الظهر وصلاة العصر، فنزل وصلى، فجمع بين الظهر والعصر، ثم واصل السير، ولما دخل وقت المغرب قال المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فقال مثلما كان بين الظهر والعصر، ثم إنه بعدما اشتبكت النجوم واشتد الظلام نزل وصلى وجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء.قوله: (إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فوته فليصل هذه الصلاة)، يعني: كونه سائراً وجاداً به السير، ويريد الوصول إلى غاية بسرعة فإنه يجمع، وهذا الجمع إنما هو في حال السير، وكما عرفنا أن الجمع يكون في حال السير وفي حال الإقامة؛ يكون في حال السير كما في هذا الحديث وغيره من الأحاديث، ويكون في حال الإقامة كما حصل في غزوة تبوك في الحديث المتقدم الذي مر بنا قبل هذا.قوله: (وسألناه: هل كان يجمع بين شيء من صلاته في سفره؟)، فذكر هذا الحديث الذي فيه أنه جاءه من زوجته أنها في مرض شديد، وأنه أسرع إليها، وكان يجمع في الطريق بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الجمع بين الصلاتين

    قوله: [أخبرني محمد بن عبد الله بن بزيع].وهو محمد بن عبد الله بن بزيع البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.[حدثنا يزيد بن زريع البصري].وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا كثير بن قاروندا].هنا ابن قاروندا، وفي التقريب قال: قاوند، بقاف ونون ساكنة قبلها واو مفتوحة، وكثير بن قاوند هذا كوفي سكن البصرة، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وتفرد النسائي بإخراج حديثه، فلم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.[سألت سالم بن عبد الله].هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن ستة لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم هذا، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.أما أبوه عبد الله بن عمر.رضي الله عنه فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وهو من العبادلة الأربعة في الصحابة، وهو من المكثرين السبعة من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الوقت الذي يجمع فيه المقيم

    شرح حديث ابن عباس: (صليت مع رسول الله بالمدينة ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوقت الذي يجمع فيه المقيم.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة: الوقت الذي يجمع فيه المقيم. المقيم المراد به هو: المقيم في بلده، وسبق أن عرفنا أن المقيم في حال سفره، يعني: الإقامة التي يقصر فيها أنه يجمع، والأولى عدم الجمع كما تقدم في الحديث الذي مضى، وهو حديث معاذ الذي فيه جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في تبوك، وهو مقيم في تبوك، فذاك جمع في السفر، وأما هذا فهو جمع في حال الإقامة في البلد الذي يسكن فيه الإنسان.وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: (صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ثمانياً جميعاً، وسبعاً جميعاً)، يعني: الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات جمع بينهما، (وسبعاً جميعاً)، أي: المغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات ولم يقصر؛ لأنه مقيم في بلده، ولكن الجمع حصل منه عليه الصلاة والسلام. وبعض العلماء قال: إن هذا يراد به الجمع الصوري، وهو أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها، وإذا فرغ منها يكون حينئذ قد دخل وقت العصر، فيصليها في أول وقتها، ويؤخر المغرب حتى يصليها في آخر وقتها، وإذا فرغ منها يكون حينئذ قد دخل وقت العشاء، فيصلي العشاء في أول وقتها. وقد جاء في بعض الروايات ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا حتى لا يحرج أمته، يعني: دفعاً للحرج والمشقة عنها، وليس ذلك جمعاً صورياً كما قاله بعض العلماء؛ لأن الجمع الصوري أولاً: تحقيقه وحصوله فيه مشقة، والأمر الثاني: أنه لا يقال له: جمع، إلا من حيث الصورة، وقد جاء في الحديث أنه قال: (أراد ألا يحرج أمته)، يعني: دفعاً للحرج عنها، ومعنى ذلك أنه جمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، لكن هذا ليس متكرراً، وإنما حصل في يوم من الأيام، حصل أمرٌ يقتضي ذلك من العوارض التي طرأت، وفيها تيسير وتخفيف، ولم يكن هذا عمله دائماً، بل ولا كثيراً، وإنما كان فعله مرة واحدة، وقد بين ذلك في بعض الروايات أنه أراد ألا يحصل لها حرج ومشقة عندما يحصل ضرورة تلجئ إلى ذلك.وأما ما جاء من قوله: (عجل وأخر)، فهذه قيل: إنها مدرجة، وقد ذكر هذا الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح النسائي اعتباراً بصحة أوله وذكره في ضعيف سنن النسائي اعتباراً بأن ذكر التعجيل والتأخير مدرج، والذي هو غير مدرج هو أول الحديث أنه صلى ثمانياً وصلى سبعاً، ثمانياً الظهر والعصر، وسبعاً المغرب والعشاء.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (صليت مع رسول الله بالمدينة ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد، وقد مر ذكره قريباً.[حدثنا سفيان].وهو ابن عيينة، وهو ثقة ثبت، وهو مكي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو].وهو ابن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن جابر بن زيد].وهو أبو الشعثاء، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].ابن عباس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث ابن عباس: (أنه صلى مع رسول الله بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم أخبرنا حبان بن هلال حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فعل ذلك من شغل، وزعم ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء)].أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه أنه فعل ذلك بالبصرة، وذكر أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة مثل هذه الصلاة، يعني: جمع بين الصلاتين، فعل ذلك ابن عباس وبين مستنده في ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا في المدينة، وكان لشغل حصل له، فاضطره إلى أن يجمع هذا الجمع، وذلك فيما أخبر به من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جمع بين الصلاتين الظهر والعصر في المدينة، وهو جمع في حال إقامة، وجاء في بعض الروايات في الصحيح أنه ما كان ذلك من مطر، وما كان من خوف، ولكنه لأمر عارض طرأ عليه في ذلك اليوم، وأراد ألا يحرج أمته بأن يحصل لهم حرج ومشقة عندما يحصل لهم اضطرار إلى مثل هذا العمل.قوله: (أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء).الأولى هي الظهر، يقال لها: الأولى لأنها هي أول صلاة صلاها جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم لما فرضت عليه الصلوات الخمس، وقيل: إنها الأولى؛ لأنها الأولى من صلوات النهار، ليس المراد بذلك النهار الذي هو محل الصيام؛ لأن الفجر في محل الصيام، واليوم يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما يحصل الصيام، لكن في حال الضياء والنور، أو لأنها الأولى من صلاتي العشي؛ لأن الظهر والعصر يقال لهما: صلاة العشي، فهي الأولى من صلاتي العشي.قوله: (والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء).يعني: ما صلى كل صلاة في وقتها، بل جمع بينهما.قوله: (وزعم ابن عباس رضي الله عنهما).قوله: (زعم) هذه يراد بها الخبر المحقق؛ لأنها تأتي لمعان، ومنها الخبر المحقق، وهنا هذا هو معناها، وليس المراد بها معنى آخر غير هذا المعنى الذي هو الخبر المحقق.قوله: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء).أطلق في هذا الحديث السجدات على الركعات، وقد مر بنا أنه قد جاءت أحاديث كثيرة يطلق فيها على الركعة أنها سجدة، وهذا منها، أطلق على الثمان السجدات التي هي أربع الظهر وأربع العصر التي هي الركعات، أطلق عليها سجدات.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (أنه صلى مع رسول الله بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ...)
    قوله: [أخبرنا أبو عاصم].هو أبو عاصم خشيش بن أصرم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.[أخبرنا حبان بن هلال].وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحبان بفتح الحاء وليس بكسرها؛ لأن بعض الرواة يقال له: حبان، مثل حبان بن موسى بكسر الحاء، وأما هنا حبان بفتح الحاء.[حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب ].وابن أبي حبيب صدوق يخطئ، روى له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه . وكلمة (هو ابن أبي حبيب) هذه ليست من تلميذه الراوي عنه، وإنما هي ممن دونه كما عرفنا ذلك مراراً؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو، بل ينسبه كما يريد، كما عرفنا ذلك قريباً عن النسائي، حيث ذكر شيخاً من شيوخه فذكر ستة أسماء، ذكر اسمه واسم خمسة من آبائه، فالتلميذ قد ينسب شيخه كما يريد، لكن إذا كان التلميذ قد اختصر اسم شيخه، وأراد من دونه أن يوضح، يأتي بكلمة (هو) أو (يعني) أو ما إلى ذلك من الألفاظ التي تدل على أن الكلام ليس من التلميذ، وإنما هو ممن هو دون التلميذ.[عن عمرو بن هرم].وهو ثقة، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه . [عن جابر بن زيد].وهو أبو الشعثاء وقد تقدم.[عن ابن عباس].وقد مر ذكره.
    الأسئلة

    بيان من له الشأن في تنصيب الإمام ومبايعته
    السؤال: شيخنا الفاضل! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.هل الإمام ينصب إماماً بمبايعة العلماء والأمراء وأهل الحل والعقد، أم بكل أفراد الشعب؟الجواب: تنصيب الإمام يكون باتفاق أهل الحل والعقد، وليس بكل أفراد الشعب، ولا بأكثرهم، ولا بالكثيرين منهم، وإنما يكفي أهل الحل والعقد أن يتولوا ذلك، ثم غيرهم تبعٌ لهم، وهذا هو الذي جرى في مبايعة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه قد بايعهم الموجودون عندهم في المدينة، وغيرهم تبع لهم في ذلك، ثم أيضاً الذين لم يبايعوا هم مبايعون وإن لم يضعوا أيديهم في يد الإمام؛ لأنه لا يلزم أن كل واحد يضع يده في يد الإمام، وأن البيعة لا تتم إلا بوضع يده، بل إذا بايع أهل الحل والعقد فالجميع تبع لهم، وليس لأحد الخروج عليه، أو الامتناع من بيعته، وإنما عليه أن يكون مع الناس، وألا يخرج عما اتفق عليه أهل الحل والعقد، ومن المعلوم أن التولية تكون باتفاق أهل الحل والعقد، وتكون أيضاً بأن يعهد الخليفة الذي قبله إليه، كما حصل من أبي بكر لـعمر، وتكون أيضاً بأن يتغلب شخص ويقهر الناس ويغلبهم ويخضعون له، فأيضاً يكون توليه بذلك، ويجب السمع له والطاعة بذلك؛ لما في الخروج عليه من إزهاق النفوس وكثرة الفتن التي لا نهاية لها.
    حال أبي حنيفة ومدى اعتماد أقواله في باب العقيدة
    السؤال: هل أبو حنيفة معدود من السلف الذين يؤخذ عنهم في باب العقيدة؟ وهل هو ثقة أم لا؟الجواب: أبو حنيفة رحمه الله من علماء السلف، وإن كان قد حصل منه في بعض الأمور مثل مسألة الإيمان في كون الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان كما ذكر ذلك الطحاوي في عقيدته، لكن هو من أئمة أهل السنة، ومن علماء السلف، وهو من الفقهاء، وليس معروفاً بكثرة الحديث والعناية به، ولكنه فقيه مشهور، وإمام من الأئمة الأربعة الذين حصل لمذاهبهم عناية خاصة من أتباعهم.
    حكم التوسل بالنبي عليه السلام بعد وفاته
    السؤال: ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مع الدليل؟ وهل هذه المسألة فقهية أم عقائدية؟الجواب: حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وبغيره إن كان في الحياة بأن يطلب منه الدعاء، أو يطلب الدعاء من الحي، فهذا قد جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يأتيه أصحابه ويسألونه الدعاء فيدعو لهم، كما جاء الرجل الذي دخل وهو يخطب، وسأله أن يستسقي لهم فاستسقى، ولما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام ما كانوا يأتون قبره ويطلبون منه أشياء، وما كانوا يتوسلون به، بل الذي فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، قم يا عباس فادع الله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #113
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (110)


    - باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء

    من رحمة الله بهذه الأمة أن شرع لها الجمع بين الصلاتين في السفر، وقصر الرباعية منها، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس وجدّ به السير أخر الظهر إلى العصر.
    الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء

    شرح حديث ابن عمر في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ من قريش قال: (صحبت ابن عمر رضي الله عنهما إلى الحمى، فلما غربت الشمس هبت أن أقول له: الصلاة، فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء ثم نزل فصلى المغرب ثلاث ركعات ثم صلى ركعتين على إثرها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل)].يقول النسائي رحمه الله: باب الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء. أورد النسائي رحمه الله في هذا الباب أحاديث عديدة، أولها حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان معه إسماعيل بن عبد الرحمن، فذهب معه ولما آن وقت المغرب أراد أن يقول له: (الصلاة، فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء)، يعني الظلام، فعند ذلك نزل فصلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين، جمع بين المغرب والعشاء، ومعنى ذلك أنه جمع في آخر وقت المغرب، فجمع بين الصلاتين، ومن المعلوم أن وقت كل من الصلاتين هو وقت للأخرى سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير.وقوله: (هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) في هذا بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الاقتداء به ومتابعته في أفعاله، وكذلك أنهم إذا عملوا الأعمال وكانوا متبعين فيها للرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يبينون ذلك، فيقولون كما قال ابن عمر هنا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يفعل، فهم يفعلون ويذكرون الدليل على فعلهم؛ ليبينوا للناس أنهم متبعون فيما يفعلون سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدل على فضلهم، ونبلهم، وسبقهم إلى الخير، وحرصهم على متابعة النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ومن المعلوم أن العمل المقبول عند الله لا بد فيه من أمرين: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون عامله موافقاً فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولابد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي أن يخلص له، وأن يفرده بالعبادة وأن لا يجعل له شريكاً فيها، وشهادة أن محمداً رسول الله تقتضي بأن يفرد ويوحد بالمتابعة، كما قال بعض العلماء: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما توحيد الرسول وتوحيد المرسل، فتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل -وهو الله عز وجل- يكون بإخلاص العمل لله عز وجل، وهذا هو معنى الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد المعروف بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، فقيه، محدث، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الأوصاف الرفيعة العالية التي لم يظفر بها إلا النادر من المحدثين، ومنهم إسحاق بن إبراهيم بن راهويه هذا، ومثل هذا اللفظ المركب المختوم بـ(ويه)، فإن أهل اللغة يجعلون الواو مفتوحة والياء ساكنة، وأما المحدثون فإنهم يجعلون الواو ساكنة وما قبلها مضموم والياء مفتوحة. وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه هذا خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مكي.[عن ابن أبي نجيح]هو عبد الله بن يسار المكي، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة، واسمه عبد الله، واسم أبيه يسار، فهو عبد الله بن يسار، مشهور أبوه بكنيته الذي هو أبو نجيح.[عن إسماعيل بن عبد الرحمن].وهو شيخ من قريش، هو ابن ذؤيب، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[قال: صحبت ابن عمر]عبد الله بن عمر، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي الجليل ابن الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين اشتهروا بهذا الوصف، فإذا قيل: العبادلة الأربعة في الصحابة، هم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم، وغيرهم ممن يسمى عبد الله كثير، ومنهم عبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس، لكن هذا الوصف أُطلق على هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة وهم متقاربون في السن، لهذا يقال لهم: العبادلة الأربعة.وعبد الله بن عمر هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفهؤلاء سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الله بن عمر عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عمر: (رأيت رسول الله إذا عجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن ابن أبي حمزة ح وقال أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان واللفظ له عن شعيب عن الزهري أنه قال: أخبرني سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجله السير في السفر)، يعني إذا كان جاداً في السير فإنه يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، يعني في وقت العشاء، وهذا من الأحاديث الدالة على الجمع بين الصلاتين صلاة المغرب وصلاة العشاء.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (رأيت رسول الله إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء)
    قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان].هو ابن سعيد بن كثير بن دينار، وهو صدوق خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، أي خرج له أصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي، ولم يخرج له الشيخان البخاري، ومسلم.[حدثنا بقية].هو بقية بن الوليد، صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن ابن أبي حمزة].هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.ثم ذكر النسائي إسناداً آخر رجع فيه إلى ذكر شيخ آخر له.[أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة].وهو صدوق، خرج له النسائي وحده.[حدثنا عثمان].هو ابن سعيد بن كثير بن دينار أبو عمرو، وهو أبو شيخ النسائي في الإسناد الأول؛ لأن الإسناد الأول عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، وهذا عثمان أبوه وهو شيخ أحمد بن محمد بن المغيرة، الذي هو شيخ النسائي وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، ثقة، عابد، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، مثل الذين خرجوا لابنه، لم يخرج له ولا لابنه الشيخان، ولا الترمذي، والابن صدوق، والأب ثقة عابد.[عن شعيب]هو ابن أبي حمزة الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا؛ لأن هناك ما ذكر اسمه ولكن ذكر نسبه، وهنا ذكر اسمه، ولم يذكر نسبه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قال: واللفظ له، يعني أن اللفظ لـعثمان بن سعيد وليس لـبقية بن الوليد.[عن الزهري]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقصي بن كلاب هو الذي في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلتقي نسب الزهري مع نسب الرسول في جد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاب، أي قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب أخوان. ويقال له: الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب، وهو محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وقد مر بنا في بعض الأحاديث أنه يروي عن أنس بن مالك.وأنس بن مالك هو من صغار الصحابة الذين عمروا وأدركهم صغار التابعين، وابن شهاب الزهري المتوفى سنة: (124هـ أو 125هـ) هو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابن شهاب هذا هو الذي كلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز بأن يجمع السنة ويدونها، وهو الذي قال فيه السيوطي:أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمراً له عمروعرفنا أن الجمع الذي حصل إنما هو جمع بتكليف من الخليفة، وأما الجمع بجهود فردية وبأعمال خاصة فهذا موجود قبل هذا العمل الذي عمله ابن شهاب الزهري، كما كان معروفاً من عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يكتب كما جاء في حديث أبي هريرة لم يكن هناك أحد أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.[أخبرني سالم عن أبيه].هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو من المحدثين الفقهاء، وهو من التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع من السبعة؛ لأن الفقهاء السبعة في المدينة المعروفين في عصر التابعين، هم سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة. وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال منهم من قال: إن السابع سالم بن عبد الله بن عمر هذا الذي معنا، ومنهم من قال: إن السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ومنهم من قال: إن السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في أول كتابه (إعلام الموقعين) الذين عرفوا بالفتوى واشتهروا بالفقه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في مختلف الأمصار ومختلف البلاد، ولما جاء عند ذكر المدينة، وذكر الذين هم معروفون بالفقه والفتوى من الصحابة ومن التابعين ومن بعدهم، ذكر هؤلاء الفقهاء السبعة، وذكر السابع منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين يشتمل الثاني منهما على أسماء هؤلاء السبعة حيث قال:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله وعروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةفهذا البيت الثاني يشتمل على أسماء الفقهاء السبعة في المدينة.وسالم بن عبد الله بن عمر حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن أبيه عبد الله بن عمر، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (غابت الشمس ورسول الله بمكة فجمع بين الصلاتين بسرف)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا المؤمل بن إهاب حدثني يحيى بن محمد الجاري حدثنا عبد العزيز بن محمد عن مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (غابت الشمس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فجمع بين الصلاتين بسرف)].هنا ذكر النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: (غابت الشمس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وجمع بين الصلاتين بسرف)، في سرف وهو مكان قريب من مكة، والمقصود من ذلك أنه أخر المغرب عن أول وقتها وجمع بينها وبين العشاء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (غابت الشمس ورسول الله بمكة فجمع بين الصلاتين بسرف)

    قوله: [أخبرنا المؤمل بن إهاب].وهو صدوق له أوهام، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي.[حدثني يحيى بن محمد الجاري].وهو صدوق يخطئ، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، يعني مثل الذين رووا لـمؤمل بن إهاب بزيادة الترمذي، أي خرج له أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، والشيخان البخاري ومسلم لم يخرجا له شيئاً.[حدثنا عبد العزيز بن محمد].هو الدراوردي، وهو صدوق، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، قيل عنه: إنه يحدث من كتب غيره فيخطئ، وقيل عنه: إن أحاديثه عن عبيد الله بن عمر منكرة.[عن مالك بن أنس].مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد الفقهاء، وأحد الأئمة الأربعة الذين اشتهرت مذاهبهم والذين حصل لهم أتباع عنوا بجمع فقههم وبجمع أقوالهم وتدوينها، حتى حصل لها ما لم يحصل لغيرها من الشيوع والذيوع، ومن المعلوم أن في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أئمة أجلة فقهاء، ولكن ما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء من وجود أتباع يعنون بجمع فقههم وجمع اجتهاداتهم ويدونونها ويرتبونها وينظمونها، وهم من الفقهاء الأجلة، مثل إسحاق بن راهويه، والأوزاعي، والليث بن سعد، وغيرهم ممن عرفوا بالفقه واشتهروا به، لكن ما حصل لهم مثلما حصل للأئمة الأربعة.[عن أبي الزبير].هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق له أوهام، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن جابر].هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث أنس في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو أخبرنا ابن وهب حدثنا جابر بن إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان إذا جدَّ به السير يؤخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، يعني يؤخرها حتى يغيب الشفق ويجمع بينها وبين العشاء في وقت صلاة العشاء، أي يصليهما في وقت صلاة العشاء، فهو من الأحاديث الدالة على الجمع بين المغرب والعشاء.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء

    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو].وهو ثقة، لم يخرج له البخاري، ولا الترمذي، بل خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي.[أخبرنا ابن وهب].هو عبد الله بن وهب المصري، الثقة، الفقيه، المحدث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا جابر بن إسماعيل].وهو مقبول، خرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، يعني ما خرج له البخاري في الصحيح، ولا خرج له الترمذي.[عن عقيل].عقيل بالتصغير، هو عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب عن أنس].ابن شهاب، وهو الذي تقدم قريباً الزهري، وأنس بن مالك، وهذا فيه رواية الزهري عن أنس، وهو من صغار التابعين، يروي عن أنس وهو من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنه.وأنس بن مالك هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل، وكان عمره لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عشر سنوات، وقد عمر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى الحديث الكثير عن النبي عليه الصلاة والسلام، وتلقى عنه الأحاديث الكثير من التابعين، وهو أحد السبعة الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.

