تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: قواعد ربانية في الحياة الزوجية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي قواعد ربانية في الحياة الزوجية

    ستون قاعدة ربانية في الحياة الزوجية

    مقدمة
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
    أمَّا بعد:
    فالمتأمِّل في الواقع الاجتماعيِّ الذي تعيشُه كثيرٌ من الأسر، من الاختلاف والتَّفرُّق والتَّشتُّت، وما يترتَّب على ذلك من آثارٍ سلبيَّة كبيرة- يدرك أنَّ هناك أسبابًا كثيرة لمثل هذه الحالة..

    لأنَّ الأصل في الأسرة والعلاقات الزَّوجيَّة، هو الاستقرار والمودَّة والمحبَّة والرِّضا، فإنَّ الله سبحانه يقولُ: ﴿وَمِنۡ ءَایَٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةً إِنَّ فِی ذَٰلِكَ لَءَایَٰت لِّقَوۡم یَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم]
    ومِن ثَمَّ فإنَّ أيَّ خلافٍ مع هذه القاعدة العظيمة، وأيَّ تغييرٍ في هذه الفطرة القويمة، التي امتنَّ الله سبحانه بها على عباده؛ يدلُّ على أنَّ هناك خللًا يجب استدراكه. تأمَّلتُ في هذا الأمر طويلًا، بل عشتُ معه سنواتٍ، أبحثُ عن أهمِّ الأسباب التي تؤدِّي إلى النِّزاع بين الزَّوجين، وما يترتَّب عليه من آثارٍ سلبيَّةٍ على الأولاد، وما يؤدِّي إليه من التَّفرُّق والتَّشتُّت الَّذي يُصيب كيان الأسرة، بل والمجتمعَ كلَّه. إنَّ الواقع يدلُّ على أنَّ هذا الأمر يزداد خطره ويستفحل ضرره، ومع ذلك فإنَّ أحوال النَّاس في ذلك تتفاوت: فمنهم -والحمد لله- من يحوطُ بيوتَهم الاستقرارُ والهدوء، وترفرف عليها السَّكينة والمودَّة، وهذا هو الأصل الَّذي قرَّرته آية الرُّوم.
    ومنهم من تنوء بيوتهم بالمشكلات الكبيرة، التي تنغِّصُ الحياة الزَّوجيَّة والأسريَّة، لكنَّها لا تصل إلى حدِّ الطَّلاق، بيد أنَّ لها من الآثار السَّلبيَّة ما لا يخفى.
    أمَّا الحالة الثَّالثة، فهي التي تؤذن بالفرقة والطَّلاق، وقد أشارت الأرقام والإحصائيّات الصادرة عن المحاكم، إلى أنَّ معدل حالات الطَّلاق في ارتفاعٍ مستمر، حتّى إنَّ نسبة صكوك الطلاق الصَّادرة عن هذه المحاكم، مقارنةً بعقود الزواج، قد وصلت في بعض المناطق نسبة عقود الطلاق إلى عقود الزواج في عام واحد إلى 40%، وهو مؤشّر خطير جدًا.
    ومن ثمَّ، فإنَّني أرى أنَّ من واجب طلاب العلم، والدُّعاة، والمتخصِّصين، والباحثين: أن يُولوا هذه الظَّاهرة فائق عنايتهم.
    وأذكر أنّني قبل أكثر من ثلاثين عامًا، كنتُ في زيارة لدار الأحداث بمدينة الرِّياض، وهي تضمُّ أطفالًا وشبابًا من سنِّ الثَّامنة إلى سنِّ الخامسة عشرة، أي سنّ البلوغ، ثم أُلحق بهم -أخذًا بقول بعض المذاهب- من تجاوزوا ذلك إلى سنِّ الثامنة عشرة، ممَّن ارتكبوا جرائم، تتفاوت ما بين القتل والوقوع في الفاحشة والمخدرات، إلى الضَّرب والاعتداء البدنيّ، ولكن نظرًا لصغر سنّهم، لم يودعوا في السجون، مع كبار المجرمين، بل تمّ إيداعهم في هذه الدار، ليتلقّوا برنامجًا يجمع بين العقاب والتربية، والعقاب يُعتبر في بعض الأحيان نوعًا من أنواع التربية..
    وكان سبب زيارتي لهم، هو الرغبة في معرفة سرِّ مجيء هؤلاء إلى هذه الدار، فوجدت أنَّ السَّبب الجوهريّ والغالب، الذي دفع كلّ واحدٍ من هؤلاء إلى ارتكاب الجرم الذي ارتكبه، هو واقعُ البيت والعلاقة بين الأب والأمِّ، سواء كانت طلاقًا أو خصامًا، فاستوقفني هذا الأمر، وألقيتُ فيه عدة دروس ومحاضرات، وكتبت فيه بعض الرسائل، كـ(مقومات السعادة الزوجية)، قديمًا، و (بيوت مطمئنة) قبل بضع سنوات.
    لكنني بعد تأمُّل طويل وجدت أنَّ أعظم الأسباب، هو البعد عن كتاب الله ، وإقامة أحكامه سبحانه وتعالى وأوامره ونواهيه في نطاق الأسرة، ووجدت أن هناك قواعد كبرى في القرآن والسنة، تحكم العلاقة الزوجية والأسرية، فمن التزم بها ينال الرحمة والمودة التي جعلها الله تعالى بين الزَّوجين، ومن خالفها يكون مصيره الشَّقاء والمعيشة الضَّنك.
    فالله سبحانه يقول:
    ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ ﴾ [طه]، ويقول: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَة ضَنكا﴾ [طه:124].

