قال الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح الحموية لشيخ الاسلام-
-قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته
«إنَّ الله خلق آدم على صورته»
فالله جل وعلا خلق آدم على صورة الرحمن سبحانه وتعالى؛ يعني على صفاته سبحانه،
فخصَّ آدم من بين المخلوقات بأنَّ له من الصفات من جنس صفات الحق
سبحانه وتعالى؛ يعني أن الله سبحانه وتعالى له وجه وجعل لآدم وجها، وله سمع وجعل لآدم سمعا، وله بصر وجعل لآدم بصرا، وله أصابع سبحانه وجعل لآدم أصابعا، وله جل وعلا قدمان وجعل لآدم قدمين، وله سبحانه ساق وجعل لآدم ساقا، إلى آخر ذلك.
فهذا اشتراك في الصفة، والاشتراك في الصفة لا يعني الاشتراك في الكيفية لأن هذا باطل فالله سبحانه وتعالى جعل لآدم من الصفات مثل الصفات التي ذكرنا؛ يعني الصفات سواء الذاتية أو الصفة القوة والغضب والرضا والكلام إلى آخره، هذه الصفات جعل صفات آدم على صفات الرحمن سبحانه وتعالى وكما جاء في الحديث هذا «خلق الله آدم على صورته» و(على) ليست للتمثيل وليست للتشبيه، وإنما هي في اللغة للاشتراك، وهذا الاشتراك حاصل بدلالة النصوص.
فما فصل في هذا الموضع مما ينقله العلماء أجمل في قوله عليه الصلاة والسلام «خلق الله آدم على صورته» فقوله (على) يقتضي -كما ذكرت لك- الاشتراك ولا يقتضي المشابهة ولا المماثلة في الكيفية ولا في الصفة؛ يعني في غاية الصفة، وإنما هو اشتراك في جنس الصفة؛ في أصل معناها.
والصورة في اللغة،
الصورة في اللغة هي الصفة
،
قال هذه صورة الشيء يعني هذه صفته
، كما جاء في الحديث المتفق على صحته وقوله عليه الصلاة والسلام «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة البدر ليلة التمام» فقوله (على صورة البدر) يعني على صفة البدر ليلة التمام.
فهذا الحديث فيه كما ذكرت الاشتراك في الصفات.
وكذلك من الصفات التي جاءت في الأحاديث أن لله جل وعلا صورة خاصة، والصورة الخاصة غير الصورة العامة،
الصورة العامة يعني الصفات،
والصورة الخاصة التي هي هيئة اجتماع الصفات،
والله جل وعلا له صورة ليست كصورة المخلوق، وهذا بمعنى الصورة الخاصة
، وهو جل وعلا له صورة يعني له صفات، وجعل المخلوق له من الصفات على صفات الرحمن سبحانه «خلق الله آدم على صورته» وهذا خاص بآدم؛ يعني لو تأملت كل المخلوقات ما تجد أنها مثل الإنسان في الاشتراك فيما بين صفاته وصفات الرحمن جل وعلا،
فصفات الرحمن سبحانه وتعالى تجد معانيها في الإنسان بما يناسب ذات الإنسان.
وهذا هو التحقيق في معنى الحديث، خلافا لمن فهموا منه التمثيل أو التشبيه أو الذين ردوه أو الذين جعلوا معنى الصورة الصورة الخاصة، وليست الصورة العامة التي هي بمعنى الصفات.---------------
[سؤال: ما الفرق بين الصورة الخاصة والصورة العامة]
.. مثل ما الفرق بين الإسلام الخاص والإسلام العام، الإسلام ثلاث مراتب إسلام وإيمان وإحسان، هذه ألفاظ في اللغة يكون اللفظ عاما ويدخل في تقاسيمه خاص هو نفس اللفظ، فالصورة هيئة اجتماع الصفات هذه صورة، الصفات صورة، مثل ما ذكرت لك في الحديث الذي في الصحيحين «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة البدر» يعني على صفته في الوضاءة والضياء والكمال كما أجمع عليه الشراح. هذا هو دِلالة اللغة ودلالة موارد الكلمة في الأحاديث.
الله سبحانه له صورة مثل ما جاء في أحاديث كثيرة غير أحاديث الصورة هذا، كما جاء مثلا في قوله «سيأتيهم في غير الصورة التي رأوه عليها أولا، فيقول لهم أنا ربكم، فيقولون له: لا نزال هنا حتى يأتي ربنا. قال: هل بينكم وبينه آية؟ قالوا نعم الساق. فيكشف ربنا عن ساقه فيخر...» إلى آخره.
فجاء في الأحاديث إثبات الصورة لله جل وعلا، وهذه مثل ما قلنا لكم الصورة الخاصة؛ يعني الصورة التي معناها هيئة اجتماع الصفات فالله سبحانه وتعال له صورة تليق بجلاله وعظمته، واجتماع صفاته سبحانه ليست كاجتماع صفات المخلوق، فما خطر في بالك، فإن الله جل وعلا بخلافه، فالمخلوق اجتمع صفة الأصابع مع صفة اليد فيه مع صفة الوجه مع صفة القدمين على هذا النحو الذي أمامك في الإنسان، فالله سبحانه اجتماع صفاته في صورة لا يجوز أن نجعل هذه الصورة كصورة الإنسان؛ لأن هذا تمثيل والقاعدة ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:11].
والحديث هذا «إن الله خلق آدم على صورته» لفظة (على) تقتضي الاشتراك والمطابقة في الصفات؛ لكن لا تقتضي المماثلة، فالله جل وعلا عُدْ من صفاته سواء الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية تجد أن الله جل وعلا خلق آدم على صفاته سبحانه: فالوجه والعينان والسمع والبصر والقوة والإرادة والمشيئة والمحبة والرضا والغضب، والصفات الذاتية: الأصابع والقدم والساق إلى آخره والنفس -يعني عُدْ الصفات-، العلو الاستواء المجيء الإتيان، خذ، لكن هذه الصفات هي معنى قوله «خلق الله آدم على صورته» يعني على صورة الرحمن، فليس في الحديث على هذا شيء جديد، الحديث إجمال تفصيله في الأحاديث الأخرى، فليس فيه جديد هذا الحديث.
وهذا أشار إليه ابن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث قال: استعظموا هذا الحديث لعدم إِلْفِهِم له ولعدم سماعهم له، وإلا فليس هو أعجب من نصوص إثبات الصفات كقوله ?بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ?[المائدة:64]، وكقوله ?وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ?[الرحمن:27]، وكقوله ?وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى?[طه:81]، والآيات يعني في الصفات، هذا وهذا الباب واحد ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:11] سبحانه وتعالى.
.. لا، الحديث الذي في الصحيحين جاء بألفاظ مختلفة «خلق الله آدم على صورته»:
فمرة جاء في بدأ خلق آدم «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا في السماء، فقال له ائتي هؤلاء النفر من الملائكة فانظر بما يحيونك» إلى آخر الحديث، هذا واحد.
الثاني الذي رواه مسلم «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته»، بعضهم قال على صورته يعني على صورة المضروب.
وفيه مستقل بدون هذا وهذا «خلق الله آدم على صورته».
وفيه «خلق الله آدم على صورة الرحمن»، هذا الحديث الذي صححه الإمام أحمد وإسحاق وجماعة من أهل السنة.
أما من أرجع الضمير إلى آدم فهذا قول الجهمية؛ لأن آدم لم تكن له صورة قبل أن يُخلق، كما قال الإمام أحمد قيل له: فلان يقول على صورته يعني على صورة آدم. فقال: وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلق، هذا قول الجهمية. يعني قول الذين يريدون نفي الصفات؛ يعني معنى على صورته يعني على الصفات، الإمام أحمد يعلم أن على صورته وكذلك أهل اللغة في زمانه -وحتى الجهمية- يعلمون على صورته يعني على صفاته، فإذا قالوا على صورته يعني على صورة الرحمن على صفاته اضطروا إلى إثبات تفصيلاتها في النصوص، ولكن لما أرجعوا الضمير إلى آدم صار المقصود منتفيا، فصار ليس في الحديث إثبات الصفات أصلا.
الحديث هذا يدمغ المؤولة والمشبهة والمعطلة؛ لكن الشأن في فهمه كيف يُفهم.
وأنا أعجب كثير من بعض من ينتسب إلى العلم، ويظن أن الحديث فيه تمثيل أو فيه تشبيه، وهذا لأجل فساد اللغة؛ فإن (على) في اللغة ليست بمعنى (مثل) بالاتفاق؛ (على) ليست بمعنى المثلية، خلق آدم على صورته، على صورة الرحمن، ليس معناه مثل صورة الرحمن، نقول هذا أخلاقه على أخلاق فلان، هذا عمله على عمل فلان؛ يعني أنه يتصف بصفات عمله؛ يشترك معه؛ لكن إذا أتيت إلى الكيفية إلى مقدار العمل لا يقتضي المماثلة في ذلك، قد يقتضي المشابهة (على) قد تقتضي التشابه والتشابه في أصل المعنى لا ننفيه، إنما ننفي التشابه في تمام المعنى يعني في كماله أو في الكيفية.
لهذا شيخ الإسلام أطال جدا في بحثه على هذا الحديث ورد على ابن خزيمة على تضعيفه لحديث «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» ونفيه لمعنى الصورة مما زلَّ فيه ابن خزيمة رحمه الله، في بحث معروف رد عليه في نحو خمسين ستين صفحة كبيرة في بحث من أحسن ما كتب على ذلك، في كتابه بيان تلبيس الجهمية، وفي الرد على الرازي في الجزء الذي لم يطبع.
http://majles.alukah.net/t154646/