    شرح حديث ابن عمر في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثني نافع قال: (خرجت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في سفر يريد أرضاً له، فأتاه آت فقال: إن صفية بنت أبي عبيد لما بها، فانظر أن تدركها، فخرج مسرعاً ومعه رجل من قريش يسايره، وغابت الشمس فلم يصل الصلاة، وكان عهدي به وهو يحافظ على الصلاة، فلما أبطأ قلت: الصلاة يرحمك الله، فالتفت إليَّ ومضى، حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب، ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا، ثم أقبل علينا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وقد مر ذكر بعض رواياته، وهو أنه كان في سفر ومعه رجل من قريش، ولما دخل وقت المغرب، وكان يعلم محافظته على الصلاة يعني في أول وقتها، فقال له: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فالتفت إليه ومضى يعني معناه أنه قد علم ما قال أو فهم ما قال، ولما جاء في آخر وقت صلاة المغرب وعند مغيب الشفق نزل وصلى المغرب ثلاثاً ثم صلى العشاء بعدها ركعتين، وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، يعني أنه يؤخر صلاة المغرب إذا أدركه السير، فإنه يستمر في سيره ويجمع المغرب مع العشاء.و إسماعيل بن عبد الرحمن قال: صحبت ابن عمر، إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ من قريش، فهذا هو الذي كان يعنيه نافع، قال: ومعه شيخ من قريش يسايره، يعني يسير معه ويرافقه في الطريق.(فأتاه آتٍ فقال: إن صفية بنت أبي عبيد لما بها).صفية بنت أبي عبيد يعني زوجة عبد الله بن عمر، أنه لما بها أو لما بها، يعني أنها تستعجله أو تطلب منه الحضور أو تخبره بما فيها من شدة المرض، ولهذا جاء في بعض الروايات أنها كتبت إليه وقالت: إنها في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فأسرع السير ليصل إليها ويدركها.(فانظر أن تدركها، فخرج مسرعاً ومعه رجل من قريش يسايره، وغابت الشمس فلم يصل الصلاة، وكان عهدي به وهو يحافظ على الصلاة).قوله: (وغابت الشمس فلم يصل الصلاة)، يعني في أول الوقت، وكان عهدي به أنه يحافظ على الصلاة، يعني في أول وقتها، فهو لما لم يصل في أول الوقت خشي أن يكون نسي فذكّره وقال: الصلاة، فالتفت إليه ثم مضى، معناه أنه قد فهم ما ذكره به، وهو يريد أن يؤخر الصلاة ليجمع بينها وبين صلاة العشاء.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء من طريق ثانية
    قوله: [أخبرنا محمود بن خالد].هو السلمي، وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه . [حدثنا الوليد].هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، خرج له الجماعة، كثير تدليس التسوية، وهو نوع من أنواع التدليس وهو أشد الأنواع، ويعرف بأنه أن يعمد إلى إسناد فيه ثقات وضعفاء، فيحذف الضعفاء ويجعل الإسناد له ثقات فيسويه على أساس أن الذي يرى الإسناد يراه ليس فيه إلا الثقات، مع أنه حذف الضعفاء منه، أما بقية بن الوليد فكان كثير التدليس عن الضعفاء.[حدثنا ابن جابر].هو عبد الله بن عبد الله بن جابر، ويقال له أيضاً: ابن جبر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني نافع].هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عمر].وقد مر ذكره.
    حديث ابن عمر في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا العطاف عن نافع أنه قال: (أقبلنا مع ابن عمر رضي الله عنهما من مكة فلما كان تلك الليلة سار بنا حتى أمسينا، فظننا أنه نسي الصلاة، فقلنا له: الصلاة، فسكت وسار حتى كاد الشفق أن يغيب ثم نزل فصلى وغاب الشفق فصلى العشاء، ثم أقبل علينا فقال: هكذا كنا نصنع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير)].هنا أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وقد مر ذكره بهذا المعنى قريباً.قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر الرواية عنهم، بل هو أول شيخ خرج له في سننه.[حدثنا العطاف].هو العطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص المخزومي، صدوق يهم، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له مسلم، ولا ابن ماجه .[عن نافع عن ابن عمر].وقد مر ذكرهما في الذي قبل هذا.
    حديث ابن عمر في الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم حدثنا ابن شميل حدثنا كثير بن قاروندا أنه قال: (سألنا سالم بن عبد الله عن الصلاة في السفر، فقلنا: أكان عبد الله يجمع بين شيء من الصلوات في السفر؟ فقال: لا إلا بجمع، ثم أتيته فقال: كانت عنده صفية فأرسلت إليه: إني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فركب وأنا معه فأسرع السير حتى حانت الصلاة، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن فسار حتى إذا كان بين الصلاتين نزل، فقال للمؤذن: أقم فإذا سلمت من الظهر فأقم مكانك، فأقام فصلى الظهر ركعتين ثم سلم ثم أقام مكانه فصلى العصر ركعتين، ثم ركب فأسرع السير حتى غابت الشمس، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن فقال كفعلك الأول، فسار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل فقال: أقم فإذا سلمت فأقم فصلي المغرب ثلاثاً ثم أقام مكانه فصلى العشاء الآخرة، ثم سلم واحدة تلقاء وجهه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضر أحدكم أمراً يخشى فواته فليصل هذه الصلاة)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد مر هذا الحديث فيما مضى، وأورده هنا للاستدلال به على الجمع بين صلاة المغرب والعشاء، وهناك أورده في الجمع للاستدلال به بين الظهر والعصر، وقد مر ذكره فيما مضى.قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم].وهو صدوق، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي والبخاري في الأدب المفرد وليس في الصحيح، والكتب الستة التي هي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وابن ماجه ، وأبي داود. وسنن النسائي.[حدثنا ابن شميل].النضر بن شميل، هو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا كثير بن قاروندا].وقد مر ذكره في الإسناد السابق، وهو مقبول، خرج حديثه النسائي وحده.أما عبد الله بن عمر فقد مر ذكره في الأسانيد الماضية.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #114
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (111)


    - باب الحال التي يجمع فيها بين الصلاتين - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر

    إن الشريعة الإسلامية شريعة يسر، لم تقصد التعنت والمشقة في تشريعاتها، بل فيها الرخص، ومن ذلك الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا سفر، وإنما لوجود ما يستدعي ذلك من مرض ونحوه.
    الحال التي يجمع فيها بين الصلاتين

    شرح حديث: (أن النبي كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحال التي يجمع فيها بين الصلاتين.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن نافع عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء)].يقول النسائي رحمه الله: (باب الحال التي يجمع فيها بين الصلاتين)، الحال: أي الهيئة التي يكون بها الجمع بين الصلاتين؛ وذلك مثل كون السير جد بالإنسان فإنه يجمع بين الصلاتين من أجل مواصلة السير؛ لأن نزوله عند كل صلاة قد يحصل معه شيء من التأخير، والله تعالى يسر وخفف فشرع الجمع بين الصلاتين وجعل ذلك سائغاً، وذلك في حال كون السير جد بالإنسان، وحتى يواصل سيره، وينزل نزولاً واحداً يصلي فيه الصلاتين معاً كالمغرب والعشاء والظهر والعصر. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء)، يعني أنه ينزل نزولاً واحداً فيصلي فيه الصلاتين المغرب والعشاء، إذا كان سائراً قبل غروب الشمس. وغربت الشمس وهو سائر فإنه يؤخر المغرب ثم ينزل ويصليها ويصلي معها العشاء، فيكون بذلك جامعاً بين الصلاتين.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك]. هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن نافع]. هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت أيضاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما].هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد رباعي، ومن أعلى أسانيد النسائي؛ لأن النسائي ليس عنده إسناد من الثلاثيات، بل أعلى شيء عنده الإسناد الرباعي، وهذا السند من هذه الأسانيد العالية: قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر، بين النسائي -وكانت وفاته سنة: (303هـ)- وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص قتيبة، ومالك، ونافع، وعبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما. وقد ذكرت فيما مضى: أن أصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم أعلى ما عندهم الثلاثيات، وثلاثة أعلى ما عندهم الرباعيات، فالثلاثة الذين أعلى ما عندهم الثلاثيات هم: البخاري، فإن عنده اثنين وعشرين حديثاً ثلاثياً في صحيحه، والترمذي عنده ثلاثي واحد، وابن ماجه عنده خمسة ثلاثيات، وكلها بإسناد واحد. وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي فهؤلاء الثلاثة ليس عندهم ثلاثيات بل أعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا هو من الرباعيات. ثم هذا الإسناد فيه مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذه هي السلسلة التي تعتبر أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، والأربعة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (كان النبي إذا جد به السير أو حزبه أمر جمع بين المغرب والعشاء) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير أو حزبه أمر جمع بين المغرب والعشاء)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير أو حزبه أمر جمع بين المغرب والعشاء)، فهو مثل الذي قبله إلا أن فيه الزيادة: (أو حزبه أمر)، وهذه الزيادة ذكر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أنها شاذة؛ لأن جميع أصحاب نافع الذين رووا هذا الحديث وغيرهم ما ذكروا هذه الزيادة (أو حزبه أمر)، ثم قال: ويحتمل أن تكون مصحفة؛ لأن هذا الحديث بهذا الإسناد موجود في مصنف عبد الرزاق، وفيه بدل: (أو حزبه أمر) (أو جد به السير، أو أجد به المسير)، فتكون الكلمة قريبة من الجملة السابقة فيكون فيها تصحيف. كما قال: إن كلمة (أو حزبه أمر) هذه لم يروها أحد من أصحاب نافع، وإنما جاءت في هذا الإسناد. والحديث هنا كالذي قبله (إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء)، وفيه هذه الزيادة التي هي شاذة أو مصحفة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي إذا جد به السير أو حزبه أمر جمع بين المغرب والعشاء) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد، المشهور بـابن راهويه، وهو محدث، فقيه، مصنف، وله كتاب المسند، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهو وصف عال ولقب رفيع لم يظفر به إلا النادر من المحدثين.[حدثنا عبد الرزاق].هو ابن همام بن نافع الحميري، مولاهم الصنعاني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهو شيخ الإمام أحمد، وقد أكثر من الرواية عنه، وهو الذي رويت عنه صحيفة همام بن منبه؛ لأن إسنادها: عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة. وعبد الرزاق مكثر من الرواية، وهو مصنف، وله كتاب (المصنف)، وهو كتاب واسع عظيم، فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه الآثار عن الصحابة ومن بعدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وذكروا في ترجمته أنه كان يتشيع، ولكن التشيع أحياناً يراد به ما لا يضر وما لا يؤثر؛ وذلك أنه يقول، وقاله أيضاً غيره: إن علياً أفضل من عثمان، فبعض العلماء يعتبر هذا تشيعاً، ويصف من يقول بهذا القول بأنه تشيع، ولكن هذا لا يؤثر؛ لأن تفضيل علي على عثمان قال به بعض السلف وقال به بعض الأئمة الكبار من المحدثين، وهذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (العقيدة الواسطية) في آخرها: إن الخلفاء الراشدين مرتبون في الخلافة على حسب ما وقع وحصل أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وخلافتهم حق، وهم مرتبون هذا الترتيب، ولا يقدح في خلافتهم والقدح فيها ابتداع، ويبدع من يتكلم في تقديم بعضهم على بعض في الخلافة على خلاف الذي تم وحصل، وعثمان مقدم على علي بالخلافة كما وقع وكما حصل، وكما اختاره أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام واتفقوا على بيعته، وكان الأمر دائراً بينه وبين علي، واختاروا تقديم عثمان على علي، أما كون عثمان أفضل من علي، فهذا هو المعروف عن أهل السنة وهو المشهور عن أهل السنة، وقد جاء به حديث عبد الله بن عمر: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره) وبعض العلماء يقول: إن علياً أفضل من عثمان، فلا يبدع بها، وإنما يبدع بمن يقول: بتقديمه عليه بالخلافة؛ لأن هذا اعتراض على فعل الصحابة، وفيه اعتراض على اتفاق الصحابة على تقديم عثمان على علي، وأما تقديمه بالفضل فقال به بعض أهل السنة، وذلك لا يؤثر ولا يعاب من قاله ولا يقدح في عدالته، فكونه يفضل علياً على عثمان، هذه مسألة لا يبدع من قال بها، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الواسطية، وإنما التي يبدع بها هي القول بأنه أولى بالخلافة منه.وعبد الرزاق هذا ممن يقول بتقديم علي على عثمان في الفضل، ومنهم: عبد الرحمن بن أبي حاتم، والأعمش، وابن جرير .[حدثنا معمر].وهو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وهو شيخ عبد الرزاق والذي أكثر عبد الرزاق من الرواية عنه، وصحيفة همام بن منبه هي من رواية عبد الرزاق عن معمر، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن موسى بن عقبة].هو ثقة، فقيه، إمام في المغازي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن نافع عن ابن عمر].قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث ابن عمر: (رأيت النبي إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت الزهري أخبرني سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء)].هنا أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو بمعنى ما تقدم، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء، فهذه هي الحال التي يجمع فيها المسافر وهي كون السير يجد به، بمعنى أنه مواصل السير، ونزوله لكل صلاة قد يكون فيه مشقة، فرخص الجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء والظهر والعصر.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (رأيت النبي إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء) من طريق ثالثة
    قوله : [أخبرنا محمد بن منصور]. قد عرفنا فيما مضى أن محمد بن منصور الذي يروي عن سفيان هو الجواز المكي، وقد مر في إسناد عند النسائي أن نسبه، وقال: محمد بن منصور المكي، والنسائي له شيخان: أحدهما: محمد بن منصور الجواز المكي. والثاني: محمد بن منصور الطوسي، ولكن حيث جاء يروي عن سفيان فإن المراد به: محمد بن منصور الجواز المكي، وسفيان بن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، والغالب أن الشخص إذا كان شيخه من بلده أنه يكثر الرواية عنه، بخلاف الذي يكون في بلد آخر غير بلده فإنه لا يروي عنه إلا إذا التقى به في سفر؛ في رحلة، أو في عمرة، أو حج، هذا هو الذي يحصل به الالتقاء بين الراويين. إذاً محمد بن منصور هو المكي الجواز، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[عن سفيان].سفيان بن عيينة وهو مكي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [سمعت الزهري] .هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سالم].هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو محدث، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، فـسالم هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن ستة منهم معدودون في الفقهاء السبعة بلا إشكال، والسابع فيه خلاف، فمن العلماء من قال: السابع سالم بن عبد الله بن عمر هذا، ومنهم من قال: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم قال: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.[عن أبيه]، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    الجمع بين الصلاتين في الحضر

    شرح حديث: (صلى رسول الله الظهر والعصر جميعاً ... من غير خوف ولا سفر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر.أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهـما أنه قـال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب الجمع بين الصلاتين في الحضر؛ لأنه ذكر الجمع في السفر بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر، وهنا ذكر هذه الترجمة التي هي الجمع بين الصلاتين في الحضر، يعني وهو حاضر مقيم غير مسافر، وقد أورد النسائي فيها حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ثمانياً الظهر والعصر، وسبعاً المغرب والعشاء)، ثمانياً جميعاً، يعني أربع للظهر وأربع للعصر وسبعاً جميعاً ثلاث للمغرب وأربع للعشاء يعني جمعاً بدون قصر، ففي الحضر جمع ولم يقصر. وقد جاء في بعض الروايات أنه لما سئل الصحابي عن ذلك قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، أن لا يجعل عليها حرجاً، وذلك بكونه إذا حصل أمر اقتضى ذلك في يوم من الأيام لضرورة دعت إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في المدينة من غير خوف ولا سفر، وفي بعض الروايات: (من غير خوف ولا مطر).
    تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله الظهر والعصر جميعاً ... من غير خوف ولا سفر)
    قوله: [أخبرنا قتيبة] .هو ابن سعيد، وقد مر ذكره.[عن مالك] .وقد مر ذكره أيضاً.[عن أبي الزبير] .هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد بن جبير] .وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس رضي الله عنهما].وهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد صغار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث: (إن النبي كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة واسمه غزوان حدثنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين؛ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، قيل له: لم؟ قال: لئلا يكون على أمته حرج)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر جميعاً في المدينة، والمغرب والعشاء، من غير خوف ولا مطر)، وهذا يدل على أن الخوف والمطر من أسباب الجمع، أو من الأشياء التي يجمع من أجلها، ولما سئل ابن عباس: (لم يفعل هذا وهو في الحضر؟ قال: أراد أن لا يكون على أمته حرج) بمعنى أنها عندما تضطر إلى ذلك فإنه مرخص لها أن تفعل مثل هذا الفعل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر)
    [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة واسمه غزوان].يعني أن أبا رزمة -الذي هو جده- هذه كنيته، ولكن اسمه غزوان، وهو مروزي، ثقة، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، يعني لم يخرج له مسلم.[حدثنا الفضل بن موسى].الفضل بن موسى، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].هو سليمان بن مهران الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه هذا، واسمه سليمان بن مهران، ويأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، وهو نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف أن هذا لقب لهذا يظن أن هذا شخص وهذا شخص آخر والواقع أنهما شخص واحد.[عن حبيب بن أبي ثابت] .وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن جبير] .وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وقد مر ذكره.
    شرح حديث ابن عباس: (صليت وراء رسول الله ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، قال: (صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً)، يعني الظهر والعصر ثمانياً؛ لأنه جمع ولم يقصر وسبعاً جميعاً المغرب والعشاء جمع ولم يقصر، والمتن الذي قبل هذا (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر).التعبير بـ(كان) المتبادر منه أنه يدل على تكرر الفعل، كان يفعل كذا، يعني -يتكرر منه الفعل، ولكن أحياناً يأتي لفظ (كان) ولا يدل على التكرار ولا يقتضي التكرار ولعل هذا من هذا القبيل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه تكرار هذا الجمع وإنما فعله في المدينة مرة وقال الراوي: (أراد أن لا يحرج أمته)، أي أن لا يقع عليها حرج، وقد ذكر هذا ابن حجر في (فتح الباري) وقال: إن (كان) تأتي أحياناً لغير التكرار ومثل لذلك بمثال واضح أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)، والرسول ما حج إلا مرة واحدة، فهذا يدل على أن (كان) لا تقتضي التكرار، وهذا من هذا القبيل (أنه جمع في المدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر أو من غير خوف ولا مطر) فهذا ما تكرر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه فعله ليبين أن ذلك سائغ عندما يوجد أمر يقتضي ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (صليت وراء رسول الله ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً)
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [حدثنا خالد].هو ابن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا ابن جريج] .هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن دينار].هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الشعثاء].هو جابر بن زيد مشهور بكنيته أبي الشعثاء، وكذلك يأتي ذكره كثيراً باسمه جابر بن زيد، وهو ثقة، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].قد مر ذكره فيما مضى.
    الأسئلة