    ذلك أنّ الشِّجار والخلاف ثم الفراق، إذا وقع بين الزوجين، فإنّه لا يقف عند حدِّهما، بل يتجاوزهما؛ فيصير شقاقًا بين العائلتين –غالبًا- أعني أهلَ الزوج وأهل الزوجة، وقد يؤدي إلى التحزُّب داخل العائلتين أو في محيط الأهل، فيتعصّب هؤلاء إلى أهل الزوج، ويتعصب أولئك لأهل الزوجة؛ فيدبَّ الخلاف والخصام داخل الأسرة الكبيرة الممتدة، وهو أمر مُشاهَد بكثرة، وليس من قبيل الاستثناء، ويزيد الأمر سوءًا إذا كان الزوجان من الأقارب، فتحدث قطيعة الرحم!
    إنَّ الإنسان بفطرته السويّة، يظلُّ باحثًا عن الاستقرار والراحة لنفسه أولًا، ثم لزوجه، ولأولاده ولأسرته؛ لكنّه يحتاج إلى تذكيره بما ورد في نصوص الكتاب والسنة من القواعد والأحكام الرّفيعة، فلذلك تتبَّعت ما ورد في القرآن من قواعد عظيمة، تضبط العلاقة الزوجية وتحكمها، ثم أضفتُ إلى ذلك بعض القواعد من نور السنة، وهي أيضًا وحيٌ، لقوله تعالى: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡی یُوحَىٰ عَلَّمَهُۥ شَدِیدُ ٱلۡقُوَىٰ ﴾ [النجم]، وبعض هذه القواعد غير خاصة بالأسرة، لكنها عامة تشمل هذا الموضوع، وتتعلق به تعلقًا ربما كان أولى من غيره.
    ولقد راعيتُ في هذه القواعد، أن تكون مختصرةً، حتى تسهل الاستفادة منها، أضعها بين يدي كل ناشد استقرار أسرته، سائلًا الله  التَّوفيق والسَّداد، ولا أدعي الاستيفاء فالكمال عزيز، وحسبي أني قد اجتهدت، فسطرت أهم ما أراه محققًا للسعادة والاستقرار، وأشكر كل من يفيدني بملحوظة أو إضافة لاستدراكها في الطبعات القادمة بإذن الله.

    هذا وأحمد الله وأشكره على ما يسر من إعداد هذه القواعد، ثم أشكر كل من ساهم في ذلك، وأخص الإخوة في المكتب العلمي بـ(مؤسسة ديوان المسلم)، حيث قاموا بمراجعة صياغتها، وإخراجها، وخدمتها بحيث تخرج قريبة من القارئ نافعة له، والله أسأل أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ***

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    القاعدة الأولى: السَّكن والمودّة والرَّحمة هي الأصل في الحياة الزوجية:
    قال الله سبحانه :
    ﴿وَمِنۡ ءَایَٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةً إِنَّ فِی ذَٰلِكَ لَءَایَٰت لِّقَوۡم یَتَفَكَّرُونَ [الروم].

    هذه الآية تتضمّن القاعدة الكبرى التي يجب أن يقوم عليها أساس بناء الحياة الزَّوجية، والتحقق بما فيها تحقق بواحدة من أهم غايات الزواج؛ سُكنى الزَّوج إلى زوجته، والزوجة إلى زوجها، ومن هذا يعلم أن طروء الشَّجار والخلاف، بحيث يصير هو الطبيعي في الأسرة، دليلٌ على أنَّ هناك خللًا عظيمًا يجب استدراكه، وإلاّ فليست الزوجة سكنًا بل جحيمًا، وليس الزوج سكنًا بل غريمًا! لقد بيَّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة، أنّ الأصل في العلاقة بين الزوجين، هو المودّة والرحمة، كما أنه  قد بيَّن أنَّ الأصل في المولود الفطرة: ﴿فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَا﴾ [الروم:30]
    ويقول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم :
    (كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة) أخرجه مسلم ، فإنَّ الأصل في الإنسان هو الإيمان، والكفر طارئ ناشئ؛ فكذلك الأصل في الحياة الزوجية والأسرية هو الاستقرار والمودة والرحمة والسَّكن، فإذا فُقدت هذه الأشياء فعلى الزَّوجين أن يبحثا عن سرِّ هذا الفقد، وليس معنى ذلك أنّه لا يمكن أن تقع مشكلات داخلَ البيوت، فلو خلا بيتٌ من المشكلات لكان ذاك البيت هو بيت النُّبوَّة، لكن فرق بين الشيء العارض اليسير، وبين أن يتحول العارض إلى أصل أصيل!
    فالمقصود أنَّ هذه الآية القرآنية، تتضمّن آيةً من آيات الله الكونيّة، وهي أنّ الله تعالى قد جعل الزَّواج سكنًا، وجعل بين الزَّوجين مهما تباعدا في النَّسب مودةً ورحمة؛ وبالتالي فإنّ التّنازع والشِّقاق بين الزَّوجين، هو خلافُ الأصل، يحتمل ما دام أمرًا عارضًا، ولابد أن يعالج خلله إن تجاوز ذلك.

    إنَّ اليقينَ بهذه القاعدة، وجعْلَها الأساسَ والمنطلق للحياة الزوجيّة، يحدُّ بإذن الله من الخلافات بين الزَّوجين؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما -عند حصول الشِّقاق- يعلم بأنه قد خرج عن الأصل الَّذي جعله الله من آياته، فتتيسّر لهما العودة إلى هذا الأصل. فالإنسان متى ما وجد في حياته أو في صحته اعتلالًا أو مرضًا؛ فإنه يبادر إلى علاجه، ولا يرتاح حتى تعود الصحة إلى بدنه، وكذلك فإنّ فقدان المودَّة والرَّحمة، أو ضعفهما وعدم السَّكن والاستقرار، في الحياة الزَّوجيّة، هو داء دويٌّ، ينبغي معرفةُ سببه؛ ليتيسَّر علاجه، وقد قال الرَّسول صلى الله عليه وسلم : (ما أنزلَ اللهُ من داءٍ إلا أنزل له دواءً، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، فليقف الزوجان وقفةً متأمّلة، عند هذه الآية الكريمة، وليجتهدا في النظر إلى مسار حياتهما ليعرفا سبب العلّة والداء، ومن ثمّ يتطلّعان إلى معرفة الشفاء والدواء، والعودة إلى حال الصِّحَّة والعافية، وهي الحال الأصيلة. ﴿وَٱلَّذِینَ جَٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُ مۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ [العنكبوت].
    --------------------
    1) متفق عليه رواه البخاري (1359)، ومسلم (2658).

    2) رواه الإمام أحمد في المسند (1/‏423)، وابن ماجة (3438)، وابن حبان (6062)، وخرجه الألباني في السلسلة الصَّحِيحَة: (452).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3

    افتراضي

    نفع الله بكم ، وبارك فيكم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم رفيدة المسلمة مشاهدة المشاركة
    نفع الله بكم ، وبارك فيكم
    آمين وإياكم
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    القاعدة الثّانية: السّعادة في اتِّباع الهدى الإلهيّ والشقاء بضدها
    20 ربيع الثاني 1439
    قال الله سبحانه :
    ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ ﴾ [طه].
    هذه الآية الكريمة تضمَّنت قاعدةً مهمةً، وهي :
    أنَّ العلاج الشافي والدواء الكافي والسَّبب الوافي، لتحقيق الاستقرار في الحياة الدنيا والآخرة، هو اتِّباع هدى الله ، وسنّة نبيِّه ، ومعنى هذه الآية، توضِّحه وتؤكّده الآية التالية لها، وهي قوله تعالى:
    ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَة ضنكا﴾ أي في الدُّنيا على أظهر القولين، ثم بيَّن ما يحدث في الآخرة، قال: ﴿وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ﴾ [طه]. فقوله تعالى: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ ﴾، معناه يتوافق مع آية السَّكن والمودة والرحمة في سورة الروم التي مضى ذكرها في القاعدة السابقة. وقوله تعالى: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَة ضَنكا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ﴾[طه]، يبيّن أنّ الشقاء والتعاسة هما مصير المعرضين عن الهداية، وذلك في الدنيا والآخرة. فهاتان الآيتان توضِّحان أنَّ الزَّوجين إذا اتَّبعا الهُدى الرَّبَّانيّ، وهو هنا هدى الدلالة والبيان، ومصدره الوحي= نالا السَّعادة في الدُّنيا والآخرة، وإلا فالشقاء والتعاسة مصيرهما.
    وقد يقول قائلٌ: ألستَ ترى بيوتًا صالحةً طيِّبةً، وأهلها ملتزمون بمنهج الله جل وعلا، ومع ذلك تعاني من الشَّقاء واضطراب السَّكن؟!
    فأقول: هذا صحيح، ولا يخالف القاعدة، فإنّه مهما بلغ البيت من الصلاح والاستقامة؛ فإنه قد لا يخلو من أسباب الشَّقاء، قال تعالى: ﴿وَمَاۤ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ﴾ [الشُّورى:30]
    ولا يخلو أحدٌ من ذنب، أو مخالفة بتأويل، قد يعذر فيه وقد لا يعذر، وإن كان ظاهرُ حياته الصَّلاح والاستقرار، وإلاّ فلو التُزم هدى الشريعة في كل صغيرة وكبيرة، في الاجتماع والفرقة، فحاشا أن يتخلف وعد الله! وأما ما كان يسيرًا أو عارضًا فلا بد منه فهذا طبع بشري، ثم قد يكون امتحانًا أو ابتلاء لأحد الزوجين أو لكليهما، يرفع الله به درجته، ويجعل له وراءه خيرًا كثيرًا.
    فهذه الآية قاعدة، تعالج مختلف مظاهر الخلل وعدم الاستقرار في الحياة الزوجية والأسرية، والتي لن تعدو في النهاية أن تكون ناتجةً من البعد عن الهدى القرآني الرباني والوقوع في الإعراض الكلي أو الجزئي عن الوحي، لكن من انتبه لهذا الخلل وعرف العلّة، فسوف يجد العلاج؛ فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء. ثم إنَّ العلاج قد يحتاج إلى منهج وبرنامج عمليٍّ، وصبر على بعض مُرِّه، وكلُّ إنسانٍ هو أدرى بحاله، كما قال تعالى:
    ﴿بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَة وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِیرَهُۥ﴾ [القيامة].
    أسأل الله أن يجعل حياتنا وبيوتنا آمنةً مستقرَّة، وأن يديم عليها السّكن والمودة والرحمة.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    القاعدة الثالثة: في القرآن بيان كل شيءٍ يحتاج إليه الزَّوجان
    5 جمادى الأول 1439
    قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل]
    هذه الآية الكريمة، تتضمّن قاعدةً مكمِّلةً للقواعد السَّابقة، وفيها إرشاد إلى طرق الهداية والرَّحمة والاستقرار؛ في حياتنا عمومًا وفي الحياة الأسريَّة خصوصًا. ففي هذه القاعدة، بيانٌ مؤكَّدٌ بأنَّ كتاب الله، قد حوى الجواب على كلِّ هذه التَّساؤلات والمطالب، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، وكما قال تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا ﴾ [الإسراء]،
    وقوله: ”كلّ“ في الآيتين تعبير بأقوى صيغ العموم. وهذه القاعدة، تحثُّ الزّوجين على أن يكون من نهجهما في الحياةِ، الرُّجوع إلى كلام الله سبحانه ، للبحث فيه عن كلِّ ما يحتاجون إليه من حلول المشكلات، وتوضيح الغامضات، سواءٌ من أجل تلافي المشكلات قبل وقوعها، أو من أجل معرفة أسبابها وكيفية علاجها بعد الوقوع . فإن الحياة كما يقولون وقاية وعلاج، والوقاية على أيِّ حال خيرٌ من العلاج؛ فليبحث كلٌّ من الأب والأم في كتاب الله عن السُّبل التي جعلها الله تعالى وسيلةً لاستقرار حياتهما، وسببًا لتحقيق السَّكن والمودة والرحمة، كما في آية الرُّوم. ويبحثان فيه عن العلاج إذا وقعت المشكلة، فيبادران إلى البحث عن حلِّها في القرآن؛ لأنَّه (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ)[1]
    وإنّما يتحقّق لنا العلم به، بالرُّجوع إلى القرآن، ولهذا كانت هذه القواعد، التي نذكرها؛ لتُسهم في الوقاية أولًا، وفي العلاج ثانيًا.
    ولا شك أنَّ عدمَ الاستقرار والرَّحمة والسَّكن، مرضٌ خلاف ما جَبل الله سبحانه عليه الطبع البشري، وخلاف ما جعل وشرع من أجله الزواج والحياة الأسرية. فهذه القاعدة على وجازتها قاعدةٌ عظيمةٌ، من اتَّخذها منهجًا في حياته عمومًا وحياته الأسرية خصوصًا؛ نجا وسَعِد في الدُّنيا والآخرة.
    مع أنه يجب أن نُشير إلى أنَّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين الحياة العامة والحياة الخاصَّة، فيصعب الفصل بينهما، فما يقعُ في حياتنا العامَّة يؤثِّر على حياتنا الخاصَّة، وأيضًا ما يقع في حياتنا الخاصَّة، يؤثِّر على حياتنا العامَّة، سلبًا أو إيجابًا، تقدُّمًا أو تأخُّرًا.

    [1] رواه الإمام أحمد في المسند (1/‏423)، وابن ماجة (3438)، وابن حبان (6062)، وخرجه الألباني في السلسلة الصَّحِيحَة (452).

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    القاعدة الرَّابعة: الله تعالى هو الذي يصلح الزوجين

    قال الله تعالى:
    ﴿وَأَصلحنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥۤ﴾

    تأمَّلوا هذه القاعدة، التي تضمَّنتها هذه الآية الكريمة، من سورة الأنبياء، في سياق بيان استجابةِ اللهِ تعالى لزكريَّا عليه السَّلام، قال تعالى:
    ﴿وَزَكَرِیَّاۤ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ رَبِّ لَا تَذَرۡنِی فَرۡدࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡوَٰرِثِینَ ، فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ یَحۡیَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥۤ﴾

    فيتبيَّن من هذه الآيةِ الكريمةِ لدى تدبُّر معانيها حقائق كبيرةٌ:

    من هذه الحقائق: أنَّ الله هو المصلح سبحانه وتعالى، الَّذي يُصلح الزَّوجَ ويصلح الزَّوجةَ
    ومن هذه الحقائق، ما نلاحظه من إحكام التَّعبير في قوله تعالى: ﴿وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥۤ﴾، لم يقُل: (وأصلحنا زوجه)؛ لأنّ الزوجة قد تكونُ صالحةً في نفسها، بعبادتِها وصلاتها وقيامها، لكنَّها لم تصلح لزوجها، وكذلك الرجل قد يكونُ صالحًا في نفسه، في صلاته وعبادته واستقامته عمومًا، لكنَّه ليس صالحًا لزوجته.
    إذن، الَّذي يُصلحُ الزَّوجَ أو الزَّوجة للآخر، هو اللهُ تعالى؛ فلنتوجَّهْ إليه تعالى من أجل إصلاح أزواجِنا إذا أصاب العلاقةَ شيءٌ من عدم الاستقرار، أو ضعفٌ في المودَّة والرَّحمة.
    وآية الرُّوم قد أكَّدت أهمِّية هذا التَّوجُّه، قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَایَٰتِهِۦۤ﴾ أي: من آيات الله تعالى الكونيَّة: ﴿أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ﴾ ؛ فهو الذي خلقَكم وجعلَ بينكم المودَّة والرَّحمة؛ وهذا معناه أن نتوجَّه إليه تعالى إذا ما فُقِدت؛ فهو الذي جعلها، وهو الذي يأذن بإبطال أثرها، إذا لم تتحقق أسباب وشروط تحقُّقها في واقع الحياة الزوجيّة.

    والله على كل شيء قدير، بيده الأمر، ﴿مَّا یَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَة فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا یُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ ﴾

    ومع إيمان المؤمنين بهذا فإن شواهده التي تطمئن بها قلوب المؤمنين، وتقام بها الحجة على المعاندين ظاهرة، فالواقعَ نفسه يشهد بهذه الحقيقة الكبرى.

    ومن شهادة الواقع ما نشهده، من أنَّ الَّذين يتوجَّهون إلى الله تعالى، في إصلاح أزواجهم؛ يتحقَّق لهم ذلك، إذا صدقوا في الالتجاء إلى الله بيقينٍ وصدق، وأزالوا الموانع التي أحدثت الفجوة، أو أوقعت الجفاء، أو أذهبت الرحمة والمودة.

    ومن أخطر الأشياء أن يستسلم الرجلُ أو أن تستسلم المرأة ، لضعف الرحمة والمودة أو فقدها، فيرضيا بوقوع الجفاء، ويعيشا التوتر والخلاف والشِّقاق والمشكلات الزَّوجيَّة اضطرارًا، كما هو واقعٌ في كثيرٍ من البيوتِ، رغم ما جاءهم من البيِّنات والهدى.

    زرتُ طالبَ علمٍ، فوجدته يعاني من مشكلاتٍ داخلَ بيته؛ فسألته عن العلاج الذي اتَّخذه لحلِّ هذه المشكلات؛ وكنتُ في مجلس بيته، فاكتفى بأن أشار إلى سجادة في ذلك المجلس؛ ففهمتُ أنه يجتهد في التَّوجُّه إلى الله تعالى ، والتَّضرُّع إليه؛ فما مرَّت مدة من الزَّمن، إلا وقد عاد الاستقرار، ورجعت المودة إلى بيته؛ ولمَ لا! وهو قد سلك الطَّريق القريب المختصرَ، واتَّبع المنهج الصحيح: ﴿فَفِرُّوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۖ﴾ ، ﴿ٱدۡعُوا۟ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعا وَخُفۡیَةًۚ﴾ ، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ﴾ ، ﴿أَمَّن یُجِیبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكۡشِفُ ٱلسُّوۤءَ﴾ ، فهذه الآيات كلُّها تؤكد هذه الحقيقة.

    فمن أولى ما نتخذه لعلاج الخلل، أن نعود إلى الله تعالى ، الذي خلق الزَّوجين؛ فهو الذي يصلحنا، ويصلح لنا أزواجنا، وصلاح الزَّوجة قد يكون نتيجةَ صلاحِ الرجل نفسِه، فإذا صلح الرجلُ صلحت الزوجة، وإذا صلحت الزَّوجة صلح الرَّجل.

    ومن الخطأ في أكثر الأحيان أن نحمِّل أحد الطرفين المسؤوليةَ الكاملةَ، لما وقعا فيه، أو وقعت فيه الأسرة، فغالبًا ما يكون ثمة خلل وقع من الطَّرفين معًا، وإن كان أحدُهما بادئًا بالخصام، أو متولِّيًا كِبره، ولكن كان بإمكان الآخر أن يتلافاه، فمحاسبة النفس والرجوع إلى الله والاعتراف بالتقصير أول الحل، ويتبع ذلك أن يتَّجه إلى الله تعالى ، متضرِّعًا إليه بأن يُصلح زوجه
    فنسأل الله تعالى ، أن يُصلح أنفسنا، ويصلح أزواجنا، ويصلح بيوتنا، ونحقِّق هذه الغاية الَّتي نسعى إليها من خلال هذه الرِّسالة.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي

    بارك الله فيكم ونفع بكم
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو وليد البحيرى مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم ونفع بكم
    آمين، وفيكم الله بارك
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    القاعدة الخامسة: السكن والاستقرار في التزام الأمر وترك المناهي
    26 جمادى الأول 1439

    قال الله تعالى:
    ﴿ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا﴾ [النِّساء] وهذه قاعدةٌ أخرى، تتضمّنها هذه الآية الكريمة، فهلا تأمَّلناها، وتأمّلنا تأثيرها على استقرار الحياة الزوجية!
    وهي وإن كانت قد جاءت في سياق موضوع المنافقين، ومعناها المناسب للسياق: ولو أنهم فعلوا ما تركوه من أمر النبي صلى الله ليه وسلم ، إلاّ أن دلالتها تتجاوز ذلك. يقول الله تعالى:
    ﴿وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا یُوعَظُونَ بِهِۦ﴾ أي: في كل شأنٍ من شؤون الحياة عمومًا، وتتناول دلالتها الحياة الأسريَّة والزَّوجيَّة، ﴿لَكَانَ خَیرا لَّهُم وَأَشَدَّ تَثبِیتا ﴾ والتثبيت في التزام الأوامر المتعلقة بالأسرة يعود إلى تحقيق السَّكن والاستقرار والسعادة في الحياة الأسريّة.
    إنَّ الله تعالى قد وعظنا وبيَّن لنا سبل الهداية، ورسولنا صلى الله ليه وسلم ، قد تركنا على البيضاء، كما قال صلى الله ليه وسلم:
    (وَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ) ، فلم يبقَ إلا أن نتَّبع ما أُمرنا به، وأن نفعل ما وُعظنا به؛ حتى نؤسِّس حياتنا على أسس ثابتة راسخة، إذا هبَّت عليها ريح الفُرقة والتّنازع؛ لم تؤثِّر فيها شيئًا!
    وفي هذه القاعدة، التي يتضمَّنها قوله تعالى:
    ﴿لَكَانَ خَیرا لَّهُم وَأَشَدَّ تَثبِیتا ﴾، إشارة أخرى: وهي أن التثبيت يشتد ويزيد بحسب الاستقامة، وعليه فلا حد من الطمأنينة والاستقرار، ينعم بها الملتزم بأمر الله، بل هو في حال ارتقاء متواصل؛ ما دام متَّبعًا لما أنزل الله، مخالفًا لدواعي الطبع ونوازع الهوى اتعاظًا بمواعظ الله. فمهما كان الخير الذي أنت فيه؛ فإنه يزيدُ ويتضاعف، ومهما كانت المودة والرحمة التي بينك وبين أهلك، وبينك وبين زوجك؛ فإنها ترتقي كلما ارتقيت في التزام أمر الله، كما قال تعالى: ﴿نُّورٌ عَلَىٰ نُور یَهدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُ ﴾ تأمَّلوا حال الخيمةَ التي توضع وتُنصب في البَرِّ، إذا لم تُثبَّت أعمدتُها وأطنابها، كيف تسقط وتتهاوى إذا هبَّت عليها أيُّة ريحٍ، أما إذا كانت أعمدتها وأطنابها ثابتةً مستقرَّةً؛ فإنَّ الرياح تأتيها عن يمين وشمال، دون أن تؤثر فيها، واسألوا أهل البادية الَّذين يعيشون حياتهم في البرِّيَّة، كم هبَّت عليهم من الرياح والعواصف، ومع ذلك بقيت بيوتهم البسيطة ثابتة!
    قد وجدوا من خلال الواقع والتجارب، أنَّ تقوية الأسس والأعمدة والأطناب هو القاعدة القويّة لبيوتهم، التي تكفل بقاءها ثابتةً بإذن الله تعالى.
    إنَّ الحياة الأسريَّة كذلك لا تسلم من العواصف، ومن محاولاتِ الآخرين زعزعةَ استقرارها، وهؤلاء الآخَرون قد يكونون من أقاربنا، بل من أنفسنا، ومن أولادنا، فالعلاقة الزوجيّة، تتناوشها كثيرٌ من السِّهام الطائشة!
    أو التي تهدف إلى إحداث الشقاق بين طرفيها؛ الزَّوج وزوجه، وذلك قد يكون من أقرب الأقارب، كما قد تُستخدم فيه مختلف الوسائل والأساليب، المنافية للشَّريعة، من اللجوء إلى السَّحرة، وإلى غير ذلك من الوسائل التي تهدف إلى زعزعة استقرار الأسرة، فإذا كانت العلاقةُ بين الزوج وزوجه ثابتة وقوية وعميقة، قائمة على الالتزام بما ورد إليهم من المواعظ والأحكام الشَّرعيَّة التي جاء بها القرآن، كما قال تعالى:
    ﴿ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا﴾ [النِّساء]
    والمواعظ والأحكام الشّرعية التي جاءت بها السُّنَّة المطهّرة، كما قال تعالى:
    ﴿وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُم عَنهُ فَٱنتَهُوا﴾ [الحشر:7]؛ فإذا كانت العلاقة بين الزوجين، قائمةً على هذا الأصل الرَّاسخ؛ فعندئذٍ تثبت هذه الأسرة في وجه العواصف، وتتكسر النصال الخائبة على النصال!
    إنّ الحياة العامة مؤثرةٌ في الحياة الخاصَّة، كما أنَّ الحياة الخاصَّة مؤثرةٌ في الحياة العامَّة؛ فإذا كان الرّجل مستقيمًا صالحًا في حياته الخاصّة، في عبادته، في صلاته، في أخلاقه، والمرأة كذلك، فإنَّ هذا يؤثر إيجابًا على حياتهما الزّوجيّة، أيضًا فإنَّ قوة العلاقة بين الزوجين، تؤثر في الحياة العامة لكلٍّ منهما، من حيث قدرة الرجل، وقيامه بالواجبات الشرعية العامة للأمة، وكذلك من حيث قدرة المرأة على مهامِّ الدَّعوة والعمل الخيريِّ وسط النساء، والفصل بين كلٍّ من الحياة الخاصَّة والحياة العامَّة، ليس معقولًا، بل هو فصام نكد، إذ كيف لرجلٍ عاجزٍ عن حلِّ مشكلاته الأسريّة، أن يعالج ببعض الجهد مشكلات أمَّته؟ فالحياة الخاصَّة والحياة العامَّة كلاهما صنوان وهذه من تلك، وهذا يجعل قول الله تعالى:
    ﴿ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا﴾ [النِّساء]، بما يكتنفه من عموم، مؤثرًا في حياة الأسرة! وإذا أسَّسنا حياة الأسر أسرة أسرة على أسس قويَّة راسخة، حمينا بإذن الله المجتمع كلَّه من تلك العواصف والقلاقل التي تؤثّر على استقراره.

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •