السؤال
السلام عليكم، للأسف أنا لم أقرأ قرآنًا منذ مدَّة، ولسْتُ أحفظ من القرآن إلاَّ شيئًا يسيرًا جدًّا، وأنا أحب أن أتغيَّر وأبدأ قراءة القرآن بانتظام، وأُتْقِنَ هذه القراءة، وأخشعَ عندما أقرؤه، وأريدُ عند قراءتي القرآن أن أتدبَّر معانِيَه، وأُحِسَّ بِمعاني الآيات، وأربِطَها بحياتي اليوميَّة، فأرجو أن تساعدوني، وأن تدلُّوني على عناوين وأرقام مراكِز تحفيظ القرآن بالمنطقة الشرقيَّة - الخبر؛ فمن المُمْكن أن ألتحق بِها لو قدرْتُ، وحتَّى لو لَم أقدر فأنا مستعدَّة أن أحفظ وحدي


الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فَإنَّ من أراد أن يَحْفظ القرآن الكريم ويتدبَّره، فعليه أن يتعلَّم معانِيَه مع الحفظ, ويكون هَمُّه العملَ به, ومن الممكن أن يستعين بكتاب مختصَر في التفسير، ومَن أراد أن يتلذَّذ بقراءة وسَماع القرآن فعليه بالتَّقوى، وأهَمُّها تَرْك الذنوب؛ لأنَّها قد تُحْبِط العمل الصَّالِح، وتورث الوَحْشة في القلب, فيكون ذلك حاجزًا بينه وبين الحفظ والتدبُّر والعمل.

فأوَّلاً عليه أن يَخْتبر نفسَه في قوَّة الحفظ, ثُم يأخذ القَدْر اليوميَّ الْمُناسب له لِيَحفظه, فمِن المُمكن أن يحدِّد نصف وجه يوميًّا، وهو ما يُقارب خَمْس آيات من الطوال, أو 10 آيات من القِصار, أو يحدِّد لنفسه وجهًا يوميًّا, فالقرآن الكريم (604 وجه)؛ يعني ذلك أنَّ مَن كان حريصًا يُمكن أن يَحْفظه في سنتَيْن, المهمُّ في الأمر أن لا يَضْغط على نفسه فتَمَلّ، ويَنْقطع, بل يَجِب الاستمرار حتَّى ولو كان مقدار الحفظ آيةً أو ثلاثًا, وكلٌّ حسب وقت فراغه وشغله, ويَجِب على المتعلِّم أن يعرض ما يريد حفْظَه على شيخٍ مُتْقِن؛ لأنَّ القرآن يُؤْخذ بالتلقِّي, فإن لَم يتيسَّر له ذلك, فعليه اسْتِماع الآيات الْمُراد حفظها بأيِّ طريقة؛ مِن شيخٍ يقرأ بترتيل واضح غير سريع؛ كقِراءة المصحف المعلِّم للحصري، أو غيره من القُرَّاء, والوسائلُ اليومَ كثيرة ومتوفِّرة، والحمد لله.

فيبدأ بالاستماع ويُتابع مع القارئ وهو ينظر إلى الأحرف في المُصْحف, ثم يكرِّر ذلك مرَّة أخرى وهو يقرأ مع الشَّيخ, ثم يبدأ في الحفظ, والحفظ يأتي بالتَّكْرار، وفَهْم المعاني، وربْطِ الآيات ببعضها, وفي اليوم التالي يُسمِّع لنفسه الوجه الذي حَفِظه، فإن أتقنَه, يبدأ في حفظ الوَجْه الجديد بنفس الطريقة السابقة, وهكذا.. ويَلْزَم من ذلك أن يجعل وِرْدًا للمراجعة اليوميَّة, فمثلاً إذا حفظ جزءًا يَجْعل مراجعة وجْهَيْن يوميًّا إلى أن ينتهي، ثُمَّ يرجع مرَّة أخرى, وإذا وصل في الحفظ إلى عشرة أجزاء، فلْيُراجع على الأقل نصفَ جزء يوميًّا، وإن زاد فحسَن، ولا يقلُّ.

وهكذا، كلما زادت كمِّية الحفظ زادت كميَّة المراجعة, فيُصْبِح عنده يوميًّا ورْدٌ للحفظ، ووِرْد للمراجعة, فمَن حفظ القرآن كاملاً لا يقلُّ في المراجعة اليوميَّة عن جزء, ومع تَكْرار المراجعة يسهل ويصبح خفيفًا.

وإذا بدأ الطَّالب بالسَّيْر في الطريق يسَّرَ الله له، وفتح على قلبه، وأخذ بيده, وهيَّأ له من يُعينه ويعلِّمه ويدرِّسه، حتَّى يكون على الصُّورة التي أحبَّ العبدُ لنفسه وزيادة, وكيف لا والقرآن الكريم شفاءٌ القلوب, ودواء النُّفوس؟ وعلينا الاستعانة بالله والصَّبْر, ومَن عنده التوجُّه أعانه الله وأيَّده, وسَلِي المُجرِّبين، سترين عجبًا من قصَصِهم.

وتوجد كتبٌ كثيرة في كيفيَّة حفظ القرآن بطرق كثيرة، كوَضْع برنامَجٍ للحفظ, يُمكن الاستعانةُ به والاستفادة منه، ويَلْزم أيضًا معرفةُ ودراسة أحكامِ التَّجويد, ولو بدأ بالمختصَرات.

ومن الأمور التي تعين على تدبُّر القرآن:
الخشوعُ عند قراءة القرآن بالتدبُّر والتفكُّر، وحُسْن التلاوة والأداء المجوَّد, وتلاوتُه في صلاة اللَّيل, والقراءةُ بين الجهر والسرِّ, فمَن أصغى إليه بِعَقْلِه وتدبَّره بقلبه، وجَدَ حلاوته وانتفع به, مع استحضار عِظَم أجْرِ قراءة القرآن.

نسأل الله تعالى لكلِّ مَن يسلك هذا الطريق الإعانةَ والتوفيق والسَّداد, وصلِّ اللَّهم على نبيِّنا محمَّد.




رابط الموضوع: http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz4zSGZIUgw