    المقصود بالقلة والذلة
    السؤال: جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر وأعوذ بك من القلة والذلة).. الحديث، ما معنى القلة؟ وجزاكم الله خيراً.الجواب: أولاً: نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه. وأما الحديث الذي هو القلة والذلة، ما أعرف عنه شيئاً، وأما الاستعاذة من الفقر فهي ثابتة في أحاديث، وأما القلة والذلة ما أعرف عنهما، ولكن إذا ثبت وصح فالقلة معروفة، يعني هي بمعنى الفقر، وكذلك أيضاً قد تكون أيضاً مع الفقر قلة الأعوان وقلة الأقارب والمعينون والمساعدون، هذا إذا ثبتت هذه اللفظة، وأما الفقر فقد ثبت.
    مدى اشتراط الجد في السير للجمع في السفر
    السؤال: هل الجمع في السفر لابد أن يكون بعد الجد في السير أم لا يشترط الجد في السير؟الجواب: لا يشترط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع في تبوك وهو نازل، كان نازلاً في منزله في مخيم، أو في المكان الذي هو ساكن فيه في تبوك، وخرج وجمع بين الظهر والعصر ثم خرج وجمع بين المغرب والعشاء، فدل هذا على أن الجمع جائز في حال الإقامة وبغير جد السير، ولكن المعروف من عادته أنه كان إذا جد به السير يجمع، وفعله في تبوك يدل على جواز الجمع من غير جد في السير.
    حكم الإتيان بالاستعاذة بعد قول: قال الله تعالى
    السؤال: هنالك بعض الأشخاص عندما يقرأ من كتاب الله تعالى يقول: يقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. ثم يقرأ الآية، فهل هذا القول سائغ؟الجواب: الذي يبدو أن الإنسان عندما يقول: يقول الله عز وجل ما يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإنما يأتي بالآية رأساً؛ لأنه ما يقرأ قرآناً حتى يستعيذ، وإنما هو يأتي بآية يستدل بها على شيء، فالاستعاذة تكون عند قراءة القرآن فيقدم الاستعاذة: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98]، ولكن كونه يريد أن يستشهد بآية في أثناء الكلام ثم يقول: يقول الله عز وجل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كذا. فهذا خلاف المعروف والمشهور في الكتب والتي امتلأت به الكتب من المتقدمين والمتأخرين المعروف أنهم يقولون: يقول الله تعالى: كذا، ويأتون رأساً بالآية.
    مدى تلازم القول بأفضلية علي على عثمان بأولويته بالخلافة
    السؤال: أليس القول بتفضيل علي على عثمان ملازماً لتقديمه عليه في الخلافة فكيف يقدم الصحابة عثمان في الخلافة وعلي أفضل منه؟الجواب: الصحابة ما قالوا: إن علياً أفضل من عثمان، الصحابة كما قال عبد الله بن عمر: كنا نخير يعني نقول: فلان خير من فلان، نقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فهذا هو المعروف عن الصحابة، وهذا هو المشهور عمن بعد الصحابة، ولكن جاء عن بعض السلف وهم قليلون أن علياً أفضل من عثمان، وعلى هذا القول لا تلازم بين التفضيل وبين الخلافة؛ لأن الذين قالوا بالتفضيل يقولون: بأن عثمان أولى بالخلافة؛ لأن الصحابة قدموه وليس هناك تلازم بين التفضيل وبين أنه لا يقدم في الخلافة إلا الأفضل، فإنه قد يقدم المفضول مع وجود الفاضل، وقد يؤمر من هو دون غيره ممن أمر عليه، مثلما حصل في غزوة ذات السلاسل، فقد أمر عمرو بن العاص وفيها أبو بكر وعمر، ولهذا لما رأى أنه أمر سأل الرسول عليه الصلاة والسلام: (من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ قال: أبو بكر)، فقضية الخلافة لا تقتضي أن لا يقدم إلا الأفضل، فقد يقدم المفضول مع وجود الفاضل، ولكن جمهور الصحابة وجمهور أهل السنة على أن عثمان أفضل من علي، كما أنه هو الذي قدم في الخلافة. فإذاً التقديم بالخلافة ما فيه إشكال ولا يقول به أحد، ومن قال به فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار ويبدع من قال: إن علياً أولى من عثمان بالخلافة؛ لأن الصحابة قدموه فهم ما أجمعوا على ضلاله وإنما أجمعوا على حق. وأما كونه أفضل فأكثر أهل السنة على أن عثمان أفضل وقلة قليلة ممن جاء بعد الصحابة على أن علياً أفضل، ولكن هؤلاء القائلين بأنه أفضل لا يقولون بأنه أولى منه في الخلافة، وكما قلت: ليس هناك تلازم بين الفضل وبين الخلافة، بل قد يكون المفضول يؤمر ويولى مع وجود من هو أفضل منه؛ وذلك يمكن أن يكون لهذا الذي ولي، فقد يكون له ميزة على غيره ممن هو أفضل منه، يعني في هذا الشيء الذي أُسند إليه، فكون بعض السلف قال: إن علياً أفضل من عثمان فليس بلازم أن يكون ولى منه بالخلافة.
    انتقاض وضوء الأم بتغسيلها النجاسة من ولدها الصغير
    السؤال: هل ينتقض وضوء الأم عندما تغسل لولدها الصغير النجاسة؟الجواب: إذا مست ذكره فإنها تتوضأ، وأما مجرد مجيء النجاسة على يدها، فإنه لا ينقض وضوءها مجيء النجاسة على يدها بل تغسلها وهي على طهارتها وعلى وضوئها.
    حكم نظر المرأة إلى الرجال الأجانب والاستدلال على جوازه بنظر عائشة إلى الأحباش
    السؤال: استدل بعض علمائنا الأفاضل على جواز نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي؛ بحديث عائشة رضي الله عنها لما كانت تنظر إلى الأحباش وهم يلعبون بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا صحيح؟ وما حكم نظر المرأة إلى الرجال؟الجواب: الله تعالى يقول: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، هذا هو قول الله عز وجل، وهو الفيصل في هذا، وأما ما حصل من عائشة رضي الله عنها فهي ترى أشخاصاً من بعد، يعني تنظر لأشخاص من بعد يقفزون ويتحركون ويمشون، فالرؤية من بعد ليست كالرؤية من قرب ومشاهدة الوجوه والنظر إليها، يعني مثل الإنسان ينظر أشخاصاً من بعيد يتحركون، فلا يقال: إن هذا فيه نظر إليهم، وأنه فيه رؤية هيئاتهم ووجوههم وما إلى ذلك؛ لأنه نظر من مسافة، وكذلك الحديث لا يقال: فيه جواز نظر المرأة إلى الرجل، والله عز وجل يقول: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، فغض البصر مطلوب ومأمور به. وما جاء عن عائشة في الحديث فهو محمول على ما ذكرت.
    حكم الخلوة بجمع من النساء
    السؤال: هل وجود الرجل وحده مع امرأتين أو أكثر يعتبر خلوة أم لا؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يخلو مع النساء ولو كن أكثر من واحدة إذا كن أجنبيات منه، وأما إذا كان فيهن من هي من أقاربه، وكان حضورهن لأمر يقتضي ذلك أو اجتماعهن به لأمر يقتضي ذلك، ومعهن أحد من محارمه فإنه لا بأس بذلك.
    الخروج إلى الأسواق والأماكن العامة بشكل جماعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    السؤال: إذا قام بعض من طلاب العلم جماعات أو فرادى بالتجول في الأسواق والأماكن العامة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طواعية من أنفسهم فما رأيكم حفظكم الله؟الجواب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب من الجميع، وكما هو معلوم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، ولكن ما يلزم أن يكون هناك تجمع فيمكن للإنسان إذا رأى أمراً منكراً أن يأتي إلى من يراه يعمل ذلك فيقول له: يا فلان! اتق الله، وإذا كان عنده فتوى من بعض المشايخ المعتبرين، مثل الشيخ ابن باز، أو الشيخ ابن عثيمين، يعني: مكتوبة فيعطيها إياه ويقول: هذا كلام أهل العلم وهذا بيان الحكم الشرعي، فهذا أمر مطلوب، وهذا شيء طيب. وأما حصول تجمعات وما إلى ذلك، أو كون الإنسان يمد يده ثم يترتب على ذلك مضرة فلا، وأما كون الإنسان يأمر وينهى ويدل على الخير فالناس لا يزالون بخير ما تناصحوا، والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً وخير ما يهدى إلى الإنسان أو يعان به الإنسان أن يؤمر بمعروف أو يُنهى عن منكر أو يدل على خير؛ لأن هذا فيه إعانته على التخلص من العذاب وعلى السلامة من العذاب.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #115
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (112)


    - (باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة) إلى (باب كيف الجمع)

    لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في مواطن متعددة، ومنها: أنه جمع بين الظهر والعصر بنمرة من غير أن يصلي بينهما شيئاً، وجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وكان بينهما فاصل خفيف.
    الجمع بين الظهر والعصر بعرفة

    شرح حديث جابر في الجمع بين الظهر والعصر بعرفة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.أخبرني إبراهيم بن هارون حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس، ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً)].يقول النسائي رحمه الله: (باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة). هذه الترجمة تتعلق بهذا الجمع المخصوص الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم يوم عرفة وهو جمع تقديم، حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين وهو جمع تقديم، وذلك ليكون الحاج بعد صلاته مشتغلاً بالذكر والدعاء، والإقبال والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى حتى تغرب الشمس، من حين ما يصلي الظهر والعصر في أول وقت الظهر ويستمر حتى غروب الشمس وهو في الدعاء والذكر والاستغفار وسؤال الله عز وجل من خير الدنيا والآخرة. وقد أورد النسائي رحمه الله في هذا حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما والذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سار حتى أتى عرفة ووجد القبة قد نصبت له في نمرة فنزل بها، ثم إنه سار حتى جاء الوادي فخطب الناس فيه، ثم أمر بلالاً فأذن وأقام للظهر فصلى ركعتين ثم أقام للعصر فصلى ركعتين ولم يصل بينهما)، يعني لم يتنفل بين الصلاتين.فهذا الحديث دال على ما ترجم له المصنف من حصول الجمع بين الظهر والعصر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة، وكان ذلك اليوم يوم جمعة، وصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، يعني صلاها صلاة المسافر، ولم يحصل منه التجميع، ولهذا صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، ولو كانت جمعة فالجمعة يجهر فيها بالقراءة ثم الجمعة لها خطبتان، وإنما خطب خطبة واحدة بين للناس فيها أحكام الحج، وصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين جامعاً بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر في الجمع بين الظهر والعصر بعرفة
    قوله: [إبراهيم بن هارون].هو البلخي، وهو صدوق، خرج له الترمذي في الشمائل، والنسائي .[ حاتم بن إسماعيل] .وهو صدوق يهم، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[جعفر بن محمد].هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو المشهور بالصادق، وهو أحد الأئمة عند أهل السنة. وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم وينزلونهم منازل ليسوا أهلاً لتلك المنازل، بل يتجاوزون فيهم بأن يجعلوهم أفضل من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، وهذا القول ليس قول أشخاص عاديين من الرافضة. بل قول بعض كبرائهم وزعمائهم الذين لهم شأن عندهم ولهم منزلة رفيعة عندهم، حيث يقول إمامهم وزعيمهم الذي هلك قبل ثلاث سنوات: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. فهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو أحد الأئمة عند أهل السنة، وأهل السنة يعرفون لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقهم وفضلهم وينزلونهم المنزلة التي يستحقونها، ومن كان من أهل البيت من المؤمنين المتقين فإنهم يحبونه لتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يغلون، ولا يجفون، ولا ينقصون عما يستحقه الإنسان، ولا يتجاوزون الحد الذي يستحقه الإنسان، بل اعتدال وتوسط لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا جفاء فهذه طريقة أهل السنة وهذا هو منهج أهل السنة، ولهذا فإنهم يتولون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبون من كان منهم مؤمناً لإيمانه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعفر بن محمد الملقب: بـالصادق، صدوق، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه].محمد بن علي بن الحسين، وهو الملقب الباقر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أن جابر بن عبد الله].هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أحد الصحابة المشهورين، وهو من السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
    الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

    شرح حديث أبي أيوب: (أنه صلى مع رسول الله في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.وقال: أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه أخبره: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً)].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة. وهذا من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام في حجته حجة الوداع أنه كما جمع بين الظهر والعصر بعرفة أو بالوادي الذي هو قريب من عرفة فإنه جمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ومنها حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه هذا الذي أخبر بأنه لما حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً، أي جمع بينهما. فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه
    وسلم الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي أيوب: (أنه صلى مع رسول الله في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مالك بن أنس].هو إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، وصاحب المذهب المشهور، أحد الأئمة الأربعة الذين لهم مذاهب اشتهروا بها ولهم أتباع عنوا بجمع فقههم وتدوينه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن سعيد] .هو الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين.[عن عدي بن ثابت].هو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن يزيد] .هو عبد الله بن يزيد الخطمي، وهو صحابي صغير، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أن أبا أيوب الأنصاري أخبره].هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، وهو أحد الصحابة المشهورين، وهو الذي نزل النبي عليه الصلاة والسلام في داره أول ما قدم المدينة، وأبو أيوب الأنصاري، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة: (فلما أتى جمعاً جمع بين المغرب والعشاء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير أنه قال: (كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما حيث أفاض من عرفات فلما أتى جمعاً جمع بين المغرب والعشاء، فلما فرغ قال: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان مثل هذا)].هنا أورد النسائي حديث: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سعيد بن جبير: (إنه كان معه في الحج وأنه لما جاء المزدلفة جمع فيها بين المغرب والعشاء، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا) يعني في هذا المكان، فالحديث دال على ما ترجم له المصنف من الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة: (فلما أتى جمعاً جمع بين المغرب والعشاء)

    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو الدورقي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه جميعاً مباشرة وبدون واسطة.[حدثنا هشيم].هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي، والتدليس: هو أن يروي الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع، كعن، أو قال وأما الإرسال الخفي: فهو أن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه؛ لأنه معاصر له ولم يسمع منه، فإذا روى بلفظ عن، أو قال فهو مرسل؛ لأنه ليس من شيوخه؛ لأن التدليس هو تدليس في الرواية عن الشيوخ، وأما الإرسال فليس في الرواية عن الشيوخ وإنما عن غير الشيوخ وقد يكون معاصراً لذلك الذي أرسل عنه وقد يكون غير معاصر له، فإذا كان غير معاصر فهذا إرسال جلي وإرسال واضح، وأما إذا كان معاصراً له فإنه يقال له: الإرسال الخفي. وحديث هشيم بن بشير خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن إسماعيل بن أبي خالد].وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه لما ذكر الثقات الأثبات الذين هم في القمة، ذكر من بينهم: إسماعيل بن أبي خالد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو إسحاق].هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، المشهور بـالسبيعي، وأبو إسحاق السبيعي مشهور بكنيته وكذلك مشهور بنسبته السبيعي، وسبيع بطن من همدان، نسبة خاصة وهمدان نسبة عامة، وهو ثقة، مدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد بن جبير].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عمر] هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد الصحابة المشهورين وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وهذا الإسناد: يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن هشيم بن بشير عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر فهؤلاء الستة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا عبد الرحمن حدثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة)].وهنا أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة)، يعني جامعاً بين المغرب والعشاء بالمزدلفة. قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أظهر السنة في بلاده، وقد خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي .[حدثنا عبد الرحمن].هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك] .هو ابن أنس إمام دار الهجرة، وقد مر ذكره قريباً.[عن الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، محدث فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سالم عن ابن عمر] .هو ابن عبد الله بن عمر، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة والسابع فيه خلاف، وأحد الأقوال الثلاثة في السابع أنه سالم بن عبد الله بن عمر، والثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. [عن أبيه].عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث ابن مسعود: (ما رأيت النبي جمع بين صلاتين إلا بجمع ...)
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين إلا بجمع، وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين إلا بمزدلفة، وصلى الصبح يومئذ قبل وقتها)، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من حصول الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة، وما جاء في هذا الحديث من قول ابن مسعود: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين إلا بين المغرب والعشاء..)، يفيد بأنه اطلع على هذا الجمع الذي هو بين المغرب والعشاء ولا يعني أن غيره مما لم يطلع عليه لم يحصل، فقد جاء في الأحاديث الكثيرة المتواترة حصول الجمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أماكن متعددة، ولكن هذا هو الذي أخبر به ابن مسعود بأنه شاهده وعاينه. أما قوله: (صلى الصلاة قبل وقتها الفجر)، فليس المقصود أنه صلاها قبل دخول الوقت، وإنما صلاها قبل الوقت المعتاد الذي كان يصليها به، وهو أنه بعدما يدخل الوقت، وينتظر اجتماع الناس يصلي، لكنه في يوم ليلة مزدلفة صلى الصلاة حين تبين الفجر، يعني في أول وقتها، فالمقصود بقوله: (قبل وقتها) ليس قبل دخول الوقت، وإنما قبل الوقت المعتاد الذي كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، يعني: بعدما يمضي شيء قليل من دخول الوقت في انتظار الناس يصلي، هذا الوقت المعتاد، ولكن هذه الصلاة بكر بها، من حين ما طلع الفجر صلاها دون تأخير، وهذا هو معنى كلام ابن مسعود.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (ما رأيت النبي جمع بين صلاتين إلا بجمع ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]قد مر ذكره.[عن سفيان].هو ابن عيينة؛ لأن قتيبة روى عن سفيان بن عيينة، ولم يرو عن سفيان الثوري، فإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان، وسفيان غير منسوب، فالمراد به: ابن عيينة، فيكون هذا الإهمال محمولاً على من عرف أنه روى عنه، وهو ابن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، مدلس، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، واشتهر بلقبه الأعمش، واسمه سليمان بن مهران، ومعرفة ألقاب المحدثين من أنواع علوم الحديث؛ وفائدتها حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه أحياناً وبلقبه أحياناً أخرى، فإن من لا يعرف يظن أن الأعمش شخص وأن سليمان بن مهران شخص آخر، ولكن من يعرف يلتبس كونه يذكر بلقبه أو يذكر باسمه.[عن عمارة].هو ابن عمير التيمي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن يزيد].هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن مسعود]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الصحابة المشهورين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    كيف الجمع

    شرح حديث: (... فلما أتى مزدلفة صلى المغرب ثم نزعوا رحالهم ثم صلى العشاء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الجمع.أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة، فلما أتى الشعب نزل فبال ولم يقل: أهراق الماء، قال: فصببت عليه من إداوة فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقلت له: الصلاة فقال: الصلاة أمامك، فلما أتى المزدلفة صلى المغرب ثم نزعوا رحالهم ثم صلى العشاء)].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب كيف الجمع. أي كيفية الجمع، وقد جاء الجمع كما في الحديث الذي أورده النسائي هنا على وجود فاصل بين المغرب والعشاء، وهو نزع الرحال، وجاء في غير هذا الحديث أنه ما كان هناك فاصل بين الصلاتين المجموعتين، كما تبين في حديث جابر الذي مر (أن الرسول خطب الناس، ثم أمر بلالاً فأذن وأقام للظهر، ثم أقام للعصر) يعني أنه جاء الفصل بين الصلاتين بشيء يسير أو بعمل يسير، وجاء عدم الفصل بينهما، فهذا الحديث الذي معنا وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جمع بالمزدلفة فإنهم صلوا المغرب أولاً ثم نزعوا رحالهم ثم صلوا العشاء بعد ذلك)، فيفيد أن الفصل اليسير بين الصلاتين المجموع بينهما لا يؤثر على الجمع شيئاً.قوله: [عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة فلما أتى الشعب نزل فبال ولم يقل: أهراق الماء)].فالرسول صلى الله عليه وسلم لما انصرف من عرفة أردف معه أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما؛ أردفه معه من عرفة إلى مزدلفة، وقد جاء في حديثه هذا أنه لما كان في الشعب يعني في الطريق نزل فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً، وقد جاء أن هذا الماء الذي توضأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من ماء زمزم، وجاء في الحديث أنه قال: فبال ولم يقل: أهراق، يعني أن أسامة الذي يحكي ما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عبر بأن قال: بال، ولم يقل: أهراق الماء، وكان من عادتهم أن يعبروا عن البول بإراقة الماء، يقصدون من ذلك البول، ولكنه هنا بين أن اللفظ هذا هو الذي قاله أسامة، ولهذا قال: ولم يقل: أهراق الماء. قوله: [(قال: فصببت عليه من إداوة فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقلت له: الصلاة)]. (فصببت عليه من إداوة)، يعني وعاء معه فيه ماء، وكان يصب عليه وهو يتوضأ، وهذا يدل -كما عرفنا من قبل- أن كون الإنسان يساعد على الوضوء بأن يفرغ عليه ويتوضأ أن هذا سائغ وجائز ولا بأس به، وقد فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما جاء في هذا الحديث كان يصب عليه وهو يتوضأ. قوله: [(فقال: الصلاة أمامك)].يعني: كأنه لما رآه يتوضأ، ظن أنه يريد أن يصلي فقال: الصلاة، يعني: أتريد الصلاة، فقال: الصلاة أمامك: ثم ساروا حتى أتوا المزدلفة. قوله: [(فلما أتى المزدلفة صلى المغرب، ثم نزعوا رحالهم، ثم صلى العشاء)].صلى المغرب، ثم نزعوا رحالهم، يعني من على دوابهم، والرحل هو: ما يوضع على الدابة مما يركب عليه الراكب، فهذا يقال له: الرحل، ولهذا يقولون في سترة المصلي أنها مثل مؤخرة الرحل، يعني العود الذي يكون في آخر الرحل يستند عليه الراكب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فلما أتى مزدلفة صلى المغرب ثم نزعوا رحالهم ثم صلى العشاء)
    قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا سفيان] .هو ابن عيينة، وسفيان هنا غير منسوب، ولكن في تهذيب التهذيب ذكر: أن الحسين بن حريث روى عن سفيان بن عيينة.[عن إبراهيم بن عقبة].هو إبراهيم بن عقبة المدني، وهو أخو موسى بن عقبة، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[ومحمد بن أبي حرملة].هو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو مثل الحسين بن حريث، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن كريب].هو كريب بن أبي مسلم، وهو مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
    الأسئلة

    الصلاة في مسجد فيه قبر
    السؤال: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر أو بجواره قبر؟الجواب: المسجد الذي فيه قبر لا يجوز للإنسان أن يصلي فيه، وأما إذا كان القبر خارج المسجد وليس في المسجد فإنه لا مانع من الصلاة فيه، وأما إذا كان القبر بالمسجد فإنه لا يجوز، والحكم كما قال ابن القيم: أن المسجد إذا وضع فيه القبر والمسجد هو الأول فإنه ينبش القبر، وإذا كان المسجد بني على قبر فإنه يهدم المسجد، ثم هناك أمر ينبه عليه وهو أن مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام فيه قبره، نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم قد بنى المسجد، وقد قبر في خارج المسجد، وقد جاء لهذا المسجد فضائل منها أن الصلاة فيه بألف صلاة، فهذا الحكم ثابت له أدخل القبر في المسجد أو لم يدخل، وإدخال القبر في المسجد لم يكن في زمن الخلفاء الراشدين وإنما كان في زمن بني أمية، فلا يقال: إن الذي يقال في غيره من المساجد التي فيها قبور يمكن أن يقال في هذا المسجد؛ لأن هذا المسجد فضيلته ثابتة أدخل القبر فيه أو لم يدخل، وكان القبر خارج المسجد.
    ضوابط وأحكام التكليف
    السؤال: ما ضوابط الجائز، أو الإباحات؟ وما ضوابط المستحب والمندوبات؟الجو اب: الأحكام المعروفة عند الفقهاء هي خمسة: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والحرام. والواجب: هو الذي جاء الأمر فيه أمراً محتماً، ولم يكن هناك صارف يصرفه عن الوجوب.وأما المندوب: فهو الأمر الذي جاء ما يصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب. وأما الجائز فهو الذي يتساوى فيه الطرفان، الفعل وعدمه. وأما المحرم فهو الذي جاء النهي عنه دون أن يأتي شيء يصرفه إلى الكراهة. والمكروه هو النهي الذي جاء صارف يصرفه عن التحريم إلى الكراهة، فهذه هي الأحكام الخمسة، وهذا هو الفرق بينها.
    المقصود بالسنة عند الأصوليين والمحدثين والفقهاء
    السؤال: ما معنى (السنة) عند أهل الأصول، والحديث، والفقه نرجو التوضيح؟الجواب: السنة عند الفقهاء بمعنى المندوب، يقال: يسن كذا، أي: يندب كذا، ويستحب كذا، ويستحب ويندب ويسن بمعنى واحد، ولكن السنة تأتي بمعنى عام يشمل الأحكام الشرعية كلها، فالواجب يدخل تحت السنة، والمندوب كذلك، والمحرم كذلك، والمستحب كذلك، والمباح كذلك، فكلها داخلة تحت السنة بالمعنى العام؛ لأن السنة تطلق إطلاقاً عاماً، وتطلق عند الفقهاء إطلاقاً خاصاً، ومن إطلاق السنة بالمعنى العام قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، فإن السنة هنا تشمل الواجب والمندوب والمحرم والمكروه وهكذا، وتطلق عند الفقهاء على المندوب الذي جاء الأمر فيه أمراً غير جازم بحيث جاء ما يصرفه عن اللزوم أو التحتم إلى الاستحباب والندب.
    بناء القباب في المساجد
    السؤال: سمعنا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن الصحابة ضربوا للرسول عليه الصلاة والسلام قبة، فالسؤال: هل يجوز بناء القباب في المساجد؟الجواب: القبة ليست بناء، وإنما القبة خيمة هذا هو المقصود، وأما القباب بمعنى أن المساجد يصير فيها قباب ما في بأس، يعني كونه يصير فيها قباب أو البناء يكون مقبب، أقول: لا بأس بذلك، وإنما المحرم هو أن يكون فيها قبور، وترك القباب أولى؛ لأنه لا يستفاد من السطوح مع وجود القباب عليها، بخلاف ما إذا كانت السطوح مستوية، فإنه يستفاد منها عند الحاجة إليها، وأما إذا كانت مقببة فلا يستفاد منها، فعدم وجودها أولى من وجودها، فالقبة المقصود بها الخيمة؛ وإنما فعلوها ليستظل بها الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول كان يستظل في الخيام وفي البيوت، وكذلك عند جمرة العقبة ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وهذا فيه دليل واضح ببطلان ما يقوله بعض الغلاة، الذين يغلون برسول الله عليه الصلاة والسلام ويقولون: إنه لا ظل له؛ لأن ضوءه يقابل ضوء الشمس، ولا يكون له ظل، وهذا من الغلو ومن القول بغير علم؛ لأن هذا خلاف الواقع، والرسول صلى الله عليه وسلم ضربت له قبة ليستظل بها عن الشمس.
    حكم من يقول بعد الترحم على النووي وابن حجر وأبي حنيفة بحجة أنهم مبتدعة
    السؤال: ما رأيكم في فئة غير قليلة من طلبة العلم يقولون: إن أبا حنيفة، والحافظ ابن حجر، والنووي وغيرهم مبتدعة، ولا يجوز الترحم عليهم، ويقولون بترك كتبهم؟ وما هو ضابط الترحم على الأموات؟الجواب: هؤلاء جهال، وما سبقهم إلى ذلك أحد، فـأبو حنيفة، والنووي، وابن حجر لم يزل العلماء من بعدهم يترحمون عليهم، ويدعون لهم، ويستفيدون من علمهم، وإذا حصل من أحدهم أخطاء فيؤخذ صوابه ويترك خطؤه. وأما كونه لا يترحم عليهم فهذا لا يقوله إلا جاهل، ولا يقوله إلا إنسان ضار نفسه ومسيء إلى نفسه ومؤذ لنفسه، بل الذي ينبغي هو الترحم عليهم، والدعاء لهم، والاستفادة من علمهم. وأما كون كتبهم تجتنب فهذا كلام باطل.
    ضابط الترحم على الأموات
    السؤال: ما هو ضابط الترحم على الأموات؟الجواب: يترحم على كل مسلم، أقول: المسلمون يترحم عليهم، وهذا هو الأصل، ولكن إذا كان أحد معروفاً مثلاً بالبدع، مثل الجعد بن درهم، ومثل الجهم بن صفوان فهؤلاء لا يترحم عليهم عند الذكر؛ لأن الترحم عليهم عند ذكرهم يعني فيه لفت الأنظار إليهم وهم من أئمة أهل البدع.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #116
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (113)


    - (باب فضل الصلاة لمواقيتها) إلى (فيمن نام عن الصلاة)

    بين الشارع فضل الصلاة لوقتها، لكن ليس الوقت كله على حد سواء، وإنما المبادرة إلى الصلوات في أول وقتها هو الذي له فضل عظيم على غيره، ومن نام عن صلاة أو نسيها دون تفريط منه فليصلها إذا ذكرها أو عند يقظته إن كان نائماً، لا كفارة له إلا ذلك.
    فضل الصلاة لمواقيتها

    شرح حديث ابن مسعود: (سألت رسول الله: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل الصلاة لمواقيتها.أخبرن عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثنا الوليد بن العيزار قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثنا صاحب هذه الدار، وأشار إلى دار عبد الله رضي الله عنه، أنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله عز وجل )].يقول النسائي رحمه الله: باب فضل الصلاة لمواقيتها. يعني فضل الإتيان بها في مواقيتها المندوبة، المقصود من ذلك هو أن الوقت كله وقت أداء للصلاة، لكن ليس الوقت كله على حد سواء، وإنما المبادرة إلى الصلوات في أوائل أوقاتها هذا الذي له فضل عظيم على غيره؛ لأن فيه المسارعة إلى الخيرات، والصلاة في أوقاتها كلها أداء في الوقت، ولكنه إذا بودر بها فإن ذلك يكون أفضل؛ لأن فيه مبادرة إلى أداء الواجب وإلى تخليص الذمة من الدين الذي يكون عليها عندما يدخل الوقت.وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أحب الأعمال إلى الله؟ فقال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله عز وجل)، وهذا السؤال الذي وجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من الحرص على معرفة الأعمال الفاضلة وتفاضلها؛ وذلك لحرصهم على فعل الخير، وعلى التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، ويعرفون الفاضل من المفضول؛ حتى يحرصوا على أداء الفاضل، وحتى يبدءوا بالأهم فالأهم، وفيه أن السؤال، حين قال: أي الأعمال أحب إلى الله؟ في هذا دليل على أن الأعمال الصالحة محبوبة إلى الله عز وجل، لكن بعضها أحب من بعض، وهي متفاوتة، ليست على حد سواء.وفيه: اختصاص الله عز وجل بالمحبة وأنه سبحانه وتعالى يحب المتقين ويحب الأعمال الصالحة، ولهذا قال: (أي الأعمال أحب إلى الله)، هذه الأعمال الصالحة أيها أحب إلى الله عز وجل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الصلاة في وقتها، والصلاة هي عمود الإسلام وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والمحافظة عليها في أوقاتها، والحرص على أن يكون ذلك في أوائل أوقاتها، إلا ما جاء دليل على استحباب تأخيره كالعشاء حيث لا يكون هناك مضرة على الناس المصلين، والظهر في حال شدة الحر فإنه يبرد بها وتؤخر عن أول وقتها، وما عدا ذلك فإن الصلوات في أوائل وقتها مطلوبة ومرغب فيها ومحثوث عليها وفعلها في أول الوقت أفضل من فعلها في غيره، أي في غير أول الوقت.ثم قال: (وبر الوالدين)، لما ذكر حق الله عز وجل الذي هو الصلاة، وهو أهم وأعظم الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ذكر حق الوالدين، وهو برهما والإحسان إليهما وإيصال النفع إليهما ودفع الضرر عنهما، وكثيراً ما يجمع الله عز وجل في القرآن بين حقه وحق الوالدين، جاء ذلك في آيات كثيرة، قال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، وقال: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [الإسراء:22]، ثم قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، فذكر حق الله عز وجل الذي هو عبادته، وحق الوالدين الذي هو الإحسان إليهما.ثم ذكر الجهاد في سبيل الله عز وجل الذي هو إيصال النفع إلى الكفار بدعوتهم إلى الإسلام، وجهادهم حتى يدخلوا في دين الله وحتى يخرجوا من الظلمات إلى النور، وكذلك جهاد غيرهم باستصلاحهم إذا كان عندهم انحراف ونقص، حيث يؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الخير.فهذه الحقوق الثلاثة أعظم حقوق الله عز وجل بعد التوحيد، وهي الصلاة، ثم ذكر حق الوالدين، ثم ذكر حق سائر الناس الذين هم الكفار وغيرهم، حيث يسعى إلى هدايتهم وإيصال النفع العظيم إليهم الذي فيه سعادتهم ونجاتهم وسلامتهم من عذاب الله عز وجل.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (سألت رسول الله: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى].هو ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد أيضاً، الثقة، الثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة أيضاً. [حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، هو أحد الأشخاص القلائل الذين حضوا بهذا اللقب، وبهذا الوصف، وهو لقب أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن الوليد بن العيزار].هو الوليد بن العيزار الكوفي ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي.[سمعت أبا عمرو الشيباني].هو سعد بن إياس، وهو ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.يقول: حدثنا صاحب هذه الدار، وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود، يعني: الوليد بن العيزار يقول: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثني صاحب هذه الدار، وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود، وهذا من العلامات التي يستدل بها على ضبط الراوي، وذلك أن الوليد بن العيزار حكى الصورة والكيفية التي قد حصلت، وهي إشارته إلى دار عبد الله بن مسعود، ما قال: حدثني عبد الله بن مسعود وإنما قال: حدثني صاحب هذه الدار.[عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه].فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وهو من المهاجرين، وقد توفي سنة: (32هـ)، وليس هو أحد العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم الوفاة، وهو من الكبار، وأما أولئك الأربعة فهم من صغار الصحابة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما توفي فيهم من قارب البلوغ وفيهم من كان دون ذلك، ولهذا أُطلق عليهم العبادلة الأربعة، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم أجمعين.وحديث عبد الله بن مسعود عند أصحاب الكتب الستة، وعلى هذا فرجال الإسناد كلهم خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا الوليد بن العيزار فإنه لم يخرج له أبو داود، ولا ابن ماجه .
    شرح حديث ابن مسعود: (سألت رسول الله: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: إقام الصلاة لوقتها ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان حدثنا أبو معاوية النخعي سمعه من أبي عمرو عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: إقام الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل )].هنا أورد النسائي حديث: عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وهو بمعنى ما تقدم؛ سئل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً وهو أي العمل أحب إلى الله؟ فقال: (إقام الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله)، فهو نفس الحديث المتقدم إلا أنه من طريق أخرى، وهو بنفس الثلاث التي جاءت في الرواية السابقة، أداء الصلاة في وقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (سألت رسول الله: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: إقام الصلاة لوقتها ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري الكوفي، وهو صدوق، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا سفيان].هو ابن عيينة المحدث، الفقيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو معاوية النخعي] .هو عمرو بن عبد الله الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي، وابن ماجه.[أنه سمعه من أبي عمرو عن عبد الله بن مسعود].وقد مر ذكر أبي عمرو وعبد الله بن مسعود في الإسناد الذي قبل هذا، وأبو عمرو الشيباني هو سعد بن إياس، وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    شرح حديث: (أن النبي نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس ثم صلى)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حكيم وعمرو بن يزيد قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه (أنه كان في مسجد عمرو بن شرحبيل فأقيمت الصلاة، فجعلوا ينتظرونه، فقال: إني كنت أوتر، قال: وسُئل عبد الله: هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم وبعد الإقامة، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى ) واللفظ لـيحيى].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى طلعت الشمس ثم قام وصلى)، ثم ذكر رواية محمد بن المنتشر أنه كان في مسجد عمرو بن شرحبيل، فأقيمت الصلاة فجعلوا ينتظرونه، فقال: إني كنت أوتر، قال: وسئل عبد الله بن مسعود هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم وبعد الإقامة، ثم حدث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بذكر الصلاة أو النوم عن الصلاة، (أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى)، واللفظ لـيحيى، أي شيخه الأول في الإسناد المذكور.وهذا الإسناد فيه أن محمد بن المنتشر كان في مسجد عمرو بن شرحبيل وأنه لما أقيمت الصلاة جعلوا ينتظرونه، فأخبرهم بأنه تأخر؛ لأنه يوتر، يعني وذلك بعد الأذان، وقال:- أي محمد بن المنتشر -: سئل ابن مسعود هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم وبعد الإقامة، وهذا ليس بمرفوع، وإنما هو مسند إلى عبد الله بن مسعود.ثم محمد بن المنتشر هل سمع من عبد الله بن مسعود؟ ذكر الشيخ الألباني بأن الإسناد صحيح إن كان محمد بن المنتشر سمع من عبد الله بن مسعود.لكن فيما يتعلق بصلاة الوتر بعد الأذان لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما الذي ثبت أنه إذا فات الوتر فإنه يصلي من الضحى اثنتي عشرة ركعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل ورده من الليل أو لم يصلِ صلاته من الليل لأمر منعه من ذلك، فإنه يصلي من النهار، أي في الضحى اثنتي عشرة ركعة؛ لأن من عادته أن يصلي إحدى عشرة فيضيف واحدة حتى يكون العدد شفعاً بأن يأتي بإحدى عشرة وزيادة، ولا يؤتى بالوتر على ما هو عليه كما كان في الليل، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة يوتر ما مضى)، وهذا يدل على أن الوتر نهايته طلوع الفجر، وإذا طلع الفجر معناه انتهى وقت الوتر فلا يوتر بعد طلوع الفجر، ولكن من طلع عليه الفجر وهو لم يصل وتره، فإنه يصلي من النهار مقدار ما كان يصليه وزيادة ركعة، فإذا كان من عادته أن يصلي خمس ركعات يصلي ست ركعات في الضحى، وإذا كان من عادته يصلي ثلاث ركعات يصلي أربع ركعات، وإذا كان من عادته يصلي سبع ركعات يصلي ثمان ركعات، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأما كونه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس ثم صلى، فهذا ثابت من طرق أخرى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حصل له ذلك، وأما الذي جاء عن ابن مسعود، فهذا هو الذي لا نعلم شيئاً يدل على ثبوته، ثم أيضاً ثبوته عن ابن مسعود فيه شك من جهة أن محمد بن المنتشر، هل سمع من عبد الله بن مسعود أم لا؟ كذلك مناسبة الحديث للترجمة ما هو واضح من جهة أداء الصلاة في وقتها، إلا أن يكون المقصود من ذلك أن الإنسان يصليها في وقتها إلا إذا حصل أمر يمنع من ذلك، يعني من غير أن يكون في إرادة وفي وسع الإنسان وهو حصول النوم.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (أن النبي نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس ثم صلى)
    قوله: [أخبرنا يحيى بن حكيم].وهو ثقة، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.[عمرو بن يزيد الجرمي].وهو صدوق، خرج له النسائي وحده، وهذان هما شيخا النسائي في هذا الإسناد، واللفظ المذكور هو لفظ يحيى شيخه الأول، ولهذا بعدما فرغ من الحديث قال: (واللفظ لـيحيى)، يعني أن الإسناد فيه شيخان للنسائي، واللفظ الذي ذكره هو لفظ أحدهما وهو شيخه الأول يحيى بن حكيم.[قالا: حدثنا ابن أبي عدي].هو محمد بن إبراهيم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وقد مر ذكره.[عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].هو محمد بن المنتشر، وهو كذلك ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.أما عمرو بن شرحبيل الذي جاء ذكره في الإسناد فليس من الرواة، وإنما جاء ذكره في كلام محمد بن المنتشر وأنه كان في مسجد عمرو بن شرحبيل، فأقيمت الصلاة وجعلوا ينتظرونه، فقال: إني أوتر، ثم قال محمد بن المنتشر: وسئل عبد الله بن مسعود هل هناك وتر بعد الأذان؟ قال: نعم وبعد الإقامة.[عبد الله بن مسعود]مر ذكره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    فيمن نسي صلاة

    شرح حديث: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن نسي صلاة.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)].هنا أورد النسائي باب فيمن نسي صلاة، يعني ماذا يفعل؟ وقد جاء بيان ذلك في هذا الحديث الذي أورده النسائي، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)، يعني أنه بمجرد ذكره لها فإنه يبادر إلى أدائها، من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ولا يؤخرها عن الوقت الذي يذكرها به؛ لأنه معذور في حال النسيان، وبعد أن تنبه وعلم فعليه أن يبادر ولا يؤخر الصلاة عن الوقت الذي ذكرها فيه إذا كان قد نسيها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)
    قوله: [أخبرنا قتيبة]هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو عوانة].هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، وأبو عوانة يطلق على عدد، منهم: أبو عوانة الإسفراييني صاحب المستخرج على صحيح مسلم فكنيته أبو عوانة، وهو مشهور بهذا، وأما أبو عوانة هذا فهو من طبقة شيوخ البخاري، وكذلك النسائي.[عن قتادة].هو ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك رضي الله عنه]صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي أعلى ما عنده الأسانيد الرباعية التي يكون فيها بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وليس عند النسائي ثلاثيات، ومثل النسائي من أصحاب الكتب الستة: مسلم وأبو داود، فهؤلاء الثلاثة أعلى ما عندهم الرباعيات، أما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد.
    فيمن نام عن صلاة

    شرح حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يرقد عن الصلاة ... قال: كفارتها أن يصليها إذا ذكرها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن نام عن صلاة.أخبرنا حميد بن مسعدة عن يزيد قال: حدثنا حجاج الأحول عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها؟ قال: كفارتها أن يصليها إذا ذكرها)].هنا أورد النسائي باب: فيمن نام عن صلاة، يعني كيف يفعل، وقد بين ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أورده المصنف، وهو أنه من رقد عن صلاة أو غفل عنها، فإنه يصليها إذا ذكرها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، فقوله: (يرقد أو يغفل)؛ لأن يغفل هو النسيان وأما يرقد الذي هو النوم، وقد جاءت الرواية المتقدمة من حديث أنس : (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)، وهنا: (من رقد أو غفل فليصلها إذا ذكرها)، وفي بعض الطرق: ( من نسي صلاة، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )، والحديث يدل على أن النائم عن الصلاة عليه أن يبادر إلى أدائها بمجرد استيقاظه وتنبهه من نومه ومعرفته أنه قد فاته صلاة، أو أنه مضى عليه وهو نائم وقت صلاة وخرج ذلك الوقت فعليه أن يبادر إلى فعلها، ولكن ذلك يكون قضاء ما دام الوقت قد خرج ولا يكون أداء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يرقد عن الصلاة... قال: كفارتها أن يصليها إذا ذكرها)
    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].حميد بن مسعدة صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن يزيد].هو ابن زريع، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حجاج الأحول].هو حجاج بن حجاج الأحول، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن قتادة، عن أنس].وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث: (... ليس في النوم تفريط ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أنه قال: (ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة؟ فقال: إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها )].هنا أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنه قال: (ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم النوم عن الصلاة؟ فقال: ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحد صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)، فقوله عليه الصلاة والسلام (ليس في النوم تفريط) يعني أن الإنسان عندما تفوته الصلاة وهو نائم فهذا لا يعتبر تفريطاً، إنما التفريط في اليقظة للذي يكون مكلفاً ويحصل منه تأخير الصلاة، أما النائم فإنه قد رفع عنه القلم، (رفع القلم عن ثلاثة: ومنهم النائم حتى يستيقظ).لكن من المعلوم أن المراد في الحديث ما إذا لم يكن حصل تفريط أصلاً بأن يعمل السبب الذي يفوته الصلاة، وذلك بأن ينام أو أن يتعمد النوم في وقت يسبق الصلاة ثم تفوته الصلاة، مثل أن ينام قبل صلاة العشاء، ولهذا جاء: (وكان يكره النوم قبلها)؛ لأن ذلك يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء فهذا فيه تفريط، وكذلك الإنسان الذي ينام ولا يتخذ الاحتياطات لنفسه التي يتمكن بها من القيام من النوم، ما يجعل عنده المنبه ولا يوصي أحداً أن يوقظه حيث يكون هناك من يوقظ فإن ذلك تفريط، إذا كان الإنسان يأتي وينام ثم يستمر في النوم حتى يخرج الوقت ويكون هذا عادة له لا شك أنه تفريط وصاحبه يأثم، وعلى الإنسان أن يحتاط، لكن إذا كان الإنسان حصل له أن نام في يوم من الأيام واستمر معه النوم حتى دخل وقت الصلاة واستمر في النوم ولم يكن هناك أحد يعلم به حتى ينبهه فهذا هو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة)، يعني كونه يؤخر الصلاة وهو مستيقظ غير نائم، والنائم قد رفع عنه القلم حتى يستيقظ، كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليس في النوم تفريط ...)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.[حدثنا حماد بن زيد].هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ثابت] .هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن رباح] .وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي قتادة رضي الله عنه].أبو قتادة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. واسمه قد اختلف فيه، قيل: الحارث، وقيل: النعمان، وقيل: عمرو بن ربعي، ولكنه مشهور بكنيته أبي قتادة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    شرح حديث: (... ليس في النوم تفريط ...) من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله وهو ابن المبارك عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط إنما التفريط فيمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى حين ينتبه لها)].هنا أورد النسائي حديث أبي قتادة من طريق أخرى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط إنما التفريط فيمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، حين ينتبه لها ). وهذا الحديث كما ذكرت من قبل يدل على أن وقت كل صلاة يمتد إلى وقت التي بعدها إما اختياراً، وإما اضطراراً ما عدا صلاة الفجر فإن وقتها لا يتصل بالتي بعدها؛ لأن وقتها ينتهي بطلوع الشمس والظهر التي بعدها يدخل وقتها بالزوال، فهناك فجوة، ومدة، وزمن بين وقتي الصلاتين، وأما الصلوات الأخرى فهذا الحديث يدل على أن كل صلاة يمتد وقتها إلى وقت التي بعدها إما اضطراراً وإما اختياراً، والذي يمتد اختياراً هو وقت صلاة الظهر والمغرب، فإن وقت صلاة الظهر يمتد إلى وقت صلاة العصر وليس فيه وقت اضطراري، وكذلك أيضاً وقت صلاة المغرب يمتد إلى وقت العشاء وليس فيه اضطراري، وأما العصر فيمتد وقته الاختياري إلى اصفرار الشمس ثم بعد ذلك يكون اضطرارياً إلى غروبها، وأما العشاء فإنه اختياري إلى نصف الليل وبعد نصف الليل إلى طلوع الفجر يكون وقتاً اضطراراً، وهذا الحديث هو الذي يدل على امتداد وقت الصلاة إلى وقت التي بعدها، حيث قال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت التي بعدها حين ينتبه لها)، يعني حيث يكون متنبهاً هذا هو الذي يكون مفرطاً، إذا جاء وقت التي بعدها، أما إذا كان غافلاً، أو ناسياً فإنه معذور، ويجب عليه أن يبادر حينما يتذكر وقد خرج الوقت.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليس في النوم تفريط ...) من طريق أخرى
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو: سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي .[عن عبد الله]هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، جواد، مجاهد، ذكر ابن حجر جملة من صفاته، وقال: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسويد بن نصر هو راوية عبد الله بن المبارك .[عن سليمان بن المغيرة].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة].وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.
    الأسئلة

    الفرق بين الموالاة والتولي

    السؤال: هل هنالك فرق بين الموالاة والتولي، وما هو حكمهما؟ وجزاكم الله خيراً.الجواب: الموالاة والتولي، ما أدري هل هناك بينهما فرق؟! لكن كل منهما فيه الولاء وفيه القرب ممن يوالى وممن يتولى أما هل بينهما فرق؟ لا أدري.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #117
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب المواقيت
    (114)


    - باب إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد - باب كيف يقضي الفائت من الصلاة

    يجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في وقتها، إلا إذا وجد عذر خارج عن إرادته كالنوم، فإنه إذا نام عن الصلاة حتى خرج وقتها فعليه أن يؤديها إذا استيقظ من نومه كما كان يؤديها في وقتها.
    إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد

    شرح حديث أبي قتادة في وقت إعادة الصلاة على من نام عنها
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فليصلها أحدكم من الغد لوقتها)].يقول النسائي رحمه الله: باب إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد. هذه الترجمة تتعلق بمن نام عن الصلاة فإنه يصليها من الغد، فإذا كانت مثلاً الظهر فإنها تصلى في وقت الظهر من الغد، لكن سبق أن مر في بعض الأحاديث ومنها حديث أبي قتادة نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن صلاة، فليصلها إذا ذكرها)، فهذا هو الذي جاءت به الأحاديث المتعددة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها تصلى حين يذكرها، وأنها لا تؤخر عن الوقت الذي تذكر فيه؛ لأن النائم في حال نومه قد رفع عنه القلم فإذا استيقظ فعليه أن يبادر إلى أداء ما فاته من الصلوات في حال نومه، وقال بعض العلماء: إن حديث أبي قتادة، وقوله: (فليصلها لوقتها من الغد). ليس المقصود منه أنه يؤخرها إلى الغد فيصليها في وقت مثلها من الغد وإنما المقصود من ذلك أن هذا تنبيه من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن هذه الصلاة التي نيم عنها، أو لا يصلح أن يتكرر منه ذلك بل يحافظ على الصلوات في أوقاتها، وهذا هو المناسب في تفسير الحديث؛ لأن حديث أبي قتادة وبالإسناد نفسه من رواية ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة، وفيه كما تقدم قريباً: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من نام عن صلاة أو من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها). فبين عليه الصلاة والسلام أن الصلاة المنسية أو التي نيم عنها أنه يبادر إلى أدائها عند ذكرها، ويكون المراد بالحديث أنه يحرص من الغد على ألا يتكرر منه مثل هذا الذي حصل في هذا اليوم، هذا هو الذي يحمل عليه الحديث توفيقاً وجمعاً بينه وبين الأحاديث الأخرى.انظروا حديث أبي قتادة حيث قال: (ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة، فقال: إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها).هذا هو حديث أبي قتادة المتقدم، يقول: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)، فيكون هذا هو الذي جاء عن أبي قتادة وغيره، والذي جاء من أحاديث متعددة أن الصلاة المنسية أو التي نيم عنها تصلى عند ذكرها، وعلى هذا فيحمل ما جاء من حديث أبي قتادة هذا إن كان محفوظاً، على أن المراد به أنه يحافظ عليها من الغد بحيث لا يتكرر منه ذلك الذي حصل منه في هذا اليوم الذي حصل النوم فيه عن الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في وقت إعادة الصلاة على من نام عنها
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس المحدث، الناقد، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو داود ].هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو مشهور بكنيته أبي داود .[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج، الثقة الثبت، الذي وصف أنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ثابت البناني] .هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن رباح].وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبي قتادة].هو أبو قتادة الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث أبي هريرة في وقت إعادة الصلاة على من نسيها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى حدثنا يعلى حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نسيت الصلاة فصل إذا ذكرت فإن الله تعالى يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14])، قال عبد الأعلى حدثنا به يعلى مختصراً].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسيت الصلاة فصل إذا ذكرت فإن الله يقول: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14])، وهذا الحديث بمعنى ما تقدم من الأحاديث؛ من أن الصلاة المنسية والتي نيم عنها أنها تصلى عند ذكرها، وأنها لا تؤخر، بل يبادر إلى أدائها ولو كان ذلك في أوقات النهي، مثل بعد العصر إلى غروب الشمس، ومثل بعد الفجر إلى طلوع الشمس، فإن الصلوات المقضية تصلى عند ذكرها إذا ذكرها الإنسان في وقت النهي أو استيقظ في وقت نهي، فإنه يصلي الصلاة التي نسيها أو نام عنها، ولا يؤخرها إلى وقتها من الغد.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في وقت إعادة الصلاة على من نسيها
    قوله: [أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى].عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، وهو ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي .[حدثنا يعلى].هو ابن عبيد الطنافسي، وهو ثقة.خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا محمد بن إسحاق].هو ابن يسار المدني، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، مشهور بنسبته إلى جده زهرة، ومشهور بنسبته إلى جده شهاب، وهو ثقة، محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، روى عن أنس بن مالك وغيره من صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد].هو ابن المسيب، وهو ثقة، ثبت، فقيه، محدث، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين وهم الذين جمعهم الشاعر في قوله:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةفـسعيد هذا هو سعيد بن المسيب .[عن أبي هريرة].أبو هريرة هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وهو أحد السبعة المكثرين، بل هو أكثر السبعة الذين قال فيهم السيوطي :والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ
    شرح حديث أبي هريرة في وقت إعادة الصلاة على من نسيها من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو حدثنا ابن وهب حدثنا يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها. فإن الله تعالى قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] )].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وبمعنى الذي قبله وبلفظه: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)، يعني: مثلما تقدم في الروايات السابقة: (فإن الله قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]).

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في وقت إعادة الصلاة على من نسيها من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو] .عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو، ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود ، والنسائي، وابن ماجه .[عن ابن وهب]هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، فقيه.[حدثنا يونس].هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة].عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة، وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.وقول عبد الأعلى: (حدثنا به يعلى مختصراً) يعني أن الحديث مختصر، أي: ليس مطولاً، وعبد الأعلى هو نفسه الذي في الإسناد، شيخه، وشيخ شيخه يعلى بن عبيد.

    حديث أبي هريرة في وقت إعادة الصلاة على من نسيها من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول: (أقم الصلاة للذكرى))، قلت للزهري : هكذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ ما تقدم، إلا أن فيه تلاوة الآية: (أقم الصلاة للذكرى)، وهي غير القراءة المشهورة: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]. قوله: [أخبرنا سويد بن نصر] .هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[حدثنا عبد الله] .هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، إمام، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب بعدما ذكر جملة من خصاله الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن معمر].هو ابن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة] .وقد مر ذكرهم في الإسنادين اللذين قبل هذا.
    كيف يقضى الفائت من الصلاة

    شرح حديث أبي مريم في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف يقضى الفائت من الصلاة.أخبرنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن عطاء بن السائب عن بريد بن أبي مريم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أمره فأقام فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة )].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي مريم مالك بن ربيعة السلولي، وفيه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما ساروا من الليل نزلوا في آخر الليل وناموا ثم لم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن ثم صلوا الركعتين التي هي الراتبة ثم صلوا الصلاة التي هي صلاة الفجر، والترجمة هي باب كيف يقضى الفائت من الصلاة، فبين أنه أذن للصلاة وأديت الراتبة قبلها ثم أتي بالصلاة المفروضة بعد أداء الراتبة، ففيه الأذان، وفيه أداء الراتبة قبل الصلاة المقضية ثم قضى الصلاة، ومن المعلوم أن هذا بعد خروج الوقت، فهي قضاء فوائت؛ لأن وقت الفجر ينتهي بطلوع الشمس فبعد طلوع الشمس هو قضاء فائت؛ لأنه ليس أداء؛ لأن ذلك بعد خروج الوقت.قوله: [(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس)].(فأسرينا ليلة)، السري هو السير في الليل. (فلما كان في وجه الصبح)، يعني في آخر الليل قرب الصبح، نزلوا فناموا ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مريم في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو أبو السري، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وهناد بن السري كنيته أبو السري، فوافقت كنيته اسم أبيه، وقد سبق أن ذكرت أن هذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو أنه ينبغي أن يعرف من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة ذلك حتى لا يظن التصحيف فيما إذا قيل: حدثنا هناد أبو السري، يعني من لا يعرف يظن أن ابن صحفت إلى أبو، وليس فيه تصحيف بل هذا صواب، فهو أبو السري، وهو ابن السري.[عن أبي الأحوص].هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء بن السائب].وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.[عن بريد بن أبي مريم].وبريد بن أبي مريم ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبيه].أبوه هو مالك بن ربيعة السلولي، حديثه أخرجه النسائي.
    شرح حديث ابن مسعود في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فاشتد ذلك علي، فقلت في نفسي: نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله! فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام، فصلى بنا الظهر، ثم أقام فصلى بنا العصر، ثم أقام فصلى بنا المغرب، ثم أقام فصلى بنا العشاء، ثم طاف علينا فقال: ما على الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء، ثم قال: ليس هناك عصابة يذكرون الله تعالى غيركم )، وإسناد الحديث فيه ضعف من جهة أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ومن جهة أن أبا الزبير مدلس، وقد روى عن نافع بن جبير بن مطعم بالعنعنة، ففيه تدليس، وفيه إرسال، فهو غير ثابت، أي: هذا الحديث الذي فيه الحبس عن الصلوات الأربع، التي هي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قضاها وأتى بها مرتبة، الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ففيه انقطاع، وفيه تدليس.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك].وقد مر ذكرهما قريباً.[عن هشام الدستوائي].هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الزبير].هو محمد بن مسلم بن تدرس، وهو صدوق، يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن نافع].هو نافع بن جبير بن مطعم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة، وقد قال: الحافظ في التقريب: إن الراجح أنه لم يسمع من أبيه، وهذا الحديث من روايته عن أبيه، يعني ففيه انقطاع بينه وبين أبيه.[عن عبد الله بن مسعود].وأما أبوه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد فقهاء الصحابة، وهو صحابي مشهور، توفي سنة (32هـ)، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وليس هو أحد العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأنه متقدم الوفاة وأما العبادلة الأربعة فهم من صغار الصحابة، وهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث أبي هريرة في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، قال: ففعلنا، فدعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني أننا نزلنا في آخر الليل ونمنا، فالتعريس: هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة، قال: (فلم نستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليأخذ كل برأس بعيره فهذا موضع حضرنا فيه الشيطان، ففعلنا، ثم إن الرسول دعا بالوضوء فتوضأ وصلى سجدتين )، أي الركعتين اللتين هما ركعتا الفجر -السنة الراتبة- ثم أقيمت الصلاة فصلوا الغداة، وهذا مثل الحديث المتقدم، الذي فيه أنهم لما رقدوا أنه أذن للصلاة ثم صلوا الركعتين ثم بعد ذلك أقيمت الصلاة وصلوا صلاة الفجر.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو الدورقي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.[حدثنا يحيى].هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، محدث، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يزيد بن كيسان].وهو صدوق يخطئ، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثني أبو حازم].هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة رضي الله عنه].وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه، قد مر ذكره قريباً.
    شرح حديث جبير بن مطعم في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم حدثنا يحيى بن حسان حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سفر له: من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟ قال بلال: أنا، فاستقبل مطلع الشمس، فضرب على آذانهم حتى أيقظهم حر الشمس فقاموا، فقال: توضئوا، ثم أذن بلال فصلى ركعتين وصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر)].أورد النسائي رحمه الله حديث جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه: (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما كانوا في آخر الليل نزلوا، وقال: من يكلؤنا لا ننام عن صلاة الصبح؟ فقال بلال: أنا، فاستقبل مطلع الشمس، ثم إنه ضرب على آذانهم - بمعنى أنه حصل منهم النوم بحيث لم يحصل منهم إحساس، ولم يدخل آذانهم شيء من الأصوات بحيث يسمعون أصواتاً أو يسمعون حركة بمعنى أن النوم غلب عليهم- حتى استيقظوا بعد طلوع الشمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن، وصلوا الركعتين اللتين هما الراتبة، ثم أقيمت الصلاة فصلوا صلاة الفجر)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من يكلؤنا؟)، يعني: من يحرسنا ويوقظنا؟ حتى لا يناموا عن صلاة الفجر، وفي هذا التنبيه على أن الإنسان يحتاط في صلاته ولا يغفل حتى يتمكن منه النوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من يقوم بهذه المهمة، فقال بلال: أنا، ثم إنه استقبل مطلع الشمس، واستقبال مطلع الشمس من أجل أن ينظر إلى الفجر إذا طلع الفجر حتى ينبههم ويؤذن، فنام، ولما طلعت الشمس وقاموا بعد طلوع الشمس، أمر بلالاً فأذن وصلوا الراتبة ثم بعد ذلك أدوا الفريضة.
    تراجم رجال إسناد حديث جبير بن مطعم في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قوله: [أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم].هو النسائي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه أبو داود ، والنسائي .[حدثنا يحيى بن حسان].وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا حماد بن سلمة].هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عمرو بن دينار].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن نافع].هو نافع بن جبير بن مطعم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبيه].هو جبير بن مطعم النوفلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث ابن عباس في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو عاصم حدثنا حبان بن هلال حدثنا حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى وهي صلاة الوسطى )].أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي عليه السلام عرس )، أي: نام في آخر الليل؛ لأن المسافر عندما ينزل آخر الليل وينام ويستريح فهذا يسمى التعريس، فلم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس فصلوا الصلاة، قال: ( وهي الوسطى )، وحديث ابن عباس هذا موافق لما تقدم من الأحاديث من النوم عن الصلاة، وأنهم قاموا بأداء الصلاة وقضائها حينما قاموا وتنبهوا، يعني بعد طلوع الشمس، لكن فيه زيادة (وهي الوسطى) وهذه غير محفوظة؛ لأنها مخالفة لما جاء في الأحاديث الصحيحة من أن الوسطى هي صلاة العصر وليست الفجر؛ لأنه هنا أطلق على الفجر بأنها الوسطى، والذي ثبت في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوسطى هي العصر وليست الفجر، فتكون هذه الزيادة التي (هي الوسطى) منكرة، والمحفوظ أو المعروف سواها؛ وهو أنها العصر وليست الفجر، لكن ما عدا هذا فهو ثابت في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث، يعني من جهة أنهم ناموا عن الصلاة، وأنهم قاموا وصلوا الفجر بعدما خرج وقتها أي بعد طلوع الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في كيفية قضاء الفائت من الصلاة
    قوله: [أخبرنا أبو عاصم]. هو الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[حدثنا حبان بن هلال].بفتح الحاء، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهناك من الرواة من يقال له: حَبان بفتح الحاء، وفيهم حِبان بكسر الحاء، مثل: حبان بن موسى.[حدثنا حبيب].هو ابن أبي حبيب، وهو صدوق يخطئ، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه .[عن عمرو بن هرم].وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، يعني ما خرج له أبو داود من أصحاب السنن الأربعة، وما خرج له البخاري في الصحيح في الأصول، وإنما خرج له في التعليق.[عن جابر بن زيد].هو أبو الشعثاء، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس].وابن عباس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأحد الصحابة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    الأسئلة

    حكم تعلم السحر وتعليمه
    السؤال: ما حكم تعلم السحر وتعليمه؟الجواب: تعلم السحر وتعليمه من أكبر الكبائر، لا يجوز تعلم السحر ولا تعليمه ولا يجوز تعاطيه، بل هو من أكبر الكبائر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها السحر)، والسحر عد من نواقض الإسلام وأنه كفر بالله عز وجل.
    معنى حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات)
    السؤال: ما معنى الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)؟الجواب: معنى الحديث في غاية الوضوح، قوله: (اجتنبوا السبع الموبقات )، أي المهلكات التي هي من أكبر الكبائر، وفيها الشرك الذي هو أكبر الكبائر، وأظلم الظلم، وأبطل الباطل، وهو الذنب الذي لا يغفره الله عز وجل، والسحر وهو كفر أيضاً، وفي حجة الوداع قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، وأما ما عدا ذلك الذي هو الربا، وقتل النفس، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وأكل مال اليتيم. فهذه الخمسة من الكبائر وليست كفراً، وصاحبها لا يكون كافراً.
    حكم إدخال الجرائد إلى مكتبة المسجد النبوي لقراءتها
    السؤال: ما حكم إدخال الجرائد اليومية للمكاتب التي في المسجد النبوي لقراءتها؟الجواب : كما هو معلوم أن الصور ابتلي بها الناس، ولا يكادون يسلمون منها أبداً إلا ما شاء الله، وإدخال الشيء الذي ليس هناك ضرورة إليه ولا ملجأ إليه لا ينبغي، والجرائد لا ضرورة إليها حتى تدخل في المساجد، بخلاف غيرها مما يضطر الإنسان إلى دخوله، ولا يستطيع الانفكاك منه والتخلص منه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #118
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأذان
    (115)


    - (باب بدء الأذان) إلى (باب خفض الصوت في الترجيع في الأذان)

    الأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة، وقد شرع فيه التثنية والترجيع، وشرع الإيتار في الإقامة كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.
    بدء الأذان

    شرح حديث ابن عمر في بدء الأذان
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الأذان. باب بدء الأذان.أخبرنا محمد بن إسماعيل وإبراهيم بن الحسن قالا حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر رضي الله عنه: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فناد بالصلاة)].هنا أورد النسائي رحمه الله: كتاب: الأذان.الأذان في اللغة هو: الإعلام.ومن إطلاقات اللغة في الأذان، وأنه بمعنى الإعلام ما جاء في الكتاب والسنة: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3]، أي: إعلام، (من عادى لي ولي ولياً فقد آذنته بالحرب)، أي: أعلمته بأنني محارب له.وأما في الشرع: فهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، وهي: الله أكبر الله أكبر... إلى آخر الأذان.والمعاني الشرعية يكون بينها وبين المعاني اللغوية في الغالب تناسب، باعتبار أن المعنى الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي، هذا هو الغالب في الألفاظ الشرعية؛ لأن الأذان في اللغة: الإعلام مطلقاً.وأما في الشرع: فهو إعلام مخصوص، ليس إعلاماً عاماً، وإنما هو إعلام خاص، وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة، هذا هو الأذان الشرعي، وهكذا -كما ذكرت-: الألفاظ الشرعية تعتبر معانيها جزء من جزئيات المعاني اللغوية، وهذا مضطرد في كثير من الألفاظ، فإذا جئنا إلى لفظ (الصوم) نجد أن الصوم في اللغة: الإمساك، وكل إمساك فهو صوم.وأما في الشرع: فإمساك مخصوص، وهو: الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهو إمساك مخصوص، كذلك الحج، فالحج لغة: القصد، وأي قصد يقال له: حج، وفي الشرع: قصد البيت الحرام لأداء أعمال مخصوصة، هي: أركان الحج، وواجباته، ومستحباته، كذلك العمرة، العمرة لغة: الزيارة، وفي الشرع: زيارة البيت لأداء أعمال مخصوصة.فالمعاني الشرعية جزء من جزئيات المعاني اللغوية، والأذان هو من هذا القبيل.الباب: بدء الأذان، أي: كيف بدأ الأذان؟ وما هي بداية الأذان؟ كيف كانت؟الأذان شرع في المدينة بعدما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كما جاء في هذا الحديث عن ابن عمر: (أنهم كانوا يتحينون وقت الصلاة)؛ أي: يتحرونه ويقدرون الوقت، وينظرون في الشمس والغروب، وظل الشيء مثله ومثليه، وما إلى ذلك، ففكروا وجعلوا يتذاكرون، فقالوا: لو أنهم فعلوا مثلما فعلت النصارى بأن اتخذوا ناقوساً، ومنهم من قال: بل نتخذ قرناً، وهو بوق ينفخ به، وكانت تفعل اليهود ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: (لو بعث رجل ينادي للصلاة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فنادى بالصلاة)، وهذا النداء يحتمل أن يكون الأذان؛ وذلك كما جاء في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أنه أري الأذان، فأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأمره بأن يلقيه على بلال)، أي: أن يخبر بلالاً به، فأذن بلال، وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: لو اتخذ منادياً ينادي في الأذان، فيحتمل أن يكون ذلك بعدما حصلت الرؤيا، وكان عمر أيضاً وقع في نفسه هذا الشيء فقاله، ويحتمل أن يكون هذا قبل رؤيا عبد الله بن زيد، ويكون المراد بالنداء هو غير الأذان المعروف بالتكبيرات، وذلك بأن يقال: الصلاة، أو الصلاة جامعة، أو ما إلى ذلك من العبارات التي فيها نداء وإخبار بالصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في بدء الأذان
    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل وإبراهيم بن الحسن].هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، والمشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، وخرج حديثه النسائي وحده، ومحمد هذا من أهل السنة على طريقة أبيه، كما أن أباه من أهل السنة، ولأبيه ولد منحرف عن منهج أهل السنة وهو إبراهيم بن إسماعيل، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل الفقه الشاذة، فعندما يأتي شذوذ في بعض مسائل الفقه، فيقال: قال به ابن علية، يراد به: ابنه المنحرف عن منهج أهل السنة والجماعة، والذي ترجم له الذهبي في الميزان وقال: جهمي، هالك، و-كما قلت- يأتي في المسائل الشاذة في الفقه عزو بعض تلك المسائل إليه، ومن ذلك مسألة الإجارة، فالعلماء على مشروعيتها، والضرورة داعية إليها، ولا يستغني الناس عن الإجارة هذا هو المعروف عن العلماء أنهم يقولون: بمشروعية الإجارة، وابن علية هذا الجهمي الهالك، الذي هو إبراهيم بن إسماعيل، وأبو بكر بن الأصم المعتزلي يقولان: بأن الإجارة لا تجوز، وهي غير مشروعة، وهذا بلا شك شذوذ؛ لأن الإجارة لا يستغني الناس عنها.أما إبراهيم بن الحسن الذي يروي عنه النسائي، فهو المصيصي، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.[ قالا: حدثنا حجاج].هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ قال ابن جريج].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ أخبرني نافع].هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن عمر].هو أحد الصحابة المشهورين، وأحد العبادلة الأربعة المعروفين في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    تثنية الأذان

    شرح حديث: (إن رسول الله أمر بلالاً أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تثنية الأذان.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب تثنية الأذان.أي: شفع الأذان، وقد أورد النسائي تحته حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة)، وعندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة؛ يعني: يجعله شفعاً، والإقامة يجعلها وتراً؛ أي: كلمة واحدة، وهذا إنما هو في الغالب، فالأذان مشفوع غالباً، وفيه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وهي مرة واحدة ليست مشفوعة، فالأذان مكرر الألفاظ منه ما يكون أربع، وهو: الله أكبر في أوله، ومنه ما يكون اثنتين، وهو: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، والله أكبر في آخره مرتين، ولا إله إلا الله مرة واحدة.فإذاً: الشفع إنما للغالب؛ لأن كلمة التوحيد وكلمة الإخلاص التي هي ختام الأذان تكون مرة واحدة، فيكون الشفع محمولاً على الغالب، وليس على جميع الألفاظ.وأما الإقامة فإنها تكون وتراً، وهذه أيضاً في الغالب؛ لأن منه ما هو مشفوع، مثل: الله أكبر في أول الإقامة وفي آخرها: الله أكبر الله أكبر، وقد قامت الصلاة مشفوعة أيضاً، والباقي يكون وتراً، مثل حي على الصلاة حي على الفلاح، وأشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله مرة واحدة، أي: تكون وتراً، ولكن إيتار الإقامة إنما هو في الغالب، مثل الأذان شفعه في الغالب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله أمر بلالاً أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة)
    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنه، وهو أول شيخ روى عنهم في سننه، وأول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد، وقتيبة اسمه من الألفاظ المفردة التي لم تتكرر، ولم يشابهه أحد في ذلك؛ لأنه هو الشخص الوحيد في رجال الكتب الستة الذي يقال له قتيبة .[حدثنا عبد الوهاب].هو ابن عبد المجيد الثقفي البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أيوب].هو ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي قلابة].هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وهو ثقة، كثير الإرسال، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تشرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، وذلك منذ أن قدم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة كان عمر أنس عشر سنوات، فكانت مدة خدمته إياه مدة كونه في المدينة، وهي عشر سنوات، وحديث أنس بن مالك عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (كان الأذان على عهد رسول الله مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثني أبو جعفر عن أبي المثنى عن ابن عمر أنه قال: (كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، إلا أنك تقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة)].ثم أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن الأذان كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، إلا أنك تقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة)، وهذا مثل حديث أنس: (أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)، وهذا إنما هو على الغالب، والتثنية إنما هي على الغالب؛ لأن من ألفاظ الأذان ما هو أكثر من مرتين، وهو الله أكبر في أول الأذان، فإنها أربع مرات، إلا أن يكون المراد بالتثنية ما ينطق به؛ لأن الله أكبر الله أكبر ينطق بها مرة واحدة، فيكون معناه: النطق حصل مرتين، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر، وإذا قال: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر)، وهو من هذه الحيثية مثنى، لكن هي من حيث الجمل، ومن حيث الألفاظ هي أربع، فتكون التثنية إنما هي في الغالب؛ فلهذا عندما يأتي في الأحاديث القادمة أن الأذان تسعة عشر كلمة، وهذا معدود على اعتبار أن كل واحدة جملة مستقلة، الله أكبر أربع مرات، فهي من جملة التسعة عشر، ومع الترجيع في الشهادتين، فتكون تسعة عشر، والإقامة مرة إلا قد قامت الصلاة، فإنها تكون مرتين، ومن المعلوم: أن الله أكبر تكون في أوله مرتين، والله أكبر قبل آخره تكون مرتين.فإذاً: عدم الإفراد ليس خاصاً بـ(قد قامت الصلاة)، وإنما أيضاً مثلها الله أكبر في الأول، والله أكبر قبل الآخر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان الأذان على عهد رسول الله مثنى مثنى، والإقامة موترة ...)
    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، المعروف كلامه بالجرح والتعديل، وهو من النقاد، وكثيراً ما يأتي في تراجم الرجال: وقال الفلاس كذا، فالمراد به: عمرو بن علي الفلاس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى].هو ابن سعيد القطان المحدث، الناقد، والمعروف كلامه في الجرح والتعديل، وهو الذي وصفه الذهبي - هو وعبد الرحمن بن مهدي - في كتابه: ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل، قال: إذا اجتمع يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص، فهو لا يكاد يندمل جرحه، بمعنى: أنهما يصيبان الهدف، ويصيبان في قولهما عندما يتفقان على جرح شخص، وحديث يحيى بن سعيد القطان عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج، وهو الثقة، الثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا -كما ذكرت مراراً- من الأوصاف العالية التي هي من أعلى صيغ التعديل، والتي لم يظفر بها إلا عدد يسير من المحدثين، منهم: شعبة بن الحجاج، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني أبو جعفر].هو محمد بن إبراهيم بن مسلم الكوفي المؤذن، وهو صدوق ويخطئ، وخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن أبي المثنى].هو محمد بن المثنى، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو المثنى محمد بن المثنى كنيته توافق اسم أبيه.[عن ابن عمر].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    خفض الصوت في الترجيع في الأذان

    شرح حديث أبي محذورة في خفض الصوت في الترجيع في الأذان
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب خفض الصوت في الترجيح في الأذان.أخبرنا بشر بن معاذ حدثني إبراهيم وهو ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة حدثني أبي عبد العزيز وجدي عبد الملك عن أبي محذورة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقعده فألقى عليه الأذان حرفاً حرفاً، قال إبراهيم: هو مثل أذاننا هذا، قلت له: أعد علي، قال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، ثم قال: بصوت دون ذلك الصوت يسمع من حوله: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب خفض الصوت بالترجيع في الأذان.الترجيع في الأذان: هو إعادة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين بعدما يفرغ من الشهادتين، ويعود إليهما ذاكراً لهما بصوت منخفض، هذا هو الترجيع في الأذان، وعلى هذا تكون الألفاظ تسعة عشر، لكن هذا اللفظ الذي موجود معنا ليس فيه التكبير في أول الأذان إلا مرتين، وقد قال الشيخ ناصر الدين الألباني: إن هذه الرواية منكرة؛ لأنها تخالف الرواية الأخرى الثابتة عن أبي محذورة عند النسائي وغيره، وفيها: (الله أكبر في أول الأذان أربع مرات)؛ يعني: كما عند غير أبي محذورة، وهو أن الله أكبر تكون أربع مرات في أول الأذان، وفي هذه الرواية: (الله أكبر في أول الأذان مرتين)، وبقية الألفاظ موافقة لما جاء في حديث أبي محذورة من أن الشهادتين يؤتى بهما، ثم يؤتى بالترجيع، ثم حي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ثم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فتكون على هذا سبعة عشر جملة، وليس تسعة عشر جملة، والذي جاء عن أبي محذورة تسعة عشر جملة؛ يعني: بذكر الله أكبر أربع مرات في أول الأذان، ويكون على هذا عدد ألفاظ الأذان مع الترجيع في حديث أبي محذورة تسعة عشر جملة، وهذه الرواية مخالفة للرواية الأخرى التي جاءت عن أبي محذورة، والتي فيها أن التكبيرات في أول الأذن تكون أربعاً.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي محذورة في خفض الصوت في الترجيع في الأذان
    قوله: [أخبرنا بشر بن معاذ].هو البصري، وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[حدثني إبراهيم].هو ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو صدوق يخطئ، وخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، والترمذي، والنسائي .[حدثني أبي عبد العزيز].هو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو مقبول، وقد خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.[وجدي عبد الملك] وجده أيضاً مقبول، وخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له ابن ماجه شيئاً.[عن أبي محذورة].أبو محذورة قيل اسمه: أوس، وقيل غير ذلك، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.وهذا الإسناد يعتبر من رباعيات النسائي؛ لأن عبد العزيز وعبد الملك في طبقة واحدة، ليس في طبقتين؛ لأن إبراهيم يروي عن أبيه وعن جده، وليس أبوه يروي عن جده فيكون الإسناد خماسي، وإنما هو يروي عن أبيه وعن جده، فيكون رباعي، يعني: بشر بن معاذ، وإبراهيم بن عبد العزيز، وعبد العزيز، وعبد الملك، وهما في طبقة واحدة؛ يعني: من حيث الرواية، وجده أبو محذورة.
    الأسئلة

    حكم القراءة على خلاف ترتيب المصحف
    السؤال: هل يجب علي أن أقرأ في الركعة الأولى من صلاتي سورة متقدمة عن السورة التي أقرؤها في الركعة الثانية حسب ترتيب المصحف؟الجواب: القراءة في الصلاة الأولى أن تكون السور على حسب ترتيبها في المصحف، بحيث يقرأ الإنسان سورة ثم يقرأ بعدها سورة تليها، فهو ليس بلازم أن تكون بعدها مباشرة، لكنها مما يكون بعدها، وليس مما يكون قبلها، هذا هو الأولى، ولو قرئ بسورة قبل سورة متقدمة عليها، فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه قد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران)، وجاء أيضاً في قصة الرجل الذي كان يؤم قومه، ويقرأ في كل ركعة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم يقرأ سورة أخرى، ومن المعلوم: أن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ليس بعدها إلا سورتان في المصحف، ومعنى هذا: أنه يقرأ سورة قبلها، والنبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك، لكن الأولى أن يكون الترتيب كترتيب المصحف، وإن فعل خلاف الترتيب، فإنه جائز، وهذا هو الدليل الذي يدل على جوازه.
    حكم براز الحمام
    السؤال: هل براز الحمام طاهر غير نجس؟ وما الدليل على ذلك؟ جزاكم الله خيراً.الجواب: براز الحمام طاهر؛ لأن بول وروث كل ما يؤكل لحمه طاهر، فأرواث الإبل وأبوالها، والغنم وأبوالها، وكل ما يؤكل لحمه يكون طاهراً.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #119
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأذان
    (116)


    - (باب كم الأذان من كلمة) إلى (باب الأذان في السفر)

    شرع في الأذان التثنية والترجيع كما في حديث أبي محذورة، وعدد الجمل في الأذان تسع عشرة جملة إن كان هنالك ترجيع، وأما الإقامة فسبع عشرة.
    كم الأذان من كلمة

    شرح حديث: (الأذان تسع عشرة كلمة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم الأذان من كلمة.أخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن همام بن يحيى عن عامر بن عبد الواحد حدثنا مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، ثم عدها أبو محذورة تسع عشرة كلمة وسبع عشرة)].يقول النسائي رحمه الله: كم الأذان من كلمة. يعني: كم عدد كلمات الأذان، والمراد بالكلمات الجمل، وليس المراد بها الكلمة الواحدة المفردة، وإنما المقصود بها الجملة، مثل: لا إله إلا الله، الله أكبر، وأشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، فكل واحدة منها كلمة، هذا هو المراد بها؛ لأن الكلمة تطلق على اللفظة الواحدة، والتي هي اسم، أو فعل، أو حرف، وتطلق على الجملة، وقد تطلق على الكلام الكثير، كأن يقال: ألقى فلان كلمة، وتكون من عدة صفحات، وقد جاء ذلك في أحاديث عديدة فيها إطلاق الكلمة ويراد بها الكلام، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو آخر حديث في صحيح البخاري-: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فالمراد بالكلمتين: سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ)، فإن هذا هو المقصود بالكلمة، أي: الجملة من الكلام، وإليه أشار ابن مالك في الألفية بقوله:واحده -أي الكلام- كلمة والقول عموكلمة بها كلام قد يؤمأي: أن الكلمة قد يقصد بها الكلام، وهنا قول النسائي: كم الأذان من كلمة، المقصود من ذلك الجملة.وأورد النسائي حديث أبي محذورة؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة تسع عشرة كلمة)، ثم عدها تسع عشرة، وسبع عشرة، وهذه التسع عشرة كلمة هي: التكبير أربع؛ الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، والشهادة بالوحدانية أربع؛ لأنه بالترجيع؛ أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، ثم أشهد أن محمداً رسول الله أربع بالترجيع؛ أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، المجموع تسعة عشر، التكبير أربع في الأول، والشهادتان مع الترجيع ثمان؛ لأنها أربع بدون ترجيع، وأربع مع الترجيع، فتصير اثني عشرة، ثم بعد ذلك يكون حي على الصلاة مرتين، فتصبح أربع عشرة، وحي على الفلاح مرتين، فتصبح ست عشرة، والله أكبر الله أكبر مرتين، فتكون ثماني عشرة، ولا إله إلا الله تكملة التسع عشرة كلمة، وقد جاءت مبينة في حديث أبي محذورة من طرق أخرى.وأما الإقامة فهي سبع عشرة، وهي بتثنية أكثر الألفاظ، وبتربيع التكبير في الأول، وبإفراد كلمة التوحيد في الآخر: الله أكبر أربع مرات في الأول، ثم أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً مرتين، لا يوجد ترجيع مثل الأذان، ثم حي على الصلاة حي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح حي على الفلاح كذلك، ثم قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم الله أكبر الله أكبر، ثم لا إله إلا الله، فتكون سبع عشرة؛ الله أكبر أربع مرات، والشهادتان أربع مرات فتصير ثمان، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، وقد قامت الصلاة مرتين، ولا إله إلا الله مرة واحدة، فيكون المجموع سبع عشرة كلمة، أي: جملة، فهذه ألفاظ الإقامة وألفاظ الأذان كما جاءت في حديث أبي محذورة، وقد جاء في الأحاديث الأخرى أنها بألفاظ أقل، الذي هو خمس عشرة جملة بدون ترجيع كما هو موجود، وكما هو مستعمل كثيراً، مثل ما جاء في حديث أبي محذورة ولكن بدون ترجيع، أربع تكبيرات في الأول، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ثم الله أكبر مرتين، ولا إله إلا الله مرة واحدة، فيكون مجموعها خمس عشرة كلمة، يسقط منها الأربع التي هي الترجيع، فيكون المجموع خمس عشرة كلمة.وألفاظ الأذان جاءت بصيغ متعددة، وبألفاظ مختلفة، وكل ما ثبت من ذلك فهو حق، والخلاف هو خلاف تنوع، وكون بعض العلماء يقول: الأولى أن يكون كذا، وبعضهم يقول: بل الألفاظ كذا هذا من اختلاف التنوع، وليس من اختلاف التضاد؛ لأن ألفاظ الأذان، وألفاظ الاستفتاح، وألفاظ التشهد، وكل ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام الأخذ بأي واحد منه هو حق.
    تراجم رجال إسناد حديث (الأذان تسع عشرة كلمة ...)
    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[أنبأنا عبد الله].وهو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسويد بن نصر هو روايته، يعني: الذي يروي عنه كثيراً، وإذا جاء مهملاً، أي: عبد الله ويروي عنه سويد بن نصر، فالمراد به عبد الله بن المبارك .[عن همام بن يحيى].وهو ابن دينار العوذي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عامر بن عبد الواحد].وهو الأحول، وهو صدوق يخطئ، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا مكحول].وهو الشامي أبو عبد الله، وهو ثقة،كثير الإرسال، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عبد الله بن محيريز].وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي محذورة].واسمه أوس، وقيل فيه غير ذلك، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    كيف الأذان

    شرح حديث أبي محذورة في صفة الأذان
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف الأذان.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أنه قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان، فقال: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله)].وهنا أورد النسائي حديث أبي محذورة وفيه بيان كيفية الأذان كما علمه إياه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو تسع عشرة جملة، وهذا يوضح الإجمال الذي في الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة يقول: الأذان تسع عشرة كلمة، وهنا فصل هذه الكلمات وبينها وأوضحها، وأنها التكبير أربع مرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين فيكون أربع، ثم يعود فيأتي بها بصوت عال الذي هو الترجيع، فتكون الشهادتان ثمان، ثم حي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، الله أكبر مرتين، ولا إله إلا الله مرة واحدة، فيكون المجموع تسع عشرة كلمة، هذه هي عدد ألفاظ الأذان كما جاء في حديث أبي محذورة . وقد مر بنا طريق من الطرق عن أبي محذورة وفيه أن التكبير الأول مرتان، وعرفنا أن تلك الرواية مخالفة للروايات المختلفة المتعددة عن أبي محذورة التي فيها تربيع الأذان في الأول، وأنه أربع كلمات وليس كلمتين، وهذه هي الصحيحة الثابتة، وتلك منكرة؛ لأنها تخالف الروايات المتعددة التي جاءت عن أبي محذورة، وأن التكبير في الأول أربع مرات.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي محذورة في صفة الأذان
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، فقيه، محدث، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أعلى الأوصاف، وأرفع صيغ التعديل، وهي أن يقال عن الشخص: أمير المؤمنين في الحديث، وإسحاق بن راهويه ممن وصف بهذا الوصف، ولقب بهذا اللقب الرفيع، وحديث إسحاق بن راهويه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[أخبرنا معاذ بن هشام].وهو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ومعاذ بن هشام صدوق، وربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثني أبي].هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة].هؤلاء الأربعة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    شرح حديث أبي محذورة في صفة الأذان من طريق أخرى
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له، قالا: حدثنا حجاج عن ابن جريج حدثني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة: (أن عبد الله بن محيريز أخبره، وكان يتيماً في حجر أبي محذورة حين جهزه إلى الشام، قال: قلت لـأبي محذورة: إني خارج إلى الشام، وأخشى أن أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن أبا محذورة قال له: خرجت في نفر، فكنا ببعض طريق حنين، مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون، فظللنا نحكيه ونهزأ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم إلي، وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، فقال: قم فأذن بالصلاة، فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه، قال: قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: ارجع فامدد صوتك، ثم قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله! مرني بالتأذين بمكة، فقال: قد أمرتك به، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي حديث أبي محذورة من طريق أخرى، وفيه بيان كيفية الأذان، وأنه تسع عشرة كلمة، وذلك باعتبار الترجيع في أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، بحيث تكون ثمان كلمات أو ثمان جمل، وهو بمعنى اللفظ المتقدم، أو بمعنى الرواية المتقدمة قبل هذه، وفي هذا بيان كيف كان بدء أبي محذورة بالأذان، وأيضاً فيه بيان كيف تحمل عبد الله بن محيريز الأذان عن أبي محذورة؛ لأن عبد الله بن محيريز أراد أن يذهب إلى الشام، وعبد الله بن محيريز له صلة بـأبي محذورة ؛ لأنه كان يتيماً في حجره، ولما أراد أن يذهب إلى الشام، وكانت العلاقة بينه وبين أبي محذورة وثيقة، وأنه في حجره، فخشي أن يسأل عن تأذين أبي محذورة ؛ وذلك لصلته به وعلاقته به، فقال: أخشى أن أسأل عن تأذنيك، فأخبرني، فأخبره، وأنهم لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قافلاً من حنين، وكان معه أشخاص خرجوا من مكة، وسمعوا مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يحكون أذانه، والنبي عليه الصلاة والسلام سمع حكايتهم للأذان، أي: كونهم يأتون بالأذان على وفق ما يأتي به المؤذن، وكان فيهم شخص ندي الصوت، حسن الصوت، هو أبو محذورة، فدعا بهم وجاءوا فسألهم عن الرجل الذي كان رفيع الصوت؟ فأشاروا إليه، قال: وصدقوا، أي: عندما أشاروا إليه، وأنه هو الذي أذن وكان صوته حسناً، فأرسلهم وحبسه عنده، ولما جاء الأذان أمره بأن يؤذن، وعلمه كيفية الأذان، فعلمه إياه تسع عشرة جملة على نحو ما تقدم: التكبير أربع مرات، والشهادتان مع الترجيع ثمان مرات، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، والله أكبر مرتين، ولا إله إلا الله مرة، فالمجموع تسع عشرة جملة.ثم إنه قال له: ائذن لي أن أؤذن في المسجد الحرام، فأذن له، فذهب إلى أمير مكة، عامل الرسول صلى الله عليه وسلم على مكة، وهو عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة أمره عليها، وكان صغيراً من صغار الصحابة، قيل: إن عمره في حدود العشرين حين أمره على مكة، وذهب أبو محذورة وجعل يؤذن في المسجد الحرام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي محذورة في صفة الأذان من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].وهو المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.[ويوسف بن سعيد].وهو المصيصي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده.قوله: (واللفظ له) أي: لـيوسف بن سعيد ؛ لأن النسائي ذكر شيخين في هذا الحديث، هما إبراهيم بن الحسن المصيصي ويوسف بن سعيد المصيصي . وقال: (واللفظ له)، أي: لـيوسف بن سعيد، وليس هذا لفظ إبراهيم بن الحسن، وهذه طريقة النسائي عندما يذكر الحديث عن شيخين يعين من له اللفظ، وغالباً ما يكون الأخير، وأحياناً يجعل ذلك في الآخر؛ بعد ما ينتهي الحديث يقول: واللفظ لفلان، وفي بعضها كما هنا بعد ذكر الشيخ الثاني يقول: واللفظ له، والضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وهو يوسف بن سعيد المصيصي . [حدثنا حجاج].وهو ابن محمد المصيصي أيضاً، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثني عبد العزيز بن عبد الملك].وهو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.[أن عبد الله بن محيريز].وقد عرفنا في الحديث السابق أنه ثقة، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    الأذان في السفر

    شرح حديث أبي محذورة في الأذان في السفر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأذان في السفر.أخبرنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة أنه قال: (لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم، فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت، فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل، وكنت آخرهم، فقال حين أذنت: تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبرّك علي ثلاث مرات، ثم قال: اذهب، فأذن عند البيت الحرام، قلت: كيف يا رسول الله، فعلمني، قال كما تؤذنون الآن بها: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح، قال: وعلمني الإقامة مرتين: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال ابن جريج: أخبرني عثمان هذا الخبر كله عن أبيه، وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة)].وهنا أورد النسائي رحمه الله هذا الباب، وهو باب الأذان في السفر، وهو مثل الحضر، لا فرق بين السفر والحضر في الأذان، ولكنه أورده؛ لأن الأذان الذي سمعوه كان في السفر، وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي محذورة كان في السفر، لهذا ترجم النسائي هذه التراجم وهي: باب الأذان في السفر.وقد أورد النسائي حديث أبي محذورة من طريق أخرى، وفيه بيان كيفية الأذان والإقامة، وأن الأذان تسع عشرة جملة مع ترجيع الشهادتين فتكون ثمان، والإقامة سبع عشرة جملة كما جاء في الحديث المتقدم؛ التكبير أربع مرات، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمداً رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتينو، حي على الفلاح مرتين، والله أكبر مرتين، ولا إله إلا الله مرة واحدة، والإقامة، التكبير أربع مرات، والشهادتان أربع، فهذه ثمان، وحي على الصلاة حي على الصلاة مرتين، وهذه عشر، وحي على الفلاح حي على الفلاح مرتين، وقد قامت الصلاة مرتين، والله أكبر مرتين، ولا إله إلا الله مرة، فيكون المجموع سبع عشرة، وهذا تفصيل الإجمال الذي في الطريق الأولى، وهي قول أبي محذورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، فهذا هو التفصيل في الإقامة لذلك الإجمال الذي تقدم في الرواية السابقة، الأذان تسع عشرة جملة، ويضاف إليها في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتان، فيكون العدد واحد وعشرين، بإضافة الصلاة خير من النوم في أذان الصبح، وأما الإقامة فهي سبع عشرة جملة؛ وذلك بإضافة: قد قامت الصلاة مرتين.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي محذورة في الأذان في السفر
    قوله: [أخبرنا إبراهيم بن الحسن].وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.[حدثنا حجاج].وهو ابن محمد المصيصي، وقد مر ذكره أيضاً.[عن ابن جريج].وقد مر ذكره كذلك.[عن عثمان بن السائب].وهو الجمحي المكي، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والنسائي . [عن أبي].وهو السائب الجمحي المكي، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، أي: كالذين خرجوا لابنه عثمان .[وأم عبد الملك بن أبي محذورة].وهي زوجة أبي محذورة، وهي مقبولة، وقد رمز في التقريب بـأبي داود، والترمذي، ومن المعلوم أن النسائي خرج لها، والحديث الذي معنا في النسائي، فلا أدري هل التاء بدل السين، أو أن السين سقطت فيكون أبو داود، والترمذي، والنسائي خرجوا لها.قوله: [عن أبي محذورة].وقد مر ذكره.
    الأسئلة

    مدى صحة رؤيا عمر لنفس الرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد في الأذان
    السؤال: يا فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل عمر رضي الله عنه رأى نفس الرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد في بدء الأذان، وقد أخبرت أن خبر رؤيا عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري؟الجواب: لا، أنا ما ذكرت رؤيا عمر .فأنا لا أعرف شيئاً عن الرؤيا، الرؤيا لـعبد الله بن زيد، وعبد الله بن عمر قال: نادِ في الصلاة، ولا أدري هل له رؤيا أو ليس له رؤيا؟ وقد يكون في الأحاديث التي ستأتي شيء يوضح شيئاً من ذلك، ولكن كون عمر رأى رؤيا لا أدري.
    حكم لبس المرأة للذهب المحلق
    السؤال: يا شيخ! حفظك الله، ما حكم لبس الذهب المحلق للمرأة، فهناك بعض طلبة العلم قال لزوجته: لا تلبسي الذهب المحلق؛ لأن هذا فيه خلاف بين العلماء، والأفضل أن تتركيه خروجاً من الخلاف، ومن باب ترك الشبهات، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والأحوط لك أن تتورعي في هذا الأمر، فهل هذا صحيح؟ وهل تركه يعتبر تورعاً؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.الجواب: الذهب مطلقاً مباح للنساء، محلق أو غير محلق، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، وقد جاء في الأحاديث حل الذهب مطلقاً للنساء، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على حل الذهب المحلق؛ وذلك في قصة مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام إلى النساء يوم العيد ووعظه إياهن، ومعه بلال، وعبد الله بن عباس، وقال: (تصدقن يا معشر النساء! فإنكن أكثر حطب جهنم، فجعلن يلقين من خواتيمهن وأقراطهن)، ومن المعلوم أن الخواتيم محلقة، فالخواتيم التي يخرجنها من أصابعهن كانت محلقة. ثم صاحبة المسكتين اللتين قال فيهما: (أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا)، الحديث، وهي محلقة.فإذاً جاء في النصوص ما يدل على حل الذهب مطلقاً محلقة وغير محلقة، وجاء في بعض النصوص ما يدل على حل المحلقة، فتكون هذه النصوص العامة والخاصة دالة على إباحته، وتلك الأحاديث التي جاءت فيها النهي عن الذهب المحلق تكون مرجوحة، ويكون ذلك الذي جاء فيه العموم، وجاء فيه النصوص الخاصة بالذهب المحلق دالة على إباحته مطلقاً، وأن النساء لا حرج عليهن إذا لبسن أي شيء من الذهب، سواء كان محلقاً أو غير محلق.
    حكاية الإجماع على ترك لبس الذهب المحلق
    السؤال: هل لبس الذهب المحلق يكون مخالفاً للإجماع؟الجواب: لا، ما يكون مخالفاً للإجماع، فالمسألة خلافية، والجمهور على أنه مباح، ولكن لا يقال: إنه مخالف للإجماع، مع أنه ما فيه إجماع، وإن كان بعض العلماء حكى الإجماع.
    مضاعفة أجر النوافل في مكة والمدينة
    السؤال: هل النوافل في مكة والمدينة تضاعف؟ وما الدليل؟الجواب: أما في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الصلوات النوافل تضاعف كالفرائض؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي)، هذا لفظ يشمل الفرض والنفل، وبالنسبة للمسجد النبوي الصلاة فيه بألف صلاة، الفريضة بألف فريضة، والنافلة بألف نافلة، وأما في مكة فهي بمائة ألف صلاة، والخلاف بين العلماء، هل التضعيف يكون للصلاة في المسجد المحيط بالكعبة، أو أن الصلاة في مكة كلها تضاعف؛ لأن مكة يطلق عليها مسجد حرام كلها، والقول بأن مكة يقال لها: مسجد حرام، هو قول قوي؛ لأنه جاء ما يدل عليه، مثل قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، والمراد بالمسجد الحرام مكة كلها، وليس المقصود المسجد الذي فيه الكعبة، فالكفار يمنعون من دخول مكة كلها، وليس المسجد الذي فيه الكعبة فقط.ثم أيضاً قول الله عز وجل: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1]، والنبي صلى الله عليه وسلم أسري به من بيت من بيوت مكة، وقد أُطلق على الإسراء به أنه من المسجد الحرام، والإسراء به كان من بيت من بيوت مكة.الحاصل: أن المسجد الحرام يطلق على مكة كلها، ولكن كما هو معلوم، وإن كان هذا القول له وجاهة وقول قوي، وقال به بعض أهل العلم، وألف فيه من العلماء القريبين من عصرنا المعاصرين، وقد توفي يقال له: التباني، ألف رسالة صغيرة فيما يتعلق بالمسجد الحرام، وإطلاق على مكة أنها كلها مسجد حرام، إلا أنه كما هو معلوم ليس سواء من يصلي عند الكعبة، ومن يصلي في أماكن مختلفة من مكة، كما أن الذين يصلون في المسجد يتفاوتون؛ فالصف الأول أفضل من الذي يليه وهكذا، فالذي يصلي عند الكعبة ليس كالذي يصلي في أماكن مختلفة من مكة.
    الأفضل في أداء صلاة النافلة البيت أم المسجد الحرام
    السؤال: هل صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة؟الجواب : قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل من المكتوبة)، تشمل الحرمين وغيرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #120
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأذان
    (117)


    - (باب أذان المنفردين في السفر) إلى (باب هل يؤذنان جميعاً أو فرادى؟)

    إن الأحق بإقامة الصلاة هو الأقرأ ثم الأفقه بالسنة ثم الأقدم هجرة ثم الأكبر سناً، وأما بالنسبة للأذان فإنه إذا حضرت الصلاة يشرع للرجل أن يؤذن لها حتى ولو كان منفرداً، ويكفي الجماعة أن يؤذن لهم أحدهم.
    أذان المنفردين في السفر

    شرح حديث: (إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أذان المنفردين في السفر.أخبرنا حاجب بن سليمان عن وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، وقال مرة أخرى: أنا وصاحب لي، فقال: إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما)].يقول النسائي رحمه الله: (باب أذان المنفردين في السفر)، المقصود من هذه التراجم: أن الاثنين إذا سافرا فإنه يؤذن أحدهما ويقيم، ويؤمهما أكبرهما. وقد أورد النسائي حديث مالك بن الحويرث بهذا المعنى، أنه قال: أي مالك بن الحويرث: ذهبت أنا وابن عم لي أو صاحب لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما)، ومحل الشاهد منه قوله: (فأذنا وأقيما)، فهما اثنان، وقد أمرهما النبي عليه الصلاة والسلام عندما يحين وقت الصلاة أن يؤذنا، بل إن الأذان يكون حتى من الواحد إذا كان وحده فإنه عندما يأتي وقت الصلاة يؤذن ولو كان وحده، وقد جاء بذلك بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الحديث -الذي هو حديث مالك بن الحويرث- فيه أن الإمامة أنها تتميز على الأذان؛ وذلك أن الإمامة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فليؤمكما أكبركما)، وأما الأذان فقال: (أذنا وأقيما)، وفي بعض الروايات: (فليؤذن أحدكم)، فجعل الإمامة للأكبر، وجعل الأذان لواحد منهما، فدل على تمييز الإمامة على الأذان، وأن الذي يتولى الإمامة من يكون أكبر، وهذا في حالة التساوي في الأمور التي قبل الكبر، وهي الأقرأ للقرآن، والأعلم بالسنة، ثم بعد ذلك يكون الأكبر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وليؤمكما أكبركما)؛ لأنهما كانا متماثلين، فيما قبل الكبر، فجعل الإمامة للكبير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما)
    قوله: [أخبرنا حاجب بن سليمان].هو المنبجي، وهو صدوق يهم، وحديثه أخرجه النسائي وحده، ومنبج بلدة من بلاد الشام، نسب إليها، فيقال له: المنبجي، وهو صدوق يهم، خرج حديثه النسائي. [عن وكيع].وهو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان].وسفيان غير منسوب هنا، ولكنه محمول على الثوري؛ لأنه إذا جاء ذكر وكيع يروي عن سفيان، وسفيان غير منسوب فإنه يحمل على الثوري، وهذا هو الذي ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: إذا جاء وكيع عن سفيان فالمراد به الثوري، وليس المراد به ابن عيينة، والثوري ووكيع من بلد واحد، وهي الكوفة.وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، الحجة، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من الأوصاف الرفيعة والألقاب العالية التي لم يظفر بها إلا عدد قليل جداً من المحدثين، ومنهم سفيان الثوري رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن خالد الحذاء].وهو خالد بن مهران الملقب الحذاء، ولم يكن تلقيبه بالحذاء لأنه كان حذاء يصنع الحذاء أو يبيعها، لم يكن كذلك، ولكنه قيل: إنه كان يجالس الحذائين، فقيل له: الحذاء، أو إنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، أي: قف على كذا، واحذي حذو كذا، فقيل له: الحذاء لهذا، وهذه نسبة لغير ما يتبادر إلى الذهن؛ لأن الذي يتبادر إلى الذهن -إذا قيل: الحذاء- أنه صانع الأحذية أو بائع الأحذية، وأما أن يكون يجالس الحذائين أو يقول: احذ على كذا، فهذا ليس متبادراً إلى الذهن. وهو ثقة، يرسل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي قلابة].وهو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة.[عن مالك بن الحويرث].مالك بن الحويرث، صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر

    شرح حديث: (... إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر.أخبرني زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أنه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا، فسألنا عمن تركناه من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا عندهم، وعلموهم، ومروهم إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)].هنا أورد النسائي هذه التراجم وهي: اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر، مقصود هذه التراجم أنه في الحضر، وكذلك في السفر إذا أذن واحد للجماعة الواحدة فإنه يجزئ ويكفي، ولا يحتاج إلى أن يؤذن غيره، فإذا أذن مؤذن المسجد فإنه يجزئ عن غيره، ولا يحتاج إلى أن كل واحد يؤذن كما يكون في السفر، لو كان الإنسان وحده فإنه يؤذن ولو كان وحده، أما أن يكون في الحضر والناس جماعة، فإنه يكفي أذان واحد منهم.وقد أورد النسائي حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وأنه جاء جماعة من الشباب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسوا عنده عشرين ليلة، وكانوا يتفقهون، ويتعلمون، فلما رآهم قد اشتاقوا إلى أهليهم، وقد مكثوا هذه المدة، وهي عشرين ليلة، سألهم عمن وراءهم، فأخبروه، ثم قال: (ارجعوا إلى أهليكم، وعلموهم، ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه هؤلاء الجماعة من الشباب، وتغربوا من بلدهم وجلسوا في المدينة يلازمون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتحملون عنه، ويأخذون عنه الحق والهدى، فلما طالت المدة عليهم، ورأى أنهم قد اشتاقوا إلى أهليهم؛ لمكثهم هذه المدة، وهي عشرون ليلة سألهم عمن وراءهم، أي: سألهم عن أهليهم، وكان عليه الصلاة والسلام رحيماً رفيقاً، رحيماً بأمته رفيقاً بهم، وقد وصفه الله عز وجل بذلك في قوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، فهذا وصفه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الذي وصفه الله تعالى به، والذي وصفه به أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (علموهم ومروهم)، معناه: أن الإنسان إذا حصل شيئاً من العلم فإنه يبذله، وإذا تعلم ولو شيئاً قليلاً فإنه يبلغ ذلك الشيء الذي تحمله؛ لأن هؤلاء الشباب الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلسوا عنده عشرين ليلة، وأخذوا منه ما أخذوا قال لهم: (ارجعوا إلى أهليكم وعلموهم ومروهم)، أي: بالشيء الذي أرشدهم إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأوامر التي أمرهم بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنهم يبلغونها من وراءهم.ثم قال: (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، أي: واحد من الناس في الحضر يكفي عن غيره، وكذلك في السفر، إذا كانوا مجموعة واحدة فيؤذن واحد منهم، ولكن الإمامة يتولاها الأكبر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال هنا: (وليؤمكم أكبركم)، مع أنه جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري البدري قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سناً)، وقد جعل الكبر في السن متأخراً عن هذه الأمور؛ لأن هؤلاء متساوون فيما قبل ذلك؛ وذلك لأنهم جاءوا وهم شباب، وجلسوا مدة، وتعلموا ما تعلموا من القرآن جميعاً، وتعلموا ما تعلموا من السنة جميعاً، فكانوا متساويين في هذه الأمور، فلم يقل: (يؤمكم أقرأكم)؛ لأنهم متساوون في هذه الأشياء.فإذاً: يكون التمييز بعد ذلك عند التساوي لمن يكون أكبر، وهذا هو التوفيق بين هذا الحديث وبين حديث (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، فهو لا يعارضه، بل المعول على حديث أبي مسعود.
    تراجم رجال إسناد حديث (... إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)
    قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].وزياد بن أيوب لقبه دلويه، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[حدثنا إسماعيل].وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أيوب].وهو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي قلابة عن مالك].قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

    شرح حديث: (... إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة فقال لي أبو قلابة: هو حي، أفلا تلقاه؟ قال أيوب: فلقيته فسألته، فقال: لما كان وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، فذهب أبي بإسلام أهل حوائنا، فلما قدم استقبلناه، فقال: جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، فقال: (صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً)].وهنا أورد النسائي حديث سلمة بن قيس الجرمي أنه لما كان عام الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وبادر الناس إلى الدخول في الإسلام، وجاءت كل جماعة بمن يخبر بإسلامها، وأنها دخلت في الإسلام -كان أبوه، أي: أبو عمرو الذي هو سلمة بن قيس الجرمي- ذهب يخبر بإسلام قومه، فلما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، قال: (صلوا صلاة كذا في حين كذا)، أي: هذا مما أخبرهم به، ومما علمهم إياه رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله: (فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً)، فهذا محل الشاهد، قوله: (فليؤذن أحدكم)، أي: واحد منهم يتولى الأذان، ثم يؤمهم أكثرهم قرآناً، وهذا حديث سلِمة بن قيس الجرمي مطابق لما جاء في حديث أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري في صحيح مسلم، حيث قال: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)؛ لأنه هنا قال: (وليؤمكم أكثركم قرآناً)، فهذا يدل على أن الأقرأ هو الذي يقدم، وما جاء في حديث مالك بن الحويرث من أنه يؤمهم أكبرهم؛ لأنهم كانوا متساوين في القراءة كما عرفنا، فصار الحكم للأكبر، أما إذا كانوا ليسوا متساوين في القراءة فإن التقديم يكون للأكثر قرآناً كما جاء ذلك في حديث أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري، وكما جاء في حديث سلمة بن قيس الجرمي هذا، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (وليؤمكم أكثركم قرآناً)، ومحل الشاهد منه قوله: (فليؤذن لكم أحدكم).قال: (لما كانت وقعة الفتح)، أي: فتح مكة قوله: (بادر كل قوم بإسلامهم) وقد حصل ما أخبر الله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، فدخل الناس في دين الله أفواجاً؛ وذلك أن أهل مكة الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين هم أشد الناس مناوأة له، ومعاداة له لما دخلوا في الدين غيرهم تبعهم في ذلك؛ لأن هؤلاء هم الرءوس الذين كانوا مناوئين، وقاموا بمعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما فتح الله عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ودخل هؤلاء في الدين، دخل الناس في دين الله أفواجاً، فذهب من كل جماعة، من يخبر بإسلامها، وأنها دخلت في الدين، وكان سلمة بن قيس الجرمي ذهب بإسلام قومه، يخبر بأن قومه دخلوا في الإسلام، وأنهم دخلوا في دين الله عز وجل قوله: (بإسلام أهل حوائنا)، والمقصود بالحواء البيوت المجتمعة على ماء، هذا يقال له: الحواء، فذهب بإسلام قومه، يخبر بإسلام قومه ويبشر بإسلام قومه، فلما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، وأخبر أنه قال: صلوا صلاة كذا في وقت كذا، وصلاة كذا في وقت كذا، ثم قال: وليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً).
    تراجم رجال إسناد حديث (... إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً)
    قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].وهو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وأبو داود.[حدثنا سليمان بن حرب].هو: سليمان بن حرب الأزدي البصري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حماد بن زيد].هو:حماد بن زيد بن درهم، وهو بصري، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أيوب].هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقد تقدم.[عن أبي قلابة].وقد تقدم أيضاً.[عن عمرو بن سلمة].هو عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي، وهو صحابي صغير، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي. وهو الذي جاء عنه في البخاري أنه لما جاء بهذا الخبر عن أبيه، بحثوا ووجدوه أنه أقرأهم، فقدموه، أي: قدموا عمرو بن سلمة الجرمي، وكان صغيراً، فقدموه في الإمامة لكونه أقرأهم لكتاب الله عز وجل، وكان إذا جاء أحد من عند الرسول صلى الله عليه وسلم لقيه وتعلم منه شيئاً من القرآن، فكان أقرأ قومه، أو أكثرهم معرفة بالقرآن، أو حفظاً للقرآن وحملاً للقرآن فقدموه. وعمرو بن سلمة يروي عن أبيه.وهو سلمة بن قيس الجرمي، وهو صحابي من أصحاب رسول الله، وهو الذي وفد على الرسول يخبر بإسلام قومه كما في الحديث الذي معنا، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي، مثل ابنه عمرو بن سلمة.وأيوب يروي عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة، يعني: هذا الحديث كان يرويه عنه بإسناد نازل، ثم إنه قال: إن عمرو بن سلمة حي، لو أنك لقيته وأخذت عنه، فلقيه أيوب وروى عنه مباشرة، فصار الإسناد عالياً؛ لأنه أسقط أبا قلابة بعد أن لقي عمراً؛ لأنه يكون بهذا أيوب عن عمرو بن سلمة الجرمي عن أبيه سلمة بن قيس الجرمي.
    المؤذنان للمسجد الواحد

    شرح حديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المؤذنان للمسجد الواحد.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة : المؤذنان في المسجد الواحد، أي: أن تعدد المؤذنين في المسجد الواحد -بأن يكون واحد يؤذن في وقت، وهذا يؤذن في وقت- سائغ وجائز، وليس المقصود بأنهما يؤذنان معاً دفعة واحدة في آن واحد، وإنما يتناوبان ويتعاقبان، بحيث يؤذن هذا لوقت، وهذا لوقت.وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، أي: في الصيام، حتى ينادي ابن أم مكتوم، فهذان مؤذنان، هذا يؤذن أذان، وهذا يؤذن أذان، بلال يؤذن الأذان الأول الذي قبل طلوع الفجر، وابن أم مكتوم يؤذن الأذان الذي عند دخول الوقت الذي يمنع الأكل ويحل الصلاة؛ لأن الأذان الثاني إذا جاء جاء وقت الصلاة، وجاء الامتناع من الأكل، وأما الأذان الأول فإنه يبيح الأكل ويمنع الصلاة؛ لأنه ما جاء الوقت؛ لأن صلاة الفجر لا تجوز إلا بعد دخول الوقت الذي هو الأذان الثاني، ومن يريد أن يصوم فليأكل فإنه يباح له في ذلك الوقت الذي هو قبل الأذان الثاني.فإذاً: الأذان الأول يحل الأكل ويمنع الصلاة التي هي صلاة الفجر، والأذان الثاني يمنع الأكل ويحل الصلاة التي هي صلاة الفجر، ومحل الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم له مؤذنان يؤذنان في مسجده؛ بلال يؤذن الأذان الأول الذي قبل طلوع الفجر، وعبد الله بن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني الذي هو عند دخول الوقت.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)
    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن مالك].هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، المشهور، أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة التي حصل لأصحابها أتباع عنوا بتدوينها والعناية بها فاشتهرت، وإن كان يوجد في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم علماء مشهورون من الفقهاء، إلا أنه ما حصل لهم كما حصل لهؤلاء أناس عنوا بفقههم.وحديث مالك بن أنس أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن دينار].وهو عبد الله بن دينار مولى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عمر].هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: قتيبة، ومالك، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن عمر، فهو من أعلى الأسانيد عند النسائي، وهؤلاء الرواة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث المتقدم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا نداء ابن أم مكتوم)، وهو مثل الذي قبله، وقوله: (كلوا واشربوا)، هذا أمر للإباحة، معناه يباح لكم أن تأكلوا في هذا الوقت الذي هو قبل الأذان الثاني، فهو مباح لكم، وأحل لكم أن تأكلوا، وتشربوا في هذا الوقت؛ لأن هذا وقت ليس وقت صيام، وإنما هو من الليل، وإذا طلع الفجر الثاني وأذن ابن أم مكتوم، عند ذلك يجب الامتناع ويتحتم الامتناع عن الأكل والشرب؛ لأنه دخل وقت الصيام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا. [حدثنا الليث].هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، محدث مصر وفقيهها، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، [عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، وهو محدث، فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز، وهو الذي قال فيه السيوطي في ألفيته:أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمروحديث ابن شهاب أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين رووا عن صغار الصحابة، وقد روى عن أنس بن مالك، وقد مر بنا بعض الأحاديث التي رواها الزهري عن أنس بن مالك. [عن سالم].هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن الفقهاء السبعة هم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال:أحدها: أنه سالم بن عبد الله بن عمر الذي معنا.والثاني: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.والثالث: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.ويروي عن أبيه عبد الله بن عمر، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
    هل يؤذنان جميعاً أو فرادى

    شرح حديث: (إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [هل يؤذنان جميعاً أو فرادى؟أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا حفص عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قالت: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا)].وهنا أورد النسائي هذه التراجم وهي: هل يؤذنان جميعاً أو فرادى؟ أي: هذان المؤذنان للمسجد الواحد، هل يؤذنان جميعاً أو يؤذنان فرادى؛ بأن يؤذن هذا في وقت وهذا في وقت؟ والمقصود من ذلك أنهما يؤذنان فرادى؛ لأن الحديث الذي أورده، أن هذا يؤذن على حدة، وهذا يؤذن على حدة، هذا يؤذن أذان، وهذا يؤذن أذان، ولا يؤذنان دفعة واحدة بأن يناديان سواء. وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم).وهذا هو المقصود من التراجم؛ أي: إذا أذن فكلوا واشربوا حتى يؤذن، أي: بين أذان هذا وأذان هذا أكل وشرب، يعني مباح، وسائغ وجائز، وليس بواجب ولازم أن الإنسان يأكل، وإنما يباح له أن يأكل إذا أراد أن يأكل؛ لأنه لا يزال في الليل. قالت: (وليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا)، أي: أن الوقت متقارب، وليس المقصود أن هذا ينزل وهذا يصعد في الحال، وإنما هذا ينزل ثم هذا يستعد ويتهيأ، ثم يؤذن، فبينهما وقت؛ لأن الحديث جاء كما سيأتي ليوقظ النائم، وليرجع القائم، أي: حتى يستريح وينام نومة خفيفة إذا كان يتهجد في الليل حتى يستعد لصلاة الفجر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم...)
    قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، المحدث، الثقة، الثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [حدثنا حفص].وهو ابن غياث، هو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله].وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، رضي الله تعالى عن عمر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهو الذي يقال له: عبيد الله المصغر، وهو الثقة، الثبت، بخلاف أخيه عبد الله المكبر فإنه ضعيف.[عن القاسم].هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، والذين ذكرتهم آنفاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].القاسم يروي عن عمته عائشة أم المؤمنين؛ لأنه عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهي الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهي الصحابية التي أكثرت من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي واحدة من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:والمكثرو في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفزوجة النبي هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها، التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن هشيم أخبرنا منصور عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا)].وتحت هذه الترجمة كذلك أورد النسائي حديث أنيسة بنت خبيب الصحابية التي روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا)، وهذا الحديث يخالف الأحاديث المتقدمة من أن بلالاً هو الذي يؤذن بالليل، وأن الناس يأكلون ويشربون حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فمن العلماء من قال: إن فيه قلب، وأن الأصل هو كما جاء في الروايات الأخرى: (إذا أذن بلال فكلوا واشربوا، وإذا أذن ابن أم مكتوم فلا تأكلوا ولا تشربوا)، فيكون مقلوباً، والصحيح أنه ليس بمقلوب، بل هو ثابت، ولكن هذا كان في بعض الأحوال، وقيل: إنه كان في أول الأمر كان ابن أم مكتوم يؤذن أولاً، وبلال يؤذن أخيراً، ثم صار الأمر على أن بلالاً هو الذي يؤذن في الأول، وابن أم مكتوم هو الذي يؤذن في الآخر.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •