قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (22/ 376): (أنواع الاستفتاح للصلاة ثلاثة، وهي أنواع الأذكار مطلقًا بعد القرآن، أعلاها: ما كان ثناء على الله، ويليه ما كان خبرًا من العبد عن عبادة الله، والثالث ما كان دعاء للعبد).

وقال أيضًا: (22/ 394 - 397): (إذا تبين هذا الأصل: فأفضل أنواع الاستفتاح ما كان ثناء محضًا مثل: {سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك. ولا إله غيرك} وقوله: {الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا} ولكن ذاك فيه من الثناء ما ليس في هذا فإنه تضمن ذكر " الباقيات الصالحات " التي هي أفضل الكلام بعد القرآن وتضمن قوله: " تبارك اسمك وتعالى جدك ". وهما من القرآن أيضًا.
ولهذا كان أكثر السلف يستفتحون به وكان عمر بن الخطاب يجهر به يعلمه الناس.
وبعده النوع الثاني: وهو الخبر عن عبادة العبد. كقوله: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} إلخ.
وهو يتضمن الدعاء وإن استفتح العبد بهذا بعد ذلك فقد جمع بين الأنواع الثلاثة وهو أفضل الاستفتاحات. كما جاء ذلك في حديث مصرحًا به وهو اختيار أبي يوسف وابن هبيرة الوزير - من أصحاب أحمد صاحب " الإفصاح " وهكذا أستفتح أنا.
وبعده النوع الثالث كقوله: {اللهم باعد بيني وبين خطاياي. كما باعدت بين المشرق والمغرب إلخ} وهكذا ذكر الركوع والسجود والتسبيح فيهما أفضل من قوله: {لك ركعت ولك سجدت} . وهذا أفضل من الدعاء والترتيب هنا متفق عليه فيما أعلم فإني لم أعلم أحدا قال: إن الدعاء فيهما أفضل من التسبيح كما قيل مثل ذلك في الاستفتاح. فإن قلت: هذا الترتيب عكس الأسانيد فإنه ليس في الصحيحين حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في استفتاح الفريضة إلا هذا الدعاء {اللهم باعد بيني وبين خطاياي} . وقوله: {وجهت وجهي} في صحيح مسلم. وحديث {سبحانك اللهم} في السنن. وقد تكلم فيه وقد روي أن هذا كان في قيام الليل وكذلك قوله: {وجهت وجهي} .
قلت: كون هذا مما بلغنا من طريق أصح من هذا فهذا ليس في صفة الذكر نفسه فضيلة توجب فضله على الآخر لكنه طريق لعلمنا به والفضيلة كانت ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمنه قبل أن يبلغنا الأمر. وقد ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يجهر بسبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك يعلمه الناس فلولا أن هذا من السنن المشروعة لم يفعل هذا عمر ويقره المسلمون عليه. وحديث أبي هريرة دليل على أن الاستفتاح لا يختص بسبحانك اللهم ووجهت وجهي وغيرهما بل يستفتح بكل ما روي؛ لكن فضل بعض الأنواع على بعض يكون بدليل آخر كما قدمنا. وأيضا فإن قوله: " سبحانك اللهم إلخ " يتضمن الباقيات الصالحات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن كما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر} . وأيضًا ففي صحيح مسلم {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته؛ سبحان الله وبحمده} فهذه الكلمة هي أول ما في الاستفتاح وهي أفضل الكلام. وأيضا فالله قد أمر بالتسبيح بحمده وعبر بذلك عن الصلاة. بقوله: {وسبح بحمد ربك حين تقوم} فكان ابتداء الامتثال بهذا الذكر أولى. وقد قال طائفة. من المفسرين كالضحاك في تفسير هذه الآية: هو قول المصلي: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وقد بسطت الكلام على معنى هذه الكلمة في غير هذا الموضع وبينت أنها تشتمل على التنزيه والتحميد والتعظيم بصفات البقاء والإثبات وأفعاله كلها سبحانه وبحمده).

وقال ابن القيم في: (الصلاة): (صـ 141 - 142): (وإذا قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك شاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب سالما من كل نقص محمودا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه، فلا يذكر على قليل إلا كثرة، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها ولا على شيطان إلا رده خاسئًا داحرًا، وكمال لاسم من كمال مسماه، فإذا كان شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى أعلى وأجل، وتعالى جده أي: ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في الهيته أو في أفعاله أو في صفاته كما قال مؤمن الجن: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً}، فكم في هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها غير المعطل لحقائقها، وإذا قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويبعده عن قربه ليكون أسوأ حالًا).